عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الأحد، 31 يناير 2010

تحديد للنسل أم تحديد للعقل

تحديد للنسل أم تحديد للعقل


ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 30 - 01 - 2010
نقلا عن : أحمد خميس



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام:151].

الابتعاد عن شرع الله -تعالى- والخوف من الفقر وجهان لعملة واحدة، إذا تواجد أحدهما فلابد وأن يتواجد الآخر، والمتابع لتاريخ البشر على ظهر الأرض يكتشف ظهور الدعوة إلى تحديد النسل في الأمم التي ابتعدت عن فطرة الله واتخذت لنفسها تشريعاتٍ وقوانينَ ما أنزل الله بها من سلطان؛ فتكون النتيجة أن يُوكَلوا إلى عقولهم وتشريعاتهم التي ارتضوها من دون الله؛ مما يؤدي إلى تنامي الشعور بالعجز وقلة الحيلة، والإحساسِ بضيق الرزق وعدم كفايته؛ مع أن الله تكفل برزق المؤمن والكافر على حد سواء!

ففي بعض "النقوش الأكدية" -عن بلاد ما بين النهرين عزاها العلماء إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد- نصوصٌ تشير إلى أن الآلهة كانت تنزعج من كثرة الناس وتزايد الضجيج؛ فيأمرون بإحلال الأوبئة والأمراض، وحجبِ المطر عن الناس، وغيرِها من الوسائل التي تؤدي إلى الحد من عدد السكان!


وعند "الإغريق" ظهرت دعاوى تحديد النسل في القرن الرابع قبل الميلاد؛ فنجدهم في أشعارهم يعتقدون أن زيادة السكان كانت سببًا في حرب "طروادة". وذكر "مالتس" أن فلاسفة الإغريق كانوا يعتقدون خطر زيادة السكان؛ فكانوا يعمدون إلى قتل أطفالهم! وحدد "أرسطو" عدد المواطنين بما لا يزيد عن 5040 مواطنـًا في المدينة، واعتبره العدد الأمثل للسكان في المدينة.

ومن المعلوم لدينا -بالطبع- ما كانت تفعله قبائل العرب قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية مِن قتل لأطفالهم؛ خوفـًا مِن أن يشاركوهم الرزقَ، وهو ما ذكره القرآن الكريم في غير موضع.

أما في العصر الحديث وتحديدًا في "إنجلترا" في عام 1798م؛ فقد ظهرت "نظرية مالتس" للسكان؛ ومفادها أن عدد سكان العالم يتزايد تبعًا لمتوالية هندسية: "1، 2، 4، 8، 16، 32، 64، 128"، بينما تزداد وسائل المعيشة -مِن غذاء وملبس ومواصلات وسكن- تبعًا لمتوالية عددية: "1، 2، 3، 4، 5، 6".

وعلى ذلك فخلال قرنين يكون عدد السكان بالنسبة لوسائل المعيشة كنسبة: 256 إلى 9، وبعد ثلاث قرون يكون كنسبة 4096 إلى 13، وفي مرحلة متقدمة تؤول الموارد إلى تناقص؛ فالطبيعة لها حد في العطاء تبدأ بعده في تناقص الموارد وهذا ما سمِّي بـ"تناقص الغلة".


ويشير "مالتس" إلى أن هناك نوعين من الموانع التي تعمل على الحد من الزيادة السكانية:

النوع الأول: موانع قهرية؛ مثل: المجاعات، والأمراض، والحروب. وتنتشر هذه الموانع في الدول الفقيرة، وتقضي على جزء من السكان؛ فيعود بعدها التوازن بين السكان وكميات الغذاء.

والنوع الثاني: موانع وقائية؛ مثل: الامتناع عن الزواج أو تأجيله. وتسود هذه الموانع في الدول الصناعية المتقدمة، وينتج عنها التوازن بين عدد السكان وكميات الغذاء في هذه البلاد.

وقد ثبت علميًّا وتاريخيًّا خطأ نظرية "مالتس"؛ لأنه إذا افترضنا -جدلاً- صحة متواليات "مالتس" على صورتها تلك؛ فإنها تكون مرتبطة باستمرار الأوضاع العالمية على ما هي عليه عام 1798م! ولكن هل حدث ذلك؟

بالطبع لا؛ فمنذ الثورة الصناعية في إنجلترا في القرن الـ"18" ومع بدء زراعة السهول العظمى بأمريكا الشمالية تضاعف حجم الإنتاج الصناعي والزراعي في أوروبا وأمريكا الشمالية بمقدار يتراوح بين 30 إلى 40 ضعفًا خلال الفترة ما بين 1850 إلى 1950م، بينما تضاعف عدد سكان العالم خلال تلك الفترة مرة واحدة فقط من 1171 مليون نسمة إلى 2400 مليون نسمة! وهذا يتناقض تمامًا مع نظرية "مالتس"؛ لأن الإنتاج لم يكن أقل من الزيادة في عدد السكان، بل تفوق عليه بـ"40" ضعفـًا، وهذا فيما مضى من تاريخ؛ فكيف ونحن الآن في عصر التقدم التكنولوجي وأثره الكبير على تقدم الزراعة والصناعة، واكتشافِ موارد البحار والجبال، وغزوِ الفضاء؟!


لا شك أن كل هذا يطيح بنظرية "مالتس" لدرجة أن د/ "رمزي زكي" يقول في كتابه: "المشكلة السكانية وخرافة المالتسية الجديدة": "أصبح هناك ما يشبه الإجماع الضمني بين الاقتصاديين بأن التاريخ قد أثبت عدم صحة الرؤية المالتسية في السكان"، ويقول "دينيسه رونج" في كتاب علم السكان: "ولا يتقبل اليوم نظريته عن السكان -أي مالتس- بالشكل الذي صدرت به أصلاً سوى قلة من الديمغرافيين –يعني علماءَ السكان-".

ولكن وعلى الرغم من كل ما سبق؛ فإن الأفكار المالتسية لم تَمُتْ! بل تلقفتها بعض الأيدي؛ لتنفض عنها غبار القرن الثامن عشر الذي أتت منه، وتعيدَ صياغتها في شكل جديد يتلاءم مع معطيات القرن العشرين. وأصبح الحديث يدور حول الحجم الأمثل للسكان؛ لأن الموارد لا تكفي لتزايد السكان إلى ما لا نهاية! وكان من ضمن الأيدي التي تلقفت الأفكار المالتسية "مارك فينكل يلش" و"سيد جويك" عام 1883م في كتاب مبادئ الاقتصاد السياسي، و"إدوين كانان" وغيرهم، وسمِّي هذا الاتجاه: بـ"المالتسيين الجدد"، ونشط هذا الفكر بعد الحرب العالمية الثانية في ستينات القرن العشرين؛ حيث رأى أصحابه أن قلة الغذاء العالمي والجوعَ والتخلفَ سببٌ من أسباب النمو السكاني، وهذا ما أسموه بالانفجار السكاني، ونجح هؤلاء في الترويج لأفكارهم لدى عدد كبير من الاجتماعيين والأطباء والاقتصاديين في دول أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وأصدر نادي روما عام 1972م تقريره الذي أسماه "حدود النمو"؛ الذي راح يبشر بوقوع كارثة عالمية قبل انتهاء القرن الواحد والعشرين؛ بسبب انتهاء المواد الأولية وتلوث البيئة، ولمنع هذه الكارثة ينبغي وقف النمو السكاني.

ومن ضمن مَن تأثروا بأفكار "المالتسيين الجدد": "الجمعية الطبية المصرية" التي أخذت على عاتقها الدعوة إلى تحديد النسل في مصر، ولاقت الدعوة قبولاً عند الحكومة المصرية آنذاك؛ حتى إن ميثاق العمل الوطني في عام 1961م أكد أن مشكلة تزايد السكان هي أخطر العقبات التي تواجه جهود الشعب المصري في انطلاقته نحو رفع مستوى الإنتاج!

أما في أوروبا وأمريكا والاتحاد السوفيتي واليابان؛ فقد ظهرت تشريعات وقوانين تبيح الإجهاض وتدعو إلى تحديد النسل، بل وصل الحال ببعض المالتسيين إلى المطالبة بإجراء عَقـْم للرجال والنساء بشكل إجباري، والعَقـْمِ الجماعي بغير علم الناس عن طريق وضع مواد كيماوية في الماء والطعام! والوقوفِ ضد إصدار قوانين إغاثة الفقراء! بغرض منعهم من التكاثر، وإصدارِ قوانين تُعَقِّد عملية الزواج، وسَنِّ ضرائب على الأطفال!! إلى غير ذلك من المقترحات التي تتنافى مع أبسط مقتضيات الفطرة الإنسانية.


وكما ذكرنا فقد لاقت الأفكار المالتسية آذانـًا صاغية عند معظم الحكومات العربية، واعتبرت هذه الحكومات تحديدَ النسل من أهم أهدافها الإستراتيجية في سبيل تحقيق النهضة الاقتصادية المنشودة، وراحت تنفق على الحملات الطبية والإعلانية؛ لتوعية الناس بمخاطر الانفجار السكاني، ووفرت جميع الوسائل الطبية اللازمة لإنجاح حملة تحديد النسل!

والآن... وبعد ما يقرب من 40 عامًا على ظهور المالتسية في ثوبها الجديد ونجاحِها الباهر في تسويق أفكارها لدى جميع دول العالم: هل حقـًّا كانت المشكلة في عدد السكان؟! وهل حقـًّا يوجد أزمة سكانية في بلادنا؟!

من المعلوم أن مساحة العالم العربي تقدر بـ"14" مليون كيلومتر مربع؛ لتشكل 10% من مساحة العالم المسكون، في حين أن تعداد السكان العرب يبلغ حوالي 313 مليون نسمة حسب إحصائية 2006م؛ أي حوالي 5% من سكان العالم البالغ تعداده 6 مليار نسمة! فهل حقـًّا يوجد أزمة سكانية في الوطن العربي؟؟

ومن المعلوم أن مساحة اليابان تقدر بـ"378" ألف كيلو متر مربع؛ وهو ما يعادل حوالي ثلث مساحة مصر المقدرة بـ"مليون" كيلومتر مربع، في حين أن عدد سكان اليابان يبلغ 128 مليون نسمة حسب إحصائية 2008م، ويبلغ عدد سكان مصر 75 مليون نسمة حسب إحصائية 2007م! واليابان عبارة عن مجموعة الجزر والمرتفعات؛ حيث تمثل الطبيعة الجبلية 73% من مساحة البلاد! وتقع اليابان في منطقة بركانية هي جزء مما يعرف بحلقة المحيط الهادي النارية؛ وتحدث بها الزلازل المدمرة التي تتبعها غالبًا موجات التسونامي البحرية مرات عدة كل قرن! وهي تستورد البترول والمواد الخام! ولكن رغم كل ذلك؛ فاليابان هي ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة! وهي أعجوبة العصر في الصناعة، ولم نسمع يومًا أن بها أزمة سكانية أو أن كثافتها السكانية العالية-338 فرد لكل كيلومتر مربع بينما في مصر 75 فرد لكل كيلو متر مربع- قد أثرت على اقتصادها!!


وللحق فإن اليابان تعاني فعلاً من أزمة سكانية حقيقية هذه الأيام، ولكنها أزمة مِن نوع مختلف؛ إنها أزمة تناقص السكان! فبمجرد تناقص معدلات المواليد هرعت وزارة الصحة اليابانية إلى تحذير الحكومة بأن استمرار المعدلات الحالية على ما هي عليه يؤدي إلى تناقص عدد سكان اليابان بحلول عام 2050م إلى 95 مليون نسمة؛ وعند ذلك يتوجب على حكومة اليابان رفع سن التقاعد إلى 77 عامًا أو قبول 10 مليون مهاجر سنويًّا حتى عام 2050م؛ إذا أرادت اليابان أن تحافظ على استمرارها كقوة عظمى في عالم الاقتصاد!!

ومن المعلوم أن مساحة السودان الغني بالثروات الطبيعية والأراضي الخصبة والثروة الحيوانية الوفيرة تبلغ 2.5 مليون كيلو متر مربع؛ أي حوالي ربع مساحة قارة أوروبا البالغة 10.5 مليون كيلو متر مربع، بينما يبلغ عدد سكان السودان 38 مليون نسمة حسب إحصائية 2006م؛ أي حوالي 5% من عدد سكان أوروبا البالغ 731 مليون نسمة في عام 2004م! ورغم ذلك نجد الأزمات الاقتصادية تتفاقم في السودان وليست أوروبا!!


أما الصين فتبلغ مساحتها 9.5 مليون كيلو متر مربع؛ أي تقل عن مساحة الوطن العربي بحوالي 5 مليون كيلو متر مربع، بينما يبلغ تعداد الصين مليار و300 مليون نسمة؛ بما يزيد عن سكان الوطن العربي بحوالي مليار نسمة! ورغم ذلك؛ فالصين في طريقها لتصبح القوة العظمى الأولى في العالم!!

وتبلغ مساحة الولايات المتحدة الأمريكية 9.8 مليون كيلومتر مربع؛ بما يقل عن مساحة الوطن العربي بحوالي 4 مليون كيلومتر مربع، بينما يبلغ عدد سكانها 281 مليون نسمة حسب تعداد عام 2000م، ومِن المتوقع أن يرتفع في 2009م إلى 307 مليون نسمة؛ أي يقل قليلاً عن سكان الوطن العربي! ورغم ذلك؛ فالولايات المتحدة ما زالت تفتح أبوابها للهجرات الواردة إليها من جميع أنحاء العالم! بل وتعلن سنويًّا مِن خلال سفاراتها عن مسابقات الهجرة العشوائية التي يتقدم إليها آلاف الشباب من الوطن العربي!!

وفي فرنسا التي تبلغ مساحتها 675 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ تعداد سكانها 65 مليون نسمة حسب تعداد 2009م؛ نجد أن هنالك العديد مِن القوانين والتشريعات التي تشجع على زيادة المواليد! وتشجع على جلوس أحد الأبوين في البيت ليرعى أطفاله مقابل 500 يورو شهريًّا في حالة تكَوُّنِ الأسرة مِن طفلين، و750 يورو في حالة تكَوُّنِ الأسرة مِن ثلاثة أطفال!!

وفي إيطاليا التي تبلغ مساحتها 301 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ تعدادها 60 مليون نسمة حسب تعداد 2009م؛ نجد أن الحكومة تحاول جاهدة تشجيع النمو السكاني بتقديم 500 يورو شهريًّا لكل أسرة تتكون مِن طفلين؛ لتشجيع النساء على الولادة!!


وفي ألمانيا التي تبلغ مساحتها 357 ألف كيلو متر مربع -ثلث مساحة مصر-، ويبلغ تعدادها 82 مليون نسمة حسب تعداد 2008م؛ نجد أن الحكومة الألمانية بمجرد تناقص معدلات المواليد بالنسبة لمعدلات الوفيات هرعت إلى تقديم الكثير من التشجيعات؛ لحث الألمان على إنجاب المزيد من الأطفال؛ مثل: إمكانية أن يأخذ الوالدين إجازة لرعاية أطفالهم بأجر يصل إلى 67% مِن أجرهم العادي، وطرحت الحكومة الألمانية في عام 2007م اقتراحات بعمل تخفيضات ضريبية لمساعدة الأزواج الذين يريدون إنجاب الأطفال، كما وافقت على زيادة أعداد مدارس الحضانة التي تسمح للنساء بتربية الأطفال مع الاستمرار في العمل!!

أما روسيا التي تبلغ مساحتها 17 مليون كيلو متر مربع؛ فقد انخفض بالفعل عدد سكانها من 149 مليون نسمة عام 1990م إلى 145 مليون نسمة عام 2002م، ثم إلى 143 مليون نسمة عام 2005م؛ ولكنَّ الروسَ لم يفرحوا بهذا التناقص الذي لو حدث مثلُه في بلادنا لعَدُّوه فتحًا مبينـًا وخطوة عملاقة نحو تحقيق الرخاء الاقتصادي! بل اعتبروه أكبر أزمة تهدد الأمة الروسية في العصر الحديث؛ لأن استمرار معدل التناقص على ما هو عليه الآن معناه أن تعداد الروس عام 2050م سوف ينخفض بمقدار الثلث، وذلك حسب تقرير الأمم المتحدة. وكان الرئيس الروسي السابق "بوتين" قد طلب وقتها من البرلمان زيادة الدعم الحكومي للطفل الواحد بمقدار الضعف ليصل إلى 1500 روبل شهريًّا -55 دولار أمريكي-، وأضاف أن المرأة التي ستنجب طفلاً ثانيًا ستحصل على مكافأة قدرها 250 ألف روبل -9200 دولار أمريكي-، وهو مبلغ ضخم إذا علمتَ أن متوسط الدخل الشهري في روسيا لا يتعدى 330 دولار!!


إن الدول الكبرى تدرك أن تناقص عدد السكان معناه أن تجد هذه الدول نفسَها في موقف تفتقد فيه إلى الأيدي العاملة اللازمة لتشغيل المصانع والدفاع عن البلاد!

معناه أن تضطر إلى فتح باب الهجرة إليها على مصراعيه؛ لتقبل أعدادًا كبيرة من المهاجرين؛ لسد العجز السكاني!

معناه أن هذه الشعوب سوف تواجه خطر الانقراض !!


إن الدول الكبرى هي مَن تدرك أهمية النسل؛ لأن معدل ساعات العمل للفرد الواحد فيها على مدار السنة يبلغ 7 ساعات يوميًّا "اليابان".

أما الدول "غير الكبرى" فلا تدرك أهمية النسل؛ بل تعتبره أكبر مشاكلها وسبب أزماتها؛ لأن معدل ساعات العمل للفرد الواحد فيها على مدار السنة يبلغ 28 دقيقة يوميًّا "مصر"!

إن المشكلة ليست في النسل؛ ولكنها في العقل الذي يدير النسل.


www.salafvoice.com
موقع صوت السلف

الخميس، 28 يناير 2010

التنصير خطر يطال الجميع

التنصير خطر يطال الجميع

محمد جلال القصاص
أضيفت بتاريخ : : 27 - 01 - 2010




الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

توصيف:

الأمر يتعلق بالتنصير تحديداً؛ كان التنصير في أطراف العالم الإسلامي حيث الجهل والفقر، وفي مناطق الحروب خلف الدبابات وتحت الطائرات حيث الخوف وانعدام المعارض؛ ولم يكن التنصير يحمل على راحتيه سوى الخبز والمال، ولا يتكلم عن الإسلام بسوء وإنما يستر قبيح ملته ثم يعرض بضاعته على الجاهلين والخائفين.

وكان التنصير في قلب العالم الإسلامي في المناطق التي يَقلُّ فيها التدين كالمستشفيات، وبين زملاء العمل، يتكلم بأحاديث السر. ولا يطمع في أكثر من تشكيك الناس في دينهم.

وكان أولياء الكنيسة وحلفاؤها في مناهج التعليم، يهدمون الولاء والبراء في عقول أبناء المسلمين، ليخرج جيل تضيع عنه معالم الكفر والإيمان فلا ينصر مؤمناً ولا يعادي كافراً ، وبالتالي يسرحون ويمرحون كما وأينما يشاءون.

وكان المنصرون في مؤتمرات (حوار الأديان) ينتزعون اعترافاً من (علماء) المسلمين بشرعية النصرانية، يسوقون هذا الاعتراف في بلادهم.. يخاطبون به قومهم يقولون لهم هؤلاء (علماء) المسلمين يعترفون بأن ديننا دين قويم، فلا حرج على معتنقي النصرانية، فهم (مؤمنون بالله)، ويسوقون اعتراف (علماء) المسلمين المتحاورين بين الجاهلين والخائفين المستهدفين بحملات التنصير. وقد حدث من ذلك بلاء عظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


واليوم ثمَّ جديد!!

جاء الأقباط فنزعوا درعهم، وأنزلوا نقابهم، ورفعوا صليبهم، وأمَّروا حاقدهم، واستشاروا سفيههم وعمدوا إلى أفضل ما عندنا رسولِ ربنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقرآن ربنا العظيم المجيد، وراحوا يستهزئون ويسخرون من الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ. ودارت رحاها على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى القرآن العظيم. يومٌ كيوم حنين، أعدَّ الأقباط العدة بليلٍ، ثم خرجوا على الناس في عدد من الفضائيات ، وعديدٍ من مواقع الانترنت، وعشرات الغرف البالتوكية وملايين النسخ من المطبوعات المكتوبة والمسموعة والمرئية.

وإننا نشهد الآن تحولات تاريخية في أفعال هذه الشرذمة القبطية، تكمن هذه التحولات في أمورٍ أربعة رئيسية:

أولها: إحداث مواجهة مباشرة بين الإسلام والنصرانية؛ إذ إن هذه الشرذمة القبطية تقدم الكتاب (المقدس) كبديل للقرآن الكريم، ويقف أعلامها كالأقزام سودِ الوجوه أمام الجبل الأشم.. رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقولون ليس بنبي، وهو نبي وإن كذبوه صلى الله عليه وسلم.

ثانيها: استحضار العامة للصراع، ومن المسلمات العقلية عند من يعملون لإيجاد تغيرات في حياة الناس، أن العامة لا تدخل مراحل الصراع الأولى، وإنما تأتي في مراحل الحسم الأخيرة، فالعامة لا تسابق وإنما هي ميدان للسباق، وإن دخلت العامة في مراحل الصراع الأولى فدخولٌ مؤقتٌ للتحريك أو للضغط والتمرير، وقد أخطأ الأقباط حين تكلموا للعوام.

ثالثها: استعمال الكذب طريقاً للدعوة إلى باطلهم، واستعمال الكذب طريقاً للحديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خصوصاً والشريعة عموماً.

رابعها: عالمية الخطاب القبطي، إذ أن فضائيات الأقباط المثيرة للجدل تترجم المهم من برامجها إلى أكثر من لغة من اللغات التي يتكلمها مسلمون كالكردية والأردو، وتستهدف ـ هذه القنوات ـ مساحة واسعة جداً من العالم الإسلامي. وزاد من هذا الانتشار أن الصراع في العالم الإسلامي بعد فشل العلمانية بدأ يتجدد على خلفيات دينية.

ولم يتم الإفادة من هذه المعطيات بعد!!


وأضع بين أيديكم تصوري عن طريقة الإفادة، أملاً في التصويب أو الدعم والترشيد، سائلاً الله لكم الفردوس الأعلى من الجنة مع الأحبة محمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحبه:

عقيدة النصارى ليست بشيء، ولم تنتشر النصرانية يوماً بالدعوة، بل بقوة السلطان، ولم تمسك رعاياها إلا بالحجب ثم الكذب والتدليس، فهي عقيدة تكررت خمسة عشرة مرة من قبل، وهي ذات العقيدة التي كانت عند الفراعنة والبوذيين وغيرهم، وعقيدتهم لا تؤخذ من كتابهم ، وكتابهم لا يُعرف كاتبه جملة بل وتفصيلاً، وكتابهم أخذ (القداسة) من البشر، وكتابهم ينطق بأنه من أقوال مَن لا خلاق لهم ممن يتعاطون أقوال البغايا والسفهاء، وكتابهم يحذره السفيه على نسائه وأطفاله، وهم مختلفون في كل شيء... اختلاف تضاد لا تنوع... فكيف لو أظهرنا هذا للناس؟

تراهم يستمسكون به؟؟

إلا عناداً واستكباراً.

وعامة الناس لا تعاند في الغالب، وإنما تتبع، أو تنهزم وتنكبت ثم تتبع حين تصير الغلبة للإسلام وأهله، فهي الآن فرصة سانحة لدعوة النصارى ودعوة المسلمين المفرطين في دينهم.


وكبرى الفوائد في هذه الجعجعة المنتشرة من التنصير توحيد صفوف الصحوة ، أو الإفادة من قواها المهدرة بين صفوفها ، إذ إنّ الملاحظ الآن أن هناك تكتلات فكرية (صحوية) تتكون لبدء مرحلة من الصراع الفكري الداخلي، ليس بدايتها الصراع بين ما سمي بـ (الجامية)، و (القطبية)، نبتت (الليبرالية الإسلامية) ـ على سبيل المثال ـ واستوت على سوقها وراحت تبارز إخوانها؛ واتخاذ النصارى هدف من شأنه أن يفك هذا الاشتباك... كجَّدِّ السير يوم بني المصطلق كي لا يتكلم الناس فيما افتراه المنافقون... إن وجود هدف بعيد مشترك لكل التوجهات الناشئة على الساحة الدعوية من شأنه أن يوفر الجهد ويجمع الشمل.

وهي فرصة لضبط الساحة الفكرية (الدعوية) إذ إنّ النصارى هم مصدر كل القضايا التي تثار على الساحة الدعوية ، وخذ مثلا من القضايا المثارة (رضاع الكبير)، وقد أخذت شوطاً طويلاً من النقاش شارك فيه عدد من المتردية والنطيحة وما أكل السبع بجانب العلماء، و(مدة الحمل)، و(زواج بنت التاسعة)، و(الآخر)، و(السلام.. الإرهاب.. الجهاد)، و (حجية السنة والقرآنيون)... وهم من نبشوا عن الشاذين فكريا، قديماً واليوم .

قديماً فيما عُرف بالاستشراق، الذي جدَّ واشتدَّ وصبر وصابر حتى تعلَّم علمنا التقني في الأندلس وعاد به إلى بلده، ثم عاد إلينا ثانية وأخرج من بطون الكتب ما شتت به فكرنا قرنين أو يزيد من الزمان.

واليوم ـ في واقعنا المعاصر ـ هم من أخرجوا (القرآنيون) وأمدوهم بأسبابٍ ، وهم من مكنوا للشاذين من أمثال (شحرور), و(سيد القمني) و(خليل عبد الكريم) و(أبكار السقاف)....

فالتنصير الآن تحديداً بعد أن صارت المواجهة معه فكرية لم يعد بمعزل عن العلمانية أبداً. التعاون بينهم شديد.

وليس فقط العلمانية بل والمذاهب المنحرفة فهناك تحالف ـ ضمني ـ بين الشيعة والمنصرين, لحساب المنصرين.

الروافض مصدر أساسي من مصادر الشبهات التي يتكلم بها النصارى، وخاصة في الطعن في القرآن الكريم ونساء النبي وصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم-، والروافض يحضرون ـ بأشخاصهم أو تسجيلاتهم ـ للحديث في ملتقيات النصارى عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وعن القرآن وعن أتباع النبي ممن هم على ظهرها اليوم.


ويتجه الجميع إلى (السلفية)، يهجمون على الأشخاص، وقد تعرضوا لشخص الشيخ محمد حسان والشيخ محمد الزغبي والشيخ أحمد السيسي. وهؤلاء هم من تراهم أعينهم ، ويهجمون على المساجد، وقد قاموا بحملة كبيرة على مسجد العزيز بالله مؤخرا.

وإنهم اليوم يعلنون عن الكفر صراحة، كان من يكفر يستتر، ثم يهرب إلى الخارج، واليوم يعلن في كل وسيلة متاحه عن كفره، ويواجه الناس، بل ويدعوهم للكفر علانية. وبدى جيداً أن القوم منظمون، يعملون على عدد من المحاور ويتبادلون الأدوار، مما ينذر بأننا أمام هجوم منظم يحتاج من يدفعه بدراية وعلم، عندهم ذراع إعلامية، وذراع قانونية، وذراع بالخارج. وكلها في أفضل حالتها عدةً وعتاداً.

وإنهم لا يقنعون بمرحلة، وإنهم جادون اليوم في تغير المادة الثانية من الدستور للقول بأن البلد للكافرين كما هي للمسلمين، وإنهم اليوم يتمددون، ويهاجمون كل من يحاول أن ينتقدهم، كان فرداً أو كانت مؤسسة، فقد هجموا على الشيخ زغلول النجار، وعلى عدد غير قليل من المتصدرين للناس الساكتين عنهم، وهاجموا عدداً من المساجد التي تقف في وجههم كان آخرها مسجد العزيز بالله، ويقفون بالمرصاد لكل من ينتقدهم وإن كان بأسلوب علمي بعيد عن التجريح وتعاطي الأشخاص، حتى سارع قومنا في رضاهم أو بالأحرى في تجنب سخطهم. فصاروا يمتنعون عن ما يؤذيهم!!

وإن النصارى اليوم يتجهون متكئين على الكوافر والروافض والملحدين وباقي المنحرفين إلى التوجه السلفي في الأمة، فالله الله وأنتم رواده، وأعيانه، بل رأسه وعينه ولسانه.

وفي المقابل.. ومع أن الحدث جلل، ومع أنه يدوي في كل جنباتها.. وفي كل أوقاتها، ومع أن ثمار الشر بدت، إلا أن قومنا ما زالوا خلف الحدث، قد صموا آذانهم واستغشوا ثيابهم، متعللين بالشغل!!

ولا يطلب منهم أكثر من رد الشبهات، ولا يطلب منهم أكثر من البيان للناس!!

هل المشكلة قبطية، تتعلق بالداخل المصري فقط؟


هكذا تبدو، ولكنها في جوهرها عالمية، دلائل عالميتها ما يحدث من آن لآخر في جنبات المعمورة من تطاول على شخص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى ثوابت الدين، في الدينمارك ثم أوروبا كلها، ثم عودة الدينمارك ثانية ، ثم في المغرب العربي (في بعض الصحف) ثم في أمريكا حين داسوا المصحف، ومن دلائل عالمية هذا التغير الفكري أن الصراع العسكري كله في العالم الآن على خلفيات عقدية، في فلسطين، والعراق، والصومال والشيشان وأفغانستان، فكما قدمتُ لكم الصراع تجدد على خلفيات دينية... ولكن الأقباط بحمقهم يتصدرون، وعلينا أن نحافظ عليها قبطية... لماذا؟

لأن الأقباط تغلي صدورهم، ويمسك زمامهم سفهاؤهم، فهؤلاء الذين على رأس الكنيسة المصرية الآن مردة.. من شياطين الإنس، متمردون.. قتلة، ومثل هؤلاء لا يملكون حيلاً فكرية، ولا يصبرون لأهداف بعيدة، وإنما طواغيت يبحثون عن تغير في أرض الواقع في حياتهم هم، وهو ما لم يأذن به الله في سننه الكونية... وقد بثوا خطاباً حماسياً في قومهم فحشدوهم عن بكرة أبيهم، حتى أنك لا تسمع مخالفاً من الأقباط، وهذه حالة من التعبئة للصدام، وليست حالة من الدعوة والفكر... فوجود الأقباط بهذا الشكل أمان من فك الاشتباك وعودتها ثانية إلى المصالحة بين الكفر والإيمان.


من يقف في وجه الأقباط؟

لم يسجل الحاملون للدعوة الآن.. ممن يتحدثون للناس.. من شيوخنا ـ حفظهم الله ـ حضوراً، ولا دعماً، اللهم ما قل وندر في الفترة الأخيرة، ولستُ هنا ـ ولا هناك ـ أرصد خطئاً، أو أشجب على أحدٍ، فكل أدرى بحال نفسه، وكل موقوف بين يدي ربه، وملاقٍ نبيه على الحوض فمرحبٌ به أو مدفوع مزجور، عياذاً بالله.

الفاعل الأساسي في وجه النصارى اليوم هم (المتحمسون)، هكذا أسميهم، ويطيب لي تسميتهم بهذا، وهم رجال كتب الله أجرهم ورفع الله ذكرهم وغفر الله لنا ولهم.


المتحمسون والحاجة للدعم:

كانت بدايتهم عفوية، بلا تخصص ولا أدنى دراية، كانت بدايتهم لا تهدف لغير الانتصار على من تطاول على حرمات الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعرفتهم معدومة أو تكاد. ثم هم اليوم ظاهرة تشكلت وفرضت نفسها على الواقع، فمنهم مَن لا يتجرأ عليه أعلى تخصص في الكنيسة المصرية ، ومنهم اليوم من يتكلم العبرية، واليونانية، فضلا عن الإنجليزية، درسوا تلك اللغات الغريبة نصرة للدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومنهم من يتكلم في مسائل دقيقة جداً تَبَيَّنَ أن كثيراً من قساوسة النصارى لا يسمعون عنها، وأعني (النقد النصي) تحديداً. ومن يصنف كتباً يقف أمامها منبهراً المنصفون من المختصين في (مقارنة الأديان).

إننا أمام ظاهرة جديدة (تخصص المتحمسين)، تشكلت في البالتوك، ونمت وتطورت، وهي اليوم تتكاثر، فهم يؤلفون الكتب التي يشيد بها نفر من الحاصلين على الشهادات، ويصدرون المجلات الدورية ذات التخصصية العالية، ويحتاج هؤلاء الدعم منكم حفظكم الله.

لا يوجد عذر حقيقي للتخلي عن رد الشبهات التي تثار حول الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ.


ولا يوجد عذر حقيقي للجلوس عن بث ثقافة مضادة للتنصير عند عامة الناس. وإن من يقل عنها صغيرة تكبرونها بمقالاتكم لم يعط المسألة حقها، وإن سكت الناس اليوم عن لومه تكلموا غداً، فبعد أن يموت المرء ويغيب من حياة الناس لا تكون له ذات المهابة التي كانت له وهو بينهم، وساعتها ـ وهو في التراب معرض للحساب ـ ، يكون أرجى للحسنات وأدفع للسيئات.


القضية بعيدة عن السياسة، وبعيدة عن المشاغبات الأمنية فلا أحد يطالِب بنفير ضد أصحاب السلطان، ولا أحد يرضى بتهييج العوام، فقط بث ثقافة مضادة لما يتكلمون به، ثقافة تدفع الشبهات وتبصر الناس بحقيقة ما (يبشرون به) ثقافة تدفع الكفر عن الناس.

ولا يتطلب الأمر قطع برامج الشيوخ وطلبة العلم الكرام، بل إدراج هذا الهدف ضمن برامجهم، ويسع الجميع، وتوجيه طلبة العلم في مصر إلى دراسة النصرانية كأحد أهم القضايا الدعوية المطروحة الآن.

هذا ما عندي مختصراً، وآثرت الوصف على الطلب، ومن شاء مزيد بيان كتبت له.


محمد بن جلال القصاص

ظهر الجمعة 21/ رمضان / 1430هـ

‏11‏/09‏/2009

الإعلام الإسلامي... مشكلات في خط المواجهة !!

الإعلام الإسلامي... مشكلات في خط المواجهة !!


خباب الحمد
أضيفت بتاريخ : : 25 - 01 - 2010




يواجه الإعلام الإسلامي مشكلات خطيرة في طريق عمله الشاق في توعية العقول، وصياغة الأفكار، وأساليب البناء العقائدي والثقافي والحضاري للأمَّة المسلمة، ويمكن القول: إنَّ هذه المشاكل أو الإشكاليات أو المشكلات بعموم ألفاظها اللغوية الجائزة، ليست عامة على وجه الإطلاق في إعلامنا الإسلامي بل قد تكون هنالك مشاكل لدى بعض الوسائل الإعلامية المتاحة فتختلف هذه المشاكل من وسيلة إعلامية إلى غيرها من ضروب الإعلام باختلاف أنواعه.

والإعلام بعامة سلاح خطير للغاية، وقد سمَّاه كثير من أهل الشأن بالسلطة الرابعة، بل كان (هيغل) يقول معظِّماً لشأن الإعلام: "الصحيفة هي الصلاة العلمانية الصباحية للإنسان الحديث!!"؛ وهو حديث شخص ملحد، إلاَّ أننا نلحظ أنَّ غالبية المسلمين يقومون في الصباح الباكر وبعد أداء صلاة الفجر؛ بمطالعة الصحف والجرائد، أو مشاهدة مواقع الإنترنت، أو متابعة القنوات الفضائيَّة لسماع الأخبار، والاهتمام بجديد اليوم من خلال هذه الوسائل الإعلامية.

ولأنَّ الإعلام فتح كبير في زمن العولمة؛ فإنَّ على روَّاده من المسلمين استغلاله للتأثير على الناس ومواجهة التحديات المعاصرة، وعليهم أن يستصحبوا معنى كلمة: "الإعلام الإسلامي" لكي يفلحوا وينجحوا، ولكي لا يكونوا عرضة للتنازلات والضغوط التي تهوي بهم إلى جرف هار!!

وبما أنَّ الأصل في الإعلام الإسلامي أن يستقي جميع أموره وتعاليمه من الشرع الإسلامي، ومقاصد الشريعة، مع فقه الواقع الحياتي وخبرات الناس وتجاربهم بما لا يتناقض و ثوابت الإسلامي عقيدة وقيما؛ فإذا كان ذلك كذلك لزم صناعة بديل حيوي وفعَّال وإيجابي يجذب الأبصار لمشاهدته ومتابعته.

إنَّ من الممكن أن نقول من خلال متابعتنا للمسيرة الإعلامية للإعلام الإسلامي بأنّهَ يتطور يوماً بعد يوم، ويكتسب الخبرات، ولنتحدث على مستوى الفضائيات والإذاعات والصحف، فقبل ثلاث عقود من الزمان، كانت المجلات الإسلاميَّة تعد على الأصابع، وكذا الإذاعات الإسلاميَّة، وأمًّا الفضائيات فلم يكن هنالك إعلام فضائي إسلامي ملتزم ومحافظ!!

ومع هذا كله فإنَّ مسيرة الإعلام الإسلامي محفوفة بالمخاطر، وأمامها عقبة كؤود، فالإعلام الإسلامي يمشي في طريق مؤلم وشاق مع تعرضه للمخاطر، لكن بجهود الصالحين، وعمل المخلصين من أبناء الأمَّة، وملازمة الرقي والإبداع وصناعة الأفكار الجميلة والرائعة يتحسن الحال، ويصلح الوضع وترتقي المنظومات الإعلاميَّة الإسلامية بكينونتها الفكريَّة.

لقد قال (بيل جيتس) رئيس شركة مايكروسوفت وأحد كبار المشتغلين بالتقنية في مجال الحاسب الآلي: "من يسيطر على الصورة، يسيطر على العقول"، وما دام أنَّ الإعلام الإسلامي يريد التأثير على العقول وجذب الناس إليه، فعليه أن يكون على مستوى التحديات التي تواجهه، ويصنع من الأزمة مخرجا، ومن الصعائب حلولاً.

لنضرب مثالاً واقعياً على ذلك فقد كشفت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكيَّة في مقال لكاتبها (هوارد لافرانشي) وذلك في يوم الخميس الموافق 6/8/1429هـ أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش أغلقت ملف: "تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكيَّة في الخارج" وبدأت في تبني سياسة جديدة تعتمد على إبراز صورة المسلمين في صورة "المتطرفين" كمحاولة من الإدارة لتبرير حروبها ضد المسلمين في العالم، مع استخدام ألفاظ أكثر تشدداً تجاه المسلمين وتصويرهم دائمًا في صورة "المتطرفين" كمحاولة من إدارة بوش لتبرير حروبها ضد المسلمين في العالم، وتقضي الخطة البديلة بالإعلاء من شأن محاربة ما يسمى بالتطرف الديني على حساب الحوار.

وبغض النظر عن صحَّة هذه الدعوى من عدمها، مع ميولي لصحتها؛ وذلك لأننا نرى تشديداً إعلامياً في محاربة الرموز الدينية والمقدسات الإسلاميَّة والمصطلحات الشرعيَّة الإسلامية من قبيل (الجهاد ـ الولاء والبراء ـ قوامة الرجال على النساء) وغيرها، ولكنَّنا في حالة كهذه ينبغي أن نفترض أنَّه سيكون هنالك توجه إعلامي بناء على هذه الخطة بحرب إعلاميَّة كبيرة من المؤسسات الإعلامية الغربيَّة والمستغربة ضدَّ المسلمين علماء ومجاهدين ودعاة، وإبراز السقطات والأخطاء وما إلى ذلك، والمبتغى الأكيد تجاه هذه الحرب الإعلاميَّة الكبرى أن يكون هنالك خطَّة إعلاميَّة إسلاميَّة متبادلة بين المؤسسات الإعلامية لمواجهتها لأن تكون على مستوى التحدي والمواجهة، وإلاَّ فلنعزِ أنفسنا بضعف إمكانياتنا وهذا ما لا نتغيَّاه ولا نتوخاه من إعلام إسلامي صادق!!


ينبغي أن ندرك في واقع الأمر أنَّ الإعلام فتنة وذلك لالتباس ما يعرض فيه بين الحق بالباطل، ولعلَّ تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوارد في صحيح الإمام البخاري عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أنَّه قال: أَتَيْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ: «اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ اَلسَّاعَةِ، مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ، ثُمَّ مَوْتَانِ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ اَلْغَنَمِ، ثُمَّ اِسْتِفَاضَةُ اَلْمَالِ، حَتَّى يُعْطَى اَلرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ اَلْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي اَلْأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اِثْنَا عَشَرَ أَلْفًا».

فلعلَّ ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ اَلْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ» أن يكون تفسيرها: هذه الأقمار الصناعية التي تلتقط منها القنوات الفضائية جميع المحطات في العالم أجمع، وتنقل للناس في أصقاع الدنيا وأقطار المعمورة ما يحدث في كل مكان، وهي بحقيقتها تحمل الكثير من الشر وبعض الخير، فتكون فتنا للكثير من المسلمين، ولعلَّ ما يزيد ذلك ترجيحاً ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه : (7/482) بسند صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قوله: «ليوشكن أن يصب عليكم الشر من السماء حتى يبلغ الفيافي"، قيل: "وما الفيافي يا أبا عبد الله؟"، قال: «الأرض القفر».

ولهذا قد نجد أناساً في البادية يعلمون عن أخبار أمم الشرق والغرب من خلال الأطباق اللاقطة للفضائيات والتي تجلب الخير والشر، فكان من اللازم لقادة العمل الإعلامي الإسلامي أن يحفظوا عقول وأذهان المسلمين من أن تلتقط أفكاراً مخالفة، ويحاولوا قدر الإمكان بث الأفكار الإسلامية ونشرها؛ لإعطاء الناس حصانة فكرية وشرعية لكل ما يخشى أن يتأثروا به من إعلام القنوات المخالفة وغير المحافظة والتي تبث الفتن بنوعيها إن كان ذلك من قبيل الشبهات أو الشهوات، ومن ضمن ما يمكن المناداة له لصناعة إعلام إسلامي قوي متين، أن تكون هنالك باقة خاصة للقنوات الإسلامية أو المحافظة على الأقل، لكي يكون فيها استبعاد للقنوات السيئة والرذيلة، ولكي يستطيع المشاهد العربي المسلم مشاهدتها دون تشفير لقنوات أخرى تعكر باله يفوق عددها عن ألف قناة.

ألا يمكن التحادث في هذا الشأن بهذه اللقاءات الدورية بين الإعلاميين الإسلاميين، ومحاولة إيجاد قمر يستقبل هذه القنوات فقط أو يكون خاصاً بها.

لقد قال أحد أعلام الفلسفة: "كن رجلاً ولا تتبع خطواتي"، ونحن نقول للمؤسسات الإعلامية كوني على قدر المسؤولية وحاولي قدر الإمكان أن تسايري هذا العصر بروح التكامل والتوازن، وأدوات الجودة التي لا يمكن الاستغناء عنها في ظل ما يمكن أن نسميه: (صراع إعلامي) بين الحق والباطل.

هذا الإعلام الإسلامي يواجه الآن وسيواجه كذلك عدَّة عراقيل تضاده وعقابيل تحجزه أو تمنعه عن مواصلة سيره في دربه الذي اختطه ويعمل لأجله؛ ولأجل ذلك فقد أحصيت بعضاً من المشكلات التي تواجه القائمين على المؤسسات الإعلامية، لكي نعرفها على الأقل في البداية ونحصرها، حتى نفكر في الحلول المجدية التي يمكن تلافيها في المستقبل القريب أو الحد من هذه المشكلات التي تواجهنا، ولقد قال تشارلز ليزنج: "إنَّ المشكلة حين ندوِّن تفاصيلها نكون قد حصلنا على نصف حلِّها".

والمشاكل التي تواجه المؤسسات الإعلامية الإسلامية تنحصر في مشكلتين رئيستين وهما:

1) مشاكل داخلية.

2) مشاكل خارجية.



مشاكل داخلية تواجه المؤسسات الإعلامية الإسلامية:

ومن تلك المشاكل الداخلية ما يلي ذكره:

• ضعف المنهج الإسلامي عند بعض العاملين في المؤسسات الإعلامية الإسلامية:

فهنالك مؤسسات إعلامية يقوم عليها إسلاميون، جعلوا هدفهم ونصب أعينهم ـ كما يقولون ـ الانطلاق من ثوابت الإسلام وعقيدته، ولكنَّ النظرية لا تغني عن التطبيق، والقول لا ينفع دون الفعل، والكلمة المزخرفة لا تقنع العاقل ما دام أنَّها لم تظهر عبر منهج فعلي سلوكي.

فنشاهد مجازفات ومخالفات واضحة في خط بعض المؤسسات الإعلامية الإسلامية، من ظهور شخصيات لا تمت للمنهج الإسلامي بصلة؛ مع إعطائهم هالة إعلاميَّة لا يستحقونها، والأنكى من ذلك أن يطلق عليهم مفكرون إسلاميون، وهم إلى الليبرالية ومنهجها أقرب منهم إلى الإسلام وشرعته، ويحاولون أن يبثوا سماً وفتنا وشبهات في آذان المستمعين!!

كما نجد ظهور النساء سافرات متبرجات كاشفات عن شعورهنَّ وشيء من جسدهنَّ، ويظهرن في مقابلات فضائيَّة عبر القنوات الإسلامية، وبصورهنَّ في بعض الجرائد والمجلات الإسلاميَّة، أو عن نساء متحجبات ولكن حجاب آخر موضة أو تقليعة من الألوان الزاهية المثيرة، والمكياج والكحل، وأنوع الزينة، وكل هذا داخل في باب الحرمة الشرعية.

وفي مجال الإعلانات والدعايات من الانحراف عن المنهج الإسلامي وعرض ما لا يجوز، ومن الكذب والمبالغة في تسويق بعض المنتجات عبر هذه (المؤسسات الإعلامية).

ونجد المبالغة الشديدة في استخدام المعازف المحرَّمة، وأدوات الطرب، التي لا يجوز استخدامها في غير الإعلام فما بالنا بالإعلام القائم على النشر والتسويق.

زد على ذلك؛ القيام باستفتاءات لجمهور من الطلبة والطالبات المتبرجات وجلوسهم مع بعضهم البعض بشكل مختلط، وسؤالهم عن قضايا شرعيَّة لا يحق أصلا الاستفتاء فيها وأخذ رأي الشباب والفتيات فيها مع قصور علمهم، وضعف التوجه الإسلامي لديهم.

كذلك نلحظ ضعف ارتباط بعض المؤسسات الإعلامية بأهل العلم الثقات الربانيين بتكوين هيئات شرعيَّة تشرف على مثل هذه المؤسسات الإعلامية أكان ذلك فضائية أو مجلَّة وما نحا نحوها، وذلك ما يسبِّب سيطرة رؤوس الإعلام على العمل الإعلامي الإسلامي والدخول ببعض الأفكار الغريبة أو الممارسات المستغربة لأن تظهر في قنوات أو مجلات إسلاميَّة!!


• ضمور الطاقات الإدارية الفعَّالة والفاعلة في إدارة المؤسسات الإعلامية:

نجد في كثير من الأحيان أنَّ العمل في بعض هذه المؤسسات الإعلاميَّة، تحت إدارة بعض المشايخ الثقات، ولكنَّ بضاعتهم في علوم الإدارة والتخطيط للمشاريع مزجاة وضعيفة، فضلاً عن العمل في كثير من الأحيان بروح الفوضويَّة والتكاسل والتواكل، وقلَّة الخبرة مع اشتغال الوساطات والمحسوبيات في بعض الوظائف الإعلامية، والتي لا تحسن الإدارة في هذه المؤسسات، مع أنَّها تظن أنها تحسن صنعاً، "وكم من مريد للخير لم يصبه"، بل نجد بعضهم حين يخفق في مشروع الإعلامي يدندن بالعبارة المشهورة: "علينا العمل دون النظر إلى النتائج"، وهي عبارة تحتمل الصواب والخطأ وإنَّ كانت بنظري بحاجة لمراجعة فكرية إذ الدوغمائيَّة ـ كما يقولون ـ والعشوائَّية في بعض المشاريع الإسلامية تطفو على السطح الفكري، والأصل أن يكون التخطيط سليماً لكي يكون الوصول للهدف سليماً.

في بعض وسائل الإعلام الفضائيَّة ـ كمثال ـ نجد مقدِّم البرنامج أقرب إلى الروح الخطابيَّة منه إلى الروح الإعلاميَّة التي تستخدم جميع أدوات التأثير الإعلامي على عقل المشاهد، وأظن أنَّ قلَّة قليلة منهم من تخرجت في مدرسة إعلاميَّة وقامت على نفسها بالممارسة المستدامة حتَّى تبلغ الدرجة المرجوَّة من القبول الإعلامي في التقديم للبرامج.


• العنصرية والحزبية المقيتة:

ما أسوأ العنصرية والحزبية الضيقة التي تكرِّس المفهوم القاضي بالقول: "من لم يكن معنا فهو ضدنا"، فلو وَجَدَت بعض المؤسسات الإعلامية شخصا يحمل منهجاً إسلامياً نقياً وخبرة إعلامية واعية ، لكنَّه اختلف معهم في بعض التصورات والمفاهيم، فبدلاً من أن يبقوه معهم ويكتسبوا شيئاً من خبراته، أو يحصل بينهم وبينه نوع من الحديث التفاعلي مع مطارحة الآراء سواء أثَّر فيهم أو أثَّروا فيه، لكان في ذلك نفع للجميع، وليتهم يأخذون بمبدأ الشورى وعرض ذلك من خلال هيئة معلوم عنها النزاهة والحياديَّة مع الأخذ بالحق والموضوعية، ولو أنَّهم فعلوا لكان في ذلك الخير والنفع ولكن هكذا يحصل من بعض المؤسسات الإعلامية (الإسلامية) الحزبية والمتعصِّبة لحزبها في الوقت نفسه!!

ولست أقصد بالحزب هنا هي مجموعة الأحزاب الإسلامية، فهذا جزء منها، ولكن من الأحزاب ما لا يعدوا أنفسهم حزباً وهم حزبيون أشد من بعض الأحزاب، وكذلك ما نجده لدى بعض العاملين في الحقل الإعلامي الإسلامي من تقديم الجنسيات التي نشأت في تلك الدولة تلك المؤسسة الإعلامية، وتقديم من يكون من جنسية تلك البلدة على أهل الخبرات والمهارات والطاقات التي تكون لدى آخرين، لأنَّ الداعم لهذه القناة أو تلك محسوب على جنسيَّة محددة، ولهذا فسيكون غالب العاملين من تلك الجنسية وأكثر المستضافين من تلك الجنسية، ولا شكَّ أنَّ هذا يضر بالعمل الإسلامي العام.


• سطحيَّة التفكير الاستراتيجي:

الإعلام الإسلامي بحاجة ماسة إلى من يضع الأهداف ويرسم الحلول ويهدف لذكر البدائل المتاحة في حالة وقوع أية معضلة تحل بهذه المؤسسة الإعلامية.

(البارادايم) والمقصود به: صناعة المنظور الشامل لدى هذه الوسيلة الإعلامية الإسلامية، والتي تطمح للارتقاء والنمو زمنا بعد زمن، أراه غائباً لدى بعض المؤسسات الإعلامية الإسلامية، فكم من قناة ظهرت خلال خمس سنوات أخيرة، ثم اختفت فجأة دون ذكر أسماء لهذه القنوات، والتي كانت تهدف إلى البقاء والاستمرار، ولكن ضعف البنية الاستراتيجية، واستراتيجية الإدراك للحراك ـ كما يقوله الدكتور جاسم سلطان في كتبه؛ كل هذا أدَّى إلى السطحيَّة في التعامل مع هذه الأشياء بروح التوازن والتكامل والتخطيط القويم.

ولهذا فما أن تحيق بهذه المؤسسة أو تدور عليها دائرة، فما أسهل أن تراها أعلنت وقفها أو إغلاقها بحجة ضعف الدعم المالي، أو حصول خلافات في المؤسسة، وما شابه ذلك، والمشكلة الأكبر أن نرى تكرر مثل هذه الأحداث فينة بعد أخرى، دون استفادة من تجارب الآخرين، و"التجربة فيها موعظة" كما يقول الصحابي الجليل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وهذه القرارات المتسرعة هي في الحقيقة معضلة تحتاج لقرار صائب في المعالجة والتقويم.

ومن خلال عدَّة تجارب إعلاميَّة من هذا القبيل، ندرك أنَّ بعض هذه المواقع والمؤسسات الإعلامية كانت نتيجة حديث أخوي، ما لبث أن أطلق سريعاً في عصر السرعة، دون سابق تفكير منهجي وتأملي لمسار هذا الموقع، والخطط الجارية عليه حين الإطلاق، ولذا فلم يبقَ طويلاً لأنه أطلق سريعاً ، وأغلق بعدها سريعاً ، ومن هنا يقول أحد المفكرين: "لدينا أفكار كثيرة لا تجد سبيلها إلى التطبيق، وأعمال كثيرة لم تسبق بأي تفكير".


• العرض في الظروف الطارئة:

بعض وسائل الإعلام تتناول الحديث عن المقدسات الإسلامية في وقت الأزمات وهذا حسن، لكن أن نمضي قدماً لصناعة برامج خاصة في هذا الإطار وحول هذه الدائرة المهمة، فإنَّ هنالك تقصير واضح حول هذه الأحداث.

ولنتحدث حول أزمات سياسية تمر بالأمة فإعلامنا الإسلامي كثيراً ما يغفل عن الحديث حول وضع المسلمين في الشيشان ومستقبل القضية القوقازية، وقضية كشمير والاتفاقيات التي تجري من مدة وأخرى حيالها وقلَّما تشير إليها الأضواء، فنرى أنَّ وسائل إعلامنا الإسلامية مقصرة في الإشارة لها، فلا تعرض الحديث عن ذلك إلا في وقت الطوارئ، وساعة الأزمات، وهذا أمر معلوم لدى الكثير من رواد الإعلام ومؤسسيه، ولكنهم لا زالوا يراوحون مكانهم بهذا الخصوص إلا لماما!!

ولا أنسى حينما استدعت المملكة العربية السعودية سفيرها في الدنمارك، حيث قالت رئيسة حزب الائتلاف مع الحزب الحاكم الدنماركي: "اتركوه فإنَّه سيعود بعد أسبوع ... هكذا شأن العرب!!"، وأذكر بعدها حين نطقت هذه المجرمة بهذه الكلمة، حيث سمعها وعلم بها الكثير من المسلمين، فحفَّزتهم في إشعال جذوة الوقود في الدفاع عن رسول البشرية عليه الصلاة والسلام، وحرَّكتهم في الذب عنه صلى الله عليه وسلم أكثر فأكثر.

المهم أن يكون هنالك عرض للقضايا الإسلاميةَّ عموما، وأن يكون هنالك صحفيون أشبه بالباحثين عن الحقائق المختفية، لكي يقدموا برامج ذات انتشار وصيت ومفعمة بروح التجديد والنشاط والمعرفة المستمرة.


• ضعف الاختراق الإعلامي لغير المسلمين:

ندرك أنَّ الحديث حول هذا يحتاج لجهود كبيرة لكي تكون هنالك وسائل إعلاميَّة إسلامية هادفة تصل لغير المسلمين، وتؤثر في مستوى تفكيرهم وطبيعة نظرتهم للعالم الإسلامي، ولا أشك أنَّ الإعلاميين الإسلاميين يدركون مدى ضرورة الخبرة بإعلام الآخرين ووسائلهم الخبيثة للغزو الفكري، والسطو على العقول، والاختراق القيمي والثقافي للأمة المسلمة.

لقد تحدث الباحث الإعلامي الأمريكي (هربرت شيلر) في كتابه (وسائل الإعلام والامبراطورية الأمريكية) كما نقله عنه الدكتور عبد القادر طاش ـ رحمه الله ـ في كتابه (الإعلام وقضايا الواقع الإسلامي، ص15) حيث قال: "إن صنّاع القرار السياسي الغربيين انشغلوا بالبحث عن بدائل تضمن استمرار السيطرة الغربية- وعلى وجه التحديد الأمريكية- على الأوضاع الثقافية والاقتصادية الدولية، فاستقر رأيهم على التكنولوجيا كبديل، وتتضمن هذه التكنولوجيا شبكات الكمبيوتر، ونظم الأقمار الصناعية، وتقوم هذه الشبكات ببث كميات هائلة من الأخبار والمعلومات عبر دوائر عابرة للحدود القومية، وأكثر من ذلك فإنها سوف تصبـح في منأى عن الرقابة المحلية، ولذلك فإن هذا التوسع في الاستخدام العالمي للمعلومات بواسطة البث الالكتروني وشبكات بنوك المعلومات سوف تكون له آثاره الخطيرة على الثقافات القومية في الأعوام القادمة"

بالطبع... العالم الغربي لديه اتجاهات واضحة تجاه وسائل الإعلام، لاستغلالها لصالح فكرهم وأغراضهم الاستراتيجية، وكثيراً ما تحدَّث المفكرون الإسلاميون عن ذلك، وعن تلكم الخطط الاستراتيجية التي يسعى لها الغرب في واقع العالم العربي والإسلامي.

كثرة لومنا للغربيين المعتدين على حرمات الإسلام، وتبيان مآربهم لا يكفينا في نصرة العقيدة الإسلامية والمشروع الإسلامي، ولا يعذرنا أمام الله تعالى، وكثيراً ما أتذكر الكلمة التي طالما تراودني حين أرى مواقف الكفرة المعتدين وعدوانهم تجاه الواقع الإسلامي، حيث قال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله حيث قال: "لا تقل كيف حضر إبليس ولكن قل كيف غاب القديس".

إنَّ المشاريع الإبليسيَّة والمخططات الغربية أو الشرقية المعادية للإسلام، تحتاج لخطوات ثابتة ومخطَّط لها من قبل المدافعين عن الإسلام عقيدة ومنهج حياة.

ولا راد لتلك الخطط الغربية في محاولة الاستلاب الثقافي والعقائدي للأمة المسلمة؛ إلا بصناعة إعلامي إسلامي بديل يصل لجميع الكفرة أو المعرضين عن الإسلام لعلَّ هداية من الله تعالى تنالهم؛ لأنَّهم يعلمون أنَّه لو ظهرت الحقائق الإسلامية الناصعة ، على مرأى من هذا العالم، لشهدوا للمسلمين بأنَّهم الأمَّة الحقَّة والخيرة من دون الأمم، لكنَّ التعتيم على الحقيقة، والغزو الإعلامي للأمة المسلمة يذكِّرني كثيراً، بالأساليب العمليَّة التي يستخدمها الطغاة والكفرة بالتحذير من سماع منطق الحق والقوَّة بقصَّة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ حيث كان كفَّار قريش يغبِّشون عليه الحقائق، ويخفونها عليه، بعدَّة قوالب وأساليب، ولنتأمَّل ما قاله الطفيل قبل إسلامه :"فوالله ما زالوا بي يقصُّون عليَّ من غرائب أخباره و يخوِّفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله، حتى أجمعتُ أمري على أن ألا أقترب منه وألا أكلمه أو أسمع منه شيئاً ، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفَاً فَرَقَاً من أن يبلغني شيء من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه" كما في كتاب (الروض الأنف) للسهيلي.

وفيه هذا أبلغ دلاله على ما لدى أهل الكفر والزندقة، من محاولة لتضليل شعوبهم، ولي أعناقهم وصرفهم عن حقائق الدين الإسلامي، وإذكاء جذوة العداوة في قلوبهم للكيد للإسلام وأهله.


• ضمور جانب التخصص النوعي في الخطاب الإعلامي الإسلامي:

نجد كثيراً من المؤسسات الإعلامية تخاطب جميع الشرائح بشتَّى أنواعها وهذا حسن بحد ذاته، ولكن أن تقتصر هذه المؤسسات على مخاطبة شتَّى الشرائح والتخصصات، دون تقديم شيء تخصصي فإنَّه نوع من القصور، فالوسائل الإعلامية الإسلامية بحاجة لتنمية خططها ومحاولة تجديد الخطاب النوعي، ومن خير ما نجده الآن تلك المواقع التي تتخصص في (الإعلام المقاوم، التربية الأسرية، شؤون المرأة) وما إلى ذلك، فتنمية العمل الإعلامي بشكل متخصص يفيد العمق في المعالجة، واتضاح الرؤية، وتصحيح أي خلل قد ينحرف عن مسار الهدف الذي تصبو إليه تلك المؤسسات الإعلامية.

التخصص ينبغي ألاَّ يسبِّب تحيزا كاملاً له وعدم معالجة بعض الأمور الهامة على مستوى الوضع العالمي الإسلامي، فمن الضروري بمكان أن تكون هنالك قواسم مشتركة بين أيَّة جهة إعلاميَّة، فيما لو حصل أي أمر طارئ فتتقدم هذه المؤسسات الإعلامية وتنطق بأهميَّة ما جرى، ومن الوقفات الخيِّرة التي رأيتها قد اندمجت في مؤسساتنا الإسلامية بشكل طويل ولا زال إلى الآن، الهجمة الصهيونية على غزة، فقد وجدنا نوعاً من التلاحم والتراص في كشف حقيقة الأمة اليهودية الكافرة، والهمجية الوحشية ضد أهل العزة والجهاد في غزة الصمود، وهذا وإن كان ليس قائماً على تنسيق فعَّال، إلاَّ أننا وجدنا كيف أنَّه قد آتي ثماره يانعة خصبة في التأثير على الأمَّة المسلمة، وكذلك حينما قام أهل الكفر والإلحاد في الدنمارك بنشر الرسوم المسيئة لشخص رسولنا وحبيبنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فقامت تلك المحطات الإعلاميَّة قومتها والكل أدلى بدلوه مدافعاً وذاباً عن رسولنا صلى الله عليه وسلم.

صحيح أنَّ اليقظة الدفاعيَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن منظَّمة أو مخطط لها، وهذه مشكلة بحدِّ ذاتها، ولكن يا حبذا لو كان هنالك منظومة تجمع هذه المؤسسات الإعلاميَّة الإسلاميَّة والمحافظة في إطار واحد ليكون هنالك قواسم مشتركة تهم الجميع للحديث عنها، وحينها يمكن لكل جهة أن تتحدَّث فيها بكل جرأة وقوة، ومن هذه الموضوعات (المسجد الأقصى، الحرب على رموز الإسلام وثوابته وشرائعه، حماية الأخلاق، وحدة الأمة المسلمة، حرمات المسلمين في فلسطين والعراق والشيشان) فهذه أمور مقدَّسة لدى المسلمين، فحبذا لو كانت هنالك قواسم مشتركة تخدم هذا الدين عبر مؤسساتنا الإعلامية الضخمة.


• ندرة عقد اللقاءات الدورية بين المؤسسات والوسائل الإعلامية:

يد الله مع الجماعة، والأمر بالتعاون على البر والتقوى جاءت به نصوص الشريعة، وكلما اشتدت الأيادي تماسكاً والصفوف تراصاً ؛ قويت المسيرة، لكنَّ من النادر أن نجد عقد اللقاءات الدورية النافعة بين المؤسسات الإعلامية بكافة أشكالها وألوان الطيف فيها، للإفادة والاستفادة، ولا أقل من أن يكون هنالك مؤتمر سنوي تجتمع فيه جميع القوى الإعلامية الإسلامية، لتتباحث في شؤون أمتها وما يمكنها أن تقدمه من خدمات لها وبرامج مفيدة لها، وعقد ندوات التقويم والمراجعة والنقد الإيجابي الذي يدفعها للاستفادة من كل التجارب الممتازة وتطويرها، وتحاشي التجارب السيئة والبعد عنها.

ومن خير ما رأيته مناسباً في ذلك قيام (رابطة الصحافة الإسلاميَّة) التي جمعت أكثر من مجلة وصحيفة وجريدة وأقامت مؤتمراً وندوة بثَّت جزءاً كبيراً منها قناة الجزيرة مباشر، ولها إسهاماتها الجيدة والطيبة، لكنَّها لا زالت ضعيفة في رأيي إلى الآن، ولعلَّ ذلك بسبب بداية العمل والانطلاق فيه فلا زالت هذه الرابطة في طور التأسيس والتقويم، وأتمنَّى أن تبقى متوهجة في العمل والنشاط التنظيمي والعملي.


• كثرة الاستهلاك والإنتاج المكرر:

إعلامنا العربي الإسلامي في الغالب منه يميل للتطرق إلى الجوانب الوعظيَّة فحسب، أو الجوانب العلميَّة الشرعيَّة، وكل هذا حسن جميل، لكنَّه يستهلك نفسه، بالشكل الممل والمخل، فلا تجديد ولا إبداع، ولا طريقة جديدة للعرض الذي يغري المرء بالمتابعة.

قليلاً ما نجد في إعلامنا جوانب الإبداع والابتكار في الطرق والأساليب التي تعرض الأفكار، من خلال (مسلسلات هادفة إسلامية ومنضبطة بأصول الشرع) ومن قبيل:(الأفلام الوثائقية التسجيليَّة) ومن مثل عرض القصص المصورة:(بدراما ممنهجة ومثيرة) ترسخ الفكرة في الأذهان أكثر من الكلام فقط.
نحتاج إلى الكثير من ذلك لكي يكون إعلامنا الإسلامي سبَّاقا ومتجددا بأفكاره.



مشاكل خارجية تواجه المؤسسات الإعلامية الإسلامية:

هنالك مشاكل خارجية كذلك تواجه الإعلام الإسلامي، ويمكن إجمالها بالشكل التالي:

• تراجع الاستقلاليَّة الفكريَّة وسيطرة: (الحكومات) على بعض المؤسسات الإعلامية:

بعض المؤسسات الإعلامية الإسلامية تستطيع أن تقول إنَّها المؤسسة أو القناة الخفيَّة التي تدعم ذلك النظام الحاكم العربي، وتسوغ بعض أفعاله الخاطئة أو المنحرفة، وذلك بسبب مسارعة بعض العاملين فيها بإرضاء هوى الحاكم الفلاني أو تحاشي ضرره للقناة، أو شراء بعض الحكومات لذمم بعض العاملين في تلك المؤسسات لكي تتحدث بالروح الإسلامية التسويغية لتحركات ذلك النظام.

كما أنَّا نجد أنَّ هنالك قنوات فضائية إسلامية كان لها دور جيد في كشف بعض الحقائق وإماطة اللثام في تصحيح بعض المفاهيم، وتعرية التصورات الفاسدة، وتكون قلباً وقالباً نبضاً لقلب هذه الأمة المحترق على وضعها العقائدي والسياسي، ما أدَّى لأن تأتي بعض الحكومات وتأمر بإغلاق هذه القنوات الفضائيَّة ومحاربتها باسم: (مكافحة الإرهاب)!!


• الهجمة الشرسة الإعلامية الغربية على الإعلام الإسلامي:

الإعلام الإسلامي من مواقع الإنترنت أو قنوات فضائية وغيرها، يعاني بشتَّى مؤسساته هجمة شرسة من المؤسسات الإعلامية الغربية والمستغربة÷ هذا أمر لا محيد عن ذكره...

لكن هنالك نقطة جوهريَّة، وهي أنَّ الإعلام الإسلامي عليه رقابة شديدة تحاول قدر الإمكان أن تصده وتمنعه وتحجزه عن أي عمل يقوم على التكتل والوحدة، حتى لا تتفاعل مع قضايا الجماهير، بل هنالك احتكار واضح واستعمار (استخراب فكري) في شتَّى الوسائل الإعلاميَّة الإسلامية للتضييق عليها، وإذا كان الأمر قد وصل إلى أن يقول وزير العدل الفرنسي (Jack tobon): "إنَّ الإنترنت بالوضع الحالي شكل جديد من أشكال الاستعمار، وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر" وهذا يقوله كافر غربي ومن الدول الكبرى المسيطرة على العالم أجمع والتي تسمَّى بدول المركز، فما البال إذا كنَّا في ظل دول عربية تعدُّ من دول المركز والدول المتخلفة والعالم الثالث، وحسبنا أن نعلم أنَّ نسبة 70 ـ 80% من الأخبار والتقارير العالميَّة المبثوثة في أخبارنا ووسائل إعلامنا مستقاة من وكالات الأنباء الغربية، ومع هذا فإنَّ الكثير من وسائل إعلامنا حتَّى الإسلامية تتلقف هذه الأخبار أحياناً دون تثبت أو تبيُّن، ويمكننا حصر هذه الوسائل الإعلاميَّة وذكرها لمعرض التذكير والتنبيه على خطورتها في صياغة الأخبار التي تسيطر على العالم وتحتكر المعلومات بما يتناسب ومصالحها، وهي وكالة الأنباء الفرنسية (AFB)، وكالة الأنباء الانجليزية (رويترز)، وكالة الأنباء الأمريكية اسوشيتدبرس (AP)، وكالة الأنباء الأمريكية يونايتد برس انترناشيونال (UPI).

ومن الواجب علينا أن ندرك بأنَّ من يتربَّصون بنا الدوائر وعلى رأسهم بني صهيون يلحظون تأثير إعلامنا الإسلامي، ولهذا فإنَّهم يسعون جاهدين لمحاربته، وتقطيع أواصر الوشيجة والعلاقة بينه وبين الجمهور المسلم وخصوصا فئة الشباب منهم، ولا أدلَّ على ذلك من دراسة أعدتها جامعة تل أبيب ونشرت صحيفة (لوبون) الفرنسية مقتطفات منها، ذاكرة أنَّ "هناك نموًا دينيًا وتربويًا للشباب المصري أصبح ظاهرا للعيان خلال الفترة الأخيرة، ما اعتبرته يشكل "خطرًا كبيرًا" على ما يسمَّى بـ: (إسرائيل).

وذكرت أن الشباب في الفترة العمرية ما بين 16 إلى 25 عامًا يكونون في مرحلة تكوين عقلي وتتسم عقولهم بالانفتاح ويتأثرون بالعاطفة، ومن هنا رأت الدراسة خطورة تأثرهم بالفضائيات الدينية التي استطاعت التأثير عليهم بشكل كبير.

وأوضحت أن تلك الفضائيات لعبت دورًا مؤثرًا في نفوس الشباب بدعوتها إياهم إلى التحلي بمكارم الأخلاق والعبادة والتقرب إلى دينهم وتصفح القرآن وتناول الآيات التي تتحدث عن اليهود وحياتهم وطبائعهم، وهو ما يعني زيادة العداء لإسرائيل الذي ربما يصل إلى حد العنف، وفق الدراسة.

ولفتت الدراسة إلى أن هناك عددًا من القنوات الإسلامية التي استطاعت جذب الشباب إليها وأهمها "الناس" و"المجد" و"الرسالة" و"اقرأ"، بالإضافة إلى اسطوانات دينية تباع بأسعار زهيدة ويتبادلها الشباب.

وقالت إن الشباب أقبل على هذه القنوات، لأن وعاظها تقربوا للشباب بعقولهم وتحدثوا لغتهم وارتدوا زيا معاصرا بعيدا عن الزي الإسلامي التقليدي، كما أصبحت لغة الخطاب الديني في تناول القضايا بها الكثير من المرونة.

وأوضحت الدراسة أن أكثر من 85 من الفتيات المصريات أصبحن يرتدين غطاء الرأس، و60% من الشباب يحمل في أمتعته القرآن وتتسم تصرفاتهم بقدر كبير من العقلانية والتروي بخلاف ما كان عليه الشباب قبل عشر سنوات حيث كان يظهر عليه التوحش الجنسي والإقدام على الخطايا وحب الذنوب.

وأوصت الدراسة، الشباب الإسرائيلي المستخدم لشبكة الإنترنت بأن يؤدي واجبه ويعمل ما يقدر عليه لإلهاء الشباب المصري عن حياته الجديدة الدينية، واقترحت قيام الفتيات والشواذ بإرسال صورهم وهم في أوضاع مخلة على الإنترنت وطلب التعارف والصداقة على مصريين شباب عسى أن يكون لهذا نتيجة "إيجابية"" ما بين القوسين نقلا عن جريدة المصريون الالكترونية.

أحببت أن أذكر هذا لأبين مدى خطورة ما تواجهه مؤسساتنا الإعلامية من مشكلات تواجهها، والدواعي التي تجعلنا ندرك مدى خطورة هذه العقبات والعراقيل التي تعترض سبيلها، أو التي تريد إيقاف عملها وإنتاجها.


• حقد الليبراليين والعلمانيين على المؤسسات الإعلامية الإسلامية:

ومحاولة تحجيمها وتجفيف منابعها المالية، ومن المعلوم أنَّ الدول العربية تمكَّنت من التوصل لما أطلق عليه اتفاقية البث الفضائي التي يمكن بموجبها محاصرة القنوات الفضائية الداعمة للمقاومة وينتظر أن يتم التوصل إلى ما يمكن به محاصرة المواقع الإلكترونية كذلك.

وفي قبالة ذلك نجد أخباراً قد ضخِّمت حتى تكون في واجهة الأخبار، أو محل الصدارة في التقارير الإخبارية، ومحاولة النيل من المؤسسات الإسلامية الإعلامية ورميها بالتطرف والإرهاب والرجعية.
بل وصل الحال لاستدعاء بعض الأنظمة العربية الحاكمة للاستدعاء لبعض الصحفيين وكبت حريتهم، فضلاً عن اعتقالهم وحبسهم ظلماً وعدوانا.


• سيطرة رؤوس الأموال المالكة للقنوات ومحاولة التدخل في شؤونها:

وخلق (إيجاد) كبت الحرية، وخنق الكلمة، أو التشكل بحسب النمطية التي يتسم بها الشخص المالك أو صاحب رأس المال، وذلك بسبب انعدام الاستقلالية في الموارد المالية والدخل المادي، فتكون بعض المؤسسات الإسلامية عرضة للمزايدات والتدخلات من أصحاب رؤوس الأموال، والتأثير عليها بإدخال نما لا يرضي الله تعالى، أو إعاقة مسيرتها الإعلامية الهادفة بأي شكل من الأشكال الملتوية، فإذا نشب خلاف أو اختلاف في الرؤى توقف الدعم المالي لهذه المؤسسة الإعلامية (فضائية كانت أو مجلة أو جريدة) فإمَّا أن تكون هذه المؤسسة سائرة في هوى الداعم المالي لها، أن تتوقف عن الصدور، وكلا الأمرين أمر من المر!!

هذه نبذ من الإشكالات والعقبات التي تواجه الإعلام الإسلامي، والتي نرجو أن تدرك هذه المؤسسات الإعلامية مدى خطورة هذه المشكلات في تعويق مسيرتها الإعلامية الهادفة، فضلاً عن الاستفادة من تجاربها السابقة، ويكون لها نظام عام يحكمها بشكل دقيق ومخطط له، وينظر للمستقبل بنظرة أوضح صورة وأجلى بصيرة.


• تساؤل مشروع:

هذه المشكلات التي عرضناها تحتاج لحلول واقعية بمجموعة عمليات تقوم بها المؤسسات الإعلامية مستخدمة المعلومات والمعارف التي سبق تعلمها، والمهارات التي اكتسبت في التغلب على أي موقف خطر بشكل جديد، وغير مألوف له في السيطرة عليه، والوصول إلى حل له؛ فالمؤسسات الإسلامية الإعلامية حقيق بها أن تضع في حسبانها مراجعة ذاتها مرة بعد أخرى، وأن يخلص أصحابها نياتهم لله تعالى، وأن يكون عملهم مشروعاً ومتجدداً وتتجسَّد فيه حقيقة المهارة الإعلامية، والمعالجة المستدامة، تجاه المشكلات التي تواجه الإعلام الإسلامي ومؤسساته.

ومع هذا فنحن لو عذرنا مؤسساتنا الإعلاميَّة على ما تعانيه من محاصرة وعقبات وعراقيل، إلاَّ أنَّ من حاول شيئاً وعالجه بالمجاهدة والصبر ووضع الحلول والخطط والطرق لمواجهة هذه العقبات فحتمًا، سيكون هنالك شعور بالانتصار...

إني رأيت وفي الأيـام تجربة *** للصبر عاقبة محمودة الأثــر
وقل من جد في أمر يُطالبـه *** واستصحبَ الصبر إلا فاز بالظفر

لعلي في مقال آخر وقادم أحاول تقديم بعض الحلول لهذه المشكلات التي تطرقنا إليها، ولغيرها ممَّا يواجه الإعلام الإسلامي، والموفق من وفَّقه الله تعالى، والله يأجر كل العاملين لهذا الدين، ويقينا وإياهم سبل الانحراف أو الانجراف عن سنن الهدى، ويوفقنا وإياهم ويهدينا لسبل التقى، والسلام.


خباب بن مروان الحمد
Khabab1403@hotmail.com

الأربعاء، 27 يناير 2010

المؤامرة القبطية وأشياعها في مصر

المؤامرة القبطية وأشياعها في مصر


ناصر بن سليمان العمر
أضيفت بتاريخ : : 26 - 01 - 2010
نقلا عن : موقع المسلم



الحمد لله القائل في محكم التنزيل: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [سورة البقرة:الآية 120].

ولا يحتاج العاقل إلى إيراد البراهين الواقعية على هذه الحقيقة القطعية، فتلك الشواهد أكثر من أن تُحْصى، فقد بدأت منذ بعثة سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وبخاصة منذ هجرة المصطفى إلى المدينة المنورة، ولم ينقطع هذا العداء وذلك الكيد، بالرغم من تباين شدته بحسب قوة القوم وضعفهم وليس عن اقتناع بوجوب الكف عن الأذى المستمر.


هي سلسلة إذاً انطلقت على أيدي بني قينقاع وبني قريظة وبني النضير، مروراً بحملات الفرنجة التي سماها الأوربيون أنفسهم (الحروب الصليبية). وجاءت الغزوات الاستعمارية الغربية في القرون التالية ضد بلا الإسلام ، والتآمر على الدولة العثمانية، واحتلال كثير من ديار المسلمين، ولم تتوقف حتى في عصر الشعارات العلمانية الزائفة، بل في ذروة الاتجار بالمساواة والإخاء والحرية وحقوق الإنسان، من بعثة نابليون إلى إقامة كيان الصهاينة فوق أرض فلسطين الطاهرة، إلى مجازر البوسنة والفلبين والشيشان . . . . . . وصولاً إلى غزو العراق وأفغانستان من جديد!!

وها نحن نتابع أنباء غدر الأقلية النصرانية بالأكثرية المسلمة في نيجيريا، واستئساد أقباط مصر على الأغلبية المسلمة في أرض الكنانة. ولنا أن نتصور مدى الحقد لو كان الصليبيون هم الأكثر عدداً في هذين البلدين وأمثالهما من البلاد الإسلامية، التي كفلت لأسلاف هؤلاء عهوداً من الأمان والازدهار، في كنف شريعة الإسلام الغراء، ولو كان فينا نحن معشر المسلمين ذرة واحدة من نفسية القوم، لما بقي لهم أثر في هذه البقعة الشاسعة من العالم.


إن شنودة ورهطه تطاولوا حتى قال أحد قساوستهم صراحة:إن كنيستهم أكبر من مصر كلها!!

فما الذي يفسر هذه الجراءة الصلفة بعد سنوات التظاهر بالمسكنة حتى يتمكنوا؟


لقد كان نفر من عقلاء القبط قبل 100سنة أصدق من قبط اليوم مع أنفسهم، إذ رفضوا الانسياق وراء الغزاة البريطانيين لبلدهم، فشهد لهم معاصروهم بوطنيتهم غير الملتبسة.

أما كنيسة القبط في عهد شنودة فهي تراهن على هيمنة الصليبية واليهودية، وشراسة عدائهما لأمة التوحيد. وهو رهان خاسر لأن الغزو لا يدوم، ولأن الحق هم المنتصر في النهاية.


وليس خافياً على كل ذي لب أن غلمان التغريب ممن يحملون أسماء المسلمين ، من أشد أعداء الله خدمة لمشاريع شنودة الإجرامية. ولهؤلاء مواقع نافذة في السلطة والإعلام، وهم في علمانيتهم كاذبون لأنهم يؤازرون جهة طائفية ظلامية بمقاييس سادتهم في عواصم الغرب الصليبي ذاتها.

وإلا فبأي منطق يمكن أولئك المشبوهين أن يقبلوا بإحالة قاتل القبط الستة مؤخراً إلى محكمة استثنائية، ويصمتوا صمت أهل القبور عن التراخي في ملاحقة القبطي الذي اغتصب طفلة مسلمة، وكان ذلك التراخي سبباً لثأر أحد المسلمين الذي لا نقره من نصارى بلدته؟


بل إن القبطي المجرم أحيل بعد مماطلة مريبة إلى محكمة جنائية "عادية"، فهل هنالك ميزانان للعدالة في مفهوم التغريبيين؟

إن مصر مسلمة شاء شنودة أم أبى، وعلى العقلاء من الأقباط-إن ترك تعصب شنودة منهم أحداً-أن يسارعوا إلى كبح جماحه، لأن الفتنة التي ينفخ في نارها سوف تؤذي جماعته أكثر من سواها. فهل من مدّكر؟

الثلاثاء، 26 يناير 2010

التنصير وباء العصر وسرطان الأمة (1)

التنصير وباء العصر وسرطان الأمة (1)


ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 23 - 09 - 2009
نقلا عن : منقول



خطر رهيب، صداع مزمن، حياة تضيع، إنه يخرب البيوت، يدمر الأسر، يحطم الشباب، يفرق بين الأب وابنه، وبين البنت وأمها، وبين فرد من الأسرة وكل الأسرة... إنه يحرق المجتمع بأسره... إنه تدمير، إنه خراب، إنه وباء العصر وسرطان الأمة...

يا سادة إنه التنصيـــــــــر!!!!

والتنصير في مفهومه اللفظي اللغوي هو الدعوة إلى اعتناق النصرانية، أو إدخال غير النصارى في النصرانية.

وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسُّون فيها من جدعاء؟».

وفي لسان العرب التنصُّر: أي الدخول في النصرانية.

وفي المحكم: الدخول في النَّصْرِي.
ونصَّره: جعله نصرانيًا.

وأورد الحديث الشريف، وقريب منه قول الفيروز آبادي في (القاموس المحيط): والنصرانية والنصرانة واحدة النصارى، والنصرانية أيضًا دينهم، ويقال نصراني وأنصار.

وتنصَّر دخل في دينهم، ونصَّره جعله نصرانيًا.

وذكر مثل ذلك "الزبيدي" في (تاج العروس).

بدأت عمليات التنصير من بعد رفع المسيح عليه السلام من خلال الجيل الثاني والثالث والرابع من الذين لم يلتقوا المسيح عليه السلام مثل بولس ولوقا وغيرهم.

وتعاقبت الطوائف النصرانية بعد ذلك في حمل مهمة تنصير الناس، ومن أول هذه الطوائف كانت الطائفة النسطورية أو النساطرة، وهي نسبــة إلى "نســـطور" التي هاجرت من "الرها" بعد أن أغلقت مدرستهم فيها -مدرسة الرها- على يد زينون سنة 439م، فهاجرت الطائفة تحت قيادة "بارسوما" سنة 457م إلى فارس، وأنشأت فيها مدرسة "نصيبين"، وانتشرت من هذه المدرسة حملات التنصير على الطريقة النسطورية إلى جوف آسيا وبلاد العرب.

ثم تعاقبت حملات التنصير وتزعمها في الجهة الغربية من فلسطين اليـــــعاقبـة، الذين اختلفـوا مع النساطـــرة حول طبيعــــة المسيح عيسى بن مريم -عليهما السلام-.

أما بخصوص العلاقة بين المسلمين والنصارى، أو الإسلام والنصرانية، بدأت على عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حينما أرسل وفدًا من المهاجرين إلى ملك الحبشة النجاشي، وما حصل من سبق قريش ومحاولتهم إثناء الملك عن إيواء المسلمين، وقد صاحب هذه المحاولة نقاش طويل وأول مناظرة في الإسلام حول طبيعة المسيح عيسى بن مريم -عليهما السلام- ونظرة الإسلام له، انتهت بإسلام النجاشي والعديد من أتباعه.

ثم أرسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وفودًا إلى الأباطرة في شمال الجزيرة العربية وشمالها الغربي مثل هرقل الروم ومقوقس مصر وغيرهما.

وكان هناك أيضًا حوار ونقاش ومناظرات حول نظرة الإسلام والمسلمين للنصرانية، ونبيها عيسى ابن مريم عليهما السلام.

وقد قدم على الرسول محمد في المدينة النبوية وفد من "نجران" بين أربعة عشر وستين فردًا - حسب الروايات، ومنهم العاقب وأبو الحارث والسيِّد، فدار بين النبي محمد وبينهم حوار وحجاج حول طبيعة المسيح عيسى بن مريم - عليهما السلام-. ثم عاد الوفد إلى نجران، وكان بينهم حوار طويل حول ما دار بينهم وبين الرسول محمد رجع بعده بعض أعضاء الوفد كالعاقب والسيِّد إلى المدينة النبوية، ونطقا بالشهادتين، ونزلا في بيت أبي أيُّوب الأنصاري- رضي الله عنه قرب المسجد النبوي بالمدينة المنورة.

وعصر الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم - كان حافلاً بالعلاقات مع النصارى؛ نتيجة لامتداد الفتح الإسلامي في الشام ومصر وما وراءهما.

وكان يتخلل هذه الفتوح وقفات علمية تكون فيها مناقشات وحوارات حول موقف الإسلام من النصرانية والنصارى.

وأبرز مثال على هذه الوقفات وقفة الخليفة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه في بيت المقدس، وموقفه من كنيسة القيامة وتجنبه الصلاة فيها، وكذلك لقاء عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بالبطريرك بنيامين رئيس الكنيسة القبطية آنذاك.

وكذا الحال في العصر الأُموي مع الزيادة المطَّردة في العلاقة من خلال الاستعانة بالنصارى في بعض مقوِّمات بناء المجتمع المسلم الناهض، لاسيما فيما يتعلق بالعلوم التطبيقية والبحتة، والإدارة.

وتصبح العلاقة أكثر وضوحًا في العصر العبَّاسي الذي شهد ازدهارًا علميًا وثقافيا وحضاريًا، استعان المسلمون في أجزاء منه بالنصارى وغيرهم من أصحاب الثقافات الأُخرى، ولا سيما الفرس واليونان في مجالس العلم، وبيوت الترجمة، وخزائن الكتب، ودواوين الولاة، وفي المؤسسات العلمية والتعليمية الأخرى.

ولم يسلم المغول أنفسهم من حركة التنصير هذه، إذ أريد من تنصيرهم كسب أمة وثنية إلى النصرانية من ناحية، ومن ناحية أخرى التأثير على المسلمين بتفادي خطرهم على الحملات التنصيرية، فيما إذا انضم المغول إلى المسلمين.

وقد انضم المغول إلى المسلمين بعد أن هداهم الله إلى الإسلام، وعاونوا قادة المسلمين في تصديهم للحملات التنصيرية...

وبعد ذلك بدأت مرحلة جديدة تشكَّل خلالها الصراع بين المسلمين والنصارى بوضوح أكثر إبَّان الحروب الصليبية، التي لا تعدو كونها شكلاً من أشكال التنصير، اتُّبعت فيه القوة والغزو العسكري.

وكان يدور خلال الحملات الصليبية الثماني نقاش وحوار ومناظرات كثيرة جداً بين المسلمين والنصارى من علماء الدين الإسلامي ورجال الدين النصراني، وكانت من نتائجه ظهور مجموعة من المـؤلَّـفات تناقش حقيقة النصرانية وترد على النصارى في زعمهم حول طبيعة المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، وأسباب عدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، رغم ذكر بعثته في الكتب التي بين أيديهم.

وكما أن الحروب الصليبية لم تفلح عسكريًا فهي لم تفلح عقديًا في تشكيك المسلمين برسالتهم، بل زادتهم تمسُّكًا بدينهم أدَّى في النهاية إلى خروج الصليبيين من أراضي المسلمين دون الفوز بما قدموا من أجله.

ومع هذا فلا يغفل تأثير الحملات الصليبية على المجتمع المسلم، فقد زاد عدد الكنائس، وبالتالي زاد عدد المنصرين.

ويذكر الأستاذ محمد مؤنس عوض من خلال عرضه للرحالة المسلمين، لاسيما عند وقوفه مع الرحالة المسلم ابن جبير أن هذا الرحالة قد أدرك البعد التنصيري للحملات الصليبية، إذ أدرك الدور الصليبي الخطر في تغيير هوية المنطقة وتحويلها عن الإسلام من خلال البعد التنصيري.

فيذكر أنه بعد خضوع عكا لسيطرة الصليبيين فقد تحولت مساجدها إلى كنائس، وصوامعها صارت محل أحد النواقيس، وفي مثل ذلك التعبير نجده يكشف بجلاء عن دور الصليبيين في تغيير هوية المنطقة الإسلامية ومحاولة تنصيرها من خلال القضاء على الدور الهام لأماكن العبادة الإسلامية في صورة المساجد، بل وصل الأمر أن صارت هناك بقعة صغيرة في مسجد عكا الجامع يجتمع فيه الغرباء من أجل إقامة الصلاة.

ويمكن وصف ابن جبير بأنه شاهد عيان معاصر على تلك الحقيقة، ألا وهي السياسة التنصيرية التي أراد الصليبيون تنفيذها في منطقة الشرق الأدنى من أجل توسيع رقعة عالم المسيحية على حساب الإسلام والمسلمين.

كما يورد بعض الأخبار عن أسامة بن منقذ في كتابه (الاعتبار)، ثم يعقِّب على ذلك بقولـه: "وتجدر الإشارة أن إيراد ذلك الرحالة لمثل تلك الأحداث يدل على أنه أدرك خطورة البعد التنصيري كأحد أهداف المشروع الصليبي الذي رغب في تحويل مسلمي الشرق الأدنى إلى مسيحيين يدينون بالولاء لكنيسة روما وفق المذهب الكاثوليكي، مع ملاحظة أن الرحالة المسلمين الذين زاروا بلاد الشام في ذلك العصر، حرصوا على إيراد بعض الروايات الهامة عن ذلك الجانب التنصيري. ولا مراء في أن رواية "أسامة بن منقذ" لها شأنها في ذلك المجال مع ندرة ما ورد في هذا الشأن في المصادر التاريخية العربية المعاصرة".

وعن هذا يقول جورج ليونارد كاري رئيس أساقفة كانتربري، رئيس الكنيسة الإنجيلية في بريطانيا في محاضرته التي ألقاها بجامعة الأزهر في مطلع شهر أكتوبر عام 1995م يقول: "ولا يشعر أي مسيحي في الوقت الحاضر بالرضا عن الطريقة التي اتبعها أسلافنا في حسم الصراعات في الماضي، فقد تسبب الصليبيون في إحداث آثار جسيمة في علاقات المسيحيين ببعضهم، وعلاقاتهم بالمسلمين، فهناك الكثير لنعتذر عنه".

ثم تزعَّم ريموند لول المستشرق المنصِّر الإسباني مهمة العودة إلى التنصير، بعد أن فشلت الحروب الصليبية في مهمتها، وتعلَّم اللغة العربية، وجال في البلاد الإسلامية وناقش العلماء المسلمين في بلاد كثيرة.

ثم تأتي مرحلة الاحتلال (الاستعمار) في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين (التاسع عشر والعشرين الميلاديين)، وما سبقهما من إرهاصات للاحتلال.

وتعدُّ هذه المرحلة امتدادًا للحروب الصليبية، مع نقص في الكفاءة وانعدام في التوازن بين الطرفين المسلم والنصراني.

ويشكلِّ الاحتلال كذلك شكلاً من أشكال التنصير، بل يعدُّ التنصير ممهدًا للاحتلال أولاً، ثم يعدُّ الاحتلال مسهِّلاً لحملات التنصير بعدئذٍ.

فالاستعمار الأوروبي هو الذي مهـد للتنصير في أفريقيا مثلاً، وفي هذه الأثناء بدأ التنصير يأخذ طابع التنظيم من خلال وجود مجموعة من المؤسسات والجمعيات والإرساليات التنصيرية، تنظمها وتدعمها الهيئات الدينية على اختلاف طوائفها والحكومات الغربية بخاصة.

وظهرت للتنصير مؤسسات داخل المؤسسة الكبرى، كالمعاهد والجامعات والمنظمات والمراكز المنتشرة في كثير من الأماكن.

وقد أدى هذا كلُّه إلى الخروج بتصوٌّر عن التنصير أشمل أحيانًا، وأدقَّ أحيانًا أُخرى من مجرَّد دعوة غير النصارى إلى الدخول في النصرانية.

خالد المصري

الأحد، 24 يناير 2010

شمولية الشريعة لا نظير لها في القوانين الوضعية

شمولية الشريعة لا نظير لها في القوانين الوضعية

ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 22 - 01 - 2010
نقلا عن : أسامة الهتيمي - موقع لواء الشريعة




نبه الدكتور طه عبد المقصود أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة القاهرة على أن الشريعة الإسلامية نظام شامل لجميع شئون الحياة فهي ترسم للإنسان سبيل الإيمان وتبين له أصول العقيدة وتنظم صلته بربه وتأمره بتزكية نفسه وتحكم علاقاته مع غيره وهو الأمر الذي يكشف جهل القائلين والمرددين للقول بأن الشريعة الإسلامية مقصورة على الحدود فقط فعلى ضوء هذا الشمول يمكن تقسيم الشريعة إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي الأحكام المتعلقة بالعقيدة كالإيمان بالله واليوم الآخر وما إلى ذلك وهذه هي الأحكام الاعتقادية ومحل دراستها علم التوحيد وهناك كذلك الأحكام المتعلقة بالأخلاق كالصدق والأمانة والوفاء بالعهد وحرمة الكذب والخيانة وهذه كلها هي الأحكام الأخلاقية ومحل دراستها علم الأخلاق وأخيرا الأحكام المتعلقة بأقوال وأفعال الإنسان في علاقته مع غيره وهذه هي الأحكام العملية وقد سميت فيما بعد بالفقه ومحل دراستها علم الفقه.


وأضاف الدكتور عبد المقصود أن الأحكام العملية تنقسم إلى مجموعتين تتعلق المجموعة الأولى بأحكام العبادات كالصلاة والصوم؛ وهي تنظم علاقة الفرد بربه. فيما تتعلق المجموعة الثانية بأحكام المعاملات: ويقصد بها تنظيم علاقة الأفراد فيما بينهم وهذه تشمل جميع روابط القانون العام والخاص؛ لأن هذه المعاملات تنقسم إلى ما يتعلق بأحكام الأسرة من نكاح وطلاق ونسب وميراث (قانون الأسرة أو الأحوال الشخصية)، وأخرى تتعلق بأحكام المعاملات المالية كالبيع والإجارة والكفالة والرهن.. إلخ ويطلق عليه ماليا (قانون المعاملات أو القانون المدني)، ومنها ما هو متعلق بأحكام القضاء والدعوة والشهادة واليمين (قانون المرافعات)، ومنها أحكام معاملة الأجانب غير المسلمين المستأمنين في الدولة الإسلامية وتنظيم علاقتهم فيما بينهم أو مع رعايا الدولة الإسلامية، ومنها أحكام العلاقات الدولية في السلم والحرب (القانون الدولي العام)، ومنها ما يتعلق بأحكام نظام الحكم وحقوق الأفراد في الدولة وعلاقاتهم معه (القانون الدستوري)، ومنها ما هو متعلق بأحكام موارد الدولة الإسلامية ومصارفها وتنظيم العلاقات المالية بين الأفراد والدولة وبين الفقراء والأغنياء (القانون المالي)، ومنها كذلك ما هو متعلق بأحكام تحديد علاقة الفرد مع الدولة من جهة الأعمال المنهي عنها والمحظور فعلها وهي الجرائم وعقوباتها وتعرف في الشريعة الإسلامية بالحدود والتعزيرات والعقوبات.


واستطرد الدكتور عبد المقصود: "إن الشمول الذي جاءت به الشريعة الإسلامية لا نظير له في القوانين الوضعية وهي بهذه الميزة تختلف عن كل الشرائع الأخرى السماوية منها والوضعية؛ وذلك لأن الشرائع السابقة شرائع محدودة بأصحابها؛ لأنها أنزلت تلبية لحاجات موقوتة ولأقوام معينين محدودين على خلاف الشريعة الإسلامية التي جاءت شاملة وعامة وخالدة. وكذلك فإن الشرائع الوضعية خالية تماما من القواعد المنظمة للأخلاق والمربية للذوق والحس والوجدان بل تقوم على أسس استبعاد ذلك من نطاقها في كثير من الأحوال وعلى فصل أمور العقيدة والعبادات عن أمور الحياة والمعيشة على النقيض تماما من الشريعة الإسلامية.


ومن هنا نستطيع أن نقول: إن كل ما ينبض في نسيج الحياة والعالم كان ولا يزال يجد الصدى المناسب في نبض الإسلام وتشريعاته ولم ولن يكون ثمة أمر يهم العقل أو الروح أو الجسد أو الحس أو الوجدان أو يتعلق بأي جانب من جوانب الحياة صغير أو كبير قليل أو كثير إلا وشريعة الإسلام تعالجه وتتعامل معه بما يحقق المصلحة الكاملة للفرد والمجتمع في ضوء قواعد الاجتهاد المقررة في الإسلام؛ لأن الشريعة وكما يقول ابن القيم أحد علماء المسلمين الكبار "مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها".
بينما القوانين الوضعية تنفك عن هذه المعاني؛ لأنها صادرة عن الإنسان وهو لا يخلو من معاني الجهل والجور والنقص والهوى.


وأضاف أن مصدرية الشريعة تعني أيضا أن أحكامها تحظى بالهيبة والاحترام في نفوس المؤمنين بها مهما كانت مراكزهم الاجتماعية؛ لأنها صادرة من عند الله وتقوم على الإيمان وتخضع لها النفوس خضوعا اختياريا وفي هذا ضمان عظيم لحسن تطبيق القانون الإسلامي وعدم الخروج عليه ولو مع القدرة على هذا الخروج أما القوانين والمبادئ التي شرعها الإنسان فإنها لا تظفر بهذا القدر من الاحترام والهيبة إذ ليس لها سلطان على النفوس ولا تكون على أساس من العقيدة والإيمان كما هو الحال بالنسبة للإسلام ولهذا فإن النفوس تجرؤ على مخالفة القانون الوضعي كلما وجدت فرصة لذلك وقدرة على الإفلات من ملاحقة القانون وسلطان القضاء ورأت في هذه المخالفة إتباعا لأهوائها وتحقيقا لرغباتها.


6/1/2008 م

الخميس، 21 يناير 2010

روزا اليوسف خلف شيخ الأزهر أم أمامه

روزا اليوسف خلف شيخ الأزهر أم أمامه

عبد المنعم الشحات
أضيفت بتاريخ : : 21 - 01 - 2010
نقلا عن : موقع صوت السلف



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تعرض شيخ الأزهر "محمد سيد طنطاوي" لحملة انتقادات واسعة بعد حادثة تبكيته لإحدى الطالبات من أجل نقابها! وقد دارت هذه الانتقادات حول محورين:

الأول: شرعي يتعلق بزعمه أن النقاب عادة لا علاقة لها بالإسلام، وليست بعبادة؛ مخالفـًا ما قرره هو بنفسه في تفسيره "الوسيط"!!

الثاني: أسلوب خطابه مع الفتاة ومع معلمتها الذي اتسم بالجفاء، والغلظة، واستخدام ألفاظ هي في عرفنا نوع من الشتم بصورة أو بأخرى، وقد صمت شيخ الأزهر فترة، ثم ظهر في عدة برامج حوارية دافع فيها عن نفسه في النقطتين:

أما الأولى: فحاول استخدام تعبير أن جمهور الفقهاء يرون أن الوجه ليس بعورة، وإن فقيه واحد فقط (1) هو الذي قال بأنه عورة، مع تأكيده على أنه لا يحارب النقاب، وعلى حق كل من شاءت أن تنتقب في النقاب، ولكن إذا كانت في مكان كله نساء فلا يسمح لها بالنقاب؛ لأن ذلك نوع من الغلو المرفوض!!

وأما الثانية: فزعم أنه خاطبها بأبوة حانية، وتردد في نفي التفاصيل بيد أنه قال لمحاوره في نهاية الأمر: "لم يحدث شيء من ذلك"!!


وصدر قرار مجلس الأزهر ليؤكد أن الإشكال فقط في ارتداء النقاب في فصل طالبات تدرس لهم معلمة، وعلى الرغم من أن هذا القرار هو من باب تحصيل الحاصل، وأنه لا يوجد من ترتدي النقاب أمام النساء، وأن الطالبة صاحبة القضية بررت نقابها في الفصل بوجود شيخ الأزهر والوفد المرافق له، وأما ما ذكره شيخ الأزهر من أنه دخل الفصل فجأة فوجدها ترتديه فهذا أيضًا لا يعني أنها ترتديه دائمًا؛ حيث إن الطالبة ارتدت النقاب من باب احتمال دخول الوفد فجأة على أي فصل، وهو ما حدث بالفعل، ولكن على أية حال كان يمكن اعتبار هذا القرار نوعًا من الحل الدبلوماسي للأزمة.

بيد أن صحفًا، ومجلات بعينها تقود حملة دائمة على مظاهر التدين عمومًا، وعلى النقاب خصوصًا؛ قررت أن تتدخل لعلها تستفيد من الصورة، وتدعم موقفها بموقف شيوخ الأزهر الذين طالموا أوسعوهم نقدًا وتجريحًا إذا قالوا خلاف ما يشتهون أو إذا قرر الأزهر مصادرة كتاب من كتب "العفن الفكري"، والوقائع في ذلك أكثر من أن تُحصى، ويأتي على رأس هؤلاء مجلة (روزا اليوسف) الأسبوعية، والتي نشرت ملفـًا كاملاً عن النقاب في عددها الصادر يوم السبت 17-10-2009، سموه: "ضد النقاب"، وجعلوا شعاره: "التصدي للثوب الخبيث"!!، قالوا في ديباجته: إن جهودهم في حرب النقاب قد أثمرت أخيرًا، وقرر آخرون أن يدخلوا معهم في مواجهة هذا الثوب الخبيث كما زعموا، وهم بوصف الخبث أولى لو كانوا يشعرون!!

ولم يأت الملف بجديد عما اعتدناه منهم طوال السنوات الماضية من إنكار مشروعية الحجاب ذاته؛ حيث احتوى الملف على مقال بعنوان: "صدر الإسلام لا يعرف الحجاب"!!، وهو مقال لخص فيه صاحبه موقفه من الحجاب، وأنه هو الأخر "عادة" قابلة للتغيير بتغير الأعراف؛ بيد أن مقالات إنكار الحجاب التي تنشرها تلك المجلة "الخبيثة" تتسم عادة باللف والدوران، ولكنها تنتهي كما انتهت تلك المقالة في هذا الملف إلى تلك النتيجة الحتمية البطلان.

وأما مقالات الطعن في النقاب فنار وسموم من أولها إلى آخرها، وكان منها في ذلك الملف مقدمة الملف بعنوان: "معركة التصدي للزي الخبيث"!!، والجديد في هذه المقالة أن كاتبها تخلى عن نغمة أن الزي من الشكليات ليصرح بأن النقاب -في حد منهجه المريض- ظاهرة ليست أقل من انتشار "الحشيش" الآن بين فئات المجتمع الدنيا والعليا، وليصفه بأنه "ورم سرطاني في جبين المجتمع في حاجة ملحة لاستئصاله بسرعة قبل فوات الأوان"!!


كما شمل الملف مقال بعنوان: "النـقـــاب... حــــرام مرفوض لا مفروض"!! ختمه كاتبه بقوله: "أيها السادة، لقد سألوا الشيخ "الشعراوي" يومًا عن رأيه في النقاب فقال: "لا مفروض، ولا مرفوض"، وأنا بعد ما تقدم أقول رأيي فيه وهو: "لا مفروض... ومرفوض" والله أعلم!!

وهذه المقالة في عدد حاول خطب ود شيخ الأزهر والظهور كما لو كان هو وهيئة تحرير المجلة يقفان في خندق واحد ضد النقاب تضمنت هذا التطاول على الشيخ الشعراوي؛ لأنه لا يحرم النقاب وإن كان الشيخ الشعراوي قد ناله من المجلة أضعاف أضعاف ذلك التطاول؛ بسبب كلامه عن الإعجاز العلمي في القرآن، وبسبب ما ورد في تفسيره من نقد عقائد النصارى، كل هذا يدل بوضوح على موقف هذه المجلة من علماء الدين.

كما احتوى الملف على مقال آخر بعنوان: (ثقافة النقاب) لـ"منى حلمي"، وهي غير محجبة، وهي التي تطالب مع أمها بنسبة الأبناء إلى أمهاتهم، وهذا يعني أن بديل النقاب الذي اعتبرته تخلفـًا ليس الحجاب، بل النموذج الغربي المتمرد الذي تقدمه!

وآخر ينعي الليبراليين الذين يدافعون عن النقاب بدعوى الحرية الشخصية، واختار لذلك عنوانـًا يناسب قاموسه الثقافي: "النوم مع المتطرفين"!!

هذا بالإضافة إلى مقال "إرهاب فكري" من "عبد الله كمال" ضد الدكتور "العوا" وغيره ممن دافعوا عن المنقبات اللاتي سماهن: "رسولات من عصر الحريم"!!، "وفات الكاتب أن يحدد لنا عصر الحريم متى بدأ ومتى انتهى حتى يتسنى لنا اتخاذ موقف مناسب منه".

بالإضافة إلى مقال بعنوان: "قل يا أهل النقاب... تعالوا إلى كلمة سواء"!!؛ لخص فيه صاحبه مرجعيته، وأنها مرجعية التغريب الذي يسميه التحضر بقوله: "لقد مرّ قرن كامل على مجتمعاتنا الحضرية، عاشت أجيالها على إرهاصات التقدم من خلال النخب التي عرفت كيف التعامل مع هذا العصر، ولكن هجمة التراجع والانغلاق قد خلقت هولاً من التعصبات التي لم تعرفها كل مجتمعاتنا الحضرية... ".

ومقال آخر من باب الحشو بعنوان: "نقاب أم عقاب"!!؛ تزعم كاتبته أن النقاب هو في حقيقته عقاب للجميلة على جمالها، ولم يفت كتـَّاب هذه المقالات أن يأكدوا على أن انتشار مظاهر التدين، ومنها النقاب ليس نابعًا من تدين، ولكن لأسباب اقتصادية واجتماعية... إلى آخر هذه الاسطوانة المشروخة!!


كل ذلك ليس بجديد، ولكن الجديد حقـًا في هذا الملف هو استثمار هذه المجلة الخبيثة لموقف "شيخ الأزهر" المشار إليه سابقـًا؛ لكي توهم القارئ أن "شيخ الأزهر" يقف معهم في خندق واحد ضد النقاب، وهذا ما تورط فيه "شيخ الأزهر" بصورة أو بأخرى!!

بداية لن نستغرب من ترحيب "شيخ الأزهر" بعقد تلك الندوة مع هذه المجلة المشبوهة التي تحارب كل مظاهر التدين بما فيها مناهج الأزهر!!

فهذه المجلة كانت هي المكان الوحيد الذي ينشر بذاءات "القمني" قبل هوجة حصوله على جائزة الدولة التقديرية!!

وهي المجلة التي تفرد المساحات الواسعة لخرافات "نوال سعداوي"، وتطاولها على التشريع الإسلامي!!

وهي المجلة التي تتبنى شذوذات "جمال البنا"، وغيرهم من الخارجين على إجماع الأمة والمخالفين لفقهها، ومنه الفقه الذي يدرس في الأزهر!!

باختصار كل ذلك ليس بعجيب من الدكتور "طنطاوي" الذي صافح "بيريز" دون أن يعلم أنه "بيريز"!!، وبالتالي لعله جاء إلى المجلة، وهو يظن أنها مجلة تنافس "مجلة الأزهر" في نشر الإسلام!!

ولكن العجب يأتي في موضوع الحوار ذاته، والذي جاء فيه على لسان "شيخ الأزهر" ثناؤه على "روزا اليوسف" التي ساندته هي والأهرام، والأخبار في مواجهة الحملة التي تعرض لها!!

وسبق أن ذكرنا أن المجلة ترى نفسها قائدة لا مساندة، وأنها تعتبر موقف شيخ الأزهر وغيره نجاحًا لحملتهم ضد النقاب، وهو ما اتضح من الحوار، وللأسف أن الأمر كما يقولون، ذلك أن محرري المجلة تبنوا على طول الحوار موقفـًا معاديًا تمامًا للنقاب معتبرين إياه دخيل على الإسلام، وخطر على المجتمع ينبغي الإسراع بتحريمه في كل الأحوال، ثم بعد ذلك نشروه ضمن ملف بعنوان: "ضد النقاب" مع أن تصريحات "شيخ الأزهر" المتتالية كانت تقول أنه ليس "ضد النقاب"!!

ولكن العجيب أن ردود "شيخ الأزهر" عليهم اتسمت بالهدوء واللطف رغم هذا التصادم المبدئي في الرؤى بينهم وبينه، والذي ظهر في السؤال الأول من الندوة كما سنبين -إن شاء الله-، بل إنه اضطر في النهاية لأن يجاريهم لتكون الصورة الختامية التي يخرج بها قارئ هذا الملف أن "شيخ الأزهر ينضم إلى حملة روزا اليوسف ضد الثوب الخبيث "النقاب"!!

تضمنت تغطية الندوة في المجلة صورة للحضور، من بينهما: سيدتان كبيرتان في السن يلبسان ما يسميه الناس حجابًا، ومن الواضح أن أسرة "روزا اليوسف" تحاشوا حضور الصحفيات المتبرجات اللاتي تملأ صورهن المجلة، ومنهن "منى حلمي" المشاركة في الملف بمقالة.

بيد أن إحدى السيدتين الحاضرتين كانت تكشف عن مقدم شعرها بصورة لا نظن أن "شيخ الأزهر" يوافق عليها، ومع ذلك لم يوجهها لا بالرفق ولا بغيره مما استعمله مع فتاة صغيرة اضطر في الحوار معها أن يذكر "اللى خلفوها"!!؛ فعلى الأقل كان يمكن الكلام مع هذه السيدة دونما تعرض لذكر أحد حيث إنها مسؤولة عن نفسها، وربما عن غيرها من بنات وحفيدات!!


لم يشأ المتحاورون أن يتركوا الباب مواربًا، بل أرادوا أن يضعوا العنوان المطلوب صراحة منذ السؤال الأول فجاء على النحو التالي:

"روزا: نحن نخوض معركة في قضية النقاب منذ سنوات... ومن الطبيعي الآن أن نساند فضيلتكم في الهجمة الشرسة التي تتعرضون لها بسبب موقفكم الأخير من نفس القضية"!

واضطر شيخ الأزهر أن يعلق على ذلك بأنه ليس ضد النقاب، وشرع في شرح القرار الصادر من الأزهر، بل أكثر من ذلك أنه اعترف بأن القول بوجوب النقاب قول قال به بعض الأئمة فقال: "الأحناف والمالكية والشافعية أجمعوا على أن وجه المرأة ليس بعورة، والإمام أحمد بن حنبل له روايتان، الأولى: أن وجه المرأة عورة، والأخرى أنه ليس بعورة، في هذه الحالة الأغلبية قالت: إن وجه المرأة ليس بعورة"!!

ومع ذلك فالشيخ لم يوضح مذهب الذين قالوا بعدم الوجوب، هل قالوا بالاستحباب كما تقول كل كتب الفقه التي تدرس في الأزهر، وفي غيره أم قالوا بالإباحة كما هو المذهب الجديد لشيخ الأزهر أم قالوا بالتحريم كما تنادي به المجلة وأمام شيخ الأزهر؟؟!!

ثم اعترف شيخ الأزهر ضمنـًا بتعنيف الفتاة حينما أجاب عن سؤال هو هذا الأمر بقوله: "هذا كلام خطأ، أنا نصحت بالطريقة التي أراها مناسبة، قد يكون في هذه النصيحة قسوة، لكن أنا وجدت أن القسوة في مثل هذا الموقف واجبة"!!

ثم قال شيخ الأزهر في معرض ذكر من أيده من الصحف وهم "روزا اليوسف" و"الأهرام" و"الأخبار"، وذكر الذين هاجموه فقال: "الأعجب أن واحدًا من أبنائنا بجريدة "الوفد" كتب: "أيهما نصدق د. طنطاوي مفتى الديار أم د. طنطاوي شيخ الأزهر؛ في عام ٩٣ اعتبر النقاب واجبًا شرعيًا، وفي عام ٢٠٠٩ أعلن الحرب على المنقبات؟!"، طلبت منه أن يأتي لي بالدليل على كلامي الذي نسبه إلىّ، وطلبته فأرسلت الجريدة شخصًا آخر، لم يقل لي الكتاب أو الصفحة، مسكين لم يستطع أن يأتي، ويواجهني فرئيس التحرير أرسل شخصًا يعتذر، وكتب في اليوم الثاني كلام كويس"!!


ولا أدري أنسي الشيخ "طنطاوي" تفسيره "الوسيط" أم تبرأ منه؟!، وبالفعل الطبعة الرائجة منه طبعة عام 93، بيد أنه يبدو أن "شيخ الأزهر" فقد تماسكه، وبدأ في تغيير موقفه الذي هو لا مع ولا ضد النقاب؛ ليتبنى موقف المجلة الذي هو "ضد النقاب" في الجزء الأخير الذي نورده بنصه:

روزا: فضيلتكم... ضرر النقاب قد يصل إلى حد إحداث فتنة؛ فهل يكون من الأفضل إعلان منعه على الإطلاق؟؟

شيخ الأزهر: لو أعلنا القرار بهذا الشكل أن النقاب ممنوع على الإطلاق في الشارع، وفي كل مكان لن يلتزموا، بالعكس سيكون رد الفعل عكسيًا؛ لذلك يجب أن نعمل على الموضوع بتدرج.

روزا: حضرتك تتحدث عن التدرج فما هو الهدف البعيد؟

شيخ الأزهر: ربما نستطيع السنة المقبلة أن نقول: إن النقاب ممنوع في الفصل الدراسي. -"حتى ولو كان المدرس من الرجال"-.

روزا: أمام الضغوط الشعبية والمشاكل التي ترتبت على هذه القرارات هل من الممكن أن تتراجع تلك الحملة وتذهب طي النسيان مع الوقت؟؟

شيخ الأزهر: بالنسبة للأمور الثلاثة التي حددناها لا تراجع عنها إطلاقـًا وموقفنا سيكون ثابتـًا ولن نحيد عنه!!

روزا: هل ستبادر فضيلتك بخطوة التعديل التشريعي أم ستنتظرها من وزارة العدل؟

شيخ الأزهر: كما قلت أنا كتبت إلى د. "فتحي سرور" والسيد "صفوت الشريف"؛ لأبلغهما بوجهة نظري، وفي النهاية هما حران في اتخاذ القرار وتشريعه من عدمه!!

روزا: هل البيان الذي أرسلته للبرلمان تطالب فيه بحظر النقاب في الأماكن العامة؟

شيخ الأزهر: ممكن أقترح هذا، وخطابي كان فيه تلميح لهذا، والموضوع متروك لهم أن يعرضوه على المجلس ويناقشوه؛ فإذا اتفقت الأغلبية على اتخاذ مثل ذلك القرار فليحولوه لتشريع.


روزا: أيام الرسول... هل كان هناك منقبات؟، وما هي الأحاديث التي تدل على عدم وجود النقاب؟؟

شيخ الأزهر: أنا لم أقرأ أن الرسول منع امرأة من ارتداء النقاب أو منع امرأة من كشف وجهها، هناك أحاديث صحيحة أثبتت أن إحدى السيدات كانت تسأل الرسول أسئلة ووجهها مكشوف "الخثعمية"... سيدنا الفضل بن العباس كان ينظر لها فنبهه الرسول وقال له: غض بصرك، وأدر وجهك وأجابها على وجهها ولم يقل لها: غط وجهك".

والآن وقد اتضحت الصورة من أن دعاة التغريب يريدون خلع النقاب، ومن بعده وربما معه الحجاب؛ نطالب كلاً من "شيخ الأزهر" وأسرة تحرير "روزا اليوسف" بتحديد موقفيهما بلا مواربة، وحتى لا يختلط الحابل بالنابل؛ هل يوافق شيخ الأزهر على المقالة التي نشرت بجوار الحوار معه، والتي تدعو إلى إنكار الحجاب ذاته؟!، وهو يوافق على اعتبار المفاهيم الغربية هي معيار التحضر؟، ولن نسأله هل يوافق على إهانة المنقبات؛ لأن هذا تم إمام عينه وسكت؟!

ثم علينا أن نسأله عن هذا التدرج الذي صرح بأنه سوف يأخذنا به، وهل هذا نابع من منطلق ديني أم ماذا؟ وهل حظر النقاب في الفصول حتى لو كان المدرس رجلاً يتفق مع ما تصرح به ليل نهار أن إنكارك على الفتاة جاء لعدم وجود رجل في الفصل وهو ما كررته في هذا الحوار؟!


إننا رغم الصدمات التي نتلقاها من "شيخ الأزهر" واحدة تلو الأخرى نربأ به أن يوظف من قبل مجلة علمانية كل رسالاتها هو فصل الدين عن الحياة، والاستهزاء والسخرية من الدين وأهله.

وحربهم على النقاب ما هي إلا جزء من حربهم على الحجاب، وعلى التشريع الإسلامي ككل، والملف الذي جعلوا ندوة شيخ الأزهر أحد موضوعاته شاهد على ذلك.

وأما أسرة تحرير "روزا اليوسف" الذين نشروا مقالة قائمة على تعقب رأي الشيخ "الشعراوي" في النقاب فنقول لهم: "إن أساليب التلون والخداع ممقوتة لا تليق بمن يدعون أنهم أصحاب منهج ودعوة، ولذلك فعليكم أن تعلنوا صراحة عن مرجعيتكم هل هي الإسلام أم الثقافة الغربية؟!، وإذا كنتم تحاولون الجمع بينهما فأيهما تقدمون عند التعارض؟؟

وإذا كانت الإجابة أن الإسلام هو مرجعيتكم فأي إسلام تعنون: هل ترجعون إلى فقه علماء الأمة المعتبرين وعلى رأسهم "الأئمة الأربعة" و"الأزهر" يعتبر امتدادًا لهم؟؟

أم أن إسلامكم هو إسلام "منى، ونوال السعداوي، وجمال البنا، وكل أصحاب الشذوذات ممن يعادون الأزهر ويعاديهم الأزهر؟

فإذا كانت الإجابة: أنكم مع فقه الأمة والأزهر فمن أين إذن أتت كل هذه الكتابات في هذا المقال، وغيره، وما قول هذا الفقه في الصور العارية وموضوعات الثقافة الجنسية، والنكات ذات الإسقاطات الجنسية "وفي هذا العدد الذي يهاجم النقاب شيء لا بأس به من ذلك"؟!

وهل سألتم شيخ الأزهر فضلاً عن غيره عن حكم نشر هذه الأشياء؟

وإذا كانت الإجابة الثانية: فلم تحاولون خداع "شيخ الأزهر"، وخداع الجمهور معه؟!، إنكم كما لو كنتم أنتم و"شيخ الأزهر" بالإضافة إلى "مديرة اليونسكو الجديدة" و"ساركوزي"، وغيرهم قد أسستم الهيئة العالمية لمحاربة النقاب!!


يا قوم: كفى خداعًا؛ فإذا قررتم أن تكونوا حربًا على الفضيلة فلتعلنوها صراحة ليكون الناس منكم على بصيرة، وإن كان قائدكم "داروين" و"فرويد" فلتجهروا بها حتى يعرف الناس حقيقة دعوتكم!!

في نهاية المطاف اعترافكم بانتشار النقاب رغم حملاتكم المسعورة وانتقاله من زي لا يرتديه إلا المنتمين إلى الحركة الإسلامية إلى زي منتشر في كل طبقات المجتمع: مثل الغنية والفقيرة أمر مبشر بالخير، وهو في ذات الوقت يلقي بالتبعة على أبناء الصحوة الإسلامية أن يكثفوا جهودهم حتى يتحول النقاب عند المنقبات الجدد من مجرد زي إلى سلوك عام، ولا عزاء لأبلة "روزا" وحزبها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) القول بأن النقاب عبادة محل إجماع من علماء الأمة، ولكن الخلاف في درجته؛ فمن قائل: بالوجوب، ومن قائل: بالاستحباب، ولم ينفرد الإمام أحمد بالقول بالوجوب، بل ما من مذهب من "المذاهب الأربعة" وغيرها، وإلا ويوجد من أئمته من قال بالوجوب، على أن انفراد عالم بقول ما لا يعتبر بمفرده دليل على شذوذ هذ القول، بل العبرة بالدليل، و"شيخ الأزهر"، و"قانون الأحوال الشخصية المصري" يأخذ بأقوال انفرد بها مذهب واحد من "المذاهب الأربعة"، منها:

- القول بجواز القيمة في الزكاة لا سيما زكاة الفطر، وهو يقول يتبناه الأزهر كله تقريبًا، ولم يقل به من "الأئمة الأربعة" إلا الإمام "أبو حنيفة".

- إيقاع الطلاق الثلاث في المجلس الواحد طلقة واحدة أخذ به "قانون الأحوال الشخصية المصري"، ولم يقل به أحد من "الأئمة الأربعة"، وإنما قال به شيخ الإسلام ابن تيمية.

- اعتبار سن البلوغ ثمانية عشر عامًا وهو ما اعتمده القانون، وهو تشويه لمذهب انفرد به أبو حنيفة -رحمه الله-، والذي يرى أن البلوغ "عند عدم ظهور علاماته الجسدية" يكون ببلوغ ثمانية عشر عامًا؛ بينما يرى الجمهور أن البلوغ "عند عدم ظهور علاملاته الجسدية" يكون ببلوغ خمسة عشر عامًا، وجاء القانون فقرر: أن سن البلوغ ثمانية عشر عامًا بغض النظر عن العلامات الجسدية! مدعيًا أن هذا هو مذهب أبي حنيفة -رحمه الله-، و الأمثلة على ذلك كثيرة...

الثلاثاء، 19 يناير 2010

خطر ... ممنوع كشف الوجه

خطر ... ممنوع كشف الوجه

محمد أمين مرزا عالم
أضيفت بتاريخ : : 12 - 01 - 2010
نقلا عن : كتاب كلمات عابرة للمرأة المسلمة المعاصرة




أختي المسلمة ... يا جوهرة هذا المجتمع ..

اعلمي أن الجواهر الغالية تصان عن نظر الحساد ومرضى القلوب حفظاً لها ورفعة لشأنها ..

وأنت يا أمة الله .. أغلى من تلك الجواهر الغالية .

لأنك أنت الزوجة والأم، والابنة والأخت، والمربية الصالحة .. فإياك ثم إياك من كشف الوجه ..


لأن في كشف المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب مفاسد كثيرة منها :

أولا: أن كشف المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب معصية لله تعالى ومعصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعاصي شؤمها عظيم وخطرها جسيم في الدنيا وفي الآخرة .

ثانياً: أن فيه زوال لحياء المرأة ... فإن حياءها مرتبط بحجابها فإن تبرجت وأسفرت عن وجهها زال حياؤها.

ثالثاً: أن كشف المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب مؤد للافتتان بها من الرجال والشباب، فتكون سبباً في فتنتهم وإنحرافهم فتحمل إثمها وإثمهم ولا حول ولا قوة إلا بالله .


رابعاً: أنها تعرِّض نفسها للإيذاء بالكلمات الساقطة والنظرات العابثة من مرضى ً القلوب.

خامسا: أنها قد تعرِّض نفسها للاختطاف أو الإيذاء الجسدي والعياذ بالله عند الفتنة بها.

سادساً: أنها قد تعرض نفسها للعين والحسد سواء من عيون الإنس أو حتى من عيون الجن .. وعندها تطوف الأرض بحثاً عن العلاج من غير فائدة .. إلا أن تعود فتتوب .


سابعاً : أنها قد تعرض نفسها لدعاء بعض الصالحين فيدعون عليها غيرة لدين الله تعالى ...

ثامناً: أن في ذلك تعويد للأمة على استمراء المنكرات شيئاً فشيئاً .. فاليوم كشف للوجه .. وغداً للرأس والشعر وبعد غد للذراع . وبعد ذلك ...؟!! والعياذ بالله.

تاسعاً: أن فيه نشر للمنكرات في هذه الأمة . وقد قال تعالى : {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [لأعراف:56].


عاشراً: أن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل فيها حياء ولا وجل من مزاحمة الرجال والاختلاط بهم ومجاهرتهم بالكلام والرد وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عظيم. [ رسالة الحجاب لسماحة الشيخ ابن باز ].

الحادي عشر : أن المرأة حينما تكشف وجهها .. إنما تسعد بذلك أعداء الأمة من اليهود والنصارى فيفرحون بذلك أشد الفرح .. في حين أنها تعادي أولياء الله من دعاة الخير.


الثاني عشر : أن في ذلك تقليد لنساء الغرب وتشبه بهم فلا يكاد المسلم يفرق بين نساء المسلمين ونساء الكافرين .وقد قال صلى الله عليه وسلم : «ومن تشبه بقوم فهو منهم» رواه أحمد2/50 وأبو داود 4031 .


الثالث عشر : قلت والأشد من ذلك ما قد استحوذ على قلوب كثير من نساء المسلمين وفي بلاد كثيرة من كشف العين والتلثم فتخرج المرأة مبدية نصف وجهها وتظن أنها قد تحجبت وكذبت والله ثم كذبت فهي بهذا الصورة والهيئة فتنة عظيمة للرجال .. فلو تلثمت العنز والبست البرقع لفتنت بعض الناس فما بالنا بالمرأة !!


فاتقي الله يا أمة الله ولا يكن حالك كحال تلك النسوة المتلثمات !!

الاثنين، 18 يناير 2010

أخرجوهن من جامعاتكم إنهن يتطهرن

أخرجوهن من جامعاتكم إنهن يتطهرن


أبو الهيثم محمد درويش
أضيفت بتاريخ : : 16 - 01 - 2010
نقلا عن : خاص بموقع طريق الإسلام




{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2-3].

جرت سنة الله تعالى في ابتلاء المؤمنين ليميز الخبيث من الطيب وليتبين الصادق في ادعاء الإيمان من الكاذب، وكعادة أهل الصد عن سبيل الله في كل زمان ومكان يستخدمون ما استطاعوا من أدوات وآليات التنفير لإثناء المؤمن وزحزحته عن صراط الله المستقيم.


قال الإمام ابن كثير في هذه الآيات:

"اِسْتِفْهَام إِنْكَار وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى لَا بُدّ أَنْ يَبْتَلِي عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِحَسَبِ مَا عِنْدهمْ مِنْ الْإِيمَان كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح: «أَشَدّ النَّاس بَلَاء الْأَنْبِيَاء ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَل فَالْأَمْثَل يُبْتَلَى الرَّجُل عَلَى حَسَب دِينه فَإِنْ كَانَ فِي دِينه صَلَابَة زِيدَ لَهُ فِي الْبَلَاء»، وَهَذِهِ الْآيَة كَقَوْلِهِ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ} [سورة آل عمران: 142]، وَمِثْلهَا فِي سُورَة بَرَاءَة وَقَالَ فِي الْبَقَرَة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَل الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْر اللَّه أَلَا إِنَّ نَصْر اللَّه قَرِيب} [سورة التوبة: 16]". أ هـ

إذًا فالنجاح في الاختبار والنجاة من الابتلاء بتثبيت من الله يثبت به عبده ليورث هذا العبد النصر المبين، حتى وإن كان النصر على المستوى الفردي للعبد المؤمن فكم من مؤمن نصره الله تعالى نصراً مؤزراً كفرد فكان انتصاره انتصاراً للأمة، ولنا في فتى أصحاب الأخدود المثل والقدوة الواضحة التي تبين أن النصر يتنزل من عند الله بتثبيته لعبده المؤمن وقد تجلى انتصار فتى أصحاب الأخدود بعد موته بدخول الناس بسببه في الدين الله أفواجاً فكان موته آية للناس وكان النصر حين هتف الجميع آمنا بالله رب الغلام.


ولنتابع معاً التسلسل المعجز في سورة العنكبوت لبيان طريق الفائزين الناجحين في الاختبار يقول تعالى بعد آيات الابتلاء مباشرة: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 5-6].

انظر إلى روعة الآية الأخيرة لأن الجائزة تنتظر صاحبها ومن جاهد ونجح في الاختبار فإنما جهاده لنفسه هو وفوزه لنفسه سينال به أرفع الدرجات وأفضل المنازل، فإن قال قائل وأين الجائزة نقول تتبع الآيات وانظر، فبعدما بّيَّنَ الله طريق الفوز للمؤمنين وضرب لهم الأمثلة من اختباره للأنبياء وأممهم بين الجائزة الكبرى في آخر آية من السورة.


ونهدي هذه الآية لأخواتنا الطاهرات اللائي يتحدين الدنيا اليوم بارتدائهن للباس أمهات المؤمنين، أخواتنا اللائي يحاربن بسبب طهرهن وعفتهن واحتشامهم واتخاذهن فاطمة وعائشة وباقي أمهات المؤمنين قدوة وأسوة... الجائزة هي قول الحق تبارك وتعالى في آخر آية من سورة العنكبوت: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة العنكبوت: 69]، إن نتيجة النجاح في الاختبار هي هداية السبل، وما أجملها من هدية وما أعظمها من جائزة.

قال ابن كثير:
"ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} يَعْنِي الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَأَتْبَاعه إِلَى يَوْم الدِّين {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلنَا} أَيْ لَنُبَصِّرَنَّهُمْ سُبُلنَا أَيْ طُرُقنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن أَبِي الْحَوَارِيّ أَخْبَرَنَا عَبَّاس الْهَمْدَانِيّ أَبُو أَحْمَد مِنْ أَهْل عَكَّا فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلنَا وَإِنَّ اللَّه لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} قَالَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ يَهْدِيهِمْ اللَّه لِمَا لَا يَعْلَمُونَ، قَالَ أَحْمَد بْن أَبِي الْحَوَارِيّ فَحَدَّثْت بِهِ أَبَا سُلَيْمَان يَعْنِي الدَّارَانِيّ فَأَعْجَبَهُ وَقَالَ: "لَيْسَ يَنْبَغِي لِمَنْ أُلْهِمَ شَيْئًا مِنْ الْخَيْر أَنْ يَعْمَل بِهِ حَتَّى يَسْمَعهُ فِي الْأَثَر فَإِذَا سَمِعَهُ فِي الْأَثَر عَمِلَ بِهِ وَحَمِدَ اللَّه حَتَّى وَافَقَ مَا فِي قَلْبه". وَقَوْله: {وَإِنَّ اللَّه لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عِيسَى بْن جَعْفَر قَاضِي الرَّيّ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الْمُغِيرَة عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ: قَالَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا الْإِحْسَان أَنْ تُحْسِن إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْك لَيْسَ الْإِحْسَان أَنْ تُحْسِن إِلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْك وَاَللَّه أَعْلَم" أ هـ من تفسير ابن كثير.


وقد تعجب الجميع من هذه الهجمة الشرسة على عفاف المرأة المسلمة من بني علمان على مستوى العالم العربي والتي توافقت مع موسم الحج، والتي بدأت بهجوم شيخ الأزهر المصري على إحدى الفتيات الصغيرات وإجبارها على خلع نقابها، ثم تتابعت فتاوى المجاملات المؤيدة لموقف الرجل حتى أن الغرب استشهد بفعلته على منع المنتقبات من كثير من حقوقهن بدعوى أن شيخ الأزهر فعل فكيف بنا نحن؟!...

بالطبع لن يكونوا أحن على الإسلام من أهله!!!...

فاللهم سلم سلم، وارحم وثبت قلوب المؤمنين على دينك ولا تفتنا في ديننا وثبتنا على الحق حتى نلقاك... نعوذ بك يا ربنا من فتن نزلت علينا كقطع الليل المظلم...

ثم تتابعت الحرب الشرسة حتى طالت بلاد الحرمين بفتاوى تقنين الاختلاط وفتح إحدى الجامعات المختلطة، والتي جاءت في توقيت يبدو متناغما تماما مع الحرب الشرسة الضروس الدائرة على عفاف المرأة المسلمة وحشمتها وحجابها، وكانت الطامة بتجريم النقاب وادعاء أنه عادة وليس عبادة، ومنع فتياتنا الطاهرات من دخول الجامعات ولجان الاختبارات، فياللعجب... صاحبة الضيق والعريان تدخل رافعة أنفها والعفيفة الطاهرة تمنع وتحارب وتغلق الأبواب في وجهها!!!


والعجب أن ممن يحارب فتياتنا المنتقبات اليوم من كان يفتى بكل جرأة قبل توليه منصبه بفضل النقاب بل وكان منهم من ينكر أشد النكير على من ينكر فضل النقاب منهم مفتى مصر الدكتور علي جمعة والذي كان يقول بأن النقاب واجب عند جمهور أهل العلم وكان ينكر على من ينكر فضله، وله مقطع مشهور في أحد البرامج بالصوت والصورة مع التأكيد أن الفتوى كانت (قبل المنصب)!!!... فاللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك.

وللدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر كتاب في التفسير يدرس في المعاهد الأزهرية يسمى بـ(التفسير الوسيط)، ومما جاء فيه في تفسير قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ما يلي:

"وقال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر، بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك، (ما ظهر) على هذا الوجه مما تؤدى إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه.

قلت -أي القرطبي-: وهذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما، عادة وعبادة، صح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما.


يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة، أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا» وأشار إلى وجهه وكفيه. وقال بعض علمائنا: "إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك". أ هـ من تفسير شيخ الأزهر (قبل المنصب)!!!

وقال في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59].

"وقوله: {يُدْنِينَ} من الإِدناء بمعنى التقريب، ولتضمنه معنى السدل والإِرخاء عُدِّىَ بعلى. وهو جواب الأمر، كما في قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم: 31]، والجلابيب: "جلابيب: جمع جلباب، وهو ثوب يستر جميع البدن، تلبسه المرأة، فوق ثيابها".

والمعنى: يأيها النبي قل لأزواجك اللائي في عصمتك، وقل لبناتك اللائي هن من نسلك، وقل لنساء المؤمنين كافة، قل لهن: إذا ما خرجن لقضاء حاجتهن، فعليهن أن يسدلن الجلابيب عليهن، حتى يسترن أجسامهن سترا تاما، من رءوسهن إلى أقدامهن، زيادة في التستر والاحتشام، وبعدا عن مكان التهمة والريبة." أ هـ من تفسير شيخ الأزهر (قبل المنصب)!!!


أرجع إلى زهراتنا اليانعات، وأمهات المستقبل وصانعات أبطال الأمة وعساهن أمهات جيل النصر والتمكين وفتح بيت المقدس وروما إن شاء الله...

بناتنا الكريمات: اثبتن وجاهدن في الله وتذكرن الجائزة، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، واعلمن أنها سحابة ولابد أن تنقشع، وإن استمرت فعفافك وطهرت بألف ألف شهادة جامعية، إن منعوك من الجامعة فلن يمنعوك عن المسجد، وإن منعوك عن المساجد فلن ينزعوا الإيمان من قلبك...


أخيتي:

أن تعيشي صاحبة قضية وحاملة رسالة ولو بدون جامعة أفضل بكثير من شهادة جامعية ملفوفة بالمهانة، ثم اعلمي أن انتصارك على المستوى الفردي هو ثباتك على ما تعتقدين وجوبه، ونجاحك الحقيقي في إرضاءك لربك، فإن منعوك لجان الاختبار، فهل بأيديهم منعك من المرور على الصراط مرور البرق الخاطف ثم إلى جنة عرضها السماوات؟!

إن منعوك عن لجان اختباراتهم فهل بأيديهم انتزاع حياءك وسترك وعلاقتك بربك؟؟!

إن منعوك عن لجانهم فهل بأيديهم منعك من ولادة خالد بن الوليد أو صلاح الدين الجديد الذي ترتعد فرائص من يخطط ضدك هلعاً من ولادته؟!!


أخيتي:

والله إنهم يخافونك فاثبتي وانتظري الجائزة...

أعتقد أنك قد علمت الجائزة جيداً..

أهي الشهادة الجامعية؟!

أهي شهادة الماجستير؟!

أهي شهادة الدكتوراة؟!

لا والله هي أعظم وأجل... إنها الهداية إنها الهداية
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة العنكبوت: 69].

فاثبتي أيتها المحسنة حفظك الله...

الثلاثاء، 12 يناير 2010

محنة المرأة المسلمة في أوروبا

محنة المرأة المسلمة في أوروبا

ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 10 - 01 - 2010
نقلا عن : مصري يوسف - موقع الإسلام اليوم



تعاني المرأة المسلمة في أوروبا من ضغوط كثيرة، ما بين رغبتها الشديدة في الحفاظ على دينها وهيئتها الإسلامية، وما بين حملات عنصرية تشنها الحكومات الغربية والتي ترفع شعارات الحرية الزائفة من أجل أن تخلع المرأة المسلمة حجابها ..فالمرأة المسلمة ممنوعة بحكم القوانين الغربية المجحفة من أبسط حقوقها في الالتزام بتعاليم الإسلام وممارسة شعائره، وفي حين سوّغت الدنمارك وغيرها من الدول التي أعادت نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- هذه الأفعال الشنيعة بحرية الرأي والتعبير، تظل حكومات هذه الدول مستمرة في انتزاع حرية المرأة في ارتداء حجابها، بل وحرية المسلمين في ممارسة شعائرهم. وعلى الرغم من إقامة أكثر من (11) مليون مسلم في البلدان الأوروبية الكبرى تبدو قضية التنظيم المؤسسي للإسلام قضية أوروبية ترتبط بخصوصيات العلاقة بين الدولة والكنائس أكثر منها بعجز المسلمين عن التكيّف، وترجع مقاومة الاعتراف بالإسلام إلى العقليات الأوروبية أكثر منها إلى العوائق القانونية أو المؤسسية.

كما يظل المسلمون في أوروبا عاجزين عن إيصال صوتهم بشكل متكافئ، وقد اضطر مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) للتدخل مؤخراً لدى القنصلية الفرنسية في (شيكاغو) لصالح شابة مسلمة كي تتمكن من ارتداء الحجاب عندما تُلتقط لها صورة جواز السفر، وهذا ما لم يحصل عليه المسلمون داخل فرنسا.

كذلك بدأت هولندا في تنفيذ قانون لحظر ارتداء النقاب؛ إذ أوصت دراسة أعدها مجلس الوزراء الهولندي بتطبيق هذا القانون تحت مزاعم أن هذا النقاب يسيء للمرأة، ويذكّر بالقرون الوسطى حينما تسير امرأة في الشارع مغطاة تماماً، وهذا في عرفهم يمثل إهانة لكل من يؤمن بالمساواة في الحقوق، في خطوة لخنق كل ما هو مرتبط بالإسلام من زي شرعي أو شعائر دينية.

ولعل هذه الأفعال ليست بغريبة على السلطات التي سمحت بتعاطي المخدرات المصنوعة من نبات القنب وممارسة الدعارة علنا، كما اتخذت عدة إجراءات أمنية مشدّدة بالتنسيق بين وزارتي الخارجية والعدل والاستخبارات من شأنها حرمان المسلمين من الاشتراك في أندية التدريب على رياضات الغوص أو الطيران أو الرماية وإطلاق النيران، وذلك ضمن حزمة من الإجراءات التي تتخذها هولندا تحت مزاعم ما يُسمّى بـ"مكافحة الإرهاب".

وفي هذا السياق حذّر مدير مركز (ملتقى متعدد الثقافات) من "استمرار هذا التوجه، وهذه السياسة، مما يعني أننا بذلك نودع زمن التسامح والتعدد والتواصل" داعياً "من يسيّرون الدولة ومثقفيها للتوقف عن تصريحاتهم العدائية وإثارة النعرات".


معاناة المرأة المسلمة
وعلى الرغم من هذه الإجراءات فإن المرأة الهولندية المسلمة مازالت مصرة على التمسك بحقها في ممارسة شعائر الإسلام فتقول (هوب) إحدى مسلمات هولندا في محاولة للتعبير عن غضبها الشديد من هذا القرار: "سأرتدي قناعاً كقناع الجرّاحين، حتى لا أخالف تعاليم الإسلام .. أو أرتدي واحداً من تلك الأشياء التي كان الناس يرتدونها وقت انتشار مرض سارس إذا اضطررت لذلك".

وعبرت (هوب) عن تمسكها بتعاليم الإسلام وحبها الشديد في الالتزام بقولها: إنها اختارت ارتداء النقاب بدافع حبها لله، وهو الحب الذي تريد أن تريه للعالم بأسره؛ إذ أمضت (هوب) وقتاً طويلاً في محاولة إقناع والديها بأنها لم تتعرض لعملية "غسيل مخ"، ولم تكتسب ميولاً متطرفة.

وتعتقد (فاميلي أرسلان) وهي محامية هولندية مسلمة أن هذا الحظر لن يكون من شأنه سوى تعزيز العنصرية السائدة في الوقت الراهن، وتشجيع المزيد من النساء على ارتداء النقاب كأسلوب احتجاجي، مضيفة: "نحن نخشى كثيراً أن ما سيبدأ بفرض حظر على النقاب سينتهي بفرض حظر على الحجاب.. فالدولة التي كانت من قبل تشتهر بتسامحها أصبحت تشتهر بجهلها".


ولعل هولندا من أكثر الدول الأوروبية التي تميز بين مواطنيها على أساس الدين، فالمسلمون مستهدفون بشكل خاص؛ فقد كشف التقرير السنوي 2004 للمركز الهولندي لرصد مظاهر التفرقة العنصرية عبر شبكة الإنترنت أن تلك المظاهر تزايدت في المواقع الهولندية بنسب كبيرة للغاية، وأن المسلمين هم أكثر الفئات تضرراً من التفرقة العنصرية على تلك المواقع، وهو ما اعتبره ناشط هولندي مسلم "نتيجة حتمية للسياسة المتبعة من قبل الحكومة والسياسيين الهولنديين تجاه المسلمين".

والتقرير أكد على أن المسلمين هم الفئة الأكثر تعرضاً للتفرقة العنصرية بهولندا؛ إذ تضاعف تقريباً عدد المواقع التي احتوت على دعوات صريحة مناهضة للإسلام والمسلمين لترتفع من (231) واقعة عام 2003 إلى (409) عام 2004.

ولمجرد أن خرجت وزيرة المواصلات والمياه (كارلا بايس) بتصريح قالت فيه: إنها ترحب بوجود وزيرة ترتدي الحجاب داخل الحكومة، وإنها تعتبر مسألة ارتداء الحجاب أمراً يتعلق بالحرية الشخصية، وأيدتها زميلتها في الحزب الديمقراطي (ميريام استرك) في هذا الرأي قائلة: إن من حق المرأة أن تختار ارتداء الحجاب أم لا، ثارت المعارضة الهولندية ضدهم، ونشبت حرب كلامية بين عدة شخصيات سياسية وحزبية من العنصر النسائي كانت وسائل الإعلام مسرحاً لها.


حملة أوروبية
وما يصيبنا بالحزن والأسى أن هذا التصاعد في الممارسات المعادية للمسلمين بهولندا تزامن مع تزايدها أيضاً في دول الغرب بشكل عام بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حيث تتذرع السلطات في الدول الغربية بما يسمى "مكافحة الإرهاب" للتراجع عن الكثير من الحقوق التي يتمتع بها مسلموها، أو التضييق عليهم.


ففي عام 2004 حظرت فرنسا في خطوة مثيرة للجدل ارتداء الحجاب في المدارس زاعمة أن ذلك يتعارض مع مبادئ فصل الدين عن الدولة، وفي العام نفسه حظرت بلدة (ماسايك) البلجيكية النقاب بتفعيل قانون قائم بأن يكون الناس مستعدين للتعريف بهويتهم في الأماكن العامة.

وفي ألمانيا كشفت دراسة حديثة عن المضايقات التي يتعرض لها مسلمو ألمانيا في مواقع عملهم بالشكل الذي يحول دون ممارستهم شعائرَهم الدينية (الصلاة، والصيام، وارتداء النساء المسلمات للزي الإسلامي الشرعي في القطاعات العامة) بشكل طبيعي مثل باقي الطوائف الأخرى.

وأضافت الدراسة أن المسلمين يتعرضون لتلك المضايقات عند بناء المساجد وتسيير أعمالها، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالذبائح حسب الطريقة الإسلامية، علاوة على شؤون دفن موتى المسلمين وفقاً لأحكام دينهم، كما يتعرضون لصعوبات في مجال توفير الرعاية الدينية والروحية لنزلاء المستشفيات والسجون من أبناء دينهم.


كما منعت البلدية المحلية في مدينة (ديلانبرج) غرب ألمانيا المسلمين من إنشاء مسجد بدعوى أن صوت الأذان يؤدي إلى إزعاج المواطنين الألمان في المدينة، و مُنِع إنشاء مسجد في مدينة (أشيم)؛ بدعوى أنه قد يؤدي إلى مشاكل مرورية بسبب كثرة عدد المصلين، ولعدم وجود (جراج) لسيارات مئات المسلمين.

أما في مدينة (كلوهرسو) فقد أصدر مجلس البلدية قراراً بمنع إنشاء مسجد؛ بزعم أن ارتفاع مئذنة المسجد سوف يشوّه المنظر العام للمدينة ذات المنازل متوسطة الارتفاع، وفي مدينة (نورمبرج) مُنِعت منظمة أهلية للأتراك بألمانيا من شراء قطعة أرض بعدما أعلنت عن نيتها في بناء مسجد عليها.


ومن ناحية أخرى، نشبت أزمة جديدة في برلين بشأن إمكانية الشروع في تعليم حصة الدين الإسلامي للتلاميذ المسلمين في المدارس العامة فيها؛ إذ رأت إدارة المدارس ببرلين أنّ المناهج التي وضعها الاتحاد الإسلامي المكلّف بشؤون التدريس والمناهج "تتعارض مع الدستور"؛ لذا فإنه من المرجّح أن يتعذّر الشروع في تدريس الحصة الإسلامية في مدارس برلين مع بداية العام الدراسي الجديد.

ومنذ أيام قليلة قضت محكمة مجلس اللوردات ـ أعلى المحاكم البريطانية ـ بأحقية إحدى المدارس في إجبار الطالبات على تغيير الزيّ الإسلامي (الحجاب) أو طردهن من المدارس.

وتظل هذه الهجمة الشرسة في مواجهة مع المرأة ـ العضو الفاعل داخل البنيان الإسلامي في أوروبا ـ طالما تمادت الحكومات الأوروبية في مطاردتها للأسرة الإسلامية في أوروبا.