عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الجمعة، 31 ديسمبر 2010

عائشة أم المؤمنين في الجنة

عائشة أم المؤمنين في الجنة

ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 29 - 12 - 2010
نقلا عن : د. باسم عامر - خاص بموقع طريق الإسلام



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين، وبعد:

فلا ريب عند كل مؤمن ومؤمنة في أنَّ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في الجنة، ومن قال خلاف ذلك فهو أحد اثنين؛ إما جاهلٌ حاطبٌ بليل ليس عنده علم، وإما جاحدٌ منافقٌ ظاهر النفاق.
ومسألة كون عائشة أم المؤمنين في الجنة لا يستدعي اجتهاداً جديداً لأنه من مسلَّمات الدين، ولكن لما كَثُر المنافقون في هذا العصر وجب على المسلمين تذكير بعضهم البعض بمثل هذه البديهيات التي لا خلاف عليها، حتى يكون المسلمون على وعيٍ وإدراك، وحتى لا تنطلي عليهم شبهات أهل الزيغ والضلال.


فنقول أن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها في الجنة، ومما دلَّ على ذلك ما يلي:
- نزول آيات كريمات من فوق سبع سماوات تُتلى آناء الليل وأطراف النهار إلى قيام الساعة من أجل تبرئة أم المؤمنين عائشة من الإفك والقذف والافتراء على عرضها الطاهر المطهر، ومن كان شأنه هذا الشأن فلا ريب في قدره الرفيع عند الله تعالى وأنه من أهل الجنة، وإلا فهل يُتصور أن ينزل الله تعالى آيات دفاعاً عن كافرٍ أو مجرمٍ ؟ فهذه التبرئة الربانية لا تكون إلا لمستحقٍ للجنة.

ثم إنَّ الله تعالى ذكر في سياق آيات حادثة الإفك أنَّ الذي يعود في الخوض في عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه ليس بمؤمن، فقال تعالى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [النور:17]، فمن عاد لذلك فليس بمؤمنٍ، وهذا لا يكون إلا لأولياء الله تعالى أمثال أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

- ومن الأدلة كذلك قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:26].
وجه الشاهد: مقتضى هذه الآية الكريمة أنَّ عائشة أم المؤمنين طيبة، ومن قال غير ذلك فهو كافرٌ لاشك في كفره، لأنه يستلزم منه التعرض للنبي ، ثم إنَّ الله تعالى قال في سياق الآية ذاتها: {أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}، ففي الآية إشارةٌ إلى عائشة رضي الله عنها أصالةً، وإلى المؤمنات المحصنات الغافلات تبعاً، ثم ختم الله تعالى الآية بأنَّ أولئك لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريم، أي: الجنة، فالآية الكريمة نصٌ في استحقاق أم المؤمنين رضوان الله عليها الجنة.


- ومن ذلك أنَّ عائشة رضي الله عنها قالت: كان اليهود يسلِّمون على النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: السام عليك، ففطنت عائشة إلى قولهم، فقالت: عليكم السام واللعنة، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: «مهلا يا عائشة إنَّ الله يحب الرفق في الأمر كله»، فقالت: يا نبي الله أولم تسمع ما يقولون؟ قال: «أولم تسمعي أني أرد ذلك عليهم فأقول وعليكم» (رواه البخاري).

وجه الشاهد: أنها غضبتْ للنبي عليه الصلاة والسلام ودافعتْ عنه، وجزاء المدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم الجنة، أما شبهة القائلين أنَّ النبي  عاتبها على ردها فالجواب: أنَّ الله تعالى قال في شأن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164]، فالنبي صلى الله عليه وسلم بُعِث مزكِّياً ومربِّياً، وأولى الناس بالتزكية والتربية هم أهل بيته وَمَنْ هم حوله.


- وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة رضي الله عنها قالت: فتكلمت أنا، فقال: أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا و الآخرة؟ قلت: بلى والله، قال: فأنت زوجتي في الدنيا و الآخرة. قال الذهبي معلِّقاً في التلخيص: صحيح، وانظر كذلك السلسلة الصحيحة برقم 2255.
- وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أُريتكِ في المنام ثلاث ليال. جاءني بكِ الملكُ في سَرَقَةٍ -قِطْعة- من حرير. فيقول: هذه امرأتكَ، فأكشفُ عن وجهك، فإِذا أنت هي، فأقول: إِن يَكُ من عند الله يُمضِهِ». وفي رواية : «أُريتُكِ في المنام مرتين». وذكر نحوه، أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية الترمذي: «أنَّ جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هذه زوجَتُكَ في الدنيا والآخرة». قال الألباني: صحيح.
الشاهد من الروايات السابقة: أن النبي صلى الله عليه وسلم شهِد لعائشة بأنها زوجته في الآخرة -أي في الجنة-، وهذا صريحٌ في الدلالة ولا يحتاج إلى مزيد كلام.

- روى البخاري في صحيحه عن أبي وائل الأنصاري قال: "لما بعث عليٌ عمارَ بنَ ياسر والحسنَ بن علي رضي الله عنهم إلى الكوفة ليستنفرهم، خطب عمَّار فقال: أني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة -أي عائشة- ...".
وجه الشاهد: أنَّ كلام عمَّار رضي الله عنه هذا في فتنة التي حصلت بين الصحابة في الجمل، فهل يُعقل في مثل هذه الظروف أن يزكيها بقوله: إنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة؟ بغض النظر عن الفتنة التي وقعت بين الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً في هذه الحادثة، فإنهم متأولون مجتهدون، وكلا الفريقين مأجورٌ، لكن وجه الشاهد من الكلام أنَّ عمَّاراً رضي الله عنه وهو في الفريق المقابل لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال هذا الكلام في حقها انصافاً وإحقاقاً للحق، فرضي الله عنهم جميعاً.

- عن عمرو بن العاص أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال : عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر، فعدَّ رجالاً فسكتُ مخافة أن يجعلني في آخرهم. (متفق عليه).

وجه الشاهد: كون أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي أنها مرافقة للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم أن: المرء مع من أحب، فحبُّ النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها بشارة لها بأنها من أهل الجنة بل أعلى درجات الجنة.


- عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام»، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته (متفق عليه).

وجه الشاهد: أنَّ جبريل عليه السلام من جملة الملائكة المأمورين بطاعة الله تعالى وعدم عصيانه، قال تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، فإذاً سلام جبريل على عائشة لم يكن ليحدث إلا بأمر الله تعالى، والسلام من الله تعالى يُفهم منه الرضا والقبول، فهنيئاً لأم المؤمنين هذه المكانة والمنزلة الرفيعة.


هذا بعض ما تيسَّر في حق أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يملك العاقل المتجرِّد إلا وأن يذعن للحق ويقف ضد الباطل، وصدق الله تعالى القائل في كتابه العزيز: {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ} [النور:11].

د. باسم عامر

في الغايات والمطلوبات

في الغايات والمطلوبات

ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 29 - 12 - 2010
نقلا عن : كريم محمود القزق - خاص بموقع طريق الإسلام



نظرت في أهداف الناس وغاياتهم وأسباب كدهم وبذلهم، وما يجتهدون في تحصيله ويكدحون، وما ينبرون لجمعه ويتبارون، فوجدتهم في سعيهم وأهدافهم ووسائلهم شتى، فمنهم وضيع الهمة خسيس النفس يطلب من دنياه ما تتلذذ به نفسه وجسده ويقف همه على ذلك دون غيره.

ولكن لأن الله فضل بني آدم وحملهم في البر والبحر وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، ومدح في غير ما موضع من كتابه أولي الألباب وذم الذين لا يعقلون، فلا بد من أن يختار المرء لنفسه ما يتم به كمال إنسانيته وتبقى معه كرامته ولا يراق له ما في وجهه من ماء.


فإذا ما أراد المرء أن يضع لنفسه غاية لمحياه، فإنه لابد وأن يرجع إلى مراد الله من خلقه إن كان يعلم قدر نفسه ويقدر الله حق قدره، فهو يعلم أن كونه مخلوق لله أوجده الله من العدم ابتداءً يجعل الله تعالى له سيدٌ آمرٌ لا يكون من طاعته سبحانه وتعالى بدٌّ، فهو المتصرف في خلقه وملكه بحق ولا يـُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وما ذلك إلا لأن الله هو مالك خلقه وسيدهم وموجدهم من العدم ورازقهم، ومصورهم في الأرحام ومنشئهم، وما يشاءون هم إلا أن يشاء الله لهم، ومشيئة الله ليست مشيئة مجردة عن الحكمة والعلم، إنما هي من الكمال بمكان، وأفعال الله كصفاته وأسمائه حسنى، لا يـُنسب إليها النقص بحال وهي كمال فوق كمال.


فإن كان كذلك هو أمره وهو عبد لله مملوك له حقيقة، بل هو وما ملـّّكه الله إياه من جسد وروح ومال وسلطان ودار ودابة وزوجة وولد وموالي وخدم وحاشية وعمال وأُجَرَاء، وهو ومن يسوسهم من خلق الله إنما استرعاه الله أمرهم واستخلفه فيهم ليبتليه ويبتليهم، وإنما هم جميعاً من خلق الله وهو مالكهم ومالك ما أعطاه إياهم حقيقة، قال تعالى: {وتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94].


فإذا كانت هذه الحقيقة التي لا يناقضها ولا يخالفها إلا مكابر أو معاند مغرور بما ليس له في الحقيقة حق تصرف، وهو وما بين يديه زائل يوماً ما شاء ذلك أم أباه، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يجرؤ العبد الذي ليس له من أمره شيء أن يختار لنفسه غاية من وجوده إلا بعد أن ينظر هل ذلك مما أمره به ربه وخالقه وسيده وآمره؟ هل فيما اخترت لنفسي لأفني فيه عمري الذي هو ليس لي وإنما هو لسيدي وعنه يوماً ما سيسألني: هل فيه له رضاً أم هل منه له بغض؟

فالله تعالى إنما خلق خلقه لعبادته وإقامة أمره وبذل الوسع في إرضائه سبحانه وتعالى، فإن أراد العبد أن يستهدف رضا مولاه فلا سبيل له إلا بما أمره به وعنه نهاه.


وعندما يسأل المرء عن مراد الله تعالى وحكمته من خلق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهن من انس وجن، وما أبدع الله تعالى في صنيع خلقه واختلاف أصنافهم وألوانهم وإشكالهم وصورهم، وما حوته الخلائق من الدقائق واللطائف التي تدل على قدرة الباري عز وجل وعلى علمه وحكمته في صنعه وخلقه، ثم إذا بنا نرى أن الله تعالى بعد أن أتم خلقه وأحسن صورهم وأبدع فيهم وأظهر قدرته وعظمته وبديع صنعه قضى وقّدّر وشاء أن نقضهم، فأهلك بعضهم بعذاب أو بسنن ثابتات ولا تجد لسنة الله تبديلاً، فتجد الشاب يتوفاه الله ما أصابه إلا قدر الله، وما أصاب جسده عطب ولا علة، وما ذاك إلا لهوان المصنوع على الصانع إذا ما نظرنا لعلة الصنع وحكمة الخلق، فما ذاك الذي يمكن أن يكون في حكمته وعظمته من الأمر أن يراد من أن تظهر هذه الخلائق بهذا البهاء والحكمة والقدرة والعظمة؟


إنها دلائل البرية على صفات الباري، وإشارة المصنوع على دقة وقدرة الصانع، وما ذاك إلا لغرض أعظم وأجل وهو أن يظهر من عظمة صفاته ما يتم به توحيده في قلوب من هداهم النجدين، فيؤثره بعض عباده على ما تعلقت به نفوسهم من بقية خلقه، ويبذلون من أجل مرضاة سيدهم الذي تطلعت إليه قلوبهم ما لا يمكن أن يبذله غيرهم من أجل خيل مسومة ولا قصر مشيد، فهو المراد لذاته سبحانه بما له من صفات كماله وجلاله، ورضاه أعظم في القدر من أرضه وسمائه، فالمغبون من أراد الفاني وغفل عن الكبير المتعالي، والجاهل من خُيّر بين نعيم مقيم وبين لذة ساعة فاختار الخزف الفاني على الذهب الباقي.


فإذا أراد العبد لنفسه غاية فليطلب رضا مولاه فهو أولى به وأحرى وأكمل له وأسمى. نسأل الله رب السماوات والأرضين أن يجعلنا من أصحاب الوجوه الناضرة، إلى ربها ناظرة.

ولا تنسونا من صالح دعاكم والمسلمين.

وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات سلفية.. في العلمانية (1/5)

مقالات سلفية.. في العلمانية (1/5)

رفاعي سرور
أضيفت بتاريخ : : 30 - 12 - 2010
نقلا عن : خاص بموقع طريق الإسلام



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، وبعد:
1 ـ الجاهلية العلمانية
أخطر جوانب الحرب الجاهلية على الإسلام.. الجانب الفكري..
وفيه أشد درجات المكر.. ومنها الخروج على المسلمين بمذاهب ونظريات بصورة مكثفة سريعة، تتبدد في محيطها الطاقة الفكرية للعقل المسلم.. فينشغل عن التصور الكامل للمواجهة الصحيحة..
حتى أصبح الغوص في دراسة هذه المذاهب المطروحة معيارًا للعلم عند الناس واتهام من لا يدرسها بالجهل وعدم الأهلية..
حتى بلغ الأمر أن وقع كل من يحاول متابعة هذه النظريات في دائرة مغلقة تفصل من يدخلها عن الواقع..
فنتج عن تلك المحاولة مشكلة توازي في خطرها خطر النظريات ذاتها..
والعلمانية بكل تطوراتها هي أخطر هذه النظريات..
فكر عصر النهضة: العلمانية.. فالحداثة.. فما بعد الحداثة...
وهذا التطور هو الذي يثبت الاتجاه العام المفروض على الإنسانية والمصير المدبر لها..
حيث إن العلمانية.. التي تعني التخلص من الدين..
ثم الحداثة.. التي تعني التخلص من القيم السائدة.
ثم ما بعد الحداثة.. التي تعني التخلص من قيود العقل بعد التخلص من قيود القيم.
لنفاجأ أن الهدف النهائي لهذا التطور هو.. الوصول إلى حالة المسخ التي سيكون عليها الإنسان في آخر رحلته الأرضية، كما قال رسول الله ﷺ: «لا تقوم الساعة حتى يتسافد الناس في الطرق تسافد الحمر»( 1).
لذا أصبح من الضروري تقييم هذه النظريات بتصور سلفي تأصيلي، نبتعد به عن الوقوع في الدائرة الخطيرة التي تتبدد في محيطها الطاقة الفكرية الدعوية للباحث المسلم في تلك النظريات الجاهلية المتسارعة..
وعلى ذلك فإن دراسة «العلمانية» سلفيًّا يكون بالتعريف الأساسي لها عند أصحابها.. ثم يكون حكم التصور الإسلامي فيها، وتحديد المنهج الشرعي في مواجهتها، وكذلك معرفة الشبهات المثارة من ناحيتها، ودحضها بالقرآن والسنة وفهم الصحابة.
ولا يخرج معنى العلمانية وفقا لأقوال أصحابها عن «العالم، الدهر، الدنيا».
فالعلماني هو الدنيوي الدهري.
ومن هذا المعنى كان الإنسان هو موضوع النظرية.. باعتباره مصدرًا للتفسير العلمي -المزعوم- للوجود.
ليتحول مركز التصور الإنساني.. من "الوحي الرباني " إلى "الإنسان"..
وتبعًا لهذا التحول تبرز أخطر المفاهيم العلمانية.. ويتحدد دور الإنسان في إطار التحيز للعقل ضد الوحي بعد صنع التناقض بينهما!!
كما تأتي قضية حقوق الإنسان.. في إطار حق الخروج عن الدين!!
ومنه حق التعبير والإبداع وحرية الرأي المتجه نحو معاداة الدين وإلغائه !!
وتطبيقًا لضرورة «المواجهة السلفية» نجد أن.. العلمانية بكل تطوراتها لا تخرج عن مصطلح «الجاهلية» الوارد في القرآن..
لتكون العلمانية بالتعريف السلفي لها هي.. «الصيغة النهائية الحديثة الجامعة لمعنى ا لجاهلية».
ودليل ذلك هو توافق أسس العلمانية مع كل جوانب مصطلح «الجاهلية» في القرآن:
ظن الجاهلية (الاعتقاد): الكافر بقدر الله، والزاعم أن الإنسان هو الذي يصنع حياته..
حكم الجاهلية (التشريع): الكافر بشرع الله، والزاعم بأن الإنسان هو الذي يحكم نفسه..
حمية الجاهلية (الولاء): الداعية إلى الانفكاك من آصرة العقيدة، لتكون محاربة الدين هي القاعدة العلمانية الأساسية لتفسير معنى الإنسانية عندهم..
تبرج الجاهلية (الأخلاق): الداعية إلى تحرر المرأة ومعه التحرر من كل قيم الدين..
والاتفاق على أن العلمانية هي الصيغة الجامعة للجاهلية، وأن الجاهلية هي التقابل التام مع الإسلام.. هو الذي يفسر التقابل التام بين العلمانية والإسلام، واختصاص العلمانية بالعداء للإسلام دون غيره من الأديان.
وتفسير هذا التقابل راجع إلى أن الإسلام هو المنهج الوحيد الكامل والقادر وحده على إقامة حضارة الحق بمعناها الشرعي والإنساني..
في الوقت الذي تعجز فيه الأديان الأخرى عن تحديد أي تصور ثابت عن الوجود الإنساني بأبسط مستوياته.
ومن هنا يكون البعد النهائي للتقييم السلفي للعلمانية.. أنها المناقض المعاصر للإسلام.
ويكون تفسير المصطلحات القرآنية الأربعة للجاهلية.. هو الإطار الفكري لهذا التقييم:
«ظن الجاهلية»
وهو الظن الكاشف لصفات النفس الجاهلية من خلال النص القرآني..
مثلما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَىْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِله} فأما الذين تهمهم أنفسهم وتصبح محور تفكيرهم وتقديرهم ومحور اهتمامهم وانشغالهم، ولا يعرفون الله حق معرفته.. فهم يظنون بالله غير الحق كما تظن الجاهلية(2 ).
ومن هنا كانت خصائص الإنسان العلماني هي:
الأنانية والجبن، ليس لهم همَّة إلا أنفسهم، وخوف المنية عليها، قد طار عن أعينهم الكرى، أجبن قوم وأرعبُه، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية.
وهذه الحالة ناشئة عن التكذيب بالقدر: عن ابن عباس في قوله: {يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية} يعني التكذيب بالقدر. فقال الله تعالى: {قل إن الأمر كله لله} يعني القدر خيره وشره من الله.
وهكذا يكون العلمانيون.. تهمهم أنفسهم وتصبح محور تفكيرهم وتقديرهم ومحور اهتمامهم وانشغالهم، ويكفرون بالقدر لأنهم يؤمنون أن الإنسان هو صانع حياته بنفسه.
«حكم الجاهلية»
{أفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
إن معنى الجاهلية يتحدد بهذا النص.. فالجاهلية -كما يصفها الله ويحددها قرآنه- هي حكم البشر للبشر، لأنها هي عبودية البشر للبشر، والخروج من عبودية الله ورفض ألوهية الله، والاعتراف في مقابل هذا الرفض بألوهية بعض البشر وبالعبودية لهم من دون الله..
إن الجاهلية -في ضوء هذا النص- ليست فترة من الزمان.. ولكنها وضع من الأوضاع.
هذا الوضع يوجد بالأمس، ويوجد اليوم، ويوجد غدًا.. فيأخذ صفة الجاهلية، المقابلة للإسلام، والمناقضة للإسلام..
والناس -في أي زمان وفي أي مكان- إما أنهم يحكمون بشريعة الله -دون فتنة عن بعض منها- ويقبلونها ويسلمون بها تسليمًا.. فهم إذن في دين الله.
وإما إنهم يحكمون بشريعة من صنع البشر -في أي صورة من الصور- ويقبلونها.. فهم إذن في جاهلية؛ وهم في دين من يحكمون بشريعته، وليسوا بحال في دين الله.
والذي لا يبتغي حكم الله يبتغي حكم الجاهلية.. والذي يرفض شريعة الله يقبل شريعة الجاهلية، ويعيش في الجاهلية..
وهذا مفرق الطريق، يقف الله الناس عليه.. وهم بعد ذلك بالخيار!
ثم يسألهم سؤال استنكار لابتغائهم حكم الجاهلية؛ وسؤال تقرير لأفضلية حكم الله:
{ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون}..
وأجل! فمن أحسن من الله حكمًا؟( 3)
وفي قضية الحاكمية.. تركز العلمانية بعد إنكار الوحي وزعم العقلانية عدم صلاحية الشريعة لهذا الزمان.
كأن المشرع لا يعلم أن أحوالًا ستطرأ وأن حاجات ستستجد، وأن ملابسات ستقع؛ فلم يحسب حسابها في شريعته؛ لأنها كانت خافية عليه، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان؟!
ومن هنا كان الاتهام العلماني المتواصل بقصور شريعة الله عن استيعاب الحاجات الطارئة، والأوضاع المتجددة، والأحوال المتغلبة.. ألم يكن ذلك في علم الله وهو يشدد هذا التشديد، ويحذر هذا التحذير؟!
«تبرج الجاهلية»:
ومن هذا المصطلح رفع شعار «حق المرأة» الذي يعتبر عندهم أبرز تلك الحقوق.. لتصورهم أن قهر المرأة هو رمز التسلط الديني على الإنسان، حتى أصبح مطلب تحررها أهم شعارات العلمانية في الواقع، بما تضمن هذا الحق من إباحية وتحرر من الأخلاق، والدعوة إلى الفوضى الجنسية كصورة طبيعية للمجتمع الإنساني بحسب تصورهم.
فكانت العلمانية تعني مباشرة.. الفوضى في العلاقات الجنسية.. ونظام الأسرة المخلخل وهبوط النظرة إلى الجنس؛ وانحطاط الذوق الجمالي؛ والاحتفال بالجسديات العارمة، وعدم الالتفات إلى الجمال الرفيع الهادئ النظيف.. يبدو هذا في أشعار الجاهليين حول جسد المرأة، والتفاتاتهم إلى أغلظ المواضع فيه، وإلى أغلظ معانيه!( 4)
ويبدو هذا حديثًا في الأفلام وكل وسائل الإعلام العلماني.
فالذوق الإنساني الذي يعجب بمفاتن الجسد العاري ذوق بدائي غليظ.. وهو من غير شك أحط من الذوق الذي يعجب بجمال الحشمة الهادئ، وما يشي به من جمال الروح، وجمال العفة، وجمال المشاعر.
وهذا المقياس لا يخطئ في معرفة ارتفاع المستوى الإنساني وتقدمه. فالحشمة جميلة جمالًا حقيقيًّا رفيعًا. ولكن هذا الجمال الراقي لا يدركه أصحاب الذوق الجاهلي الغليظ، الذي لا يرى إلا جمال اللحم العاري، ولا يسمع إلا هتاف اللحم الجاهر!
وبهذا المقياس نجد أننا نعيش الآن في فترة جاهلية عمياء، غليظة الحس، حيوانية التصور، هابطة في درك البشرية إلى حضيض مهين. وندرك أنه لا طهارة ولا زكاة ولا بركة في مجتمع يحيا هذه الحياة؛ ولا يأخذ بوسائل التطهر والنظافة التي جعلها الله سبيل البشرية إلى التطهر من الرجس، والتخلص من الجاهلية الأولى؛ وأخذ بها -أول من أخذ- أهل بيت النبي ﷺ على طهارته ووضاءته ونظافته ( 5).
«حمية الجاهلية»:
والتي يكشفها القرآن في قول الله عز وجل: {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله}.
قوله تعالى: {هم الذين كفروا} يعني قريشًا، منعوكم دخول المسجد الحرام عام الحديبية حين أحرم النبي ﷺ مع أصحابه بعمرة، ومنعوا الهدي وحبسوه عن أن يبلغ محله. وهذا كانوا لا يعتقدونه، ولكنه حملتهم الأنفة ودعتهم حمية الجاهلية إلى أن يفعلوا ما لا يعتقدونه دينًا، فوبخهم الله على ذلك وتوعدهم عليه، وأدخل الأُنس على رسول الله ﷺ ببيانه ووعده( 6).
فحمية الجاهلية.. هي طغيانها في محاربة الإسلام على مسلماتها ذاتها، مثلما طغت قريش في منع المسلمين من دخول المسجد الحرام؛ مخالفين بذلك مسلمات حرمة البيت عندهم بالصد والمنع عن المسجد الحرام..
وهي نفس ظاهرة خروج العلمانيين في حربهم على الإسلام عما يعتقدونه هم أنفسهم، إذ لم تخرج الجاهلية عن مسلماتها وقواعدها إلا في الحرب على الإسلام..
ففي الحرب العلمانية على الإسلام.. تأييد الديكتاتوريات أمام الحركات الإسلامية.
وفي الحرب العلمانية على الإسلام.. لا حقوق للإنسان ولا ديمقراطية ولا حرية للاعتقاد.. يتعطل كل ذلك ويؤمر بمنعه..
وفي الحرب العلمانية على الإسلام.. لا مانع من المجازر والتعذيب وقمع الحريات..
كل هذا.. فقط إذا كانت الحرب على الإسلام!
ومن هنا كان اختصاص الإسلام بالحرب العلمانية.
أما سبب هذا الاختصاص فهو أن حرب العلمانية على الدين جاء من منازعته لها على تنظيم الحياة البشرية وقيادتها.
والإسلام هو الدين الوحيد الذي يملك القدرة على ذلك، ومن هنا كان التركيز العلماني على عوامل هذه القدرة وعلى أي أثر يثبت فاعلية هذا المنهج.
والله يقول الحخق وهو يهدي السبيل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) الدر المنثور (7 /475).
( 2) في ظلال القرآن (1/471).
(3 ) في ظلال القرآن (2/384).
( 4) في ظلال القرآن (6/75).
( 5) في ظلال القرآن، بتصرف.
6 ) تفسير القرطبي (16/283).

الخميس، 30 ديسمبر 2010

هل ترضي بأن تحتفل بعد هذا ؟

هل ترضي بأن تحتفل بعد هذا ؟




فإن النصارى في هذه الأيام يحتفلون بأعياد رأس الميلادية ، و إن مما يدمي القلب و يحزن النفس أن ترى كثيرا من المسلمين يشاركون هؤلاء النصارى في تلك الأعياد ، وهم متفاوتون ، فمنهم من يفعل ذلك بدافع الشوة ، و منهم من يفعل ذلك لأغراض أخرى .
و غاب عن هؤلاء أن مشاركتم في أعيادهم هو أمر متعلق بالدين ، وأنه يترتب عليه أمور خطيرة .

أخي الحبيب :
اعلم إن الله بعث لنا خير رسله ، و خاتم أنبيائه ، وجعلنا من خير الأمم { كنتم خير أمة أخرجت للناس } ، وجعل الله هذه الشريعة هي خاتمة الشرائع ، وجعلها كاملة و شاملة على مر العصور، و حتى يرث الله الأرض و من عليها ، ليس ذلك في مجال المعاملات و العبادات حسب ، بل في الأعياد و جميع شؤون الحياة ، { اليوم أكملت دينكم وأتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا }
و من الأمور العظيمة التي جاءت بها الشريعة تمييز المسلم عن سائر أهل الملل الكافرة ، فكانت من أصوله العظيمة ، مخالفة الكفار فيما هو من خصائصهم .
هذا الأصل المتعلق بأوثق عرى الإيمان ؛ الحب في الله و البغض في الله .
علم و الذي هم أن أصل دين الإسلام .
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى : (( أصل التوحيد و روحه إخلاص المحبة لله وحده ، وهي أصل التأله و التعبد له ، بل هي حقيقة العبادة ، و لا يتم التوحيد حتى تكتمل محبة العبد لرب ، وتسبق محبته جميع المحاب و تغلبها ، و يكون الحكم عليها بحيث تكون سائر محاب العبد تبعا لهذه المحبة التي بها سعادة العبد و فلاحه ، و من تفريعها و تكميلها؛ الحب في الله ، فيحب العبد ما يحب الله من الأعمال و الأشخاص و يبغض العبد ما يبغض الله من الأعمال و الأشخاص ، و يوالي أولياءه ،و يعادي أعداءه ،و بذلك يكمل إيمان العبد و توحيده )) ا.هـ
و لما كان الايمان له باطن و ظاهر ، فباطنه هو الحب في الله و البغض في الله و ظاهره هو الولاء و البراء ، فالحب و البغض هما الاصل و هما أمران قلبيان باطنيان و الولاء و البراء أمران لازمان لهما.
يقول ابن تيمية ( الفتاوى 14/280) : (( أصل المولاة المحبة كما أن أصل المعادة البغض ، فإن التحاب يوجب التقارب ، و التباغض يوجب التباعد و الاختلاف )).
فإذا علم هذا كان بغض الكفار أيّن كانوا داخل في أصل الأيمان و بالتالي بغض ما هم عليه من الدين و شعائره كالأعياد و نحوها يعتبر من الدين.

أخي الحبيب : أن حضور أو مشاركة النصارى في أعيادهم محرم في شريعة الله و الأدلة على هذا كثيرة منها :
1- قال تعالى [ والذين لا يشهدون الزور ] قال غير واحد من السلف:( الزور هو أعياد الكفار ) ومن فسر الزور بأنه هم شهادة الزور و التي هي الكذب ، فإن هذا فيه نظر لان الله يقول [ لا يشهدون الزور ] ولم يقل ( لا يشهدون بالزور ) فالعرب تقول ( شهدت كذا إذا حضرته ، و أما إذا قالوا: (شهدت بكذا) فالمراد أخبرت بكذا .
فتسمية هذه الأعياد( زورا) دليل على تحريم حضورها فكيف و قد جعل الله ترك شهود أعياد الكفار وصفا يمدح به عباده الصالحين ، والله لا يمدح إلا بما هو محبوب إليه ، ولهذا قال الله تعالى: ( واجتنبوا قول الزور ) ففعل الزور أولى بالاجتناب .
2- عن أنس بن مالك قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم و لهم يومان يلعبان فيه فقال : ما هذان اليومان ؟ قالوا : ( كنا نعلب فيهما في الجاهلية ، فقال : قد أبدلكما الله بهما خيرا منهما يوم الأضحى و يوم الفطر ) رواه أبو داود و هو على شرط مسلم .
فالنبي لم يقر الصحابة على العيدين الجاهليين ، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة بل قال : إن الله أبدلكم بهما يومين آخرين ، والإبدال يقتضي ترك المبدل منه إذ لا يجتمع البدل و المبدل ، ولذلك مات ذلك اليومان في الإسلام فلم يبق لهما أثر ، فلولا قوة المانع من الرسول صلى الله عليه وسلم لكانت تلك الأعياد باقية ولو على وجه ضعيف لان عادة الناس في أعيادهم لا تتغير بسهولة لقوة مقتضاها في النفوس و توفر همم الجماهير على اتخاذها ، فعلم أن المانع من الرسول كان ثابتا قويا لتلك الأعياد ، وكل ما منعه الرسول صلى الله عليه وسلم ، و كان منعه قويا يدل على أن الممنوع و هو أحداث عيد ليس في الإسلام محرما .
3- و قصة الرجل الذي أراد أن ينحر إبلا ببوانة فاستفسر الرسول صلى الله عليه وسلم منهم: هل بها وثن من أوثان الجاهلية؟ فقالوا: لا .
فقال : هل كان بها عيد من أعيادهم فقالوا : لا .
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أوف بذرك ، فإنه لا وفاء في معصية و..) فالرسول حرم الوفاء بالنذر في مكان كان به عيد من أعياد الجاهلية و سمى ذلك معصية فكيف بمن يحضر أعياد الكفار.
4- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من تشبه بقوم فهو منهم )أخرجه أبو داود و أحمد.
قال ابن كثير ( فيه دلالة على النهي الشديد و التهديد و الوعيد على التشبه بالكفار في أقوالهم و أفعالهم و لباسهم و أعيادهم و عبادتهم و غير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا و لم نقر عليها ).
5- ذكر ابن تيمية مفاسد كثيرة تنتج عن حضور المسلمين لأعياد الكفار منها :
أ- أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عموم الناس ، و تناسوا أصله حتى يصير عادة بل عيدا فيُضاهى بعيد الله ، بل يزيد عليه.
وصدق رحمه الله تعالى فنحن نرى المسلمين الذين يشاركون النصارى في عيد رأس السنة لا يعلمون أن النصارى يحتفلون بولادة عيسى من الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
ب- أن الأعياد لها- في الجملة - منفعة في الدين و الدنيا و قد شرع الله لنا على لسان نبيه أفضل الأعياد التي بها أعظم الصلاح لنا ، فإذا أخذنا بأعياد غيرنا ؛ قلة الرغبة في أعيادنا وانتفاعنا بها بقدر ما أخذنا من تلك الأعياد .
وصدق أيضا رحمه الله فإننا نشاهد و نعرف من كثير من شبابنا من لا يحرص على حضور أعياد المسلمين و لكنه يسعى بل و ينفق و يسافر من أجل المشاركة في أعياد النصارى .
ت- أن المشابهة في الظاهر توجب المشابهة في الباطن، و المشابهة إذا حصلت في الباطن أورثت مودة ومحبة ومولاة ، فهذا نقص في أصل الولاء و البراء .

أخي الحبيب :
هل بعد هذا تطيب نفسك بحضور هذه الأعياد .
هل ترضى أن تحل عليك اللعنة و أنت معهم تشاركهم في أعيادهم ، يقول عمر رضي الله : ( لا تدخلوا على المشركين في أعيادهم ، فإن السخطة تتنزل عليهم ) رواه البيهقي بإسناد صحيح . .
هل ترضى أن تحتفل بنسبة الولد إلى الله ، هذه الفرية العظيمة التي افتراها النصارى اسمع ما ذا يقول الله عن مخلوقات عظيمة - هي أعظم منك - حيال هذه الفرية
( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا . لقد جئتم شيئا إدا . تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض و تخر الجبال هدا . أن دعوا للرحمن ولدا . و ما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا . أن كل من في السماوات و الأرض إلا آتي الرحمن عبدا . لقد أحصاهم و عدهم عدا ).

أخي الحبيب :
و إليك بعض الفقرات من فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء
1- لا يجوز لمسلم التعاون مع الكفار بأي وجه من وجوه التعاون في أعيادهم ، ومن ذلك : إشهار أعيادهم و إعلانها .. و لا الدعوة إليها بأية وسيلة سواء كانت الدعوة عن طريق وسائل الإعلام أو نصب الساعات و اللوحات الرقمية أو صناعة الملابس و الأغراض التذكارية أو طبع البطاقات أو الكراسات المدرسية أو عمل التخفيضات التجارية و الجوائز المادية من أجلها أو الأنشطة الرياضية أو نشر شعار خاص بها .
2- لا يجوز لمسلم اعتبار أعياد الكفار و منها الألفية المذكورة و نحوها مناسبات سعيدة و أوقاتا مباركة ، فتعطل فيها الأعمال و يُجرى فيها عقود الزواج .
3- لا يجوز لمسلم التهنئة بأعياد الكفار ؛لان ذلك نوع رضى بما هم عليه من الباطل ، وإدخال للسرور عليهم ، قال ابن القيم : ( و أما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم و صومهم ، فيقول : عيد مبارك عليك ، أو : تهنأ بهذا العيد ، ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات ، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب ، بل ذلك أعظم إثما عند الله و أشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر و قتل النفس و ارتكاب الفرج الحرام و نحوه ، وكثير من لا قدر للدين عنده يقع في ذلك و لا يدري قبح ما فعل ، فمن هنّأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ..).
اللهم إنا نسألك الثبات على الحق و نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها و ما بطن .

هل ترضي بأن تحتفل بعد هذا ؟

محمد الجابري

قبل أن يتم الاستفتاء عن إنفصال جنوب مصر

من العبث أن نتحدث عن فتنة طائفية أو مؤامرة شنودية .. فنحن الآن إزاء خطوات فعلية لتقسيم مصر إلى جنوب مسيحى و شمال مسلم .

لا توجد فتنة طائفية فى مصر .. بل توجد ميليشيات صليبية إرهابية تسعى للإنفصال بجنوب مصر .. وقريبا – إن استمر الحال كما هو الآن – سنجد أهل الصعيد يصوّتون للانفصال بوطن صليبى فى جنوب بفضل الإرهاب الصليبى الشنودى ..

الغريب وأننا إزاء هذا

الوضع الخطير الصارخ جدا الذى لا يحتمل الهزل .. تجد قوم لوط من غلمان وصبيان ساويرس يصوّرون الأمر وكأنه سرعة إقرار ما يُسمى " قانون دور العبادة الموحد " وتفعيل المواطنة ومعاقبة " الألتراس الطائفى " فالإسلام ليس الأهلى والمسيحية ليست الزمالك ،ولا لفيديوهات الأسلمة والتنصير ويجب تغيير المناهج الدراسية ويجب الضرب بيد من حديد على مجموعة من المسلمين والأقباط وحرقهم بـ " جاز وسخ " – على حد وصف أحد غلمان ساويرس – حتى يتعظ الجميع !

هكذا يُصوّرون الأمر ! وكأنه لا يوجد إرهابي سفاح يُدعى نظير جيد يخرج على الشرعية والقانون ويختطف مواطنات مصريات يقتل بعضهن ويعذب البعض الآخر ويتآمر مع دول غربية لاحتلال مصر وتقسيمها ويُحرك مظاهرات عدائية فى أمريكا وكندا وأوروبا وأستراليا من أجل فرض عقوبات على مصر ، ويزدرى عقيدة 85 مليون مواطن مصرى مسلم – من جملة 90 مليون مواطن مصرى - عن طريق كلابه النابحة ( بيشوى وزكريا بطرس ومكارى يونان ومتياس نصر منقريوس ومرقص عزيز ) ويمول وسائل إعلام مهمتها الوحيدة سب الإسلام والتحريض على الاقتتال الطائفي .

يقلب غلمان ساويرس الموضوع إلى أهلى وزمالك ، دون ذكر الإرهابي الرعديد شنودة بحرف وأنه سبب جميع الكوارث الطائفية وأنه يريد تقسيم مصر ..

ثم ما هي علاقة قانون دور العبادة الموحد بتصنيع قنابل المولوتوف التى استخدمها نصارى العمرانية فى الهجوم على مبنى محافظة الجيزة يوم 24 /11 / 2010م ؟! ما علاقة المواطنة بقيام شنودة بخطف وقتل وفاء قسطنطين وتعذيب كاميليا شحاتة وأخواتها ؟! ما علاقة حرق عشرة من المسلمين والنصارى بما يفعله شنودة من تهييج للفتنة وسب للإسلام ؟؟ ما علاقة " الألتراس الطائفى " بتقديس الشقى المسجل خطر نظير جيد ووصفه بـ " قداسة البابا " ؟؟ ما علاقة المناهج الدراسية وفيديوهات الأسلمة والتنصير بإعادة مصر للعصور الوسطى وسجن كل من ينتقد هُبل القرن الحادى والعشرين شنودة الثالث ؟؟

فى يوم الاثنين 6 / 12 / 2010م نشرت جريدة " الأهرام " مقالاً للصحافي عبدالناصر سلامة بعنوان " أقباط 2010 " تعرّض فيه لأحداث العمرانية وبلطجة النصارى وتأييد شنودة لهذه الأحداث وأن الفتنة الطائفية لم تظهر فى مصر إلا باعتلاء شنودة للكرسى البابوى .

قامت الدنيا ولم تقعد مثلما تقعد عندما يتطاول زنيم على الله ورسوله .. أصيب حملة المباخر من الغلمان والجوارى بحالة شديدة من الهياج .. أنى لهذا الصحافى أن ينتقد الوثن الأعظم الذى هو التاريخ والجغرافيا والفيزياء ! أنى لهذا الصحافى أن يهرطق ويجدف ! أنى لهذا الصحافى أن يخالف النواميس والسنن الكونية ! أنى لهذا الصحافى أن يتمرد على الطبيعة ! أنى له أن يجرؤ وينتقد قداسة البابا المعظم صاحب الغبطة ذهبى الفم يوحنا المعمدان وشمعة القرن العشرين الأنبا شنودة الثالث خليفة مارى مرقص والأسد المرقصى وحبيب المسيح المسوق من الروح القدس بابا العرب المونولوجست الشهير خفيف الظل ؟!

على الفور تم حذف المقال من الموقع الإليكترونى لجريدة الأهرام ، و في يوم الأربعاء 8 / 12 / 2010 كان أسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام يكتب معلقة من المديح فى صاحب القداسة هذا أهون سطر فيها : " مثل البابا شنودة لا يخضع لتقييم فرد مهما بلغ قدره ومهما كان رأيه " !!

ولا أدرى هل شنودة كائن من كوكب آخر أم أنه كائن حى من الأرض خرج على القانون والدستور وأشعل الفتنة الطائفية ؟! لقد تعامل سرايا مع شنودة على أنه إله لا يجوز نقده والاقتراب منه .. ففى الوقت الذى يتم فيه هجاء القرآن الكريم من فوق صفحات " المصرى اليوم " وسب وشتم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من فوق صفحات إبراشية " اليوم السابع " وقذف أمهات المؤمنين والصحابة والبخارى فى فضائيات مأجورة وبرامج " توك شو " عميلة .. فى هذا الوقت لا اعتراض بحجة الليبرالية وحرية الرأى والإبداع والاستنارة وهذا كله مباح ومشروع .. أما أن يتم التعرض للإرهابى الشارد سافك الدماء شنودة الثالث فهذه خطيئة عظمى !

أسامة سرايا لم يكتب حرفا ينتقد به بيشوى عندما سب القرآن الكريم .. ولم يقل مثلا " القرآن الكريم لا يخضع لتقييم فرد مهما بلغ قدره ومهما كان رأيه " .. لكن عندما يتعلق الأمر بمعبود النصارى الأرثوذكس وصبيانهم فهذه هى الطامة الكبرى .. وقتها تقع الواقعة !

وتم منع عبد الناصر سلامة من الكتابة بالأهرام نهائياً من أجل سواد عيون صاحب القداسة ولتذهب حرية التعبير إلى الجحيم !

يوم الأربعاء 24 / 11 وعقب أحداث العمرانية الإرهابية كان أحد الصحافيين بالمصرى اليوم يغطى عظة شنودة الثالث ويصور بالكاميرا الخاصة به هتافات الميليشيات الصليبية الموجودة فى الكاتدرائية .. قام أحد الأساقفة بضرب الصحافى وتحطيم الكاميرا الخاصة به والاستيلاء على " الميمورى " المسجل عليها صور الميلشيات الصليبية .. تم ضرب هذا الصحافى أمام شنودة وأبلغه أمن الكاتدرائية أن شنودة هو الذى أمر بمصادرة الكاميرا ومسح ما عليها !

هذا الصحافى كتب مقالا فى المصرى اليوم عدد 11 / 12 / 2010م يشرح فيه ما حدث له وواقعة ضربه على يد الأسقف البلطجى ، ومضمون المقال خشوع وتذلل وتضرع لصاحب القداسة الذى لم يتدخل ليأمر الأسقف ويمنعه من ضربه .. وملخص مقاله " غلبت أصالح فى روحى عشان ما ترضى عليك .. من بعد سهدى ونوحى ولوعتى بين إيديك " ! .. وقطعا كانت ستختلف لغته الغزلية التى تقطر مياصة وميوعة إن كان قد تم النظر إليه- مجرد نظرة مريبة - فى مؤتمر للإخوان ليتحول إلى وحش كاسر يتحدث عن إرهاب الجماعة المحظورة ومرشدها النازى الذى رآه يُضرب ولكنه لم يتدخل !

ما يحدث الآن فى الإعلام الذى ينفق عليه شنودة سيجعل استفتاء جنوب مصر فى القريب العاجل .. خاصة مع تولى الصحف الحكومية بعض عديمى المسئولية الذين يؤمنون بقداسة شنودة وألوهيته وعصمته ..

عبدالمنعم سعيد رئيس مجلس إدارة الأهرام أكبر جريدة فى الشرق الأوسط ، أخذ على عاتقه الترويج لحذف المادة الثانية من الدستور التى تنص أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع .. والسؤال : من الذى قام بتعيين هذا الشخص فى منصب رئيس إدارة الأهرام ؟؟ ولماذا يُسمح له أن يهيج الفتنة الطائفية ويزدرى دين الأغلبية بدعوته الآثمة لحذف المادة الثانية من الدستور ؟؟

محمد على إبراهيم رئيس تحرير الجمهورية عين شخصا يُدعى نصر محروس ليشرف على صفحة تسمى " أجراس الأحد " ، وقد حولها هذا المحروس إلى صفحة تنصيرية ناطقة بلسان نصارى المهجر وتروج للخرافات والشعوذة وأسطورة ظهور العدرا .. فمن المسئول عن حدوث هذا فى صحيفة حكومية كبرى ؟؟

صحف ومجلات حكومية تتحدث عن " اضطهاد الأقباط " ويستغل الأمريكان هذه التقارير للتدخل فى شئون مصر ، فمن الذى يسمح لهذه الصحف والمجلات أن تنشر هذه التقارير رغم علمهم بخطورة هذا ؟؟

إن كان عبدالناصر سلامة قد تم إيقافه من أجل مقال ينتقد الصنم شنودة .. فلماذا لا يتم منع الصفحات التنصيرية التى تنشر فى الصحف الحكومية يوم الأحد ؟؟ لماذا لا يتم حجب مقال شنودة الذى تنشره جميع الصحف الحكومية يوم الأحد – خاصة أنه عبارة عن كلام فارغ والشعب المصرى أحق بهذه المساحة التى يتم إهدارها ، ليكتب فيها عالم أو شيخ أو مفكر ؟

لماذا لا يتم التحقيق مع عبدالمنعم سعيد وهو يدعو علنا لحذف المادة الثانية من الدستور ويسمح لدول الغرب أن تضغط على مصر من أجل حذف هذه المادة التى تعبر عن دين الأغلبية الكاسحة ؟؟

لماذا لا يتم التحقيق مع الصحف الخاصة التى تعمل جميعها لحساب ساويرس وتزدرى الإسلام وتروج لتقسيم مصر ؟؟

ولماذا بدلا من الادعاء أن المظاهرات التى تطالب بإطلاق سراح المسلمات المختطفات المسجونات فى الكنائس والأديرة .. الادعاء أن هذه المظاهرات يحركها الموساد والـ سى آى إيه والـ كى جى بى .. لماذا لا يتم إطلاق سراحهن بدلا من هذه البذاءات والسخافات ؟؟

ولماذا لم يتم اعتقال الأنبا بيشوى ومحاكمته عسكريا مثلما يتم مع الإسلاميين ؟؟ ولماذا لم يتم تحويل الإرهابيين الصليبيين الذين ألقوا بقنابل المولوتوف فوق رؤوس الناس فى العمرانية إلى محاكمة عسكرية عاجلة ؟؟

أليس من العبث والسخف أن نتحدث عن فتنة طائفية بينما رؤوس الفتنة تستعد لاستفتاء على انفصال جنوب مصر عن شمالها ؟؟

إن حل هذه المعضلة الطائفية ليس فى قانون دور العبادة الموحد أو فى حرق عشرة من المسلمين والنصارى أو فى تعيين رئيس وزراء نصرانى أو تعيين 15 محافظ نصرانى كما يروج خصيان ساويرس ..

الحل الوحيد هو الضرب بيد من حديد فوق أعضاء جماعة الأمة الصليبية الإرهابية .. الحل فى فتح الخُرّاج الطائفى شنودة الثالث المملوء بالقيح والصديد والدم الملوث .. فتح الخُرّاج الطائفى بمحاكمة شنودة وعزله هو طاقم سكرتاريته وكل أسقف متأثر بفكره النازي ومراقبة التحقيقات والمقالات التى تنشر فى وسائل الإعلام التابعة لـ ساويرس وتروّج لتقسيم مصر وحذف المادة الثانية من الدستور المصرى .

ما عدا ذلك فلتخرسوا يا غلمان ساويرس ولا تتحدثوا عن الفتنة وأنتم من يشعلها .

الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

الإنفاق بين السر والعلانية - الآثار التربوية والاجتماعية والاقتصادية

الإنفاق بين السر والعلانية - الآثار التربوية والاجتماعية والاقتصادية



أضيفت بتاريخ : : 29 - 12 - 2010
نقلا عن : د. باسم عامر - خاص بموقع طريق الإسلام




الحمد لله، والصَّلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحْبه ومن والاه.

وبعد:
فقد شَرَعَ اللهُ تعالى في القرآنِ الكريمِ إنفاقَ السِّر إلى جانبِ إنفاق العَلانية، وَجَعَل كليْهِما سلوكًا عامًّا للمؤْمنين، ومَدَحَ كلا النَّوعين في سياقٍ واحدٍ؛ فقال - سبحانه وتعالى -: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271].

"هذه الآية الكريمة تُفيد أنَّ الصدقات في كلِّ أحوالها خيرٌ محضٌ، ما دام المنفِقُ قد خَلُص من الرياء وجانَبَ المنَّ والأذى، وإذا كان ثمة تفاوتٌ فهو في حالِ النَّفْسِ والاحتياط للرياء وسدِّ مداخله"[1].

فالإنفاقُ في كلا الحالين - في السِّر وفي العلانية - مشروعٌ ومحمودٌ، إلا أنَّ هناك تفصيلاً من ناحية أفضليَّة أيٍّ منهما في أحوالٍ وظروفٍ معيَّنةٍ، وذلك على التفصيل الآتي:

التفصيل في مسألة أفضلية الإنفاق في السر أو في العلانية:
منطلقُ العلماءِ في مسألةِ تفضيلِ الإنفاق سِرًّا على الإنفاق علانيةً أو بالعكس هو قولُه تعالى: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271].

يقول القرطبي: "ذهب جمهورُ المفسِّرين إلى أنَّ هذه الآيةَ في صدقة التطوُّع؛ لأنَّ الإخفاء فيها أفضل من الإظهار، وكذلك سائر العبادات الإخفاءُ أفضل في تطوُّعها؛ لانتفاء الرِّياء عنها، وليس كذلك الواجبات، قال الحسن: إظهار الزكاة أحسن، وإخفاء التطوُّع أفضل؛ لأنه أدلُّ على أنَّه يراد الله - عزَّ وجلَّ - به وحْدَه"[2].

ويُروى عن ابن عباس - رضِي الله عنهما - أنَّه قال: "جَعَل اللهُ صدقةَ السِّر في التطوع تفضل على علانيتها سبعين ضعفًا، وجعل صدقةَ الفريضة علانيتها أفضل من سِرِّها بخمسة وعشرين ضعفًا"[3].


وقال ابن العربي: "أَمَّا صَدَقَةُ الْفَرْضِ فَلا خِلافَ أنَّ إظْهَارَهَا أَفضَلُ، كَصَلاةِ الفَرْضِ وَسَائِرِ فَرَائِضِ الشرِيعَةِ؛ لأَنَّ المَرءَ يُحْرِزُ بِهَا إسلامَهُ، وَيَعصِمُ مَالَهُ"، ثمَّ قال في مسألةِ صدَقَة النَّفل: "والتحقِيقُ فِيه أنَّ الحَالَ في الصدَقَةِ تَختَلِفُ بِحَالِ المُعطِي لَهَا، والمُعطَى إيَّاهَا، والناسِ الشاهِدِينَ لَهَا، أَمَّا المُعطِي فلَهُ فَائِدَةُ إظهَارِ السُّنة وثَوَابِ القُدرَةِ، وآفَتُهَا الرِّياءُ والمَنُّ وَالأذَى، وأَمَّا المُعطَى إيَّاها فإنَّ السرَّ أَسلَمُ لَهُ مِن احتِقارِ الناسِ لَهُ، أو نِسبَتِه إلى أنَّه أخَذَها مَعَ الغِنَى عَنها وتَرَكَ التعَفُّف، وأمَّا حَالُ الناسِ فالسِّرُ عَنهُم أَفضَلُ مِن العَلانِيَةِ لَهُم، مِن جِهَةِ أنهُم رُبما طَعَنُوا على المُعطِي لَهَا بِالرياء، وعلى الآخِذِ لَهَا بِالاستِثنَاءِ، ولَهُم فِيهَا تَحرِيكُ القُلُوبِ إلى الصَّدَقة، لَكِنَّ هَذَا اليَومَ قَلِيلٌ"[4].

وبعضُ العلماءِ يرى أنَّ أفضليَّةَ إخفاءِ الصَّدقةِ مقيَّدَةٌ بإيتاء الفُقراء خاصَّةً، لا في كلِّ الصَّدقات؛ تماشيًا مع منطوق الآية، يقول ابنُ القيم: "تأمَّل تقييدَه تعالى الإخفاء بإيتاء الفقراء خاصَّةً، ولم يقُل: "وإنْ تُخفوها فهو خيرٌ لكم"، فإنَّ مِنَ الصَّدقةِ ما لا يمكن إخفاؤه؛ كتجْهيزِ جيشٍ وبناءِ قنطرةٍ، وإجراءِ نهرٍ أو غير ذلك"[5].

من خلال أقوالِ العلماءِ في المسألة، يبدو أنَّ أكثرَ العلماءِ يرون أنَّ الأفضلَ في الصَّدقاتِ الواجبة الإظهارُ، وأمَّا في سائرِ الصدقاتِ المندوبةِ والمستحَبَّةِ فالأفضلُ فيها الإخفاءُ والإسرارُ، وهذا في الأحوال العادية، أمَّا في أحوالٍ أخرى استثنائيةٍ، فيمكن النظرُ في المصلحة المتحقِّقة بين إخفاءِ أو إسرارِ الصَّدقةِ الواجبةِ أو النافلةِ، وذلك على التفصيل الذي ذكره الإمام أبو بكر ابن العربي فيما تمَّ نقلُه عنه في الأسطر السابقة، وهذا ما يذهب إليه الباحثُ ويراه راجحًا.


آيات الإنفاق في السر والعلانية وتربيتها لِنَفْسِ المُنفِِق:
يُلاحَظ في آياتِ الإنفاقِ في القرآنِ الكريمِ عامَّةً، من خلالِ التأمُّلِ والتدبُّرِ: أنَّها كثيرًا ما تربط بين عمليَّة الإنفاق وبين تربية الأفراد وتوجيهِهم سلوكيًّا، وهذا يشير إلى أهمِّيَّة الدَّور التَّربوي في نشاط الإنفاق بشكْلٍ خاصٍّ، وفي سائر الأنشِطة الاقتِصاديَّة بشكل عام.

والنَّفْسُ البشريَّة لَمَّا كان من طِباعِها حبُّ الثناءِ والمحمدةِ من الناس، والرَّغبة في تعجيلِ الشكر منهم، جاءتْ آياتُ الإنفاقِ لكي تُعالِجَ هذا الجانبَ وتُزكيَه وتُروِّضَه على ما هو أسمى وأعلى، فَدَعتْ الآياتُ القرآنيةُ المؤمنينَ إلى الإنفاق في السر والخفاء بعيدًا عن أعيُن الناس، بل كلُّ آياتِ الإنفاقِ قدَّمتْ في سياقِها الإنفاقَ سرًّا على الإنفاقِ جهرًا؛ وذلك للإشارة إلى أفضليَّة إنفاق السِّر؛ وذلك كما في قولِه - سبحانه وتعالى -: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} [إبراهيم: 31]، وقولِه - سبحانه وتعالى -: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274].

فالإنفاق في السر يُرَبِّي في نَفْسِ المنفِقِ الإخلاصَ لله تعالى وَحُسْنَ المراقبةِ له؛ "إذ في السريَّة سدٌّ لكلِّ ذرائع الرِّياء؛ ولذلك كان السرُّ خيرًا للمُعطي؛ إذ فيه احتياطٌ لنفسِه من أن يدخلها داءُ الإنفاقِ وهو الرِّياء، فإذا كان في الجهر فائدةُ الثناء، ففي السرِّ فائدة الاحتياط من الرِّياء، وذلك خيرٌ من كل ثناء"[6].


ومن ناحيةٍ أخرى، فإنَّ الإنفاقَ في السِّر يُعوِّدُ الأفرادَ على البذلِ ويُسهِّلُه عليهم، ويُعينهم على تأدية سائر واجباتهم المالية؛ لأنَّ الذي يَعتادُ على الإنفاقِ في السِّر لن يَثْقُلَ على نفسِه الإنفاقُ جهرًا وعَلَنًا، وخاصَّةً حينما تُفرَضُ عليه بعضُ الوظائفِ المالية من قِبَلِ الدَّولة على سبيل المثال، فَضلاً عن سائِر الواجبات المالية الأخرى، كالإنفاقِ على الأقارب وعلى من تَجِبُ نفقتُهم عليه.

وتوضيح ذلك أنَّ الذي يُنفِقُ في السِّر، فإنَّه يُراقبُ اللهَ - سبحانه وتعالى - في عملِه ويخشاه ويرجوه ويأملُ أنْ يَتقبَّلَ منه؛ كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 60، 61]؛ "أي: يعطون العطاءَ وهم خائفون وَجِلُون أن لا يُتقبَّلَ منهم؛ لخوفهم أن يكونوا قد قصَّروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من بابِ الإشفاق والاحتياط"[7]، فمِثلُ هؤلاء يَبعد أن يتهرَّبوا من بقيَّة الواجباتِ الماليَّةِ المطلوبةِ منهم، ولن يقوموا بالاحتِيال على القانون من أجْل إعفاء أنفُسِهم عن الإنفاق الواجب، وبالتَّالي فإنَّه لا وجودَ في مثل هذا المجتمع لمقولة: "القانون لا يحمي المغفلين"؛ لأنَّ الغافلَ في الإسلام حقُّه مصون.


وبعد الإنفاق في السِّر يأتي الإنفاقُ في العَلانية، وهو أنْ يُنفِقَ المرءُ أمامَ مرأى الناس، وهنا تُوكَلُ نياتُ الأفرادِ إلى الله - سبحانه وتعالى - ولكنْ مِنَ المتوقَّعِ بعد التدريب العملي على الإخلاصِ لله تعالى ومراقبتِه، عن طريق الإنفاق في السِّر، أن تكون نيَّةُ المُنفِقِ في العَلانية خالصةً لله تعالى، ولعلَّ هذا يكون مَقصِدًا من مقاصدِ تشْريعِ كلا النَّوعين: الإنفاق في السِّر والإنفاق في العَلانية.

فأثرُ الإنفاقِ في العلانيةِ بالنسبة للمُنفِقِ هو غَرْسُ معاني الإخلاص والعبوديَّة لله - سبحانه تعالى - والتَّأكيدُ عليها؛ لأنَّ الإعلانَ بالعمل والجهرَ به لا يقْدح بالنيَّةِ الصادقةِ والقلبِ المتوجِّه إلى الله تعالى، خصوصًا أنَّ الإنفاقَ في السِّر مشروعٌ لإحكام معنى الإخلاص لله - سبحانه وتعالى - في نفوس المؤمنين، وبالتالي سيَضمن ذلك صلاحَ النيةِ بالنسبة إلى المُنفِق علانيةً إلى حد كبير، ولن يخشى المُنفِقُ حينئذٍ من بطلان عملِه الذي أعَلَن وجَهَر به، وهذا جانبٌ تربوي عظيم لِمَنْ تأمَّله.

وهكذا يُسْهِمُ الإنفاقُ في السِّر والإنفاقُ في العَلانية في تكوين الشخصية الاقتصادية الإسلامية السويَّة، فهي متصلةٌ بربِّها وخالقها حينما تقوم بممارسة دورِها الاقتصادي، وتحترم القوانين والأنظمة ولا تتجاوزها باحتيالٍ أو مراوغة، وتَجعل رقابةَ اللهِ تعالى فوقَ كلِّ رقابة، وما أحوجَ الأنظمةَ الاقتصادية في عصرنا المادِّي الحاضر لمثل هذه التربية الربَّانية للأفراد.

الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للإنفاق في السِّر وفي العَلانية:
للإنفاقِ سِرًّا وعَلانيةً أبعادٌ اقتصاديةٌ وأخرى اجتماعيةٌ، ويمكن الوقوفُ عليها من خلال التفصيل الآتي:

أوَّلاً: الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للإنفاق في السر:
البعد الاقتصادي للإنفاق سِرًّا:
من الناحية الاقتصادية يمكن القولُ بأنَّ الإنفاقَ في السر يُوجِدُ عنصرًا خَفيًّا من عناصر الحقن في النظام الاقتصادي، وهذا العنصر لا يمكن حسابُه ضمْن النَّاتج المحلِّي الإجمالي كما يَتِمُّ حسابُ أموالِ الزَّكاة؛ لأنَّ الدولةَ الإسلاميَّةَ مأمورةٌ شرعًا بِجبايةِ أموال الزكاة وحسابِ مقاديرِها، ووضعِها في بيوت الزَّكاة المُخَصَّصة لها، أمَّا الإنفاقُ في السرِّ، فغالبًا ما يكون في صدقات التطوُّع التي هي في نهاية الأمر اختياريَّةٌ وغيرُ واجبةٍ على الأفراد، والدولةُ غيرُ مُكلَّفةٌ بحسابِ أو جبايةِ هذا النوع من الإنفاق.

فهذا الإنفاقُ يُوجِدُ طلبًا غيرَ محسوبٍ ضمن المتدفق الدَّائري لحسابات الدَّخل القومي في المجتمع الاقتصادي، بل قد يُغطِّي نقصًا حاصلاً في الطلب في أي قطاعٍ من القطاعات؛ لأنَّ الإنفاقَ المُستحَبَّ ليس له مصارف محدَّدة؛ بل يمكن توجيهُه إلى أيِّ وجهٍ من وجوه البِرِّ، وهذه خَصِّيصَةٌ في الاقتِصاد الإسلامي لا توجد في الاقتصاديات الوضعيَّة.

البعد الاجتماعي للإنفاق سرًّا:
تَقدَّم الحديثُ في الأسطُر السَّابقة عن الأثر التَّربوي للإنفاق سرًّا على المُنفِق، وكيف أنَّ الإنفاقَ سرًّا يُسْهِم في تكوين الشَّخصيَّة الإسلاميَّة ذات الأبعاد الدينيَّة والأخلاقيَّة الراقية، وهنا في المقابل نجد أنَّ الإنفاقَ سِرًّا له آثارٌ أخرى على الجهة المقابلة لعمليَّة الإنفاق وهي الآخِذةُ والمتلقِّية، وكذلك على النَّاس الشَّاهدين من سائر المجتمع.

أمَّا الآخذُ وهو الفقير أو المسكين صاحب الحاجةِ، فإنَّ الأرفقَ بكرامتِه والأوْلى بإنسانيَّتِه أن لا يعلمَ أحدٌ بأخْذِه للصدَقَة، وأنْ يأخذَ صدقتَه في الخَفاء بعيدًا عن أعين النَّاس، وقد عبَّر الإمام الغزالي عن أخذ الصدَقَة في الخفاء: "أنَّه أبْقى للستر على الآخِذ، فإنَّ أَخْذَه ظَاهِرًا هَتْكٌ لستر المروءة، وكشفٌ عن الحاجة، وخروجٌ عن هيئة التعفُّفِ والتصوُّنِ المحبوبِ الذي يحسب الجاهلُ أهلَه أغنياء من التعفُّف"، وكذلك "أنَّ في إظهارِ الأخذِ ذُلاًّ وامتهانًا، وليس للمؤمن أنْ يُذِلَّ نفسَه"[8].


وأمَّا بالنسبة لأثرِ الإنفاقِ سرًّا على بقيَّةِ الناسِ الشَّاهدين، فإنَّ في إخفاءِ عمليَّةِ الإنفاقِ عنهم حِفظاً لألسنتِهم من سوءِ الظنِّ والحَسَدِ، والخوضِ في الأعراض والقيل والقال، قال الغزالي في فوائد إخفاء الصَّدقة بالنسبة للناس: "إنَّه أسلم لقلوب النَّاس وألسنتهم، فإنَّهم ربَّما يحسدون أو ينكرون عليْه أخْذَه ويظنُّون أنَّه آخذٌ مع الاستِغْناء، أو ينسبونه إلى أخذِ زيادة، والحَسَدُ وسوءُ الظنِّ والغيبةُ من الذنوب الكبائر، وصيانتهم عن هذه الجرائم أوْلى"[9].

وهكذا هي الآثار الاجتماعيَّة للإنفاقِ في السِّر، تَحْفَظُ كرامةَ الفقير وتُقِيم إنسانيَّتَه، وتراعي مشاعرَه، وكذلك تَحمِي المجتمعَ من الأخلاقِ الرَّديئةِ ومن سوءِ الظنِّ والحقدِ وكثرةِ الكلام فيما لا ينفع، واتِّهامِ الناسِ بما ليس فيهم.

نموذج للأثر الاقتصادي والاجتماعي لصدقة السِّرِّ (علي بن الحسين - رضي الله عنهما):
كان زينُ العابدين علي بن الحسين - رضي الله عنهما - يَحمل جِرَابَ الخُبْز على ظهْرِه باللَّيل فيتصدَّق به، ويقول: "إنَّ صدقةَ السرِّ تطفئ غضبَ الربِ - عزَّ وجلَّ"[10]، وكان ناسٌ من أهل المدينة يعيشون، لا يدْرون من أين كان معاشهم، فلمَّا مات عليُّ بن الحسين، فقدوا ذلك الذي كانوا يؤْتَون باللَّيل، ولمَّا مات - رضي الله عنْه - وغسَّلوه جعلوا ينظرون إلى آثارِ سَوادٍ في ظهْره، فقالوا: ما هذا؟ فقالوا: كان يَحْمِلُ جُرُبَ الدَّقيقِ ليلاً على ظهره يعطيه فقراءَ أهلِ المدينة[11].

هذه القصَّةُ نموذجٌ لحال المجتمع الإسلامي الذي يطبِّق المنهجَ الإسلامي، ويسير في ظلال أحكامِه وتعاليمِه، فأناسٌ فقراء يعيشون ويُرزَقون قوتَ يومِهم بسبب صدَقَة السِّر، لا يدري أحدٌ عن المُنفِقِ ولا عن المُنفَقِ عليْهم، ممَّا يَحْفَظُ كرامةَ الفقراء ويُبعِدُ كلامَ النَّاس عنهم، ومن الناحية الاقتصادية هناك حفزٌ للطَّلب مِنْ قِبَلِ هذه الشَّريحة الآخِذة للصدَقَة، ممَّا يتركُ آثارَه الإيجابيَّة على سائِر النَّشاط الاقتصادي، كلُّ ذلك نتيجة للإنفاق سرًّا، وما زالت تلك النَّماذجُ المشرقةُ مستمرَّةً إلى يومِنا هذا؛ وذلك بسبب عِظَم الثَّوابِ المترتِّبِ على صدَقَةِ السِّر.


ثانيًا: الأبعاد الاقتصاديَّة والاجتماعية للإنفاق علانيةً:
البعد الاقتصادي للإنفاق العَلَني:
بغضِّ النظَر عن نوع هذا الإنفاق أكان واجبًا أم مستحبًّا، فإنَّ من أبرز الآثار تَداعي الأفراد والمؤسَّسات وسائر الجهات، إلى التأسِّي والاقتداء ببعضِهم البعض، بل إلى التنافُس فيما بينهم في قَدْرِ الإنفاق وحجمِه، وهذا مُلاحَظٌ جدًّا لاسيَّما في عصر الفضائيَّات وباقي وسائل الإعلام العصريَّة المختلفة، فما أنْ يُدعَى النَّاسُ إلى الإنفاق لدعْم قضيَّةٍ إنسانيَّةٍ أو أمرٍ آخَر إلاَّ تَجِدُ الإقبال على الإنفاق بشكل كبير وملحوظ، وقد قيل: إنَّ "الاقتداء في الصَّدَقَة على الطباع أغلب"[12].

وأكثر ما يكون الاقتداء والتأسِّي أثرًا عندما يكون المُنفِقون هم الزعماءَ والعلماءَ والوجهاءَ، ومن لهم شأنٌ في المجتمع؛ لأنَّ الناسَ في الغالب متعلِّقون بهؤلاء ومترقِّبون لتصرُّفاتهم، فهذه الشَّريحة أقرب للتأسِّي والاقتِداء بهم من غيرهم، وبالتَّالي يكون إظْهار الإنفاق منهم أوْلى وأفضل؛ لذا استحبَّ بعضُ الفقهاء لمثل هؤلاء إظهارَ الصدَقَةِ للمعنى السَّابق، قال زكريا الأنصاري من فقهاء الشافعيَّة: "وأمَّا الإمامُ فالإظهارُ له أفضلُ مُطلقًا"[13]؛ أي: في إظهار الزَّكاة الواجبة.

وقد يكون مناسبًا تقنينُ هذه الطريقة؛ أي: إعلان الأسماء وهويَّات الأشخاص والمؤسَّسات التي تؤدِّي فريضة الزَّكاة في حال كوْنِ الشَّريعة مطبَّقةً في تلك البلاد، فكلُّ جهةٍ أو شخصٍ يؤدي ما عليه من زكواتٍ وواجبات ماليَّة يُعْلَنُ عن ذلك للنَّاس، وذلك من أجْل مسألة الاقتِداء والتأسِّي به من قِبَلِ عامَّةِ النَّاس.

وهكذا، فإنَّ الفعاليَّة الاقتصاديَّة في المجتمع تكون أكثر نشاطًا وحراكًا في حال كوْن الإنفاق علانيةً، وهذا أثر اقتِصادي إيجابي راجع إلى مشروعيَّة هذا النَّوع من الإنفاق.

البعد الاجتماعي للإنفاق العَلَني:
كان من مصلحة الآخِذِ للصدَقَة أن يكون ذلك سرًّا بغير علمِ أحدٍ؛ حِفْظًا لمشاعره وكرامته كما سبق، أمَّا بالنسبة للمُنفِقِ فإنَّه قد يكون من مصلحتِه أن تكون الصدَقَةُ علانيةً أمامَ الناسِ؛ وذلك حتى تنتفي تُهمَةُ عدمِ أدائِه الزَّكاة الواجبة في أمواله[14]؛ فإنَّ الناس إذا لم يروْا صاحبَ المال يؤدِّي الزَّكاة أمام مرأى أعيُنِهم تسارعتْ إليهم الظُّنونُ والاتهاماتُ له.

وكونُ الإنفاقِ علانيةً قد يحقِّقُ مصلحةً للمُنفِقِ لا يناقض القولَ بأفضليَّة الإنفاق سرًّا لمصلحة كرامة الفقير؛ لأنَّه لا يُشترَطُ إعطاءُ الفقيرِ مباشرةً في يدِه بل يمكن توصيلُ ذلك عن طريق الوسائط من جهاتٍ مسؤولةٍ وجمعياتٍ خيريةٍ، وكذلك ليس كلُّ إنفاقٍ يختصُّ بالفقراء والمحتاجين فقط، بل هناك وجوهٌ أخرى لا يُراعَى فيها الجوانب النفسيَّة والمشاعر الإنسانيَّة، كالإنفاق على مصرف (في سبيل الله)، وكسائر أبواب الخير والبِرِّ، فهنا يمكن للمُنفِقِ أنْ يُعلِنَ عن إنفاقِه ويتحدَّث به بين النَّاس من غير حَرَجٍ، بشرط أن يُراعِي مسألةَ الرِّياء فيما بينه وبين ربِّه بحيث يُخْلِصُ عملَه لله تعالى.

ولكن في حال ابتداء الفقير السؤال أمامَ النَّاس، فهنا لا معنى لمراعاة كرامتِه؛ لأنَّه هو الذي كشف سترَه، فهنا لا بأس للمُنفِقِ أنْ يعطيه أمام النَّاس.

وبذلك يُحقِّقُ الإنفاقُ أهدافَه الاقتصادية والاجتماعية على السواء، من غير فَصْلٍ بين الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي، فكلُّ واحدٍ مرتبطٌ بالآخر.

وهكذا يُمثِّل الإنفاقُ سرًّا وعلانيةً مَظْهَرًا من مظاهر التَّوازُن في الاقتصاد الإسلامي، فالإنفاق سرًّا له وجوهه الاقتصاديَّة وآثاره الاجتماعيَّة، وكذلك الإنفاق علانيةً، كلٌّ بحَسَبِه وما يتناسب معه، والله أعلم.

وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحْبِه وسلَّم.

ــــــــــــــــــــــ
[1] أبو زهرة، محمد: زهرة التفاسير (2 /1019)، دار الفكر العربي، القاهرة.
[2] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، (3 /332)، دار الكتب العلمية، بيروت.

[3] انظر: السيوطي: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، (2 /77)، دار الفكر، بيروت.
[4] ابن العربي: أحكام القرآن، (1 /315)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1416 هـ - 1996م.

[5] ابن القيم، محمد بن أبي بكر: التفسير القيِّم للإمام ابن القيم، ص 170، جَمَعَه: محمد أويس الندوي، دار الرائد العربي، بيروت، ط1، 1408هـ - 1988م.

[6] أبو زهرة: زهرة التفاسير، (2 /1019)، دار الفكر العربي، القاهرة.
[7] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، (5 /417)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

[8] الغزالي، محمد بن محمد: إحياء علوم الدين (1 /215)، دار الفكر، بيروت، 1995م.
[9] المرجع السابق: (1/215).

[10] ((إنَّ صدقة السر تطفئ غضب الرب)) أصله حديث نبوي شريف، رواه الطبراني في المعجم الأوسط، (1 /289)، برقم (943)، دار الحرمين، القاهرة، 1425هـ - 1995م، وغيره من مدوَّنات السُّنَّة، وقد اختلف أهل الحديث في تصْحيح الحديث وتضعيفه، حيث ضعَّف الحافظُ ابنُ حجر أسانيدَ هذا الحديثِ في "تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" (3 /247)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2، 1427هـ - 2006م، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2 /702)، برقم (3759)، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1406هـ - 1986م.

[11] انظر في أخباره - رضي الله عنه -: الذهبي: سير أعلام النبلاء، (5/332)، دار الفكر، بيروت، 1997م، وابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي: صفة الصفوة (2/96)، دار المعرفة، بيروت، ط 2، 1399هـ - 1979م.

[12] الغزالي: إحياء علوم الدين، مرجع سابق، (3/232).
[13] الأنصاري، زكريا بن محمد : أسنى المطالب شرح روض الطالب (2/529)، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001م.
[14] انظر: الرازي: تفسير الرازي المُسمَّى بـ مفاتيح الغيب، (7/61)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

مولد المسيح وإعجاز القرآن الكريم

مولد المسيح وإعجاز القرآن الكريم


لا يستطيع نصرانى واحد أن يخبرنا على وجه اليقين متى وُلد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ؟ إذ لا يوجد تاريخ ميلاد فى الأناجيل الأربعة ..
إذا ً من أين جاءت تلك الاحتفالات التى تُقام كل عام بمناسبة مولد المسيح عليه السلام يومى 25 ديسمبر عند نصارى الغرب و 7 يناير عند نصارى الشرق ؟؟
الحقيقة لا نصارى الغرب لديهم دليل على التاريخ الذى يحتفلون فيه وكذا نصارى الشرق .. مجرد اجتهادات متوارثة دون تدقيق أو تمحيص ..
ولعله ليس بدعاً من القول أن نذكر أن المسيح عليه السلام لم يولد فى سنة 1 ميلادية ؛ وأنه وُلد قبل هذا التاريخ على أرجح الأقوال بنحو ست سنوات ..
يقول عباس محمود العقاد ، فى كتابه " حياة المسيح " :
" أما القول الراجح فى تقدير المؤرخين الدينيين فهو أن ميلاد السيد المسيح متقدم على السنة الأولى ببضع سنوات وأنه على أصح التقديرات لم يولد فى السنة الأولى للميلاد .
ففى إنجيل متى أنه عليه السلام قد ولد قبل موت هيرود الكبير وقد مات هيرود قبل السنة الأولى للميلاد بأربع سنوات " أ.هـ
والنص الذى يُشير إليه العقاد هو :
" ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق واتينا لنسجد له. فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه. فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح؟. فقالوا له في بيت لحم اليهودية.لأنه هكذا مكتوب بالنبي وأنت يا بيت لحم ارض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا .لان منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل
حينئذ دعا هيرودس المجوس سرّا وتحقق منهم زمان النجم الذي ظهر. ثم أرسلهم إلى بيت لحم وقال اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي.ومتى وجدتموه فاخبروني لكي آتي أنا أيضا واسجد له. فلما سمعوا من الملك ذهبوا وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبي. فلما رأوا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا. وأتوا إلى البيت ورأوا الصبي مع مريم أمه.فخروا وسجدوا له.ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهبا ولبانا ومرّا. ثم إذ أوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس انصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم.
وبعدما انصرفوا إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك.لان هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه. فقام واخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر. وكان هناك إلى وفاة هيرودس.لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني.
حينئذ لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جدا.فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس. حينئذ تم ما قيل بارميا النبي القائل. صوت سمع في الرامة نوح وبكاء وعويل كثير.راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين.
فلما مات هيرودس إذا ملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر قائلا.قم وخذ الصبي وأمه واذهب إلى ارض إسرائيل.لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي. " ( متى إصحاح 2 : 1 – 20 ) .
ويتابع العقاد قائلاً :
" وقد جاء فى إنجيل لوقا أن السيد المسيح قام بالدعوة فى السنة الخامسة عشرة من حكم القيصر طيبريوس وهو يومئذ يناهز الثلاثين ، وقد حكم طيبريوس الدولة الرومانية بالاشتراك مع القيصر أوغسطس سنة 765 من تأسيس مدينة رومة ، ومعنى هذا أن السيد المسيح قد بلغ الثلاثين حوالى 779 رومانية ، وأنه ولد سنة 749 رومانية أى قبل السنة الأولى للميلاد بأربع سنوات .
ويذكر إنجيل لوقا أن القيصر أوغسطس أمر بالاكتتاب – أى الإحصاء – فى كل المسكونة ، وأن هذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرنيوس واليا على سورية " فذهب الجميع ليكتتبوا كل فى مدينته ، وصعد يوسف ... من مدينة الناصرة إلى اليهودية .. ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهى حبلى ، وتمت أيامها هناك فولدت ابنها البكر " .
والمقصود بالاكتتاب هنا – على ما هو ظاهر – أمر الإحصاء الذى أشار إليه المؤرخ يوسفوس وأرخه بما يقابل السنتين السادسة والسابعة للميلاد ، ولا يمكن أن يكون قبل ذلك لأن تاريخ ولاية كيرنوس معروف وهو السنة السادسة ، فيكون السيد المسيح إذن قد ولد فى نحو السنة السابعة للميلاد ، وتكون دعوته قد بدأت وهو فى الثالثة والعشرين أو الرابعة والعشرين ، وهو تقدير يخالف جميع التقديرات الأخرى ويخالف المعلوم من مأثورات الإسرائيليين ، فإن كاهن اللاوى عندهم كان يباشر عمله بعد بلوغ الثلاثين ، وكان الأحبار المجتهدون عندهم يبلغون الخمسين قبل الجلوس للتفسير والإفتاء فى مسائل الفقه الكبرى ، ولهذا قالوا عن السيد المسيح أنه لم يبلغ الخمسين بعد ويدعى أنه يرى إبراهيم ويستمع إليه ، ولو أنه بدأ الدعوة قبل الثلاثين لكان الأحرى أن يتعجبوا لكلامه قبل بلوغه سن الكهنة اللاويين .
ويغلب على تقدير المؤرخين الثقات أن الإحصاء المشار إليه هو الإحصاء الذى ذكره ترتيليان Tertullian وقال أنه جرى فى عهد ساتورنينس Saturninus والى سورية إلى السنة السابعة قبل الميلاد ، فإذا كان هذا هو الإحصاء المقصود فالسيد المسيح كان قد بلغ السابعة فى السنة الأولى للميلاد .
ومن القرائن التى لا نريد أن نهملها قرينة الكوكب الذى قيل إن كهان المجوس تتبعوه من المشرق ليهتدوا به إلى المكان الذى ولد فيه السيد المسيح ...
من المعقول أن ننكر على المنجمين علمهم بالغيب من رصد الكواكب وطوالع الأفلاك ، ولكن لا يلزم من ذلك أن ننفى ظهور الكوكب الذى رصدوه ، وأن نبطل دلالته مع سائر الدلالات . وبخاصة حين تتفق جميع هذه الدلالات .
وقد ذكر فريدرك فرار فى كتابه " حياة المسيح " أن الفلكى الكبير كيلر حقق وقوع القران بين المشترى وزحل حوالى سنة 747 رومانية ويقول فرار فى وصف هذه الظاهرة : " إن قران المشترى وزحل يقع فى المثلث نفسه مرة كل عشرين سنة ولكنه يتحول إلى مثلث آخر بعد مائتى سنة . ولا يعود إلى المثلث الأول بعد عبور فلك البروج كله إلا بعد انقضاء سبعمائة وأربع وتسعين سنة وأربعة أشهر واثنى عشر يوما ، وقد تراجع كيلر بالحساب فتبين له أن القران على هذا النحو حدث سنة 747 رومانية فى المثلث النونين أو الحوتين وأن المريخ لحق بهما سنة 748 رومانية .
ويظهر من هذا الحساب أن تاريخ الميلاد يضاهى التاريخ الذى يستخلص من التقديرات الأخرى على وجه التقريب ، وأن السيد المسيح ولد فى نحو السنة الخامسة أو السادسة قبل الميلاد . " أ.هـ
أوضح العقاد تخبط الروايات بشأن ميلاد السيد المسيح عليه السلام ، وكيف يختلف إنجيل متى عن إنجيل لوقا فى هذه الرواية ، لكن المؤكد بجميع الشواهد أن السيد المسيح عليه السلام لم يولد فى 1 م ، وأنه وفقاً لرواية لوقا وحساب الفلك مفروض أن نكون الآن فى 2014 لا 2008 م .
القرآن الكريم لا يُحدثنا عن السنة التى ولد فيها المسيح عليه السلام ، لكنه أعطانا إشارة للفصل الذى ولد فيه عليه السلام .. يقول تعالى : " فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا " ( مريم : 23 -26 ) .
ومن الآيات الكريمات يتبين لنا أن السيدة مريم عليها سلام الله ، قامت بهز جذع النخلة تلبية لنداء ابنها المسيح وأن النخلة سقط منها رطباً جنياً .. والجميع يعلم أن موعد جنى البلح والرطب فى الصيف لا الشتاء .. أى أنه عليه السلام لم يولد لا فى 25 ديسمبر ولا 7 يناير ، ولنتأمل فى هذه المفاجأة العلمية التى أوردها موقع " إيلاف " نقلاً عن صحيفة " التليجراف " البريطانية فى 10/12/2008م :
على عكس الإعتقادات السائدة بأن تاريخ ميلاده هو الـ 25 من كانون الأول
علماء فلك يفجرون مفاجأة ويؤكدون أن المسيح ولد في حزيران
في مفاجأة مذهلة للغاية، كشف مجموعة من علماء الفلك عن أنهم خلصوا بعد مجموعة من الحسابات الفلكية إلي أن عيد الميلاد يجب أن يكون في شهر يونيو وليس ديسمبر، كما هو الحال الآن، وذلك من خلال الرسوم البيانية لمظهر " نجمة عيد الميلاد " التي قال عنها الإنجيل أنها اقتادت الحكماء الثلاثة إلى السيد المسيح!
وقالت صحيفة التلغراف البريطانية أن العلماء وجدوا أن النجم اللامع الذي ظهر فوق بيت لحم منذ 2000 عام، يشير إلي تاريخ ميلاد السيد المسيح بأنه يوم الـ 17 من شهر يوليو وليس يوم الـ 25 من شهر ديسمبر. وزعم العلماء أن نجمة عيد الميلاد هي على الأرجح توحيد واضح لكوكبي الزهرة والمشتري ، الذين كانا قريبين جدا ً من بعضيهما الآخر وتضيء بشكل براق للغاية كـ " منارة للضوء " ظهرت بشكل مفاجيء. وإذا ما جانب الفريق البحثي الصواب، فإن ذلك سيعني أن اليسوع من مواليد برج الجوزاء وليس من مواليد برج الجدي كما كان يعتقد في السابق.
وقلت الصحيفة أن عالم الفلك الاسترالي "ديف رينيكي" كان قد استعان ببرمجيات الحاسوب المعقدة لرسم الأماكن المحددة لجميع الأجرام السماوية والقيام كذلك برسم خريطة لسماء الليل كما ظهرت فوق الأرض المقدسة منذ أكثر من ألفي عام. وهو ما كشف عن أحد الأحداث الفلكية حول توقيت ميلاد المسيح. وقال رينيكي أن الحكماء ربما برروا هذا الحدث على أنه الإشارة التي ينتظرونها كما تقفوا أثر "النجم" لمحل ميلاد المسيح في إسطبل ببيت لحم، كما ورد بالكتاب المقدس. وكانت احدي البحوث المقبولة عموما قد حددت الميلاد في الفترة ما بين 3 قبل الميلاد وواحد ميلادية.
وباستخدام إنجيل سانت ماتيو كمرجع، أشار رينيكي إلي العلاقة بين الكواكب، التي ظهرت في كوكبة نجوم الأسد، إلي التاريخ المحدد لـ 17 يونيو في العام الثاني قبل الميلاد. وقال محاضر علوم الفلك، والمحرر الإخباري لمحطة سكاي ومجلة الفضاء :" لدينا نظام برمجي يمكنه إعادة تشكيل سماء الليل تماما كما كانت في أي مرحلة في آلاف السنين الماضية. كما استخدمناه من أجل العودة للتوقيت الذي ولد فيه المسيح، وفقا لما ورد بالكتاب المقدس ".
وتابع رينيكي قائلا ً :" لقد أصبح الزهرة والمشتري قريبين تماما من بعضهما الآخر في العام الثاني قبل الميلاد وظهرا كمنارة ضوئية واحدة. ونحن لا نقول أن هذا هو بالضرورة نجمة عيد الميلاد – لكن هذا هو التفسير الأقوي لتلك الظاهرة على الإطلاق. فلا يوجد هناك أي تفسير آخر يتناسب عن قرب مع الوقائع التي نمتلكها منذ قديم الأزل. وربما يكون الحكماء الثلاثة قد فسروا ذلك على أنها الإشارة. وربما يكونوا قد اخطئوا بكل سهولة في هذا الأمر. فعلم الفلك هو أحد العلوم الدقيقة، حيث يمكننا تحديد مواقع الكواكب بكل دقة، وعلى ما يبدو أن تلك النجمة هي بكل تأكيد نجمة عيد الميلاد الخرافية ".
كما أكد رينيكي على أنهم كفريق بحثي لم يحاولوا من خلال تلك التجربة أن يحطوا من قدر الدين. بل على العكس هي محاولة للرفع من قدره وتدعيمه. وأشار إلي أن الناس يخلطون في أغلب الأوقات العلم بالدين في مثل هذا النوع من المنتدي، وذلك من الممكن أن يحبطهم. وكانت نظريات سابقة قد تحدثت عن أن هذا النجم هو نجم متفجر – أو حتي نجم مذنب. لكن رينيكي أكد على أنه ومن خلال تضييق الفارق الزمني، أعطت التكنولوجيا الحديثة تفسيرا ً هو الأقرب والأقوي لتلك الظاهرة حتى الآن.
http://www.elaph.com/Web/Politics/2008/12/390233.htm
يُشير العلماء بكل وضوح أن المسيح عليه السلام وُلد فى الصيف وهو عين ما يذكره القرآن الكريم .. ولعل هذا ما يُوافق رواية لوقا إذ يقول فى إنجيله : " وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم " ( لوقا إصحاح 2 : 8 ) .
ومن رواية لوقا يتضح أن هناك رعاة يقومون بالرعى ليلاً .. ومحال أن يكون هناك رعى للأغنام فى الليل فى فصل الشتاء ، مع هطول الأمطار واشتداد الرياح ... كل الطرق تؤدى إلى ميلاد المسيح عليه السلام فى الصيف .
إذاً من أين اخترع النصارى تواريخ الميلاد التى يحتفلون بها ؟؟
ورد فى الموسوعة العالمية " ويكيبيديا " تحت عنوان " عيد الميلاد " ما يوضح حقيقة مصدر احتفال النصارى بتاريخ 25 ديسمبر وجعل عيد الميلاد فى الشتاء لا الصيف :
(( اعتبر 25 ديسيمبر ميلاداً ليسوع لأول مرة في القرن الرابع الميلادي زمن حكم الامبراطورقسطنطين ، فقد اختار قسطنطين هذا اليوم كميلاد ليسوع لأن الروم في ذلك الوقت كانوا يحتفلون بنفس اليوم كولادة لإله الشمس "سول إنفكتوس" ، والذي كان يسمى بعيد "الساتورناليا". لقد كان يوم 25 ديسيمبر عيداً لغالب الشعوب الوثنية القديمة التي عبدت الشمس، فقد احتفلوا بذلك اليوم لأنه من بعد يوم 25 ديسمبر يزداد طول النهار يوماً بعد يوم خلال السنة. ومن الشعوب التي احتفلت بالخامس والعشرين من ديسمبر قبل المسيحية:
في الشرق الأقصى احتفل الصينيون بـ25 ديسمبر كعيد ميلاد ربهم جانغ تي.
ابتهج قدماء الفرس في نفس اليوم ولكن احتفالاً بميلاد الإله البشري ميثرا.
ولادة الإله الهندوسي كريشنا هي الولادة الأبرز من بين آلهة الهند فقد كانت في منتصف ليلة الخامس والعشرين من شهر سرافانا الموافق 25 ديسيمبر.
جلب البوذيون هذا اليوم من الهندوس تقديساً لبوذا.
كريس الإله الكلداني أيضاً وُلد في نفس اليوم.
في آسيا الصغرى بفريجيا (تركيا حالياً) وقبله بخمسة قرون عاش المخلص "ابن الله" أتيس الذي ولدته نانا في يوم 25 ديسيمبر.
الأنجلوساكسون وهم جدود الشعب الإنجليزي كانوا يحتفلون قبل مجيء المسيحية بـ25 ديسيمبر على أنه ميلاد إلههم جاو وابول.
في هذا اليوم أيضاً الإله الاسكندنافي ثور.
الشخص الثاني من الثالوث الإلهي الاسكندنافي ولد في نفس اليوم كذلك.
السنة عند الليتوانيين كانت تبدأ عند انقلاب الشمس في الشتاء أي 25 ديسيمبر وهو عيد كاليدوس.
هذا الوقت نفسه كان يوماً بهيجاً على الروس القدماء فهو يوم مقدس يُدعى عيد كوليادا ، وقبلها بثلاثة أيام يكون عيد كوروتشن وهو اليوم الذي يقوم الكاهن بعمل طقوس خاصة ليوم كوليادا.
بسوريا والقدس وبيت لحم (قبل ولادة المسيح) كان هناك عيد ميلاد المخلص أتيس في 25 ديسيمبر.
في يوم 25 ديسيمبر كانت النساء باليونان القديم تغمرهم الفرحة وهم يغنون بصوت عال: "يولد لنا ابن هذا اليوم!" وكان ذلك يقصد به ديونيسس الإبن المولود للإله الأكبر.
جُلب هذا اليوم كعيد للإله باخوس وذلك من بعض عُبّاده الروم ومنه إلى إله الشمس سول إنفيكتوس. )) . أ.هـ
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%...B3%D9%86%D8%A9
لكنه من الغريب جداً بعد هذه الحقائق التاريخية والعلمية المفحمة أن تجد نصرانى يتنطع ويقول لك أن كل هذا " أبحاث إلحادية ولا أساس لها من الصحة !! وكأنه يتحدث لسكان المريخ الذين لا يعرفون تاريخ أمم وشعوب الأرض !
وواضح جداً تأثر النصارى بالوثنية فى كل شئ بداية من التثليث والقول ببنوة المسيح لله وحتى عيدالميلاد .. وصدق الله العظيم إذ يقول فى حال اليهود والنصارى ، وإثبات أنهم يسيرون على نهج الوثنيين :
" وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ " ( التوبة : 30 ) .
إن ما نستخلصه من هذا الجدال :
1- إثبات إعجاز القرآن الكريم بشهادة التاريخ والعلم والقول بأن المسيح عليه السلام ولد فى الصيف لا الشتاء .
2- إثبات إعجاز القرآن الكريم فى قوله أن النصارى يُقلدون أهل الشرك الذين سبقوهم ، ويبدو هذا جلياً فى نسب الولد لله والقول بأنه ثالوث والاحتفال بعيد ميلاد إلههم فى تاريخ يوافق أعياد عباد الشمس والحجارة .
3- حتمية أن التأريخ الميلادى الذى نسير عليه الآن غير صحيح وأننا إن عملنا بالحساب الذى يكاد يكون أقرب دقة ، فإنه كان من المفروض أن نكون الآن فى سنة 2014 م وليس 2008م .

وفاة سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث

وفاة سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث
19 شعبان ـ 161 هـ

المكان / البصرة ـ العراق .

الموضوع / وفاة العالم الرباني الكبير سفيان بن سعيد الثوري أمير المؤمنين في الحديث .

إن الله عز وجل اصطفى هذه الأمة وجعلها خاتمة الأمم وجعلها خير الأمم ووضح المولى جل وعلا مقومات هذه الخيرية حتى لا تصبح موروثًا يؤول إلى من لا يستحق هذه الخيرية فلا يصح أن يدعى جيل من أجيال الإسلام الخيرية لأن الجيل السابق له أو سلف هذه الأجيال كان على الخيرية، وأول مقومات هذه الخيرية كما قال المولى جل وعلا {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ...} .
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أول أسباب الخيرية وأساس المحافظة عليها لذلك فإن الله عز وجل أكرم هذه الأمة بقيام رجال من بعد رسوله صلى الله عليه وسلم انتصبوا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاموا في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم لذلك ثبت في الحديث الصحيح [أن العلماء ورثة الأنبياء] .
وهذا المقام يفرض على علماء هذه الأمة القيام بالجهر بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وجه الحكام والصبر على ذلك، وهذا هو أفضل الجهاد كما جاء في الحديث الصحيح [أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ..]، وجعل من يذهب ضحية هذا الحق سيدًا للشهداء [سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى ظالم فأمره ونهاه فقتله ..]. وما ضلت هذه الأمة إلا بضلال حكامها وما ضل حكامها إلا بضلال علمائها وتخلفهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولقد كان لسلف هذه الأمة صور ناجحة نقية تتلألأ نورًا وضياءً من علماء هذه الأمة والذين كان منهم رؤساء وأمراء وكبراء وعلامات فارقة في تاريخ هذه الأمة.
هو العالم الرباني الكبير سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أحد أئمة الإسلام وعبادهم المكنى بأبي عبد الله الكوفي ولد بالكوفة عام 97 هـ ونشأ بها وتلقى العلم وهو صغير فظهرت كفاءته وبان نبوغه في تلقي العلم، وكان يطبق على نفسه مقولته الشهيرة لتلاميذه من بعد [تعلموا العلم ثم إذا تعلمتموه فاحفظوه فإذا حفظتموه فاعملوا به ثم إذا عملتم به فانشروه بين الناس] فكان رحمه الله آية في الحفظ ما استودع شيئًا قلبه إلا حفظه ، ولم يحتج إلى مراجعته مرة أخرى وإنه كان ليمر بالسوق فيسمع حداء ونداء الباعة فيسد أذنيه حتى لا يحفظه إذا سمعه، لذلك فلقد أجمع أهل العلم على أنه أحفظ العلماء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد تنقل بين البصرة، والكوفة، ومكة ، والمدينة ، والشام، كلما دخل بلدًا اجتمع عليه طلبة العلم وأهل الحديث يسألونه ويسمعون منه وهو بجانب روايته للحديث يعلمهم دقائق الفقه والورع والزهد وتعظيم الله عز وجل فقد كانت مجالسه ربانية تملأها السكينة والوعظ والتذكير بالآخرة، وقد كان الثوري معروفًا بكثرة بكائه وخوفه الشديد حتى أنه مرض يومًا فلما رأى الطبيب بوله ولم يعرف بول من هذا قال هذا بول رجل قد احترق جوفه من شدة الخوف الحزن] حتى قال أصحابه كأن النار لم تخلق لأحد سواه ، وكان سفيان لا يقبل عطاء السلاطين أبدًا ويتورع عن أموالهم، وكان له مال يقوم بمائتي دينار يتاجر فيه ويتحرى في طعامه بشدة فلا يقبل هدية ولا طعامًا من أي أحد لا يعرفه وكان يقرأ لتلاميذه [إذا رأيتم أفعالي تغيرت وما أنا عليه من الطاعة تغير فانصرفوا عني ولا تسمعوا مني]، وكان حريصًا على علمه فلا يحدث أي أحد فإذا كان من يسمع منه يقدر العلم ويعمل به فيحدثه وإلا فلا لذلك فكان لا يحدث سفلة الناس ولا يحدث النبط [غير العرب]، وقال إنما نزل العلم على العرب وغير العرب إذا لم يتقنوا العربية وسمعوا العلم قبل ذلك حرفوا العلم وقلبوه، وقيل أنه لم يكن له سوى ولد واحد هو أحب عنده من الدنيا وما عليها ومع ذلك نظر له يومًا فقال إني لأحب أن أقدمك بين يدي لأحتسبك عند الله فمات هذا الولد واحتسبه الثوري، وقيل أنه لم يكن له عقب، وكان من أزهد الناس فلم يكن له ثياب تساوي درهمًا واحدًا ويظل بالثلاثة أيام متصلة لا يأكل طعامًا من فقره ومع ذلك يدعى للوليمة الفاخرة فلا يأكل لشدة ورعه وكان إذا أكل الأكلة قام يصلي بعدها لله ركعتين شكرًا على نعمته.
أما عن ثناء أهل العلم عليه فقد قال شعبة وأبو عاصم وابن عيينة ويحيى بن معين وغير واحد [هو أمير المؤمنين في الحديث وأحفظ الناس للحديث]، قال عبد الله بن المبارك [وكتبت عن ألف شيخ ومائة شيخ هو أفضلهم]، وقال أيوب السختياني [ما رأيت كوفيًا أفضله عليه]، وقالوا [هو أفقه من أبي حنيفة ومالك] وقال أحمد ابن حنبل [لسفيان الثوري مكانة في قلبي لا يدانيه فيها أحد]، وقال شعبة [ساد الناس بالورع والعلم وكان سفيان ينام في الكعبة ورأسه في حجر سفيان بن عيينة ورجله في حجر مالك بن أنس، وقالوا عنه [أصحاب المذاهب ثلاثة: ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه والثوري في زمانه]،وقال الإمام أحمد عندما قال له البعض يا إمام قال أتدري من الإمام ؟ الإمام سفيان الثوري] وبالجملة كان رأسًا من رؤوس هذه الأمة ويكفي أن نعرف أن عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي والضحاك بن مزاحم على جلالة قد ر هؤلاء العلماء الأفذاذ كانوا من جملة تلاميذ سفيان الثوري ويقولون بقوله.
أما أكثر ما اشتهر به سفيان الثوري وساد أقرانه بسببه وفاق علماء الزمان هو أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وتصديه للظلم خاصة في عهد الخليفة المنصور والخليفة المهدي العباسيين حيث كانت للثوري معهما صولات وجولات كثيرة، وخاصة مع المهدي، حتى فر منهما سفيان واختفى في مكة فجعل المنصور مكافأة كبيرة لمن يأتي به ففر إلى اليمن فأخذه واليها معن بن زائدة فلما عرفه قال له أنت حر إن أردت أن تقيم أو أردت أن ترحل فلو كنت تحت قدمي ما رفعتها عنك ليأخذك أحد، ولقد دخل سفيان على المهدي فقال له المهدي يا سفيان كن معي حتى أسير فيكم بسيرة العمرين فقال له سفيان فكيف بهؤلاء الذين من حولك؟ ووعظه بشدة ونهاه عن منكرات في حاشيته فقال صاحب المهدي الربيع: أتقول هذا لأمير المؤمنين؟ دعني يا أمير المؤمنين أضرب عنقه؛ فقال له سفيان سبحان الله أنتم أشر من بطانة فرعون فإنها قالت له {أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين}! فقال المهدي للربيع :اسكت لا تقل له هذا فإن هذا وأمثاله -يقصد الثوري- يريدونا أن نقتلهم فنشقى ويسعدون، ولكن يا ثوري نكتب لك عهداً بالقضاء فأمر بذلك وأعطاه للثوري الذي خرج من عنده، وأخذ العهد بالقضاء فرماه في نهر دجلة وفر هاربًا حتى دخل البصرة [هكذا يكون علماء هذه الأمة يفرون من المناصب الدنيوية لا يلهثون وراءها لأنهم يعلمون أن توليهم لهذه المناصب قضاء عليهم وعلى حياتهم ونزاهتهم فهل سمع ذلك علماء السلطة الرسميون الذين شوهوا صورة علماء الإسلام حتى أصبح العلماء مصدر سخرية وتندر في حياتنا العادية!]، ورصد المهدي مكافأة كبيرة لمن يدلي بأخبار عن الثوري الذي تحداه ورفض هذا المنصب فدخل الثوري البصرة واتفق أن مرض بها وحانت ساعته.
عندما شعر الثوري بدنو أجله دخل عليه تلاميذه يعودونه منهم عبد الرحمن بن مهدي وسفيان بن عيينة وغيرهم فوجدوه يبكي بشدة فقيل له لما هذا البكاء والخوف أنك قادم على من كنت تعبد وترجو؟ قال سفيان [إني لا أخاف من ذنوبي فهي أهون عليّ من هذه وأشار لقطعة قماش بالية ولكني أخاف أن أسلب الإيمان]، وظل يبكي حتى أصبح، ودخل عليه رجل فحدثه بحديث لم يسمعه من قبل فأخرج لوحًا من تحت سريره ، وأخذ يكتب الحديث، فقيل له وأنت على هذه الحالة؟ قال [لئن ألقى الله عز وجل وأنا أعلم هذا الحديث خير من أن ألقاه وأنا لا أعلمه وظل يدعو ويبتهل ويبلى ويرتعد حتى مات رحمه الله عن أربعة وستين سنة، وقد رآه بعضهم في المنام يطير في الجنة من نخلة إلى نخلة ومن شجرة على شجرة وهو يقرأ قوله [الحمد لله الذي صدقنا وعده .. ]، وقال عبد الرحمن بن مهدي [كنت مع من غسّل الثوري فوجدت مكتوبًا على جسده بخط واضح [فسيكفيكهم الله]، وخرجوا به تحت جنح الظلام حتى لا يتفطن له أحد فقال عبد الرحمن بن مهدي فسرنا بالليل كأننا في النهار من شدة ضياء هذه الليلة فرحم الله هذا الإمام الكبير الذي فضح كثيرًا من علماء هذا الزمان .

وفاة مصطفى كمال أتاتورك الرجل الصنم

وفاة مصطفى كمال أتاتورك الرجل الصنم
16 شعبان – 1358هـ

المكان/ أنقرة - تركيا

الموضوع/ وفاة طاغية العصر مصطفى كمال أتاتورك إمام العلمانيين .

إنها قصة رجل صار إماماً للعلمانيين العرب على مر الأجيال وصار قدوة لكل كاره ومبغض لدين الإسلام وصار مثالاً للخيانة والعمالة لأعداء الإسلام وصار أيضاً نموذجاً يحتذي به في كيفية إختراق الصف المسلم والتغلغل بداخلة من أجل تفريقه وتمزيقه وبالجملة هو أشر خلق الله في عصره ولا يعلم أحد كان نكبة على أمة الإسلام مثلما كان هذا المجرم اللعين ولكن هذا لا ينفي أن الجو المحيط بأمة الإسلام هو الذي أسهم وبشدة في ظهور مثل هذا الشيطان الرجيم وسوياً في صفحتنا هذه نستعرض قصة حياة هذا الرجل الذي أصبح مثل الصنم يطوف حوله كل كاره ومبغض للدين ويتمسح به كل من اتبع هواه وعصى مولاه واتبع هذا الصنم الكذوب .
ولد مصطفى كمال في مدينة سلانيك 'ضمن اليونان الآن' عام 1298هـ من سفاح وتسمى أمه زبيدة ونسب إلى على رضا أحد موظفي الدولة في سلانيك وقيل أن أصله صربياً أو بلغارياً والحق أنه من يهود الدونمة وهم اليهود الذين خرجوا من الأندلس عند سقوطها في يد الصليبيين الذين اضطهدوا اليهود فخرجوا منها هائمين على وجوههم ولفظتهم كل البلاد لسمعتم الشهيرة في الشر والفساد حتى توسطت لهم الأفعى روكسلان اليهودية زوجة الخليفة العثماني سليمان القانوني فوافق على استضافتهم في بلاد المسلمين ومن هؤلاء رجل اسمه سابا تاي إدعى النبوة فحكم عليه الحاخامات اليهود بالقتل وحتى يفر من العقوبة ادعى الإسلام وتسمى بمحمد ولكنه بقي في السر يهودياً لاحظ نفس الدور الذي قام به عبد الله بن سبأ اليهودي من قبل من أجل حرب الإسلام وأفهم العثمانيين أنه سيدعو لدين الإسلام بين اليهود وبالفعل كون فرقة يهود الدونمة وهم مسلموا ظاهراً ولكن في الباطن يهود كفار وقاموا بالدور الأكبر في خلع السلطان عبد الحميد وإسقاط الخلافة كلها كما سنعلم , فأتاتورك من نسلهم وعلى دينهم .
سافر أتاتورك إلى استانبول سنة 1318هـ للالتحاق بالكلية الحربية وتخرج منها عام 1322هـ برتبة رائد وعين في لواء الفرسان الثلاثين التابع للجيش الخامس في الشام وفي عام 1325هـ أنهى مرحلة التدريب فعين في إدارة الجيش الثالث ببلده سلانيك حاول أتاتورك تأسيس جمعية سرية تنافس جمعية الاتحاد والترقي التي كان على خلاف مع زعمائها وهذا أدى لنفيه لمدينة طرابلس عام 1326هـ ولكنه عاد بعد شهرين وكان ضمن جيش محمود شوكت الذين سار إلى استانبول لخلع السلطان عبد الحميد الثاني وفي عام 1328هـ صار نائباً لقائد اللواء 38 المرابط في سلانيك , وأراد أن يعمل عملاً للشهرة فانضم سنة 1329 هـ إلى ليبيا في قتالها ضد الطليان ومع أول مهمة عسكرية حقيقية له بانت شجاعته وقدرته العسكرية حيث فر من أرض الميدان كالفأر المذعور وحاول بعد ذلك ملازمة أنور باشا المشهور بشجاعته وقدرته العسكرية الفائقة ولكن أنور باشا كرهه وعهد إليه بمهام تظهره أمام الرأي العام فوضعه على خط النار في الحرب العالمية الأولى ففر مرة أخرى ثم جاءت الفرصة الذهبية لأتاتورك عندما هزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى واضطر رجال حركة الاتحاد والترقي والذين كانوا يسيطرون على مقاليد الأمور في الدولة للفرار منها وهنا ظهر نجم مصطفى كمال الذي كان يمثل الصف الثاني للاتحاد والترقي وكان من حسن حظ أتاتورك أن الخليفة الجديد وحيد الدين كان يعرف أتاتورك جيداً منذ أن كان ولياً للعهد فعين أتاتورك مفتشاً عاماً للجيوش وزوده بصلاحيات واسعة للقيام بثورة في الأناضول التي وقعت تحت احتلال الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى وعمل أتاتورك على توسيع نفوذه واكتساب أعوان له في خطته القائمة على إسقاط الحكومة المركزية ليصل هو إلى سدة الحكم وساعدته الظروف المحيطة بالدولة العثمانية ومعاهدة سيفو التي وقعتها الدولة مع الحلفاء لما فيها من شروط مجحفة فثار عليها أتاتورك ليظهر بصورة الوطني المخلص لدولته .
وسط هذه التداعيات المتلاحقة كان هناك من وراء الأستار علاقة خفية بين الإنجليز وأتاتورك حيث بدأ الإنجليز في تلميع أتاتورك بإظهاره بمظهر البطل الثائر من أجل دولته وحاكوا عنه الأساطير المكذوبة عن بطولته الزائفة وشجاعته المعروفة !! والعجيب أن أتاتورك كان يظهر أنه في الجانب الإسلامي واستغل صلته بالخليفة , وحتى ترفع إنجلترا أتاتورك لمصاف الأبطال العظام دفعت اليونان للتقدم ناحية الغرب واستدرجوهم لقتال مع الأتراك بقيادة أتاتورك فانتصر الأتراك في معركة سقاريا المشهورة سنة 1340هـ صار بعدها أتاتورك بطل الأمة القومي وصار هو الحاكم الفعلي للبلاد فلم يرض الخليفة وحيد الدين أن يكون صورة ورمز بلا معنى حقيقي فاعتزل السلطنة وتولى مكانه عبد المجيد الثاني والذي سقطت الخلافة بعد ثلاثة أيام من توليه الحكم وأعلن أتاتورك سقوط الخلافة وقيام الجمهورية التركية في 27 رجب 1341هـ وبالطبع اعترفت انجلترا بالدولة الجديدة وبدأت صفحة جديدة من حياة أتاتورك .
أتاتورك رئيساً :
قرر أتاتورك بعد إلغاء الخلافة وإعلان قيام الجمهورية طرد الخليفة وجميع أفراد عائلته خارج البلاد وألغى وزارة الشرعية ووزارة الأوقاف وكل المدارس الدينية وبدأ يوفي لأسياده الإنجليز وأستاذه الخفي الذي لا يعرفه معظم الناس ألا وهو الحاخام نعوم كبير حاخامي تركيا منفذ الخطة اليهودية لهدم الخلافة العثمانية.
يمحي كل علاقة بالدين والإسلام في الجمهورية التركية الجديدة ويجبر الأتراك على ارتداء القبعة وهي العلامة الثالثة عند النصارى بعد الصليب والزنار وكانت علامة دينية وضعت من قبل الصليبيين أثناء الحروب الصليبية ثم أصبحت بعدها قومية وقد اعتبرت القبعة كعلامة للكفر كما قال النووي رحمه الله , ولم يكتف أتاتورك بذلك بل ألغى الحروف العربية واستعمل الأحرف اللاتينية وأعلن العلمانية ديناً جديداً للبلاد , وكان يخطب في الناس قائلاً 'لقد انتهى العهد الذي كان الشعب فيه يخدع بكلمات هي خاصة بالطبقات الدنيا أمثال 'كربلاء , حفيد الرسول , الإيمان , القدس' وقام بإلغاء أعياد الفطر والأضحى وجعل يوم الأحد هو يوم العطلة الأسبوعية بدلاً من الجمعة ومنع رحلات الحج والعمرة وحول المساجد إلى متاحف وهو على مائدة الخمر يصدر قراراً بتحويل مسجد أيا صوفيا إلىمتحف !! أما على الصعيد الخارجي فقد باع أتاتورك أذربيجان للروس عندما طلب من الأذربيجانيين السماح بدخول الجيوش الروسية بحجة أنها متوجهة إلى مساعدة الجمهورية التركية , وبعد أن دخل الروس إلى أذربيجان لم يخرجوا منها ولم يرسلوا جيوشاً إلى تركيا .
أخلاق أتاتورك :
كما قلنا من قبل إن أتاتورك كان ولد زنا وولد الزنا شر الثلاثة إذا فعل فعلة أبويه كما ورد ذلك في الأثر فلقد كان أتاتورك فاسقاً ماجناً شروباً للخمر لا يكاد يفيق من شربه , مشهوراً بركوب الفواحش مجاهراً بها مشهوراً بشذوذه مع شاب أمرد اسمه وداد بن خالد ضياء هذا رغم أنه عدم الرجولة وعنين كما جاء على لسان زوجته لطيفة هانم التي فضحته وكشف كثيراً من شذوذه ومحاولاته المتكررة للاعتداء على محارمه حتى أنه حاول مرة الاعتداء على شقيقة زوجته الصغرى ولما هربت منه كاد أن يقتلها هي وزوجته لطيفة , أما عن عشيقاته فحدث ولا حرج فقد كان يستمعل وزير خارجيته توفيق رشدي سمساراً لشهواته وكان عنده ثلاثون فتاة أطلق عليهن بناته بالتبني وأوصى لهن بمقادير ثابتة طيلة حياتهن وكن يقمن بالرقص في حفلاته وهن شبه عاريات , وبلغ به الشذوذ أنه كان يلبس الخدم في قصره ملابس النساء ويرقص معهم وهو مخمور .
كان أتاتورك من أكثر الناس جبناً وهلعاً من كل شئ ولا شئ وحقا من خاف الله أخاف منه كل شئ ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شئ كان في زيارة ذات مرة لإحدى المدارس فحركت الرياح الشديدة الأبواب فهب البطل الغازي من مكانه فزعاً وهو يقول :أليس هذا صوت رشاشة؟ فقالوا له إنه صوت الأبواب فلا يصدقهم حتى يقوم بنفسه ويتطلع من النافذة , ويحكي أحد جنرالاته وهو فوزي جاقماق في أحد الأيام وهم جلوس في مجلس الأمة الأعلى ظهرت عبر النافذة الخلفية للبناء سحابة كبيرة من الغبار كأنها صادرة من عشرات الألوف من الأقدام المسرعة وعندما رأى أتاتورك هذا المظهر تهيأ للهرب قائلاً : هذه جيوش الخليفة آتية , وفر سريعاً ثم ظهر بأنه لم يكن هنا سوى قطيع كبير من الغنم فأرسل خلفه لتأمين رجوعه .
كان أتاتورك من أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان في فندق 'بارك' وكنا المؤذن يؤذن في المسجد الصغير الكائن أمام الفندق مباشرة فيلتفت أتاتورك لمن حوله قائلاًَ : من قال بأننا مشهورون , وما شهرتنا نحن ؟ انظروا إلى هذا الرجل 'يعنى الرسول صلى الله عليه وسلم' وكيف أنه وضع اسماً وشهرة بحيث أن اسمه يتكرر في كل لحظة في جميع أنحاء العالم فلتهدم هذه المنارة !!
خاتمة السوء :
كان أتاتورك شديد الخوف على نفسه لذلك فقد أحاط نفسه بكبار الأطباء ومع ذلك لم يكتشفوا أنه كان مريضاً بالكبد حتى وصل لمرحلة التليف الذي أصابه بالاستسقاء واحتاج إلى سحب الماء من بطنه بالإبر ثم أصابه الله بمرض الزهري نتيجة شذوذه وفحشه الشهير وفي مرض موته ابتلاه الله بحشرات صغيرة حمراء لا ترى بالعين سببت له الحكة والهرش حتى أمام زواره من السفراء والكبراء حتى ظهرت على وجهه ويكتشف أن السبب وراء ذلك نوع من النمل الأحمر الذي لا يوجد إلا في الصين !! سبحان الله من الصين إلى تركيا ليذل الله عز وجل به هذا المجرم الهالك 'وما يعلم جنود ربك إلا هو' ويظل على عذابه من سنة 1356هـ حتى سنة 1358هـ حيث يهلك ويرحل إلى مزبلة التاريخ في 16 شعبان 1358هـ ويدور جدال حول الصلاة عليه فيرى رئيس الوزراء عدم الصلاة عليه ويصمم رئيس الجيش على ذلك فيصلي عليه من شرف الدين أ فندي مدير الأوقاف الذي كان أخبث وأسوء من أتاتورك نفسه 'وإذا كان الغراب دليل قوم .. فلا فلحوا ولا فلح الغراب' .وأغرب شئ عن هذا الهالك أنه قد أوصى ورشح سفير بريطانيا في تركيا ليخلفه في رئاسة تركيا ليثبت ولائه لأسياده الإنجليز حتى بعد موته ليؤكد على حقيقته بأنه عميل يهودي خائن جاء لتدمير الأمة الإسلامية وليكون قدوة لكل علماني عربي بعده .

الثلاثاء، 28 ديسمبر 2010

لتتبعن سنن من كان قبلكم

موقع صوت السلف
www.salafvoice.com

مذاهب فكرية في الميزان 21-محرم-1432هـ 27-ديسمبر-2010




لتتبعن سنن من كان قبلكم
كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كنت في زيارة دعوية لأمريكا منذ سبعة عشر عامًا تقريبًا في مثل هذه الأيام من السنة، فرأيت تمثال القس "نويل"، وهو شخصية وهمية يريد النصارى أن يعلق الأطفال قلوبهم بها كأن الهدايا تأتي من عنده.

رأيت هذه التماثيل على البيوت، والمحال التجارية، وهذا لا يستغرب من هؤلاء النصارى الذين قال الله -عز وجل- فيهم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (البقرة:113)، ولكن العجيب الغريب ما يحدث في بلاد المسلمين من تعليق هذه التماثيل القبيحة للقس "نويل" على المحلات التجارية التي يملكها مسلمون، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ). قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: (فَمَنْ؟) (متفق عليه)، فهذا علم من أعلام النبوة.

أين عزة الإسلام؟! أين الهوية الإسلامية؟! أين ما ينبغي أن يتربى عليه أطفال المسلمين وشبابهم من وجوب تعلق قلوبهم بالله -عز وجل-، واعتقاد أن النعم كلها من عن الله كما قال الله -تعالى-: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (النحل:53)؟!

وقد أعجبني تربية أحد إخواننا لابنه كلما أتى له بثوب جديد أو لعبة يقول له: "هذه من عند الله"! حتى يعلق قلب الطفل بالله -عز وجل-، ويطالب نفسه بواجب الشكر.

أحب أن أنبه أيضًا على أن الأعياد من شعائر الدين؛ فلا يجوز تهنئة اليهودي والنصراني بعيده؛ لأن هذا إقرار له على الباطل وتمييع لقضية التوحيد قال الله -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (آل عمران:19)، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)، فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله -عز وجل- للبشرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كما قال الله -تعالى-: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة:3).

رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عمر -رضي الله عنه- ورقة من التوراة فتمعر وجهه -صلى الله عليه وسلم- وقال: (أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلا أَنْ يَتَّبِعَنِي) (أخرجه أحمد، وحسنه الألباني).

وعيسى -عليه السلام- إذا نزل في آخر الزمان لا يتعبد بشريعته؛ لأن شريعته منسوخة، بل يتعبد بشريعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويصلي خلف المهدي ويقول: "إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ" (رواه مسلم).

فعلى المسلمين معرفة قدر دينهم وشرف نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (الأنبياء:10)، أي: فيه ارتفاع شأنكم وعزكم.

وقال عمر -رضي الله عنه-: "كنا أذل الناس فأعزنا الله برسوله -صلى الله عليه وسلم- فمهما طلبنا العزة بغيره أذلنا الله -عز وجل-".

نسأل الله -تعالى- أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.

www.salafvoice.com
موقع صوت السلف

أعياد الميلاد.. ( مناسك، وشعائر ) ولكل أمة منسك

أعياد الميلاد.. ( مناسك، وشعائر ) ولكل أمة منسك


أبو سارة


((... كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم، كنت أبعد عن أعمال أهل الجحيم،
وكنت أبعد عن عذاب الجحيم.. ))

قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال:
( ما هذان اليومان؟، قالوا:
كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله:
إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر) رواه أبو داود من حديث أنس في باب صلاة العيدين
---------
( مخالفة واجبة ومستحبة)...
التشبه بالكفار في الجملة منهي عنه، ومخالفتهم في هديهم أمر مشروع، إما على سبيل الوجوب أو الاستحباب..
فمثال الوجوب قوله: ( خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى) مسلم في الطهارة
ومثال الاستحباب قوله: ( خالفوا اليهود فإنهم لايصلون في نعالهم ولاخفافهم) أبو داود في الصلاة
فمخالفة الكفار وأهل الكتاب مقصودة لذاتها، والتشبه بهم محرم، سواء قصد المتشبه مشابهتهم أو لم يقصد..
يدل على هذا أن النبي نهاهم عن التشبه بالكفار في أمور كان المسلمون يفعلونها بغير قصد التشبه بهم كتطويل الشارب، وإنما كانت تفعل إلفا وعادة، لكنه نهاهم عن ذلك أيضا، ليمنع أي توافق بين المسلمين والمشركين ولو في الظاهر..
وفي ذلك حكمة لاتخفى...
فالموافقة في الظاهر تتعدى إلى الموافقة في الباطن..
------------------
( هدينا مخالف لهديهم)...
إن المخالفة تنقسم إلى قسمين:
مخالفة في أصل العمل، ومخالفة في صفتها..
- أما أصل العمل فمثل الأعياد.. فهذا ليس مشروعا لنا بحال أن نحتفل بأعيادهم..
- وأما الصفة، فإن من العبادات ماهو مشروع لنا ولهم مثل صيام عاشورا والصلاة والدفن، وهذا القسم وإن اتفقنا نحن وهم في أصل العبادة إلا أن الشرع أمرنا بمخالفتهم في صفتها، فأمرنا بصوم تاسوعاء أو اليوم الحادي عشر، وبتعجيل الفطر وتأخير السحور مخالفة لهم، والصلاة في النعال في بعض الأحيان، لأنهم لايفعلون ذلك، وسن لنا توجيه قبورنا إلى الكعبة، تمييزا لها عن مقابر الكافرين، وأن تكون لحدا لقوله: ( اللحد والشق لأهل الكتاب) رواه أحمد 4/362،363،
إن كل قواعد الشرع تؤكد ضرورة تعمد المسلمين مخالفة الكافرين في كل شيء تميزوا به في عاداتهم الخاصة، وفي عباداتهم الخاصة المخالفة آكد وأوجب، قال رسول الله:
(هدينا مخالف لهديهم) البيهقي باب الدفع من المزدلفة
طبعا لايدخل في هذا تقليدهم فيما فيه منفعة للبشرية، مما كان لهم سبق في تحقيقه كالعلوم والطب ونحوها، وإنما المقصود تقليدهم فيما تميزوا به في عوائدهم وعقائدهم التي لاتعود بالنفع على المقلد في دنياه، وتضره في أخراه، وتزيل العداوة بينه وبينهم، وتزرع المودة والولاء..
-----------
( الإبدال من الشيء يقضي بترك المبدل منه)...
إذا عرفنا هذا الأصل في مشابهتهم فنقول:
موافقتهم في أعيادهم لا تجوز من طريقين:
الطريق الأول: تحريم الشرع التشبه بأهل الكتاب..
قال رسول الله: ( من تشبه بقوم فهو منهم) أبوداود في اللباس في لبس الشهرة
وقال: (خالفوا المشركين)..
وقد قلنا إن الشرع يحرم موافقتهم فيما كان من عوائدهم، فكيف إذا كان من عباداتهم؟..
فالأمر أشد حرمة..
والطريق الثاني: ورود النصوص الخاصة في التأكيد على النهي عن موافقة الكافرين في أعيادهم..
فمن ذلك قوله تعالى: {والذين لايشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما} فعن مجاهد والربيع بن أنس وغيرهم من السلف: " هو أعياد المشركين" تفسير ابن كثير..
ومن الأدلة على النهي عن موافقة الكافرين في أعيادهم حديث أنس السابق:
( قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر)..
فإن هذين العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله ولاتركهم يلعبون فيهما، وأخبرهم بأن الله قد أبدلهم خيرا منهما، وهذا يعني صراحة عدم جواز الجمع بين عيد الإسلام وأعياد الكفار، إذ الإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، مثل حديث المقبور يقال له:
( أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به خيرا منه مقعدا في الجنة) البخاري الجنائز
فهذا قد أبدل مقعدا في الجنة بدلا من مقعد في النار، وكذا أبدل المسلمون بعيدين هما الفطر والأضحى بدلا من أعياد الجاهلية والكفار..
ومما يدل على هذا أن ذلك اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام، فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله ولا عهد الخلفاء، ولو لم يكن النهى عنه جازما لبقوا عليهما، فالعادات الراسخة مثل العيد الذي فيه فرح النفوس واللعب والأكل لاتزول بسهولة، وقد يعجز الحكماء والرؤساء عن نقل الناس عنها، لقوة تعلق القلوب بها، فلولا أنهم فهموا من النبي النهي عنها لكانت باقية، ولو على وجه ضعيف، فعلم من ذلك أن المانع والنهي شديد..
-------------
( العيد ... )
هذا والمحذور في أعياد أهل الكتاب أشد من المحذور في أعياد الجاهلية، لأن الأمة حذرت من مشابهة واليهود والنصارى، وأخبرت أن طائفة منها ستتبع أثرهم، بخلاف دين الجاهلية فإنه لا يعود إلا آخر الدهر، وجاء في الحديث أن رجلا أتى رسول الله فقال:
( إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟، قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟، قالوا: لا، قال: أوف بنذرك) أبو داود في الأيمان والنذور
فإذا كان الذبح لله وهو من أجل العبادات بمكان عيدهم منهيا عنه، فكيف بالموافقة في نفس العيد بتعظيمه والاحتفاء به؟..
والعيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، إما بعود السنة أو الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك، والعيد يجمع أمورا:
- منها: اليوم العائد، كيوم الفطر والأضحى والجمعة..
- ومنها: الاجتماع فيه..
- ومنها: أعمال تتبع ذلك، من العادات والعبادات، كصلاة العيد واللعب في ذلك اليوم، قال ابن عباس: (شهدت العيد مع رسول الله) أي الصلاة والاجتماع..
- وقد يختص العيد بمكان بعينه أو يكون مطلقا، كقوله: ( لا تتخذوا قبري عيدا)..
وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدا، فالعيد يكون للزمن الذي يعظم على الدوام، ويكون للمكان المعظم على الدوام كذلك، وما يكون في الزمان والمكان من العبادات كالصلاة والذبح والذكر ونحوها، والعادات كاللعب والأكل ونحوها، وتعظيم أي زمان أو مكان لم يعظمه الشارع فهو بدعة محرمة، والنبي لما سأل:
(هل كان فيها وثن أو عيد)
إنما كان المقصود في الماضي لا في وقت السؤال، فإن القصة كانت في حجة الوداع، وحينذاك لم يكن قد بقي للمشركين عيد، ثم مع ذلك حرمه، مع أن المكان لم يعد فيه وثن ولا عيد، سدا للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم أو إحيائها، فكيف بالمكان والزمان الذي لايزال يعظم من قبل أهل الكتاب ويتخذ عيدا؟..
فتعظيم المسلمين لها واتخاذها عيدا أعظم إثما لا ريب..
فإمام المتقين كان يمنع أمته منعا باتا قويا عن أعياد الكفار، ويسعى في دروسها، وطمسها بكل سبيل، بل ويسعى في تلقين أمته مخالفة أهل الكتاب في كثير من المباحات وصفات الطاعات، لئلا يكون ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزا ومانعا عن سائر أمورهم..
فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم، كنت أبعد عن أعمال أهل الجحيم، وكنت أبعد عن عذاب الجحيم، فليس بعد حرصه على أمته ونصحة لهم غاية، وكل ذلك من فضل الله عليه وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لايعلمون...
------------------
( هذا عيدنا...)..
قالت عائشة رضي الله عنها:
( دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قال: وليستا بمغنيتين، فقال أبوبكر أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله؟، وذلك يوم عيد، فقال: رسول الله: ( يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا) مسلم،
فقوله: (وهذا عيدنا) يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم، كما قال تعالى:
{لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}..
فإذا كان لليهود عيد وللنصارى عيد كانوا مختصين به فلا يجوز أن نشركهم فيه، كما لانشركهم في قبلتهم وشرعتهم، وكذلك لاندعهم يشركوننا في عيدنا، فإن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله عنها:
{ لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه}..
كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج..
فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر..
بل الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وكذلك قوله: (وهذا عيدنا) يقتضي حصر عيدنا في هذا فليس لنا عيد سواه..
وإذنه عليه الصلاة والسلام للصغيرتين بالغناء المباح الذي ليس فيه خنا ولامعازف، وإذنه باللعب للحبشة يدل على أن اللعب في أعياد المسلمين جائز، وأنه لايرخص في اللعب في أعياد الكفار، إذ لو ساغ ذلك لما قال:
(دعهما، فإن لكل قوم عيدا، وإن هذا عيدنا)..
وعليه فلا يجوز أن نفعل في أعياد أهل الكتاب ما نفعله في عيد المسلمين..
وقد كان أرض العرب فيها من يهود ونصارى حتى أجلاهم عمر بن الخطاب في خلافته عملا بوصية رسول الله بأن لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، وكانت لهم أعياد يتخذونها، ثم إن المسلمين ما كانوا يشركونهم في شيء من ذلك أبدا، ولايغيرون لهم عادة في أعياد الكافرين، وذلك لأنهم فهموا من دينهم منع ذلك، فالمقتضي قائم فلولا قوة المانع الشرعي لوجد الفعل..
وقد شرط عمر ـ واتفق الصحابة على ذلك ـ على أهل الذمة بعدم إظهار أعيادهم في دار الإسلام، وقال: "إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين في يوم عيدهم في كنائسهم"، عبدالرزاق في المصنف باب الصلاة في البيعة
وعنه قال: " اجتنبوا أعداء الله في عيدهم"، السنن الكبرى للبيهقي
وعن عبدالله بن عمر ومثله عن عبدالله بن عمرو: " من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك يحشر معهم يوم القيامة"، البيهقي..
فعمر ينهى عن الاجتماع بهم في عيدهم، فكيف بمن يعمل عيدهم؟..
ومعنى كونه يحشر معهم إما أنه يموت كافرا مثلهم وهذا الأقرب، ولا أقل من أنها كبيرة من الكبائر..
-------------
( السر في المنع)........
- إن السر في المنع من الموافقة للكفار في أعيادهم أن المشابهة تفضي إلى الكفر أو المعصية، وليس فيها أدنى مصلحة، فالموافقة توجب السرور والرضى بماهم عليه من الباطل، وهم يفعلون في أعيادهم المحرم والكفر والمباح، والموافق لهم في ذلك لايميز بين ذلك..
- ثم إن الموافقة تفضي إلى أن لايتميز المسلم عن الكافر، فإذا كان المسلم يفعل كما يفعل الكافر في دينه فأي ميزة تبقى له..
- ثم هذه الموافقة تفضي إلى المودة، والإنسان المتخذ أعياد الكفار عيدا له هو محب لهم لاريب أو على الأقل لايبغض دينهم، ولو كان مبغضا لهم حقيقة كما أمر الله لما وافقهم في شيء من ذلك..
إن الإنسان إذا عادى آخر لأجل دنيا، ترفع عن تقليده في أي شيء يختص به، فكيف بمن كان معاديا لله ولرسوله؟..
هذا أولى بالمعاداة والمخالفة لا الموافقة..
- والإنسان إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف همته ونهمته إلى المشروع، فإنه يعظم محبته له ويتم به دينه وإسلامه، ولذا تجد الذي يعتني بأعياد الكفار ويوافقهم فيها تقل رغبته في أعياد المسلمين، جاء في الأثر:
( ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها) رواه أحمد
فإذا كان الله تعالى قد أبدلنا يومين خيرا من سواهما من الأعياد، فإن استبدال هذا الخير بما سواهما شر، وضم سواهما إليهما كذلك شر، والقلوب تتشوق إلى العيد وتسر به، فإذا وجدت غذائها في غيره فترت عن عيد الله وزال ما كان فيها من المحبة والتعظيم، فينقص أجرها وتخسر خسرانا مبينا..
قال تعالى: { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ }.
(اقتضاء الصراط المستقيم 1/426ـ490)

وثائق (ويكيليكس) أين إسرائيل من المأدبة؟

وثائق (ويكيليكس) أين إسرائيل من المأدبة؟


ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 27 - 12 - 2010
نقلا عن : خالد الطراولي - المختار الإسلامي




بعضهم سمّاها 11 سبتمبر الإعلامية، والبعض اعتبرها منعرجاً خطيراً في الحركة الدبلوماسية بين الدول، آخرون رأوا فيها انتفاضة للحرية أمام الاستبداد والأبواب المغلقة، وهي بالتالي انتصار رهيب للإعلام الجديد أمام المتاريس والأجندات الخفية وتعاملات الكهوف والسراديب...ولكن...

لا يختلف اثنان بأن وثائق (ويكيليكس) قد مثّلت مفاجأة في أول قراءة لها؛ إذ بدا للعموم أن للدبلوماسية سننها وثناياها، وأن المخفي أكثر مما ظهر، وأن الكثير من المعلن يناقض صراحة كل ما حملته الحفلات واللقاءات تحت الأضواء المكشوفة.

اكتشفنا أن أحد الرؤساء العرب يهاب الطوابق الشاهقة والطيران فوق البحار! علمنا أن وزير دولة عربية طلب الاكتفاء بعدم قصف العدو لطائفته فقط أثناء العدوان، وآخر فرح لاغتيال أحد القيادات العليا.. عرفنا أن إيران هي العدو الرئيس عند بعض الحكام العرب، عرفنا أن الرئيس الفرنسي فضّل مشاركة بلاده للأمريكيين في العراق، وأن الوزير الأول الإيطالي صديق حميم لبوتين ولعله حليف...، وأن وزير الخارجية الروسي يكذب..، وأن المستشارة الألمانية تهاب المخاطر...، وأن الفساد والرشوة هي القاعدة السائدة في أفغانستان، وأن وجود الرجل النزيه عملة نادرة...


أسئلة محيّرة

ولكن أين إسرائيل من هذه التعرية التي دخلت البيوت من أبوابها الصغيرة والكبيرة، حتى عرفنا أن الرئيس الفرنسي الحالي عند استقباله للسفير الأمريكي انفلت كلبه الشخصي، وأسرع يطارد أرنب ابنه الصغير، فأصبح المشهد ساخراً.. رئيس الجمهورية يجري وراء الكلب، الذي يجري وراء الأرنب، الذي يجري هرباً برأسه... مذكرات حفظها قلم السفير ووثقها للبيت الأبيض! هذه التفاصيل الذي غاصت في كل صغيرة وكبيرة حتى إنها قاربت المائتين وسبعين ألف وثيقة، ولامست كل بلاد الدنيا، فأينما وجدت سفارة أمريكية وجدت وثائق واكتشافات، غير أن العجيب اختفاء إسرائيل من هذا الكم الهائل من المعلومات، وكأنها بلد بسيط مرمي في الصحراء، أو أنه لا توجد به سفارة للعم سام لقلة الزاد، أو أن المكشوف والمستور قد تساويا؛ فالديمقراطية الكاملة الجامعة قد مرت من هنا.. أليست إسرائيل هي الواحة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ولعله في كل هذا العالم الغاطس حد الرقبة في الاستبداد!

سؤال محير! لماذا غابت إسرائيل عن هذه المأدبة التي دُعي إليها الجميع كرها؟ المصداقية المفروضة لموقع (ويكيليكس) تأخذ نصيباً من الشك المعقول، وتطرح تساؤلات تبحث عن إجابات معقولة. أين مرت غزة وجحافل الموتى والجرحى، أيام وليال سوداء دخلت فيها الدبلوماسية والقتل والتشريد على الخط من كل المناطق وعبر الحدود؟ ما هي المواقف المستورة والمخفية لبعض الحكام وأصحاب القرار؟ لماذا تواصل كل هذا القصف وسكون الخارج تقابله ليال حمراء وصياح أطفال رضع... ؟! نعم لم نر إلى حد الآن تسريباً واحداً عن هذه الفترة السوداء من تاريخ العالم الذي سيكتبها يوماً بحبر أحمر من جمر.


أين مرت المفاوضات العديدة التي جمعت أطرافاً عدة بداية من عقد التسعينيات تخللتها انتفاضات وتقلبات وسقوط حكومات ودخول حركة حماس على الخط؟ أين مرّ استشهاد ياسر عرفات ومواقفه وأحواله في رام الله؟ لقد كانت وثائق السفير غائبة وقلمه السيال قد جفّ حين اقترب من هذه المواقع والمنازل!

أين صيف لبنان الحارق الذي كرس سطوة العنجهية والانفلات حيث دُكَّت بناه التحتية على مرمى ومسمع من الجميع؟ (1200) قتيل والعالم يعدّ القتلى والجرحى على ترانيم حزينة وفي غياب الموقف الحازم! محطة صعبة حملت الكثير من السفرات المكوكية والتنقلات ولا نظن أن المكشوف يساوي المحظور، فلماذا غاب المشهد كلية، وغابت معه الوثائق والمكاشفات؟

ولكن.. لعل هذا الغياب لإسرائيل في هذه الوثائق يعود ببساطة وأساساً لمطابقة المخفي مع المعلن، فلماذا تخفي إسرائيل أقوالها وأفعالها، فكل شيء تحت الأضواء وعلى المباشر، فممن الخوف والتورية؟ أمن نظام سياسي عربي مفقود، وحكام غائبين يتقاسمون إرث الحكم وهم "جمهوريون" أو يدنسون انتخابات، ويدّعون خلوّ الصناديق من الثقوب؟ أم الخوف من صديق أمريكي أصبح يعيش انحدار إمبراطوريته بخطا متسارعة، ويبحث عن الملاذ قبل أن يكون ملاذاً؟ أم من عالم أوروبي لا يجد له مكاناً في معادلة الشرق الأوسط، ويعيش أياماً صعبة لإنقاذ حلم بدأ يتوارى؟ فلِمَ الهلع والبحث عن مكاشفات، لعل ليس لها وجود أصلاً؟ فالمعلن يطابق المستور بكل عنجهية وقوة، ولكن...


من هنا مرّ العراق...

خوفي من أن هذه التعرية المبرمجة تدخل في خطة تماثل خططاً سابقة طرحت لتكوين رأي عام عالمي حول شأن معين، ولعل حجم التعرية وما لفته من اكتشافات دقيقة تمثل في الأغلب رأي الدبلوماسيين الأمريكيين فيما يجول حولهم من ممارسات وأحاديث، كل هذا يجعل من الشأن المطروح عالي المنزلة وضخم الخطورة، ولعله يمثل منعرجاً إستراتيجياً كبيراً من شأنه زعزعة المنازل والدرجات وقلب المعادلات وضرب المصالح!

خوفي أن هذه التسريبات تمثل الحلقة الأولى والضرورية لجمع دول العالم حول قرار لم يكسب حتى الآن شراكة الجميع وشرعيته الأممية، ويعطي للولايات المتحدة وإسرائيل تأشيرة ضرب إيران تحت مسوّغ الخطر العالمي الزاحف، فإخراج ورقة تواطؤ حكام الخليج ومساندتهم لضرب إيران، بل التشجيع والإسراع بهذا العمل، يجعل من هؤلاء في موقف صعب تجاه إيران والعالم، ويرمي بهم في أحضان الولايات المتحدة، حيث لم يعد لهم من صديق وحام، وحيث ظهرت إلى السطح إرادتهم ونواياهم التي لم تعد تخفى على الجانب الإيراني، فكل ما كان مستوراً حقيقة أو خيالاً والذي جعل الديبلوماسية أو النفاق السياسي يسيطر على الموقف، ويحمي ماء الوجه، ويؤخر قرارات لا تحبها الجماهير والشعوب على الضفتين، كل هذا قد أنهته التسريبات، وسقطت ورقة التوت، ورمت بالجميع على السطح، وقد افترشوا الأرض والتحفوا السماء!


لقد كان البحث عن مسوغ لضرب العراق طويلاً مبرمجاً وعلى نطاق عال من التنظيم والتحضير.. كان مساراً دقيقاً دخلت فيه البرمجات والإعلام والفضائيات والبث المباشر والخطب الرنانة..، دخلت على الخط حكومات ورؤساء وهيئات واستعراضات، حديث جاد ومخيف عن الكيمياويات العراقية ومنشآتها العملاقة وعلمائها وترساناتها وصواريخ مهيئة لضرب أوروبا، وتجارة اليورانيوم مع النيجر! وإذ كنا ناسين فلن ننسى الاستعراض المباشر في مجلس الأمن لوزير الخارجية الأمريكي السابق باول وهو يقلب بين يديه وأمام كاميرا العالم علبة كيمياوية قيل إنها وجدت في العراق...

كل هذا "العرس" العالمي والشطحات الدبلوماسية والتنقلات المكوكية مثل المسوّغ لتهيئة الرأي العام العالمي لضرب العراق، وقد أفلح القوم ودُكَّت أرض العراق ولا تزال، ولم تخرج بعد من غيابات هذا القرار الجائر. واليوم ولعله كالبارحة، ولكن اللقمة أصبحت أكبر ولم تعد سائغة، وما كل مرة تسلم الجرة؛ فالرأي العام العالمي أصبح متوجساً من كل فعل أمريكي، والأزمة العالمية مرت من هنا ولا تزال تلوح بمزيد من الضحايا، وأمريكا أوباما ليست كأمريكا بوش، وإن أصبحت المساحات تضيق والاختلاف يتوارى، وإيران ليست العراق، وحزب الله رقم يجب عدم تناسيه أو تهميشه، وأفغانستان لا تزال تعاني، وجيوش التحالف لم تخرج من المستنقع، والضحايا يتساقطون وجثامين العسكر تتلاحق على أرض المطارات والموانئ، وخزائن الدول لم تعد قادرة للاستجابة لهذا البئر بدون قاع، والشعوب الغربية أصبحت حائرة وخائفة على مستقبلها ومستقبل أبنائها، والجماهير العربية لعلها قد نهضت من غفوتها، والمستقبل يحمل كثيراً من الشكوك والضباب، كل هذه الأبعاد وهذه الثنايا تجعل من الضربة الإيرانية محطة صعبة وخطرة وتتطلب كثيراً من "الإبداع الديبلوماسي" والدهاء السياسي، ولعل تسريبات (ويكيليكس) تدخل من هذا الباب كورقة تهيئة وتحضير.


بعيداً عن نظرية المؤامرة ولكن...

لعل الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت على كل الأرصدة، سواء ما كانت تخفيه الأزمة الاقتصادية العالمية من تعقيدات وتحوّلات، أو ما يحمله الداخل الأوروبي من تداخلات وإفرازات على مستوى البنية الداخلية الأوروبية، ولكن هناك مفاجأة لعلها أنهت بريقها، وأصبحت حقيقة لا مجازاً بهذه التسريبات والمكاشفات، وهو ضرب إيران على ترانيم غياب إسرائيل المحير في هذا الكم الهائل من الوثائق المعلنة.

نعم لا نريد أن نحبك حديثنا بعقلية المؤامرة، فالكل يتآمر علينا وينسج خيط فعله ونظره من هذا الباب، تاريخنا مؤامرة، وحاضرنا مؤامرة، ولعل مستقبلنا مؤامرة، نعم لا نريد الإصغاء لهذا الغلوّ الذي ينفي عنا كل فعل وإرادة وعزم، نعم لا نسعى إلى تبني هذه النظرية السهلة التي تزيدنا غفوة ونوماً وشخيراً، وتمدّد حكم الاستبداد والاستخفاف و"الاستحمار"، ولكن معطيات كثيرة وحقائق بدأنا نلمسها عن قرب أصبحت تشكل توجّسنا وخوفنا من أن أجندات خفية ومعلنة تُحاك دون علمنا، نعم لنا النصيب الأكبر في مصائبنا، نعم أيدينا مخضبة بأفعالنا السيئة، نعم حكاماً ومحكومين نحمل سواسية أسباب عقمنا وسقوطنا ولكن..

للآخر نصيبه في نكبتنا، وللآخر أجنداته ومصالحه، وللآخر فعله ونظره، وإن كنا شاكين فلنشكُ قلة وعينا بأجندتنا إذا كانت لنا أجندة وإستراتيجية، وغيبوبتنا تجاه فقه أجندة الآخرين.

بتصرف