عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الخميس، 27 يناير 2011

فضل التوحيد والتحذير مما يضاده

فضل التوحيد والتحذير مما يضاده

دار القاسم



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله...

أخي في الله إليك كلمات موجزة عن فضل التوحيد والتحذير من ضده وما ينافيه من أنواع الشرك والبدع ما كان كبيراً أو صغيراً، إن التوحيد هو أول واجب دعا إليه الرسل، وهو أصل دعوتهم قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل:36] والتوحيد هو أعظم حق الله تعالى على عبيده ففي الصحيحين من حديث معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً» فمن حقق التوحيد دخل الجنة ومن فعل أو اعتقد ما ينافيه ويناقضه فهو من أهل النار ومن أجل التوحيد أمر الله الرسل بقتال أقوامهم حتى يعتقدوه قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا إله إلا الله» [متفق عليه]، وتحقيق التوحيد سبيل السعادة في الدنيا والآخرة. ومخالفته سبيل للشقأوة، وتحقيق التوحيد سبيل لاجتماع الأمة وتوحيد صفوفها وكلمتها والخلل في التوحيد سبب الفرقة والتشتت.

وأعلم أخي رحمني الله وإياك أنه ليس كل من قال لا إله إلا الله يكون موحداً بل لا بد من توفر شروط سبعة ذكرها أهل العلم:

1- العلم بمعناها والمراد منها نفياً وإثباتاً، فلا معبود بحق إلا الله تعالى.

2- اليقين بمدلولها يقيناً جازماً.

3- القبول لما تقتضيه هذه الكلمة بقلبه ولسانه.

4- الانقياد لما دلت عليه.

5- الصدق، فيقولها بلسانه ويوافق ذلك قلبه.

6- الإخلاص المنافي للرياء.

7- حب هذه الكلمة وما اقتضته.

أيها الأحبة في الله وكما يجب علينا تحقيق التوحيد وتوفير شروط لا إله الا الله، فيجب علينا أن نخاف من الشرك ونحذره بجميع أنواعه وأبوابه ومداخله أكبره وأصغره فإن أعظم الظلم الشرك، والله يغفر كل شئ إلا الشرك ومن وقع فيه فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء:48] وإليك يا أخي بعض ما ينافي التوحيد أو يخل به كما ذكرها أهل العلم لتكون على حذر منها:

1- لباس الحلقة والخيط أياً كان نوعها من صفر أو نحاس أو حديد أو جلد لرفع بلاء أو دفعه فهو من الشرك.

2- الرقى البدعية والتمائم، والرقى البدعية هي المشتملة على الطلاسم والكلام غير المفهوم والاستعانة بالجن في معرفة المرض أو فك السحر أو وضع التمائم وهو ما يعلق على الإنسان والحيوان من خيط أو ربطة سواء كان مكتوباً من الكلام البدعي الذي لم يرد في القرآن والسنة أو حتى الوارد فيهما – على الصحيح – لأنها من أسباب الشرك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى – أي الشركية – والتمائم والتولة شرك» [رواه احمد وأبو دأود].

ومن ذلك تعليق ورقة أو قطعة من النحاس أو الحديد في داخل السيارة فيها لفظ الجلالة أو آية الكرسي أو وضع مصحف في داخل السيارة واعتقاد أن ذلك يحفظها ويمنع عنها الشر من عين أو نحوها ومن ذلك وضع قطعة على شكل كف أو مرسوم فيها عين فلا يجوز وضعه حيث يعتقد فيه دفع العين قال صلى الله عليه وسلم: «من تعلق شئ وكل إليه» [رواه أحمد والترمذي والحاكم].

3- ومما يخل بالتوحيد التبرك بالأشخاص والتمسح بهم وطلب بركتهم أو التبرك بالأشجار والأحجار وغيرها وحتى الكعبة فلا تمسح بها تبركاً، قال عمر بن الخطاب ٍضي الله عنه وهو يقبل الحجر الأسود:" أني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ".

4- ومما ينافي التوحيد الذبح لغير الله كالأولياء والشياطين والجن لجلب نفعهم أو ضرهم فهذا من الشرك الأكبر، وكما لا يجوز الذبح لغير الله، لا يجوز الذبح في مكان يذبح فيه لغير الله ولو كان قصد الذابح أن يذبح لله عز وجل وذلك سداً لذريعة الشرك.

5- ومن ذلك النذر لغير الله فالنذر عبادة لا يجوز أن تصرف لغير الله سبحانه وتعالى.

6- ومن ذلك الاستعانة والاستعاذة بغير الله، قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: «وإذا استعنت فاستعن بالله وإذا سألت فسأل الله...» وبذلك نعلم المنع من دعاء الجن.

7- ومما يخل بالتوحيد الغلو بالأولياء والصالحين، ورفعهم عن منزلتهم وذلك بالغلو في تعظيمهم أو رفع منزلتهم إلى منزلة الرسل أو ظن العصمة فيهم.

8- ومما ينافي التوحيد الطواف بالقبور، فهو من الشرك، ولا يجوز الصلاة عند القبر لأنها وسيلة إلى الشرك فكيف بالصلاة لها وعبادتها والعياذ بالله؟!

9- ولحماية التوحيد جاء النهي عن البناء على القبور وجعل القباب والمساجد عليها وتجصيصها.

10- ومما ينافي التوحيد، السحر وإتيان السحرة والكهنة والمنجمين ونحوهم، فالسحرة كفار ولا يجوز الذهاب إليهم ولا يجوز سؤالهم، أو تصديقهم وإن تسموا بالأولياء والمشايخ ونحو ذلك.

11- مما يخل بالتوحيد الطيرة وهي التشائم بالطيور أو بيوم من الأيام أو بشهر أو بشخص، كل ذلك لا يجوز، فالطيرة شرك كما جاء بالحديث.

12- ومما يخل بالتوحيد التعلق بالأسباب كالطبيب والعلاج والوظيفة وغيرها وعدم التوكل على الله، والمشروع هو أن نبذل الأسباب كطلب العلاج والرزق ولكن مع تعلق القلب بالله لا بهذا السبب.

13- ومما يخل بالتوحيد التنجيم واستعمال النجوم في غير ما خلقت له، فلا تستخدم في معرفة المستقبل والغيب وكل هذا لا يجوز.

14- ومن ذلك الاستسقاء بالنجوم والأنواء والمواسم واعتقاد أن النجوم هي التي تقدم المطر أو تأخره، بل الذي ينزل المطر ويمنعه هو الله فقل: "مطرنا بفضل الله ورحمته".

15- ومما ينافي التوحيد صرف شئ من أنواع العبادة القلبية لغير الله مثل صرف المحبة المطلقة أو الخوف المطلق للمخلوقات.

16- ومما يخل بالتوحيد الأمن من مكر الله وعذابه أو القنوط من رحمة الله، فلا تأمن مكر الله ولا تقنط من رحمته، فكن بين الخوف والرجاء.

17- ومما يخل بالتوحيد عدم الصبر على أقدار الله والتجزع ومعارضة القدر بمثل قولهم "لماذا يا الله تفعل بي كذا أو بفلان كذا أو لماذا كل هذا يا الله". ونحو ذلك من النياحة، وشق الجيوب ونثر الشعر.

18- ومن ذلك الرياء والسمعة وأن يريد الإنسان بعمله الدنيا.

19- ومما ينافي التوحيد طاعة العلماء والأمراء وغيرهم في تحريم الحلال أو تحليل الحرام، فإن طاعتهم نوع من الشرك.

20- ومما يخل بالتوحيد قول "ما شاء الله وشئت" أو قول "لولا الله وفلان" أو "توكلت على الله وفلان" فالواجب استعمال "ثم" في جميع ما سبق لأمره صلى الله عليه وسلم: «أنهم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت» [رواه النسائي].

21- ومما يخل بالتوحيد سب الدهر والزمان والأيام والشهور.

22- ومما ينافي التوحيد، السخرية بالدين أو الرسل أو القرآن أو السنة، أو السخرية بأهل الصلاح والعلم، لما يحملونه من السنة وظهورها عليهم من إعفاء اللحية أو السواك أو تقصير الثوب عن الكعب، ونحو ذلك.

23- ومنها التسمية بـ "عبد النبي" أو "عبد الكعبة" أو "عبد الحسين" وكل هذا لا يجوز بل تكون العبودية لله وحده كقولنا "عبد الله" و "عبد الرحمن".

24- ومما يخل بالتوحيد تصوير ذوات الأرواح ثم تعظيم هذه الصورة وتعليقها على الجدار وفي المجالس وغير ذلك.

25- ومما ينافي التوحيد وضع الصلبان ورسمها أو تركها موجودة على اللباس إقراراً لها والواجب كسر الصليب أو طمسه.

26- ومما ينافي التوحيد موالاة الكفار والمنافقين بتعظيمهم واحترامهم وإطلاق لفظ "السيد" عليهم والحفأوة بهم ومودتهم.

27- ومما ينافي التوحيد ويناقضه، الحكم بغير ما أنزل الله وتنزيل القوأنين منزلة الشرع الحكيم، باعتقاد أحقية القانون في الحكم وأن القانون مثل الشرع أو أنه أحسن من الشرع وأنسب للزمن، ورضى الناس بذلك داخل في هذا الحكم.

28- مما يخل بالتوحيد الحلف بغير الله مثل الحلف بـ "النبي" أو "الأمانة" أو غير ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» [رواه الترمذي وحسنه].

وبعد أخي المسلم وكما يجب علينا أن نحقق التوحيد ونحذر مما يضاده وينافيه يجب علينا أيضاً أن نكون على منهج أهل السنة والجماعة "الفرقة الناجية" منهج سلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم في كل الجوأنب العقدية والسلوكية، فكما لأهل السنة منهج في العقيدة في باب الأسماء والصفات وغيره، كذلك لهم منهج في السلوك والأخلاق والتعامل والعبادات، وكل نواحي حياتهم، ولذلك لما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة سوف تفترق على ثلاث وسبعين فرقة قال: «كلها في النار إلا واحدة قيل من هم؟ قال: هم مثل ما أنا عليه الآن وأصحابي» فلم يقل هم من قال كذا أو فعل كذا... فقط، ولكن هم من وافقوا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة في كل شئ.

فيجب عليك أخي:

1- في باب الصفات، أن تصف الله عز وجل بما وصف به نفسه ووصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل... إذاً فلا نفي إلا ما نفى الله ولا تشبيه على حد قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].

2- أن القرآن كلام الله تعالى منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود.

3- الإيمان بما يكون بعد الموت من أحوال القبر وغيره.

4- الاعتقاد أن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

5- لا نكفر أحد بذنب دون الشرك ما لم يستحله، وأن فاعل الكبيرة إن تاب تاب الله عليه، وإن مات ولم يتب فهو تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ثم يدخله الجنة، وأنه لا يخلد في النار إلا من وقع في الكفر والشرك، وترك الصلاة من الكفر.

6- أهل السنة يحبون الصحابة ويعظموهم ويتولونهم كلهم، سواء أكانوا من أهل البيت أم من غيرهم من الصحابة، ولا يعتقدون عصمة أحد منهم، وأفضل الصحابة هم أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وأرضاهم، ويسكتون عما وقع بنيهم فكلهم مجتهدون، من أصاب له أجران ومن أخطاء فله أجر واحد.

7- وهم يؤمنون بكرامات الأولياء وهم المتقون الصالحون قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس:62-63].

8- وهم لا يرون الخروج على الإمام ما أقام فيهم الصلاة، ولم يروا كفراً بواحاً عندهم فيه من الله برهان.

9- وهم أيضاً، يؤمنون بالقدر خيره وشره بجميع مراتبه، ويعتقدون أن الإنسان مسير ومخير، فهم لم ينفوا القدر ولم ينفوا اختيار البشر، بل أثبتوهما جميعاً.

10- وهم يحبون الخير للناس، وهم خير الناس بل هم أعدل الناس للناس.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


موقع طريق الدعوة

ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه

ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من تساؤلات وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات بشأن الدعوة إلى "وحدة الأديان": دين الإسلام، ودين اليهود، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن والإنجيل في غلاف واحد إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يُعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب، وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي:

أولاً: فإن من أصول الإعتقاد في الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون، أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبق على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]، والإسلام بعد بعثة محمد هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان.

ثانياً: ومن أصول الإعتقاد في الإسلام أن كتاب الله تعالى "القرآن الكريم" هو آخر كتب الله نزولاً وعهداً برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أُنزل من قبل من التوراة والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب يتعبّد به سوى "القرآن الكريم" قال الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 48].

ثالثاً: يجب الإيمان بأن "التوراة" و"الإنجيل" قد نُسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل والزيادة والنقصان كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم، منها قول الله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ} [المائدة: 13]، وقوله جل وعلا: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79]، وقوله سبحانه: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 78].
ولهذا فما كان منها صحيحاً فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرّف أو مبدّل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال عليه الصلاة والسلام: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا إتباعي» [رواه أحمد والدارمي وغيرهما].

رابعاً: ومن أصول الإعتقاد في الإسلام أن نبينا ورسولنا محمد هو خاتم الأنبياء والمرسلين كما قال الله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]، فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان أحد من أنبياء الله ورسله حياً لما وسعه إلا اتباعه - وأنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك - كما قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:81]، ونبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعاً لمحمد وحاكماً بشريعته، وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157].
كما أن من أصول الإعتقاد في الإسلام أن بعثة محمد عامة للناس أجمعين قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28]، وقال سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} [الأعراف: 158] وغيرها من الآيات.

خامساً: ومن أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وتسمته كافراً، وأنه عدو لله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار كما قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 1]، وقال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 6] وغيرها من الآيات. وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أهل النار».
ولهذا: فمن لم يُكفّر اليهود والنصارى فهو كافر، طرداً لقاعدة الشريعة: "من لم يكفر الكافر فهو كافر".

سادساً: وأما هذه الأصول الإعتقادية والحقائق الشرعية فإن الدعوة إلى "وحدة الأديان" والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجرّ أهله إلى ردة شاملة، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} [البقرة: 217]، وقوله جل وعلا: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} [النساء: 89].

سابعاً: وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جل وتقدس يقول: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]، ويقول جل وعلا: {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36].

ثامناً: أن الدعوة إلى "وحدة الأديان" إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الإعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع.

تاسعاً: وتأسيساً على ما تقدم:
1- فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجييع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها والانتماء إلى محافلها.
2- لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيف مع القرآن في غلاف واحد! فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد، لما في ذلك من الجمع بين الحق "القرآن الكريم" والمحرف أو الحق المنسوخ "التوراة" و"الإنجيل".
3- كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة بناء مسجد وكنيسة ومعبد في مجمع واحد، لما في ذلك من الإعتراف بدين يُعبد الله به غير الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاث، لأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولا شك أن إقرار ذلك أو اعتقاده أو الرضا به كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين، واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله، تعالى الله عن ذلك. كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس "بيوت الله" وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله؛ لأنها عبادة غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، نعوذ بالله من الكفر وأهله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى [22/162]: "ليست، أي: البيع والكنائس، بيوت الله وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يذكر فيها، فالبيوت بمنزلة أهلها، وأهلها كفار، فهي بيوت عبادة الكفار".

عاشراً: ومما يجب أن يعلم أن دعوة الكفار بعامة وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن ذلك لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام ودخولهم فيه، أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بيّنة، قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عُرى الإسلام ومعاقد الإيمان فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون، والله المستعان على ما يصفون، قال تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49].

وإن اللجنة إذ تقرر ذلك وتبينه للناس فإنها توصي المسلمين بعامة وأهل العلم بخاصة بتقوى الله تعالى ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعاته، والكفر وأهله، وتحذرهم من هذه الدعوة الكفرية الضالة "وحدة الأديان" ومن الوقوع في حبائلها، ونعيذ بالله كل مسلم أن يكون سبباً في جلب هذه الضلالة إلى بلاد المسلمين وترويجها بينهم. نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا جميعاً من مضلات الفتن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، حماة للإسلام على هدى ونور من ربنا حتى نلقاه وهو راض عنا.

وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

المسجد والكنيسة

المسجد والكنيسة


حلمي القاعود
أضيفت بتاريخ : : 27 - 01 - 2011
نقلا عن : موقع المسلم



في سياق الحملة الهمجية التي تقوم بها كلاب الحراسة ضد الإسلام والمسلمين في مصر ، تنتهز أبواق النظام وخدامه من مسئولين وغيرهم فرصة الأحداث المؤسفة التي تجري في الوطن لاتهام الإسلام وشن الحملات على الأزهر وخطباء المساجد ، واتهام المسلمين عموما بالعنف والإرهاب وإهدار دماء الآخرين ، مع أنه إذا أخطأ فرد أو جماعة في مكان آخر فإن هذه الأبواق نفسها ترفع عقيرتها بالقول : لا تعمموا ، ولا تتهموا الناس جميعا ، بل إن الغرب الاستعماري الصليبي الذي يهرق دماء المسلمين في العديد من الدول على مدار الساعة ، ويسرق الثروات ، ويجند النخب الخائنة ، ويحارب الإسلام جهارا نهارا ، لا يستطيع الكتاب المسلمون أو المعنيون بالشأن الإسلامي عموما أن يتهموا الشعوب الأوربية جميعا أو الشعب الأميركي كله بالعدوانية والإجرام والتوحش . بل يقتصر الاتهام على الحكومات الاستعمارية وحدها .


ومع أن الكنيسة تظل مفتوحة على مدار اليوم والليلة ، ولا يستطيع جهاز الأمن أن يقترب منها أو يطأها بقدمه ، وبالطبع لا يقدر على رصد ما يقال فيها أو يجري على ألسنة قادة التمرد الطائفي من أساقفة ووعاظ حول النظام والسلطة والإسلام والمسلمين والضيافة واللغة العربية وتحريف القرآن وسيرة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم ، وخطة الدولة القبطية المطروحة للتداول والإعلان ، وجلسات الاستماع في الكونجرس الأميركي حول اضطهاد المسلمين للنصارى في مصر ، والمناهج التعليمية التي يجب إلغاء الإسلام منها تماما .. الخ . . فإن الحملة الإجرامية التي يشارك فيها الشيوعيون المتأمركون ومثقفو الحظيرة وكتاب الختان والعادة السرية ، فضلا عن كتاب السلطة من أهل الردح والشرشحة ، تتركز حول ضرورة إغلاق المساجد ، وتحريمها على المسلمين ومطاردة الخطباء ، والتحريض عليهم ، وتحريم تناولهم للقضايا التي تهم الإسلام والمسلمين .


فضيلة الجنرال الوزير يتقدم الصفوف ، ويسهم في حملة استئصال الإسلام على الطريقة التونسية التي ابتدعها الطاغية الهارب دون أن يتعظ أو يعتبر ، وعاونه في تنفيذها المجرمون المزورون اللصوص ، ومن ذلك مثلا أنه يطالب الأئمة بالابتعاد عن سياسة الترهيب والتخويف للمصلين، وعدم التحدث عن تارك الصلاة أو الغيبيات قائلا: "الحمد لله الكثير من الفضائيات إياها بدأ توقفها"، حيث إن بعض الدعاة بدءا يتحدثون على شاشات هذه الفضائيات وكأنه هو الموكل المفوض للتحدث باسم الله في كل شيء، ويظهر أنه أعلم العلماء في كل شيء. ويستطرد معاليه : "الله لم يوكل أحدا ليتحدث باسمه، ولا يجب أن نثقل على المواطن بالتحدث عن العذاب والغيبيات حتى لا نصيبه بالإحباط يكفيه همومه اليومية "، و يشير إلى أن التحدث عن الإسلام على أنه مجرد "صلاة وصوم وزكاة وحج" اختزال مخل بتعاليم الإسلام ، ثم يعرج فضيلته على تحديد النسل فيرى أن ما يسميه تنظيم النسل ليس تعليمات حكومية، ولكنه فهم للدين الإسلامي، وأن كل أسرة يكفيها طفلان صالحان، قائلا: "حيثما توجد المصلحة يكون شرع الله"، ويستشهد بالإمام الغزالي الذي قال: "إن المرأة إذا خافت على جمالها من كثرة حملها من حقها أن تكتفي بأولادها ولا تحمل مرة أخرى ..( اليوم السابع ، 23 أكتوبر 2010 ) ..


طبعا فإن معالي الوزير يتهم الخطباء والقنوات الإسلامية التي أغلقت ويجاهر بالشماتة فيها ، ويرى أن محنة مصر ليست في الاستبداد المجرم ولا تزوير الانتخابات ، ولا التمرد الطائفي الذي يقسم البلاد والعباد ، ولكن في حديث الخطباء بعيدا عما يرسمه لهم حول الختان والنقاب وتحديد النسل والدعاء للسلطان ، والاتحاد الاشتراكي ،وامتداح تزوير الانتخابات الذي جعله عضوا بمجلس الشورى ، وهو يحفظ جيدا حديث " ألا وشاهد الزور" المشهور .

فضيلة الوزير ليس وحده ، ولكن أولياء الكنيسة من كلاب الحراسة يواصلون العواء ليل نهار حول الاضطهاد والتمييز واحترام رموز التمرد الطائفي وشجب التظاهر ضدهم وما يسمى المواطنة.


وتأمل ما يقوله بعضهم حول المساجد تحريضا وبغضا ، وهو يعلم أن أهل المساجد هم الذين يدفعون له امتيازاته الحرام ، ويمنحونه سلطة الكلام ، يقول : " المصلون البسطاء لا يذهبون إلي المساجد وفي أذهانهم الخروج بعد الصلاة في مظاهرات ولكن هناك من يغذي فيهم روح الكراهية تجاه أخوة الوطن الواحد، هناك من يجتمع ومن يخطط لتحريك المجاميع، هناك من يسعي لصبغ المجال العام بأفكار سوداء كفيلة بإغراق الوطن وجرّه إلي حرب أهلية، وأذنابهم علي الإنترنت يحددون المسجد الذي سيشهد المظاهرة الجديدة، وهذا هو بالضبط ما نقصده بالتنظيم والتخطيط . إنهم يندسون بين الصفوف ويؤججون مشاعر الكراهية في نفوس المصلين، ويحرّكون الضمير الجمعي في محاولة لإظهار أن هذه هي الصورة الحقيقية للمسلمين ! " .

وهذا البوق المخبر يتجاهل أن رئيس دولة الكنيسة منح نفسه أن يكون فوق الدولة والنظام والسلطة ، وصنع سجونا يحبس فيها الأبرياء أيا كانت ديانتهم ، ورفض تنفيذ القانون ، بل تحدى الدولة علنا ببناء كنائس لا يصلي فيها أحد ولا يحتاجها أحد .. لو أن هذا البوق المخبر الشيوعي الحكومي لم يبع دينه منذ زمان بثمن بخس ما حرض على المساجد التي لا يملك المسلمون حق فتحها دقيقة زائدة عما يحدده فضيلة الوزير الذي صار عضوا نيابيا بالتزوير ! ولم يتعظ حتى الآن من أحداث تونس ، بل يسعي لتوحيد الخطب للدعاء فوق المنابر للسلطان وتحريم الانتحار ، وليس تحريم الاستبداد والفساد ونهب أموال البلاد والعباد !


إن الشيوعي الحكومي الذي كان معجبا بطاغية تونس الهارب ، لا يكتفي بما قاله سلفا ولكنه يضيف تحريضا آخر سافرا ، من أجل عيون دولة الكنيسة المتمردة ، الخارجة على الدولة والسلطة والمجتمع ، يقول فيه :

" لقد آن الأوان إلي أن تنتبه الدولة المصرية إلي خطورة ما يجري في المساجد ليس عن طريق تكديس عساكر الأمن المركزي أمام أبوابها ولكن عن طريق محاولة معرفة ما يجري بالداخل(؟!) ، وتأهيل أئمته وتنويرهم(؟!) وربطهم بواقعهم ،كما لا بد من إفساح المجال أمام المستنيرين (؟!) والعقلاء ليجابهوا قوي التطرف الوهابية علي الفضائيات والإنترنت، لأن التجربة أثبتت أن نشر الوعي وإعلاء قيمة الوطن في نفوس المواطنين أهم بكثير من استخدام القوة .. فهل ننتبه؟ " ..

شكرا يا مستنير !!


شيوعي حكومي آخر يسعي إلى الشهرة والحصول على مكان لدي السلطة البوليسية يطالب بإلغاء الإسلام كله من أجل عيون الست " مواطنة " التي حلت ببلاد المسلمين على غير موعد ، ولا نعرف من أي مكان وصلت ، وكأن المواطنة لا علاقة لها في عرف الشيوعيين الحكوميين بتعذيب المواطنين بل قتلهم أحيانا في أقسام الشرطة وغرف التحقيق . يرى صاحبنا أنه لابد من إصدار تعليمات حاسمة بمنع كل مظاهر التمييز الديني في المدرسة بتخصيص فصل دراسي للتلاميذ المسيحيين بحجة تسهيل حصة الدين، كما ينبغي منع النقاب في المدارس، فالمدرسة مؤسسة من مؤسسات المجال العام الذي يقوم على المعرفة وكشف الوجه وليس على استعراض الفتاوى المتشددة.(؟!) ، ولابد من عقاب كل من يتعمد من المعلمين التمييز بين الطلاب على أساس الدين.


أما عن المقررات الدراسية فهي تحتاج لتشكيل لجنة خاصة لمراجعتها وحذف كل ما يتعارض فيها مع المواطنة وهو كثير كثير، ومن هذا الكثير ما يراه صاحبنا الشيوعي الحكومي تدريس قوله تعالى : «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا» (سورة الأحزاب آية ٢١) أو أن يُطلب منهم تلاوة النص القرآني تلاوة صحيحة معبرة ، وليس من المواطنة أن نطلب من أبنائنا المسيحيين أن يحفظوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كُلٍّ خير» (صدق رسول الله) رواه مسلم.. الشيوعي الحكومي يريد أن نشطب الإسلام من أجل عيون المواطنة والكنيسة !

أرأيتم الفارق بين حظ المسجد وحظ الكنيسة في بلادنا ؟


26-01-2011 م

الأربعاء، 26 يناير 2011

تعظيم حرمات المسلمين

تعظيم حرمات المسلمين

كتبه/ حسام الأشقر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تبارك وتعالى-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ.. ) (الحج:30).

قال الليث: "حرمات الله ما لا يحل انتهاكها".

وقال الزجاج: "الحرمة ما وجب القيام به، وحرم التفريط فيه".

والله -عز وجل- يجعل حرمات لما شاء، ويعظم ويضاعف حرمة ما شاء، ومِن المعلوم أنه لا يستوي ما حرمَهُ الله من جهة واحدة، وما حرمَه من جهات متعددة.

فالجرم يعظم بتعدد جهات الانتهاك، ويعظم تبعًا لذلك الإثم ويتضاعف العقاب، فمثلاً: ظلم النفس بالمعاصي حرام في كل زمان ومكان، لكنه أشد إذا وقع في الأشهر الحرم؛ ولذلك قال -تعالى-: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة:36).

ومِن الحرمات التي عظمها الله -تبارك وتعالى- أشد تعظيم، ورفع قدرها وضاعف حُرمَتَها: "حرمة المسلم"، وإنك في هذا الزمان وللأسف لا تطالع أخبارًا أو تتابع الأحداث حتى تطلع على ما يضني الجبين، ويبكي الفؤاد مِن الاستهانة بحرمات المسلمين؛ سواءً بدمائهم أو أعراضهم أو أموالهم.

ولهذا أردنا أن نُذكِّرَ بعظيم حرمة المسلم، بلاغًا وأداءً للحق الواجب، وإقامة لحجة الله -عز وجل- وتذكرةً؛ عسى أن ينتبه الغافل، وقد قال -تعالى-: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات:55).

وبعد.. فأدلة الكتاب والسنة في بيان حرمة المسلم كثيرة مستفيضة، ولقد جمع -صلى الله عليه وسلم- لبيان مضاعفة وتغليظ -كل حرمة من حرماته- بين ثلاث مِن أعظم الحرمات في الإسلام، روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟). قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ. قَالَ: (فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟). قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ. قَالَ: (فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟). قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا). فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ. فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ".

ونظر ابن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- إلى الكعبة، فقال: "مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ" (رواه الترمذي بسند صحيح).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) (رواه مسلم).

ألا وإن أشد الحرمات حرمة الدم: قَالَ -صلى الله عليه وسلم- (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاء) (رواه البخاري ومسلم).

قال -تعالى- في جزاء قتْلِ المؤمن عمدًا: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء:93).

وغلّظ شأن قتل المؤمن خطأ فجعل فيه الكفارة والدية: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء:92).

وقال -تعالى- محذرًا التهاون في قتل مَن ألقى السلام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء:94)، وقال -تعالى-: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ) (الأنعام:151).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني).

وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وفي رواية عنه -رضي الله عنه- بسند صحيح: (وَلَو أَنَّ أَهْل سَمَاوَاتِه وَأَهْل أَرْضِهِ اشْتَرَكُوْا فِي دَم مُؤْمِنٍ لأََدْخَلَهُمُ الْلَّهُ الْنَّارَ).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً) (رواه أبو داود، وصححه الألباني). قال يحيى بن يحيى الغساني: "(فَاعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ) قال: الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي الْفِتْنَةِ، فَيَقْتُلُ أَحَدُهُمْ، فَيَرَى أَنَّهُ عَلَى هُدًى، لاَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. يَعْنِي مِنْ ذَلِكَ".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلاَّ مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) (رواه البخاري).

وحرَّم -سبحانه- أذية المؤمن وترويعه وسبابه، وتوعد من فعل ذلك ظلمًا وعدوانًا: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (الأحزاب:58)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور:19).

(إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات:10-12).

عن ابن عباس -رضي الله عنهما قال: مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرَيْنِ. فَقَالَ: (إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ) ثُمَّ قَالَ: (بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ.. ) (رواه البخاري ومسلم).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) (رواه أحمد وأبو داوود، وصححه الألباني).

وقال: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ) (رواه مسلم)، وقال: (لا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاحِ فَإِنَّهُ لا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ) (متفق عليه).

وقال: (إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْءٍ) (متفق عليه)، وقال: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا) (متفق عليه).

وقال: (يَا مَعْشَرَ مَنْ قَدْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ) (روه الترمذي، وصححه الألباني).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) (متفق عليه)، وقال: (وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ) (رواه البخاري).

وحرَّم -سبحانه- أكل مالِه وغصب شيء من حقه -ولو كان يسيرًا-: قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) (النساء:29)، وقال -تعالى-: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:188).

وقال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ). فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ) (رواه مسلم).

وقَالَ: (مَنْ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ)، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ) (رواه البخاري).

وقال: (لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ)‌ (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وقال: (مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) (رواه مسلم)، وقال (ومن غشنا فليس منّا) (رواه مسلم).

وقال: (حُرْمَةُ مالِ المُسْلِمِ كحُرْمَةِ دَمِهِ) (روه الطبراني وأبو نعيم في الحلية، وحسنه الألباني).

ومِن ثمَّ وصف رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- المسلمَ الحق، فقال: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِه وَيَدِهِ) (رواه البخاري ومسلم).

ونصح -صلى الله عليه وسلم- لكل مسلم؛ لئلا يبوء بإثم أخيه، فقال: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا) وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ (بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) (رواه مسلم).

وقال: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (متفق عليه).

وإذا كان الله -تبارك وتعالى- حرَّم الظلم عمومًا، ففي الحديث القدسي يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا) (رواه مسلم).

وحذر منه حتى مع الأعداء، قال -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه مسلم).

فإذا حرم الظلم لكل أحد؛ فأوجب وأحرى أن يكون الحذر مِن ظُلمِ مَن ضَاعَفَ الله حُرمَتَه، فليتق الله -عز وجل- كل مسلم من انتهاك حرمات المسلمين فضلاً عَن صالحيهم وعلمائهم، وليحذر من مكر الله -عز وجل-: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) (إبراهيم:42).

اللهم سلمنا وسلم منا، وأصلح أحوالنا، وأمِّن بلادنا وبلاد المسلمين.

وصلِّ اللهم وسلِّم على محمد، وآله وصحبه أجمعين.

salafvoice

الثلاثاء، 25 يناير 2011

التحريض على الصلاة !!

التحريض على الصلاة !!

ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 25 - 01 - 2011
نقلا عن : جمال سلطان - جريدة المصريين



من أبرز وجوه الانتفاضة التونسية المباركة أنها لم تكن ذات لون سياسي أو فكري أو عقائدي ، شعب قام من أجل الحرية والكرامة ، وهذا ما جعل الطاغية أكثر عجزا عن تصنيف الانتفاضة وإدانتها ، وكانت العادة تجري في العواصم العربية على تحميل التيار الإسلامي مسؤولية أي اضطرابات أو إثارة فيسارع النظام السياسي وإعلامه وأجهزته الأمنية إلى تحميل الإسلاميين المسؤولية ، ليسهل وأد الغضبة الشعبية ، لأن قوى دولية عديدة يطربها كثيرا قمع التيار الإسلامي بل قمع أي مظهر للتدين في العالم العربي على النحو الفضائحي الذي حدث بعد ذلك في الموقف من ظهور روح التدين في الشعب التونسي في أعقاب طرد الطاغية .


العواصم الغربية بالكامل ، لم يشغلها انتصار شعب ضد الطغيان ، وفرحة الملايين بكسر شوكة الاستبداد ، وبهجة مجتمع بانبلاج فجر الديمقراطية في بلاده ، وإنما فقط شغلهم صورة المواطنين التونسيين وهم يؤدون صلاة الجماعة في الشارع أو امتلاء المساجد في صلوات الجمعة ، بعد انكسار حاجز الخوف ، يا إلهي : الخوف من الصلاة ، العواصم الغربية رأت في مشهد الصلاة ما يؤرقها ويخيفها ، وبدأت حملة تشهير في دوائر إعلامية وبحثية تحذر من وصول نظام إسلامي متشدد في تونس يهدد أوربا ويصدر لها الإرهاب ، كل ذلك من أجل أن الشعب التونسي أصبح يصلي بلا خوف !!


الواقعة كشفت عن أن "الإسلامو فوبيا" ، أو الخوف المرضي من الإسلام ، ليست صناعة نظم ديكتاتورية محلية فقط ، وإنما هي صناعة غربية بالأساس وما الحديث عنها في عواصم العرب إلا "كورال" يردد النشيد وراء المنشد الأساس ، وأن مسألة مطاردة أي مظهر للتدين ، ومحاصرة الدين ، والتضييق على المساجد ، وتهميش الأحكام الشرعية ، والتنكيل بأي مؤسسة أو جماعة أو حزب أو تيار يكون له أي خلفية إسلامية ، ما هي إلا محاولات غزل غير نظيف ولا أخلاقي لتلك الدوائر الغربية الكارهة للإسلام وحضوره ، سواء كان حضورا سياسيا أو ثقافيا أو اجتماعيا أو حتى حضور شعائري مجرد .


المتصهين "دانيال بايبس" سارع فور نجاح الانتفاضة إلى كتابة مقالات للتحذير من راشد الغنوشي وحركة النهضة ، واعتبر رغبة الغنوشي في العودة إلى بلاده بعد طرده خارجها ظلما وقهرا أكثر من عشرين عاما مطلبا غير مشروع !! ، وأن عودة هذا اللاجئ إلى بلاده تعرض المصالح الغربية للخطر ، أي والله هكذا قال ، لأنه من الممكن أن يكون له تأثير على المصالح الغربية وتصدير الإرهاب إلى أوربا ، أي أن العقاب الذي تعرض له الغنوشي وآلاف الشباب الإسلامي في تونس كان بتحريض ودعم كامل من تلك الدوائر ، وأن أكثر ما يخيفهم ويزعجهم أن ينال المواطن التونسي المتدين حريته أو أن يعود إلى وطنه ، أو أن يكون له أي مشاركة في مستقبل بلاده .


والحقيقة أن الذين يخوفون من التيار الإسلامي هنا أو هناك ، يتجاهلون تطور البنية الثقافية والفكرية والسياسية للأجيال العربية الجديدة ، إسلامية أو غير إسلامية ، لم يعد هناك في تلك الأجيال من يقبل ديكتاتورية أيا كان ثوبها ، ولو أتى ديكتاتور بثياب دينية فإن أول من يتصدى له سيكون تيارات إسلامية ، وسوف يصطف الإسلاميون إلى جانب القوى الوطنية الأخرى من مختلف التيارات ضده ، الزمن تغير ، والأفكار تغيرت ، وخبرات الحياة تغيرت ، وأشواق الناس تغيرت ، كما أن الحديث عن تيار إسلامي بشكل تعميمي وجامد أصبح خرافة سياسية ، بل وخرافة اجتماعية أيضا ، لأن الإسلاميين الآن تيارات وقوى ومشارب وأفكار وتنويعات ، بعضها على يسار السلطة وبعضها على يمينها وبعضها في قلب السلطة وبعضها له رؤى اقتصادية لها ميول ليبرالية وبعضهم له رؤى اقتصادية ذات ميول أقرب إلى الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة ، وحتى على صعيد الفكر الديني نفسه ، هناك تباينات لا تخطئها العين بين تيارات إسلامية عديدة تصل إلى حد الخلافات الحادة والاتهامات .


فالحالة الإسلامية فضاء واسع يتنوع مع تنوع المجتمع كله بتوجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ومن يختصره في صورة واحدة ، فهو شديد السطحية ، وعلى القوى الوطنية في العالم العربي أن تتنبه إلى أن القلق الغربي من الحالة الإسلامية ليس مقصورا على تيار الإسلام السياسي إن صح التعبير ، وإنما هو كراهية وعدم قبول للإسلام نفسه ، حتى لو كان في صورة غطاء رأس فتاة لا شأن لها بأي سياسة ، أو شاب يواظب على الصلاة في المساجد أو عجوز يحرص على أن يأكل اللحم "الحلال"، إنهم لا يقبلون الإسلام بأبعاده الحضارية والقيمية والأخلاقية التي تتحدى سيادة نمط أخلاقي وقيمي غربي اختلط فيه الإرث المسيحي بنزعات الهيمنة والمركزية والاستعلاء العنصري ضد الآخرين ، لكنهم لا يجرؤون على البوح بتلك الحقيقة.

almesryoongamal@gmail.com

24-01-2011 م

السودان للأمريكان ولبنان لإيران!!

السودان للأمريكان ولبنان لإيران!!

ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 25 - 01 - 2011
نقلا عن : موقع المسلم



سعد الحريري حذرنا ها هنا مرات ومرات مما يحاك للبنان في سراديب قم لاختطافه من طابعه العربي واتخاذه رأس رمح لتشييد حلف للأقليات غير المسلمة في المنطقة لتوفير حماية استراتيجية للكيان اليهودي في فلسطين المحتلة، بتنسيق تام مع الصهاينة في تل أبيب وراعيهم في البيت الأبيض.

هذا المشروع الإجرامي يمتد من باكستان وأفغانستان ويشمل سلخ جنوب السودان لإنشاء دويلة كنسية متطرفة، وتحريض نصارى مصر لإضعاف دورها مع التخطيط لإقامة كيان صليبي آخر في الصعيد، يمزق مصر ويحاصر ما بقي من السودان المسلم.ومن محطات المؤامرة الشيطانية كذلك، تفكيك اليمن وإنعاش الرافضة الحوثيين لإشغال السعودية، مع تحريك أتباع الملالي في الكويت وسائر البلدان العربية الخليجية...


وبالنظر إلى حساسية الأوضاع في لبنان وطبيعة بنيته الفسيفسائية الطائفية، يجري تنفيذ المخطط بأسلوب أشد مكراً وأكثر هدوءاً ليتم الابتلاع على مراحل والهضم بالتدريج، ولا سيما أن شطراً من نصارى لبنان لا يوافقون الشطر الآخر منهم بزعامة ميشال عون على الانخراط في تحالف الأقليات، شعوراً منهم بأن مستقبل الأقليات يكون أفضل وأكثر عدالة مع أكثرية مواطني المنطقة، وأكثر واقعية على المدى البعيد.ويستدل العقلاء من نصارى لبنان بأن حال النصارى في العراق-على سبيل المثال-أصبح كارثياً منذ انتصار التحالف اليهودي الصليبي الصفوي، المؤسس والراعي لحلف الأقليات المذكور!!


في ضوء تلك المعطيات الملموسة فوق الأرض، يمكن تفسير الخطوات غير العسكرية الراهنة لأنصار طهران في لبنان، قياساً إلى هجومهم الهمجي الدموي على بيروت والحبل قبل عامين.

فالضغط السياسي والتلاعب بقواعد الدستور والقوانين السائدة في البلد أكثر ملاءمةً للظروف، وأفضل نتائج، وإن كانت أبطأ حركة وأطول زمناً.


وعندما لم تفلح المرحلة الأولى من الضغوط في إرغام سعد الحريري على التبرؤ من دماء أبيه، سرعان ما جاءت الخطوة اللاحقة باستقالة وزراء نصر الله ورديفه بري وصبيه عون من الحكومة لإخراج الحريري من رئاسة الحكومة، وإدخال لبنان في نفق أشد ظلمة من كل الظلمات التي سبق أن أولجوه فيها.فاستقالة الحكومة بهذه الطريقة الدستورية من جهة الشكل، تعني حتمية بدء رئيس الجمهورية إجراء مشاورات نيابية مُلْزِمَة لاختيار رئيس جديد للحكومة الجديدة.وبما أنهم لا يملكون الأكثرية النيابية الكافية لفرض مرشح سني من أزلامهم، وبما أنهم نجحوا –حتى اللحظة على الأقل-في ترهيب رئيس الجمهورية، مع انقلاب وليد جنبلاط إلى جانبهم-هناك من كان يشك في عدائه لهم من قبل وأن تأييده للحريري كان مخادعة-المهم أنه في ظل ذلك كله، فإنه يتعذر تكليف شخص غير سعد الحريري، الذي سيجد نفسه أمام خياراتٍ أحلاها حنظل شديد المرارة:فإما أن يرفض التكليف فيحمّلوه وزر جريمة الفراغ التي اقترفوها هم عن سابق عمد وتصميم، وإما أن يقبل فيعود رئيساً لحكومة تتحكم فيها الأقلية الصفوية الصليبية بدرجة أسوأ من المرحلة السابقة السيئة جملة وتفصيلاً!!

وبذلك تستمر حكومة تصريف الأعمال، لينال الحريري وفريقه الأوزار، لأن الحكومة بلا صلاحيات، في حين يمضي وزراء الأقليات في تسيير وزاراتهم بحسب ما يشتهون ووفقاً لأغراض سادتهم!!


والمضحك المبكي في الأمر، أن أبواق التضليل الصفوي ما زالت سادرة في غيّها، فهي تتهم الفريق الذي لم يستسلم لها الاستسلام المطلق الذي أرادته، بأنه فعل ذلك استجابة منه لإملاءات أمريكية، وما هذا الضباب المفضوح إلا محاولة فاشلة لستر تآمر القوم مع غلاة اليهود والصليبيين الجدد على لبنان والمنطقة العربية كلها!!على قاعدة:يكاد المريب يقول:خذوني!!


صحيح أن أوراق التوت قد سقطت عنهم وبات أهل المنطقة من المسلمين وقسط غير قليل من غيرهم –حتى عامتهم من غير المثقفين – باتوا يعرفون هؤلاء المنافقين على حقيقتهم، لكن مواصلة الدجل الإعلامي وكأن شيئاً لم يحصل وكأن الجميع ما زالوا مخدوعين بشعاراتهم الزائفة، هذه المواصلة أضحت ذات هدف واحد هو حماية صورتهم أمام أتباعهم المُخَدّرِين بأكاذيبهم التي هتك الله سترها وبخاصة بعد انكشاف دورهم العميل في احتلال الصليبيين لكل من العراق وأفغانستان ونكوصهم عن مساعدة أهل غزة ولو بصاروخ واحد!!


8/2/1432 هـ

المنتظرون في المسلخ

المنتظرون في المسلخ

بعد حادث الكنيسة الأخير طل علينا الجميع ليتحدث عن المؤامرة على مصر وخطط التقسيم إلى أربع أو ثلاث قطع لإسرائيل سيناء وتمتد إلى الدلتا، وللنصارى من أسيوط حتى الإسكندرية مرورا بالفيوم، وللنوبة قطعة من جنوب الشلال الأول وحتى داخل الأراضي السودانية ويحصر المسلمون في منطقة الدلتا شرق النيل إلى أسفل. وحسن جميل أن ننبه الناس؛ ولكن هل هذا اكتشاف؟ هذه المؤامرة موجودة منذ زمن منشورة ومقرؤوة منذ أكثر من عشرين عاما على الأقل وبنفس الصورة التي تحكى الآن، بما فيها مخطط تقسيم المملكة السعودية إلى خمس أو أربع دويلات. ولكننا نتحدث اليوم وكأننا أمام اكتشاف.

لمن يريد أن يتأكد وبصورة سهلة وسريعة ليس عليه إلا أن يكتب على محرك البحث برنارد لويس ثم يفتح صفحته في الموسوعة الحرة ويكيبيديا.

وقد ذكر هذا اليهودي في كتابه (الشرق الأوسط والغرب): إن التغريب في المنطقة العربية، أدى إلى تفكيكها وتجزئتها، وأن هذا التفكيك السياسي واكبه تفكيك اجتماعي وثقافي، والواقع أن إلحاق المنطقة العربية بالغرب لم يكن ممكناً إلا من طريق تفكيكها وتجزئتها، ولو أعطيت لأي سياسي في العالم، مسألة يسألونه فيها أن يسعى إلى إلحاق المنطقة العربية بالغرب، لما اختار غير الأسلوب الذي اختاره الغرب فعلاً، وهو تفكيك المنطقة بالفتن الطائفية، والتفتيت الاجتماعي والثقافي، وافتعال الخصومات والفروقات، وتوسيع مواطن الاختلاف والمبالغة في إبرازها.

وليس من شك في أن من يسعى إلى هذا، يحزنه مشهد السلام بين الطوائف، ويسعده اندلاع التقاتل بينها، ولعل من يستبعد دور الغرب في إشعال فتيل هذا التقاتل، هو واحد من اثنين خادع أو مخدوع. الجدير بالذكر أن كتابه هذا قد صدرت نسخته المترجمة عربيا في عام 1999م.

جنوب السودان : هل استقيظنا من النوم لنفاجأ بالاستفتاء على الانفصال، أم على الأقل كنا نعرف موعده من قبل سنوات ست حين عقد اتفاق نيفاشا، وأن مخططات الفصل كانت تفعل منذ ستنيات القرن الماضى على الأقل؛ إن لم نقل أنها منذ عهد حكومة بطرس باشا غالي صاحب محكمة دنشواي، والتي بدأت حين تخلى عن الأراضي المصرية التي كانت في أعالي النيل بأوغندا نعم في أوغندا، ثم ترك طواعية وبمحض إراداته إدارة السودان لبريطانيا التي عملت على فصل الجنوب.

الغرب منافق شرير غير شريف: ولهذا يكره المسلمون أمريكا، هل هذا يحتاج إلى زيادة شرح أو تأكيد؟

أمريكا التي ترعى دينها الوثني الذي تسمية الديموقراطية ما كان موقفها من تونس؟ أنشأت خارجيتها في تونس مركزا لدعم الديموقراطي وتفعيلها في الشرق الأوسط. فهل الديموقرطية التي يدعمونها هي ديموقراطية الدكتاتوريات، الأمر لايحتاج إلى كبير تعليق.

أمريكا: لأنها كانت تحتاج استقرارا في مصر لحين تمرير الاستفتاء السوداني، صمتت. ولما انتهت حاجتها بدأت تبث مناخ عدم الاستقرار. والذي بدأ بحادث الكنيسة. كما بدأت انجلترا في عام 1882م قبل احتلال مصر وكانت الحوادث بالإسكندرية أيضا.

فرنسا: ساركوزي الذي جاء يزني بعاشيقته في مصر، احتج وسيطر عليه الغضب من أجل حادثة الإسكندرية، جميل حسن قتل الأبرياء لا يصح، يعرض هذا العاهر على الرئيس التونسي مد يد المساعدة من أجل قمع الثورة سحق شعب بأكمله. فهل هذه هي المسيحية؟

الأمم المتحدة: في عام 1995م وقع تحت سمع وبصر أصحاب القبعات الزرقاء مذبحة سريبرنيتشا والتى تم فيها ذبح أكثر من ثمانية آلاف من المسلمين تحت مراقبتهم و حمايتهم وذلك على أيدي الصرب (النصارى الأرثوذكس) وعلى إثرها فر عشرات الآلف أليس هذا قتل دينى وتطهير عرقى؟ مع هذا لم يتم دفع تعويضات لأهالى المسلمين. الغرب كافر شرير ماكر منافق يكره المسلمين بدهية ما كنا بحاجة لسرد ما سبق، لو أننا نصدق كلام رب العالمين. ?ودوا لو تكفرون?،? لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم?،?يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل * والله أعلم بأعدائكم?.

باختصار هل آن الآوان لنكف عن النقاش في البديهات على أنها اكتشافات، أم أننا سنستهلك الوقت في الرصد والتحليل الشجب والاستنكار حتى تقع الواقعة.

روى لنا المؤرخون أن التتار حينما دخلوا بغداد كان التتاري إذ قابل في الطريق مسلما قال له : قف مكانك حتى اذهب لآتي بالسيف لأقتلك، فكان المسلم ينتظر مكانه جامدا حتى يعود له التتاري فيقتله. لا أظن ما نحن عليه الآن يختلف في شيء عن ذلك الحال، فمازلنا نرواح أماكنا منتظرين حدوث الحوادث، نتحدث عن المخططات دون أن نفكر في طرح رؤية استراتيجية لصد تلك الهجمات التتارية، سقطت أفغانستان فالعراق ثم السودان، ولا يوجد لدينا رؤية للمستقبل غير الانتظار.

والسبب الرئيسي في تلك الحالة التي وصلنا لها هي حالة الفراغ الناتج بسبب الفزع الذي يعيش فيه الجميع وبلا استثناء؛ فالرؤوس العليا تخشى من أمريكا والغرب فلن تقدم ولن تأخر وليس بيدها شيء تفعله سوى الانتظار. وما يطلق عليه بالنخبة المثقفة عادت ما تدري شيئا سوى مصالحها الضيقة فلا تملك أن تطرح حلولا ولا أن تقول شيئا سوى أن تمسك العصا من المنتصف في أحسن الأحوال. فضلا عن أن الكثيرين منهم قد انزلق في دنيا النفاق فصار بوقا للمال الطائفي حتى تراه يحرض على الإسلام ذاته؛ بل وعلى السلطة والنظام لصالح الطائفية. ورموز التغيير ما هم إلا صنائع غربية للقفز فوق لحظة غضب منفلت. وهكذا أصابت الأمة حالة من التشرذم، فلا أحد يثق في أحد.

وهنا تبدو الحاجة لإخراج أهل العلم الشرعي من كهوف التغيب ، ولا أظن أن المخلصين منهم يملكون فضيلة الصمت، وكما قال الإمام أحمد: إن سكت العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يظهر الحق. قال تعالى: ?وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه?.

فالعلم الشرعي يستدعي من أهله العمل والاحتساب والدعوة إلى الله تعالى؛ إذ أنهم في الحقيقة أصحاب الدعوة الإصلاحية قال تعالى: ? والذين يُمَسِّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين? فإن كان ذلك كذلك أسس ذلك العمل الرسالي لأصحابه سلطة روحية وأخلاقية، هي أقوى وأمتن من السلطة الزمنية في وقت الأزمات خاصة وأقدر على قيادة الجماهير قال تعالى : ?وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون?.

فطلاب العلم الشرعي بمختلف تخصصاتهم ووظائفهم ينبغي أن يكونوا هم العمود الفقري لمثقفي الأمة، يشكلون رؤاها على وفق طروحات الشرع وصياغة أهدفها الكبرى، وبهذا يتحقق التفرد والقيادة للأمة جميعها. ودون ذلك فالمجهول. ?وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم?.

الاثنين، 24 يناير 2011

أنا قروسطي.. ونص

أنا قروسطي.. ونص



عبد السلام البسيوني | 24-01-2011 00:31

نعم.. بكل اعتزاز أقر وأعترف أنا الموقع أعلاه – بل وأفخر - بأنني قروسطي ابن قروسطي، وأظن - وبعض الظن يقين - أن من ليس قروسطيًّا فهو بعيد عن العقل والرشاد، وربما كان منحرفًا عن سواء السبيل!

هل أنت قروسطي مثلي إذن قارئي العزيز؟ أرجو وأتمنى وأتوسل إليك - إن لم تكن - أن تكون؛ ضمانًا للسلامة، واجتنابًا للندامة!

لا يخفى على حضرتك بالتأكيد سيدي القارئ أن كلمة (قروسطي) منحوتة من لفظتي القرون الوسطى، لتشير إلى من عاشوا في هذا الزمن، أو إلى فكر هذه المساحة من التاريخ! وهي لفظة تطلق في العادة للتقبيح، والتهجين، ووسم المتصف بها بالتخلف، والظلامية، والجهل، والرجعية، وعداوة الحضارة وكل شيء جميل. وتطلق في العادة على الإسلاميين الذين ينادون بالحق والعدل، والحجاب والعفاف، والأخلاق والسلوك، بعد التوحيد والشرع! وآخر من استخدمها السيد الكبير والوزير السيادي أحمد أبو الغيط الذي وصف التيارات الإسلامية بأنها تريد أن تعيد مصر للعصور الوسطى، أثناء زيارته لابن علي دكتاتور تونس، عدو الإسلام والمسلمين! كما كتبت المصريون في صفحتها الأولى قبل أسبوعين ( 04-01-2011 )!

وليت مصر والأمة تعود لها!

ليت العالم الإسلامي يعود إلى مثل أمجاد عصوره القديمة، فقد كنا فيها العالم الأول، وكعبة الحضارة، وسادة الدنيا، وسدنة العلوم والفنون والآداب، وكانت أوربا المظلمة الظالمة كلها ترزح تحت وطآت قاتلات، وتنغمس في تخلف أسوأ كثيرًا مما تعيش أشد دول العالم تخلفًا في هذه الأيام! حيث أصيبت حضارة غربي أوروبا بالانحطاط مدة ألف سنة.. عشرة قرون كاملة – قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وحتى القرن الخامس عشر الميلادي - ولم يتبق من حضارة الرومان القدامى سوى ما كان في قلة قليلة من مدارس الأديرة والكاتدرائيات والبلاط والقصور الملكية. أما العلوم التي نقلت عن اليونانيين فكانت قد اندثرت تقريبًا. وكان الذين تلقوا علمًا فئة قليلة من الناس، كما ضاع الكثير من المهارات الفنية والتقنية القديمة، وأمسى العلماء في جهلهم، يتقبلون الحكايات الشعبية والشائعات على أنها حقائق، وفيها انتشرت الأوبئة، وتغولت الكنيسة، وتأله النبلاء، وسادت العبودية، وانتشر القمع، وقامت محارق للعلماء، وقووِم التجريب، وانتصبت مذابح جماعية للمسلمين خصوصًا في نهايات دولة الأندلس، ولم يكن هناك طب ولا علم ولا فكر، ولا رؤية، ولا حضارة، ولا كرامة، ولا قيمة إلا للنبلاء والكهان!

من ينكرون تاريخ الإسلام، ويعبدون أوربا من دون الله يلغون منجزات المسلمين الحضارية – بأشكالها كلها – ويرون أن العالم كله كان ظلامًا، فلم تقم حضارة مسلمة في الحجاز ومصر، ولا العراق والشام، ولا الأندلس وشمال أفريقية، ولا الصين والهند، ولا فارس وتركيا.. فكل ذلك لاغٍ مهدر منكر.. علشان عيون الخواجات، الذين نقلوا لمرضانا النخبويين (الحداسيين) هذا المرض، ولا يزالون يحملونه بين أحنائهم حتى يومنا هذا!

هل تعرف بن كنجزلي؟

السير بن كنجزلي ممثل بريطاني أصلع – داير ما يدور - ومن مواليد 1943، مثل أفلامًا عالمية كثيرة، وحصل على جائزة الأوسكار 1982 كأفضل ممثل عن دوره في فيلم غاندي، كما حصل بنفس الدور على جائزة جولدن جلوب 1983 وجائزة الأكاديمية البريطانية لفنون الفيلم والتلفزيون 1982. وحصل من ملكة بريطانيا على لقب سير، وهو لقب شرفي يناله من أنجزوا لبريطانيا إنجازات مميزة في المجالات المختلفة!

هذا الإنجليزي قدم فيلمًا قصيرًا ينتشر على اليوتيوب يصحح مفهوم القروسطية، رافضًا مقولة معالي الوزير أبو الغيط، من خلال مجموعة من التلاميذ في مدرسة ثانوية (بينهم فتاة محجبة) دخلوا مكتبة بعد أن قسمتهم معلمتهم إلى ثلاث مجموعات، تتناول كل منها حقبة من التاريخ تستعرض فيها الإنجازات والعطاءات البشرية الإبداعية، للإغريق، والرومان، والقروسطية..

ووقعت حقبة القرون الوسطى على مجموعة من التلاميذ لتكون لهم خيبةَ أمل، وصدمةً واستهم مدرِّستهم عند وقوعها عليهم، ذاكرة لهم أنهم لن يجدوا شيئا ذا بال في هذه الحقبة المظلمة السوداء (الثقب الأسود في التاريخ) التي عقمت فيها أوربا ودول العالم عن أن تفعل شيئًا ذا بال، وكانت فترة دمار وحروب، وخنق للعقل، وقتل للعلماء، ووأد للإبداع البشري!.

ومتبرمين غير مبالين دخل الطلاب المكتبة ليقابلوا شخصًا غامضًا، أمامه جهاز ميكانيكي قديم، ليؤكد لهم من البداية أنه لا توجد بالتاريخ حقبة بهذا الاسم المثير للشفقة، لافتًا عقولهم أنهم يجترون معلومات غير صحيحة، ثم أخذهم هذا الشخص الجاد الصارم إلى عالم (العصور الذهبية) من خلال كتاب سحري، انفتحت صفحاته عن علماء واختراعات وإنجازات هائلة للمسلمين، من إسبانيا للصين، أثرت على العالم الحديث، على يد علماء مثل الجزري، وابن الهيثم، وعباس بن فرناس، وأبي القاسم الزهراوي، ومريم الأسطرلابية، ناهيك عن علماء الأندلس والعالم الإسلامي الآخرين!

في هذه العصور المظلمة ظهرت العلوم التي بنت عليها أوربا حضارتها المعاصرة (كما قال كنجسلي) وبرزت أسماء لا تزال مرسومة على جدران الكنائس والرسوم الفنية، يعرفها كل متابع للفنون والحضارة.. وظهر علماء مؤسسون، موسوعيو الثقافة، شموليو النظرة!

أولئك آبائي:

ومن هؤلاء - في الفلسفة - ابن سينا وابن باجه وابن رشد وابن القف والإدريسي وابن التلميذ وابن صقلاب وابن النفيس والبغدادي وابن الخطيب وابن الهيثم وابن حزم والغزالي وكثيرون غيرهم..

وفي علوم الاجتماع والسياسة وأصول الحكم: برز ابن خلدون وابن باجه وابن الخطيب وابن زهر.. وظهر الجغرافيون الرحالة: الإدريسي والإصطخري والبتاني والحموي وابن بطوطة وابن جبير وابن خرداذبة وياقوت الحموي والقزويني واليعقوبي والمرزوقي وأحمد بن فضلان والحسن بن أحمد المهلبي ..

وفي علوم الطب والصيدلة ظهر ابن أبي أصيبعة وابن ربَّن الطبري وابن الصوري وأبو الحكم الدمشقي وابن الرحبي وابن العطار وأبو عثمان الدمشقي وابن البطريق وابن رشد وابن القس وأبو الفرج اليبرودي وابن بطلان وأبو الفضل الحارثي وابن البيطار وابن السراج وابن كشكاريا وأبو القاسم الزهراوي وابن التلميذ وابن سعد وابن ماسويه وأبو النصر التكريتي وابن توما وابن المجوسي والإدريسي وابن الجزار وابن سمجون وابن المقشر وابن جزلة وابن السمح وابن ملكا والبيروني وابن جلجل وابن مندويه وثابت بن قرة وابن الخطيب وابن الصباغ وابن مهند وأبو بكر الرازيوابن الخوام وابن صغير وابن النفيس وابن الخياط وابن الصلاح وابن الهيثم وموفق الدين عبد اللطيف البغدادي وغيرهم كثير..

ومن الرياضيين ظهر ابن باجه وابن الصفار وأبو الحسن بن العطار والبتاني وابن البرغوث وابن عراق وأبو الرشيد الرازي والبغدادي وابن البناء وابن اللجائي وأبو سهل الكوهي والبوزجاني وابن الخوام وابن المجدي وأبو الفضل الحارثي والبيروني وابن الخياط وابن مسعود وأبو القاسم الإنطاكي وثابت بن قرة وابن السمح وابن الهائم وأبو كامل الحاسب والخوارزمي وابن سمعون وابن الهيثم وأبو معشر البلخي والطوسي وابن سينا وأبو بكر بن أبي عيسى ومحمد بن السراج والمجريطي وابن الشاطر وأبو جعفر الخازن وعمر الخيام وابن حمزة المغربي وغيرهم كثير!

وفي الهندسة ابن البناء وابن المجدي وأبو القاسم الإنطاكي والبيروني وابن الخياط وابن الهيثم وأبو كامل الحاسب وثابت بن قرة وابن سفر وأبو بكر بن أبي عيسى وأبو معشر البلخي والخوارزمي وابن الصفار وأبو سهل القوهي والمجريطي وابن الصلاح وأبو الفضل الحارثي والبوزجاني.. وغيرهم كثير!

ومن الفلكيين سند بن علي وابن باجه وابن عراق وأبو الفضل الحارثي والبيروني وابن البرغوث وابن اللجائي وأبو كامل الحاسب وثابت بن قرة وابن البناء وابن المجدي وأبو معشر البلخي والخازن وابن الخياط وابن مسعود وأبو النصر التكريتي والخوارزمي وابن سمعون وأبو بكر بن أبي عيسى والإدريسي والطوسي وابن سينا وأبو جعفر الخازن والبتاني والقزويني وابن الشاطر والبغدادي والمجريطي وابن الصفار وأبو علي الخياط والبوزجاني والفرغاني والأخوة الثلاثة بنو موسى عبد الرحمن الصوفي وأبو سهل القوهي والبطروجي والزرقالي وغيرهم كثير.

ومن الزراعيين ابن البيطار وابن سيده وابن العوام وأبو الخير الإشبيلي وابن الخطيب وابن سينا وابن مهند والإدريسي وابن الرومية وابن الصوري وابن وحشية والدينوري وابن السراج وغيرهم كثير!

ومن علماء الحيل (الميكانيكا) ابن الرزاز والجزري والأخوة الثلاثة بنو موسى!

ومن الكيميائيين خالد بن يزيد بن معاوية وجابر بن حيان والطغرائي والجلدكي وأبو المنصور الموفق وغيرهم كثير!

ناهيك عن علوم اللغة والمنطق والفقه والتفسير والحديث وسائر علوم الشريعة!

ولم تبدأ أوربا في الإفاقة، ولملمة ما تناثر منها إلا بعد القرن الخامس عشر الميلادي، مع بدايات فترات التنوير والحداثة فيها!

فهل لا تزال هذه المساحة الزمنية مظلمة كما قال سيدنا أبو الغيط؟

الأحد، 23 يناير 2011

يا دعاة التوحيد والسنة: أنقذوا عقائد المسلمين

يا دعاة التوحيد والسنة: أنقذوا عقائد المسلمين

ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 23 - 01 - 2011
نقلا عن : إبراهيم عبد الفضيل - موقع الألوكة




الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، وبعدُ:

فهذه صرخةٌ أُوجِّهها إلى دعاة التوحيد والسُّنة في كل مكان، أنْ ينقذوا المسلمين؛ أن ينقذوا عقائِدَهم أن تُحرَّف، ودينَهم أن يُبدَّل!

فكُلُّنا يعلم أنَّ "قتْل الذمِّي والْمُعاهَد والْمُستأمَن حرامٌ، وقد وردَ الوعيد الشديد في ذلك؛ فقد روى البخاري في "صحيحه" (3166) عن عبدالله بن عَمْرو رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَن قتل نَفْسًا مُعاهدًا لَم يَرِحْ رائحة الجنَّة، وإنَّ ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا»، أورده البخاريُّ هكذا في كتاب الْجِزْية، (باب إثْم مَن قتل معاهدًا بغير جُرم).

وأورده في كتاب الدِّيات، في (باب إثْم من قتل ذمِّيًّا بغير جُرم)، ولفظه: «مَن قتل نَفْسًا معاهدًا لَم يرِحْ رائحة الجنة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا»، قال الْحافظ في "الفَتْح" (12/ 259): "كذا ترجم بالذمِّيِّ، وأورد الخبَر في الْمُعاهَد، وترجم في الجِزْية بلفظ: «مَن قتل معاهَدًا»، كما هو ظاهر الخبَر، والمراد به مَن له عهدٌ مع المسلمين، سواء كان بِعَقْد جزية، أو هُدنة من سلطانٍ، أو أمان من مُسْلم.

ورواه النَّسائي (4750) بلفظ: «مَن قتل قتيلاً من أهل الذِّمَّة لَم يَجِد ريح الجنَّة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا»، ورواه أيضًا (4749) بإسناد صحيحٍ عن رَجُل من أصحاب النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَن قتل رجلاً من أهل الذِّمَّة لَم يَجِد ريح الجنَّة، وإنَّ ريحها لَيُوجد من مسيرة سبعين عامًا»، وعن أبي بَكْرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَن قتل معاهدًا في غير كُنهه حرَّم الله عليه الجنَّة»؛ رواه أبو داود (2760)، والنسائي (4747) بإسناد صحيح، وزاد النَّسائي (4748): «أن يشَمَّ ريحها».

ومعنى «في غير كُنهه»؛ أيْ: في غَيْر وقته الذي يجوز قتْلُه فيه حين لا عَهْد له، قاله المنذريُّ في "الترغيب والترهيب" (2/ 635)، وقال: "ورواه ابن حِبَّان في "صحيحه"، ولفظه: «مَن قتل نفسًا معاهَدة بغير حقِّها لَم يَرِح رائحة الجنَّة، وإنَّ ريحَ الجنَّة لتوجد من مسيرة مائة عام»"، قال الألبانِيُّ: "صحيحٌ لغيره"[1].

كلُّ هذا معلومٌ لا ننكره ولا نُخالفه؛ بل ندعو إليه، وقد أفاض الناسُ بعد حادث الإسكندريَّة فيه، حتَّى الفسَقَة والمُجرمون، والرُّوَيبضة التَّافهون، الذين لا عِلْم لَهم بشرع أو دين.


ولكن...

أن يُرفع الصَّليب وقد أُمِرْنا بِطَمْسِه، أن يُوالَى أعداء الله وقد أُمرنا بِمُعاداتِهم، أن يُدعى إلى اتِّحاد أهْلِ الصليب مع أهل "لا إله إلا الله مُحمَّد رسول الله"، وأن تَجرَّ العاطفةُ الناسَ أن يُطْلقوا على قَتْلى النَّصارى لفظ الشُّهداء... فهذا كارثة الدَّهر، وقاصمة الظَّهر، والكَسْر الذي لا ينجَبِر!
وَكُلُّ كَسْرٍ لَعَلَّ اللَّهَ جَابِرُهُ
وَمَا لِكَسْرِ قَنَاةِ الدِّينِ جُبْرَانُ


قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].

وقال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 55 - 57].

وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].

وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73].

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ألاَ لا يَدْخل الْجنَّة إلا نفْسٌ مُسْلمة، اللَّهم هل بلَّغْت؟ اللهم اشْهَد» (رواه مسلم).

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «والذي نفْسُ مُحمَّد بيده، لا يَسمع بِي أحَدٌ من هذه الأُمَّة يهوديٌّ، ولا نَصْراني، ثُم يَمُوت ولَم يؤمن بالذي أُرْسِلت به، إلاَّ كان من أصحاب النار» (رواه مسلم).

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «والذي نفسي بيده، لَيُوشكنَّ أن يَنْزِل فيكم ابنُ مريم حكَمًا مقْسِطًا، فيَكْسر الصَّليب، ويقتل الخِنْزير، ويَضَع الْجِزية، ويَفِيض المال حتَّى لا يَقْبَله أحدٌ» (متَّفق عليه).

وعن عمران بن حِطَّان أنَّ عائشة رضي الله عنها حدَّثتْه أنَّ النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "لَم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلاَّ نقَضَه" (رواه البخاري).
فَجَائِعُ الدَّهْرِ أَنْوَاعٌ مُنَوَّعَةٌ
وَلِلزَّمَانِ مَسَرَّاتٌ وَأَحْزَانُ
وَلِلْحَوَادِثِ سُلْوَانٌ يُسَهِّلُهَا
وَمَا لِمَا حَلَّ بِالإِسْلاَمِ سُلْوَانُ


وننقل هنا قول أحدِ العلماء الربَّانيين، فما أحوجنا إلى أمثاله وقد عزَّ النَّصير، وقلَّ الظهير، وحَسْبنا الله ونِعْم الوكيل!

يقول فضيلة الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله في "الإبْطَال لنظريَّة الْخَلْط بين دين الإسلام وغيره من الأديان":

• يجب على المسلمين: الكفْرُ بِهذه النَّظرية: "وَحْدة كلِّ دين مُحرَّف منسوخٍ مع دين الإسلام الحقِّ المُحْكَم المَحْفوظ من التحريف والتبديل، النَّاسخ لِما قبْلَه"، وهذا من بدَهيَّات الاعتقاد والمسلَّمات في الإسلام.

وأنَّ الدعوة إلى هذه النظرية: كُفْر، ونفاق، ومُشاقَّة وشقاقٌ، وعمَلٌ على إخراج المسلمين من الإسلام.

وأنَّ حال الدُّعاة إليها من اليهود والنَّصارى مع المسلمين هي كما قال الله تعالى: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران: 119].

ويَجِب على أهل الأرضِ اعتقادُ توَحُّد الْمِلَّة والدِّين في دعوة جميع الأنبياء والْمُرسَلين: في التَّوحيد، والنُّبوات، والْمَعاد، كما مضى التَّقرير مُفَصَّلاً، وأنَّ هذا الأصل العقَدِيَّ لَم يَسْلَم إلاَّ لأهل الإسلام، وأنَّ اليهود والنَّصارى ناقضون له، مُتَناقضون فيه، لا سيَّما في الإيمان بالله، وكتبه، ورسله.


• ويجب على أهل الأرض: اعتقادُ تعدُّد الشرائع وتنوُّعِها، وأنَّ شريعة الإسلام هي خاتِمَة الشَّرائع، ناسخةٌ لكلِّ شريعةٍ قبْلَها، فلا يَجوز لِبَشر من أفراد الْخَلائق أن يتعبَّد الله بشريعةٍ غيْر شريعة الإسلام.


وإنَّ هذا الأصل لَم يَسْلم لأحدٍ إلاَّ لأهل الإسلام، فأُمَّة الغضَب -اليهود- كافرون بِهذا الأصل؛ لعدم إيمانِهم بشريعة عيسى عليه السَّلام ولعدم إيمانِهم بشريعة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم.

وأُمَّة الضلال: النَّصارى، كافرون بِهذا الأصل؛ لعدم إيمانِهم بِمُحمد صلَّى الله عليه وسلَّم وبشريعته، وبعموم رسالته.

والأُمَّتان كافرتان بذلك، وبعدم إيمانِهم بِمُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ومتابعته في شريعته، وتَرْك ما سواها، وبعدم إيمانِهم بِنَسْخ شريعة الإسلام لِما قبلها من الشَّرائع، وبعدم إيمانِهم بما جاء به من القرآن العظيم، وأنَّه ناسِخٌ لِما قبله من الكتب والصُّحف.

{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].

• ويَجِب على جَميع أهل الأرض من الكِتَابيِّين وغيْرِهم: الدُّخولُ في الإسلام بالشَّهادتين، والإيمان بِما جاء في الإسلام جُملةً وتفصيلاً، والعملُ به، واتِّباعه، وترْكُ ما سواه من الشَّرائع المُحرَّفة والكتب الْمَنسوبة إليها، وأنَّ من لَم يدخل في الإسلام فهو كافر مُشْرك، كما قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران: 70].


• يجب على أمَّة الإسلام: "أُمَّةِ الاستجابة"، "أهْلِ القبلة": اعتِقادُ أنَّهم على الحقِّ وحْدَهم في: "الإسلام الحقِّ" وأنَّه آخِرُ الأديان، وكتابه القرآن آخِرُ الكتب، ومُهَيمِنٌ عليها، ورسوله آخِرُ الرُّسل وخاتمهم، وشريعته ناسخةٌ لِشَرائعهم، ولا يَقْبل الله من عبدٍ دينًا سواه، فالْمُسلمون حَمَلةُ شريعةٍ إلَهيَّة خاتمة، خالِدَة، سالِمَة من الانْحِراف الذي أصاب أتباع الشَّرائع السابقة، ومن التحريف الذي داخلَ التَّوراةَ والإنجيل؛ مِمَّا ترتَّب عليه تحريفُ الشَّريعتين المنسوختَيْن: اليهوديَّة والنصرانية.

• ويجب على "أُمَّة الاستجابة" لِهذا الدِّين إبلاغُه إلى "أُمَّة الدعوة" من كلِّ كافرٍ؛ من يهودٍ ونصارى، وغيرهم، وأن يَدْعُوَهم إليه، حتَّى يُسْلِموا، ومن لم يُسْلم فالْجِزية أو القتال.

قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].


• ويَجِب على كلِّ مسلمٍ يُؤْمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبِمُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم نبيًّا ورسولاً: أن يَدِين الله تعالى بِبُغضِ الكُفَّار من اليهود والنَّصارى، وغيرهم، ومُعاداتِهم في الله تعالى وعدم مَحبَّتِهم، ومودَّتِهم، وموالاتِهم، وتوَلِّيهم، حتَّى يُؤْمِنوا بالله وحْدَه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم نبيًّا رسولاً.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]، والآيات في هذا الْمَعنى كثيرة.

ولِهذا صار من آثار قَطْع الْمُوالاة بيننا وبينهم، أنَّه لا تَوارُثَ بيْن مسلمٍ وكافر أبدًا.

• يجب على كلِّ مسلم اعتقادُ كفْرِ مَن لَم يدخل في هذا الإسلام من اليهود والنَّصارى وغيرهم، وتسميته كافِرًا، وأنه عدوٌّ لنا، وأنَّه من أهل النار.

قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158].

وفي "صحيح مُسْلِم" أنَّ النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «والذي نفسي بيده، لا يَسْمع بِي أحَدٌ من هذه الأُمَّة، يهودي، ولا نصراني، ثُم يموت ولَم يؤمن بالذي أُرْسِلت به إلاَّ كان من أهل النَّار».

ولِهَذا؛ فمَن لَم يكفِّر اليهود والنَّصارى فهو كافرٌ، طردًا لقاعدة الشريعة: "مَن لَم يُكَفِّر الكافرَ فهو كافر"، ونَقول لأهل الكتاب كما قال الله تعالى: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} [النساء: 171].


• ولا يجوز لأحدٍ مِن أهْلِ الأرض اليومَ أن يبقى على أيٍّ من الشَّريعتين: "اليهوديَّة والنصرانيَّة" فضلاً عن الدُّخول في إحداهما، ولا يَجُوز لِمُتَّبع أي دينٍ غير الإسلام وصْفُهُ بأنه مُسْلم، أو أنه على مِلَّة إبراهيم؛ لِما يأتي:

1- لأنَّ ما كان فيهما -أيِ: اليهوديَّة والنَّصْرانية- مِن شَرْع صحيحٍ فهو مَنْسوخٌ بِشَريعة الإسلام، فلا يَقْبل الله من عبدٍ أن يتعبَّدَه بشرعٍ مَنْسوخ.

2- ولأنَّ ما كان منسوبًا إليهما من شرْعٍ مُحرَّف مبدَّل، فتحرم نِسْبتُه إليهما، فضلاً عن أن يجوز لأحدٍ اتِّباعُه، أو أن يكون دينَ أحَدٍ من الأنبياء؛ لا موسى، ولا عيسى، ولا غيْرِهِما.

3- ولأن كلَّ عبدٍ مأمورٌ بأن يتَّبِع الدين الناسخ لِما قبله، وهو بعد مَبْعَث محمد صلَّى الله عليه وسلَّم دين الإسلام الذي جاء به، بعبادة الله وَحْدَه لا شريك له، وتوحيده بالعبادة، فمن كان كذلك كان عبدًا حنيفًا، مُسْلِمًا، على ملَّة إبراهيم، ومن لم يؤمن بِجَميع الأنبياء والمرسلين، ويَخُصَّ نبيَّه ورسولَه محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم بالاتِّباع دون سواه، فلا يَجُوز وصْفُه بأنَّه حنيفٌ، ولا مسلمٌ، ولا على ملَّة إبراهيم، بل هو كافِرٌ في مُشاقَّة وشقاق.


قال الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 135 - 137].

فبطَلَتْ بِهَذه نظريَّةُ الْخَلط بين دين الإسلام الحقِّ، وبين غيره من الشَّرائع الدَّائرة بين التَّحريف والنَّسْخ، وأنَّه لَم يبْقَ إلاَّ الإسلام وحْدَه، والقرآن وحده، وأنَّ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم لا نَبِيَّ بعده، وأنَّ شريعته ناسِخَةٌ لِمَا قبْلَه، ولا يجوز اتِّباع أحَدٍ سواه.

• وأنَّه لا يجوز لِمُسلمٍ طباعةُ التَّوراة، والإنجيل، وتوزيعهما، ونَشْرهما، وأنَّ نظريَّة طبْعِهِما مع القرآن الكريم في غلافٍ واحدٍ، من الضَّلال البعيد، والكُفْر العظيم؛ لِما فيها من الجمع بين الحقِّ: "القرآن الكريم" والباطل: في التَّوراة والإنجيل من التَّحريف والتبديل، وأنَّ ما فيهما من حقٍّ فهو مَنْسوخ.

• وأنه لا تَجُوز الاستجابةُ لدعوتِهم ببناء "مسجدٍ، وكنيسة، ومَعْبَد"[2] في مَجْمع واحدٍ؛ لِما فيها من الدَّيْنونة والاعتراف بدينٍ يُعْبَد الله به سِوَى الإسلام، وإخفاء ظهوره على الدِّين كُلِّه، ودعوة مادِّية إلى أنَّ الأديان ثلاثةٌ، على أهل الأرض التديُّن بأيٍّ منها، وأنَّها على قَدَم التَّساوي، وأن الإسلام غيْرُ ناسخٍ لِما قبْلَه، وهذه المردودات السَّالبة فيها من الكفر والضَّلال ما لا يَخْفى، فعلى المسلمين بعامَّة، ومن بَسَط الله يدَه عليهم بِخاصَّة، الحذَرُ الشَّديد، من مقاصد الكَفَرة من اليهود والنَّصارى في إضلال الْمُسلمين، والكيد لَهم؛ فإنَّ بيوت الله في أرضِ الله هي: "المساجد" وحْدَها: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29].

وهذه الْمَساجد من شعائر الإسلام، فواجبٌ تعظيمُها، ورعايةُ حرمَتِها، وعمارَتُها، ومِن تعظيمها ورعايتها عدَمُ الرِّضا بِحُلول كنائس الكفَرة، ومعابدهم في حرَمِها، وفي جوارِها، وعدم إقرار إنشائها في بلاد الإسلام، ورَفْض مساجد المضارَّة بالإسلام، والضِّرار بالمسلمين في بلاد الكافرين.

فإن "المسجد"، والحالُ هذه، مسجدُ مُضَارَّة للإسلام، ولا يجوز إقرارُه، ولا التبَرُّع بِمالٍ أو جهد لبنائه، ولا الصَّلاة فيه، ويجب على مَن بسط اللهُ يدَه من وُلاة المسلمين هدْمُ هذا المَجْمع، فضلاً عن السُّكوت عنه، أو المشاركة فيه، أو السَّماح به، وإن كان -والحالُ ما ذُكِر- في بلاد كُفْر، وجب إعلان عدم الرِّضا به، والمطالبة بِهَدْمه، والدَّعوة إلى هجره.


وانظر: كيف تشابَهتْ أعمالُ المنافقين ومقاصِدُهم في قديم الدَّهر وحديثه؛ إذْ بنَى الْمُنافقون مسجدًا ضرارًا بالمؤمنين، أمَّا عمَلُهم اليوم، فهو: أشدُّ ضرارًا بالإيمان، والمؤمنين، والإسلام والمسلمين، وقد أنزل الله سبحانه قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة، فقال الحكيم الخبير سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ . أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 107 - 110]" [3].

ولنا هنا سؤال: لماذا المبادرة باتهام المسلمين؟ لماذا اندفع وجهاء القوم جميعًا والإعلام المرجف إلى اتهام الإسلام وإلصاق التهمة به قبل أن يعرف المحققون هُوية الفاعل؟ هل لزامًا أن يكون مسلمًا سنيًّا؟ لماذا لا يكون نصرانيًّا له عند الكنيسة ثأر؟ لماذا لا يكون النصارى أنفسهم هم فاعليها؛ كورقة ضغط على الدولة لتحقيق مكاسب سياسية دنيئة، والغاية -عند مكيافلي وأتباعه- تبرر الوسيلة، فيضحَّى ببعض النصارى من أجل مصالح بقية رعايا الكنيسة؛ من أجل الوصول إلى هدفهم الأعلى: إنشاء دولة نصرانية مستقلة على أرض مصر؟! ولا يبعد أن يكون للصهاينة أيادٍ خفية؛ لإشغال مصر عن قضية تقسيم السودان -كما أشار بعض الباحثين- ولا يخفى كذلك دورُ أقباط المهجر، وقد يكون ذلك بالتعاون بينهما؛ حيث اتفقت المصالح، وليست الخيانة على الكفار ببعيد!

وما كل هذا العويل على قتلى النصارى؟ أليس في القتلى مسلمون؟ لماذا لم يتحدث عنهم أحد؟!


هذه مجرد إشارات، وإلا فالكلام يطول، والخطب جلل.

اللهم احفظ بلاد الإسلام من كيد أعدائهم، واربط على قلوب المسلمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد!
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.

-------------------------
[1] "بأيِّ عقلٍ ودين يكون التفجير والتدمير جهادًا؟"؛ عبدالمُحسن بن حمد العبَّاد البدر.
[2] انظر حاشية 2، ص 23، وهذه صورةُ مشروعٍ لِهذه الفكرة الْمُراد تنفيذها لِمَسجد وكنائس في بعض دُوَل شرق آسيا: الْمَسجد مَمرُّ معبد النَّصارى "كاثوليك" مَمرُّ معبد النَّصارى "بروتستانت" ممر معبد النصارى "إنجليزياني كريستو"، نسأل الله الكريم أن يُبْطِل كيْدَهم.
[3] "الإبطال لنظريَّة الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان"؛ بكر بن عبدالله أبو زيد (90 - 99).

السبت، 22 يناير 2011

أسس المعرفة والإنحراف الفكري

أسس المعرفة والإنحراف الفكري

ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 20 - 01 - 2011
نقلا عن : خاص بموقع طريق الإسلام



كريم القزق

11- صفر-1432 - 15-يناير-2011

لا يسع أحداً ممن يتابع التصريحات الإعلامية والحكومية والآراء الشعبية على كافة مستويات الجميع كل على حدة، سواء كانت هذه التصريحات والآراء مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فيما يتعلق بالأحداث الأخيرة في مصر منذ حوالي شهر يوليو الماضي إلى الآن، والتي يمكن اختزال الإدراك العام لها وتحليل الوعي الجماهيري بأبعادها في ردود الأفعال التي ظهرت بعد أحداث تفجير الأسكندرية، وفيما يتعلق بقضية مقتل الأخ السيد بلال رحمه الله أثناء إجراء التحقيقات معه على خلفية أحداث التفجير بدون إدانة من أي نوع، ليستدل المتابع لذلك كله على مدى الخلل والعطب الذي أصاب "الجميع" بلا استثناء في مجال التصورات والمفاهيم والآراء والسلوك، بدءاً من آليات الإدراك والفهم مروراً بالقدرة على التحليل العقلي للمقدمات والنتائج وانتهاءً بتكوين التصورات وإبداء الآراء وإصدار القرارات كلاً على حسبه.

فلم يسلم أحد من التخبط الذي يبيّن نقصاً شديداً في مجال المعرفة وعدم القدرة على التعامل مع الأوضاع المختلفة والقضايا الكارثية لأسباب سيتم توضيحها أثناء البحث وبيان كيفية معالجتها بإذن الله.

فيظهر لنا في خلال كل ذلك ما يلي:

الأمر الأول:

عدم الإتزان في مفاهيم وتصورات أفراد الشعب المصري فيما يتعلق بقضاياهم المختلفة، وعدم القدرة على تكوين تصور قوي وواضح وتوجه معين نحو أي قضية من هذه القضايا سواء كانت خاصة أو عامة. وذلك إما بسبب فساد المفاهيم ابتداءاً من جهة، أو السلبية واللا مبالاة تجاه هذه القضايا وكيفية التعامل معها من جهة أخرى، أو بسبب الاثنين معاً.

أما بالنسبة لفساد المفاهيم فمن أهم أسبابه حصر مصادر التلقي المعلوماتية في وسائل الإعلام (الصحف والمجلات والإذاعة والتلفاز وغيرها)، وتكوين الآراء والتوجهات فيما يخص أي قضية، عامة أو خاصة، فقط من المواد التي يتم عرضها على المشاهد أو القارئ أو المستمع من خلال هذه الوسائل، والتي في أغلب الأحيان يتم توجيهها لتصُبّ في مصلحة المنتفعين من بقاء قيم الفساد في المجتمع ككل، ومن إبقاء أغلب الشعب المصري في حالة من الغفلة والتغييب عن قيمهم وقضاياهم الحقيقية وقدرتهم على التفاعل الإيجابي تجاهها، مما يكفل إما إزالة المشاكل أو حلها أو حتى طرح حلول منطقية تدل على وعي بالأبعاد المختلفة لأي قضية يتم مناقشتها.

ليس ذلك فقط بل وإفساد القدرة على الإدراك والتمييز بين المصالح والمفاسد جملة وتفصيلاً، حتى أصبح ذلك الأمر من الأمور التي بسببها عجز الكثيرون عن اتخاذ أي نوع من أنواع القرارات السليمة –إلا نادراً- حتى فيما يتعلق بحياتهم الخاصة أو من هم تحت مسؤولياتهم.

فأصبح الجميع يصبُّ بتصوراته ومفاهيمه واعتباراته بل وقراراته الشخصية في مصلحة المنتفعين من الفساد العام.

إن فساد مصادر التلقي في مجال المعرفة الإنسانية من أول أسباب فساد ما يـُبنى على هذه المعرفة الفاسدة من تصورات ومعايير وما يتبع ذلك من فساد في الآراء والسلوكيات والقرارات، خاصة مع انتشار ما يسمى بالثقافة الاستهلاكية والتي ينشأ فيها جميع أفراد المجتمع على الطمع والجشع وحب الكماليات والرغبة في الكسب السريع والكسل والأنانية وحب الذات وعدم مراعاة مشاكل الآخرين أو مشاعرهم.

فإذا كان الأمر كذلك فلا تجد منهم من يتكبد العناء ليتحرّى عن دقة معلومة أو صحة خبر طلباً لإحقاق حق أو إبطال باطل. وأن من يتكبد شيئاً من ذلك من العامة إنما يكون ذلك منه نوعاً من أنواع الاستجمام العقلي أو الترف المعرفي على اختلاف بينهم في درجاته لا أكثر ولا أقل، وكنوع من أنواع محاولة تقدير الذات خاصة مع الإحساس المستمر بالذل والهوان مع الأوضاع المتردية في البلاد في جميع المجالات، مع عدم القدرة على تحقيق المتطلبات المعيشية بطريقة تتحقق معها الكرامة الإنسانية فضلاً عن غيرها من طلب الكماليات والمطامع الشخصية لدى الكثيرين.

وهذه المرحلة من مراحل التعامل مع مصادر المعلومات والمعرفة ككل تكون بسبب ضعف وفساد في القيم المجتمعية، ناتج عن التعرض المستمر لما يناقضها من قيم فاسدة يتم عرضها "للمستهلك" بطريقة جذابة ومبهرة للغاية، لينتهي الأمر باستبدال القيم والفضائل بذلك النقيض الجذاب، مع ضعف المانع لدى العامة من الاستجابة لقيم الباطل، وإتـّباع الأغلب لشهواتهم وطلباتهم الشخصية بغض النظر عن الحق منها أو الباطل.

فوسائل الإعلام من الطرق التي يتم توجيه الرأي العام بها في أي اتجاه يريده القائمين عليها، فهي تقدم مجموعة من المعلومات في صورة إما إلقائية توفر رأياً واحداً تجاه القضية التي يتم مناقشتها من خلال طريقة العرض والإلقاء، أو حوارية توفر العديد من الآراء المختلفة نحو أمر ما، ومن خلال قدرة صاحب كل رأي على توضيح رأيه وحسن عرضه يتم ضمناً تكوين التوجه العام.
ثم ينتقي منها المتلقي ما يظنه منطقياً أو يتلقاها على عواهنها بدون تدبر أو تحليل ويعتبرها من الأصول المعرفية، ثم يبدأ في استخدامها كأصل ومرجع للحكم على القضايا الأخرى وبناء التصورات فيما يخص الأمور الفرعية العارضة له في نواحي الحياة المختلفة، سواء الاجتماعية أو الأخلاقية أو السياسية أو حتى الدينية.

لقد ظهر جليـّاً من خلال هذه الأحداث مدى التبعية الفكرية التي يعاني منها الشعب المصري وعدم مقدرته على الإنفراد بتكوين آراء سليمة وتوجهات صحيحة حول أي قضية من القضايا بدون أن يكون في هذه الإستقلالية نوع من أنواع الانحراف الفكري، وذلك إذا ما تم عرض هذه الآراء على قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء:59]

وذلك سببه –من وجهة نظري- الجهل بأبعاد الهوية الثقافية للمجتمع المصري، فهو لا يعلم هل هو مصري الهوية أم مسلم أم عربي أم قبطي مسيحي أم شرق أوسطي أم أفريقي أو غيره. ولو كان منهم من قام بالاختيار فالأغلب منهم قد تم توجيهه لاختيار ما فيه مصلحة المنتفعين من تغليب انتماء الأغلبية لهذه الهوية بالذات عن الانتماء لتلك.

وإلا فأغلب من يسمون أنفسهم بالشباب المستنير الواعي بقضايا بلاده والمتفاعل مع المجتمع من حوله لا يعلم يقيناً لماذا هذه الهوية أفضل من تلك، ولا يستطيع أن يقف دقائق راسخ القدمين على أرضية ذات منهجية علمية تقوم على الموضوعية والإنصاف وطلب الحق، وإلا فمعظم من قابلناهم إما يجهلون الكثير عما ينتمون إليه ابتداء فضلاً عن غيره، وإما متعصبين له بلا دراية تامة –أو حتى ناقصة- بأبعاده وكفى الله المؤمنين القتال.

فهؤلاء نتاج طبيعي لمثل هذه الوحدوية في مصادر التلقي والتغييب عن مصادر المعرفة الحقيقية بل ومعاني الحق والباطل والحقائق الكونية من حولهم، فهم مغيبون عن الفهم السليم وعن المصادر المعلوماتية الحقيقية وعن القدرة على إدراك الحقائق، فإذا ما هم عاينوها حتى بأنفسهم تجدهم يرفضونها لما امتلأت به عقولهم من شبهات وأفكار غريبة لا يستطيعون حتى هم أنفسهم أن يدافعوا عنها، اللهم إلا باعتبارها جزءاً من كيانهم، فيكون دفاعهم عنها دفاعاً عن وجودهم وليس دفاعاً عن حق هم على يقين منه.

وآراء من أطلقوا على أنفسهم لقب "النخبة" ممن ادّعوا الثقافة والإلمام بالمعارف الإنسانية المختلفة، والموضوعية "العلمية" والقدرة المطلقة على معرفة الحقيقة، كانت هذه الآراء أقرب ما تكون إلى تزلفات فجّة لأصحاب السلطة أو طلباً للشهرة أو تصفية حسابات مع من خالفهم فكرياً وأظهر عوار دعواتهم المنحرفة، ممن لم يستطيعوا أن يدحضوا حججهم بالحجة والبرهان من المتدينين و"أصحاب اللحى" و"المتطرفين" و"الوهابية" و"التكفيريين" و"الظلاميين" ... إلى آخر هذه التهم المعلبة التي يخرجون بها في كل مناسبة سانحة تسمح لهم بإطفاء غليلهم وإظهار حنقهم على الإسلام وأهله.

وإلا فلا يعلم هؤلاء الحقيقة في ذات الأمر عمّا تدل عليه أيّ من هذه "المصطلحات الدعائية" التي يستخدمونها، والتي تنم عن جهل صارخ بمدلولاتها من جهة أو عن تضليل متعمد للجماهير من جهة أخرى.

وسنفرد بإذن الله مقالاً لبيان اللبس في استخدام هذه المصطلحات وبيان مدلولاتها من أدبيات المتهمين بها حتى يتبين الحق لطالبه، وحتى لا يسخر منا أحد لكوننا لا نزال نستخدم مثل هذه المصطلحات المضللة!

فبدأوا يشنعون عليهم ويتهمونهم بتـُهم لا تثبت على أرضية علمية مستغلين بذلك مكاناتهم الثقافية والفكرية المدّعاة أو آليات الإعلام المسخرة لهم، متاجرين بكوارث المجتمع غير طالبين لحق أحد ولا إصلاح شيء مما فسد.

الأمر الثاني:

التقصير الواضح ممن أصابهم هذا العطب الفكري من المخلصين من أبناء هذا الشعب في تحرّي الحق وإصابة المصادر الموثوقة التي تعينهم حتى على إصلاح تصوراتهم ومعاييرهم التي بها يقومون باتخاذ القرارات السليمة في أي أمر عارض، وبالتالي إرضاء الله تعالى فيما يقومون به من سلوك تم بناؤه على هذه المعايير والقيم.

فهؤلاء تناسوا أو انشغلوا عن كتاب ربهم الذي يصدقون بأنه من عند الله الذي يـُخرج الخبء في السماوات والأرض، الحكيم العليم، الرحمن الرحيم، وإلا فكيف يوفر الله الرحمن الرحيم لعباده ما يقيمون به أجسادهم الفانية ولا يبين لهم فيما أرسل به رسوله إليهم ما يقيم بهم أرواحهم وتصوراتهم عما غاب عن حسهم من حقائق الكون من حولهم، والذي أخبر أن تصديقه وإتباعه فيه إقامة لحياتهم الباقية؟

إن من يظن ذلك بالله تعالى فلازمه أن الله لم يرسل إلى عباده ما فيه هدايتهم أو أرسله ولم يبيـّنه لهم أو بيـّنه وليسوا هم بقادرين على اتباعه والامتثال له، وكل ذلك باطل لقوله تعالى:

{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]

فكيف يعذب عباده بما لا يمكنهم فهمه أو حتى إتباع ما فيه لأي مانع من موانع الإتباع سواء عدم فهم المراد أو عدم القدرة على الامتثال.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:59]

{مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف:111]

{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89]

فمن مقتضيات الهداية أن يكون ما به تكون الهداية مقدوراً على فهم المراد منه ابتداءً ثم مقدوراً على الامتثال لما فيه، سواء في مجال التصورات والمعتقدات أو في مجال السلوكيات والمعاملات.

هذا إجمالاً يفيد أن السبب في بقاء حالة الفساد المعرفي في أفراد المجتمع "المسلم" هو إعراضه عن تكوين تصوراته ومفاهيمه ومعاييره من كتاب الله الذي هو الحق المبين:

{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٩٢﴾ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء:192-195]

{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2]

{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف:3]

لأنه كما قررنا لا يمكن أن تكون هذه التصورات إلا محكمات واضحات غير منسوخات، خاصة إذا ارتبط بعدم الامتثال بها أو البناء عليها عقوبة في الدنيا والآخرة:

{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]

ختاماً: يجب أن يعلم المسلم أن نجاته هو أن يعْبُر هذه الدار مستمسكاً بكونه مسلماً، وهذا يتضمن علمه اليقيني بما يجعله كذلك من التصورات والمفاهيم والإعتقادات، وعلمه بما به يتحقق ذلك من الأفعال والأقوال، ويقينه بما به يرضى عنه ربه فإذا لقيه أثابه ولم يعاقبه.

ولا يكون شيء من ذلك كله إلا من كتاب الله وما بيـّنه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم من السنة الصحيحة.

وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بزمان تكثر فيه الفتن المضلة ويُـلبـَّس الباطل بالحق ويختلط الأمر على الناس، ففي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم. يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً. أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً. يبيع دينه بعرض من الدنيا. »

وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ، ويخون الأمين ، ويؤتمن الخائن ، ويهلك الوعول ، وتظهر التحوت . قالوا : يا رسول الله ! وما الوعول وما التحوت ؟ قال : الوعول : وجوه الناس وأشرافهم ، والتحوت : الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم. » أخرجه الإمام الألباني في السلسلة الصحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه ابن عبد البر في جامع العلوم من حديث العرباض بن سارية ما منه: «فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور.»

فهلا لازمنا كتاب ربنا وسنة نبينا قراءةً وفهماً وعلماً وعملاً حتى يرفع الله ما نحن فيه من الغـُمّة؟

ولنذكر قول الله تعالى:
{إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّـهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد:11]

خط القلم في إثبات أنَّ تفجير كنيسة (القِدِّيْسَيْنِ) مُحَرَّم (3)

خط القلم في إثبات أنَّ تفجير كنيسة (القِدِّيْسَيْنِ) مُحَرَّم (3)

خباب الحمد
أضيفت بتاريخ : : 20 - 01 - 2011
نقلا عن : خاص بموقع طريق الإسلام


فقه الموازنات القائم على قاعدة المصالح والمفاسد:
يقول رسول الهدى والسلام، والمرحمة والملحمة، محمد صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إن الله رفيق يحب الرفق. ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» (أخرجه مسلم).
ويقول الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه: "أنتم في زمان خيركم فيه المسارع فى الأمر، وسيأتي بعدكم زمان خيركم فيه المتثبت المتوقف؛ لكثرة الشبهات".
ومِمَّا قيل في القواعد الأصولية: (من استعجل شيئاُ قبل أوانه عوقب بحرمانه).
وقيل: (في العجلة الندامة وفي التأني السلامة).
وقال الشاعر:

قد يهدم السد المشيَّد فأرة *** ولقد يحطِّم أمَّة متهور


والشاعر المسلم يقول:

قدر لرجلك قبل الخطو موضعها *** فمن علا زلقاً عن غرَّة زلجا



للعلماء تفصيلات رائعة، وتدقيقات متحريَّة، لفقه المصالح والمفاسد، وبما أنَّ مجال حديثنا عن حكم تفجير الكنائس، فإنَّ من المهم النظر لما تحققه هذه التفجيرات من المصالح والمفاسد، ومن ثمَّ نخرج بفائدة الحكم الشرعي، هذا إن كانت في أصلها جائزة شرعاً ويبقى الأمر مترتب ومتوقف على الدخول في مصالحها ومفاسدها مع أنَّها ليست كذلك.
إنَّ تحصيل المصالح ودفع المفاسد هو كما يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "أصل أصول الشريعة إذ إن الشريعة إنما جاءت لتحصيل مصالح العباد الدينية والدنيوية ودفع المفاسد عنهم وقد ثبت هذا المعنى يقينًا من مقاصد الشارع الحكيم في تنزيله وتضافرت عليه الأدلة العقلية والنقلية".

وقاعدة فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد وما ينجم عنها من خير أو شر مشتبكة بانسجام مع قاعدة فقه المآلات واعتبارها، ويبين الإمام ابن تيمية رحمه الله شيئاً مِمَّا يوضح ذلك فيقول: "مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم".

وإذ نتأمَّل في فقه شيخنا الإمام ابن تيمية فنجده في هذا المقطع الذي يذكر فيه قصَّة حصلت له هو وبعض طلابه، وينبه على ضرورة اعتبار المآلات من جهة، ومقارنة المصالح والمفسد من جهة وتغليب أيهما أكثر وأوضح، كما يبين رحمه الله أنَّ الغاية من إنكار المنكر وجود المعروف، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه فإنه لا يسوغ إنكاره، وفي مثل هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه: "وليس لأحد أن يزيل المنكر بما هو أنكر منه، مثل أن يقوم واحد من الناس يريد أن يقطع يد السارق أو يجلد الشارب ويقيم الحدود؛ لأنه لو فعل ذلك لأفضى إلى الهرج والفساد؛ لأن كل واحد يضرب غيره يدعي أنه يستحق ذلك، فهذا ينبغي أن يقتصر فيه على ولي الأمر".

وهنا يتبين فقه الفقيه وهو أن يدرك حقيقة إنكاره لهذا المنكر بيده أو حتَّى لسانه، فإن كان إنكاره سيخرج منه مفاسد أكثر وأربى من المصالح، فإنَّ السكوت عنها أولى وأحرى وإن كان في السكوت عنها مفسدة، ولكن كما هو معروف في القواعد الأصولية يرتكب أدنى المفسدتين لعدم وقوع أكبرها مفسدة، وكذلك ينظر لهذه المفسدة وتلك المصلحة فإن كان بينهما تساوٍ فإنَّه لا يتقدم على فعل تلك المصلحة لأنَّ درء المفسدة أولى من جلب المصالح، وحتَّى لو كان هنالك خير وشر وصلاح وفساد، فالعاقل كما يقول الإمام ابن تيمية: ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر ولكنَّ العاقل الذي يعرف خير الخيرين وشر الشرين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والمؤمن ينبغي له أن يَعْرف الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة، كما يَعْرف الخيرات الواقعة، ومراتبها في الكتاب والسنة، فيُفَرِّق (بين) أحكام الأمور الواقعة الكائنة، والتي يُراد إيقاعها في الكتاب والسنة، ليقدِّم ما هو أكثر خيراً وأقل شراً على ما هو دونه، ويَدْفع أعظم الشرين باحتمال أدناهما، ويَجْتلب أعظم الخيرين بفوات أدناهما، فإنّ من لم يَعْرف الواقع في الخلق، والواجب في الدين: لم يَعْرف أحكام الله في عباده، وإذا لم يَعْرف ذلك كان قوله وعمله بجهل، ومن عبد الله بغير علم كان ما يُفْسِد أكثر مما يُصْلِح".

وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: "إذا اجتمعت مصالح ومفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالاً لأمر الله تعالى لقوله سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، وإن تعذر الدرء والتحصيل، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة قال الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219]، حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما، وإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة حصلنا المصلحة مع التزام المفسدة، وإن استويت المصالحة والمفاسد فقد يتخير بينهما وقد يتوقف فيهما".

ولو أردنا أن ننظر لحجم المصالح وحجم المفاسد التي تنتج من خلف هذه التفجيرات إن صحَّت نسبة القيام بها من المسلمين، ولا أظن أنَّ هنالك مصلحة ممكن أن تقال في هذا السياق إلاَّ أنَّ مثل هذه التفجيرات عامل إزعاج وإشارة تنبيه للنصارى الأقباط بالقدرة على الوصول إليهم وإيذائهم بسبب ما يقترفونه في حق أخواتنا المسلمات الأسيرات أو بعض المنكرات التي يقومون بها.

ولكنَّ المفاسد الناجمة عن ذلك أضعاف أضعاف المصالح، وقد ذكرت سابقاً في مجال اعتبار فقه المآلات عن المفاسد المترتبة عن هذه التفجيرات بشكل لا يجعل مجالاً للشك أنَّ مفاسدها أكثر من مصالحها الموهومة والمزعومة.

والأمر في الجملة كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: "وجماع ذلك داخل في القاعدة فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي -وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة- فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته" (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الإسلام ابن تيمية ص11-19).

بل إنَّ القتال في سبيل الله الشرعي والمأمور به لمقاتلة الكفَّار، لابد وأن يخضع للمصلحة في تحقيقه، ولهذا قال الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله: "إن أي قتال للكفار لا تتحقق به نكاية للعدو فانه يجب تركه؛ لأن المخاطرة بالنفوس إنما جازت لما فيها من مصلحة إعزاز الدين، والنكاية بالمشركين، فإذا لم يحصل ذلك وجب ترك القتال لما فيه من موات النفوس، وشفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وبذا مفسدة محضة وليس في طيها مصلحة".

مع أنَّ ما قاله الإمام العز بن عبد السلام، عن قتال في سبيل الله ومعركة مفتوحة مع العدو، ويبين أنَّ هذا القتال إنَّ لم يحقق المصلحة المرادة، فإنَّه يجب ترك هذا القتال، لئلا يفرح به أعداء الإسلام، ولا يكون هذا القتال مكمن فرحة لقلوبهم حينما يرون انهزام جيوش الإسلام أمامهم، وهذا القتال يكون تحت قيادة واحدة وجيش جهادي منظَّم، فما بالنا إن كنا نتحدث في أمور غامضة فلا يوجد الحاكم الذي يقسم شرع الله تعالى، ولا يوجد في مصر تلك المعركة الواضحة الصريحة، وحتَّى لو وقعت فهي من إحداث الكفَّار ومحبتهم لزعزعة استقرارها، ولأجل ذلك فإنَّ وضوح المفسدة من مثل هذه التفجيرات والأعمال أمر لائح وعمل جرمه واضح.

ومن الغريب العجيب أن أجد بعض من يؤصِّل لمثل هذه العملية المحرَّمة، يقول أنَّ المصالح والمفاسد يختلف أهل العلم في تحقيقها وبيان الأغلب منهما، ويستدل بكلام الإمام العز بن عبد السلام: "إذا تعارضت المصلحتان وتعذر جمعهما فإن علم رجحان إحداهما قدمت، وإن لم يعلم رجحان، فإن غلب التساوي فقد يظهر لبعض العلماء رجحان إحداهما فيقدمها ويظن آخر رجحان مقابلها فيقدمه، فإن صوبنا المجتهدين فقد حصل لكل واحد منهما مصلحة لم يحصلها الآخر، وإن حصرنا الصواب في أحدهما فالذي صار إلى المصلحة الراجحة مصيب للحق والذي صار إلى المصلحة المرجوحة مخطئ معفو عنه، إذا بذل جهده في اجتهاده، وكذلك إذا تعارضت المفسدة والمصلحة" (قواعد الأحكام 1/ 83).

والسؤال الوارد الآن: من هم العلماء المعتبرون الذين قالوا بجواز هذه العمليَّة التفجيريَّة؟
وهل وضَّحوا المصالح الكثيرة التي تربو على مفاسدها؟
وهل نظروا لجوانب التحريم الأخرى المذكورة في هذا البحث؟

مخالفة هذه الأعمال التفجيريَّة لنصح وفتاوى علماء الإسلام:
من مصائب هذا الزمان تسلط الجهَّال على علماء الإسلام الربَّانيين، وتضليلهم وتفسيقهم فضلاً عن تكفيرهم وإعلان ردَّتهم، واتَّهامهم بالركون إلى الدنيا، وملء البطون بالمطاعم والمشارب، والمصيبة الكبرى أنَّ مثل هؤلاء إمَّا أن يتحدثوا بمثل هذا الحديث في مجالسهم المغلقة أو في معرفاتهم الالكترونية ويظهر الرجل فيهم وكأنَّه أمير المؤمنين، أو خليفة على الإسلام والمسلمين، وهو يُجَرِّح بذلك العالم وذلك القائم بدين الله، ولربما يقول قائلهم:

زَماني لا أرى فيه اجتهادا *** سوى ما كانَ سيفاً أو زنادا
فلا تسمع فتاوىً من أناسِ *** طغوا بالعلم وازداودا فسادا


وبالفعل فإنَّ من أكبر المشكلات التي يواجهها العلماء المسلمون الآن ترشيد الشباب تربوياً وفكرياً، بل لربما يجبن بعض العلماء الأكابر عن قول كلمة الحق أمام هؤلاء الشباب، خشية منهم ومن سوء أخلاقهم معهم، وبالمقابل ترى أولئك العلماء قد جهروا بكلمة الحق أمام الحكَّام ونالهم ما نالهم من سجن وتضييق وأذى، ولكنَّهم حينما يتحدثون للشباب يحسبون لهم ألف حساب، فالتهمة جاهزة ومعلبَّة (عملاء لا علماء، علماء سلاطين، علماء لا يفقهون الواقع) إلى غير ذلك من أوصاف السوء وقالة الإثم والبهتان.

صحيح أنَّ هنالك علماء سوء وفقهاء سلاطين، اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، وضلوا وأضلوا، وغرَّتهم الحياة الدنيا، ولكن أن يكون هذا الكلام مندرجاً في الكثير من علماء الإسلام الذين ثبت علو كعبهم في العلم، وصمودهم في الحق، ووقوفهم في وجه الباطل، فيلحق هؤلاء الفضلاء بأولئك العلماء الضالين، تلك إذاً قسمة ضيزى.

إنَّ التحدث في مسائل فقه الجهاد في سبيل الله بحاجة لمنَّ منَّ الله عليه بعلم في الدين الإسلامي وفقه وبصيرة، ونظر في الدنيا وإدراك للواقع.
قال تعالى {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].
ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "الواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يُؤخذ برأيهم، ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا".

وإنَّ حادثة كهذه (تفجير كنيسة القديس في الاسكندرية) لم أر إلاَّ إطباق وإجماع علماء الإسلام الربانيين على تحريمها وإدانتها، فمشايخ الدعوة السلفية في الاسكندرية، قد أصدروا بياناً خاصاً بهم في تحريم هذه العملية التفجيريَّة، وقد بدأت بهم أصالة لأنَّهم يعيشون في الاسكندرية محل الحدث الذي وقعت به هذه التفجيرات الآثمة، وصدرت كذلك الفتاوى من علماء الإسلام في مصر وفي غيرها، والبيانات الحزبيَّة للكثير من الحركات والجماعات والأحزاب الإسلامية.
فإن كان هؤلاء الشباب المتحمسون لا يقتنعون بفتاوى هؤلاء العلماء، ولا يملؤون عينهم، فلقد وجدت في الشبكة العنكبوتيَّة فتاوى لبعض علماء ودعاة التيار الجهادي يعلنون تحريمهم لمثل هذه التفجيرات واستنكارهم لمهاجمتها، فلا أدري هل ستكون مقنعة لهم أم أنَّهم كذلك مداهنين للأنظمة؟!!

فهذه جريدة السبيل الأردنية في لقاء لها مع منظِّر التيار الجهادي في الأردن الشيخ أبو محمد المقدسي حيث أجاب عن سؤال يطلب رأيه في التفجيرات بالكنائس فقال: "لا أؤيد مثل هذه الأعمال وأنكرها؛ لأن الكنائس ليست ساحات معارك".
وقال أيضاً في لقائه الشهير مع قناة الجزيرة: "... بل والكنائس أنا حذرت حتى من تفجير الكنائس، وقلت: لا مصلحة للإسلام والمسلمين في هذا الأمر كان ثمة مكان عبادة إيش مصلحة الإسلام من تفجير كنيسة؟ إيش مصلحته الكنيسة يدخلها الصبي والطفل والإنسان المسالم؟ إيش تريد في تفجير الكنيسة؟ ماذا يستفيد الإسلام من تفجير الكنائس؟!".

وكذلك القائد الراحل في تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي حيث علَّق على ما يقوله بعضهم عن رأيه باستهداف النصارى وغيرهم حيث قال: "وفي أَرض الرَّافدين طوائفُ عدة، كالصَّابئة، واليزيدييِّن عبدة الشَّيطان، والكَلْدانيين، والآشوريين، ما مددنا أَيدينا بسوء إليهم، ولا صوبنا سهامنا نحوهم، مع أنَّها طوائف لا تَمُتُّ إلى الإسلام بصلة، ولكن لَمْ يظهر لنا أَنَّها شاركت الصَّليبيين في قتالهم للمجاهدين، ولَمْ تلعب الدَّور الخَسيس الذي لعبه الرَّافضة".

كيف تعامل كثير من المسلمين وغيرهم مع هذه الأزمة والفتنة؟
بعد وقوع هذه العمليَّة التفجيريَّة المحرَّمة، اختلفت طرائق تعامل المسلمين وغيرهم، ولي مع ذلك عدَّة وقفات:

1) أنَّ أغلب المسلمين يقولون بتحريم القيام بهذه العمليَّة التفجيريَّة، لكنَّ هنالك قلَّة قليلة منهم يقولون بجوازها وتأييدها ويذكرون الأدلَّة على ذلك، وهم لم يعرفوا بعد من يقف خلفها، ومن يخالفهم ويناقشهم في وقوع ذلك من المسلمين، فبدلاً من أن يتوقفوا عن كلامهم يزيدون الوضع سوءاً ويقولون: بل هي من فعل المسلمين لأنَّ جماعة كذا وكذا أعلنت أنَّها ستستهدف النصارى، ثمَّ يخوضون في نقاشات كثيرة وكبيرة، والسؤال هنا: لو أنَّه ظهر بعد التحري الكامل بأنَّ من كان خلف هذه العمليَّة أصابع خارجيَّة سواء من أقباط المهجر أو الموساد، فماذا سيقول هؤلاء المتحمِّسون لجواز هذه العمليَّة، إن ثبت لهم أنَّ من قام بها غير مسلم.
ولأجل ذلك كان من الجدير بالذكر أن يتريَّث المتحمِّس، ويعلم طبيعة من قام بمثل هذه العمليات، حتَّى لا يقع في الفتنة، ولا يصب الزيت على النار، بدون فائدة مرجوَّة من تلك النقاشات العدميَّة.

2) مع أنَّ هذه العملية التفجيريَّة ستتسبب بشرخ واضح وواسع بين المسلمين والنصارى في مصر، إلاَّ أنَّها وللأسف نجد أنَّها ألقت بظلال سيئة في طريقة تعامل المسلمين مع بعضهم بعضاً، فنجد الخلافات الكثيرة ولربما الخصومات، في طبيعة من فعلها وهل هو مسلم أم غير مسلم، ولربما نجد احتدام النقاشات فيما بينهم، فيقعون في مصائب أخرى من الفرقة والتنازع والخلاف والشجار، وكأنَّ الوضع يحتمل فرقة وسوءاً على ما هو عليه من فتن ومحن وبلاءات، فنجد من يرى جواز تلك الأعمال المحرَّمة، حينما يسوق لهم بعض المناقشين لهم فتاوى بعض العلماء والمشايخ الثقات الأثبات في تحريمها، فيبدأ بعض الشباب هداهم الله بالسب والقذع بهم ووصفهم بأوصاف السوء، ويكاد يأخذني العجب وأنا أقرأ هذه الشتائم على مرأى ومسمع في بعض المواقع أو المنتديات وإدارة المنتديات تقف موقف المتفرج، وكأنَّها مستمتعة بمثل هذه الحوارات اللاإنسانيَّة، والتي يتَّسم بها كل طرف مع الآخر، باستخراج الألفاظ المشينة من (قاموس الشتائم) وهو قاموس يحمل في طيَّاته الكثير من العبارات السيئة والمشينة.

3)وفي المقابل فيبدو أنَّ عقيدة (الولاء والبراء) نسيت عند الطرف الآخر من بعض المسلمين، وصارت نسياً منسياً أو في خبر كان، فنرى أقوالاً غريبة، وهتافات جماهيريَّة مزعجة حينما يخرج بعض المسلمين الجهَّال قائلين وهم يصدحون بأعلى أصواتهم وملء أفواههم: (بالروح بالدم نفديك يا صليب)، أو قولهم: (نحن والنصارى كلنا مؤمنون فهم مؤمنون من وجه ونحن مؤمنون بوجه آخر) ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: {إنَّما المؤمنون إخوة} مع أنَّ هذه الآية تدلُّ على الأخُوَّة بين المسلمين فقط بدلالة سبب النزول فيها، ولأنَّها حدث عن المسلمين بدليل سياق الآية وسباقها ولحاقها، كما نرى لدى بعض المسلمين كانوا يقولون في هتافاتهم: (بمعانقة الهلال مع الصليب) ويفعلون ذلك، بحجَّة استنكار هذه العمليَّة التفجيريَّة المحرَّمة، فيخرجون بأشكال تُصوِّر مثل هذه المعتقدات، وكأنَّ الهلال المعبِّر عن الرمز والشعار الإسلامي مع الصليب المعبِّر عن شعار النصارى، يُرمز بهما عن الوحدة الوطنيَّة، ومواجهة الفتنة الحاصلة بين النصارى والمسلمين (بزعمهم)، وما هكذا تُورد الإبل.
لقد روى البخاري (5952) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ.

ومن الغرائب العجائب ما نادى به كذلك عدد من ممثلي القوى السياسية على تبنى المبادرة التى أطلقها الشاعر القومي العربي أحمد فؤاد نجم بضرورة بدء حملة جمع مليون توقيع على الخطاب الذى أرسله إلى الرئيس مبارك، وطالب فيه بإلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية، مع ضرورة تلبية النظام للمبادرة باعتبارها بداية لحل مشكلة الاحتقان الطائفى وظهور المتطرفين والقضاء على التمييز الدينى، فيما تبنت حركة 6 أبريل حملة جمع التوقيعات.

وأظنُّ أنَّ الأمر لا يحتاج لمزيد تعليق، تحصل جريمة على كنيسة، فيُطالب أولئك السُّذَّج بإلغاء خانة الديانة من الهوية، وذلك لكي لا تحصل مشكلة الاحتقان الطائفي كما يزعمون، وكأنَّ أولئك يظنُّون أنَّ هذا الشيء سيوافق عليه الشعب المصري المعتز بإسلامه والرافض كذلك لأعمال العنف، ولكن أن يًصادر الدين كرمالاً لما حصل في كنيسة النصارى، فتلك عجيبة بعد هذه المصيبة.

وكذلك سعي بعضهم للمناداة بأداء شعائر العبادة مع النصارى في كنائسهم ومشاركتهم في ذلك بحجة إظهار التضامن والوحدة الوطنية، ومشاركتهم قدَّاس الاحتفال بعيد الميلاد فإنَّ هذا لا يجوز شرعاً، ولا أدرى من أين ينطلق هؤلاء في تقريراتهم التي يزعمونها، ولو قرؤوا آراء الصحابة والتابعين، وما يكتبه أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية في مثل أقوالهم وأفعالهم لعلموا انحراف فعلهم عن الهدى القويم، والبر بالنصارى والذود عن أعراضهم وعيالهم وأموالهم لا يعني إقرارهم على ضلال عقائدهم ومشاركتهم في الاحتفال بأعيادهم.

والواجب أن يرجع عموم الشعب المسلم المصري لأهل العلم الثقات، ويسألونهم عن مدى جواز هذه الأقوال والأفعال، وينتبهوا لخطورة اختلال القاعدة الإسلاميَّة العقائديَّة الكبيرة: (الولاء والبراء) بسبب ما جرى من تفجير للكنيسة، راح ضحيَّته قتلى وجرحى كان أكثرهم من النصارى ونال من المسلمين منهم حظَّاً قليلا، وسؤالهم عن وسائل التعبير الجائزة شرعاً عن منع الفتنة بمصر بين المسلمين والنصارى وهذا هدف منشود ومطلوب، لكي لا تكون مصر مسرحاً للفتنة فيها وقاها الله شرَّ ذلك.

4) بعد حادثة مقتل الشاب المسلم (سيد بلال) رحمه الله رحمة واسعة، رأينا النظام الرسمي وللأسف يفتعل هذه الفعلة تجاه هذا الشاب المسلم والذي قتل تحت التعذيب في أقل من يومين، وذكر مركز (ضحايا) لحقوق الإنسان في بيان له أنَّ "الأجهزة الأمنية دفنت الجثة ليلاً "رغمًا عن أهله" الذين رفضوا دفنه وطالب المركز بسرعة الكشف عن وقائع هذه الحادث المروع واستخراج الجثة وإعادة تشريحها لمعرفة السبب الرئيسى للوفاة".

وهذا بالتأكيد يُسبِّب احتقاناً كبيراً بين الشباب المسلم والأجهزة الأمنيَّة التي تتعامل مع الشعب المصري المسلم بعجرفة وبلطجة غريبة، وفي المقابل يختلف تعاملهم مع النصارى حتَّى أنَّ بعض النصارى كانوا يرشقون الضبَّاط المصريين والجنود بالحجارة وغيرها، مِمَّا سبب جرح أكثر من 20 ضابطاً وشرطياً كما ذكرت وسائل الإعلام، فما سرُّ هذا الذل أمام النصارى، والاستئساد على المسلمين؟! أليس الكل واحد أمام القانون المصري كما يقولون؟! فاللهم رحماك.

5) مسارعة أهل العلم لاستنكار الحدث المحرَّم في تفجير (كنيسة القديسين) محمودة لهم ولا ريب في ذلك، وقطع لطريق من يصطاد في الماء العكر ويخلط الأوراق من (بني علمان وأصحاب الأقلام المسمومة والتي تنزف حقداً على أهل العلم) ويتَّهمونهم وخصوصاً السلفيين منهم في السكوت عن مثل هذه التفجيرات، فكانت مبادرتهم لاستنكار وتحريم هذه العمليَّة من الحق الذي أوجبه الله تعالى على أهل العلم أن يقولوه ولا يكتموا منه شيئاً، ولكن نتمنَّى منهم وهم السد المنيع للفتن في مصر وغيرها، أن يكونوا مستذكرين كذلك لحالة اعتقال الأخوات الأسيرات المسلمات ويُذَكِّروا بها في المجامع والإعلام فتلك جريمة لا تغتفر كذلك، واستنكار ما جرى من التعذيب حتَّى القتل للأخ المسلم (سيد بلال) الذي قضى نحبه على أيادي مجرمة خالفت الشريعة الإسلاميَّة والقانون المصري الذي يُحَرِّم التعذيب للسجين والضغط عليه لانتزاع اعتراف بهذه الطرق المجرمة

6) اتهام بعض المسلمين المستسلمين لمن كانوا وراء التذكير باعتقال الاخوات المسلمات الأسيرات، أنَّ ذلك يفتح باب فتنة طائفيَّة في البلد، اتهام لا محلَّ له من الصحَّة، وذلك لأنَّ من بدأ بمثل تلك الجرائم هم النصارى من اعتداء على الأخوات الأسيرات وسب للقرآن وتهريب أسلحة في الأديرة والأقبية النصرانيَّة، والحق الذي لا يُنازع فيه اثنان ولا تنتطح فيه عنزان أنَّ العلماء المسلمين كانوا سداً منيعاً في الوقوف ضدَّ الفتنة بين المسلمين والنصارى، فأي مشكلة لدى هؤلاء الذين يقولون: إنَّ بعض المسلمين كان لهم الدور في فتح باب الأزمة والفتنة مع النصارى، والعكس هو الصحيح.

لعلَّ متذكراً يتذكَّر أنَّه في نهاية شهر ديسمبر سنة 1979م التقى بعض المطارنة بدير الأنبا بيشوى بوادي النطرون ودار بينهم حديث حول تعديل المادة الثانية من الدستور وعلق بيشوي بأنه ينتظر نتيجة لقاءاته مع المسئولين بشأن الضمانات التى طلب إدخالها على تعديل المادة الثانية من الدستور لحماية الأقباط، وأنه فى حال عدم تلبيتها ردد عبارة: "حخليها دم للركب من الإسكندرية إلى أسوان".

ويعيد التاريخ القديم نفس أحداث أمسه، ويُعلن "بيشوي" للمرَّة الثانية في حواره الشهير مع جريدة (المصري اليوم) 25/ 9/2010م، أن تطبيق القانون على الكنيسة والطائفة يعني الشهادة أي الدم والقتل؟!
فهذه ثقافة الدم التي يُتقنها أولئك النصارى في مصر، وهو يشرح أبعاد منهج التمرد النصراني ضدَّ المسلمين.
فهل هذا حديث من يريد الوحدة الوطنيَّة لبلده مصر؟
وهل هو كلام الشخص الحكيم الذي يحرص على نزع الفتنة الطائفيَّة؟
ولماذا إذا قمنا بتذكير الناس بهذه الحقائق التي يتحدَّثون بها سابقاً وحالياً وكذلك لاحقاً يتَّهمنا أولئك بأنَّ دعاة الإسلام يثيرون الفتن الطائفيَّة؟
أم أنَّه حلال لهم أن يقولون ما يشاؤون حرام على دعاة الإسلام أن ينبِّهوا المسلمين من خطرهم، ويرفعوا أصابعهم كعلامة تشير لأولئك النصارى بأنَّهم منتبهون لما يقولونه؟

وكيف ينسى أهل الإسلام روح التمرُّد التي نراها ظاهرة لدى قيادة الكنائس بمصر، عندما يقومون بالتدخل في شؤون الدولة وبكل فجاجة، وينادون بإلغاء النص في البند الثاني من الدستور علي الشريعة الاسلامية، إذ سبق للأنبا مرقص المتحدث الرسمي باسم الكنيسة أن أثارت تصريحات غير مسبوقة في حوار صوتي مع "الهيئة القبطية الأمريكية" ودعا فيها بتعديل المادة الثانية من الدستور بحذف الألف واللام من كلمتي (المصدر الرئيسي للتشريع) لتصبح (مصدر رئيس)، ودعوته بموجب ذلك لإيجاد مصادر أخرى للتشريع منها الشرائع المسيحية.

كما دعا الأنبا مرقص لـ "تطبيق بعض شرائعنا فيما يتعلق بالمسيحيين" مثلما يطبق المسلمون شريعتهم، وهو ما طبقه البابا شنوده عمليا عندما رفض العام الماضي 2010 تنفيذ أحكام محكمة القضاء الاداري فيما يخص الزواج الثاني للمسيحيين وتعلل بمخالفته للأنجيل.

إنَّ ذلك ما يجعلنا نتحدث وبكل ألم شديد، للحديث لأولئك المنخدعين من المسلمين الداعين للخنوع والركوع وعدم الدفاع عن حقوق المسلمين في مصر، وكأنَّ المسلمين في مصر باتوا أقليَّة لا يحق لهم الحديث والدفاع عن أنفسهم، وإن دافعوا عن أنفسهم فيفتح أمامهم ذلك الصوت القائل: (انتبهوا كلامكم يثير الفتنة الطائفيَّة ويُفسد الوحدة الوطنيَّة) فيا سبحان الله!
لماذا لا يوجهون هذا الكلام لقيادات الكنائس المصريَّة ويقولون لهم هذا الكلام؟!

لقد كان الشيخ الراحل محمد الغزالي رحمه الله بصيراُ في هذا الصدد، وكتب كتاباً صدر قديماً أسماه: (قذائف الحق) وذكر فيه منذ زمن بعيد من الذي يفتح أبواب الفتنة الطائفيَّة؟!
حيث قام بعرض تقرير سري يصف لقاء شنوده مع رجال دين وأثريـاء من النصارى المصريين، في أوائل السبعينات في اجتـماع خاص بينهم على مستوى رفيع وذكر الشيخ الغزالي أنَّ (البابا شنودة) جلس أمام النصارى وتحدث إليهم طويلاً عن معاناتهم المزعومة في ظل عيشهم في مصر (ثـم ختم حديثه بأن بشّـر الحاضرين، وطلب إليهم نقل هذه البشرى لشعب الكنيسة، بأنَّ أملهم الأكبـر في عودة البلاد، والأراضي إلى أصحابها من "الغزاة المسلمين" -!!- قـد بات وشيكاً، وليس فـي ذلك أدنـى غرابـة -فـي زعمه- وضرب لهم مثلاً بأسبانيا النصرانية التي ظلت بأيدي "المستعمرين المسلمين" قرابة ثمانية قرون (800 سنة)، ثم استردها أصحابهـا النصارى، ثم قال: وفي التاريخ المعاصر عادت أكثر من بلد إلى أهلها بعد أنْ طُردوا منها منذ قرون طويلة جداً -واضح أنَّ شنودة يقصد الكيان الصهيوني- وفي ختام الاجتماع أنهى حديثه ببعض الأدعية الدينية للمسيح الربّ الذي يحميهم و يبارك خطواتهـم).

كان ذلك منذ زمن بعيد لكي يدرك بعض المسلمين الذين يقولون أنَّ من يتحدث عن نصارى مصر وجرائم كثير منهم ضدَّ الشعب المسلم المصري، بأنَّه يفتح فتنة طائفيَّة؛ سقت ذلك لكي يُعلم أنَّ من ابتدأها هم النصارى وليسوا المسلمين.
إنَّ أحداث إرادة النصارى بالشعب المصري المُسالم الشر، وإغاظتهم وترويعهم، لن ينساها الشعب المصري لهم، فلقد خرج النصارى خروجاً مستفزاً بعدد لا يقل عن ثلاثة آلاف شخص يقودهم ستمائة مسلح بالمولوتوف والسلاح الأبيض ليهاجموا مبني محافظة الجيزة وحي العمرانية واحتجاز الرهائن، بعد قطع الطريق الدائري من ناحية المنيب، وتكسير عشرات السيارات يملكها بعض المسلمين، وأسفر الهجوم الدموي عن إصابة مجموعة من لواءات الداخلية والضباط والجنود الذي أصيبوا إصابات بالغة وتم نقلهم إلى المستشفى.

أليس هذا كذلك حادث إرهابي من النصارى، وأين دعاوى الوحدة الوطنيَّة، ومحاربة الفتنة الطائفيَّة، وخصوصاً من أبناء الديانة النصرانية، ولكن يبدو أنَّهم يسيرون على مبدأ: (تكلَّم بلطف واحمل عصا غليظة) وليتهم كذلك يتكلَّمون بطلف فلقد صاروا يتحدَّثون في مصر، وكأنَّهم هم الحاكم الرسمي فيه، وللأسف لا نجد من يردعهم، وتلك مشكلة كبيرة كذلك!

وفي الوقت الحالي فها نحن نُشاهد هجوماً سيئاً من بعض القنوات التي تبث على (النايل سات) مثل قناة (الكرمة) وهي تؤجِّج في برامجها نيرات الفتنة وتسكب الزيت على النار، وقد خصصت القناة برنامجا يبث على مدار ساعات بعنوان "ما وراء الأحداث" للهجوم العنيف على الإسلام وسب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والتهكم على شرائع الإسلام واستقبال مكالمات من أقباط يقومون بسب الرئيس مبارك علنا بألفاظ يعاقب عليها القانون واتهامه أنه وراء أحداث الإسكندرية وأنه يقيم هولوكست للأقباط.
فأين إدارة النايل سات من مثل هذه القنوات التي تؤجِّج الفتنة، وتصيب الجميع بالاحتقان الداخلي، ولماذا لا يكون لها دور في تحذيرها من مثل ذلك، كما قامت إدارة النايل سات بتحذيرات متتابعة لقنوات إسلاميَّة تدافع عن حقوق المسلمين بحجَّة زرع الفتنة الطائفيَّة.

7) مسارعة المفتي وشيخ الأزهر لعزاء النصارى في ضحاياهم، لا إشكال فيه، ولكنَّ ذهابهم لمقر الكاتدرائية المرقصية لتعزية (البابا شنودة) فى مقره بالعباسية وسط الغوغاء الذين كانوا يرددون هتافات عدائية للمسلمين، في الحقيقة لم يكن أمراً محموداً، وذلك لأنَّ أولئك لم يحترموا رجال العلم المسلمين، بل آذوهم بألسنتهم وجوارحهم، فما كان ينبغي الذهاب إليهم، وكأنَّ المسلمين هم من كانوا خلف ذلك الحدث المشكوك بمن يقف خلفه.
لم يصدر البابا بيانا أو كلمة يستنكر فيها هذه الجرائم التي ارتكبها متطرفون أقباط، لقد استنكر ملايين المصريين ونخبتهم على الفور الجريمة التي وقعت أمام كنيسة القديسين من باب الالتزام بالمسؤولية أمام الوطن، أيا كان مرتكب الجريمة، فلماذا لم يبادر البابا شنودة بإدانة فورية للاعتداء على ضيفه شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية من باب المسؤولية الأخلاقية أمام الوطن أيضا.

وأخيراً:
قال الله تعالى: {أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2]، إنَّ هذه الفتن التي كتبها الله عز وجل على عباده لحكم عظيمة، ومنها تمحيص الصف المسلم، ورؤية الصابر المتأني من المتسارع المتهالك عليها، لأجل ذلك فإنَّ الفتن تحتاج لرجال رجال، وأبطال لا تهُزُّهم الرياح العاصفات كالراسيات الجبال، وفي الفتن المدلهمة، نحتاج: (لأحلم الناس عند فتنة)، و(أهل التأني في الحُكْمِ وتحليل الأحداث)، وفقه أصول العبادة في الفتنة فالرسول الهادي أخبرنا في الحديث الصحيح: «العبادة في الهرج كهجرة إلي» والصبر الصبر: {اسْتَعِينُوا بِاللَّـهِ وَاصْبِرُوا} {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} والصمت نجاة، وربَّ قول يسيل له الدم، ولا نجاة لذلك إلاَّ بالاعتصام بالكتاب والسنَّة فمن اعتصم بهما فلن يضلَّ، ثمَّ اللجوء لأهل العلم الربَّانيين فقد أخبرنا بذلك الحسن البصري وقال: "الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل" فنور الفطنة يُبدِّدُ ظُلُمات الفتنة، والسعادة الأكيدة للمؤمن في اجتناب الفتن هكذا أخبرنا صلَّى الله عليه وسلَّم فقال في الحديث الصحيح: «إنَّ السعيد لمن جُنِّب الفتن»، فالحذر من العجلة والتَّسرع فالعجلة أم الندامات، وكم من أناس رفعوا رؤوسهم لرؤية الفتنة فعصفت بهم الفتنة، وسقطوا: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} عافانا الله تعالى وثبَّتنا.

فاللهم إنَّا نسألك الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.