عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الأحد، 31 يوليو 2011

الإسلام والآخر

محور : الإسلام والآخر

أ. د. زينب عبد العزيز

عضو مجلس الأمناء بالإتحاد

الإسلام والآخر





تمهيد :

لم يعد محور "الإسلام والآخر" بحاجة إلى مزيد من التناول ، فما تمت كتابته فى هذا المجال أكثر من كافٍ لتوضيح موقف الإسلام من غير المسلمين ، وسماحة الإسلام باتت من المسلمات التى تتعدى النقاش والجدل بدليل الواقع المعاش .. فلو إعتبرنا الآخر ، هنا ، هو كافة الديانات والعقائد الأخرى ، لرأينا إن اكبرها عددا هم أتباع المسيحية بكل ما تتضمنه من فرق منشقة وصل عدد كنائسها المستقلة الى 349 كنيسة تقريبا. بل وتكفى الإشارة الى تزايد وجود أتباع المسيحية على الصعيد العالمى لندرك مدى سماحة الإسلام ، الذى أنزله المولى عز وجل فى مطلع القرن السابع الميلادى ، مصوباً ومكملا ، بعد أن تم تحريف الرسالتين السابقتين لعقيدة التوحيد وهما اليهودية والمسيحية.

فالثابت بالأبحاث العلمية والتاريخية واللغوية وبنص القرآن الكريم ، ان اليهود قد حرّفوا رسالة التوحيد بالله التى انزلها سبحانه وتعالى على النبى موسى ، عليه السلام ، وعادوا لعبادة العجل وقتل الأنبياء .. فأرسل رب العالمين النبى عيسى بن مريم ، عليه السلام ، الى الضالين من بنى جلدته من اليهود ليعود بهم الى رسالة التوحيد بالله ، وهو القائل : "لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " (متى 15 : 24) . وكان قبل ذلك قد قال نفس التوضيح إلى حوارييه الإثنى عشر حين أوصاهم قائلا : "إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا بل إذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " (متى 10 : 5-6) . وهذه الجملة الأخيرة ، بخلاف أنها تحدد رسالة يسوع وحوارييه بأنها تقتصر على عودة الضالين من اليهود الى التوحيد والسراط المستقيم، فهى تكشف أيضا أن عيسى عليه السلام قد حذّرهم من الذهاب الى الأمم والمدن الأخرى ، أى أن رسالته قاصرة على الضالين من قومه. وهو ما يتعارض مع ما تقوم به حاليا المؤسسة الكنسية على الصعيد العالمى من عمليات تبشير وتنصير ، بإصرار غريب ، إذ لم تترك مجالا إلا و توغلت فيه لإستخدامه فى عملياتها التنصيرية ..

وحينما حاد أتباع عيسى عليه السلام عن رسالة التوحيد من بعده ، و أشركوا بالله عز وجل ، وقاموا بتأليه عيسى النبى وجعلوه إبن الله ثم الله نفسه وبات اسمه "الرب يسوع المسيح" وساووه بل ودمجوه برب العزة ، و اختلقوا المسيحية الحالية و بدعة الثالوث، أتى سيدنا محمد ، عليه الصلاة والسلام ، مصوبا وخاتما لرسالة التوحيد ، و كاشفا لما تم فى الرسالتين السابقتين من تحريف وشرك بالله . وهو الثابت فى نصوص اليهودية والمسيحية الى اليوم ، رغم كل ما تم بها من تحريف وتغيير وتبديل ، وهو الثابت فى قرآننا الكريم الذى لم يتغيّر منه حرفا واحدا ، فقد وعد ربنا سبحانه وتعالى بحفظه الى يوم الدين .



تصويب صياغة المحور :

ونظرا لكل ما تعانيه الشعوب الإسلامية من إضطهاد متفاوت الحدة والوضوح ، منذ أن بدأ الإسلام ينتشر وحتى يومنا هذا ، وتم وصمه بالإرهاب بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 ، ونظرا لكل ما تم تقديمه من تنازلات للمؤسسة الكنسية ، خاصة فى السنوات الأخيرة ، فى مختلف الأقطار المسلمة ، سواء جهلا أو عن عمد ، أو حتى خضوعا للضغوط السياسة التى باتت تمارس بجبروت وفى العلن فى كثير من الأحيان، فقد رأيت ضرورة تصويب صياغة المحور ليتمشى مع الواقع المُعاش ، مع كل تقديرى لمن صاغوه، ليصبح العنوان الذى سأتناوله هو: "الآخر والإسلام".. وليس "الإسلام والآخر" ، فالإسلام والمسلمون هم المعتدى عليهم بكل إصرار وصلف ، إعتمادا على تلال من الأكاذيب والتلاعب بالعبارات لصياغة قرارات ظالمة مجحفة .. والإسلام هو المطلوب إقتلاعه أو على الأقل تحريفه وتقليصة إلى مجرد المظاهر العبادية فحسب ، وكلها قرارات معلنة بوضوح لا مواربة فيها ، بل لقد تمت مناشدة العديد من المنظمات الدولية والعالمية لتبنى تنفيذ هذه القرارات بالتدخل السافر فى الشئون الداخلية للبلدان الإسلامية !



حقيقة عبارة "الآخر والاسلام" :

لا يسع المجال ، فى مثل هذا الحيّز المحدود ، بتناول قصة معاداة المؤسسة الكنسية للإسلام منذ بدأ إنتشاره حتى يومنا هذا ، وكيف كانوا يعتبرونه مجرد هرطقة من الهرطقات التى إعترت طريق تحريف المسيحية وتأليه السيد المسيح . وهو ما تناوله يوحنا الدمشقى ، فى القرن الثامن الميلادى ، فى كتابه المعنون "نبع المعرفة" حيث ضمنه قصة مائة وواحد هرطقة ، يمثل الإسلام فيه آخر الهرطقات آنذاك حيث انه يحمل عنوان الهرطقة رقم مائة وواحد !.. كما لا يسع المجال لسرد كم التحالفات التى تمت بين شعوب ومؤسسات مسيحية ، تتناحر فيما بينها ، لكنها تتآلف وتتكاتف لتتمكن من صد إنتشار الإسلام خاصة فى أوروبا ، ومنها الحروب الصليبية وحرب الإسترداد فى إسبانيا و معركة ليبانت فى اليونان سنة 1571 حينما تحالفت الأساطيل البحرية لعدة بلدان مسيحية لصد المد الإسلامى ، وغيرها كثير ..

لكننى سأتوقف عند المجمع المسكونى الفاتيكانى الثانى (1962-1965) ويختصرونه : "مجمع فاتيكان 2 " أو "المجمع الفاتيكانى الثانى". وذلك لأنه يمثل نقطة فارقة فى التاريخ الكنسى برمته ، ويُعد أول مجمع هجومى فى التاريخ حتى على أتباع المسيحية ، إذ أنه خرج خروجا سافرا عن نصوص الكتاب المقدس بغية تنفيذ مآرب سياسية بعينها .. أما كافة المجامع السابقة فكانت بمثابة مجامع تلفيقية ، بمعنى أنها كانت تجتمع لصد ما يعترى طريقها من معارك وإعتراضات داخلية فيما بينها .. أما هذا المجمع الفاتيكانى الثانى فإنه الركيزة الأساسية التى تعتمد عليها كافة المحاولات الحديثة التى إنبثقت لمحاربة الإسلام والمسلمين بشتى الوسائل منذ سنة 1965 . فلأول مرة فى التاريخ تُصدر المؤسسة الكنسية قرارا صريحا واضحا ومعلنا بأنها قررت تنصير العالم ، وبالتالى إقتلاع الإسلام والمسلمين ، موضحة أن هذا القرار مجمعى أى عالمى ولا رجعة فيه ..



مجمع الفاتيكان الثانى :

لقد أصدر هذا المجمع ستة عشرة وثيقة مختلفة الطول والمضمون ، يمكن تلخيص قراراتها الأساسية إجمالا بما يلى :

1- تبرأة اليهود من دم المسيح ، رغم مخالفة ذلك للعقيدة وللنصوص الإنجيلية الشديدة الوضوح.

2 - إقتلاع اليسار فى عقد الثمانينيات (من القرن الماضى). حتى لا تبقى أية أنظمة بديلة للرأسمالية الإستعمارية. وقد تم ذلك بالتواطؤ بين الفاتيكان والمخابرات المركزية الأمريكية وجورباتشوف كعميل من الداخل .. وما أكثر ما كتب عن تفاصيل اختلاق حزب " تضامن" فى بولندا ، واختلاق "العام المريمى" لتأجيج مناخ دينى مفتعل ، أو كل ما تم صرفه من مبالغ اُهدرت لتنفيذ هذه المخططات ..

3- إقتلاع الإسلام حتى تبدأ الألفية الثالثة وقد تم تنصير العالم.

4 - توصيل الإنجيل لكافة البشر.. وهى الصيغة المضغمة التى تم إعلانها آنذاك ، ثم قام البابا السابق يوحنا بولس الثانى سنة 1982 بتوضيحها فى خطاب رسمى معلِنا ضرورة تنصير العالم ، مشيرا إلى أن ذلك قرار لا رجعة فيه ..(لأنه قرار مجمع مسكونى) !

5 - توحيد كافة الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما ، وإنشاء لجنة خاصة بذلك ، رغم الخلافات العقائدية الجذرية بينها. وعندما لم يتم ذلك القرار، راح يوحنا بولس الثانى يحثهم قائلا : " إن هذه هى الوسيلة الوحيدة للتصدى للمد الإسلامى " (وارد فى كتاب : الجغرافيا السياسية للفاتيكان )

6 - فرض عملية التبشير على كافة المسيحيين ، الكنسيين منهم و المدنيين ، وهى أول مرة فى التاريخ تقوم فيها الكنيسة بإصدار قرارات مكتوبة ومعلنة متعلقة بالمدنيين الذين لا يندرجون فى الهيكل الكنسى.

7 - استخدام الكنائس المحلية فى عمليات التبشير ، الأمر الذى يضع الأقليات المسيحية فى موقف عدم الأمانة أو الخيانة للبلد الذى يعيشون فيه أى للأغلبية المسلمة ..

8 - فرض بدعة " الحوار" كوسيلة للتبشير و كسب الوقت حتى يتم التنصير بلا مقاومة ..

9 - إنشاء لجنة للحوار برئاسة الكاردينال آرنزى

10 - إنشاء لجنة خاصة بتنصير العالم برئاسة الكاردينال جوزيف طومكو. وقد قام أعضاء اللجنتين بإصدار وثيقة مشتركة فى 20/6/1991 بعنوان : "حوار و بشارة " تتضمن التوجيهات اللازمة لعملية التنصير الدائرة منذ ذلك الوقت فى تصعيد متواصل ..

11 – ومن أهم ما أقره هذا المجمع وأغربه إعتراف الفاتيكان أن الأناجيل ليست منزّلة من عند الله وان من كتبها هم بشر ، إلا ان الإختلافات التى فيها أو بينها ليست متناقضات وإنما هى "من قبيل التعددية فى التعبير" ، ورغمها يفرضونها على أنها منزّلة !



وثيقة "فى زماننا هذا" :

تعد وثيقة "فى زماننا هذا" من أهم وثائق مجمع الفاتيكان الثانى إذ انها تتضمن موقف الفاتيكان من غير المسيحيين .. وهى الوثيقة التى برأ فيها ذلك المجمع اليهود من دم المسيح ، رغم كل ما فى هذا القرار من مخالفة صريحة لعشرات الجمل التى لا تزال فى الأناجيل والتى تتهم اليهود بقتل المسيح ! أما القرار المتعلق بالمسلمين فهو يتكون من سبعة عشر سطرا يقول نصها :

الديانة الإسلامية :

3 – " إن الكنيسة تنظر أيضا بعين الإعتبار إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد ، الحىّ القيوم ، الرحمن القدير ، خالق السماء و الأرض ، الذى تحدث إلى البشر. إنهم يحاولون الخضوع بكل قواهم لقرارات الله ، حتى وإن كانت مخفية ، مثلما خضع إبراهيم لله والذى يتخذه الإيمان الإسلامى طواعية مثلا له. وعلى الرغم من أنهم لا يعترفون بيسوع كإله ، فهم يبجلونه كنبى ؛ ويوقرون أمه مريم العذراء، وأحيانا يتوسلون إليها بتضرع. كما أنهم ينتظرون يوم الحساب، الذى سيجازى فيه الله البشر بعد بعثهم ، وهم يقدرون الأخلاق ، ويقدمون عبادةٍ ما لله ، خاصةً بالصلاة ، والزكاة والصوم.

" وإذا ما كان عبر القرون قد اندلع العديد من الخلافات و العداوات بين المسيحيين والمسلمين، فإن المجمع يهيب بهم جميعا نسيان الماضى وأن يجتهدوا بإخلاص فى محاولة للفهم المتبادل، وأن يقوموا معا بحماية ونشر العدل الإجتماعى، والقيم الأخلاقية، والسلام و الحرية ، من أجل كافة البشر " (صفحة 29)

ولو تأملنا النص عن قرب وكل ما به من تلاعب بشئ من التحليل لرأينا ما يلى :

* أن كلمة " إسلام " غير واردة بهذا النص.

* أن الكنيسة "تنظر أيضا بعين الإعتبار" إلى المسلمين ، فلا تشير إليهم على أنهم أتباع الرسالة التوحيدية الثالثة ، التى أنزلها المولى تصويبا لما تم من تحريف فى الرسالتين السابقتين وختاما لرسالة التوحيد ، وإنما تنظر إليهم الكنيسة فحسب بعين الإعتبار !

* أن الإله الذى يعبده المسلمون " قد تحدث إلى البشر" ، أى أنه لم يتحدث تحديدا إلى سيدنا محمد مثلما تحدث الى موسى أو عيسى عليهما السلام !

* الإصرار المتعمّد على إستبعاد نسب المسلمين لسيدنا إسماعيل . الأمر الذى ترتبت عليه أحداث سياسية فادحة فى حق الفلسطينيين ..

* أن "الإيمان الإسلامى" يتخذ سيدنا إبراهيم كنموذج ، يتخذه مجرد مثال ولا ينتسب إليه ! فأهم إنعكاس لذلك التعبير ، غير الأمين ، أنه يستبعد إنتساب الفلسطينيين إلى أرضهم ، بما أنهم كمسلمين لا ينتسبون الى سيدنا إبراهيم ، وان الإسلام لا علاقة له بهذه المنطقة ، بعد ان وضعه هؤلاء المحرّفون ، فى هذه الوثيقة ، ضمن الديانات الأسيوية لإستبعاده تماما عن كل المنطقة التى نزل بها الوحى !!

* الإصرار على إستبعاد الإسلام من النص الإنجيلى رغم كل الإشارات التى لا تزال فى الكتاب المقدس بعهديه ، رغم كل ما أصابه من تعديل وتغيير ، بل وكل ما تم فيه من تحريف متعمّد ..

* ان عملية التزوير التاريخية التى تمت فى هذه الوثيقة و وضع الإسلام بين الديانات الكبرى الأسيوية ، التى تولدت بعيدا عن المسيحية ، عبارة عن مغالطة متعددة الأهداف أهمها ان الإسلام لم يأت كاشفا ومصوبا لما تم من تحريف فى الرسالتين السابقتين ، وخاصة إستبعاد المسلمين الفلسطينيين من هذه المنطقة أساسا ، وبالتالى لا يكون لهم اى حق في أرضهم المنتزعة قهرا لتستمر عملية الإحتلال الصهيونى بلا حرج أو بلا سند تاريخى لصالح الفلسطينيين !!

* التأكيد على ضرورة نسيان الماضى وكل ما إقترفته الكنيسة فى حق المسلمين من مجازر وإضطهاد لا يزال مستمرا ، بدليل الإصرار على تنصير العالم .. ولم تقم الكنيسة بالإعتذار للمسلمين مثلما اعتذرت لليهود عن كل ما تجرعوه من إضطهاد عبر القرون ، وإنما تطالبنا بالنسيان .. وهو نفس الموقف الذى تبناه البابا بنديكت 16 حينما تعمد سب الإسلام والمسلمين فى المحاضرة التى القاها فى جامعة راتسبون سنة 2006 ، ولم يعتذر ، وإنما تأسّف لرد فعل المسلمين وغضبهم ..



مجلس الكنائس العالمى :

عندما فشل الغرب المتعصب فى تنصير العالم عشية الألف الثالثة ، قام مجلس الكنائس العالمى ، فى يناير 2001 ، بإسناد مهمة إقتلاع الإسلام إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، مع تسمية ذلك العقد (2001 – 2010) "عقد إقتلاع الشر" . وما هى إلا بضعة أشهر حتى اختلقت الإدارة الأمريكية مسرحية "الحادى عشر من سبتمبر" لتتلفع بشرعية دولية لتنفيذ مشاريعها الإستعمارية التنصيرية وأهمها ما تطلق عليه الشرق الأوسط الجديد أو الكبير..

ومجلس الكنائس العالمى منظمة تضم 349 كنيسة مختلفة ، منتشرة فى 120 بلد و تمثل كافة الإتجاهات المسيحية باختلافاتها العقائدية. إلا أن الكنيسة الكاثوليكية الفاتيكانية ليست عضوا بالمجلس (لأغراض تنظيمية سياسية ..) ، إذ أنها تتعاون معه بفاعلية مكثفة بحكم انها غير مشتركة فيه ..

وقد قام مجلس الكنائس العالمى ، الذى يعمل بجهود مشتركة مع لجنة تنصير العالم ولجان أخرى بالفاتيكان ، بعقد أكبر مؤتمر عالمى للتبشير، من 9 إلى 16 مايو 2005 باليونان ، لتوحيد عمليات تنصير العالم بين مختلف الكنائس ، و خاصة الكنيسة الإنجيلية و العَنْصَرية و الكاثوليكية الرومية. وعلى الرغم من توجيه عمليات التبشير فى ثلاثة مجالات أساسية : بلدان الكتلة الشرقية السابقة ، والدول المسيحية التى تفشى فيها الإلحاد ، والدول الإسلامية وباقى الديانات الأخرى ، فإن التركيز على تغيير القرآن و زعزعة الإسلام يحتل الصدارة فى جدول الأعمال. و تتوالى مؤتمرات التبشير المحلية و العالمية بإصرار ودأب ، مثلما تتوالى المغالطات والأكاذيب و التعامل بوجهين مع المسئولين المسلمين ..

ومن أهم القرارات التى أسفر عنها ذلك المؤتمر الذى يتوسط "عقد إقتلاع الشر"، البنود التالية :

تفادى أية صراعات أو منافسة بين الكنائس المختلفة أثناء عمليات التبشير ؛ الإصرار على أن " رسالة الله" التى تفرضها الكنائس موجهة لكافة البشر ؛ أنه يقع على الكنيسة توجيه الناس إلى التوبة ليدخلوا حياة جديدة بيسوع المسيح ؛ إن الكنيسة بأسرها مطالبة بتوصيل الإنجيل للعالم أجمع ؛ أنه لابد من غرس كنائس المسيح فى الثقافات المحلية لتسهيل تنمية الإيمان المسيحى ؛ دراسة كيفية التغلب على الوجود المتزايد للديانات الأخرى و خاصة الإسلام ، فى كل من أوروبا وأمريكا الشمالية ، لأنه يمثل تحديا حقيقيا لنشاطات المبشرين..



أهم المؤتمرات التبشيرية السابقة :

من أهم ما تمخضت عنه التيارات المتتالية الناجمة عن أزمة الأصولية والحداثة ، التى اعترت المؤسسة الكنسية فى مطلع القرن العشرين و التى كادت تطيح بالكيان الكنسى برمته ، إثارة قضيتين بصورة قاطعة : الإطاحة بمصداقية النصوص الإنجيلية ومحتواها العلمى أو المعرفى ؛ وإثبات صياغاتها المختلفة عبر الزمان أى أنها ليست منزّلة على الإطلاق .. وهو ما يعنى تفنيدها شكلا وموضوعا ! لذلك انطلق ذلك الكيان الكنسى بكل جبروت ليفرض المسيحية على العالم والإصرار على تنصيره ، على أن ذلك هو المخرج الوحيد له بعد أن تهدمت مصداقية نصوصه خاصة بعد معركة الأصولية والحداثة ..

ومن أهم مؤتمرات التنصير التى انعقدت على الصعيد العالمى : مؤتمر : "لوزان 1 " بسويسرا سنة 1974 ، لتدارس كيفية تنفيذ قرارات مجمع الفاتيكان الثانى ، وجميعها تشير الى ضرورة تنصير العالم .. مؤتمر "كولورادو" بالولايات المتحدة سنة 1978 ، لتدارس كيفية تطبيق ما تمخض عنه المؤتمر السابق فى مدينة لوزان .. ثم "لوزان 2 " فى مدينة مانيللا بالفيليبين سنة 1989 بمشاركة 3000 قيادى تبشيرى تجمعوا من 170 بلد من جميع انحاء العالم .. وتتوالى المؤتمرات حتى العام القادم ، سنة 2012 ، بإقامة سينودس للتنصير الجديد و تنصير العالم ..



البابا بنديكت السادس عشر :

ومن ناحية أخرى فإن البابا بنديكت 16، الذى كان قد أعلن رسميا تأييده وإنضمامه للنظام العالمى الجديد ، لا يكف عن المحاولات المستميتة من أجل تنصير العالم بشتى الوسائل حتى السياسية منها. فحينما كان فى زيارته للولايات المتحدة ، من 15 إلى 20 إبريل 2008 ، ألقى أحد عشر خطابا تصرّ على الإشارة إلى الإرهاب الإسلامى ، وأخص بالذكر ثلاثة منها : البيان المشترك الذى القاه مع جورج بوش يوم 16 إبريل ، وخطابه يوم 17 أمام ممثلى الأديان المختلفة ، ثم الخطاب الذى ألقاه يوم 18 فى هيئة الأمم المتحدة ، حيث طالب هذه الهيئة الدولية ، غير المحايدة ، بالتدخل من أجل حماية الأقليات المسيحية فى العالم موضحا : "إذا كانت الدول غير قادرة على ضمان مثل هذه الحماية فإن المجتمع الدولى يجب عليه أن يتدخل بالوسائل القانونية الواردة فى ميثاق هيئة الأمم المتحدة وفى نصوص أخرى من القانون الدولى" ! مكررا هذه العبارة اكثر من مرة .

ولم تتوقف محاولاته عند ذلك الحد وإنما أعلن ، يوم الإثنين 28 يونيو 2010 ، عن إنشاء لجنة بابوية جديدة لتنصير البلدان ذات الجذور المسيحية بعنوان "المجلس البابوى للتبشير الجديد " ، بعد أن كان قد أعلن أن اسمها "المجلس البابوى لتبشير أوروبا" ، لكنه غيّر الإسم تفاديا للإنتقادات ، موضحا ان ذلك المجلس يهدف الى : "نشر التبشير الجديد فى البلدان التى تم تنصيرها سابقا ، وبها كنائس قديمة ، لكنها تباعدت وتعيش علمنة متزايدة بحيث ان إختفاء معنى وجود الله بات يمثل تحديا لا بد من مواجهته بشتى الوسائل لإعادة نشر الحقيقة الخالدة لإنجيل المسيح" .. وفى يومى 24 و 25 مارس 2011 إبتدع وسيلة للدمج بين الحوار والتبشير "دون أن يبدو على أنه عملية تبشير" ، على حد قوله ، وذلك بعمل منتدى للحوار بين المؤمنين وغير المؤمنين فى فناء كاتدرائية نوتر دام فى باريس ، وهى الإحتفالية التى شارك فيها كل من اليونسكو والمعهد العلمى القومى الفرنسى وجامعة السوربون ، ومنها جلسات بدعوات خاصة لكبار المسئولين وطلبة الدكتوراة. وهو ما يكشف عن مدى نفوذ بابا الفاتيكان و مؤسساته فى المجتمعات الغربية وخاصة فرنسا ، مدعية العلمانية ، لكنها تتضامن معه بأهم مؤسساتها فى محاولة إقتلاع الإسلام ..

وبنديكت 16 هو القائل بأنه يتعين على المسلمين القيام بما قامت به المؤسسة الفاتيكانية من تعديل وتبديل فى النصوص ، بناء على ما فرضه عليها عصر التنوير ، وأنه يتعين علي المسلمين حذف كل ما يحمله القرآن من إتهامات إلهية لمن حادوا عن رسالة التوحيد وعمل تفسير جديد للقرآن يتمشى مع مطالب الغرب ومؤسسته الصليبية ! والكاردينال توران ، رئيس لجنة الحوار ، هو القائل بأنه لا يمكن التحاور مع المسلمين طالما يصرون على أن القرآن كلام الله ؟!.

وقد أعلن بنديكت عن إقامة الصلاة الجماعية بين أتباع كافة الديانات والعقائد فى بلدة آسيز، فى إيطاليا ، فى أكتوبر 2011 ، اى بعد ثلاثة أشهر ، إحياء لذكرى مرور عشرون عاما على هذه البدعة المقصود منها التعوّد على كسر الحواجز بين الديانات والعقائد المختلفة تسهيلا لعملية التنصير ، كما أعلن عن إقامة سينودس خاص بالتنصير الجديد فى اكتوبر 2012 ، وقد بدأت لجان الأساقفة الإعداد له.



تنازلات المسلمين :

يؤلمنى بل ويخجلنى أن أقوم بالإشارة إلى عدة نماذج مما قدمه بعض المسلمين من تنازلات فى حق دينهم ، رضوخا أو مرضاة للمؤسسة الكنسية ، جهلا أو عن عمد ، إلا ان ما وصلت إليه الأوضاع حاليا بحاجة إلى وقفة صارمة دفاعا عن الدين ..

فالأزهر، الذى يمثل فى مصر وفى العالم الإسلامى ، أكبر و أعرق رمز للإسلام ، فرّط فى حق الإسلام وفى حق نبيه عليه الصلاة والسلام ، بقبوله إلغاء مادة الدين من التعليم كمادة أساسية للنجاح والسقوط ؛ وقبوله "تعديل" المناهج الدينية وتغيير الآيات فى المناهج الدراسية بدلا من شرح وتفسير أسباب نزولها ؛ وإسناد المعاهد الأزهرية إلى التربية والتعليم أو تحويلها إلى مرافق أخرى ؛ و"تعديل" الخطاب الدينى والمساس بثوابته ؛ وإغلاق المساجد بين الصلوات ؛ وتضييق نطاق بناء المساجد ؛ و تحويل ما لم تُقم فيه الشعائر بعد إلى مرافق أخرى ، بل وهدم ما تم بنائه قبل إستخراج تصاريح البناء ؛ - وهنا لا يسعنى إلا أن أسأل : هل يمكن لنفس هؤلاء المسؤلين والوزراء القيام بمثل هذا التصرف حيال الكنائس التى فاق عددها نسبة أتباعها مقارنة بقلة عدد المساجد بالنسبة للمسلمين ؟! فما اكثر ما تم بناؤه من كنائس بلا تراخيص ، بل ما أكثر الأراضى التى اُخذت بوضع اليد ولم يتحرك أحد ، وما أكثر الكنائس التى تضخّم حجمها فى مكانها الى درجة الإنبعاج الفظ معماريا أو تلك المنازل التى تحوّلت الى كنائس بوضع قباب تعلوها الصلبان على اسطحها !..

ولقد خرج العاملون بالأزهر عن تعاليم دينهم ووصايا الرسول عليه الصلاة والسلام بالتهاون فى مسألة الحجاب فى فرنسا ؛ وبتسليم وفاء قسطنطين بدلا من حمايتها ؛ كما غضوا الطرف عن الدفاع عن الإسلام وعن نبيه الكريم فى مهزلة مسرحية كنيسة الإسكندرية بإحالتها إلى عالم الصمت والنسيان ؛ والصمت أيضا حينما أهانت السلطات القمعية الأمريكية المصحف الشريف فى جوانتنامو وغيرها ؛ وخاصة ذلك الصمت الغريب حينما تم إعلان عيد ميلاد "ربنا يسوع" عطلة رسمية فى الدولة ، الدولة ذات الأغلبية المسلمة ، وكان من الأكرم لهم أن يوضحوا ما بهذا الإجراء من مساس بعقيدة المسلمين الذين يمثلون الأغلبية الساحقة فى مصر وكيف أن مثل هذه الإجراءات تخرج عن حدود التسامح لتسهم او لتمهد الطريق لعمليات التنصير الدائرة !

والأدهى من هذا وذاك ، وغيره جد كثير بكل أسف ، هو التوقيع ، فى 18 إبريل 2005 ، على إتفاقية بين الأزهر والفاتيكان والكنيسة الأنجليكانية بالموافقة على أن يقوم المبشرون بالتبشير فى مصر دون أن يتعرض لهم أى عائق ..

كما أشير خاصة إلى تلك الوثيقة التى بدأ بالتوقيع عليها ، جهلا أو عن عمد ، 138 من كبار العلماء والفقهاء المسلمين فى اكتوبر 2007 ، ثم تزايد عدد الموقعين ، وهى بعنوان "تعالوا الى كلمة سواء" ، التى يقر فيها الموقعون أننا ، مسلمون ومسيحيون ، نعبد نفس الإله !! وهنا لا يسعنى إلا أن أسأل كل من قاموا بالتوقيع علي ذلك الخطاب المهين : هل نسيتم أن صفة الإله فى الإسلام ليست الوحدانية فقط وإنما هو "أحدٌ صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد " ؟!. بينما الإله عند النصارى هو : " ربنا يسوع المسيح، إبن الله ، الذى تجسد بشرا ليخلص الإنسانية ، وصُلب ودُفن ونزل الجحيم وبُعث وصعد إلى السماء ليجلس عن يمين الآب ، الذى هو نفسه ، بما أن الآب والإبن والروح القدس إله واحد " ؟!

وفى نفس هذه السلسلة الممجوجة من التنازلات ، صدرت الأوامر الخاصة بتجفيف الإسلام من المنبع ، إلى كل البلدان الإسلامية .. كما صدرت إلى مجمع الملك فهد بتقليل طباعة المصاحف سنويا ، وبذلك سيأتى اليوم الذى لا نجد فى متناول اليد سوى "الفرقان الحق" – تلك البدعة المهينة التى ابتدعتها الأيادى العابثة فى الإدارة الأمريكية وتقوم بتوزيعها على بلدان العالم الإسلامى والعربى على أنه القرآن المنقح !.. ولا أقول شيئا عن الفضائيات والبرامج التى تسب الإسلام ونبيه الكريم ولا نرد أو نشرح الحقائق بل ولا يُسمح بذلك إلا على إستحياء أو على مضض ذرا للرماد فى الأعين !..

فكيف بعد كل هذه التنازلات نتحاور مع هؤلاء القوم ونستجيب لمطالبهم بدلا من وقف مهزلة التنازلات ، وبدلا من المطالبة بوقف هستيريا تنصير العالم ، وبدلا من تجميد العلاقات مع ذلك الغرب الصليبى المتعصب إلى أن يتم تصويب وتغيير كل هذه المهازل ؟! وتكفى الإشارة هنا إلى فساد ذلك الحوار ، وإلى أن لجنة الحوار الفاتيكانية قد فرضت فى أول جلسة لها مع لجنة الأزهر وأخذت توقيعها على أنه "لا نقاش فى العقيدة" ، فما جدوى الحوار إذن والخلاف بيننا فى العقيدة ؟!.



الخاتمة :

إن موقف الآخر من الإسلام والمسلمين ، و الهجمة الشرسة علي الإسلام باتت من الوضوح والصراحة المعلنة بحيث ان الرد عليها لا بد وان يكون حاسما قاطعا لا تهاون فيه . ولقد استعرضتُ فى عجالة أهم المحاور التى تثبت ان عملية تنصير العالم وإقتلاع الإسلام هى قرار لا رجعة فيه بالنسبة للمؤسسة الكنسية ، وأن كل الوثائق لديهم تُصاغ بهدف تنفيذ ما قرروه سنة 1965 لتنصير العالم .. لذلك أناشد الإتحاد العالمى لعلماء المسلمين ، وكافة المؤسسات والهيئات الإسلامية ، ان تتكاتف للدفاع عن الإسلام وإتخاذ التدابير اللازمة لرفض ذلك القرار الخاص باقتلاع الإسلام والمسلمين الصادر عن مجمع الفاتيكان الثانى فى وثيقة "فى زماننا هذا"، تلك الوثيقة التى بُنيت عليها أهم قضيتين منفصلتين متكاملتين : تنصير العالم ، من جهة ؛ وإقتلاع الجذور التاريخية الدينية لشعب فلسطين ، من جهة أخرى ..

ففى القضية الأولى : لا بد من التصدى بكافة الوسائل لعملية تنصير العالم وإقتلاع الإسلام ، التى تقوم بها المؤسسة الفاتيكانية لفرض ديانة تم نسجها عبر المجامع على مر القرون ، أى أنها أبعد ما تكون عن التنزيل الإلهى . وعلى أؤلك المحرّفون فهم أن الإسلام قد أنزله المولى عز وجل بعد أن حاد اليهود والنصارى عن رسالة التوحيد بالله، ولا يحق لهم إقتلاعه بحجة حماية كل ما قاموا به من تحريف وتزوير وحماية لكيانهم !

وفى القضية الثانية : تم فيها إستبعاد الإسلام من مكان الرسالات التوحيدية والزج به بين الديانات الأسيوية ، بهدف إستبعاد المسلمين وخاصة الفلسطينيين من أرضهم لتقديم ارض بلا شعب لشعب بلا أرض – كما يقولون .. فكل ما أثبتته الأبحاث العلمية والحفائر التى قام بها الصهاينة فى سيناء وفى أرض فلسطين أكدت أن اليهود لا أثر لهم أو لوجودهم بهذه الأرض ، وتكفى الإشارة إلى أبحاث كتبها عدد من أمناء الأساتذة اليهود مثل كتاب "كشف النقاب عن الكتاب المقدس" لكل من إسرائيل فنكلشتاين (I. Finkelstein) و نيل سيلبرمان (N. Silberman) وكلاهما بالجامعة العبرية ، أو كتاب "كيف تم إختراع الشعب اليهودى" للعالم شلومو ساند (Sh. Sand)، وكثير غيرها ، لندرك أن القضية الفلسطينية قضية سياسية بحتة وليست دينية ، فاليهود ، حتى بأقوال الكتاب المقدس بعهديه ، لا حق لهم فى أرض فلسطين التى اقترفوا فيها كافة أنواع العدوان والمجازر المحرّمة دوليا لإقتلاع شعبها .. لأن وعد هبة الأرض فى النصوص كان مشروطا بالإستقامة ، واليهود ، بأقوال الكتاب المقدس لم يستقيمو وحادوا عن التوحيد بالرجوع الى عبادة العجل وإلى قتل الأنبياء .. وهو ما ينص عليه أيضا القرآن الكريم .

كما يجب إلغاء ذلك الخطاب المعنون "تعالوا إلى كلمة سواء" ، وسحبه من التعامل مع المؤسسة الكنسية بأسرع وقت ، فنحن كمسلمين لا نعبد السيد المسيح ، الذى تم تأليهه فى مجمع نيقية سنة 325 م ، ولا نعبد الثالوث الذى تم إختلاقه سنة 381 فى مجمع القسطنطينية ، وإنما نحن نعبد الله ، الذى ليس كمثله شئ ..

وفى نهاية هذا البحث أتوجه بسؤال يتعلق بعملية التنصير ، تنصير العالم ، وباقتلاع شعب فلسطين ، أتوجه به إلى البابا بنديكت 16 ، الذى يقود عملية تنصير العالم بهيستيرية جنونية وبتعصب أكمه :

ما هو مصير اليهود فى عملية تنصير العالم ؟ .. بل ما هو مصير هؤلاء الصهاينة الذين منحتهم أرضا ليست من حقهم يقينا ، بينما يعانى الشعب الفلسطينى من عملية قتل عرقى مكبلة الأصداء ، على مرأى ومسمع من العالم أجمع : هل ستقومون بتنصير اليهود أيضا أم أنهم ، لسبب ما فى بطن يعقوب ، معافون من الخلاص المسيحى ؟!

كما أرجو من الإتحاد العالمى لعلماء المسلمين ومن كافة الهيئات الإسلامية أن تتضامن وتتكاتف لمطالبة البابا بنديكت السادس عشر ، رئيس الفاتيكان ورئيس الكرسى الرسولى ، بتقديم الإعتذار العلنى الصريح والواضح لكافة المسلمين عن كل ما يلى :

* الإعتذار عن خطأه فى سب الإسلام وسب سيدنا محمد ، عليه الصلاة والسلام ، عمدا متعمدا ، فى الخطاب الذى القاه فى جامعة راتيسبون ، فقد تعمد ذلك بإختيار إستشهاد مغرض ، والإستشهاد لا يقفذ فى النص الذى يكتبه المؤلف وإنما المؤلف هو الذى يختار الإستشهاد لتدعيم رأيه أو لتفنيد الإستشهاد ..

* الإعتذار عن كل ما قامت به المؤسسة الكنسية ضد المسلمين ، على مر التاريخ ، منذ إنتشار الإسلام وحتى يومنا هذا ، مثلما إعتذرت لليهود رسميا عن كل ما كالته لهم من إضطهاد على مر التاريخ ..

* الإعتذار عن عملية تنصير العالم التى يقودها بإصرار لإقتلاع الإسلام ، والعمل على وقفها ، فكل ما تسببت فيه من أضرار لكافة الشعوب ، بما فيها أتباع المسيحية الذين فُرض عليهم وعلى كنائسهم المحلية المساهمة فيها ، يتطلب وقف مخازى القمع والإجبار لفرض التنصير ، حتى وإن كان بزعم المساعدة أو تحت ستارها المتهتك !..

* الإعتذار عن الجزء المتعلق بالمسلمين فى وثيقة "فى زماننا هذا" التى ساهم فى صياغتها ، فى مجمع الفاتيكان الثانى ، وكان يحمل لقب وإسم الكاردينال راتزنجر ، رئيس لجنة محاكم التفتيش ، التى تغير اسمها لتصبح لجنة عقيدة الإيمان ، وتصويب كل ما جاء بها من فريات ومغالطات تاريخية ودينية فى حق الإسلام والمسلمين ..

* الإعتذار للفلسطينيين عن التسبب فى إقتلاعهم من أرضهم بتحريف الحقائق التاريخية والنصوص ، وعن كل ما تكبدوه من عدوان وتطهير عرقى ونهب لحقوقهم ولثرواتهم ، بل ومحاصرة لا تزال تعتصر كيانهم وبنياتهم ، والعمل على إعادتها لهم كاملة وعلى عودة اللاجئين الفلسطينيين ، فاليهود يقيناً لا حق لهم فى هذه الأرض التى تم إنتزاعها لأغراض سياسية.

وما لم يتم الإعتذار رسميا عن كل ما تقدم فيجب على المسلمين وقف التعامل مع هذه المؤسسة الصليبية الرعناء إلى أن تستقيم وتعى معنى الحق ، والعدل ، والحرية ، والسلام ، و إلى أن تدرك أن كل هذه القيم من حق كافة البشر لكى يعيشوا فى أمن ووفاق ..

الخميس، 28 يوليو 2011

انصروا الله يوم الشريعة .. جمعة 29 يوليو

انصروا الله يوم الشريعة .. جمعة 29 يوليو
خرج الناس يطالبون بحقوق مشروعة لا شك في ذلك , فالحرية والكرامة والمطالبة بحق الحياة التي كادت أن تنتزع بكامل صورها , كل هذه حقوق لا نشك في أهميتها وضرورتها لحياة الشعوب , ولكن الآكد منها هو حق الله الذي أحيانا ويميتنا وهو وحده متكفل بالرزق والإعانة , فالإنسان صنعة الله تعالى , ولا يملك تحديد ما يتم به صلاح المصنوع إلا الصانع , ولا يعلم أفضل طريقة لعيش المصنوع وتشغيله إلا صانعه , وقد أنزل الله تعالى شرائعه على رسله دساتير لأهل الأرض , هداية لهم وأمناً وأماناً , دلهم بها على أفضل سبل العيش وأرقاها وأطهرها وأبعدها عن الدنس , فهو وحدة ولا أحد غيره يملك الدستور الصحيح الذي يمكن للبشر الذين خلقهم أن يعيشوا به على الأرض التي لم يخلقها سواه .
فهو خلق البشر , وخلق الكون , وهو حده أعلم بوسيلة تشغيل البشر وبوسائل تكيفهم مع كونه , فكانت الشرائع السماوية هي الدليل المرشد الهادي للبشر على الأرض حتى يحققوا أفضل عيش ويحصلوا على أرقى حياة .
من هنا يتضح لنا أن المطالبة بتطبيق الشريعة هو مطالبة في جوهرها بإصلاح الحياة والمحافظة عليها , المحافظة على الدين والخلق والاقتصاد والتعاون والصلة بين البشر والحب والمودة والقوة والمنعة والعلم والهداية , لن يتحقق كل هذا إلا بالعودة لدليل صاحب الصنعة إلا بالعودة لشرع الرحمن تبارك وتعالى .
من هنا ولاجتماع سائر علماء المسلمين بمصر على تحديد الجمعة 29 يوليو كيوم للمطالبة بالشريعة الإسلامية والمحافظة على هوية مصر الإسلامية .
فإني أدعو جميع طوائف هذا الشعب المحب لله رب العالمين ولكتابه المبين ولرسوله الكريم أن يثبت للعالم أجمع أنه مع الحفاظ على الهوية الإسلامية ويطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية , فهو شعب مسلم حتى النخاع , محب لشرع الله بلا نزاع .
وأذكر نفسي وأحبتي ببعض أدلة وجوب تطبيق شريعة الرحمن :
قال العلامة محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية السابق رحمه الله في رسالة تحكيم القوانين :
الله عزّ وجلّ: {فإنْ تنازعتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً}.

وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عمن لم يُحَكِّموا النبي صلى الله عليه وسلم، فيما شجر بينهم، نفيا مؤكدا بتكرار أداة النفي وبالقسم، قال تعالى: {فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يُحكِّموك فيما شَجَر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيتَ ويُسَلِّموا تسليمًا}.

ولم يكتف تعالى وتقدس منهم بمجرد التحكيم للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم، بقوله جل شأنه: {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت}. والحرج: الضيق. بل لا بدّ من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب.

ولم يكتف تعالى أيضا هنا بهذين الأمرين، حتى يضموا إليهما التسليم: وهو كمال الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم، بحيث يتخلّون ها هنا من أي تعلق للنفس بهذا الشيء، ويسلموا ذلك إلى الحكم الحق أتمّ تسليم، ولهذا أكّد ذلك بالمصدر المؤكّد، وهو قوله جلّ شأنه: {تسليمًا} المبيّن أنه لا يُكتفى ها هنا بالتسليم.. بل لا بدّ من التسليم المطلق.

وتأمل ما في الآية الأولى، وهي قوله تعالى: {فإنْ تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً..} كيف ذكر النّكِرة، وهي قوله: {شيء} في سياق الشرط، وهو قوله جلّ شأنه: {فإنْ تنازعتم} المفيد العمومَ فيما يُتصوّر التنازع فيه جنسا وقدرًا.

ثم تأمل كيف جعل ذلك شرطا في حصول الإيمان بالله واليوم الآخر، بقوله: {إنْ كُنتُم تؤمنون بالله واليوم الآخر}، ثم قال جل شأنه: {ذلك خيرٌ}. فشيء يُطلقِ اللهُ عليه أنه خير، لا يتطرّق إليه شرّ أبدا، بل هو خيرٌ محضٌ عاجلا وآجلاً.

ثم قال: {وأحسن تأويلاً}. أي: عاقبةً في الدنيا والآخرة، فيفيد أنّ الردَّ إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم، عند التنازع شرٌّ محضٌ، وأسوأ عاقبة في الدنيا والآخرة عكس ما يقوله المنافقون: {إنْ أَرَدْنا إلآَّ إحْسانًا وتَوْفيقًا}. وقولهم: إنّما نحنُ مُصلِحون. ولهذا ردّ اللهُ عليهم قائلا: {ألاَ إنّهم هُمُ المُفْسِدون ولكن لا يَشْعُرون}.

وعكس ما عليه القانونيون من حكمهم على القانون بحاجة العالم (بل ضرورتهم) إلى التحاكم إليه، وهذا سوء ظن صِرْفٍ بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحضُ استنقاص لبيان الله ورسوله، والحكم عليه بعدم الكفاية للناس عند التنازع، وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة إن هذا لازمٌ لهم.

وتأمّل أيضا ما في الآية الثانية من العموم، وذلك في قوله تعالى: {فيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم}. فإنّ اسم الموصول مع صِلته مع صيغ العموم عند الأصوليين وغيرهم، وذلك العمومُ والشمولُ هو من ناحية الأجناس والأنواع، كما أنه من ناحية القدْر، فلا فرقَ هنا بين نوع ونوع، كما أنّه لا فرق بين القليل والكثير، وقد نفى اللهُ الإيمانَ عن مَن أراد التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، من المنافقين، كما قال تعالى: {أَلمْ تَرَ إلى الذينَ يَزْعُمونَ أنّهم آمنوا بما أُنْزِلَ إليكَ وما أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدونَ أنْ.يَتَحاكَموا إلى الطاغوتِ وقدْ أُمِروا أنْ يكفُروا به ويُريدُ الشيطانُ أنْ يُضلّهم ضلالا بعيدًا}.

فإنّ قوله عز وجل: "يَزْعُمون" تكذيب لهم فيما ادّعوه من الإيمان، فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبدٍ أصلاً، بل أحدهما ينافي الآخر، والطاغوت مشتق من الطغيان، وهو: مجاوزة الحدّ.

فكلُّ مَن حَكَمَ بغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو حاكَمَ إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حَكَمَ بالطاغوت وحاكم إليه.

وذلك أنّه مِن حقِّ كل أحدٍ أن يكون حاكمًا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فقط لا بخلافه، كما أنّ من حقِّ كل أحدٍ أن يُحاكِمَ إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.. فمَن حَكَمَ بخلافه أو حاكم إلى خلافه فقد طغى، وجاوز حدّه، حُكْمًا أو تحكيما، فصار بذلك طاغوتا لتجاوزه حده.

وتأمل قوله عز وجل: {وقدْ أُمِروا أنْ يكفُروا به} تعرف منه معاندة القانونيين، وإرادتهم خلاف مراد الله منهم حول هذا الصدد، فالمراد منهم شرعًا والذي تعبّدوا به هو: الكفر بالطاغوت لا تحكيمه.. {فبدَّل الذينَ ظَلموا قولاَ غيرَ الذي قيلَ لهُم}.

ثم تأمل قوله: {ويُريدُ الشيطانُ أنْ يُضلّهُم} كيف دلَّ على أنّ ذلك ضلالٌ، وهؤلاء القانونيون يرونه من الهدى، كما دلّت الآية على أنّه من إرادة الشيطان، عكس ما يتصور القانونيون من بُعدهم من الشيطان، وأنّ فيه مصلحة الإنسان، فتكون على زعمهم مرادات الشيطان هي صلاح الإنسان، ومراد الرحمن وما بُعث به سيدُ ولد عدنان معزولا من هذا الوصف، ومُنحىً عن هذا الشأن وقد قال تعالى منكرا على هذا الضرب من الناس، ومقررا ابتغاءهم أحكام الجاهلية، وموضحا أنه لا حُكم أحسن من حُكمه: {أَفَحُكمَ الجاهليةِ يَبْغونَ ومَنْ أحسنُ مِن اللهِ حُكمًا لِقومٍ يُوقِنون}.

فتأمل هذه الآية الكريمة وكيف دلّت على أنّ قِسمة الحكم ثنائية، وأنّه ليس بعد حكم الله تعالى إلاّ حُكم الجاهلية، شاءوا أمْ أبوا، بل هم أسوأ منهم حالاً، وأكذب منهم مقالاً، ذلك أنّ أهل الجاهلية لا تناقُضَ لديهم حول هذا الصدد.
وأما القانونيون فمتناقضون، حيث يزعمون الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ويناقضون ويريدون أنْ يتّخذوا بين ذلك سبيلاً، وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء: {أُولئكَ هُمُ الكافرونَ حَقَّا وأَعْتدنا للكافرينَ عذابًا مُهينًا}.

ثم انظر كيف ردّت هذه الآية الكريمة على القانونيين ما زعموه من حُسن زبالة أذهانهم، ونحاتة أفكارهم، بقوله عزّ وجلّ: {ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقوْمٍ يُوقِنون}.

قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: (ينكر اللهُ على من خرج من حكم الله المُحْكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شرّ، وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتارُ من السياسات الملكية المأخوذة عن مَلِكهم "جنكيز خان" الذي وضع لهم كتابًا مجموعًا من أحكامٍ قد اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية، والنصرانية، والملة الإسلامية، وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بَنيهِ شرعا مُتّبعا يقدِّمونها على الحكم بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافرٌ يجب قتاله حتى يرجعَ إلى حكم الله ورسوله، فلا يُحَكِّم سواه في قليل ولا كثير. قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الجاهليةِ يَبْغون}. أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون. {ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يوقِنونَ}. أي: ومن أعدل من الله في حكمه، لِمَن عَقَل عن الله شرعه وآمن به وأيقن، وعلِم أنّ الله أحكمُ الحاكمين، وأرحمُ بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء القادر على كل شيء، العادل في كل شيء) انتهى قول الحافظ ابن كثير.

وقد قال عزّ شأنه قبل ذلك مخاطبا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: {وأَنِ احْكُمْ بَيْنهُم بما أنزل اللهُ ولا تَتَّبِعْ أهْواءهُم عَمّا جاءَك مِن الحقّ}.

وقال تعالى: {وأنِ احْكُمْ بَيْنهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ واحْذَرْهُم أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إليك}.

وقال تعالى مُخيرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، بين الحُكم بين اليهود والإعراض عنهم إنْ جاءُوه لذلك: {فَإنْ جاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم أوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وإنْ تَعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وإنْ حَكَمْتَ فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ}. والقسط هو: العدل، ولا عدل حقا إلاّ حُكم الله ورسوله، والحكم بخلافه هو الجور، والظلم، والضلال، والكفر، والفسوق، ولهذا قال تعالى بعد ذلك: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون} {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظالِمُون} {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقون}. أ هـ من رسالة تحكيم القوانين .

والله أسأل أن يحكم شرعه في الأرض وأن ينصر الإسلام ويعز المسلمين

الثلاثاء، 26 يوليو 2011

الرجل النادم!

الرجل النادم!



عبد السلام البسيوني | 18-07-2011 01:19

اتصل بي باكيًا منفعلاً نادمًا، يكاد قلبه ينخلع من الحسرة على ما أساء، وما فرط في جنب الله: قد دمعت عيناه، وتهدج صوته، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وقال أغثني: قلبي ميت، وذنوبي تعميني، وأحس أنني مشدود للمعصية، لا أستطيع عنها فكاكًا، ولا أجد منها مهربًا، ما أعتقد أنني تركت ذنبًا إلا وأتيته، ولا كبيرة إلا واقترفتها، حتى المعاصي التي لا ترد على بالك، بل إنني أظن أن الله تعالى قد نزع مني الغيرة على أقرب الأقربين مني، على عرضي وأهلي، والأسباب معروفة لي؛ فلم أربَّ على الغيرة، ولا المبالاة بشيء، ولا بأحد.. ويا طالما بكيت، ويا طالما ابتهلت، ويا طالما سالت دموعي بعد أن أرتكس في حمأة المعصية؛ لأن وطأة الارتكاس على نفسي ثقيلة؛ فهل عندك من سبيل؟!

قلت له: يا عم شوية شوية، هون عليك؛ وأجب عن أسئلتي:

- هل دفنت ابنتك يومًا - حية - في التراب؟ قال: لا.

- فهل سجدت لصنم؟ قال: لا.

- فهل قتلت مائة نفس؟ قال: لا!

- فهل خنت بلدك، وضحيت بحقوق ثمانين مليونًا، سيتعلقون جميعًا بعنقك يوم القيامة، مطالبين بحقوقهم، وأموالهم، ودمائهم، وآهاتهم، ومواجعهم، وضياع أمنهم ومستقبل أبنائهم!؟ قال: أعوذ بالله، طبعًا لا!

قلت بثقة شديدة: إذن فأبشر، لقد فعل البلاوي السودة أقوام قبلك، وتابوا إلى الله تبارك وتعالى، فصارت صحائفهم أشد بياضًا من اللبن، وقبل ربك العفو توبهم، وغفر ذنبهم، وطهر أعراضهم، وأخذ بأيديهم إلى الطاعات، حتى صاروا من السابقين السابقين.

قال: يا شيييييييخ: الأمر أكبر مما تتخيل، والارتكاس أشد مما تتوقع!

فسألت: هل ذنبك أكبر من أن تسعه رحمة الله تعالى؟

أو تظن أن هناك ذنوبًا غير قابلة للمغفرة، أو أعظم من أن تدخل تحت طائلة العفو؟

قال: كلا، إلا الشرك، فإن الله لا يغفره.

قلت له: غلط: حتى الشرك يغفره الله ويمحو أثره، إذا تبت إلى الله ووحدته حق توحيده، إنه غير مغفور فقط إذا مات الإنسان عليه، أما إن وفقه الله في حياته، فاستغفر ربه، وخر راكعًا، وأناب، فإن الله يغفر ما كان من الشرك.

أو لم يكن الصحابة - كلهم - قبل الإسلام مشركين، عبدة للحجارة والأنصاب والأزلام؟!

ألم يكونوا يصنعون أربابهم بأيديهم، ينحتونهم من الصخر أو الخشب، وإذا استصعب عليهم الأمر صنعوه من العجوة، فإذا جاع أحدهم أكل ربه - بالهنا والشفا - أو جاءته معزى فلحست رأسه، أو قضمت مؤخرته؟

فهل قال النبي صلى الله عليه وسلم إنهم لا توبة لهم؟ كلا، بل قال لهم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فقالوها، فرضي الله عنهم، ورضوا عنه!

ثم ألا تعتقد أن الله صبور حليم، ورحمن رحيم كريم؟

هل فكرت يومًا أنك عصيته هذه المدة كلها، وهو يسترك ويرزقك ويكرمك؟

ألم تنتهك حرماته، وهو يعطيك ويغنيك ويؤويك؟

أليس هذا الرب جديرًا بالحب، والاستحياء منه، والإنابة إليه؟

قال نعم، ولكن..

قلت: بلاش لكن هذه، أتعرف يا بني أنك على خير عظيم؟ حسبك أنك تملك قلبًا خيرًا يريد الله أن يحييه، وإن نفسك اللوامة حية لم تمت، في حين أنها ماتت في أضلع ملايين من البشر.

أتعرف يا بني أنك على خير عظيم؟ حسبك أن لك عيونًا تفيض فزعًا من الذنب، ولسانًا يهتف ضراعة للرب تبارك وتعالى!

ألا تظن أن بعض المعاصي قد تكون بابًا للجنة؟

إن ذلك كائن يا بني حين يحس بها صاحبها، فيجدها تقرص قلبه، وتخز ضميره، وتنغص عليه هناءاته، يحس بالضآلة و(الهيافة)، ويبدأ باحتقار نفسه، واستعظام ذنبه، فيندم، ويتوب، ويدخل في مصارعة مع شيطانه، فإذا علم الله من قلبه خيرًا أعانه، ويسر له اليسرى، وجعله يدوس إبليس اللعين، (بالجزمة القديمة)!

ابك يا بني، واستشعر الندم، فإن هذه الدمعات هي حجابك من النار، هي الحجاب الحاجز بينك وبين جهنم؛ نجاني الله وإياك منها!

ابك يا بني حتى تغسل بدموعك صحيفتك، وتثبت بها توبتك، وترضي بها ربك، وتقمع بها إبليسك.

ابك يا بني حتى تقيء مراراتك، وتستفرغ إحساسك بالذنب، وتلفظ رجس النفس، وحظ الشيطان من قلبك.

أتعلم يا بني: أنت تحتاج لأن تحب الله تبارك وتعالى، وتثق في رحمانيته، وتقطع بقلبك أن رحمته أرحب، ووده أكثر، وبره أعم، وربوبيته سبحانه سابغة!

أتظن أن الله تعالى لا يرحم إلا المستقيمين الطيبين العابدين المصلين؟!

تبقى غلطان يا بني، تبقى طيب، ومش عارف ربك الكريم سبحانه، إن رحمته أسبق من غضبه، ومعافاته أسرع من عقوبته، وحلمه أوسع من ذنوب العالمين، فلا تبتئس، ولا تظن بربك إلا الخير، فإنه تعالى عند حسن ظن عباده به!

أنا متأكد مما أقول يا بني؛ لأن ربي تبارك وتعالى الذي تمت كلماته صدقًا وعدلاً قال لنا: {لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعًا}، وقال لنا: {ورحمتي وسعت كل شيء} وقال: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم}.. فمتخافش يا بني، ولا تبتئس، وتعال إلى الله.. تعال إلى الرحمن الرحيم.



لكن أرجوك: ابدأ من الآن مرحلة مختلفة..

ستكون صعبة.. نعم..

سيضغط عليك إبليس، أكيد..

ستتحرك في نفسك الشهوات، صح..

ستحن للمعاصي، وستذكر لذتها والأنس بها، معاك..

سيتناوشك شياطين الإنس الذين كانوا ينزغون لك فيما سبق.. لا شك.

لكن لكل شيء ثمنًا، فإذا أردت أن تحمي نفسك، وتستر عرضك، وتنام مستريحًا، وتتوجه نحو العافية في الدارين، وتحس أن الله يحبك، فابدأ التغيير منذ هذه اللحظة:

غير تليفوناتك، غير شكل بيتك من الداخل، غير أصدقاءك، غير مواعيد نومك وصحوك، ارم نوتة الهاتف، وامح ذاكرة الموبايل، وابدأ حياةً من طراز عاقل، هادئ متوازن، وخذ معك إلى رحاب رحمة الله زوجتك، وأبناءك، فإنك عنهم مسؤول، ولا تظن أن الله تعالى سيتخلى عنك؛ بل سيعينك - أنا متأكد أنك ستعان - لأن ربي تبارك وتعالى الذي تمت كلماته صدقًا وعدلاً قال لنا: {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى}.

عاهدني الآن يا بني على التغيير، فالفرصة الآن كبيرة لا تفوَّت..

قال: طالما كنت أعاهد، وأنقض وأخيس بعهدي..

قلت: (مش مهم)، عاهد، واسأل الله تعالى أن يثبتك، وهو خير مسؤول، عاهد ومالكش دعوة..

قال: أعاهد الله ألا أعود، وأن أبذل جهدي لاجتناب ما كنت أقترف..

قلت له: أسأل الله أن يثبت قلبك، ويشرح صدرك، ويعينك على الطاعة..

فقال: اللهم آمين.

من فضلك قارئي الكريم، بالله عليك: ادع لنفسك ولي وله، فلعل الله أن يستجيب فننجو بدعائك.

_________________





يا رب إن عظمت ذنوبي كثرةً ..... فلقد علمـتُ بأن عفوك أعظمُ

إن كان لا يرجـوك إلا محسنٌ ..... فبـمن يلوذ ويستجـير المجرمُ

أدعوك رب كما أمرت تضرعًا ..... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم

ما لي إليك وسيـلة إلا الرجا ..... وجميــل ظني ثم إني مسلـم

الرجل النادم!

الرجل النادم!



عبد السلام البسيوني | 18-07-2011 01:19

اتصل بي باكيًا منفعلاً نادمًا، يكاد قلبه ينخلع من الحسرة على ما أساء، وما فرط في جنب الله: قد دمعت عيناه، وتهدج صوته، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وقال أغثني: قلبي ميت، وذنوبي تعميني، وأحس أنني مشدود للمعصية، لا أستطيع عنها فكاكًا، ولا أجد منها مهربًا، ما أعتقد أنني تركت ذنبًا إلا وأتيته، ولا كبيرة إلا واقترفتها، حتى المعاصي التي لا ترد على بالك، بل إنني أظن أن الله تعالى قد نزع مني الغيرة على أقرب الأقربين مني، على عرضي وأهلي، والأسباب معروفة لي؛ فلم أربَّ على الغيرة، ولا المبالاة بشيء، ولا بأحد.. ويا طالما بكيت، ويا طالما ابتهلت، ويا طالما سالت دموعي بعد أن أرتكس في حمأة المعصية؛ لأن وطأة الارتكاس على نفسي ثقيلة؛ فهل عندك من سبيل؟!

قلت له: يا عم شوية شوية، هون عليك؛ وأجب عن أسئلتي:

- هل دفنت ابنتك يومًا - حية - في التراب؟ قال: لا.

- فهل سجدت لصنم؟ قال: لا.

- فهل قتلت مائة نفس؟ قال: لا!

- فهل خنت بلدك، وضحيت بحقوق ثمانين مليونًا، سيتعلقون جميعًا بعنقك يوم القيامة، مطالبين بحقوقهم، وأموالهم، ودمائهم، وآهاتهم، ومواجعهم، وضياع أمنهم ومستقبل أبنائهم!؟ قال: أعوذ بالله، طبعًا لا!

قلت بثقة شديدة: إذن فأبشر، لقد فعل البلاوي السودة أقوام قبلك، وتابوا إلى الله تبارك وتعالى، فصارت صحائفهم أشد بياضًا من اللبن، وقبل ربك العفو توبهم، وغفر ذنبهم، وطهر أعراضهم، وأخذ بأيديهم إلى الطاعات، حتى صاروا من السابقين السابقين.

قال: يا شيييييييخ: الأمر أكبر مما تتخيل، والارتكاس أشد مما تتوقع!

فسألت: هل ذنبك أكبر من أن تسعه رحمة الله تعالى؟

أو تظن أن هناك ذنوبًا غير قابلة للمغفرة، أو أعظم من أن تدخل تحت طائلة العفو؟

قال: كلا، إلا الشرك، فإن الله لا يغفره.

قلت له: غلط: حتى الشرك يغفره الله ويمحو أثره، إذا تبت إلى الله ووحدته حق توحيده، إنه غير مغفور فقط إذا مات الإنسان عليه، أما إن وفقه الله في حياته، فاستغفر ربه، وخر راكعًا، وأناب، فإن الله يغفر ما كان من الشرك.

أو لم يكن الصحابة - كلهم - قبل الإسلام مشركين، عبدة للحجارة والأنصاب والأزلام؟!

ألم يكونوا يصنعون أربابهم بأيديهم، ينحتونهم من الصخر أو الخشب، وإذا استصعب عليهم الأمر صنعوه من العجوة، فإذا جاع أحدهم أكل ربه - بالهنا والشفا - أو جاءته معزى فلحست رأسه، أو قضمت مؤخرته؟

فهل قال النبي صلى الله عليه وسلم إنهم لا توبة لهم؟ كلا، بل قال لهم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فقالوها، فرضي الله عنهم، ورضوا عنه!

ثم ألا تعتقد أن الله صبور حليم، ورحمن رحيم كريم؟

هل فكرت يومًا أنك عصيته هذه المدة كلها، وهو يسترك ويرزقك ويكرمك؟

ألم تنتهك حرماته، وهو يعطيك ويغنيك ويؤويك؟

أليس هذا الرب جديرًا بالحب، والاستحياء منه، والإنابة إليه؟

قال نعم، ولكن..

قلت: بلاش لكن هذه، أتعرف يا بني أنك على خير عظيم؟ حسبك أنك تملك قلبًا خيرًا يريد الله أن يحييه، وإن نفسك اللوامة حية لم تمت، في حين أنها ماتت في أضلع ملايين من البشر.

أتعرف يا بني أنك على خير عظيم؟ حسبك أن لك عيونًا تفيض فزعًا من الذنب، ولسانًا يهتف ضراعة للرب تبارك وتعالى!

ألا تظن أن بعض المعاصي قد تكون بابًا للجنة؟

إن ذلك كائن يا بني حين يحس بها صاحبها، فيجدها تقرص قلبه، وتخز ضميره، وتنغص عليه هناءاته، يحس بالضآلة و(الهيافة)، ويبدأ باحتقار نفسه، واستعظام ذنبه، فيندم، ويتوب، ويدخل في مصارعة مع شيطانه، فإذا علم الله من قلبه خيرًا أعانه، ويسر له اليسرى، وجعله يدوس إبليس اللعين، (بالجزمة القديمة)!

ابك يا بني، واستشعر الندم، فإن هذه الدمعات هي حجابك من النار، هي الحجاب الحاجز بينك وبين جهنم؛ نجاني الله وإياك منها!

ابك يا بني حتى تغسل بدموعك صحيفتك، وتثبت بها توبتك، وترضي بها ربك، وتقمع بها إبليسك.

ابك يا بني حتى تقيء مراراتك، وتستفرغ إحساسك بالذنب، وتلفظ رجس النفس، وحظ الشيطان من قلبك.

أتعلم يا بني: أنت تحتاج لأن تحب الله تبارك وتعالى، وتثق في رحمانيته، وتقطع بقلبك أن رحمته أرحب، ووده أكثر، وبره أعم، وربوبيته سبحانه سابغة!

أتظن أن الله تعالى لا يرحم إلا المستقيمين الطيبين العابدين المصلين؟!

تبقى غلطان يا بني، تبقى طيب، ومش عارف ربك الكريم سبحانه، إن رحمته أسبق من غضبه، ومعافاته أسرع من عقوبته، وحلمه أوسع من ذنوب العالمين، فلا تبتئس، ولا تظن بربك إلا الخير، فإنه تعالى عند حسن ظن عباده به!

أنا متأكد مما أقول يا بني؛ لأن ربي تبارك وتعالى الذي تمت كلماته صدقًا وعدلاً قال لنا: {لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعًا}، وقال لنا: {ورحمتي وسعت كل شيء} وقال: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم}.. فمتخافش يا بني، ولا تبتئس، وتعال إلى الله.. تعال إلى الرحمن الرحيم.



لكن أرجوك: ابدأ من الآن مرحلة مختلفة..

ستكون صعبة.. نعم..

سيضغط عليك إبليس، أكيد..

ستتحرك في نفسك الشهوات، صح..

ستحن للمعاصي، وستذكر لذتها والأنس بها، معاك..

سيتناوشك شياطين الإنس الذين كانوا ينزغون لك فيما سبق.. لا شك.

لكن لكل شيء ثمنًا، فإذا أردت أن تحمي نفسك، وتستر عرضك، وتنام مستريحًا، وتتوجه نحو العافية في الدارين، وتحس أن الله يحبك، فابدأ التغيير منذ هذه اللحظة:

غير تليفوناتك، غير شكل بيتك من الداخل، غير أصدقاءك، غير مواعيد نومك وصحوك، ارم نوتة الهاتف، وامح ذاكرة الموبايل، وابدأ حياةً من طراز عاقل، هادئ متوازن، وخذ معك إلى رحاب رحمة الله زوجتك، وأبناءك، فإنك عنهم مسؤول، ولا تظن أن الله تعالى سيتخلى عنك؛ بل سيعينك - أنا متأكد أنك ستعان - لأن ربي تبارك وتعالى الذي تمت كلماته صدقًا وعدلاً قال لنا: {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى}.

عاهدني الآن يا بني على التغيير، فالفرصة الآن كبيرة لا تفوَّت..

قال: طالما كنت أعاهد، وأنقض وأخيس بعهدي..

قلت: (مش مهم)، عاهد، واسأل الله تعالى أن يثبتك، وهو خير مسؤول، عاهد ومالكش دعوة..

قال: أعاهد الله ألا أعود، وأن أبذل جهدي لاجتناب ما كنت أقترف..

قلت له: أسأل الله أن يثبت قلبك، ويشرح صدرك، ويعينك على الطاعة..

فقال: اللهم آمين.

من فضلك قارئي الكريم، بالله عليك: ادع لنفسك ولي وله، فلعل الله أن يستجيب فننجو بدعائك.

_________________





يا رب إن عظمت ذنوبي كثرةً ..... فلقد علمـتُ بأن عفوك أعظمُ

إن كان لا يرجـوك إلا محسنٌ ..... فبـمن يلوذ ويستجـير المجرمُ

أدعوك رب كما أمرت تضرعًا ..... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم

ما لي إليك وسيـلة إلا الرجا ..... وجميــل ظني ثم إني مسلـم

الاثنين، 25 يوليو 2011

كيف تقتـل باستمتاع؟

كيف تقتـل باستمتاع؟



عبد السلام البسيوني | 21-07-2011 01:06

القتل فن ومهارة ، ومتعة وحضارة عزيزي القارئ؟ هل تعتقد هذا كما أعتقد؟

أنا شخصيًّا أزعم - حتى لو خالفتني سيادتك - أن القتل أستاذية، وخبرة، وهندسة، ومَسْتَرة، ومَعْلمة، ومعْنَنة، وتمرس، وسلوك حضاري نعيشه كل يوم، بِكيفنا، بمنتهى الرضا والبرود والاعتياد، لا يزعجنا، ولا يقلق منامنا، ولا يحرك شعرة من رؤوسنا.

أزعم - حتى لو خالفتني سيادتك - أن القتل أضحى سمةً تنويرية، وعلامة حضارية، عليها تقوم الأمم، وتتبحبح الحضارات، ويتبجح الجبابرة، وينتفخ الفراعنة، ويخطب الهَتالِرَة (جمع هتلر) والنماردة (جمع نمرود) والشوارنة، وكل أبناء الـ.. من المتكبرين المتجبرين المتحضرين.

القتل حلو، وجميل، ومشروع، ومسلٍّ! وهو باب للغنى، والقوة، والسيطرة، والتحكم في الحاضر والمستقبل، وفي الناس وفي الشعوب، وفي الكرة الأرضية كلها!

القتل يا سيدي فن، له خبراء وأساتذة يتقنونه، ولا أحد يجرؤ أن يقول لهم أنتم قتلة، أو سفاحون أو لعَقة دم، أو أكلة لحوم بشر (وليس الأفارقة، كما كنتم تزعمون) ببساطة لأن أحدًا لن يصدقك، فهم أكثر الناس حديثًا عن السلام والعدالة وحقوق الإنسان والحرية، وهم أعلى الناس صوتًا في اتهام الآخرين بأنهم قتلة وزناة وإرهابيون ومصاصو هباب، و(وِلاد حرام)!

رأيت جنرالًا صهيونيًّا من جنرالات الاجتياح والتدمير وفق سياسة الأرض المحروقة، يكاد يبكي على شاشة بي بي سي من قسوة خصومه المتوحشين، الذين أسروا اثنين من جنوده، وأخذ ينوح ويقول للأوربيين اللطفاء: كيف حال بنات هذين الجنديين، وكيف ترون أم فلان فاعلة بنفسها، وا أسفا على زوجته الغلبانة!

وقلت لنفسي: يا لدموع القحاب، حين يتحدثن عن الشرف والفضيلة!

علمت أن بعض المسعورين من (أحرار) أوربا - وقبل أن أفتح عيني على الدنيا بنحو عقد من الزمان - لم يهدؤوا حتى قتلوا 54 مليونًا من البشر، في حرب عالمية، بأشنع طرائق القتل، التي كان منها أفران الغاز، التي أعدت لليهود والعرب والغجر وآخرين، ولم ينجح في استثمار ذكراها إلا اليهود الشطار، وألف برافو عليهم!

ثم رأيت المتبجحين المتحضرين يجتاحون الناس في اليابان وفييتنام وكوريا والبلقان والشيشان والعراق وأفغانستان وغيرها فيستخدمون النابالم والقنبلة الذرية وكل الممنوعات في القوانين التي وضعوها هم، ونشروها هم، ثم هم ببساطة يتحدثون عن الحرية وحقوق الإنسان، كأنهم فعلًا آباؤها وحماتها والمنافحون عنها!

ورأيت أكبر ديمقراطية في الشرق الأوسط تكسر العظام، وتدك البيوت على قاطنيها، وتستخدم الفسفور الأبيض، واليورانيوم المنضب، وتفعل الأفاعيل بالبشر العزل المحاصرين، والعالم الذليل كله يضرب لها تعظيم سلام، ويقول لها بمنتهي الغزل والعشق: تحت أمر عيونك، انت تأشر يا جميل!

وسمعت عن المقابر الجماعية التي يدفن فيها البشر أحياء - على أساس ان الرصاصة خسارة في جتتهم - حيث يهال عليهم التراب بالجرافات، حصل هذا في سيناء والبوسنة وكوسوفا وسربرنيتشا وأفغانستان والعراق وغيرها – وكلها مناطق جاءها أناس (متحضرون) ليخرجوا منها أهلها المتخلفين (ولاد كذا وكذا)!

ورأيت المتحضرين الشرفاء يفعلون الأفاعيل في الشيشان، وقبلهم في الأفغان، وبعدهم في البلقان، ويباركون – بالصمت الفاضح أو التأييد الواضح - مذابح رواندا وليبيريا وسيراليون وطاجيكستان وميانمار وفطاني وكشمير.. وتدور ماكينة قطع الرؤوس لتحصد مئات الألوف بل الملايين، بآليات وطائرات ودبابات، وراجمات صواريخ متحضرة جدًّا، من صنع البلاد المتحضرة جدًّا، بمباركة الكبار المتحضرين جدًّا، وعند اللزوم تجد الابتسامات العريضة التي تتحدث عن الحرية، أو الوجوه المقطبة التي تتحدث بأسىً عن حقوق الإنسان المستباحة، أو الوجوه الجامدة التي تهدد بشن الغارات لحماية العالم من المارقين الأفاقين!

هذا عن القتل بالجملة/ الإبادة الجماعية/ سياسة الأرض المحروقة/ الاستئصال والاجتياح، التي تغطى بشعارات الشرعية الدولية، ومقاومة الإرهاب، ونشر الديمقراطية، ومواجهة الإرهاب، ودعم الحكم الشرعي، ومساندة الحركات التحررية، ووقف التجارة بالبشر، أو الكوكايين.. إلخ .

وأما عن فن القتل الفردي - الذي يكون للتسلية، أو إثبات الذات، أو طلبًا لمنفعة، أو دفاعًا عن الأمة العظيمة - فإن الإنسان المتحضر مبدع فنان خبير متمرس حريف بارع معلم أستاذ هايل عفريت واعر في اختراع صور للقتل لا تخطر ببال الشيطان الرجيم، وهو أسطى وأراري ودُقْرُم ومخربش وابن إيه، في اختراع آليات ووسائل جهنمية يمكن أن تطيل عذابات الإنسان الغلبان الذي يرميه نهاره الأسود في أيديهم، بحيث يقتلونه في اليوم الواحد مليون مرة!

بحسبك أن ترى فيلمًا من أفلام فخامة الكانديدت شوارزنيجر، أو رامبو استالوني، أو بروس ويليس، أو كيفن كوستنر، أو ستيفن سيجل، أو غيرهم؛ لترى أنهم فعلًا أساتذة في سمل العيون، وبقر البطون، وكسر الأطراف، والنحر من الرقبة بالسلاح (الأبيض!) ليخرجوا دائمًا في نهاية الفيلم أبطالًا شرفاء، مدافعين عن الحرية، مقاومين للشر، يحيون العلم، ويحييهم الناس، ويصفقون لبطولتهم، وهم يتحدثون عن الحضارة، والحرية، وسعادة البشرية، ولونج لِف أميركا!

وهم الذين اخترعوا الترخيص بالقتل للعميل الأسطوري 007 الأخ جيمس بن بوند، واخترعوا توصيل الكهرباء في محاشم الأسرى والسجناء في الصومال وأبو غريب وأنصار، والمعتقلات سيئة السمعة في كل داهية! وأعطوا الضوء الأخضر للسفاحين في السجون العربية للتفنن في تعذيب البشر، وإرهاقهم من أمرهم عسرًا!

لقد اخترع المتحضرون القتل الرحيم، والقتل اللي مش أوي، والقتل للتجارة بأعضاء القتلى، والقتل لحشو الجثث بالهيروين لتهريبه، والقتل لأن أحدهم (شوية متململ وعايز يتسلى) كما حصل في البوسنة!

وابتدعوا القتل تأديبًا، والقتل ردعًا، والقتل بالاشتباه، والقتل بالنيران الصديقة، والقتل بالضربة الوقائية، والقتل لأنك مش معايا تبقى علي!

وابتكروا - من الناحية الشرقية - القتل تحت وطأة التعذيب بعد خلع الأظافر، وسلخ البطن، ونفخ الجلد، وإكرام الكلاب المسعورة بنهش البشر، والكهرباء الحارقة، والعروسة، والشبح، والجلوس على أعناق الزجاجات المكسورة، والخوازيق، وتنويعة أخرى ممتعة!

وتفننوا في قتل الناس ودفنهم في جنح الليل، ثم الادعاء الوقح أنهم هربوا (وأن البحث جارٍ لضبط وإحضار الفارين من وجه العدالة) لاعتقال آبائهم وذويهم مكانهم.

ولقد سمعت عن مخبرين، وضباطًا متحضرين، يلصقون لحىً، أو يلبسون أقنعة نينجا، وينزلون الأسواق لقتل الناس، وبث الرعب في قلوب النساء والأطفال في أطراف المدن، وإلصاق التهم بالمتطرفين!

وسمعت عن بعض المتدينين الأغبياء الذين استمتعوا بذبح الناس من أعناقهم (زي الغنم.. باسم الله والله أكبر)! والذين يصاب مخ أحدهم بشورت، فيفجر مترو أو باص بمن فيه!

ورأيت في التلفزيون - من خلال الأفلام والمسلسلات المتــبّـلة ببهارات الإثارة والخدع السينمائية، والتشويق الذي يكتم الأنفاس - مئات الألوف من حوادث القتل والسحل والقطع والقص والدم المتفجر من الفم والعين، والأحشاء المتدلية، والعيون الجاحظة!

وقرأت أن المراهق المتحضر - قبل أن يبلغ الثامنة عشرة - يرى أكثر من عشرة آلاف حالة قتل في التلفزيون، ما لم تخني الذاكرة!

ورأيت سلاسل من أفلام الرعب تمول بعشرات ومئات الملايين، ومخرجين متخصصين – بس - في تنشيف الدم في العروق (زي أخونا هتشكوك زمان، وسبيلبيرج الآن) ورأيت أولادنا الصغار يغاضبوننا نحن آباءهم الخوافين؛ لأننا لا نسمح لهم بمتابعة أفلام الأكشن والثريل والرعب والإيلْيَنز والفامبايرز، وسائر أشكال الإرهاب البصري، والبلطجة الفنية المحبوكة، التي تخرج أجيالًا بلا قلوب، ولا رحمة ولا آدمية، كما توصل رسائل ذات دلالات نفسية للمتلقي التعيس!

إن الذي يدمن رؤية الدم لن يهتز إذا قطَع رقبة!

صدقوني، لقد رأيت – قبل سبع وثلاثين سنة - سيّافًا يقيم الحد على رجلين قاتلين، وبعد أن قطع عنقيهما بمنتهى البراعة، وفي لمح البصر، استدار مبتسمًا للكاميرات كأنه في حفل تكريم لإهدائه الأوسكار، صدقوني: لقد ابتسم هو، وسقطت أنا مريضًا، أسبوعًا كاملًا من شناعة المنظر! وعادت بي ذاكرتي لطفولتي أيام كنت أختبئ كأرنب مذعور تحت الكنبة في ارتعاب، حين تريد أمي ذبح شيء من طيور المنزل، فمجرد رؤية الدم كانت كفيلة لخضخضة جسمي كله!

أنا الآن متنور جدًّا، ومثقف كبير، ومتحضر بدرجة عالية، وقلبي ميت، جامد، حديد، عملي، ريالِستك، مكيافيلي، حتى إنني أستمتع كل ليلة بأخبار السيارات المفخخة، والموتوسيكلات الملغومة، والقتل الجماعي، والذبح من الأعناق، وتتردد على مسامعي أخبار السفك والقطع والسحل والنسف والدك والهدم والرجم والتفجير والاغتصاب، وجر الرجال من أعناقهم (زي الكلاب) بجانب أخبار براءة الباشوات الأطهار من التعذيب والقتل، وعدم كفاية الأدلة ضدهم، ثم أستمتع جدًّا برؤية أحدهم ضيفًا على الجزيرة أو البي بي سي أو السي إن إن، وهو يتحدث - بمنتهى الصدق والبراءة والعفوية والطهارة - عن الظلامية، والإرهاب، وعن حقوق الإنسان، وتأديب المارقين، وحماية الحضارة من الأفكار المتعفنة.

الغريب أنني لم أجد أحدًا من بتوع الاستشارات النفسية يشير إلى أن هذا مما يسبب العنة، وانقطاع الخلفة، بجانب الضغط والسكر والقولون والعته المبكر، ولا أنه من مسببات العنف والقسوة أو المروق على كل شيء.

والغريب أنني لم أسمع اليساريين سابقًا، اليمينيين جدًّا حاليًّا، ولا المتكسبين بصناعة الشعارات، يخترعون مصطلحًا واحدًا يقولون به كفاية.. لقد قتلتم الإنسانية في الإنسان، فماذا بعد؟ تريدون ماكينات للقتل؟

حرام عليكم يا متحضرون!

______________________

قال محمد مهدي الجواهري في (قصيدة الدم):

قبل أن تبكي النبوغ المضاعا …. سُبَّ من جرَّ هذه الأوضاعا

سُبَّ من شاء أن تموت وأمثا .... لُك هّمًّا وأن تروحوا ضَياعا

سُبَّ من شاء أن تعيش فلولٌ.... حيث أهلُ البلاد تقضي جياعا

عرّفتْــنا الآلامَ لونًا فلونًا .... وأرتنا المماتَ ساعًا فساعا

اختبرنا..إنا أسأنا اختبارًا .... واقتنعنا .. إنا أسأنا اقتناعا

وندمنا فهل نكفرُ عما .... قد جنينا اجتراحة ً وابتداعا

لو سألنا تلك الدماءَ لقالت .... وهي تغلي حماسة واندفاعا

والليالي كلحاءَ لا نجمَ فيها.... وتمرُّ الأيام سُودًا سِراعا:

ليتكمْ طرتمُ شعاعًا جزاءً .... عن نُفوس أطرتموها شعاعا

بالأماني جذابة ً قدتُموها .... للمنّيات فانجذبن انصياعا

وادعيتم مستقبلاً لو رأته .... هكذا لم تُضع عليه صُواعا

ألهذا هَرقْتُموني وأضحى .... ألف عرض وألف مُلك مُشاعا؟

كلٌّ هذا المتاع َ بخسًا ليأبى .... الله أن تفصدوا عليه ذراعا؟

قلْ لمن سِلتُ قانيًا تحت رجليهِ .... وأقطعته القُرى والضّياعا

خبروني بأن عيشة قومي .... لا تساوي حذاءك اللمٌاعا

albasuni@hotmail.com

الرجل الزمبجي:

الرجل الزمبجي:



عبد السلام البسيوني | 25-07-2011 01:09

سمعت اللي حصل؟/ عرفت آخر أخبار صاحبك؟/ ما دريتش؟/ تصوّر.. آدي يا سيدي اللي عاملالي.. وتقوللي شريفة وهي بنت …/ اسكت.. مش فلان مسكوه و... بلاش نجيب في سيرة الخلق.. احنا داخلين على رمضان.. الله يستر على عباده!

لا شكّ قارئي الحبيب أنك سمعت كثيرًا من مثل هذه الاستهلالات، التي تجرّ بعدها نميمة وغيبة وبهتانًا كثيرًا، عن إخوة، وجيران، وأقارب، وأصدقاء، وزملاء عمل، وأناسٍ أبرياء، فماذا كان موقفك؟ هل تلهفت لسماع ما سيقال؟/ هل شجعت محدثك على الاستمرار؟/ وهل أحسست بالارتياح لأن فلانًا ابتُلي بداهية؟/ أو: طلبت من محدثك تغيير الموضوع؟ أو نهرته ونهيته عن الاسترسال؟ أو دفعت عن أخيك الغيبة التي وقعت عليه؟

الموقفان - ولا شك - يختلفان دينًا، ومروءة، وحقوق أخوّة ، وإن كان أحدهما أليق برجل خايب، وسطحي، وقليل الورع، والآخر أليق برجل يحترم نفسه، ويتقي ربه، ويحرص على إخوانه، وأحبّته، ومن حوله من المسلمين.

ولعل من أهم ما أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمحافظة عليه عرض الرجل المسلم، فقد شدّد عليه الصلاة والسلام في ذلك حتى جعله أربى الربا، فإذا كان درهم الربا أشدّ إثمًا عند الله تعالى من ست وثلاثين زنية (!) فإن وقوعك في عرض أخيك، واغتيابك إياه أعظم جرمًا، وأكثر إثمًا.

والأصل يا سيدي هو ستر المسلم، وصمّ الأذنين عن خصوصياته، حتى لو أيقنت أنه يخطئ؛ لأنك - أيضًا - خطّاء وابن خطاء، وكل اللي جابوا سيادتك خطاؤون؛ فلست ملاكًا مكرمًا، ولا نبيًّا معصومًا، ولذلك كان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: [لا يبلّغني أحد عن أصحابي شيئًا، فإني أحب أن أخرج إليكم سليم الصدر].

ويعجبني هنا موقفٌ عاقلٌ لأمير المؤمنين الفقيه التابعي عبد الملك بن مروان رحمات الله عليه، حين أمسك جنده بعض المراسلات التي تمت بين أعدائه وبعض جنده - وكأنما كانت هناك مؤامرة مع العدو - فإنه بعد أن انتهت الحرب بانتصاره، جمع هذه الرسائل في حضور الجند كلهم، ولم يفتحها، بل جعل منها كومةً أسال عليها الزيت، ثم أضرم فيها النار، حتى إذا صارت رمادًا، التفت إلى من حوله وقال: لا خائن في جيش عبد الملك!

بل إن من حسن إسلام المرء أن يترك ما لا يعنيه، وألاّ يتبع عورة أخيه، فإن من فعل ذلك تتبع الله عوراته، ومن تتبع الله عوراته أوشك أن يفضحه ولو في جوف رحله؛ سترنا الله وإياك بستره الجميل.

بل إن المسلم الكيّس يعلم يقينًا أن ستر المسلم أولى من فضيحته، وأعظم أجرًا، وأكثر مروءة: [من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة] و: [من ردّ عرض أخيه، ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة].

ولقد ورد في أثرٍ - لا أدري ما صحته - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل شهد على زانيين، واستحسن فعلته أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم: [لو سترتهما بثوبك لكان خيرًا لك].

والأصل فينا أن نستصحب الخير في المسلم، وما نعلمه عنه من حسن السيرة، ونغلّب ذلك على الاحتمال والظن، كما فعل الصحابي العظيم أبو أيوب الأنصاري، الذي لقّننا درسًا عظيمًا أثناء الإفك الذي أفكه المنافقون على أمي الطاهرة عائشة رضي الله عنها.. فحين سألته أم أيوب: عرفت اللي حصل؟ ما دريتش؟ مش بيقولو، قال لها:

كفاية يا أم أيوب.. أرأيت لو كنت مكان عائشة، أكنت تفعلين ذلك؟ قالت: كلاّ والله! فكان ردّه الحاسم الشافي: (فإنها والله خير منك، وإن زوجها خير من زوجك، وإن أباها خير من أبيك)!!

منتهى الحسم، والمروءة، وحسن الظن، قدّره رب العزة فأنزل فيه قرآنًا: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا، وقالوا: هذا إفك مبين) (ولولا إذ سمعتموه قلتم: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك، هذا بهتان عظيم).

ويتكرر مثل هذا الموقف في حادثة الثلاثة الذين خُلّفوا عن غزوة العسرة (رضي الله عنهم) لنتلقى الدرس هذه المرة من أحد شباب الصحابة، فحين افتقد النبي عليه الصلاة والسلام الصحابيّ الشاب الشاعر الأوّاب كعب بن مالك رضي الله عنه، فلم يجده في المنطلقين إلى تبوك سأل عنه: [ما فعل كعب ابن مالك؟] فأطلق الشيطان لسان أحد الجالسين بكلامٍ قبيحٍ ساخر: وييجي ليه؟ هوّه فاضي؟ دا مغرور، ودلّوعة، وشايف نفسه!: [إنه رجل من بني سلمة، حبسه برداه، والنظر في عطفيه].

وفي الحال أطلقت المروءة، والإيمان لسان أعلم الأمة بالحرام والحلال، الصحابي الشاب الفقيه معاذ ابن جبل ليدفع عن كعبٍ رضي الله عنهما التهمة: (بئس ما قلت.. والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا) .

يا الله.. ما أحسن هذا؛ بل إنه صلى الله عليه وسلم استصحب هذا الموقف حتى مع الحيوان؛ فحين كان صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى مكة يوم الحديبية، حلفت ناقته القصواء ألف يمين ألاّ تتحرك من الحديبية: يهديكِ.. يرضيكِ.. فلم تقبل، فقال بعض الصحابة: (خلأت القصواء) أي حرنت وبركت، من ضعفها وسوء طبعها، فقال صلى الله عليه وسلم: [والله ما خلأت، وما هذا لها بخُلقٍ، ولكن حبسها حابس الفيل] ليس من خلقها أن تحرن، لأنها ذلول طيعة أصيلة.. حتى مع الحيوان.. نستصحب ما نعرف من حسن السيرة.

وهنا جملة نقاط لا بد من تحريرها؛ اختصارًا:

**** أولـها أنك كي تكون مسلمًا - كما حدّد المصطفى صلى الله عليه وسلم - يجب أن يسلم عباد الله من لسانك فلا تغتب، ولا تنم، ولا تكذب، ولا تفحش، ولا تسئ .

ومن يدك فلا تضرب، ولا تجرح، ولا تكسر، ولا تقتل.. هذا أول الطريق..

أما الذي يؤذي المسلمين بلسانه أو يده فقد أوعده الله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينا).

ويشتد الوعيد إذا كان الكلام افتراء واجتراءً على عرض المسلم بغير ذنب كسبه أو جرم اقترفه: (ومن يكسب خطيئة أو إثمًا ثم يرم به بريئًا فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا).

ثم إن الغيبة من شر الأخلاق، سواء كان في أخيك ما تقول أم ليس فيه: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول بـهتّه ).

ويكفي أن تعلم من أن العقوبات التي تنـزل بالإنسان أول ما يوضع في قبره: عقوبة النميمة: (أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الآخر فكان يمشي في الناس بالنميمة).

**** وليس كل ما يسمعه الإنسان أو يظنه جديرًا بأن يذاع وينقل، فقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يحدث بكل ما يسمع كذابًا: (كفى بالمرء كذبًا أن يـحدث بكل ما سمع) (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث).

**** وقد يدفع الغرور، والإدلال على الله تعالى بالعمل، بعض الناس إلى أن يشمخوا بعملهم، ويستصغروا الآخرين، مع أن الله تعالى يقول: (فلا تزكوا أنفسكم) ويقول في الحديث القدسي: [تواضعوا؛ حتى لا يبغي أحدٌ على أحد، ولا يفخر أحد على أحد]..

بل إن الغرور قد يجعل بعض الناس يعتقدون أنهم أسلم الناس حالاً، وأنهم من أهل الجنة السابقين ألفا بالمائة، فهم ينظرون إلى الآخرين نظرة رثاءٍ مستعلٍ، ويشفقون عليهم شفقة متدينٍ مغرور، حتى يقول أحدهم:

فلان هذا لا خير فيه، لا يمكن لله أن يهديه، وينسى المغرور كلمة المصطفى لنا عن رجل قال: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: (من ذا الذي يتألّى عليّ ألا أغفر لفلان؟ قد غفرت له، وأحبطت عملك) وأشدّ منه من يعمم الحكم على أمةٍ أو جيلٍ أو فصيل فيقول: إنهم غير مهديين، وغير ناجين: (من قال هلك الناس فهو أهلكهم).

**** ومما يجب الانتباه له هنا أن ثمة أناسًا يحبون أن ينشروا الأباطيل، ويفجّروا البالونات ضد البرآء؛ ليلوّثوهم ويسيئوا إليهم. وهذا الصنف ممن يحبون أن يشيعوا المعاني الخبيثة، وينشروا الأفكار الخسيسة ينكّل الله تعالى بهم في الدنيا والآخرة: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم في الدنيا والآخرة).

**** وقد تدفع الجهالة بعض صغار الهمم إلى الشماتة بالآخرين، والفرح بعثراتهم، فإذا وجدوا شيئًا اشْتَـفتْ نفوسهم، وتهللت أساريرهم، مع أن المسلم يلتمس الأعذار، ويرثي لأخيه، ويسدده، ويصبر عليه. ومع أن الشامت يعرض نفسه لغضب الله وبلائه: (لا تظهر الشماتة بأخيك، فيعافيَه الله ويبتليك).

**** وفي القضية أيضًا جانبٌ أمنيٌّ يحتاج إلى الفطنة والحذر، فكم من عدو ينسج الشائعات، ويروج الأباطيل والترهات، ليؤثر في الناس، أو يطعن في شريف، أو يتوصل إلى غرضٍ خسيس.

**** ولقد كنت قرأت أن الهرّ هتلر أقام جوبلز وزيرًا للدعاية، وكانت مهمته التلفيق، وشن الحرب المعنوية على خصومه وتخويفهم بالأراجيف. وهناك أقسام للشؤون المعنوية في الجيوش، بل إن الجيش المصري - في وقت من أوقات المواجهة العسكرية مع أعدائه من اليهود - كان يحذّر من الشائعات وينبه إلى خطرها، لأن أولئك كانوا مهرةً في صناعة الأكاذيب التي كان من أعظمها أكذوبة الجيش الذي لا يقهر، فكسره الله في حرب رمضان 1393 هـ.

**** إن القضية ليست كلمةً في مجلس يقولها أحدٌ ضاحكًا مازحًا؛ بل إنها قد تكون ذات أثرٍ مدمرٍ في كثير من الأحيان، سواء على مستوى الأفراد، أو مستوى الأمة. فنظّف لسانك، ونقّ قلبك، ونَمْ خالي الصدر من كُره الناس، وإياك وأعراض المسلمين، فإنها أربى الربا، وخصوصًا أعراض العلماء وطلاب العلم، فإنها مسمومة - كما قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله - وسنة الله في منتقصيهم معلومة، فمن وقع فيهم بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب..

عافاني الله وإياك من موت القلب، ووسخ اللسان، وخساسة الهمة.. قل آمين

الخميس، 14 يوليو 2011

تحذير من: مذبحة في التحرير

تحذير من: مذبحة في التحرير



تحذير من

مذبحة في التحرير



تحليل الدكتور محمد عباس

هذه النخبة المجرمة رأس حربة الثورة المضادة ستشعل النار في الوطن.. فإما أن يكون لها أو لا يكون لأحد.

سيفعلون المستحيل..

سيفجرون القنابل وسط الحشود..

سيشعلون النار..

سيطلقون الرصاص على الشرطة والمتظاهرين معا..

سيستعينون بأوروبا وأمريكا وإسرائيل..

ولو استطاعوا تدبير انقلاب عسكري فلن ينكصوا أبدا.

سيفعلون ما نعرف وما لا نعرف.. وما نتخيل وما لا نتخيل..



أخشى أن أقول أنني قبل الثورة كتبت أنني واثق أن التوريث لن يحدث أبدا ولكنني لست أدري كيف؟..

والآن أقول أنني أخشى أن الثورة المضادة ستنجح في مساعيها لنتأجل الانتخابات تمهيدا لإلغائها كليا.. وأيضا .. لست أدري كيف؟..



كالشيطان الذي لا يكف عن المحاولة أبدا.. هم أيضا يحاولون.. فالأمر بالنسبة لهم حياة أو موت.. ولابد من إلغاء الانتخابات وإلا قُذف بهم إلى مزابل التاريخ.. وربما إلى طرة.

أدرك الآن أنهم سيفعلون المستحيل كي يرغموا الجيش على إعلان الأحكام العرفية وإلغاء الانتخابات..

أحاول أن أفهم..

أضع نفسي مكانهم.. كي أعلم أي هاوية يدفعوننا إليها..

أقصد الثورة المضادة بكل أطيافها..

الشيوعيون واليساريون والعلمانيون والنصارى والحزب الوطني واللصوص والجهلة وعملاء أمريكا وإسرائيل.. وأيضا: أمريكا وإسرائيل وأوروبا الصليبية..

سيحاولون .. أولئك الذين فشلوا في الانقضاض على الثورة والاستيلاء عليها.. ثم فشلوا في الالتفاف حولها.. فغيروا لافتاتهم ولم يغيروا مؤامراتهم.. ولم يعد أمامهم بعد أن استنفدوا الطرق وأعيتهم الحيل إلا أن يدبروا مذبحة في ميدان التحرير. الشيء الوحيد الذي يعوض أقليتهم الفادحة أمام أغلبية الأمة الكاسحة هو فكر المؤامرة. لأنه لو تجمع مليون إسلامي ووطني حقيقي.. وتجمع ضدهم مائة عميل يقودون ألف مخدوع فإن الألف ومائة سيغلبون المليون!. ذلك أن المواجهة ليست مبارزة فرد لفرد كما أنها لن تقتضي قضاء أحد الطرفين على لآخر.. بل يكفي مواجهة أو مؤامرة يقتل فيها مئات الأشخاص أو حتى العشرات كي يملأ الصراخ والضجيج الدنيا كلها منددا بالانفلات الأمني ومطالبا بإعلان الأحكام العرفية وإلغاء الانتخابات إلى أجل غير مسمى..

اقرأووها مرة أخرى:

إلى أجل غير مسمى..

إلى أجل غير مسمى..

إلى أجل غير مسمى..



ما يحدث الآن هو بحذافيره ما حدث عام 54.. عندما شعر عبد الناصر بأن الزمام سيفلت من يده وأن شعبية محمد نجيب ستحرمه من مقعد الحكم. فدبر المظاهرات العمالية أثناء أزمة مارس، تلك المظاهرات التي قادها أحمد طعيمة وإبراهيم الطحاوي من الضباط الموالين لعبد الناصر، بل وقد اعترف بعد ذلك كما قال بنفسه لعبد اللطيف البغدادي أنه كان وراء التفجيرات التي دبرها يوم 19مارس 1954، كما شهد بذلك البغدادي في مذكراته في الجزء الأول صـ144 قائلاً: وقعت 6 انفجارات يوم 20 مارس 1954م في وقت واحد في أماكن متفرقة منها محطة السكة الحديد، واثنان في الجامعة، وانفجار بمحل جروبي، وقد اعترف عبد الناصر أنها كانت من تدبيره، لإثارة البلبلة في نفوس الناس وإشعارهم بعدم الأمن والطمأنينة إذا عادت الحياة النيابية وحملهم على التمسك بالثورة. في نفس الوقت أطلق عبد الناصر فئة البلطجية في مارس / آذار 1954 م عندما خرجوا يهتفون : " الدستور .. يحيا الدستور " فخرجت مظاهرة ـ بتدبير جمال عبد الناصر ـ بقيادة نقيب عمال النقل آنذاك بعد أن تقاضى مبلغ 5 آلاف جنيه ( وهو رقم ضخم بمقياس تلك الفترة ). كما نادت عصابات البلطجية بسقوط محمد نجيب .. وقامت باقتحام مجلس الدولة واعتدت على رئيسه الفقيه الدستوري الكبير د. عبد الرازق السنهوري بالضرب بالأحذية ، ثم أصدر مجلس قيادة الثورة بعد ذلك عدة أوامر خاصة بإغلاق الأحزاب والنقابات والصحف ..!!!



هذا هو بحذافيره ما تهدف إليه الثورة المضادة.



انقلاب آخر.. يفتح الباب لطاغوت آخر لا يقيم لرأي الأمة وزنا ولا يهتم بصندوق الانتخاب.. طاغوت آخر .. قد يختار ساويرس رئيسا للوزراء.. وعمرو حمزاوي وزيرا للأوقاف!

بل لا تستبعدوا أن يأتي ممدوح حمزة نفسه لا نزيلا لمستشفى الأمراض العقلية ولا مديرا لها وإنما وزيرا للصحة!.. هل تندهشون؟!.. تراكم لا تصدقون؟!.. ولكن.. ألم يكن تعيين وزير شاذ أمر أصعب؟!



أرباب الثورة المضادة الذين يطالبون بالدستور أولا لا يقصدون ذلك فعلا.. إنما يريدون للمدة أن تطول.. وللمشاكل أن تتفاقم.. وللاضطرابات أن تتفاقم وللعوامل الداخلية والخارجية أن تتضافر أو تتنافر .. حتى يتقوض البنيان.. وينهار الجيش.. أو على الأقل تنهار هيبته..

كنت مستعدا لقبول حتى هذه النداءات واللافتات من الثورة المضادة.. ولكن بشرطين اثنين فقط:

أولهما: ممنوع التمويل الخارجي..

وثانيهما: ممنوع الكذب..

سمعني صاحبي أقول ذلك فانفجر ضاحكا وهو يقول:

- هل تخدعهم؟ أم تريد للناس أن ترجمهم في الشوارع؟ لأنهم إن توقفوا عن الكذب فمن يصدقهم.. وهل سيجرءون على التصريح ببشاعة ما في داخلهم.. وإن توقفوا عن تلقي المال الحرام وتوزيعه على أتباعهم.. فهل تظن أحدا سيتبعهم..

وواصل صاحبا تهكمه:

- ممنوع الكذب وممنوع المال الحرام.. هذا حكم بالإعدام على نخبتنا..!!.. فهل يهونون عليك؟!



إن الصحف والفضائيات التابعة لأمريكا تنفق بسخاء على مجالس تحريرها، بل هي تأسست من أموال المعونة الأمريكية، وكل ولائها لها.. أما الذي لم ينشأ بأموالها فهو الآن يسعى إليها ومستعد لدفع الثمن..أي ثمن..





إن الصحف والفضائيات التابعة لأمريكا تنفق بسخاء على مجالس تحريرها، بل هي تأسست من أموال المعونة الأمريكية، وكل ولائها لها.

إنه مال الرشوة الحرام يتسلل..

ودهن الخيانة الحرام يتضخم..



لقد صرحت السفيرة الأمريكية أن أمريكا منحت منظمات المجتمع المدني أربعين مليون دولار (ربع مليار جنيه) لستين منظمة من منظمات المجتمع المدني وشباب الثورة بمتوسط أربعة ملايين جنيه لكل جمعية. .!! فهل فهمتم الآن سر حماسهم المحموم لتغيير المادة الثانية للدستور ولوضع المواد فوق الدستورية ولفرض رقابة الجيش على الدستور وللدستور أولا. هل فهمتم سر حماستهم بل وسعارهم. بعض كبارهم. بعض كبار كلابهم يحصل على مائة ألف جنيه ليدافع عن أمريكا وإسرائيل ويحرق الوطن وهو يصرخ متشنجا بالهتاف لمصر غير مدرك أن صوته يصل إلى الناس على حقيقته: قباع خنزير..

مائة ألف جنيه شهريا كفيلة بتحويل الكثيرين جدا إلى كلاب وخنازير.

مائة ألف تجعلهم يهتفون لا إله إلا أمريكا.. ولا رسول إلا إسرائيل..

الكثيرون..

منهم المتأنقون والمشوهون والذين لا يغسلون شعرهم أبدا..



تجادل الواحد منهم.. لكنه يبدو كالصخرة الصماء لا يستجيب أبدا.. مهما أقنعته لا يقتنع.. مهما أفحمته لا ينفحم... مهما أثبت له بالحجة الساطعة خطأه لا يستجيب..

كان ذلك يضنيني في البداية..

حتى فككتُ الأمرَ ففهمتُه:

تريد أن تفككه مثلي؟

تريد أن تفهمه كما يفهمه هو لا كما تفهمه أنت؟..

إذن فلتحاول.. ولتجرب:

اذهب إلى أي واحد في الشارع يستقل سيارة فاخرة ثمنها مليون أو حتى نصف مليون جنيه.. اذهب إليه وحاول إقناعه أنه يجب أن يتخلص من سيارته فورا لأن مالها حرام..

افعل..

وتحمل مسئولية تهورك طيشك!!

تحمل جزاء إصرارك على الحقيقة

ستكون حسن الحظ إذا أبت إلى بيتك وليس المستشفى!..

وربما.. لو ألححت تنتهي في المقابر..



هل الأمر واضح الآن؟..

أنت لا تناقش فكرة..

أنت لا تناقش فكرة الانتخابات أولا أو الدستور أولا..

بل أنت تناقش مائة ألف جنيه أولا..

أو مائة ألف جنيه أو............................لا!!!!!..

أو...لا..

تأخذها أو لا تأخذها..

خذ حذرك..

سيبدو الجدل غريبا جدا – تماما كما هو مع نخبتنا-..

فأنت صريح وواضح وصادق ونبيل ومباشر وتعبر عن نفسك في وضوح.. بينما هو كاذب ولئيم وملتو وغامض يخفي ما في نفسه يضمر غير ما يعلن ويظهر غير ما يبطن.. ثم أنه – لست أدري كيف؟!.. يظن نفسه ذكيا ويظنك غبيا.. يظنك متخلفا وهو تقدمي.. يظنك قديم وهو حادث.. وهو يرى أنك أصبحت جزءا من العاديات القديمة-روبابيكيا!- يجب التخلص منه ولا يفهم أبدا أنك الكنز والذهب النضار وأنه هو الخرز الملون والبلاستيك الرخيص والفكر الضار.. كلاكما لا يفهم الآخر.... فيا له من حوار يستخدم كل واحد فيهما لغة مختلفة فلا يصلان إلى تفاهم أبدا..أبدا ..أبدا.. لا يلتقيان.. كقطارين على مسارين مختلفين.. لا يلتقيان.. بل ولا يمكن أن يلتقيا..إلا إذا غير أحدهما مساره!!

لكن الآن خذ حذرك.. لو واصلت محاولة إقناعه بالتخلي طواعية عن سيارته لأنها ليست من حقه كما أن الاحتفاظ بها ليس في صالحه وأنها قد تودي به وبأسرته إلى الهاوية.. فإنه سيدوسك بها.. بسيارته التي تساومه على تركها!!..



لقد حددت سناء المصري (وهي ليبرالية تفوح منها روائح الليبراليين العفنة لكن ذلك لا يمنعها أحيانا من بحث أكاديمي جاد) ما يقرب من عشرين منظمة دولية بعضها يتبع الحكومات مباشرة ويتبع بعضها الآخر الأحزاب الحاكمة، أشهرها منظمة (فورد) وغيرها من المنظمات ذات السمعة العالمية في زعزعة بنية بلدان العالم الثالث وتهيئتها لما يسمى بالنظام العالمي الجديد أو السطوة الأمريكية الجديدة.

والتمويل هو العصا السحرية التي اخترقت تقوقعات شلل المثقفين وعاطلي السياسة وهي التي حولت الكثيرين ممن كانوا يقفون في صفوف المعارضة من شيوعيين وناصريين، أو يساريين عموماً، وكانت دعايتهم تدور حول الوطن والاستقلال والعدالة الاجتماعية، و مهاجمة إسرائيل والرأسمالية والإمبريالية والتدخل الأجنبي والفوارق الطبقية حولتهم إلى نشطين مخلصين يدافعون عن العولمة والتطبيع مع إسرائيل.



إن موقعا إسرائيليا اسمه موقع " فيلكا إسرائيل" يظهر جزءا من التخطيط الإسرائيلي الأمريكي للتدخل في الثورات العربية.

إن الخطة تعتمد " استراتيجياً" على استغلال رغبة الناس المشروعة في الحرية والكرامة والتخلص من الفساد وتحويل رغبات الناس إلى فوضى عبر إقناع الناس أن طريق الإصلاح من داخل النظام مغلق وان الحل هو ثورة شاملة.وذلك عبر إنشاء خمسة أنواع من الشبكات :

1-شبكة"الوقود" : من شباب متعلم وعاطل عن العمل ثم ربطهم بطريقة غير مركزية.

2 -شبكة"البلطجية" من خارجين عن القانون وأصحاب جرائم كبيرة من المناطق النائية، ويفضل غير السوريين.

3 -شبكة"الطائفيين العرقيين" من شباب محدود التعليم، من كل طائفة أو عرقية مع تحت سن 22 سنة.

4 -شبكة"الإعلاميين" من قادة مؤسسات المجتمع المدني الممولة أوروبيا وليس أمريكيا.

5-شبكة"رأس المال" من التجار وأصحاب الشركات والبنوك والمراكز التجارية

وعن طريقة استخدام الشبكات، والربط بينها، تقول الخطة :

يتم استغلال طموح الشباب في الشبكة الأولى ( شبكة الوقود) عبر عبارات جذابة و استغلال قدرات أعضاء الشبكة الثانية ( شبكة البلطجية ) عبر: أعمال القتل المحترفة و إحراق الأبنية العامة بشكل سريع وباستخدام مواد سريعة الاشتعال.والتدريب على اختراق السجون والمراكز الشرطية وأبنية الأمن. ويتم استغلال أعضاء الشبكة الثالثة ( شبكة الطائفيين العرقيين ) عبر : شحن مشاعرهم استغلال صغر سنهم وقلة معرفتهم بالتاريخ والجغرافيا وإيصالهم إلى حافة الاستعداد لأي شيء.

كما يتم توظيف وتطوير قدرات الشبكة الرابعة ( شبكة الإعلاميين ) على قيادة الناس ( الرأي العام ) عبر:

-تمكينهم من التواصل مع أجهزة الإعلام

-تسويقهم كأشخاص وطنيين يدعون إلى المجتمع المدني.

-أعداد كوادر مدربة على التقنيات الإعلامية الحديثة كالمدونات والانترنت تخدم هؤلاء في التواصل مع الجمهور.

-عقد اجتماعات معهم بشكل دوري وتوحيد جهدهم

أما الشبكة الخامسة ( شبكة رؤوس الأموال )، فيتم استغلال خوفهم على مالهم وكونهم من أهالي المدينة، بحيث يجب تثبيت ما يلي:

-ربط التجار بمسئولين تجاريين في السفارات الأوروبية تحت ستار العلاقات التجارية.

-اختراقهم بواسطة علاقات جنسية يتم تصويرها لابتزازهم بها لاحقا.

واحتوت الخطة، في فصلها "التنفيذي" على سيناريوهات عدة، وتفاصيل دقيقة لكيفية البدء والتحرك، واستغلال الشبكات، وطريقة التحرك.

-عندما يبدأ التحرك في الشارع يجب وبأقصى سرعة إثارة الناس وتحويل المطالب العادلة إلى مطالب أعلى سقفا هي إسقاط النظام وتنفيذ ما يلي:

-إدخال الشبكة الثانية "شبكة البلطجية" إلى المسرح فورا لمهاجمة كل من المتظاهرين والأمن .

-إدخال الشبكة الرابعة ( الإعلاميين

والمأمول عندهم أن سينقسم الجيش وتنهار أجهزة الأمن وتنهار الدولة.



نعم.. النهاية المنطقية للمخطط الأمريكي الإسرائيلي أن ينقسم الجيش وتنهار أجهزة الأمن وتنهار الدولة.

هل كان هيكل يدرك ذلك وهو يطالب المشير بالحكم أعواما ثلاثة؟..

هل كان يلعب دور الحكيم العجوز.. أم العجوز المخرف؟.. أم الساحر الشرير الذي ينفث نفثة تسمم هواء المدينة وتقتل أهلها!!..

هل كان يقصد تكريم الجيش أم القضاء عليه؟

وهل كان يقصد تدعيم الاستقرار أم تفجيره؟!

هل كانت النخبة المثقفة العفنة تدرك ذلك وهم يطالبون بامتداد الفترة الانتقالية ثلاثة أعوام فيما يزعمون وإلى أجل غير مسمى كما يريدون.؟

هل كان جمال الغيطاني ووائل قنديل ويوسف القعيد ويسري فودة... و..و..و.. يدركون ذلك..

هل كانوا يجاملون الجيش؟!..

أم ينافقونه؟؟

أم ينفذون المخطط الصليبي اليهودي بالكامل ويدفعون بالجيش إلى الهاوية..

والجيش الذي عجز الصليبيون واليهود عن هزيمته بعد 67 سيهزمه أهله..

سيهزمه الصبيان والصعاليك..

سيهزمه البلطجية..

سيهزمه قبضايات الثقافة وسكارى الحانات والمدمنين والحشاشين والشواذ الذين جمعوهم وسموهم نخبة المثقفين!

سيهزمه رؤساء التحرير الذين تركهم في أماكنهم بدلا من أن يحيلهم لمصحات التأهيل والتهذيب والتقويم للعلاج من الإدمان.

سيهزمه المسئولون عن قنوات تليفزيونية أولى بها أن تصدر من شارع كلوت بيك ومحمد على والحوض المرصود ..



ما أولى نخبة مثقفينا الطافحة بحوض مرصود..

والحوض المرصود –لمن لا يعرفه- مستشفي مشهور في حي السيدة زينب بالقاهرة وهو متخصص في الأمراض الجلدية والتناسلية.. وفيما مضي من الزمان عندما كانت الدعارة مصرحا بها من قبل الحكومة وكانت بؤر الفساد في وسط البلد في "الأزبكية" وشارع " كلوت بك " وما يتفرع منه من حارات ودروب مثل " درب طياب ".. كان على البغايا أن يتوجهن كل فترة معينة إلى المستشفى لتوقيع الكشف عليهن للتأكد من خلوهن من الأمراض السرية حتى تجدد لهن تراخيص ممارسة البغاء حرصاً علي زبائن الفاحشة .

(ألا ليت حرصنا على قراء الصحف ومشاهدي الفضائيات يرتفع إلى مستوى مماثل!.)

و وتأتى تسمية " الحوض المرصود " من التابوت الحجري الفرعوني الذي كان مليئاً بالذهب وعثر عليه " أحمد بن طولون " وأنفقه علي بناء جامعه الشهير فوق جبل يشكر بالقرب من حي " قلعة الكبش .

كانت البلاد محتلة..

وعلى الرغم من ذلك كان عند الناس بقايا شرف وكرامة..

حتى الداعرات كن يرفضن المال الحرام لأنه من الأجنبي.. من المحتل ( حرام أوحلال من وجهة نظرهن)..

كانوا أكثر شرفا من الستين جمعية التي قبضت من أمريكا.. كل جمعية أربعة ملايين جنيه,, ليكون المجموع ربع مليار جنيه..

داعراتنا أبين..

ومثقفونا تكالبوا..

نعم..

وكانت ظاهرة بكل المقاييس أن العاهرات المصريات لا يسمحن للأجانب بممارسة البغاء في بيوتهن ولا معهن، كما كتب الدكتور عبد الوهاب بكر في كتابه "مجتمع القاهرة السري ..1900 1951" عن تاريخ العالم السري والبغاء في مصر . وكان من الجائز أن تسمع ساعتها عاهرة تعلن بكل عزم : إلا المال الحرام بتاع الخواجات، آخد فلوسي وعرق جبيني من رجالة مصر، وحد الله بينا وبين الغرب (الاستعماري الصليبي ).



ألا ليت بعض مثقفينا كان لهم نخبة داعراتنا..

ألا ليت ثمة حوض مرصود لبعض الصحافيين والإذاعيين ومقدمي البرامج الفضائية.. حوض مرصود يطهر نفوسهم من أدرانها وأرواحهم من دنسها.

إلا المال الحرام يا نخبة..

إلا المال الحرام..



في مثلهم يقول نزار قباني:

ولم أر إلا جرائد تخلع أثوابها الداخليّهْ...

لأيِ رئيسٍ من الغيب يأتي...

وأيِ عقيدٍ على جُثّة الشعب يمشي...

وأيِ مُرابٍ يُكدّس في راحتيه الذهبْ...

فيا للعَجَبْ!!



إنني أسألكم: أسأل عقولكم وضمائركم: أين أمريكا الآن؟ هل اختفت من الدنيا؟ أين إسرائيل؟ هل تلاشت من الوجود؟ ما هو الدور الذي تقومان به الآن داخل مصر؟ من هم عملاؤهما؟ من الذين يقبضون منهما؟.

لماذا لا يتكلم أحد عن هذا الدور.

لماذا لا يتكلم أحد عن هذا الدور.

لماذا يبدو أن الجميع قد تواطئوا على عدم الحديث في هذا الأمر؟..

كأنها الغرفة السابعة في القصر المهجور حيث المخاطر والشرور..

يخاف الجميع من الولوج فيها وإلا وقعوا في المحظور!!

لقد صرحت السفيرة الأمريكية بأن أمريكا دفعت ربع مليار جنيه لمنظمات المجتمع المدني

إنني أناشد جهاز الأمن القومي أن يتحرك ليكشف لنا الخبايا.

إن منصة الإذاعة الواحدة تتكلف 36000 جنيه. فمن الذي يدفع؟.

في جمعة الغضب المزيف مدفوع الثمن كان هناك أربع منصات . من الذي دفع. من الذي دفع ثمن المخيمات الفاخرة. . مخيمات الثورة الحقيقية كانت ملاءات ممزقة وبطاطين مهترئة. الآن يتجاوز ثمن الخيمة ألفي جنيه..!! فمن الذي يدفع!! من.. من.. من.. والحكاية التي أوردتها الأهرام عن الأموال التي وُزعت على البلطجية وماسحي الأحذية كي ينشروا الفوضى في الميدان.

إن الربع مليار جنيه لا يمكن أن يكون قد وزع على البلطجية وماسحي الأحذية فقط..

فمن الذي أكل من هذا المال الحرام؟

لقد نشر الأستاذ صلاح الإمام كيف يتم اصطياد الرعاع والحثالة وتحويلهم إلى ناشطين سياسيين يسكنون ذوات النجوم الخمس.

لقد لاحظت بعض الناشطين السياسيين من كفاية و6 أكتوبر..

أحدهم كان يلبس أسمالا قبل الثورة.. بعد الثورة رأيته يلبس ملابس يتجاوز ثمنها الثلاثة آلاف جنيه.

ربما أحترم بعضهم..

وقد يحترم البعض جلهم..

لكن.. لنعلم أن شعار كفاية نفسه شعار مشبوه.. وصناعة أمريكية..

لقد كان " سورس" ( سورس وليس ساويرس.. ومع ذلك ليس هناك فرق) رجل الاقتصاد اليهود الهنجاري الأصل الأمريكي الجنسية هو المسئول الأساسي الذي أشرف علي تدبير عملية الانقلاب السلمي في جورجيا فأطاح بشيفرنادزه وجاء بساكشفيلي، بعد أن أسس حركة شبابية قدم إليها ملايين الدولارات حملت شعار 'يكفي'، أنها شبيهة بحركة 'ابتور' الصربية التي أسقطت ميلوسيفتش في بلجراد سنة 2000، وهكذا تمكنت المئات من منظمات المجتمع المدني من أحداث الانقلاب في جورجيا".

هل لاحظ القارئ الشبه مع حركة كفاية؟



أعتذر لمن سيصيبهم كلامي بالصدمة.. ولكن ذلك لا يعني بالنسبة لهذه الحركة أو سواها أن الحركة كلها أو حتى معظمها مخترق..

هناك مجموعة خائنة سافلة منحطة تعمل بطريقة مقاولي الأنفار لتحرق الوطن..

وهناك مجانين أبدع الأستاذ صلاح الإمام في وصف بعضهم.. أحدهم عاش عمره كله عميلا للأمن.. ويقدم نفسه الآن كبطل.. رغم أنه لا يملك من مقومات البطولة إلا المال الذي يدفعه ليحصل على نسخة متقنة التزوير منها!

وقد تكون هذه المجموعات قليلة..

لقد كان الضباط الأحرار على سبيل المثال عدة مئات.. كان يكفي اختراق اثنين أو ثلاثة منهم لجرف الثورة كلها عن مسارها من خلف ظهر الباقين الذين لم يتصوروا ولم يتخيلوا ولم يصدقوا حتى وقعت الكارثة.

لقد نشرت صحيفة الوفد تحت عناوين ضخمة في 7 أبريل:

"أعرب خبراء الأمن والقانون ورجال السياسة عن دهشتهم البالغة من وجود أوكار للجاسوسية في قلب القاهرة والكائنة في السفارتين الأمريكية والإسرائيلية. وطالبوا بضرورة التخلص من هذه الأوكار فوراً وطرد جميع أجهزة التجسس واصطياد العملاء من مصر..."..



نعم..

الكثير جدا من منظمات المجتمع المدني منظمات خائنة سافلة لم تشارك في الثورة أصلا لكنها تكالبت كالذئاب كي تستولي عليها..

ولنطلع على نماذج من ذلك في وكالات الأنباء:

وجهت "جبهة أحمد ماهر" بحركة 6 أبريل اتهامات بالكذب والخداع ومحاولة تشويه الحقائق للجبهة الديمقراطية بحركة 6 أبريل، بعد ظهور عمرو عز، الناشط بحركة 6 أبريل "الجبهة الديمقراطية"، على شاشة قناة الجزيرة ببرنامج "شاهد على العصر"، وقال إنه منسق حركه 6 أبريل، وأحد مؤسسي الحركة، على حد قولهم.



وقالت جبهة أحمد ماهر في بيان صدر يوم أمس الاثنين: نوضح أن هذا المدعو ليس مؤسس الحركة، بل انضم نهاية عام 2009، كما أنه تم فصله من الحركة، بسبب تعمده نشر أكاذيب وإشاعات عن الحركة أضرت بها، إضافة إلى قيامه بمحاولة نسبة أفكار بعض شباب الحركة بالمحافظات إلى نفسه. نحن لسنا أمام ثوار إذن بل أمام لصوص..

نحن لسنا أمام الشهداء إذن بل أمام من يسرقون دماء الشهداء.

فلقد كانت حدثت انشقاقات بين الأعضاء المؤسسين بسبب اتهامات وجهت لجبهة أحمد ماهر بالحصول على تمويل من مؤسسة فريدريش هيومان، وتقرير نشرته صحيفة النيويورك تايمز يتهم "جبهة ماهر" بتلقي تمويل من منظمات أمريكية.



لم يعترف من المرتشين مرتش.. ولم يقر من بين الخونة خائن..

إذن..

من الذي يأخذ الأموال؟

هذه الأموال الحرام من الذي أخذها ليطلع على شاشات الفضائيات يعوي ككلب أجرب لم يغسل شعره أبدا؟!

من.. من..

من..

إلى أين وصلت وإلى أين تسللت وإلى أين تسربت..

كم خمارا زائفا يغطي وجه عاهرة وكم من الأكاذيب تلصق بطاهرة..

كم خائنا يشعل النار في الوطن ثم يزعم أنه يفعل ذلك من أجل الوطن ليتهمنا في نفس الوقت أننا نضيع الوطن.

إلى أين وصلت تلك الأموال؟

هل وصلت إلى النخبة؟ هل وصلت إلى الفضائيات؟ هل وصلت إلى ساويرس وممدوح حمزة؟ أم ينفقون من جيوبهم. تعودوا على شراء كل شيء بأموالهم. أمول الشعب المنهوبة. أموال الشعب التي تستغل في الحرام مرتين.. مرة بنهبها من أموال الشعب في البنوك أو سرقتها من مشروعاته.. والمرة الأخرى بإنفاقها رشى ومالا حراما لخداع الشعب وتزييف وعيه. نعم تعودوا أن كل شيء له ثمن.. هم أنفسهم له ثمن.. والوطن أيضا له ثمن.. وإرادة الناس لها ثمن.. فلم يبق إذن إلا أن يشتروا الشعب والانتخابات والاستفتاءات بأموالهم.. فإن عجزوا أشعلوا النار في الوطن.

هل وصل المال الحرام إلى المحور ودريم والمصري اليوم والشروق والحياة والفجر وصوت الأمة و أون تي في والتحرير؟

إنني أسألكم: أسأل عقولكم وضمائركم هل تريد النخبة المثقفة

الدستور أولا حقا؟ أم لا يريدون الدستور على الإطلاق

هل هم المثقفون حقا.. أم هم أرامل أمن الدولة.. فكما يوجد ضابط أمن دولة يوجد مثقف أمن دولة

لماذا يمارسون تزوير الأعلام والرأي العام حيث أصبح تزوير الفضائيات كتزوير الانتخابات: الأمة في جانب.. الأمة كلها في جانب والمذيعون والمذيعات في جانب آخر.. يزورون الأحداث والوقائع.. ويكذبون في التحليلات.. ويصطنعون الأحداث.. .. والناس لا يصدقونهم.. يعطون انطباعات خاطئة مضللة..

والأشد من ذلك والأنكى أنهم أنهم يتعمدون ذلك

عملية تزوير شاملة متبادلة.. إنهم يكذبون فيصدقون أنفسهم.. فيتوقعون تداعيات معينة كنتائج منطقية وبديهية لما صدقوه، لكن النتائج تأتي معاكسة.. فينهارون. وبترجمون انهيارهم إلى سعار لفظي لا يهدأ.



منتهى الخسة..

أخاطبكم أنتم يا جواري وخصيان فضائياتنا المستقلة. يا فضائيات – بل فضائحيات- مسيلمة.

لماذا كل هذه الحمية من أجل الدستور الآن.. حمية الجاهلية الأولى. أين كانت وهم يعيشون ستين عاما تحت ظلال دستور يداس بالنعال كل يوم.

الحكاية ليست الدستور أولا أو الانتخابات أولا..

بل مصر أولا أو أمريكا أولا..

بل مصر أولا أو إسرائيل أولا..

لقد تعودت نخبتنا المثقفة على تمثيل دور المعارضة كديكور للنظام.. فلما فرض عليها الممارسة لا التمثيل فقدت توازنها وصوابها.

إنهم يطالبون بالدستور أولا وبإكمال الثورة أولا وبالمجلس الرئاسي أولا وبانتخابات الرئاسة أولا وبالقصاص أولا وبكل شيء أولا إلا الاحتكام للأمة وصوت الشعب.. وليتهم يريدونه ولو أخيرا.. إنهم لا يريدونه أبدا. إنهم يكذبون طول الوقت. يخفون ما في قلوبهم. وما تخفي حساباتهم في البنوك أكثر.

إنني أوافق على مجاراتهم مهما كان بشرط أن يكونوا صادقين.

وأنا مستعد للتعايش حتى مع الكفر.. مستعد أن يأتوا ليقولوا نحن نحمل جنسية مصرية لكن انتماءنا للغرب.. أو أسماؤنا مسلمة لكننا غير مقتنعين بالإسلام ولا نرضى به.. مستعد لذلك.. ثم نحتكم للناس.. للأمة.. للشعب.. ليختار من يشاء..أليست هذه هي الديمقراطية؟ لكنهم يريدون أن يكذبوا على الناس وأن يخدعوهم ثم يتهموننا نحن بأننا نخدع الناس. فإذا اختارنا الناس قالوا أنهم جهلة مخدوعون.. لا يا سادة.. لا يا نخبة..ليسوا جهلة ونحن لم نخدعهم.. لكنكم أنتم أتباع أمريكا وإسرائيل.. بل أنتم لصوص ومزورون وخونة وعملاء..

إنهم مصرون على إثارة الفوضى وإحراج الجيش حتى يعلن الأحكام العرفية..

إنهم مضحكون.. فمن أجل الديمقراطية يرفضون الانتخاب ويطلبون من الجيش أن يستمر!...

يتهمون الإسلاميين بالتواطؤ مع الجيش.. بينما الإسلاميون هم الذين يطلبون انصراف الجيش إلى ثكناته بأقصى سرعة..

ويزعمون البطولة ومناوأة الجيش..

بينما هم الحريصون عليه الذين يتوسلون إليه أن يستمر..

أف...

أف أف أف أف ف ف ف!

شيخ العرب همام الاصلي

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام علي خاتم النبيين محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين
وبعد
تمهـيد لابد منه
..........
بعيداً عن إعلامنا وأضاليله وبعيداً عن التلفزيون المصري الذي طالما شوه وزيف تاريخنا في مسلسلا ته ومازال ..!!!
نقدم في هذا الموضوع لملحمة شعبية كبيرة كانت ولازالت تعيش في وجدان أبناء الصعيد عامة وقبائل الهوارة خاصة ..
إنها قصة رجل حمل من الاصالة والشهامة والعراقة ما شهدت به كتب التاريخ
قدم له المؤرخ الكبير عبد الرحمن الجبرتي فقال
..
الجناب الأجل والكهف الأظل الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيلي الملكي ملجأ الفقراء والأمراء ومحط رحال الفضلاء والكبراء شيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن صبيه بن سيبيه الهواري


عظيم بلاد الصعيد ومن كان خيره وبره يعم القريب والبعيد وقد جمع فيه من الكمال ما ليس فيه لغيره مثال تنزل بحرم سعادته قوافل الأسفار وتلقى عنده عصى التسيار وأخباره غنية عن البيان مسطرة في صحف الإمكان ..!!


بهذا التقديم ندخل لموضوعنا وهو عن


شيخ العرب همام أميـر الصعيد وزعيم قبائل الهوارة في القطر المصري
ــــــــــــــــ
****************



ظهر شيخ العرب همام في وقت كان الصعيد فيه في امس الحاجة الي وجود رجل مثله يُقر الامن ويحمي الفلاحين من ظلم الادارة المتمثلة في المماليك ومتاعب الاعراب من سلب ونهب وتهديد ...


نشر شيخ العرب همام العدالة بين ابناء الصعيد ولم يكن يفرق في المعاملة بين ابناء قبيلته الهوارة وبين الفلاحين او العرب الاخرين فالجميع امامه سواء ...


لقد احال شيخ العرب همام الصعيد من منبت للفتن ومسرح للصراع بين الامراء المماليك المهزومين امام زملائهم في القاهرة ومطارديهم المنتصرين الي منطقة استقرار ورخاء وامن وازدهاروبهذا وضع اساس مجده وخلد ذكره ..




شيخ العرب همام صورة تخيلية


في قرية فرشوط بمحافظة قنا
كان مولد
شيخ العرب همام بن يوسف 1709 م 1121 هـ .
و قد نشـأ شيخ العرب همام في بيت ورث الثراء و المكانة أباً عن جد
فقد كان شيخ العرب هماماً إبناً للشيخ يوسف بن الشيخ أحمد محمد همام
الذي آلت إليه زعامة قبائل الهوارة .
و قد تمتع الهوارة بثراء واسع و كان معظم شيوخهم على جانب كبير من الثراء
فمنذ أن نزل الهوارة إلى الصعيد و إستقروا في جرجا
إمتدت سطوتهم فيها و إتسع ثراؤهم
و كان كبيرهم يقيم في فرشوط و له نفوذ في الصعيد كله
و قد ظلت لشيوخ الهوارة رئاسة الصعيد و السيطرة على الحكم فيه
حتى عام 893 هـ/1575 م
و قد كانت الأسرة التي انحدر منها شيخ العرب همام
و هي الأسرة الهمامية
على صلة طيبة بالفلاحين في الصعيد
فقد استطاعت بما توفر لها من عصبية قبلية قوية
حماية فلاحي الصعيد من المظالم التي كانت تلحق بباقي الفلاحين في أنحاء مصر الأخرى .
وقد ورث شيخ العرب همام عن أبيه الشيخ يوسف التزامات واسعة
شملت معظم أراضي الصعيد من المنيا إلى أسوان
و كانت هذه الالتزامات قد آلت إلى الشيخ يوسف
وراثة عن أبيه الشيخ أحمد بن همام .



242 الف فدان التزام الامير همام شيخ العرب



ولكي يحمي شيخ العرب همام أراضيه الواسعة
و يدفع عنها شر هجمات الأعراب و أطماع أمراء المماليك
كون جيشا كبيراً من الهوارة أقاربه و من المماليك الفارين
إلى الصعيد هرباً من منافسيهم .



دارة همام او القلعة الحربية بمنطقة العركي بفرشوط وكانت تستخدم للتدريب



كانت هذه هي البيئة التي نشأ فيها شيخ العرب همام وقد جعل نُصب عينيه توحيد قبائل الهوارة وجمعها تحت لواء واحد وذالك للتصدي لظلم المماليك واطماعهم التي ماكانت تنتهي ....


و لم تكن شهرة شيخ العرب همام وليدة أساليب البيان و سحر البلاغة
كما لم تكن الهالات التي أحاطت بسيرته وليدة الخيال
و إنما هي شهرة و مجد استمدا وجودهما
من الواقع الذي لا يُخطئ لقد أحال شيخ العرب همام الصعيد
من منبت للفتن و مسرح للصراع بين الأمراء المماليك المهزومين
أمام زملائهم في القاهرة و مطارديهم المنتصرين إلى منطقة استقرار و رخاء وأمن وازدهارو بهذا وضع أساس مجده و خلد ذكراه .


إهتمامه بالعلماء وإكرامهم
ــــــــــ
*********
قد اهتم شيخ العرب همام كذلك بالعلماء
و إشتهر بتقريبه لهم و إكرامهم و مقابلتهم بما يستحقون من احترام
و تقديم الهدايا العظيمة لهم إذا ما قصدوه في موطنه ومن أشهر هؤلاء العلماء الذين زاروا شيخ العرب همام في موطنه الشيخ مرتضى الحسيني الزبيدي ..


ومنهم ايضاً الشيخ محمد بن سالم الحفناوي احد مشايخ الازهر وكان علي علاقة وثيقة بشيخ العرب همام وكانت بينهما مراسلات وصداقة كبيرة والشيخ الحفناوي وولد ببلدة حفنا احدي قري بلبيس وكانت له مواقف قوية جدا في


التصدي للماليك وظلمهم وكان يقول لهم أخربتم الاقاليم والبلاد .!!
وذالك لشدة تناحرهم وتشاحنهم علي السلطة وكما ذكر الجبرتي فقد مات بالسم رحمه الله الله ويُقال ان المماليك هم الذين سموه ...



احد اسواق القاهرة القديمة


ومن أشهر العلماء الذين كانوا يعيشون في أرض شيخ العرب همام
الشيخ علي بن صالح الشاوري المالكي
مفتي فرشوط
و الذي تلقى علومه بالأزهر
ثم عاد إلى فرشوط و تولى الإفتاء بها و قد اهتم شيخ العرب همام بالشاوري اهتماما كبيراً و أكرمه إكراماً كبيراً
و كان يقبل وساطته في أي أمر مما أدى إلى إشتهار أمره .و بعد وفاة شيخ العرب همام غادر الشاوري فرشوط
و حضر إلى القاهرة و ظل بها حتى وفاته
عام 1185 هـ/ 1771 م .


إنشائه للمساجد والوقف لها
ــــــــــ
*********
و قد إشتهر شيخ العرب همام بالتقوى و الورع
فكان يؤدي الصلاة في أوقاتها
و قد أوقف أوقافاً كثيرة على المساجد في الصعيد و قام بكثير من الاصلاحات فيها
مثل ما قام به من إصلاح في مسجد عبد الرحمن القنائي
أشهر أولياء الصعيد
فقد جدد شيخ العرب همام المسجد و أنشأ خلفه مخزناً و دورة مياه
وأوقف عليه أوقافاً كثيرة وقد أنشـأ شيخ العرب همام مسجداً خاصاً في موطنه فرشوط في الجانب الشرقي منها
عام 1171 هـ / 1757 م
و هو مسجد فخم وتحفه اثرية هامة .



مسجد شيخ العرب همام


ومازال هذا المسجد قائماً في فرشوط
في حالة جيدة و تُقام به شعائر الصلاة و قد كُتِبَ على واجهته :



لجامع همام بن يوسف رونق ** به لاذت العباد من كل وجهة
عليه علامات القبول لوايح ** و قد طاب من أرجائه كل بقعة
فيا داخلاً بالباب ادع لمشئ ** و ارخ يسد الله سر المنية







وعلى جدران المسجد كتبت قصيدة نهج البردة ...
وقد اوقف شيخ العرب همام 19 فدان بفرشوط
للانفاق منها على هذا المسجد .


حياته وعدله مع الناس وجلوسه لشكايتهم
ــــــــــ
************
كان شيخ العرب همام يجلس يومياً بعدما يُصلي صلاة الصبح لفض المنازعات بين الناس وكان له مجلس عرب يشبه المحكمة
وإذا أصدر الحكم بين متخاصمين أمر كاتبه بولس النصراني بكتابة هذا الحكم
وكان كل شيء يُدون في هذه الجلسات ..
نشر شيخ العرب همام العدالة بين أبناء الصعيد
و لم يكن يُفرق في المعاملة بين أبناء قبيلته من الهوارة
و بين الفلاحين أو العرب الآخرين
فالجميع امامه ســواء و قد اهتم شيخ العرب همام
بتنظيم الزراعة في الصعيد و أدار الحياة فيه بنشـاطٍِ جم و كفاية فائقة
و كان هدفه أن يخلق من الفوضى نظام يُمكنه من نشر الرخاء
بين فلاحي الصعيد .



الفلاحون يجلسون ويتسامرون


لذا اهتم برعاية الأمن فيه
كما عمل على خلق شخصية بارزة له تحميه وتحمي كل بلاد الصعيد التي كانت تحت سلطته فعلياً
من ظلم المماليك و إسـتغلالهم و قد اتقن شيخ العرب همام دوره بصفته أميراً علي بلاد الصعيد
و أخذ في تنفيذه مضحياً بكل ما يملك
من جهد و مال و رجال و لم يكترث بما كان يبذله
من تضحيات و ما يلاقيه من جهد و عناء و بلغ شيخ العرب همام من القوة و النفوذ حداً
جعله يؤثر في تصعيد حدة الصراع بين كبار أمراء المماليك
بالقاهرة و هو باقٍ في مكانه بالصعيد
فلم يذهب إلى القاهرة و لم ينتقل من معقله و مهد نفوذه ..
و قد ظهر شيخ العرب همام
في وقت كان الصعيد في أمس الحاجة إلى وجود رجل مثله يُقر الأمن و يحمي الفلاحين من ظلم الإدارة و متاعب الأعراب
من سلب و نهب و تهديد امراء المماليك .. .


ومن جهة إخري كان شيخ العرب همام يتطلع إلي حماية قوافل الحجاج التي تسافر عن طريق القصير وتأمين الطريق لهابعد ان تركه امراء المماليك وإنشغلوا بخلافاتهم علي السلطة
وكانت قبائل العليقات هي التي قامت بهذا الدور بتكليف من شيخ العرب همام فأصبحوا هم حراس الحجاج وهم المسؤلون عن حمايتهم ...




صورة للحجاج


وضع شيخ العرب همام نظاماً امنياً رائعاً جعل الجميع ينعم بالهدوء والاستقرار
وقد استراحت الدولة عامة إلي تولي شيخ العرب همام إدارة الصعيد فقد كفاها متاعب كثيرة في تحصيل الاموال بتسديده الدائم لما عليه من خراج ...




طريق الحج جهة القصير



وقد ادي النظام الذي وضعه شيخ العرب همام للامن والعناية التي كان يبذلها لصيانة الترع والجسور إلي إزدهار الزراعة وتحقيق الرخاء العام للاهالي ولاجل هذا قد حفظ أهل الصعيد من فقير وغني ومسلم ونصراني لشيخ العرب همام أكرم الذكري ...



يقول الباحث والمؤرخ المصري عمر أحمد محمود تركي
قضى شيخ العرب همام السنوات الأخيرة
من عمره في إجراء المصالحات بين القبائل المتناحرة وإنهاء الخصومات الثأرية وإستشهد المؤرخ المصري بوثيقة تاريخية بحوزته تسجل حضور شيخ العرب مصالحة ثأرية بين قبلتين في إسنا سنة 1173 هجرية حيث جاء في الوثيقة إن المصالحة تمت بحضور العبد الأجل المحترم الجليل المكرم حضرة شيخ العرب همام يوسف ..
وأبدى الباحث والمؤرخ المصري عمر أحمد محمود تركي تخوفه من أن يتضمن المسلسل الذي يحمل اسم شيخ العرب همام مشاهد تصور شيخ العرب جبارا متكبرا ظالما غليظ القلب على عكس الحقيقة حيث كان شيخ العرب همام جوادا كريما رقيق القلب تفتح موائده العامرة من صلاة الفجر وحتى منتصف الليل كما كان محبا للسلم والسلام ويتحلى بأخلاق الفرسان .


فيما اشار عبد الحكم عبد ربه وكيل وزارة الثقافة بالأقصر وهو احد أبناء المطاعنة بأسنا أن شيخ العرب همام كانت تُروى
عنه عشرات القصص والحكايات عن قوته التي كان يستخدمها في رد الظالم عن ظلمه ويضيف عبد ربه أن شيخ العرب همام قد وصل إلى اصفون وقرى


المطاعنة في إسنا بعد هزيمته على يد على بك الكبير في أسيوط حيث اخذ في التقهقر للجنوب حتى وصل إلى أصفون التي ناصرته وتضامنت معه وأحبته وبقى بها حتى وفاته عام حيث عرف بين أهل تلك القرى باسم عظيم بلاد الصعيد .


اصبح شيخ العرب همام الحاكم الفعلي للصعيد بتزعمه لعرب الهوارة والصعيد
واستطاع شيخ العرب همام لما تمتعت به شخصيته من ذكاء وطموح ان ينشيء الصلات الواسعة المتعددة الجوانب مع حكام مصر وعلماءها
ومع الدولة العثمانية نفسها وكان يطلب منها ما يريد مباشرة مجدداً ما كان من طيب العلاقات بين اجداده وبين الدولة العثمانية
مما اثار عليه غيرة بكوات القاهرة مثل علي بك الكبير ...



القاهرة القديمة



وقد لعب شيخ العرب همام دوراً هاماً في حياة الصعيد بل وفي حياة مصر كلها في النصف الاول من القرن الثامن عشر الميلادي ونحو عشرين عاماً من النصف الثاني منه ..


يقول رفاعة رافع الطهطاوي بعد زيارته إلى فرنسا واطلاعه على نظام الحكم هناك وتفاصيل انتقال السلطة والحكم فعقد مقارنة بسيطة بين النظام


الجمهوري والمشروع السياسي للشيخ همام حين وصفه في كتاب تخليص الابريز في تلخيص باريز قائلا: ولما كانت الرعية لا تصلح أن تكون حاكمة ومحكومة وجب أن توكل عنها من تختاره منها للحكم وهذا هو مثل مصر في زمن حكم الهمامية فكانت إمارة الصعيد جمهورية التزامية.


وتعاطف بعض المفكرين مع الحركة التي قادها الأميرشيخ العرب همام في الصعيد ومحاولته الاستقلال بحكم الصعيد وعلى رأس هؤلاء المفكر لويس عوض الذي


ذكر في كتابه تاريخ الفكر المصري الحديث واصفا ما قام به شيخ العرب همام بأنه كان ثورة كانت لها أهداف وطنية واجتماعية أما الهدف الوطني الأول فكان استخلاص مصر من أيدي المماليك وأما الهدف الاجتماعي الأول فكان تمليك الأرض للمصريين وتوزيعها على الفلاحين.




احدي الوثائق التاريخية لشيخ العرب همام




وفي عام 1769 وفد إلى مصر الرحالة الاسكتلندي جيمس بروس وسجل في كتابه (رحلات لاكتشاف منابع النيل) تفاصيل لقائه بشيخ العرب همام بن يوسف في مدينة فرشوط حيث ذكر عنه أنه كان طويلا وضخما و وسيما وفي


الستين من عمره وأنه استقبله بأدب شديد وسأله عن ما يحدث في القاهرة أكثر من سؤاله عن أي مكان آخر. حيث كان هذا اللقاء في فترة صراع همام مع علي بك الكبير وهو نفس العام الذي توفي فيه شيخ العرب همام.


اقام شيخ العرب همام نظاماً وحكماً إدارياً دقيقاً لتنظيم بلاد الصعيد وشئون اراضيه والعاملين فيها
وكان لديه دواوين تضم جيشاً من الكتبة ومعظمهم من النصاري لمهاراتهم في الشئون الحسابية وكان هؤلاء يعملون في دأب متواصل
آناء الليل واطراف النهار لانجاز حسابات شيخ العرب همام الواسعة ...


وكان شيخ العرب همام يباشر كل اعمال موظفيه يراجع حساباتهم ويمليهم اوامره وتعليماته ومكاتباته ومن تلك ما يتعلق بمنازعات ابناء المنطقة سواءا كانت مدنية او جنائية او متعلقة بشئون الزراعة ....



احد المحاضر التي كانت تكتب في المنازعات


ترتب علي كل ما سبق من علو مكانة شيخ العرب همام ورياسته علي الصعيد بكامله وعلاقته الوطيدة بالدولة العثمانية ( الباب العالي )
حنق امراء المماليك وحقدهم علي شيخ العرب همام
وبدا الصراع المريريُترجم الي


الصراع بين شيخ العرب همام وعلي بك الكبير
ــــــــــــــــ
********************
لتحديد أسباب الصراع بين الشيخ همام و علي بك الكبير
لا بد من دراسة شخصية علي بك
و حركته و أهدافه منها .
و لد علي بك عام 1728 م / 1141 هـ في القوقاز
و كان والده أحد قساوسة الكنيسة اليونانية
و كان يأمل في أن يُنشئ ابنه يوسف تنشئة دينية
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن
فقد اختطف الابن على يد إحدى عصابات الطرق
التي باعته إلى و احد من أكبر تجار الرقيق فسافر به إلى الاسكندرية و باعه إلى مديري جمركها اللذان أهدياه بدورهما إلى إبراهيم كتخدا تقرباً إليه
لأنه كان من أصحاب النفوذ في مصر .




علي بك الكبير
و قد بدأت حياة علي بك كما بدأت حياة غيره من المماليك
بعد شرائهم فاعتنق الإسلام و سُمي علياً .
ولما توفي أستاذه إبراهيم عام 1168 هـ /1754 م وهناك اقاويل كثيرة انه هو من سمه حتي ينفرد بالسلطة
بدأت شخصيته في الظهور على مسرح الأحداث بالقاهرة
و بدأ يسعى لمنصب شيخ البلد أي الوصول إلى زعامة المماليك جميعاً
و السيطرة على مقاليد الأمور في مصر كلها .
و للوصول إلى منصب شيخ البلد
كان على علي بك أن يُزيح من طريقه رضوان كتخدا الجلفي
شريك أستاذه إبراهيم كتخدا في النفوذ و الذي انفرد بعد وفاة إبراهيم كتخدا
بالنفوذ و السيطرة و كان من الطامعين في مشيخة البلد أيضا عبد الرحمن كتخدا
الذي تركه علي بك يبدأ النزال مع الأمراء الآخرين حتى يُمهد له الطريق و يخليه من المنافسين
و بالفعل ألب عبد الرحمن كتخدا مماليك إبراهيم كتخدا
على رضوان الخلفي و أغراهم على ذلك عام 1169 هـ / 1755 م
حتى هاجموه و أطلقوا عليه الرصاص و اضطروه للفرار إلى الصعيد حيث توفي هناك
بعد أيام من مهاجمته و فراره .
و انتهى بموته سلطان أتباعه
وظل علي بك يُخفي ما بنفسه من تطلع لمنصب شيخ البلد
وترك المتنافسين على ذلك المنصب يُسقِط بعضهم بعضا ولم يستطع عبد الرحمن كتخدا أن يتقلد مشيخة البلد
لأنه بالرغم من شهرته و قربه من نفوس الناس لم يكن له من الأتباع ما يوازي أتباع
عثمان بك الجرجاوي و الذي انتهى الأمر بتوليه مشيخة البلد
فلم يحسن معاملة زملاؤه فقاموا بخلعه من الرياسة
و تولى بعده حسين بك الصابونجي و ذلك في أوائل عام 1757 م / 1171 هـ .
واتبع حسين بك الصابونجي سياسة تشتيت شمل المماليك
و الأتباع الذين كان على رأسهم علي بك حيث أصدر حسين بك أمراً بنفي علي بك
إلى نوسا الغيط ( بالدقهلية ) و لكن أتباع حسين بك تآمروا عليه و قتلوه
ثم تولى من بعده علي بك الغزاوي
فأصبح شيخاً للبلد و سعى للقضاء على عبد الرحمن كتخدا
مدبراً لذلك مؤامرة علم بها عبد الرحمن كتخدا و سعى لإسقاط علي بك الغزاوي من مشيخة البلد
فانضم إلى علي بك الكبيرو عقد معه أواصر الصداقة و بذل جهده
حتى تمكن من جمع كلمة الأمراء على اختيار علي بك شيخاً للبلد
في أوائل عام 1760 م / 1174 هـ
و ظفر بإقرار الباشا لذلك .
و بعد أن استلم علي بك الكبير المشيخة عمد إلى الاحتفاظ بها عن طريق التخلص ممن ينافسونه على هذا المنصب
و كان أهم من ينافسونه ثلاثة هم :


عبد الرحمن كتخدا
حسين بك كشكش
و صالح بك القاسمي حاكم جرجا .
و قد بدأ بعبد الرحمن كتخدا
فاستصدر أمراً من الباشا بنفيه إلى الحجاز
عام 1764 م / 1178 هـ
كما نفى الكثيرين من أتباعه .
اتجه علي بك الكبير بعد ذلك إلى الإيقاع بين
حسين بك كشكش و صالح بك القاسمي بتعيين حسين بك حاكماً لجرجا
ثم أصدر أمراً بنفي صالح بك إلى رشيد ثم إلى دمياط وصالح بك هذا من اقرب المماليك الي شيخ العرب همام وكانت تربطه به صداقة قوية جداً
و لكن صالح بك لم يستسلم بل فر إلى المنيا أي إلى الصعيد
موطن صديقه وحليفه شيخ العرب همام شيخ العرب
وجمع حوله المنفيين من المماليك .
وقد اهتم شيخ العرب همام بمساندة صديقه صالح بك
ومساعدته مساعدة فعالة عملاً بما تقتضيه واجبات الصداقة من جهة
و إدراكاً لسوء نوايا علي بك من جهة أخرى
فلا شك أن مساعدة شيخ العرب همام لصالح بك كانت تحمل في ثناياها إدراكاً من همام لنزعة علي بك
و ميله للقضاء على كل ذوي السلطان و النفوذ الذين يخشى منهم
على نفوذه و سيادته
و من هولاء صالح بك الذي كان يستمد قوته من صداقته و ارتباطه بشيخ العرب همام و قد امد شيخ العرب همام صديقه صالح بك
بكل ما يحتاج إليه من ذخيرة و مؤن و رجال لمقاومة الحملة
التي و جهها إليه علي بك بقيادة حسين بك كشك .


و قد تمكن صالح بك بمعاونة شيخ العرب همام
من قطع الاتصال بين الصعيد و القاهرة و منع إرسال الغلال
و الأموال الأميرية .
و قد كان شيخ العرب همام يقف بكل قوته وراء صالح بك
و بحسن سياسة شيخ العرب همام و بعد نظره فشلت حملة علي بك
ضد صالح بك كما أن شيخ العرب همام بمساندته القوية لصالح بك
نبهه إلى حقيقة نوايا علي بك ضده
وأهدافه من إرسال الحملة إليه بقيادة زميله حسين بك
بهدف إيقاع الشقاق بينهماو فعلاً حدث عكس ما توقعه علي بك


وسُرعان ما اتفق صالح بك وحسين بك كشكش ضد علي بك
الذي سرعان ما أصدر أمراً بنفي حسين بك والذي لم يمتثل للأمر وأسرع بدخول القاهرة عنوة
فحاول علي بك دس السُم له لكن حسين بك اكتشف الخديعة
فاضطر علي بك إلى الهرب إلى الشام و ذلك في عام 1765 م / 1179 هـ
وسيطر حسين بك على القاهرة
واستعاد صالح بك ولاية جرجا .


الحيلة والخديعة الكبري من علي بك الكبير
ـــــــــــــ
***************
لم يلبث علي بك الكبيرأن عاد من الشام
و دخل القاهرة مُظهراً الندم و التوبة فانخدع زملاؤه بمظهره
و أعطوه حكم نوسا الغيط لإبعاده عن القاهرة
و لكنه ما إن وصل إلى هناك حتى دبر مؤامرة للقضاء على زملائه
الذين اكتشفوا هذه المؤامرة و قرروا نفيه هذه المرة إلى أسيوط التي كانت جزءاً من ولاية جرجا
و يحكمها خصمه صالح بك القاسمي .
وهكذا وجد علي بك نفسه مضطراً للجوء إلى أقوى منافسيه و هو صالح بك

حليف شيخ العرب همام
للاستعانة به في محاولة العودة إلى القاهرة
والقضاء على منافسيه بها و قد كانت أهمية صالح بك في هذا الوقت تأتي
من محالفته ومصادقته لشيخ مصر العليا
وسيدها المطاع شيخ العرب همام
الذي كان له النفوذ الفعلي في الصعيد فقد كان يسيطر على معظم أراضي الصعيد من المنيا إلى أسوان
و يملك ثروة هائلة و قوة عسكرية ضخمة وأسلحة و ذخيرة هائلة.
و قدر علي بك بثاقب بصره أن في تحالفه مع صالح بك ما يضمن له
الحصول على قدر هائل من القوة
التي يتمتع بها شيخ العرب همام والتي كان لا يضن بتقديم الكثير منها
لصديقه صالح بك لكن صالح بك رفض كل محاولات علي بك
للصلح معه متأثراً بما كان من سوء العلاقات بينهما
و محاولات علي بك ابعاده الدائم عن القاهرة
تارة بنفيه إلى رشيدوتارة أخرى إلى دمياط .
و لجأ علي بك إلى الاتصال مباشرةً
بشيخ العرب همام عله يُقنع صديقه وحليفه صالح بك بالتحالف معه وأرسل إليه رسلاً بذلك
واستخدم الرسل في ذلك كل سبل الخديعة و القول المعسول
والوعود البراقة ملوحين لشيخ العرب همام بعزم علي بك
تأييد سلطته و نفوذه في الصعيد
لوتم له النصر كذلك تثبيت مركز صالح بك
كحاكم لولاية جرجا في ظل سيطرة شيخ العرب همام و استمروا في ذلك
حتى قبل شيخ العرب همام
أن يتم الاتفاق بينه و بين صالح بك من جهة
و بين علي بك من جهة أخرى .
ويبدو أن شيخ العرب همام لم يقبل مساعدة علي بك
إلا لأنه أدرك خفايا شخصية علي بك
وأنه يملك من العزيمة ما سيمكنه من هزيمة زملاؤه
واحراز السيطرة على مصر كلها
و رأى شيخ العرب همام في مساعدة علي بك
ما قد يعود عليه و على صديقه صالح بك بالنفع
لو تم النصر لعلي بك و فاز بالسيادة ثانيةً .
وفعلاً تم الاتفاق بينهم وتحالفا وتعاقدا وتعاهدا علي الكتاب والسيف وكتبوا بذالك حجة واتفقوا مع علي بك انه اذا تم له الامر اعطي لصالح بك جهة قبلي قيد حياته وقبل صالح بك الانضمام إلى صفوف علي بك
الذي سُر كثيراً بهذا الاتفاق الذي سيكفل له
الحصول على أكبر قدر من الأموال و الرجال و العتاد
من شيخ العرب همام .
و قد وعدهم علي بك
بأنه إذا ما تم له النصر
ثبت صالح بك في حكم ولاية جرجا مدى الحياة
أي ثبت نفوذ شيخ العرب همام و سلطته في الصعيد مدى الحياة أيضاً
فصالح بك كان الحاكم لجرجا شكلاً
و لكن النفوذ الحقيقي بها كان لشيخ العرب همام و بمساعدة صالح بك و بمعاونة شيخ العرب همام
تقدم علي بك في طريقه إلى القاهرة بجيش جرار
حيث التقى بمنافسيه شمالي بني سويف
في عام 1767 م / 1181 هـ
حيث دارت المعركة الفاصلة التي انتصر فيها
علي بك نصراً تاماً
و دخل القاهرة حيث ثبُتت أقدامه هذه المرة في إمارة مصر
و بدأ في تنفيذ سياسته التي كانت ترمي إلى قتل المتمردين و قطع المعاندين
و قد بدأ هذه السياسة بالقضاء على حسين بك كشكش
و زميله خليل بك عام 1768 م / 1182 هـ


ثم التفت إلى صالح بك حليفه الذي سانده في صراعه الهام
ضد منافسيه و الذي كانت له بمساعدة
صديقه شيخ العرب همام اليد الطولى في حصول علي بك على
نصره المؤزر على زملائه حيث قام علي بك بالغدر بصالح بك
بأن أغرى بعض أتباعه فاغتالوه ليلا أثناء سيرهم معه بعد خروجهم من اجتماع ضمهم وعلي بك في منزله
و ذلك في نهاية عام 1768 م / 1182 هـ
و بذلك تخلص علي بك من آخر وأقوى الأمراء المماليك
الذي كان يمكن أن ينافسه على مشيخة البلد ولعل أهم الأسباب التي جعلت علي بك
يُعجل من التخلص من صالح بك خوفه من خطورة صالح بك
لاستناده إلى حليفه القوي المسيطر على الصعيد
شيخ العرب همام .


إنقلاب علي بك الكبير علي الخلافة العثمانية
وتحالفه مع روسيا والبندقية
ــــــــــــــــــــ
*******************



بعد أن استقرت الأمور لعلي بك
فغدا سيد مصر الفعلي
تطلعت نفسه للانفراد بشئون الحكم في مصر كلها والتي هي في اصل تابعة للخلافة العثمانية وكان عليه أن يقضي على ما بقي من قوة الحامية العثمانية في مصر
فهي و إن كانت ضعُفت و أصبح معظم رجالها من أرباب الحرف
إلا أن الحامية كانت موجودة و حتى يستطيع الانفراد بحكم مصر
فعليه أن يقضي على كل قوتها
وفي سبيل ذلك اتبع سياسة التخلص منها بإهلاك رجالها في الحروب الداخلية
ومنع العناصر غير المرغوب فيها من ضباطها من التزام الأراضي
ومصادرة أموال البارزين من قادتها أو إعدامهم .


نقلت المخابرات الروسية تطلعات وطموحات شيخ البلد علي بك الكبير للقيادة الروسية التي كانت في حالة حرب طويلة مع العثمانيين، فقررت الاستفادة من ذلك الرجل الطموح من أجل تمزيق جسد الدولة العثمانية


بإحداث الفتن الداخلية بها وفي جزيرة باروس تم لقاء بين الروس ومبعوثين من قبل علي بك الكبير وفيه وضعت اللمسات الأخيرة لخطة شريرة تقوم على أساس أن يتحرك علي بك الكبير من مصر ليستولي على الشام بمساعدة ظاهر


العمر أو الظاهر عمر وهو والي عكا على أن يقوم الأسطول الروسي في البحر الأبيض بتوفير غطاء حربي للحملة على الشام ثم تكون الخطوة التالية أن ينقض علي بك الكبير على الأناضول من الجنوب على أن ينقض الروس من الشمال فتسقط الدولة العثمانية، وهكذا نرى أن علي بك الكبير كان خائنًا عميلاً باع دينه وإخوانه من أجل ملك الدنيا الزائل.


من جهة إخري كان علي بك الكبير يطمع في أن تمتلك جمهورية البندقية جزر الدولة العثمانية في البحر المتوسط وأرسل إلي جمهورية البندقية يعرض محالفته ومساعدته لها لتكون قاعدة حربية له ..
فردت جمهورية البندقية شاكرة ومعتذرة .!!
وقام بهذه الرسالة يعقوب الارمني أحد معاوني علي بك الكبير ....




صورة للقاهرة القديمة


وفي هذه السنة ورد الي مصر طلب الباب العالي 12 الف نفر لمحاربة روسيا فعطل علي بيك تنفيذ هذا الطلب ووقعت الفتنه بين المماليك والباشا فورد فرمان شاهاني بقتل علي بك وارسال رأسه الي الاسيتانة لكنه لم يفد حيث علم علي بك به وتربص بحامله ورفاقه الاربعة وقُتلوا بامر علي بك الكبير ..


وبعد أن انفرد علي بك بالسلطة في مصر وقبض علي زمام الامور فيها
وقضى على المتمردين و المنافسين له من البكوات المماليك
وبعد أن شل نفوذ الحامية العثمانية بمساعدة حلفاءه الروس
وركز السلطتين الإدارية و الحربية في يده
أصبح في مركز يسمح له بالقضاء على آخر القوى الخطيرة
التي يمكن أن تهدد سلطانه و نفوذه و هي
القبائل العربية المنتشرة في الوجهين القبلي و البحري و قد أظهر علي بك أن بمحاولته القضاء على سلطة تلك القبائل إنما يهدف إلى إقرار الأمن الداخلي .
لكن الحقيقة كانت خلاف ذلك فقد كان علي بك يهدف من
تحطيم سلطة القبائل العربية في مصر
إلى دعم مركزه وفرض سيطرته الخالصة على مصر كلها .
وبعد أن تخلص علي بك من أخطر عرب الوجه البحري اتجه للقضاء على عرب الهوارة بالصعيد
واستخلاص الصعيد من أعظم مشايخ العرب
قدرا و نفوذا و أتباعا
وهو
شيخ العرب همام بن يوسف الهواري .


المواجهة الاخيرة بين شيخ العرب همام وعلي بك الحقير
ـــــــــــــــــ
*****************
سارع علي بك ببدء النزال
ضد شيخ العرب همام عقب التخلص من صالح بك القاسمي
فوجه على شيخ العرب همام حملة بقيادة محمد بك أبي الذهب
سارت إلى الصعيد في عام 1768 م / 1182 هـ
لفرض شروط علي بك على شيخ العرب همام
و هي الشروط التي كانت تقضي بأن يقصر شيخ العرب همام
منطقة نفوذه و سيطرته على أراضي الصعيد ابتداءاً من برديس
أي أن يقصر شيخ العرب همام نفوذه في المنطقة التي يتركز فيها الهوارة
في قنا وأسوان فقط وليس على الصعيد كله وقد كان علي بك وقتها
في مركز يسمح له بتحدي شيخ الصعيد
وإملاء أوامره عليه فقد أصبح علي بك
شيخاً للبلد و سيد مصر الفعلي
وكانت الدلائل كلها تشير إلى أنه سيكون
الحاكم المطلق لمصر كلها لذا آثر شيخ العرب همام الخروج من الجولة الأولى
بدون اشتباك كان يُدرك مقدماً أنه سيخسره
وقبل شيخ العرب همام شروط علي بك بتحديد منطقة نفوذه إبتداءً من برديس
و ترك الأراضي الواقعة شمالها إلى المنيا
و التي كانت من قبل تحت سيطرة شيخ العرب همام
لعلي بك يتصرف فيها كما يشاء و لا شك أن شيخ العرب همام قبل هذه الشروط بدون مقاومة وانسحب مؤقتاً حتى يجد له منفذ آخرلكن كلا الطرفين لم يكن ينوي حقيقةً تنفيذ هذا الاتفاق فقد بقيت تلك الأراضي في التزامات شيخ العرب همام
و كان قبول شيخ العرب همام للاتفاق ما هو إلا تقديراً منه
لخطورة الموقف فقط و قوة الخصم الذي يقف أمامه
فآثر الانسحاب ريثما يعيد النظر في موقفه ولكي يُغري همام محمد بك أبو الذهب بالعودة
ربما ليستميله و يجعله يُثني علي بك عن نية القضاء عليه
تنازل له عن التزام ناحية برديس
هدية من شيخ العرب همام لمحمد بك أبو الذهب دون أن يقبض ثمناً لهذا التنازل بمناسبة
مولود وُلِد لمحمد بك و قد كانت تلك هي الجولة الأولى
بين شيخ العرب همام و علي بك والجولة التي أكدت لشيخ العرب همام أن علي بك
قد عقد العزم تماماً على القضاء عليه وعلى سيطرته الواسعة
على الصعيد .
لم ينخدع علي بك بالانسحاب الهادئ
الذي قدمه شيخ العرب همام بتنازله الظاهري عن أراضيه
كما لم ينسَ علي بك أيضاًالشكوك التي ما زالت تؤرقه من ناحية شيخ العرب همام
و ما يربط شيخ العرب همام من صلات الود بالدولة العثمانية نفسها
التي سمحت له بمد نفوذه على الصعيد
من المنيا إلى أسوان بإذنها واستأنف علي بك الصراع
حتى لا يترك لشيخ العرب همام أي فرصة للتفكير أو العمل
فأرسل إليه يطلب منه طرد الأمراء المماليك المعادين له و المقيمين بأراضيه
عربوناً لإقراره لشروط الاتفاق
التي جرت بينه وبين محمد بك أو الذهب و هنا تأكد شيخ العرب همام بما لا يدع مجال للشك من رغبة علي بك في القضاء عليه
وأنه لن يتركه يهنأ بما كان له من سيطرة و نفوذ في الصعيد
لذا قررشيخ العرب همام في هذه المرة أن يقوم بعمل إيجابي
لمقاومة محاولة علي بك للقضاء عليه لكنه لم يُعلن عداءه صراحةً لعلي بك
ولم يقاومه وجهاً لوجه
لجأ شيخ العرب همام إلى الأمراء المماليك خصوم علي بك
و الموجودين في أراضيه ومعظمهم من اتباع صالح بك الذي قتله علي بك غدراً وكانوا يمثلون عدداً كبيراً من الأمراء و الأتباع
فجمعهم شيخ العرب همام واتفق معهم على أن يتقدموا للاستيلاء على أسيوط
وانتزاعها من أتباع علي بك تمهيداً لتقدمهم إلى القاهرة لإجلاء علي بك عنها
والقضاء على حكمه لمصر
واسترجاع ما كان لهم من نفوذ و سطوة على أن تبقى له سيطرته على الصعيد
وفعلاً وافقه الأمراء على ذلك
فأمدهم شيخ العرب همام بالرجال من كبار الهوارة ومن أهالي الصعيد فتَكون لهم جيش كبير
قدم له شيخ العرب همام كل ما يحتاج إليه من أموال و ذخائر و مؤن .


معركة اسيوط الفاصلة وخيانة الشيخ اسماعيل
ــــــــــــــ
******************


تقدم الأمراء حلفاء شيخ العرب همام بالجيش باتجاه أسيوط
و بالفعل تمكنوا من الاستيلاء عليها ووصل الخبر إلى علي بك
الذي كان قد أرسل حاكماً جديداً لجرجا وهو أيوب بك وأمره بالتوجه إلى جرجا لتولي منصبه وبالفعل خرج أيوب بك باتجاه جرجا
ومعه عدد كبير من الجند والأتباع ولكنه وجد الصعيد في قبضة شيخ العرب همام وحلفاءه
ووجد أن سلطان علي بك على مصر مهدد بالخطر
من شيخ العرب همام وحلفائه فأرسل يطلب مدداً من علي بك لمواجهة الموقف و قد أدرك علي بك أهمية المعركة القادمة
وأنه لتثبيت سيادته على مصر لابد و أن ينتصر في هذه المعركة
و لابد أن يقضي نهائياً على شيخ العرب همام
الذي أصبح مصدراً للخطر الدائم الذي يهدد نفوذه و بقائه في الحكم لذا جهز علي بك و بسرعة فائقة
جيشاً ضخماً حشد فيه إلى جانب جنده من المماليك
مجموعة كبيرة من رجال الفرق العسكرية كلهاوعلى رأسهم اثنان من بكواته الذين يثق بهم
وهما خليل بك القاسمي وابراهيم بك و أرسل هذا الجيش بسرعة
للانضمام إلى جيش أيوب بك حاكم جرجا لمحاربة شيخ العرب همام وحلفائه .






وقد حشد علي بك لهذه المعركة كل قواه
فلم يكتف بما أرسله بل لجأ الي حلفاءه الروس وامدوه باسلحة جديدة ومدافع
وأرسل حملة ضخمة بقيادة قائده محمد بك أبي الذهب
ومعه رضوان بك ومجموعة من الأمراء أتباع علي بك
وضمت هذه الحملة أعداد ضخمة من المماليك و المرتزقة وانضم الجميع إلى جيش أيوب بك الذي كان قد عسكرخارج أسيوط
التي كانت ما تزال في أيدي حلفاء شيخ العرب همام .


وتقديراً من علي بك لأهمية هذا الصراع
وخطورة هذه المعركة استمر في ارسال الامدادات و الذخائر المتوالية
إلى رجاله الذين أصبحوا يكونون جيشاً ضخماً
يتكون من ثلاثة جيوش
هي جيش أيوب بك
و جيش خليل بك
و جيش محمد بك أبو الذهب الذي تزعم الجميع و أمام أسيوط دارت المعركة الحاسمة
التي كُتِبَ النصر فيها لقوات علي بك
بعد قتال عنيف قُتِلَ فيه الكثيرون من أعداء علي بك
من أمراء المماليك و فرت فلول المهزومين
إلى فرشوط مقر شيخ العرب همام و قد كان من الطبيعي أن ينتصر رجال علي بك
على حلفاء شيخ العرب همام فقد كان رجاله يمثلون قوة الدولة
و قد هيأ لهم علي بك الوسائل التي تضمن تفوقهم من تزويدهم بالأعداد الهائلة من الرجال و الأموال والمؤن و الأسلحة بينما كانت قوة شيخ العرب همام


أقل عدداً و أضعف استعداداً لأن حلفاءه من المماليك لم يكونوا أكثر من جماعة من الأمراء اللاجئين إلى الصعيد بعد فقدهم كل قواتهم و ثرواتهم
التي جردهم منها علي بك
وما قدمه لهم الشيخ همام من رجال لم يكن لهم من المهارة الحربية من التدريب و التسليح
وحسن الاستعداد ما يضمن لهم التغلب
على الجند المماليك و الطوائف العسكرية الأخرى التي كانت تتألف منها قوات علي بك .
وبعد انتصار علي بك على حلفاء شيخ العرب همام و رجاله في معركة أسيوط
أمر قائده محمد بك أبي الذهب
بالزحف فوراً إلى فرشوط لمحاربة همام و القضــاء عليه .


أطاع محمد بك أبو الذهب أوامر علي بك وبدأ بالزحف فوراً إلى فرشوط لمحاربة شيخ العرب همام
و القضــاء عليه و قبل أن يجد شيخ العرب همام مخرجا من هذا الموقف
وقبل أن يتقدم برجاله لمواجهة جيش محمد بك لجأ محمد بك إلى سلاح العصر و هو سلاح الخيانة و الخديعة
فأغرى ابن عم شيخ العرب همام الشيخ اسماعيل أبو عبد الله
بخيانة بن عمه شيخ العرب همام وأخذ يستميله واعداً إياه برئاسة الصعيد
بدلاً من شيخ العرب همام إذا ما تقاعس عن القتال في صفوف شيخ العرب همام
و نشر فكرة التخاذل بين جنده و بهذه الوعود البراقة
استثار محمد بك
جوانب الضعف الإنساني و الأنانية الشخصية التي جعلت الشيخ اسماعيل
ينخدع بحيلة أبي الذهب و يخون ابن عمه شيخ العرب همام
و يتراجع عن القتال معه
بل و يضم إلى صفوفه الكثيرين من رجال شيخ العرب همام و يبدو أن شيخ العرب همام كان يعقد أهمية كبيرة على وجود ابن عمه هذا بين صفوفه لذا قصمت الخيانة ظهره وفتت في عضده إذ أدرك أنه لن يبقى له شئ بعد أن خانته عشيرته


وتخلى عنه أقرب الناس إليه لهذا أدركه حزن قاتل ومرارة وحسرة عظيمة بخيانة بن عمه الشيخ اسماعيل الذي ضاعت بسبب خيانته هذه كل آمال شيخ العرب همام وتحطمت إمارته وزال ملكه .!!


فسبحان الذي لايزول ملكه
............


النهاية الحزينة لشيخ العرب همام
ــــــــــ
***********
خرج شيخ العرب همام من مقر حكمه فرشوط وإتجه جنوباً إلي إسنا
بعد ان قصمت الخيانة ظهره و فتت في عضده إذ أدرك أنه لن يبقى له شئ بعد أن خانته عشيرته وتخلى عنه أقرب الناس إليه
لهذا أدركه حزن قاتل و اضطر إلى التقهقر و خرج من مسقط رأسه
وموطنه وعاصمة نفوذه و مجده فرشوط ومات
( مكموداً مقهوراً قرب إسنا )
في أول نوفمبر 1769 م / 8 من شعبان 1183 هـ
و كان في نحو الستين من عمره .


وبعد خروج الشيخ همام من فرشوط دخلها محمد بك أبو الذهب ورجاله
ونهب ما بها من أموال شيخ العرب همام
وأخذ ما كان بدياره وديار أقاربه و أتباعه من ذخائر وغلال
ثم رجع إلى القاهرة و بصحبته درويش
أكبر أولاد شيخ العرب همام الذي قدمه الهوارة و أشاروا عليه
بمقابلة محمد بك ففعل .
وقام علي بك الحقير بتوزيع أراضي الصعيد بين الملتزمين
وقد تعرض أبناء الصعيد لأنواع عديدة من المظالم
التي كان يتعرض لها الفلاحون من باقي أنحاء مصر من نهب الأعراب و ظلم الملتزمين و إثقال كاهلهم بالضرائب الجائرة .


وبوفاة شيخ العرب همام
انتهت تلك الشخصية الفريدة في عصرها وتقرر النصر النهائي لعلي بك
الذي تخلص من آخر قوة كانت تؤرق مضجعه
وتقف عقبة في سبيل فرض سيادته الخالصة على الصعيد
فغدا علي بك بوفاة شيخ العرب همام
سيد مصر كلها و صاحب النفوذ المطلق فيها .


فسبحان مقلب الليل والنهار !!!


يقول المؤرخ المصري احمد محمود عمر عن مكان دفن شيخ العرب همام إنه وفقا للوثائق التى لا تزال باقية، فإن همام شيخ العرب بعد هزيمته من المماليك اتجه إلى المطاعنة وعاش بها مدة تقترب من 5 أشهر قضاها فى دواوين أصدقائه وهم الشيخ عمر تركى والشيخ حسن سليم اللملومى اللذان كانا يقيمان فى قرية


أصفون المطاعنة أما فى قرية كيمان المطاعنة التى مات فيها فكان يقيم عند الشيخ محمد معمر القاضى، وأيضا عند الشيخ الشافعى عسكر والشيخ حسن سعد صالح، وعلى حمد تميم من قرية طفنيس وكانت العائلات تتصارع فيما


بينها لتنال شرف الحصول على وقت لضيافة عالى المقام الجناب الأعظم شيخ العرب همام كما أن إقامته لم تكن على الدوام استضافة من عربان المطاعنة بل كان يتكفل بحاشيته التى جاءت بعده ولا يزال أحفادها باقين فيها حتى الآن.



مدفن شيخ العرب همام




وأوضح الشيخ عمر أنه وفقا لكتابات المؤرخين، عن الأيام الأخيرة فى حياة شيخ العرب همام وموته فإنها تذكر أنه مات فى ناحية إسنا ودفن فى قرية قامولا ومابين إسنا وقامولا مسافات كبيرة لكن تحليلياً فى ضوء انتفاء وندرة


الأدلة والوثائق فإن رواية أهل قمولا أقرب إلى الواقع وقد يكون الشيخ مات بالفعل فى كيمان المطاعنة وحاول أهله دفنه فى فرشوط مسقط رأسه مستخدمين المركب الذهبى فى نقله لكنه تعطل أمام قرية نقادة وتم دفنه فيها...


كان شيخ العرب همام رجلاً عظيماً وصاحب شخصية جديرة بالبحث والدراسة ولو لم تتحالف عليه قوة اكبر من طاقته ناهيك عن خيانة بن عمه الشيخ اسماعيل له لكان له في تاريخ الصعيد شأناً اعظم واكبر مما كان عليه ...






وظلت ذكرى شيخ العرب همام محفوظة على ألسنة كثيرين في أشعار ومواويل تأثر أصحابها بانهيار حلم الفارس الهواري يقول الشاعر في موال


قم يا همام وروح سنار ** وازرع وقوت عيالك
فرشوط قادت عليك نار ** والبيه عندي وجالك


في الأبيات السابقة ينادي الشاعر على شيخ العرب همام متمنيا لو كان قد اتجه إلى مملكة سنار في السودان بعيدا عن فرشوط وغضب البيه محمد بك ابو الدهب وهي الحسرة التي استخدمها الشاعر في موال آخر ينعي ذكرى قصر الأمير همام الذي قيل انه ضم 90 غرفة وتخرب على يد محمد بك أبو الدهب رجل السلطة المملوكية


هياك يا باب هياك ** بس ضبتك غيروها
تسعين أوضة وشباك ** في تلا يلك كسروها


منذ تلك الفترة ظلت صورة الفارس الهوارى تمثل نموذجا للفارس المحارب عدا ذلك قد تنتشر أبياتا مجهولة حفظتها الذاكرة الشعبية تمدح في فروسية الهوارة من أشهرها الأبيات التالية


انظر الي خيل هوارة تري عجبا ** فيسيرها عندما يسري بها الساري
لم تفخر الخيل قط براكبها ** ما لم يكن فوق السرج هواري


وهكذا إنتهت هذه الملحمة البطولية الشعبية التي كان بطلها شيخ العرب همام الهواري عظيم بلاد الصعيد والكهف الاظل الذي كان يحمي أهله ويظلهم ويعدل بينهم فمازال باقياً في قلوب ابناء الصعيد عامة وقبائل الهوارة خاصة
وفي ذاكرة الامة المصرية ...


وما كان قيسٌ هُلْكه هُلْكُ واحد ** ولكنّـه بُنيانُ قومٍ تهدّمـا


.........................................
.............................
................
.......


تم بحمد الله وتوفيقه
اعده الراجي لمغفرة ربه
هاني عسران الهواري
وكنيته أ بو محمد الصعيدي
ــــــــــــــــــــ
حقوق هذا العمل ملك لقسم التاريخ الاسلامي / منتدي فرسان السنة
وعند النقل يجب ذكر ذالك ....