لا و74 لا لرجوع الدورى | |
|
قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)....... اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني و أنا عبدك و أنا علي عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي و أبوء بذنبي ربي اغفر فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
الأحد، 26 فبراير 2012
لا و74 لا لرجوع الدورى
الأربعاء، 22 فبراير 2012
شرفت يا «ماكين» بابا
شرفت يا «ماكين» بابا | |
| |
|
الجيش العربى المناضل
الجيش العربى المناضل | |
|
ابنتى فى سوريا
ابنتى فى سوريا | |
|
الاثنين، 20 فبراير 2012
تكتيك البريصة
تكتيك البريصة
عبد السلام البسيونى
10-02-2012 15:40
حينما تقع البريصة (الوزغة) في مأزق، وتخشى الهلاك، فإنها تفصل ذيلها عن جسمها، ليظل يتحرك بعنف مدة كافية ينشغل فيها المطارد عن الطريدة، التى تنجو برأسها، وتدعه مرتبكًا، مشغولاً بالذيل الذي لا قيمة له كبيرة!
هل استخدم نظام مبارك هذا التكتيك لينجو برأسه، وسلّم للشعب الذيول، أو كباش الفداء، والمصيبة هى المصيبة، على حالها لم تتحلحل!؟
أتظن مثلى أن مبارك وزبانيته يديرون الأزمة، ويحركون (بلطجيتهم) وملياراتهم، وترساناتهم من أجهزة وقبضايات الإرهاب الرسمى للإجهاز على الثورة، وإنهائها بأقل خسائر تصيبهم، ليسلموا هم، وتسلم غنائمهم!؟
كيف (نيموا) الأمن، وسقوه (حاجة صفرة) فى بورسعيد، ليتوافد البلطجية، والمجرمون الخطرون إلى المدينة، ومعهم أسلحتهم من أنابيب الغاز، وصفائح الزيت، والسلاح الأبيض، ليثيروا الذعر، ويقلبوا أمن بورسعيد خوفًا مُعديًا، ينتقل بسرعة الشر إلى القاهرة والمدن المصرية، لتمتلئ بالصادقين البسطاء، والكاذبين المسلحين، والوطنيين العفويين والبلطجية المدربين!؟
وكيف يكون بيننا قتلة محترفون يسفر تكتيكهم عن مقتل بضعة وسبعين رجلاً، وإصابة مئات؟ ثم ليلد المئات مئات أكثر فى القاهرة والمدن الأخرى، وينسخ القتلى قتلى، ويخلف الذعر ذعرًا، وينتَج الانفلات مزيدًا من الفوضى والانفلات!؟
كيف يفكر هؤلاء (المسلمون) إن كانوا مسلمين حقًّا؟ هل يؤمنون بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم جاء رحمة للعالمين؟ هل يؤمنون بالجزاء والحساب والجنة والنار؟ وأن جبار السماء سبحانه لن يرحم جبارى الأرض لعنهم الله؟
هل سمعوا أن الآدمى – كل آدمى؛ مهما كان حاله - خلق مكرمًا؛ فلا يساء إليه، ولا يعتدى عليه، كما قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم)!؟
هل يعلمون أن عباد الرحمن الصادقين: (... لا يدعون مع الله إلهًا آخر، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ........ ومن يفعل ذلك يلق أثامًا؛ يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا)!؟
هل يعلمون أن من المستحيل على مؤمن حقًّ أن يقتل مؤمنًا إلا غير قاصد: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً)!؟
هل مر ببالهم أن نفس المؤمن تساوي الدنيا كلها: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) (لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من قتل رجل مسلم)!؟
هل علموا أن الله تعالى حرم دم المسلم وماله وعرضه!؟ ألم يعلموا أنه صلى الله عليه وسلم قال في أول ميثاق لحقوق الإنسان في التاريخ، أمام جمهرة المسلمين المكلفين يومئذٍ:(..... فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ كل ذلك يجيبونه: نعم، قال: (ويحكم أو ويلكم، لا ترجعُن بعدى كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض)!
ألم يعلموا أن دم المؤمن أهم من الكعبة؟ ألم يقرأوا ما جاء فى مسلم: لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا. المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ههنا.... بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه!
ألم يسمعوا إلى حديث ابن عمر رضى الله عنه حين نظر يومًا إلى الكعبة فقال: ما أطيبك، وما أطيب ريحك؟ ما أعظمك وما أعظم حرمتك. والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم حرمة منك؛ ماله ودمه!؟
ألم يعرفوا أن دم الآدمى معصوم محترم لا يجوز أن يهدر – ولو بخدش - إلا لسبب شرعى كبير، كما في الصحيحين: لا يحل دم امرئ مسلم،إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزانى، والمفارق لدينه التارك للجماعة!؟
ألم يعلموا أن المسلميْن إذا تقاتلا دخلا النار؟ ألم يرو مسلم في صحيحه: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول فى النار، فقيل: يا رسول الله! هذا القاتل؛ فما بال المقتول؟ قال: إنه قد أراد قتل صاحبه!؟
ألم يعلموا أنه يحرم على الإنسان أن يقتل نفسه فضلاً عن غيره؟! ألم يرو مسلم فى صحيحه مرفوعًا: ولعن المؤمن كقتله، ومن قتل نفسه بشىء فى الدنيا عذب به يوم القيامة!؟/ من قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده يجأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بسم فسمه فى يده يتحساه فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا!؟
ألم يخافوا زمن الهرج الذي يقتل الناس فيه بعضهم بعضًا فوضى وهرجًا وقلة عقل!؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم كما فى صحيح مسلم: إن بين يدى الساعة الهرج: القتل، قتل الأمة بعضها بعضًا، حتى إن الرجل يلقاه أخوه فيقتله، ينتزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف لها هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شىء وليسوا على شىء والذى نفسى بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم، لا يدرى القاتل فيما قَتل، ولا المقتول فيم قُتل؟!
ألم يقل صلى الله عليه وسلم فى الهرج: .... تلك أيام الهرج حيث لا يأمن الرجل جليسه! ....فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال تكف لسانك ويدك، وتكون حلسًا من أحلاس بيتك، وفى حديث آخر: اكسر سيفك، والزم بيتك، وكن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل!؟
هل هؤلاء مصريون حقًّا؟ هل هم وطنيون؟
لعنة الله على المال الذي يشعل بلدًا، وعلى الكرسي الذي يقتل ويجرح بسببه مئات وألوفٍ.
لعنة الله على العمالة التى تجعل الرجل يبيع وطنه، ويخون أهله، ويغدر بدينه..
لعنة الله على كل بلطجي، قاسي القلب، مشتاق للتعذيب، والتفرعن..
ألا لعنة الله على الظالمين..
اللهم اهدهم.. أو اهدمهم.. وآتهم ضعفين من العذاب، والعنهم لعنًا كبيرًا!
aalbasuni@hotmail.com
عبد السلام البسيونى
10-02-2012 15:40
حينما تقع البريصة (الوزغة) في مأزق، وتخشى الهلاك، فإنها تفصل ذيلها عن جسمها، ليظل يتحرك بعنف مدة كافية ينشغل فيها المطارد عن الطريدة، التى تنجو برأسها، وتدعه مرتبكًا، مشغولاً بالذيل الذي لا قيمة له كبيرة!
هل استخدم نظام مبارك هذا التكتيك لينجو برأسه، وسلّم للشعب الذيول، أو كباش الفداء، والمصيبة هى المصيبة، على حالها لم تتحلحل!؟
أتظن مثلى أن مبارك وزبانيته يديرون الأزمة، ويحركون (بلطجيتهم) وملياراتهم، وترساناتهم من أجهزة وقبضايات الإرهاب الرسمى للإجهاز على الثورة، وإنهائها بأقل خسائر تصيبهم، ليسلموا هم، وتسلم غنائمهم!؟
كيف (نيموا) الأمن، وسقوه (حاجة صفرة) فى بورسعيد، ليتوافد البلطجية، والمجرمون الخطرون إلى المدينة، ومعهم أسلحتهم من أنابيب الغاز، وصفائح الزيت، والسلاح الأبيض، ليثيروا الذعر، ويقلبوا أمن بورسعيد خوفًا مُعديًا، ينتقل بسرعة الشر إلى القاهرة والمدن المصرية، لتمتلئ بالصادقين البسطاء، والكاذبين المسلحين، والوطنيين العفويين والبلطجية المدربين!؟
وكيف يكون بيننا قتلة محترفون يسفر تكتيكهم عن مقتل بضعة وسبعين رجلاً، وإصابة مئات؟ ثم ليلد المئات مئات أكثر فى القاهرة والمدن الأخرى، وينسخ القتلى قتلى، ويخلف الذعر ذعرًا، وينتَج الانفلات مزيدًا من الفوضى والانفلات!؟
كيف يفكر هؤلاء (المسلمون) إن كانوا مسلمين حقًّا؟ هل يؤمنون بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم جاء رحمة للعالمين؟ هل يؤمنون بالجزاء والحساب والجنة والنار؟ وأن جبار السماء سبحانه لن يرحم جبارى الأرض لعنهم الله؟
هل سمعوا أن الآدمى – كل آدمى؛ مهما كان حاله - خلق مكرمًا؛ فلا يساء إليه، ولا يعتدى عليه، كما قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم)!؟
هل يعلمون أن عباد الرحمن الصادقين: (... لا يدعون مع الله إلهًا آخر، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ........ ومن يفعل ذلك يلق أثامًا؛ يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا)!؟
هل يعلمون أن من المستحيل على مؤمن حقًّ أن يقتل مؤمنًا إلا غير قاصد: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً)!؟
هل مر ببالهم أن نفس المؤمن تساوي الدنيا كلها: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) (لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من قتل رجل مسلم)!؟
هل علموا أن الله تعالى حرم دم المسلم وماله وعرضه!؟ ألم يعلموا أنه صلى الله عليه وسلم قال في أول ميثاق لحقوق الإنسان في التاريخ، أمام جمهرة المسلمين المكلفين يومئذٍ:(..... فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ كل ذلك يجيبونه: نعم، قال: (ويحكم أو ويلكم، لا ترجعُن بعدى كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض)!
ألم يعلموا أن دم المؤمن أهم من الكعبة؟ ألم يقرأوا ما جاء فى مسلم: لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا. المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ههنا.... بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه!
ألم يسمعوا إلى حديث ابن عمر رضى الله عنه حين نظر يومًا إلى الكعبة فقال: ما أطيبك، وما أطيب ريحك؟ ما أعظمك وما أعظم حرمتك. والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم حرمة منك؛ ماله ودمه!؟
ألم يعرفوا أن دم الآدمى معصوم محترم لا يجوز أن يهدر – ولو بخدش - إلا لسبب شرعى كبير، كما في الصحيحين: لا يحل دم امرئ مسلم،إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزانى، والمفارق لدينه التارك للجماعة!؟
ألم يعلموا أن المسلميْن إذا تقاتلا دخلا النار؟ ألم يرو مسلم في صحيحه: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول فى النار، فقيل: يا رسول الله! هذا القاتل؛ فما بال المقتول؟ قال: إنه قد أراد قتل صاحبه!؟
ألم يعلموا أنه يحرم على الإنسان أن يقتل نفسه فضلاً عن غيره؟! ألم يرو مسلم فى صحيحه مرفوعًا: ولعن المؤمن كقتله، ومن قتل نفسه بشىء فى الدنيا عذب به يوم القيامة!؟/ من قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده يجأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بسم فسمه فى يده يتحساه فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا!؟
ألم يخافوا زمن الهرج الذي يقتل الناس فيه بعضهم بعضًا فوضى وهرجًا وقلة عقل!؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم كما فى صحيح مسلم: إن بين يدى الساعة الهرج: القتل، قتل الأمة بعضها بعضًا، حتى إن الرجل يلقاه أخوه فيقتله، ينتزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف لها هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شىء وليسوا على شىء والذى نفسى بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم، لا يدرى القاتل فيما قَتل، ولا المقتول فيم قُتل؟!
ألم يقل صلى الله عليه وسلم فى الهرج: .... تلك أيام الهرج حيث لا يأمن الرجل جليسه! ....فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال تكف لسانك ويدك، وتكون حلسًا من أحلاس بيتك، وفى حديث آخر: اكسر سيفك، والزم بيتك، وكن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل!؟
هل هؤلاء مصريون حقًّا؟ هل هم وطنيون؟
لعنة الله على المال الذي يشعل بلدًا، وعلى الكرسي الذي يقتل ويجرح بسببه مئات وألوفٍ.
لعنة الله على العمالة التى تجعل الرجل يبيع وطنه، ويخون أهله، ويغدر بدينه..
لعنة الله على كل بلطجي، قاسي القلب، مشتاق للتعذيب، والتفرعن..
ألا لعنة الله على الظالمين..
اللهم اهدهم.. أو اهدمهم.. وآتهم ضعفين من العذاب، والعنهم لعنًا كبيرًا!
aalbasuni@hotmail.com
الاثنين، 13 فبراير 2012
الكاتب الإسباني إميليو ألمازان بعد إسلامي شعرت بمعنى الحرية وقيمة الحياة
الكاتب الإسباني إميليو ألمازان بعد إسلامي شعرت بمعنى الحرية وقيمة الحياة
ينحدر الروائي والشاعر الإسباني "إميليو باييستيروس ألمازان" من مدينة غرناطة ويعيش بها اليوم، ويعمل أستاذاً ويتابع نشاطاته الأدبية والثقافية بعد أن اعتنق الإسلام قبل ثلاث سنوات.
أسس مجلة أدبية أطلق عليها اسم "الحسيمة" نسبة إلى مدينة الحسيمة المغربية القريبة من الحدود الإسبانية بمشاركة عدد من المثقفين الإسبان، وأصدر خلال مسيرته الأدبية العشرات من الكتب والروايات والمسرحيات والأعمال الشعرية، آخرها رواية "البركة" التي صدرت عام 2005م، وتعكس التوجه الفكري الجديد للكاتب بعد إسلامه.
التقته (مجلة المجتمع) بإسبانيا، وتناول في حواره أسباب اعتناقه الإسلام وتأثيره على أدبه، وموقف النخبة الغربية من إسلامه، وموقع الإسلام في إسبانيا اليوم.
وبدأ باييستيروس حديثه بالتأكيد على مفارقة، كثيراً ما يتناساها المهتمون بالشأن الإسلامي في إسبانيا، وهي أن الإسبان استطاعوا نسيان جراح الحرب الأهلية التي دارت عام 1936م، لكنهم لم يتجاوزوا ماضي القرون الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر، رغم أن تلك الفترة شهدت مذابح ضد المسلمين وأحرقت فيها بيوت وقرى بكاملها لمحو آثار المسلمين. وإلى نص الحوار:
كيف جاء تحولك من المسيحية إلى الإسلام وفي أي ظروف؟
منذ ما يزيد على عشر سنوات كان من بين طلبتي فتاة من عائلة إسبانية مسلمة، وكانت والدتها تكتب الشعر مثلي، وهذا ما جعلنا نتواصل فيما بيننا ونتبادل القصائد والأفكار حول عدد من القضايا من بينها مثلاً وضعية المرأة في الإسلام. وكانت امرأة ذات شخصية قوية وتبرمج لحياتها جيداً، لكن العائلة اختفت بعد ذلك ولم أعد أتلقى خبراً عنها، وبعد سنوات وعقب نشري إحدى رواياتي اتصلت بي تلك المرأة واستأنفنا الحوار فيما بيننا، وعندما طلبت مني أن أفكر في إمكانية تحولي إلى الإسلام سيطرت علي تلك الفكرة، وبفضل الله أعلنت إسلامي قبل ثلاث سنوات.
كيف عشت هذا التحول في البداية، وكيف تعاملت معه أسرتك ومحيطك الخاص؟
لقد عشت هذا التحول كنوع من الثراء الروحي، وأصبحت حياتي أكثر اطمئناناً وانسجاماً، وبدأت أشعر بالحرية أكثر وبمعنى الحياة، بالرغم من أن الكثيرين من حولي لم يستسيغوا هذا التحول، بل أحدث لي ذلك في البداية نوعاً من العزلة والتهميش في محيطي. أما أسرتي الصغيرة وأبنائي فقد أطلعتهم على الموضوع، رغم أنهم ظلوا غير مقتنعين بالإسلام، أما والداي وإخوتي فقد استغربوا للأمر ولكنهم وافقوا على ذلك.
ككاتب وشاعر ومثقف، كيف أثر عليك هذا التحول؟ وهل انعكس ذلك على مستوى إبداعاتك الأدبية؟
هذا ما أقوم به اليوم، فروايتي الأخيرة تجري أحداثها في إسبانيا في القرن السادس عشر الميلادي، وأبطالها أشخاص من مسلمي إسبانيا يعيشون مغتربين في المغرب بعد هروبهم من شبه الجزيرة الأيبيرية من أجل الحفاظ على دينهم الإسلامي، هرباً من تعرضهم للإكراه لكي يتحولوا إلى المسيحية، بعد أن عاشوا كمسلمين بشكل سري. وقد نشرت مجموعة شعرية جديدة تستلهم قصة "ليلى والمجنون" مع نوع من الاستيحاء الصوفي، كما كتبت عدة مقالات ودراسات في عدد من المجلات والصحف الإسبانية والبرازيلية حول الأدب وعلاقته بالتصوف.
روايتك الأخيرة الصادرة في العام الماضي تحمل عنوان "البركة"؟ لماذا هذا العنوان؟ وهل له إيحاء خاص لديك؟
كلمة البركة، بالإضافة إلى كونها كلمة جميلة، توحي لي بمعاني الخير والمحبة التي يعامل بها الله سبحانه وتعالى عباده، كما توحي لي بالنماء والسعادة.
ككاتب وشاعر.. هل ساهم الإسلام في تغيير نظرتك للعالم عما كان عليه الأمر قبل إسلامك؟
لقد كان هدفي دائماً هو النضال من أجل عالم أفضل، ورؤيتي للرأسمالية المعاصرة كانت دائماً نقدية، لكنني كنت أحمل نظرة عدمية كانت تؤدي بي بقوة إلى التشاؤم والفراغ الوجودي، على الرغم من طبيعتي المتفائلة، لكنني الآن متفائل جداً، وأصبحت نظرتي للأمور أكثر توازناً، فمن قبل كانت أبسط الأشياء تسبب لي الغثيان والقلق، أما اليوم فأشعر بالسعادة تجاه نفسي وتجاه العالم، لأنني موقن بالله وبالطريق التي اختارها لي، وأواصل اليوم معركتي من أجل عالم أفضل ومختلف، ولكن انطلاقاً من الثقة في الحياة والمحبة كطاقة مهمة في الحياة.
بدأت دراسة اللغة العربية بعد إسلامك، كيف تبدو لك هذه اللغة الآن؟
إنها لغة جميلة جداً وما تزال تملك طهارتها الأصلية، رغم التحولات التي طرأت عليها في التخاطب اليومي والتغيرات الصوتية التي طرأت عليها. فاللغة العربية ظلت طيلة ثمانية قرون اللغة الأولى في بلدي إسبانيا، إضافة إلى ذلك فهي لغة حية وديناميكية، مبنية على قواعد فعلية وصوتية، وهي قادرة على التعبير بكلمات قليلة جداً عن المعاني التي تكون أحياناً متناقضة ومتضادة، تجعلك تشعر بقوتها الطبيعية بدل الابتعاد عنها.
ما أهم القراءات التي بلورت رؤيتكم للدين الإسلامي؟
لقد قرأت الكثير، وبطبيعة الحال قرأت القرآن الكريم مترجماً إلى الإسبانية، وقرأت الغزالي وكتاب "الحكم" لابن عطاء الله، وكتب الشيخ عبدالقادر وقصائد جلال الدين الرومي، بالإضافة لبعض الكتب عن واقع الإسلام والمسلمين ومشكلات العالم العربي، وكتباً حول سيرة النبي {، كما قرأت بعض الكتب مثل "سرفانثس والإسلام" لأنطونيو ميدينا، وقصصاً من الحكمة الصوفية، وبحوثاً حول التصوف ل "ليو شايا" و"كاتي مونداروو" و"إدريس شاه"…إلخ.
كيف تفسر ظاهرة تحول النخبة الغربية إلى الإسلام؟
لقد دخلت حضارة الغرب اليوم في مرحلة الانحطاط، رغم ما يُزعم من مدنية وعلمانية، إلا أنه ما زال يؤمن ببعض الديانات التي تؤمن بآلهة هجينة وتقاليد روحانية فارغة. آلهة الغرب اليوم هي المال والاستهلاك والسلطة، والغربيون أصبحوا يؤمنون بحضارة السوق المقدسة والوجبات السريعة والمؤسسات والجامعات، وأصبحت هناك طقوس جديدة مثل صراعات الموضات والشهرة والعمل والإنتاج اللاإنساني والتكنولوجيا وطب التجميل الذي يغير خلق الله.
أما شباب الغرب فهو عرضة للضياع يوماً بعد يوم، بسبب المخدرات والانحرافات الأخلاقية الشاذة والجنس الحيواني الخالي من المعنى وعبادة الجسد والخمر، ويوماً بعد يوم تتزايد معدلات الانتحار في صفوف الغربيين بسبب فقدان القيم الإيجابية، أما سوق العمل فقد صار أكثر صعوبة، والعامل لم يعد يملك الاختيار أمام عقدة الشغل التي توضع له.
أما القيم العائلية فقد اندثرت وأصبحت الأسر خاوية وغير مستقرة، وبات الغربيون يعانون العزلة وفراغ المعنى في حياتهم والقلق والاكتئاب، ويستعينون على ذلك بالمشاركة في الحفلات والسهرات الماجنة دون طائل؛ لأنه في النهاية يعود إلى عزلته فيشعر بالتحطم النفسي الداخلي، فهذه الحفلات هي نوع من العذاب.
ومع فشل الشيوعية كبديل للرأسمالية في الغرب، بدأ الغربيون يدركون حقيقة الإسلام، وأنه ليس بالياً تجاوزه الزمن كما كانوا يرددون بالرغم من أن بعض الدول العربية والإسلامية تعطي الانطباع بأن الإسلام غير صالح من خلال ممارساتها.
فاليوم أصبح الإسلام هو البديل الاجتماعي والروحي الذي يمثل المستقبل ويمكنه إنقاذ العالم من الانتحار الذي تسير نحوه الحضارة الغربية اليوم.
كيف ترى واقع الإسلام في إسبانيا اليوم؟
يتقدم رويداً رويداً، بسبب تزايد أعداد المهاجرين ذوي الأصول الإسلامية، كما يتزايد عدد الإسبان الذين يدخلون الإسلام، غير أن الإسلام لا يزال يمثل الأقلية في إسبانيا، وهناك شريحة واسعة من الإسبان تنظر إليه حتى اليوم بنوع من الخوف، وتربط بينه وبين القرون الماضية وإحراق الكتب والمنع، ومن المثير هنا أن الإسبان استطاعوا نسيان جراح الحرب الأهلية عام 1936م، ولم يتجاوزوا ماضي القرون الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر، خاصة إذا علمنا أن تلك الفترة شهدت مذابح ضد المسلمين وأحرقت فيها بيوتاً وقرى بكاملها لمحو آثار المسلمين.
المصدر: مجلة المجتمع – العدد 1714 – تاريخ 12/08/2006
ينحدر الروائي والشاعر الإسباني "إميليو باييستيروس ألمازان" من مدينة غرناطة ويعيش بها اليوم، ويعمل أستاذاً ويتابع نشاطاته الأدبية والثقافية بعد أن اعتنق الإسلام قبل ثلاث سنوات.
أسس مجلة أدبية أطلق عليها اسم "الحسيمة" نسبة إلى مدينة الحسيمة المغربية القريبة من الحدود الإسبانية بمشاركة عدد من المثقفين الإسبان، وأصدر خلال مسيرته الأدبية العشرات من الكتب والروايات والمسرحيات والأعمال الشعرية، آخرها رواية "البركة" التي صدرت عام 2005م، وتعكس التوجه الفكري الجديد للكاتب بعد إسلامه.
التقته (مجلة المجتمع) بإسبانيا، وتناول في حواره أسباب اعتناقه الإسلام وتأثيره على أدبه، وموقف النخبة الغربية من إسلامه، وموقع الإسلام في إسبانيا اليوم.
وبدأ باييستيروس حديثه بالتأكيد على مفارقة، كثيراً ما يتناساها المهتمون بالشأن الإسلامي في إسبانيا، وهي أن الإسبان استطاعوا نسيان جراح الحرب الأهلية التي دارت عام 1936م، لكنهم لم يتجاوزوا ماضي القرون الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر، رغم أن تلك الفترة شهدت مذابح ضد المسلمين وأحرقت فيها بيوت وقرى بكاملها لمحو آثار المسلمين. وإلى نص الحوار:
كيف جاء تحولك من المسيحية إلى الإسلام وفي أي ظروف؟
منذ ما يزيد على عشر سنوات كان من بين طلبتي فتاة من عائلة إسبانية مسلمة، وكانت والدتها تكتب الشعر مثلي، وهذا ما جعلنا نتواصل فيما بيننا ونتبادل القصائد والأفكار حول عدد من القضايا من بينها مثلاً وضعية المرأة في الإسلام. وكانت امرأة ذات شخصية قوية وتبرمج لحياتها جيداً، لكن العائلة اختفت بعد ذلك ولم أعد أتلقى خبراً عنها، وبعد سنوات وعقب نشري إحدى رواياتي اتصلت بي تلك المرأة واستأنفنا الحوار فيما بيننا، وعندما طلبت مني أن أفكر في إمكانية تحولي إلى الإسلام سيطرت علي تلك الفكرة، وبفضل الله أعلنت إسلامي قبل ثلاث سنوات.
كيف عشت هذا التحول في البداية، وكيف تعاملت معه أسرتك ومحيطك الخاص؟
لقد عشت هذا التحول كنوع من الثراء الروحي، وأصبحت حياتي أكثر اطمئناناً وانسجاماً، وبدأت أشعر بالحرية أكثر وبمعنى الحياة، بالرغم من أن الكثيرين من حولي لم يستسيغوا هذا التحول، بل أحدث لي ذلك في البداية نوعاً من العزلة والتهميش في محيطي. أما أسرتي الصغيرة وأبنائي فقد أطلعتهم على الموضوع، رغم أنهم ظلوا غير مقتنعين بالإسلام، أما والداي وإخوتي فقد استغربوا للأمر ولكنهم وافقوا على ذلك.
ككاتب وشاعر ومثقف، كيف أثر عليك هذا التحول؟ وهل انعكس ذلك على مستوى إبداعاتك الأدبية؟
هذا ما أقوم به اليوم، فروايتي الأخيرة تجري أحداثها في إسبانيا في القرن السادس عشر الميلادي، وأبطالها أشخاص من مسلمي إسبانيا يعيشون مغتربين في المغرب بعد هروبهم من شبه الجزيرة الأيبيرية من أجل الحفاظ على دينهم الإسلامي، هرباً من تعرضهم للإكراه لكي يتحولوا إلى المسيحية، بعد أن عاشوا كمسلمين بشكل سري. وقد نشرت مجموعة شعرية جديدة تستلهم قصة "ليلى والمجنون" مع نوع من الاستيحاء الصوفي، كما كتبت عدة مقالات ودراسات في عدد من المجلات والصحف الإسبانية والبرازيلية حول الأدب وعلاقته بالتصوف.
روايتك الأخيرة الصادرة في العام الماضي تحمل عنوان "البركة"؟ لماذا هذا العنوان؟ وهل له إيحاء خاص لديك؟
كلمة البركة، بالإضافة إلى كونها كلمة جميلة، توحي لي بمعاني الخير والمحبة التي يعامل بها الله سبحانه وتعالى عباده، كما توحي لي بالنماء والسعادة.
ككاتب وشاعر.. هل ساهم الإسلام في تغيير نظرتك للعالم عما كان عليه الأمر قبل إسلامك؟
لقد كان هدفي دائماً هو النضال من أجل عالم أفضل، ورؤيتي للرأسمالية المعاصرة كانت دائماً نقدية، لكنني كنت أحمل نظرة عدمية كانت تؤدي بي بقوة إلى التشاؤم والفراغ الوجودي، على الرغم من طبيعتي المتفائلة، لكنني الآن متفائل جداً، وأصبحت نظرتي للأمور أكثر توازناً، فمن قبل كانت أبسط الأشياء تسبب لي الغثيان والقلق، أما اليوم فأشعر بالسعادة تجاه نفسي وتجاه العالم، لأنني موقن بالله وبالطريق التي اختارها لي، وأواصل اليوم معركتي من أجل عالم أفضل ومختلف، ولكن انطلاقاً من الثقة في الحياة والمحبة كطاقة مهمة في الحياة.
بدأت دراسة اللغة العربية بعد إسلامك، كيف تبدو لك هذه اللغة الآن؟
إنها لغة جميلة جداً وما تزال تملك طهارتها الأصلية، رغم التحولات التي طرأت عليها في التخاطب اليومي والتغيرات الصوتية التي طرأت عليها. فاللغة العربية ظلت طيلة ثمانية قرون اللغة الأولى في بلدي إسبانيا، إضافة إلى ذلك فهي لغة حية وديناميكية، مبنية على قواعد فعلية وصوتية، وهي قادرة على التعبير بكلمات قليلة جداً عن المعاني التي تكون أحياناً متناقضة ومتضادة، تجعلك تشعر بقوتها الطبيعية بدل الابتعاد عنها.
ما أهم القراءات التي بلورت رؤيتكم للدين الإسلامي؟
لقد قرأت الكثير، وبطبيعة الحال قرأت القرآن الكريم مترجماً إلى الإسبانية، وقرأت الغزالي وكتاب "الحكم" لابن عطاء الله، وكتب الشيخ عبدالقادر وقصائد جلال الدين الرومي، بالإضافة لبعض الكتب عن واقع الإسلام والمسلمين ومشكلات العالم العربي، وكتباً حول سيرة النبي {، كما قرأت بعض الكتب مثل "سرفانثس والإسلام" لأنطونيو ميدينا، وقصصاً من الحكمة الصوفية، وبحوثاً حول التصوف ل "ليو شايا" و"كاتي مونداروو" و"إدريس شاه"…إلخ.
كيف تفسر ظاهرة تحول النخبة الغربية إلى الإسلام؟
لقد دخلت حضارة الغرب اليوم في مرحلة الانحطاط، رغم ما يُزعم من مدنية وعلمانية، إلا أنه ما زال يؤمن ببعض الديانات التي تؤمن بآلهة هجينة وتقاليد روحانية فارغة. آلهة الغرب اليوم هي المال والاستهلاك والسلطة، والغربيون أصبحوا يؤمنون بحضارة السوق المقدسة والوجبات السريعة والمؤسسات والجامعات، وأصبحت هناك طقوس جديدة مثل صراعات الموضات والشهرة والعمل والإنتاج اللاإنساني والتكنولوجيا وطب التجميل الذي يغير خلق الله.
أما شباب الغرب فهو عرضة للضياع يوماً بعد يوم، بسبب المخدرات والانحرافات الأخلاقية الشاذة والجنس الحيواني الخالي من المعنى وعبادة الجسد والخمر، ويوماً بعد يوم تتزايد معدلات الانتحار في صفوف الغربيين بسبب فقدان القيم الإيجابية، أما سوق العمل فقد صار أكثر صعوبة، والعامل لم يعد يملك الاختيار أمام عقدة الشغل التي توضع له.
أما القيم العائلية فقد اندثرت وأصبحت الأسر خاوية وغير مستقرة، وبات الغربيون يعانون العزلة وفراغ المعنى في حياتهم والقلق والاكتئاب، ويستعينون على ذلك بالمشاركة في الحفلات والسهرات الماجنة دون طائل؛ لأنه في النهاية يعود إلى عزلته فيشعر بالتحطم النفسي الداخلي، فهذه الحفلات هي نوع من العذاب.
ومع فشل الشيوعية كبديل للرأسمالية في الغرب، بدأ الغربيون يدركون حقيقة الإسلام، وأنه ليس بالياً تجاوزه الزمن كما كانوا يرددون بالرغم من أن بعض الدول العربية والإسلامية تعطي الانطباع بأن الإسلام غير صالح من خلال ممارساتها.
فاليوم أصبح الإسلام هو البديل الاجتماعي والروحي الذي يمثل المستقبل ويمكنه إنقاذ العالم من الانتحار الذي تسير نحوه الحضارة الغربية اليوم.
كيف ترى واقع الإسلام في إسبانيا اليوم؟
يتقدم رويداً رويداً، بسبب تزايد أعداد المهاجرين ذوي الأصول الإسلامية، كما يتزايد عدد الإسبان الذين يدخلون الإسلام، غير أن الإسلام لا يزال يمثل الأقلية في إسبانيا، وهناك شريحة واسعة من الإسبان تنظر إليه حتى اليوم بنوع من الخوف، وتربط بينه وبين القرون الماضية وإحراق الكتب والمنع، ومن المثير هنا أن الإسبان استطاعوا نسيان جراح الحرب الأهلية عام 1936م، ولم يتجاوزوا ماضي القرون الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر، خاصة إذا علمنا أن تلك الفترة شهدت مذابح ضد المسلمين وأحرقت فيها بيوتاً وقرى بكاملها لمحو آثار المسلمين.
المصدر: مجلة المجتمع – العدد 1714 – تاريخ 12/08/2006
الوجه الحقيقي للنصارى
الوجه الحقيقي للنصارى
إنَّ الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد فهذه أمثلة لبلاد كان للنصارى الكلمة العليا فيها على المسلمين فانظر ماذا فعلوا بهم لتكون منهم على حذر, ولكي لا تغتر بكلماتهم البراقة وتنسى ما تكنه صدورهم لك, ولتعرف حقيقتهم التي تخفى على كثير من السذج من المسلمين.
نمازجُ حقيقيةُ حكمَ فيها النَّصارى المسلمين
وقولُ الله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]
النَّموزجُ الأوَّل
المسلمون تحت حكم النَّصارى في الأندلس (أسبانيا)
في السطور التالية ترى أحوال دولةٍ مسلمةٍ وقعت تحت حكم النَّصارى فكان من شأنهم أنهم أعطوهم العهود والمواثيق ثم كان منهم ما سترى.
ولكن قبل ذلك لابد أن تعلم أنَّ هذا البلد هي الأندلس –أسبانيا الأن- وأنَّ الحاكم النصراني الذي حكمها هو الملك فرديناند وزوجته إيزابيلا وأنَّ هذه الأحداث وقعت منذ حوالي أربعة قرون, وإليك ما حدث:
الملك فرديناند نموزج لحاكم نصراني يحكم المسلمين([1])
أ- عهوده ومواثيقه التي أعطها للمسلمين عندما دخل بعض الإمارات الإسلامية في الأندلس:
تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وَرِباعِهِم وعقارهم.
إقامة شريعتهم على ماكانت، ولايُحْكم على أحد منهم إلا بشريعتهم وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كذلك، وأن لايدخل النَّصارى دار مسلم ولايغصبوا أحداً، ولا يتطلع على دور المسلمين، ولايدخل مسجداً, ولايُمْنَع مؤذن ولا مُصَلٍّ ولا صائم ولاغيره من أمور دينه.
يقول الاستاذ محمد عبد الله عنان ([2]): لقد ارتضاها([3]) المسلمون والشكُّ يساورهم في وفاء أعدائهم، ولما أَنْسَى فرديناندُ وإيزابيلا ريب المسلمين وتوجسَهم أعلنا في يوم 29 تشرين الثاني "نوفمبر" مع قَسَمٍ رسمي بالله أن جميع المسلمين سيكون لهم مطلق الحرية في العمل في أراضيهم، أو حيث شاؤوا، وأن يحتفظوا بشعائر دينهم ومساجدهم كما كانوا، وأن يسمح لمن شاء منهم بالهجرة إلى المغرب، ولكن سوف نرى أنَّ الأيمان والعهود لم تكن عند مَلَكي النَّصارى سوى سِتار للخيانة والغدر، وأنَّ هذه الشروط الخلابة نُقضِت جميعاً لأعوام قلائل من تسليم غرناطة، ولم يتردد المؤرخ الغربي بروسكوت نفسه أنَّ يصفها بأنها أفضل مادة لتقدير مدى الغدر الإسباني فيما تلا من العصور.
ومرت سنون، وخبا أثر مصرع الأندلس شيئا فشيئا في نفوس المسلمين، وأُسدل ستار من النسيان عليه، ولكن مأساة المسلمين المتنصرين "أو الموريسكين" لم تقف، وظهرت محاكم التفتيش التي هدفت إلى إبادة المسلمين في الأندلس .
لقد بدأت بمصرع غرناطة مرحلةٌ مؤلمة ومؤسفة لشعب مغلوب، وعدوٍّ خائن نقض شروط المعاهدة بنداً بنداً، فمنعوا المسلمين من النطق بالعربية في الأندلس، وفرضوا إجلاء العرب الموجودين فيها، وحُرِّقَ مَنْ بَقِيَ منهم، وزاد الكردينال "كمينسس" على ذلك، فأمر بجمع كل ما يستطاع جمعه من الكتب العربية ونظمت أكداساً في أكبر ساحات المدينة، وفيها علوم لا تقدر بثمن، بل هي خلاصة ما بقي من التفكير الإنساني وأحرقها.
ب- كيف نقضوا العهود, ومحاكم التفتيش([4]):
هدفت محاكم التفتيش إلى تنصير المسلمين بإشراف السلطات الكنسية وبأشدِّ وسائل العنف، ولم تكن العهود التي قطعت للمسلمين لتحول دون النزعة الصليبية التي أَسْبَغت على سياسة أسبانيا الغادرة ثوب الدين والورع ولما رفض المسلمون عقائد النَّصارى ودينهم المنحرف وامتنعوا عنه وكافحوه، اعتبرهم نصارى الاسبان ثوَّاراً وعملاء لجهات خارجية في المغرب والقاهرة والقسطنطينية، وبدأ القتل فيهم وجاهد المسلمون ببسالة في غرناطة والبيازين والبشرات([5])، فَمُزِّقوا بلا رأفة ولا شفقة ولا رحمة.
وفي تموز (يولية) 1501 أصدر الملكان الكاثوليكيان([6]) أمراً خلاصته: إنَّه لما كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة، فإنه يُحظر وجودُ المسلمين فيها، ويعاقب المخالفون بالموت أو مصادرة الأموال.
فهاجرت جموعُ المسلمين إلى المغرب ناجيةً بدينها، ومَن بَقِيَ من المسلمين أخفى إسلامه وأظهر تنصره، فبدأت محاكم التفتيش نشاطها الوحشي المروع، فعند التبليغ عن مسلم أنه يخفي إسلامه، يُزجُّ به في السجن وكانت السجون مظلمة عميقة رهيبة، تَغصُّ بالحشرات والجرذان، يقيد فيها المتهمون بالأغلال بعد مصادرة أموالهم لتدفع نفقات سجهنم, ومن أنواع التعذيب إملاء البطن بالماء حتى الاختناق ، وربط يدي المتهم وراء ظهره، وربطه بحبل فوق راحته وبطنه ورفعه وخفضه معلقاً، سواء بمفرده أو مع أثقال تربط معه، والأسياخ المحمية، وسحق العظام بآلات ضاغطة، تمزيق الأرجل وفسخ الفك.
ولا يوقف التعذيب إلا إذا رأى الطبيب حياة المتهم في خطر، ولكن التعذيب يستأنف متى عاد المتهم إلى رشده أو جفَّ دَمُه.
وقرار المحكمة لا يتمُّ إلَّا عند التنفيذ في ساحة البلدة، وهو إمَّا سجن مؤبد، أو مصادرة أموال وتهجير، أو إعدام حَرقاً وهو الحكم الغالب عند الأحبار الذين يشهدون مع الملكين الكاثوليكيين حفلات الإحراق.
ومما يذكر أنَّ هناك عذاباً اختص به النساء المسلمات وهو تعرية المرأة إلا ما يستر عورتها، وكانوا يضعون المرأة في مقبرة مهجورة ويجلسونها على قبر من القبور، ويضعون رأسها بين ركبتيها ويشدون وثاقها، وهي على هذه الحالة السيئة، ولا يمكنها الحراك، وكانوا يربطونها إلى القبر بسلاسل حديدية، ويرخون شعرها فيجللها وتظهر لمن يراها عن كثب كأنما هي جِنيَّة لا سيما إذا ما أرخى الليلُ سدوله، وتُترك المسكينة على هذه الحال إلى أن تُجِنَّ أو تموت جوعاً ورعباً.
لقد قام النَّصارى بإجبار المسلمين على الدخول في دينهم، وصارت الأندلس كلُّها نصرانية، ولم يبق فيها من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله إلَّا من يقولها في قلبه وفي خُفْية من الناس وجعلت النواقيس في صوامعها بعد الأذان، وفي مساجدها الصِّور والصُلبان، بعد ذكر الله وتلاوة القرآن، فكم فيها من عين باكية وقلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعذورين لم يقدروا على الهجرة واللحاق بإخوانهم المسلمين قلوبهم تشتعل ناراً، ودموعهم تسيل سيلاً غزيراً، وينظرون إلى أولادهم وبناتهم يعبدون الصُلبان، ويسجدون للأوثان، ويأكلون الخنزير والميتات، ويشربون الخمر التي هي أم الخبائث والمنكرات، فلا يقدرون على منعهم ولا على نهيهم
كانت تلك المحاكم والدواويين تلاحق المسلمين حتى تظفر بهم بأساليب بشعة تقشعر لها القلوب والأبدان, فإذا عُلم أنَّ رجلاً اغتسل يوم الجمعة يصدر في حقه حكماً بالموت، وإذا وجدوا رجلاً لابساً للزينة يوم العيد عرفوا أنه مسلم فيَصدر في حقه الإعدام.
لقد تابع النَّصارى الصليبيون المسلمين حتى إنهم كانوا يكشفون عورة من يشكّون أنه مسلم فإذا وجدوه مختوناً أو كان أحد عائلته كذلك فليعلم أنه الموت ونهايته هو وأسرته
وكان دستور محاكم التفتيش في ديوان التحقيق يجيز محاكمة الموتى والغائبين وتصدر الأحكام في حقهم وتوقع العقوبات عليهم كالأحياء, فتصادر أموالهم وتعمل لهم تماثيل تنفذ فيها عقوبة الحرق, أو تنبش قبورهم وتستخرج رفاتهم لتحرق في موكب "الأوتودافي" وكذلك يتعدَّى أثر الأحكام الصادرة بالإدانة من المحكوم عليه إلى أسرته وولده فيقضي بحرمانهم من تولي الوظائف العامة وإمتهان بعض المهن الخاصة.
وكان أعضاء محاكم التفتيش يتمتعون بحصانة خارقة وسلطان مطلق تنحني أمامه أية سلطة وتحمي أشخاصهم وتنفذ أوامرهم بكل وسيلة وكان من جراء هذه السلطة المطلقة أن ذاع في هذه المحاكم العسفُ وسوء استعمال السلطة والقبض على الأثرياء بل كثيراً ما وُجِدَ بين المحققين رجالٌ من طراز إجرامي لايتورعون عن ارتكاب الغصب والرشوة وكانت أحكام الغرامة والمصادرة أخصبَ مورد لاختلاس المحققين والمأمورين وعمال الديوان وقضاته, وكانت الخزينة الملكية ذاتها تغنم مئات الألوف من هذا المورد, هذا بينما يموت أصحاب الأموال الطائلة في السجن جوعاً.
وكان العرشُ([7]) يعلم بهذه الآثام المثيرة ولايستطيع دفعاً لها, ولأنه كان يرى فيها في الوقت نفسه أصلح أداة لتنفيذ سياسته في إبادة الموريسكيين الذين ظلوا دائماً موضع البغض والريب وأبت أسبانيا النصرانية بعد أن أرغمتهم على اعتناق دينها أن تضمهم إلى حظيرتها وأَبَتِ الكنيسة الإسبانية أنَّ تؤمن بإخلاصهم لدينهم الجديد ولبثت تتوجس من رجعتهم وحنانهم لدينهم القديم وترى فيهم دائماً منافقين مارقين.
وإليك مايقوله في ذلك مؤرخ إسباني كتب قريباً من ذلك العصر وأدرك الموريسكيين وعاش بينهم حيناً في غرناطة: "وكانوا يشعرون([8]) دائماً بالحرج من الدين الجديد فإذا ذهبوا إلى القداس في أيام الآحاد فذلك فقط من باب مراعاة العرف والنظام, وهم لم يقولوا الحقائق قط خلال الاعتراف وفي يوم الجمعة يحتجبون ويغتسلون ويقيمون الصلاة في منازلهم وفي أيام الآحاد يحتجبون ويعملون, وإذا عَمَّدوا أطفالهم عادوا فغسلوهم سراًّ بالماء الحار, ويسمون أولادهم بأسماء عربية وفي حفلات الزواج متى عادت العروس من الكنيسة بعد تلقي البركة تنزع ثيابها النصرانية وترتدي الثياب العربية ويقيمون حفلاتهم وفقاً للتقاليد العربية"([9]).
وقد وصلت إلى المؤرخين وثيقةٌ هامة تلقي ضوءاً أكبر على أحوال الموريسكيين في ظل التنصير وتعلقهم بدينهم القديم وكيف كانوا يتحيلون لمزاولة شعائرهم الإسلامية خفية ويلتمسون من جهة أخرى سائر الوسائل والأعذار الشرعية.
ج- القواعد النَّصرانية الإسبانية في معاملة من أُكْرِهوا على النصرانية:
لقد نقل إلى المؤرخين (الدون روني) مؤرخ ديوان التفتيش الإسباني وثيقةً من أغرب الوثائق القضائية تضمنت طائفة من القواعد والأصول التي رأى الديون المقدس أن يأخذ بها المسلمين المتنصرين في تهمة الكفر والمروق، وإليك ماورد في تلك الوثيقة الغريبة.
"يعتبر الموريسكي أو العربي المتنَصِّر قد عاد إلى الإسلام إذا امتدح دين محمد، أو قال إنَّ يسوع المسيح ليس إلهاً وليس إلا رسولاً, أو أن صفات العذراء أو اسمها لاتناسب أمَّه، ويجب على كل نصراني أن يبلغ عن ذلك, ويجب عليه أيضاً أن يبلغ عما إذا كان قد رأى أو سمع بأن أحداً من الموريسكيين يباشر بعض العادات الإسلامية, ومنها أن يأكل اللحم في يوم الجمعة وهو يعتقد أن ذلك مباح, وأن يحتفل يوم الجمعة بأن يرتدي ثياباً أنظف من ثيابه العادية, أو يستقبل المشرق قائلاً باسم الله، أو يوثق أرجل الماشية قبل ذبحها، أو يرفض أكل تلك التي لم تذبح، أو ذبحتها امرأة, أو يختن أولاده أو يسميهم بأسماء عربية، أو يعرب عن رغبته في اتباعه هذه العادة، أو يقول إنه يجب ألا يعتقد إلا بالله وبرسوله محمد، أو يُقْسِم بأيمان القرآن، أو يصوم رمضان ويتصدق خلاله، ولايأكل ولايشرب إلا عند الغروب، أو يتناول الطعام قبل الفجر (السحور) أو يمتنع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر, أو يقوم بالوضوء والصلاة بأن يوجه وجهه نحو الشرق ويركع ويسجد ويتلو سوراً من القرآن, أو أن يتزوج طبقاً لرسوم الشريعة الإسلامية أو ينشد الأغاني العربية, أو يقيم حفلات الرقص والموسيقى العربية, أو أن يستعمل النساءُ الخضابَ في أيديهن أو شعورهنّ، أو يتبع قواعد محمد الخمس([10])، أو يلمس بيديه على رءوس أولاده أو غيرهم تنفيذاً لهذه القواعد, أو يُغَسِّل الموتى ويكفنهم في أثواب جديدة أو يدفنهم في أرض بكر, أو يغطي قبورهم بالأغصان الخضراء أو أن يستغيث بمحمد وقت الحاجة([11]) مُنْعِتاً إياه بالنبي ورسول الله, أو يقول إنَّ الكعبة أول معابد الله أو يقول إنَّه لم يُنَصَّر إيماناً بالدين المقدس, أو أنَّ آباءه وأجداده قد غنموا رحمة الله لأنهم ماتوا مسلمين"...انتهى كلامه.
د- ماذا فعل القساوسة بالمسلمين في أسبانيا إبان محاكم التفتيش:
لقد استمرت محاكم التفيش قروناً عدة وعندما احتل نابليون أسبانيا بعد قيام الثورة الفرنسية أصدر مرسوماً سنة 1818م بإلغاء محاكم التفتيش في إسبانيا، ولكن رهبان "الجزويت" أصحاب المحاكم الملغاة استمروا في القتل والتعذيب، فشمل ذلك الجنود الفرنسيين، فأرسل المريشال "سولت" الحاكم العسكري الفرنسي لمدريد الكولونيل "ليمونكي" مع ألف جندي وأربعة مدافع، وهاجم دير الديوان، وبعد احتلال الدير وتفتيشه عنوة لم يعثروا على شيء فقرر الكولونيل "ليموتكي" فَحْصَ الأرض، وعند ذلك نظر الرهبان إلى بعضهم نظرات قلقة أمر الكولونيل جنده برفع الأَبْسِطَةِ، فرفعت، ثم أمر بأن يصبوا الماء بكثرة في أرض كلِّ غرفة على حدة, ففعلوا فإذا الماء يتسرب إلى أسفل في أحدى الغرف، فعرفوا أنَّ الباب من هنا يفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جوار رِجْلِ مكتب الرئيس, وفُتِحَ الباب بقحوف البنادق، واصفرت وجوه الرهبان وكستها غَبَرَةٌ, وظهر سُلَّمٌ يؤدي إلى باطن الأرض ونزل القائد الكولونيل وجنده, ويذكر هذا الإنسان في مذكراته مايلي:
فإذا نحن في غرفة كبيرة مربعة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، ربطت بها سلاسل، كانت الفرائس تقيد بها رهن المحاكمة وأمام ذلك العمود عرش "الدينونة" كما يسمونه، وهو عبارة عن "دكة" عالية يجلس عليها رئيس الديوان، وإلى جانبيه مقاعد أخرى أقل ارتفاعاً معدة لجلوس جماعة القضاة ثم توجهنا إلى غرف آلات التعذيب، وتمزيق الأجسام البشرية.
وقد امتدت تلك الغرف مسافات كبيرة تحت الأرض, وقد رأيت بها مايستفز نفسي، ويدعوني إلى التقزز ماحييت رأينا غرفاً صغيرة في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الأفقية مُمدًّا بها حتى يموت, وتبقى الجثة في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من الأجداث البالية تُفتح كُوَّة صغيرة إلى الخارج، وقد عثرنا على عدة هياكل بشرية مازالت في أغلالها سجينة.
والسجناء كانوا رجالاً ونساءً تختلف أعمارهم بين الرابعة عشرة والسبعين، واستطعنا فكاك بعض السجناء الأحياء وتحطيم أغلالهم، وهم على آخر رمق من الحياة، وكان فيهم من جُنَّ لكثرة مالاقى من عذاب، وكان السجناء عرايا زيادة في النكاية بهم، حتى اضطر جنودنا أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها لفيفاً من النساء السجينات.
وانتقلنا إلى غرف أخرى فرأينا هناك ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم وكانوا يبدؤن بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين، وذلك كله على سبيل التدريج حتى تأتي الآلة على البدن المهشم، فيخرج من الجانب الآخر كتلة واحدة.
وعثرنا على صندوق في حجم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه الرأس المُعَذَّب، بعد أن يربط صاحبه بالسلاسل في يديه ورجليه فلا يقوى على الحركة وتقطر على رأسه من ثقب في أعلى الصندوق نقط الماء البارد، فتقع على رأسه بانتظام في كل دقيقة نقطة, وقد جُنَّ الكثيرون من ذلك اللون من العذاب، قبل أن يحملوا به على الاعتراف، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت.
وعثرنا على آلة ثالثة للتعذيب تسمى السيدة الجميلة، وهي عبارة عن تابوت تنام فيه صورة فتاة جميلة مصنوعة على هيئة الإستعداد لعناق من ينام معها، وقد برزت من جوانبها عدة سكاكين حادة, وكانوا يطرحون الشاب المعذَّب فوق هذه الصورة, ثم يطبقون عليه باب التابوت بسكاكينه وخناجره، فإذا أُغْلِق مُزِّق الشاب وتقطَّع إرباً إرباً.
كما عثرنا على جملة آلات لسل اللسان، ولتمزيق أثداء النساء وسحبها من الصدور بواسطة كلاليب فظيعة، ومجالد من الحديد الشائك لضرب المُعَذَّبين وهم عرايا حتى يتناثر اللحم عن العظم.
ولما شاهد الناس بأعينهم وسائل التعذيب جُنَّ جنونهم وانطلقوا -كمن به مسٌّ- فأمسكوا برئيس الدير ووضعوه في آلة التكسير، فدُقَّتْ عظامُه دقًّا، وسحقتها سحقاً.
وأمسكوا أمين سرِّه، وزفُّوه إلى السيدة الجميلة، وأطبقوا عليهما الأبواب، فمزَّقته السكاكين شر ممزَّق، ثم أخرجوا الجثتين، وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك.
النَّموزجُ الثَّاني
المسلمون في البوسنة والهرسك تحت حكم النَّصارى؟
لعلك سمعت عن مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك, فلقد شاهد العالم أجمع ما فعله الصرب النَّصارى بالمسلمين هناك, وأنْ أُخبرك بما حدث كاملاً فإننا نحتاج من الوقت الكثير, ولكن دونك هذا المقتطفات من دروس الشيخ سلمان العودة أثناء أزمة البوسنة والهرسك وهو يحكي جانباً مما حدث هناك, وإليك كلمات الشيخ:
"لعل أول ما يخطر في البال هو ما يلاقيه المسلمون في جمهورية البوسنة والهرسك، فعدد الهاربين اللآجئين إلى دول العالم من هذه الجمهورية المسلمة يزيد على مليوني إنسان!! وعدد الشباب الذين حُشدوا وحُشِروا في معسكرات الاعتقال الصربية، أكثر من مائة ألف إنسان!! حشروا فيما يزيد على أربعين معسكراً، في أوضاع وظروف مأساوية لا يمكن تصورها، والكثيرون منهم هم عبارة عن هياكل عظمية ليس فيها إلا هذه الأنفاس التي تتردد، إمَّا بَقِيَّةٌ مِن حياةٍ وإلا فالموت منهم قاب قوسين أو أدني! هذا الحصار على البقية الباقية من أرض المسلمين هناك وإلاَّ فإن أعداء الإسلام قد سيطروا على نحو (70%) من الأرض الإسلامية، أمَّا (30%) فهي المنطقة التي تدور فيها حرب الشوارع، ويقتل فيها المسلمون في بيوتهم، أما الحديث عن الاعتداء على أعراض المسلمات بالقوة والاغتصاب من قبل جنود الصرب، فهو حديثُُ بشعٌ فظيعٌ فوق مستوى ما يتصوره إنسان.
أما الحديث عن الآلاف من الأطفال الذين منهم من قتل بصورة بَهِيمية بشعة، والكثيرون منهم وصلوا إلى البلاد الأوروبية، حيث يُنَصَّرُون هناك، ويكفي أن تعلم أن ألمانيا فقط استقبلت ما يزيد على مائتي ألف إنسان مسلم من تلك البلاد!! وحدِّث ولا حرج عن البلاد الأخرى وهى كثيرة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكرواتيا وصربيا وفي بلاد أخري كثيرة.
لم يكتف العدو بالحصار، ولم يكتف بحرب الشوارع، بل أصبحت الطائرات تقصف المدن الإسلامية بقسوة وضراوة، وأصبحت تستخدم حتى القنابل المحرمة دولياًّ كقنابل النابالم، والقنابل والأسلحة الكيماوية والجرثومية والعنقودية وغيرها، والعالم كله يتفرج, ويطمئن الصربُ لأنه لا يمكن أن يتدخل ولا يفكر في التدخل لأن البوسنة والهرسك ليست الكويت.
وأوروبا قالتها صريحة: نحن لا نريد دولة إسلامية أصولية في أوروبا، والرئيس بوش حذر رئيس البوسنة والهرسك (علِي عزت) من العرب والأصوليين، وقال: هذه خطوط حمراء يجب أن تقفوا دونها, فماذا يملك المسلمون؟! حتى الإغاثة تتم تحت سيطرة الأمم المتحدة، وهناك معلومات مؤكدة حتى في الصحف غير الإسلامية، تؤكد أنَّ مندوبي الأمم المتحدة سواءً من العسكريين، أو القائمين على أعمال الإغاثة، أنهم ينحازون دائماً إلى جانب الصرب، وهاهنا تقارير عدة في مجلة المجتمع، وفي مجلة روز اليوسف المصرية، وفي تقارير غربية كثيرة، تؤكد انحياز موظفي الأمم المتحدة إلى جانب الصرب، لأنهم في الغالب من النَّصارى، حتى في موضوع الإغاثات والمساعدات الإنسانية" انتهى كلام الشيخ سلمان العودة.
وهذه كلمة من كلمات الداعية الكبير الشيخ محمد حسان([12]) وهي بعنوان: الحقد الصربي في البوسنة والهرسك وكان ذلك أيضاً أثناء تلك الأزمة:
" أيها المسلمون! هل سمعتم بمجزرة إخوانكم في جمهورية البوسنة والهرسك الإسلامية؟! يا من تلذذتم بالفراش! يا من تلذذتم بالطعام! يا من تلذذتم بالشراب! يا من عافستم الأزواج والأولاد! يا من وضعتم بين أيديكم أصناف وألوان الطعام والشراب! هل سمعتم بما حدث لإخواننا وأخواتنا المسلمات في جمهورية إسلامية، في قلب جزيرة البلقان، في يوغوسلافيا، هل سمعتم ما حدث لإخوانكم المسلمين في جمهورية البسنة والهرسك؟! أيها المسلمون في كل مكان! أيها الغافلون النائمون! انتبهوا، استيقظوا، أفيقوا واطردوا النوم والغفلة عن عيونكم، وعن قلوبكم؛ لتعلموا أن الحروب الصليبية ما انتهت ولن تنتهي إلا إذا شاء الله، وإلا إذا عاد المسلمون إلى ربهم جل وعلا، وإلى إسلامهم، إلى مصدر عزهم، وإلى مصدر شرفهم.
هل سمعتم ماذا يفعله النَّصارى في يوغوسلافيا بإخواننا وأخواتنا في جمهورية البوسنة والهرسك المسلمة؟! والله إنَّ العين لتدمع، وإن القلب ليتمزق، وإنَّا لما يحدث لإخواننا على مرأى ومسمع من الدنيا لمحزونون! أين دعاة حقوق الإنسان؟! أين الذين ينتمون للديمقراطيات؟! أين الذين يرقصون على مسرح حرية الاعتقادات؟! خرست ألسنتهم! وماتت قلوبهم! حلال لهم حرام على الموحدين، حرام على المسلمين! على مرأى ومسمع من الدنيا، يُذْبح المسلمون ذَبْحَ الخراف وهم ينظرون!! فتعالوا بنا لعلَّ الأعينَ الجامدة أن تدمع، ولعل القلوب الميتة أن تحيا، وأن تستيقظ وأن تقوم من سباتها العميق، وأن تنفض عن كاهلها غبار الوسن والنوم الذي طال وطالت مدته، تعالوا بنا لنطير على جناح السرعة إلى إخواننا وأخواتنا, إلى المسلمة التي صرخت بأعلى صوتها: وا إسلاماه! وا معتصماه! تقول: يا مسلمون هُتِك عِرضي! وبُقرت بطني! ووضع قائد المليشيات النصراني الكافر نطفةً حية في بطنها! وسخر وضحك بأعلى صوته وهو يقول لها: هأنا أريد أن أرى هل ستنجبين ذكراً أم أنثى؟! على مرأى ومسمع من الدنيا، على مرأى ومسمع من المسلمين السُّذَّج! من المسلمين الذين فتحوا بلادهم للنصارى! وفتحوا قلوبهم للنصارى! وفتحوا بيوتهم للنصارى! ويأتي المسلمُ الغافل ليسألني ويقول لي: يا شيخ! إنَّ لي صاحباً نصرانياً، هل عليَّ إثم في زيارته؟! اسمعوا أيها الغافلون! ماذا يصنع النَّصارى بإخواننا الموحدين، إنَّ أخواتنا المسلمات ينادين ويقلن: واإسلاماه! واإسلاماه! وامعتصماه! ولكن: ما ثَمَّ معتصمٌ يُغيث من استغاث به وصاح! ذبحوا الصبي وأمَّهَ وفتاتها ذات الوشاح وعَدُوا على الأعراض في انتشاء وانشراح يا ألف مليون([13]) وأين همُ إذا دعت الجراح, ما ثَمَّ معتصم يغيث مَن استغاث به وصاح يا الله! قَلَّ الظَّهيرُ، وقَلَّ الْمُعِين، وانعدمت المروءة، وانعدمت الشهامة، وانعدمت النخوة، وضاع عهد الرجال وأتى عهد النساء، وأقبل عهد الحريم! فلتزلزلي يا أرض! ولتزمجري يا جبال! ولتزمجري يا سماء! مضى عهد الرجال وأتى عهد النساء، وذُبِح المسلمون تذبيح الفراخ، هُتكت أعراضُ نسائنا، هتكت أعراض أخواتنا، تصرخ عليك المسلمة وتقول: يا مسلم! يا أخي في الله! بُقرت بطني، وهُتك عرضي، وضاع شرفي ولكن أين الإسلام؟! وأين المسلمون؟! وأين المعتصم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون!
مجازر على مرأى ومسمع من العالم([14]):
وتمتد هذه المجزرة يا عباد الله! ففي الأسبوعين الماضيين حدثت مجزرة جماعية كبرى للمسلمين والمسلمات في جمهورية البوسنة والهرسك، على مرأى ومسمع ممن يتغنون بحقوق الإنسان وحقوق حرية الاعتقادات وغيرها! ما الذي حدث؟! وما الذي جرى؟! والنَّصارى في كل مكان يباركون هذه المجازر وهذه الدماء التي سفكت رخيصة لا قيمة لها، والمسلمون يفتحون بلادهم للنصارى ويفتحون قلوبهم للنصارى، ويفتحون أعمالهم للنصارى، والنَّصارى في كل بلاد المسلمين يأكلون ويشربون ويتنعمون! وتمت المجزرة بتوجه قائد الملشيات الصربية النصرانية الفاجر الكافر إلى قرية من قرى جمهورية البوسنة والهرسك، وأطلق عليها نيران مدفعيته الثقيلة فأبادها على رءوس أطفالها ورجالها ونسائها! وراح الجنود يمثلون بجثث المسلمين والمسلمات، ويسكبون على هذه الجثث الطاهرة زجاجات الخمر التي كانت بأيديهم، ويرسمون بالسكاكين الصلبان على أجسادهم الطاهرة! لماذا؟ لأن عقيدة الذبح عند النَّصارى الصرب يتعلمونها في المدارس وفي الكنائس، بل ويؤيد ذلك البرلمان الصربي! فقد أصدر البرلمان الصربي قراراً بأن ذَبْحَ المسلمين وذبح المسلمات إنما هو قربان إلى الله جلَّ وعلا." انتهى كلام الشيخ.
النَّموزجُ الثَّالثُ: قَسْوَةُ نصارى الفلبين وغِلْظَتُهم على المسلمين
أما ما حدث للمسلمين في الفلبين فهو لا يختلف كثيراً عن ما حدث في أسبانيا والبوسنة ودونك جانباً مما جرى هناك, وقد سقته إليك من مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة:
((فقد تآمر رئيس الفلبين النَّصراني ماركوس([15]) والرهبان والقسس في الفلبين بإمداد من اليهود في فلسطين، ومن النَّصارى في الدول الغربية على المسلمين وقرروا إبادتهم وأُنْشئت مُنظمةٌ نصرانية إرهابية أطلق عليها: (إيلاجا) أي جماعة الفئران على اعتبار أنها منظمة شعبية، والواقع أنَّ ماركوس هو الذي أمدَّها وأيَّدها بكل الوسائل، بل يقال: إنَّه هو الذي أنشأها، وقد ارتكبت هذه المنظمة من الفظائع ما يترفع عنه وحوش الغاب، فطردت المسلمين من ديارهم وأرضهم، وأحرقت بيوتهم ومساجدهم ومزارعهم ومصاحفهم، وقتلوا علماءهم وأئمتهم، وهتكوا أعراض نسائهم ومثلوا بشهدائهم، حيث يقطعون رءوس الأطفال وآذان الرجال وأثداء النساء، وينالون جوائز على هذا التمثيل من المنظمات السِّرْية مقابل كلِّ أذن أو رأس أو ثدي يحضرونه))([16]).
وفي النهاية كنت أَوَدُّ أنَّ أُكَلِّمُكَ عن ما يحدث للمسلمين على يد النَّصارى وغيرهم في العراق وأفغانستان والشيشان والصين وبلاد أُخرى كثيرة, ولكن هذا يؤدي بنا إلى التطويل وهو ما لا أريده.
وفي الختام أدعو الله عز وجل أن ينفع بتلك الكلمات هؤلاء المسلمين الذين لا يعرفون عن دينهم شيئاً ولا يعرفون ما الذي يدبِّره النَّصارى لهم. وأسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وسببًا للفوز بالرضى والقبول، وأن ينفع الله به المسلمين والمؤمنين، وأن يجمعنا مع نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة ويحشرنا تحت رايته بعد أن يحيينا على سنته ويمتنا على شرعته.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) هذه الوقعة كاملةً اختصرت من كتاب دولة الموحدين/ الفصل الثالث لعلي محمد محمد الصَّلابي.
([2]) المؤرخ محمد عبد الله عنان صاحب كتاب ديوان التحقيق والمحاكمات الكبرى, وكتاب عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس طُبِع في القاهرة 1964م.
([3]) يعني الشروط السابقة.
([4]) جاء في الموسوعة العربية العالمية عن محاكم التفتيش مايلي: محاكم التفتيش هيئات أنشأتها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية للقبض على من سموهم المهرطقين المارقين -لأشخاص المعارضون لتعاليم الكنيسة- ومحاكمتهم. أقيمت محاكم التفتيش في كثير من أجزاء أوروبا، ولكن محكمة التفتيش الأسبانية كانت هي الأكثر شهرة. وأشهرها تلك المحاكم التي أقامها فرديناند الخامس وزوجته إيزابيلا للتجسس على أهل الأندلس الذين فرضت عليهم النصرانية، وقد نَكَّلَتْ بالمسلمين بوحشية.
([5]) أسماء لبعض الأماكن في أسبانيا.
([6]) فرديناند وزوجته إيزابيلا.
([7]) يعني مَلِك النَّصارى.
([8]) يعني المسلمين الذين دخلوا في دين النَّصارى قهراً.
([9]) انتهى كلام المؤرخ الأسباني.
([10]) لعله يشير إلى حديث بُنِيَ الإسلام على خمسٍ.
([11]) وَضْعُ الأغصان الخضراء غير مشروع وكذلك الإستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره.
([12]) راجع دروس الشيخ على الشبكة العنكبوتية.
([13]) يعني يا ألف مليون مسلم.
([14]) هذا تكملةٌ لدرس الشيخ محمد حسان.
([15]) كان رئيساً للفلبين آنذاك.
([16]) راجع مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، العدد الثالث من السنة الخامسة محرم سنة 1393هـ / فبراير 1973م ص 105 وما بعدها.
إنَّ الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد فهذه أمثلة لبلاد كان للنصارى الكلمة العليا فيها على المسلمين فانظر ماذا فعلوا بهم لتكون منهم على حذر, ولكي لا تغتر بكلماتهم البراقة وتنسى ما تكنه صدورهم لك, ولتعرف حقيقتهم التي تخفى على كثير من السذج من المسلمين.
نمازجُ حقيقيةُ حكمَ فيها النَّصارى المسلمين
وقولُ الله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]
النَّموزجُ الأوَّل
المسلمون تحت حكم النَّصارى في الأندلس (أسبانيا)
في السطور التالية ترى أحوال دولةٍ مسلمةٍ وقعت تحت حكم النَّصارى فكان من شأنهم أنهم أعطوهم العهود والمواثيق ثم كان منهم ما سترى.
ولكن قبل ذلك لابد أن تعلم أنَّ هذا البلد هي الأندلس –أسبانيا الأن- وأنَّ الحاكم النصراني الذي حكمها هو الملك فرديناند وزوجته إيزابيلا وأنَّ هذه الأحداث وقعت منذ حوالي أربعة قرون, وإليك ما حدث:
الملك فرديناند نموزج لحاكم نصراني يحكم المسلمين([1])
أ- عهوده ومواثيقه التي أعطها للمسلمين عندما دخل بعض الإمارات الإسلامية في الأندلس:
تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وَرِباعِهِم وعقارهم.
إقامة شريعتهم على ماكانت، ولايُحْكم على أحد منهم إلا بشريعتهم وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كذلك، وأن لايدخل النَّصارى دار مسلم ولايغصبوا أحداً، ولا يتطلع على دور المسلمين، ولايدخل مسجداً, ولايُمْنَع مؤذن ولا مُصَلٍّ ولا صائم ولاغيره من أمور دينه.
يقول الاستاذ محمد عبد الله عنان ([2]): لقد ارتضاها([3]) المسلمون والشكُّ يساورهم في وفاء أعدائهم، ولما أَنْسَى فرديناندُ وإيزابيلا ريب المسلمين وتوجسَهم أعلنا في يوم 29 تشرين الثاني "نوفمبر" مع قَسَمٍ رسمي بالله أن جميع المسلمين سيكون لهم مطلق الحرية في العمل في أراضيهم، أو حيث شاؤوا، وأن يحتفظوا بشعائر دينهم ومساجدهم كما كانوا، وأن يسمح لمن شاء منهم بالهجرة إلى المغرب، ولكن سوف نرى أنَّ الأيمان والعهود لم تكن عند مَلَكي النَّصارى سوى سِتار للخيانة والغدر، وأنَّ هذه الشروط الخلابة نُقضِت جميعاً لأعوام قلائل من تسليم غرناطة، ولم يتردد المؤرخ الغربي بروسكوت نفسه أنَّ يصفها بأنها أفضل مادة لتقدير مدى الغدر الإسباني فيما تلا من العصور.
ومرت سنون، وخبا أثر مصرع الأندلس شيئا فشيئا في نفوس المسلمين، وأُسدل ستار من النسيان عليه، ولكن مأساة المسلمين المتنصرين "أو الموريسكين" لم تقف، وظهرت محاكم التفتيش التي هدفت إلى إبادة المسلمين في الأندلس .
لقد بدأت بمصرع غرناطة مرحلةٌ مؤلمة ومؤسفة لشعب مغلوب، وعدوٍّ خائن نقض شروط المعاهدة بنداً بنداً، فمنعوا المسلمين من النطق بالعربية في الأندلس، وفرضوا إجلاء العرب الموجودين فيها، وحُرِّقَ مَنْ بَقِيَ منهم، وزاد الكردينال "كمينسس" على ذلك، فأمر بجمع كل ما يستطاع جمعه من الكتب العربية ونظمت أكداساً في أكبر ساحات المدينة، وفيها علوم لا تقدر بثمن، بل هي خلاصة ما بقي من التفكير الإنساني وأحرقها.
ب- كيف نقضوا العهود, ومحاكم التفتيش([4]):
هدفت محاكم التفتيش إلى تنصير المسلمين بإشراف السلطات الكنسية وبأشدِّ وسائل العنف، ولم تكن العهود التي قطعت للمسلمين لتحول دون النزعة الصليبية التي أَسْبَغت على سياسة أسبانيا الغادرة ثوب الدين والورع ولما رفض المسلمون عقائد النَّصارى ودينهم المنحرف وامتنعوا عنه وكافحوه، اعتبرهم نصارى الاسبان ثوَّاراً وعملاء لجهات خارجية في المغرب والقاهرة والقسطنطينية، وبدأ القتل فيهم وجاهد المسلمون ببسالة في غرناطة والبيازين والبشرات([5])، فَمُزِّقوا بلا رأفة ولا شفقة ولا رحمة.
وفي تموز (يولية) 1501 أصدر الملكان الكاثوليكيان([6]) أمراً خلاصته: إنَّه لما كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة، فإنه يُحظر وجودُ المسلمين فيها، ويعاقب المخالفون بالموت أو مصادرة الأموال.
فهاجرت جموعُ المسلمين إلى المغرب ناجيةً بدينها، ومَن بَقِيَ من المسلمين أخفى إسلامه وأظهر تنصره، فبدأت محاكم التفتيش نشاطها الوحشي المروع، فعند التبليغ عن مسلم أنه يخفي إسلامه، يُزجُّ به في السجن وكانت السجون مظلمة عميقة رهيبة، تَغصُّ بالحشرات والجرذان، يقيد فيها المتهمون بالأغلال بعد مصادرة أموالهم لتدفع نفقات سجهنم, ومن أنواع التعذيب إملاء البطن بالماء حتى الاختناق ، وربط يدي المتهم وراء ظهره، وربطه بحبل فوق راحته وبطنه ورفعه وخفضه معلقاً، سواء بمفرده أو مع أثقال تربط معه، والأسياخ المحمية، وسحق العظام بآلات ضاغطة، تمزيق الأرجل وفسخ الفك.
ولا يوقف التعذيب إلا إذا رأى الطبيب حياة المتهم في خطر، ولكن التعذيب يستأنف متى عاد المتهم إلى رشده أو جفَّ دَمُه.
وقرار المحكمة لا يتمُّ إلَّا عند التنفيذ في ساحة البلدة، وهو إمَّا سجن مؤبد، أو مصادرة أموال وتهجير، أو إعدام حَرقاً وهو الحكم الغالب عند الأحبار الذين يشهدون مع الملكين الكاثوليكيين حفلات الإحراق.
ومما يذكر أنَّ هناك عذاباً اختص به النساء المسلمات وهو تعرية المرأة إلا ما يستر عورتها، وكانوا يضعون المرأة في مقبرة مهجورة ويجلسونها على قبر من القبور، ويضعون رأسها بين ركبتيها ويشدون وثاقها، وهي على هذه الحالة السيئة، ولا يمكنها الحراك، وكانوا يربطونها إلى القبر بسلاسل حديدية، ويرخون شعرها فيجللها وتظهر لمن يراها عن كثب كأنما هي جِنيَّة لا سيما إذا ما أرخى الليلُ سدوله، وتُترك المسكينة على هذه الحال إلى أن تُجِنَّ أو تموت جوعاً ورعباً.
لقد قام النَّصارى بإجبار المسلمين على الدخول في دينهم، وصارت الأندلس كلُّها نصرانية، ولم يبق فيها من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله إلَّا من يقولها في قلبه وفي خُفْية من الناس وجعلت النواقيس في صوامعها بعد الأذان، وفي مساجدها الصِّور والصُلبان، بعد ذكر الله وتلاوة القرآن، فكم فيها من عين باكية وقلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعذورين لم يقدروا على الهجرة واللحاق بإخوانهم المسلمين قلوبهم تشتعل ناراً، ودموعهم تسيل سيلاً غزيراً، وينظرون إلى أولادهم وبناتهم يعبدون الصُلبان، ويسجدون للأوثان، ويأكلون الخنزير والميتات، ويشربون الخمر التي هي أم الخبائث والمنكرات، فلا يقدرون على منعهم ولا على نهيهم
كانت تلك المحاكم والدواويين تلاحق المسلمين حتى تظفر بهم بأساليب بشعة تقشعر لها القلوب والأبدان, فإذا عُلم أنَّ رجلاً اغتسل يوم الجمعة يصدر في حقه حكماً بالموت، وإذا وجدوا رجلاً لابساً للزينة يوم العيد عرفوا أنه مسلم فيَصدر في حقه الإعدام.
لقد تابع النَّصارى الصليبيون المسلمين حتى إنهم كانوا يكشفون عورة من يشكّون أنه مسلم فإذا وجدوه مختوناً أو كان أحد عائلته كذلك فليعلم أنه الموت ونهايته هو وأسرته
وكان دستور محاكم التفتيش في ديوان التحقيق يجيز محاكمة الموتى والغائبين وتصدر الأحكام في حقهم وتوقع العقوبات عليهم كالأحياء, فتصادر أموالهم وتعمل لهم تماثيل تنفذ فيها عقوبة الحرق, أو تنبش قبورهم وتستخرج رفاتهم لتحرق في موكب "الأوتودافي" وكذلك يتعدَّى أثر الأحكام الصادرة بالإدانة من المحكوم عليه إلى أسرته وولده فيقضي بحرمانهم من تولي الوظائف العامة وإمتهان بعض المهن الخاصة.
وكان أعضاء محاكم التفتيش يتمتعون بحصانة خارقة وسلطان مطلق تنحني أمامه أية سلطة وتحمي أشخاصهم وتنفذ أوامرهم بكل وسيلة وكان من جراء هذه السلطة المطلقة أن ذاع في هذه المحاكم العسفُ وسوء استعمال السلطة والقبض على الأثرياء بل كثيراً ما وُجِدَ بين المحققين رجالٌ من طراز إجرامي لايتورعون عن ارتكاب الغصب والرشوة وكانت أحكام الغرامة والمصادرة أخصبَ مورد لاختلاس المحققين والمأمورين وعمال الديوان وقضاته, وكانت الخزينة الملكية ذاتها تغنم مئات الألوف من هذا المورد, هذا بينما يموت أصحاب الأموال الطائلة في السجن جوعاً.
وكان العرشُ([7]) يعلم بهذه الآثام المثيرة ولايستطيع دفعاً لها, ولأنه كان يرى فيها في الوقت نفسه أصلح أداة لتنفيذ سياسته في إبادة الموريسكيين الذين ظلوا دائماً موضع البغض والريب وأبت أسبانيا النصرانية بعد أن أرغمتهم على اعتناق دينها أن تضمهم إلى حظيرتها وأَبَتِ الكنيسة الإسبانية أنَّ تؤمن بإخلاصهم لدينهم الجديد ولبثت تتوجس من رجعتهم وحنانهم لدينهم القديم وترى فيهم دائماً منافقين مارقين.
وإليك مايقوله في ذلك مؤرخ إسباني كتب قريباً من ذلك العصر وأدرك الموريسكيين وعاش بينهم حيناً في غرناطة: "وكانوا يشعرون([8]) دائماً بالحرج من الدين الجديد فإذا ذهبوا إلى القداس في أيام الآحاد فذلك فقط من باب مراعاة العرف والنظام, وهم لم يقولوا الحقائق قط خلال الاعتراف وفي يوم الجمعة يحتجبون ويغتسلون ويقيمون الصلاة في منازلهم وفي أيام الآحاد يحتجبون ويعملون, وإذا عَمَّدوا أطفالهم عادوا فغسلوهم سراًّ بالماء الحار, ويسمون أولادهم بأسماء عربية وفي حفلات الزواج متى عادت العروس من الكنيسة بعد تلقي البركة تنزع ثيابها النصرانية وترتدي الثياب العربية ويقيمون حفلاتهم وفقاً للتقاليد العربية"([9]).
وقد وصلت إلى المؤرخين وثيقةٌ هامة تلقي ضوءاً أكبر على أحوال الموريسكيين في ظل التنصير وتعلقهم بدينهم القديم وكيف كانوا يتحيلون لمزاولة شعائرهم الإسلامية خفية ويلتمسون من جهة أخرى سائر الوسائل والأعذار الشرعية.
ج- القواعد النَّصرانية الإسبانية في معاملة من أُكْرِهوا على النصرانية:
لقد نقل إلى المؤرخين (الدون روني) مؤرخ ديوان التفتيش الإسباني وثيقةً من أغرب الوثائق القضائية تضمنت طائفة من القواعد والأصول التي رأى الديون المقدس أن يأخذ بها المسلمين المتنصرين في تهمة الكفر والمروق، وإليك ماورد في تلك الوثيقة الغريبة.
"يعتبر الموريسكي أو العربي المتنَصِّر قد عاد إلى الإسلام إذا امتدح دين محمد، أو قال إنَّ يسوع المسيح ليس إلهاً وليس إلا رسولاً, أو أن صفات العذراء أو اسمها لاتناسب أمَّه، ويجب على كل نصراني أن يبلغ عن ذلك, ويجب عليه أيضاً أن يبلغ عما إذا كان قد رأى أو سمع بأن أحداً من الموريسكيين يباشر بعض العادات الإسلامية, ومنها أن يأكل اللحم في يوم الجمعة وهو يعتقد أن ذلك مباح, وأن يحتفل يوم الجمعة بأن يرتدي ثياباً أنظف من ثيابه العادية, أو يستقبل المشرق قائلاً باسم الله، أو يوثق أرجل الماشية قبل ذبحها، أو يرفض أكل تلك التي لم تذبح، أو ذبحتها امرأة, أو يختن أولاده أو يسميهم بأسماء عربية، أو يعرب عن رغبته في اتباعه هذه العادة، أو يقول إنه يجب ألا يعتقد إلا بالله وبرسوله محمد، أو يُقْسِم بأيمان القرآن، أو يصوم رمضان ويتصدق خلاله، ولايأكل ولايشرب إلا عند الغروب، أو يتناول الطعام قبل الفجر (السحور) أو يمتنع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر, أو يقوم بالوضوء والصلاة بأن يوجه وجهه نحو الشرق ويركع ويسجد ويتلو سوراً من القرآن, أو أن يتزوج طبقاً لرسوم الشريعة الإسلامية أو ينشد الأغاني العربية, أو يقيم حفلات الرقص والموسيقى العربية, أو أن يستعمل النساءُ الخضابَ في أيديهن أو شعورهنّ، أو يتبع قواعد محمد الخمس([10])، أو يلمس بيديه على رءوس أولاده أو غيرهم تنفيذاً لهذه القواعد, أو يُغَسِّل الموتى ويكفنهم في أثواب جديدة أو يدفنهم في أرض بكر, أو يغطي قبورهم بالأغصان الخضراء أو أن يستغيث بمحمد وقت الحاجة([11]) مُنْعِتاً إياه بالنبي ورسول الله, أو يقول إنَّ الكعبة أول معابد الله أو يقول إنَّه لم يُنَصَّر إيماناً بالدين المقدس, أو أنَّ آباءه وأجداده قد غنموا رحمة الله لأنهم ماتوا مسلمين"...انتهى كلامه.
د- ماذا فعل القساوسة بالمسلمين في أسبانيا إبان محاكم التفتيش:
لقد استمرت محاكم التفيش قروناً عدة وعندما احتل نابليون أسبانيا بعد قيام الثورة الفرنسية أصدر مرسوماً سنة 1818م بإلغاء محاكم التفتيش في إسبانيا، ولكن رهبان "الجزويت" أصحاب المحاكم الملغاة استمروا في القتل والتعذيب، فشمل ذلك الجنود الفرنسيين، فأرسل المريشال "سولت" الحاكم العسكري الفرنسي لمدريد الكولونيل "ليمونكي" مع ألف جندي وأربعة مدافع، وهاجم دير الديوان، وبعد احتلال الدير وتفتيشه عنوة لم يعثروا على شيء فقرر الكولونيل "ليموتكي" فَحْصَ الأرض، وعند ذلك نظر الرهبان إلى بعضهم نظرات قلقة أمر الكولونيل جنده برفع الأَبْسِطَةِ، فرفعت، ثم أمر بأن يصبوا الماء بكثرة في أرض كلِّ غرفة على حدة, ففعلوا فإذا الماء يتسرب إلى أسفل في أحدى الغرف، فعرفوا أنَّ الباب من هنا يفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جوار رِجْلِ مكتب الرئيس, وفُتِحَ الباب بقحوف البنادق، واصفرت وجوه الرهبان وكستها غَبَرَةٌ, وظهر سُلَّمٌ يؤدي إلى باطن الأرض ونزل القائد الكولونيل وجنده, ويذكر هذا الإنسان في مذكراته مايلي:
فإذا نحن في غرفة كبيرة مربعة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، ربطت بها سلاسل، كانت الفرائس تقيد بها رهن المحاكمة وأمام ذلك العمود عرش "الدينونة" كما يسمونه، وهو عبارة عن "دكة" عالية يجلس عليها رئيس الديوان، وإلى جانبيه مقاعد أخرى أقل ارتفاعاً معدة لجلوس جماعة القضاة ثم توجهنا إلى غرف آلات التعذيب، وتمزيق الأجسام البشرية.
وقد امتدت تلك الغرف مسافات كبيرة تحت الأرض, وقد رأيت بها مايستفز نفسي، ويدعوني إلى التقزز ماحييت رأينا غرفاً صغيرة في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الأفقية مُمدًّا بها حتى يموت, وتبقى الجثة في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من الأجداث البالية تُفتح كُوَّة صغيرة إلى الخارج، وقد عثرنا على عدة هياكل بشرية مازالت في أغلالها سجينة.
والسجناء كانوا رجالاً ونساءً تختلف أعمارهم بين الرابعة عشرة والسبعين، واستطعنا فكاك بعض السجناء الأحياء وتحطيم أغلالهم، وهم على آخر رمق من الحياة، وكان فيهم من جُنَّ لكثرة مالاقى من عذاب، وكان السجناء عرايا زيادة في النكاية بهم، حتى اضطر جنودنا أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها لفيفاً من النساء السجينات.
وانتقلنا إلى غرف أخرى فرأينا هناك ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم وكانوا يبدؤن بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين، وذلك كله على سبيل التدريج حتى تأتي الآلة على البدن المهشم، فيخرج من الجانب الآخر كتلة واحدة.
وعثرنا على صندوق في حجم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه الرأس المُعَذَّب، بعد أن يربط صاحبه بالسلاسل في يديه ورجليه فلا يقوى على الحركة وتقطر على رأسه من ثقب في أعلى الصندوق نقط الماء البارد، فتقع على رأسه بانتظام في كل دقيقة نقطة, وقد جُنَّ الكثيرون من ذلك اللون من العذاب، قبل أن يحملوا به على الاعتراف، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت.
وعثرنا على آلة ثالثة للتعذيب تسمى السيدة الجميلة، وهي عبارة عن تابوت تنام فيه صورة فتاة جميلة مصنوعة على هيئة الإستعداد لعناق من ينام معها، وقد برزت من جوانبها عدة سكاكين حادة, وكانوا يطرحون الشاب المعذَّب فوق هذه الصورة, ثم يطبقون عليه باب التابوت بسكاكينه وخناجره، فإذا أُغْلِق مُزِّق الشاب وتقطَّع إرباً إرباً.
كما عثرنا على جملة آلات لسل اللسان، ولتمزيق أثداء النساء وسحبها من الصدور بواسطة كلاليب فظيعة، ومجالد من الحديد الشائك لضرب المُعَذَّبين وهم عرايا حتى يتناثر اللحم عن العظم.
ولما شاهد الناس بأعينهم وسائل التعذيب جُنَّ جنونهم وانطلقوا -كمن به مسٌّ- فأمسكوا برئيس الدير ووضعوه في آلة التكسير، فدُقَّتْ عظامُه دقًّا، وسحقتها سحقاً.
وأمسكوا أمين سرِّه، وزفُّوه إلى السيدة الجميلة، وأطبقوا عليهما الأبواب، فمزَّقته السكاكين شر ممزَّق، ثم أخرجوا الجثتين، وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك.
النَّموزجُ الثَّاني
المسلمون في البوسنة والهرسك تحت حكم النَّصارى؟
لعلك سمعت عن مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك, فلقد شاهد العالم أجمع ما فعله الصرب النَّصارى بالمسلمين هناك, وأنْ أُخبرك بما حدث كاملاً فإننا نحتاج من الوقت الكثير, ولكن دونك هذا المقتطفات من دروس الشيخ سلمان العودة أثناء أزمة البوسنة والهرسك وهو يحكي جانباً مما حدث هناك, وإليك كلمات الشيخ:
"لعل أول ما يخطر في البال هو ما يلاقيه المسلمون في جمهورية البوسنة والهرسك، فعدد الهاربين اللآجئين إلى دول العالم من هذه الجمهورية المسلمة يزيد على مليوني إنسان!! وعدد الشباب الذين حُشدوا وحُشِروا في معسكرات الاعتقال الصربية، أكثر من مائة ألف إنسان!! حشروا فيما يزيد على أربعين معسكراً، في أوضاع وظروف مأساوية لا يمكن تصورها، والكثيرون منهم هم عبارة عن هياكل عظمية ليس فيها إلا هذه الأنفاس التي تتردد، إمَّا بَقِيَّةٌ مِن حياةٍ وإلا فالموت منهم قاب قوسين أو أدني! هذا الحصار على البقية الباقية من أرض المسلمين هناك وإلاَّ فإن أعداء الإسلام قد سيطروا على نحو (70%) من الأرض الإسلامية، أمَّا (30%) فهي المنطقة التي تدور فيها حرب الشوارع، ويقتل فيها المسلمون في بيوتهم، أما الحديث عن الاعتداء على أعراض المسلمات بالقوة والاغتصاب من قبل جنود الصرب، فهو حديثُُ بشعٌ فظيعٌ فوق مستوى ما يتصوره إنسان.
أما الحديث عن الآلاف من الأطفال الذين منهم من قتل بصورة بَهِيمية بشعة، والكثيرون منهم وصلوا إلى البلاد الأوروبية، حيث يُنَصَّرُون هناك، ويكفي أن تعلم أن ألمانيا فقط استقبلت ما يزيد على مائتي ألف إنسان مسلم من تلك البلاد!! وحدِّث ولا حرج عن البلاد الأخرى وهى كثيرة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكرواتيا وصربيا وفي بلاد أخري كثيرة.
لم يكتف العدو بالحصار، ولم يكتف بحرب الشوارع، بل أصبحت الطائرات تقصف المدن الإسلامية بقسوة وضراوة، وأصبحت تستخدم حتى القنابل المحرمة دولياًّ كقنابل النابالم، والقنابل والأسلحة الكيماوية والجرثومية والعنقودية وغيرها، والعالم كله يتفرج, ويطمئن الصربُ لأنه لا يمكن أن يتدخل ولا يفكر في التدخل لأن البوسنة والهرسك ليست الكويت.
وأوروبا قالتها صريحة: نحن لا نريد دولة إسلامية أصولية في أوروبا، والرئيس بوش حذر رئيس البوسنة والهرسك (علِي عزت) من العرب والأصوليين، وقال: هذه خطوط حمراء يجب أن تقفوا دونها, فماذا يملك المسلمون؟! حتى الإغاثة تتم تحت سيطرة الأمم المتحدة، وهناك معلومات مؤكدة حتى في الصحف غير الإسلامية، تؤكد أنَّ مندوبي الأمم المتحدة سواءً من العسكريين، أو القائمين على أعمال الإغاثة، أنهم ينحازون دائماً إلى جانب الصرب، وهاهنا تقارير عدة في مجلة المجتمع، وفي مجلة روز اليوسف المصرية، وفي تقارير غربية كثيرة، تؤكد انحياز موظفي الأمم المتحدة إلى جانب الصرب، لأنهم في الغالب من النَّصارى، حتى في موضوع الإغاثات والمساعدات الإنسانية" انتهى كلام الشيخ سلمان العودة.
وهذه كلمة من كلمات الداعية الكبير الشيخ محمد حسان([12]) وهي بعنوان: الحقد الصربي في البوسنة والهرسك وكان ذلك أيضاً أثناء تلك الأزمة:
" أيها المسلمون! هل سمعتم بمجزرة إخوانكم في جمهورية البوسنة والهرسك الإسلامية؟! يا من تلذذتم بالفراش! يا من تلذذتم بالطعام! يا من تلذذتم بالشراب! يا من عافستم الأزواج والأولاد! يا من وضعتم بين أيديكم أصناف وألوان الطعام والشراب! هل سمعتم بما حدث لإخواننا وأخواتنا المسلمات في جمهورية إسلامية، في قلب جزيرة البلقان، في يوغوسلافيا، هل سمعتم ما حدث لإخوانكم المسلمين في جمهورية البسنة والهرسك؟! أيها المسلمون في كل مكان! أيها الغافلون النائمون! انتبهوا، استيقظوا، أفيقوا واطردوا النوم والغفلة عن عيونكم، وعن قلوبكم؛ لتعلموا أن الحروب الصليبية ما انتهت ولن تنتهي إلا إذا شاء الله، وإلا إذا عاد المسلمون إلى ربهم جل وعلا، وإلى إسلامهم، إلى مصدر عزهم، وإلى مصدر شرفهم.
هل سمعتم ماذا يفعله النَّصارى في يوغوسلافيا بإخواننا وأخواتنا في جمهورية البوسنة والهرسك المسلمة؟! والله إنَّ العين لتدمع، وإن القلب ليتمزق، وإنَّا لما يحدث لإخواننا على مرأى ومسمع من الدنيا لمحزونون! أين دعاة حقوق الإنسان؟! أين الذين ينتمون للديمقراطيات؟! أين الذين يرقصون على مسرح حرية الاعتقادات؟! خرست ألسنتهم! وماتت قلوبهم! حلال لهم حرام على الموحدين، حرام على المسلمين! على مرأى ومسمع من الدنيا، يُذْبح المسلمون ذَبْحَ الخراف وهم ينظرون!! فتعالوا بنا لعلَّ الأعينَ الجامدة أن تدمع، ولعل القلوب الميتة أن تحيا، وأن تستيقظ وأن تقوم من سباتها العميق، وأن تنفض عن كاهلها غبار الوسن والنوم الذي طال وطالت مدته، تعالوا بنا لنطير على جناح السرعة إلى إخواننا وأخواتنا, إلى المسلمة التي صرخت بأعلى صوتها: وا إسلاماه! وا معتصماه! تقول: يا مسلمون هُتِك عِرضي! وبُقرت بطني! ووضع قائد المليشيات النصراني الكافر نطفةً حية في بطنها! وسخر وضحك بأعلى صوته وهو يقول لها: هأنا أريد أن أرى هل ستنجبين ذكراً أم أنثى؟! على مرأى ومسمع من الدنيا، على مرأى ومسمع من المسلمين السُّذَّج! من المسلمين الذين فتحوا بلادهم للنصارى! وفتحوا قلوبهم للنصارى! وفتحوا بيوتهم للنصارى! ويأتي المسلمُ الغافل ليسألني ويقول لي: يا شيخ! إنَّ لي صاحباً نصرانياً، هل عليَّ إثم في زيارته؟! اسمعوا أيها الغافلون! ماذا يصنع النَّصارى بإخواننا الموحدين، إنَّ أخواتنا المسلمات ينادين ويقلن: واإسلاماه! واإسلاماه! وامعتصماه! ولكن: ما ثَمَّ معتصمٌ يُغيث من استغاث به وصاح! ذبحوا الصبي وأمَّهَ وفتاتها ذات الوشاح وعَدُوا على الأعراض في انتشاء وانشراح يا ألف مليون([13]) وأين همُ إذا دعت الجراح, ما ثَمَّ معتصم يغيث مَن استغاث به وصاح يا الله! قَلَّ الظَّهيرُ، وقَلَّ الْمُعِين، وانعدمت المروءة، وانعدمت الشهامة، وانعدمت النخوة، وضاع عهد الرجال وأتى عهد النساء، وأقبل عهد الحريم! فلتزلزلي يا أرض! ولتزمجري يا جبال! ولتزمجري يا سماء! مضى عهد الرجال وأتى عهد النساء، وذُبِح المسلمون تذبيح الفراخ، هُتكت أعراضُ نسائنا، هتكت أعراض أخواتنا، تصرخ عليك المسلمة وتقول: يا مسلم! يا أخي في الله! بُقرت بطني، وهُتك عرضي، وضاع شرفي ولكن أين الإسلام؟! وأين المسلمون؟! وأين المعتصم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون!
مجازر على مرأى ومسمع من العالم([14]):
وتمتد هذه المجزرة يا عباد الله! ففي الأسبوعين الماضيين حدثت مجزرة جماعية كبرى للمسلمين والمسلمات في جمهورية البوسنة والهرسك، على مرأى ومسمع ممن يتغنون بحقوق الإنسان وحقوق حرية الاعتقادات وغيرها! ما الذي حدث؟! وما الذي جرى؟! والنَّصارى في كل مكان يباركون هذه المجازر وهذه الدماء التي سفكت رخيصة لا قيمة لها، والمسلمون يفتحون بلادهم للنصارى ويفتحون قلوبهم للنصارى، ويفتحون أعمالهم للنصارى، والنَّصارى في كل بلاد المسلمين يأكلون ويشربون ويتنعمون! وتمت المجزرة بتوجه قائد الملشيات الصربية النصرانية الفاجر الكافر إلى قرية من قرى جمهورية البوسنة والهرسك، وأطلق عليها نيران مدفعيته الثقيلة فأبادها على رءوس أطفالها ورجالها ونسائها! وراح الجنود يمثلون بجثث المسلمين والمسلمات، ويسكبون على هذه الجثث الطاهرة زجاجات الخمر التي كانت بأيديهم، ويرسمون بالسكاكين الصلبان على أجسادهم الطاهرة! لماذا؟ لأن عقيدة الذبح عند النَّصارى الصرب يتعلمونها في المدارس وفي الكنائس، بل ويؤيد ذلك البرلمان الصربي! فقد أصدر البرلمان الصربي قراراً بأن ذَبْحَ المسلمين وذبح المسلمات إنما هو قربان إلى الله جلَّ وعلا." انتهى كلام الشيخ.
النَّموزجُ الثَّالثُ: قَسْوَةُ نصارى الفلبين وغِلْظَتُهم على المسلمين
أما ما حدث للمسلمين في الفلبين فهو لا يختلف كثيراً عن ما حدث في أسبانيا والبوسنة ودونك جانباً مما جرى هناك, وقد سقته إليك من مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة:
((فقد تآمر رئيس الفلبين النَّصراني ماركوس([15]) والرهبان والقسس في الفلبين بإمداد من اليهود في فلسطين، ومن النَّصارى في الدول الغربية على المسلمين وقرروا إبادتهم وأُنْشئت مُنظمةٌ نصرانية إرهابية أطلق عليها: (إيلاجا) أي جماعة الفئران على اعتبار أنها منظمة شعبية، والواقع أنَّ ماركوس هو الذي أمدَّها وأيَّدها بكل الوسائل، بل يقال: إنَّه هو الذي أنشأها، وقد ارتكبت هذه المنظمة من الفظائع ما يترفع عنه وحوش الغاب، فطردت المسلمين من ديارهم وأرضهم، وأحرقت بيوتهم ومساجدهم ومزارعهم ومصاحفهم، وقتلوا علماءهم وأئمتهم، وهتكوا أعراض نسائهم ومثلوا بشهدائهم، حيث يقطعون رءوس الأطفال وآذان الرجال وأثداء النساء، وينالون جوائز على هذا التمثيل من المنظمات السِّرْية مقابل كلِّ أذن أو رأس أو ثدي يحضرونه))([16]).
وفي النهاية كنت أَوَدُّ أنَّ أُكَلِّمُكَ عن ما يحدث للمسلمين على يد النَّصارى وغيرهم في العراق وأفغانستان والشيشان والصين وبلاد أُخرى كثيرة, ولكن هذا يؤدي بنا إلى التطويل وهو ما لا أريده.
وفي الختام أدعو الله عز وجل أن ينفع بتلك الكلمات هؤلاء المسلمين الذين لا يعرفون عن دينهم شيئاً ولا يعرفون ما الذي يدبِّره النَّصارى لهم. وأسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وسببًا للفوز بالرضى والقبول، وأن ينفع الله به المسلمين والمؤمنين، وأن يجمعنا مع نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة ويحشرنا تحت رايته بعد أن يحيينا على سنته ويمتنا على شرعته.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) هذه الوقعة كاملةً اختصرت من كتاب دولة الموحدين/ الفصل الثالث لعلي محمد محمد الصَّلابي.
([2]) المؤرخ محمد عبد الله عنان صاحب كتاب ديوان التحقيق والمحاكمات الكبرى, وكتاب عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس طُبِع في القاهرة 1964م.
([3]) يعني الشروط السابقة.
([4]) جاء في الموسوعة العربية العالمية عن محاكم التفتيش مايلي: محاكم التفتيش هيئات أنشأتها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية للقبض على من سموهم المهرطقين المارقين -لأشخاص المعارضون لتعاليم الكنيسة- ومحاكمتهم. أقيمت محاكم التفتيش في كثير من أجزاء أوروبا، ولكن محكمة التفتيش الأسبانية كانت هي الأكثر شهرة. وأشهرها تلك المحاكم التي أقامها فرديناند الخامس وزوجته إيزابيلا للتجسس على أهل الأندلس الذين فرضت عليهم النصرانية، وقد نَكَّلَتْ بالمسلمين بوحشية.
([5]) أسماء لبعض الأماكن في أسبانيا.
([6]) فرديناند وزوجته إيزابيلا.
([7]) يعني مَلِك النَّصارى.
([8]) يعني المسلمين الذين دخلوا في دين النَّصارى قهراً.
([9]) انتهى كلام المؤرخ الأسباني.
([10]) لعله يشير إلى حديث بُنِيَ الإسلام على خمسٍ.
([11]) وَضْعُ الأغصان الخضراء غير مشروع وكذلك الإستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره.
([12]) راجع دروس الشيخ على الشبكة العنكبوتية.
([13]) يعني يا ألف مليون مسلم.
([14]) هذا تكملةٌ لدرس الشيخ محمد حسان.
([15]) كان رئيساً للفلبين آنذاك.
([16]) راجع مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، العدد الثالث من السنة الخامسة محرم سنة 1393هـ / فبراير 1973م ص 105 وما بعدها.
الوجه الحقيقي للنصارى
الوجه الحقيقي للنصارى
إنَّ الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد فهذه أمثلة لبلاد كان للنصارى الكلمة العليا فيها على المسلمين فانظر ماذا فعلوا بهم لتكون منهم على حذر, ولكي لا تغتر بكلماتهم البراقة وتنسى ما تكنه صدورهم لك, ولتعرف حقيقتهم التي تخفى على كثير من السذج من المسلمين.
نمازجُ حقيقيةُ حكمَ فيها النَّصارى المسلمين
وقولُ الله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]
النَّموزجُ الأوَّل
المسلمون تحت حكم النَّصارى في الأندلس (أسبانيا)
في السطور التالية ترى أحوال دولةٍ مسلمةٍ وقعت تحت حكم النَّصارى فكان من شأنهم أنهم أعطوهم العهود والمواثيق ثم كان منهم ما سترى.
ولكن قبل ذلك لابد أن تعلم أنَّ هذا البلد هي الأندلس –أسبانيا الأن- وأنَّ الحاكم النصراني الذي حكمها هو الملك فرديناند وزوجته إيزابيلا وأنَّ هذه الأحداث وقعت منذ حوالي أربعة قرون, وإليك ما حدث:
الملك فرديناند نموزج لحاكم نصراني يحكم المسلمين([1])
أ- عهوده ومواثيقه التي أعطها للمسلمين عندما دخل بعض الإمارات الإسلامية في الأندلس:
تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وَرِباعِهِم وعقارهم.
إقامة شريعتهم على ماكانت، ولايُحْكم على أحد منهم إلا بشريعتهم وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كذلك، وأن لايدخل النَّصارى دار مسلم ولايغصبوا أحداً، ولا يتطلع على دور المسلمين، ولايدخل مسجداً, ولايُمْنَع مؤذن ولا مُصَلٍّ ولا صائم ولاغيره من أمور دينه.
يقول الاستاذ محمد عبد الله عنان ([2]): لقد ارتضاها([3]) المسلمون والشكُّ يساورهم في وفاء أعدائهم، ولما أَنْسَى فرديناندُ وإيزابيلا ريب المسلمين وتوجسَهم أعلنا في يوم 29 تشرين الثاني "نوفمبر" مع قَسَمٍ رسمي بالله أن جميع المسلمين سيكون لهم مطلق الحرية في العمل في أراضيهم، أو حيث شاؤوا، وأن يحتفظوا بشعائر دينهم ومساجدهم كما كانوا، وأن يسمح لمن شاء منهم بالهجرة إلى المغرب، ولكن سوف نرى أنَّ الأيمان والعهود لم تكن عند مَلَكي النَّصارى سوى سِتار للخيانة والغدر، وأنَّ هذه الشروط الخلابة نُقضِت جميعاً لأعوام قلائل من تسليم غرناطة، ولم يتردد المؤرخ الغربي بروسكوت نفسه أنَّ يصفها بأنها أفضل مادة لتقدير مدى الغدر الإسباني فيما تلا من العصور.
ومرت سنون، وخبا أثر مصرع الأندلس شيئا فشيئا في نفوس المسلمين، وأُسدل ستار من النسيان عليه، ولكن مأساة المسلمين المتنصرين "أو الموريسكين" لم تقف، وظهرت محاكم التفتيش التي هدفت إلى إبادة المسلمين في الأندلس .
لقد بدأت بمصرع غرناطة مرحلةٌ مؤلمة ومؤسفة لشعب مغلوب، وعدوٍّ خائن نقض شروط المعاهدة بنداً بنداً، فمنعوا المسلمين من النطق بالعربية في الأندلس، وفرضوا إجلاء العرب الموجودين فيها، وحُرِّقَ مَنْ بَقِيَ منهم، وزاد الكردينال "كمينسس" على ذلك، فأمر بجمع كل ما يستطاع جمعه من الكتب العربية ونظمت أكداساً في أكبر ساحات المدينة، وفيها علوم لا تقدر بثمن، بل هي خلاصة ما بقي من التفكير الإنساني وأحرقها.
ب- كيف نقضوا العهود, ومحاكم التفتيش([4]):
هدفت محاكم التفتيش إلى تنصير المسلمين بإشراف السلطات الكنسية وبأشدِّ وسائل العنف، ولم تكن العهود التي قطعت للمسلمين لتحول دون النزعة الصليبية التي أَسْبَغت على سياسة أسبانيا الغادرة ثوب الدين والورع ولما رفض المسلمون عقائد النَّصارى ودينهم المنحرف وامتنعوا عنه وكافحوه، اعتبرهم نصارى الاسبان ثوَّاراً وعملاء لجهات خارجية في المغرب والقاهرة والقسطنطينية، وبدأ القتل فيهم وجاهد المسلمون ببسالة في غرناطة والبيازين والبشرات([5])، فَمُزِّقوا بلا رأفة ولا شفقة ولا رحمة.
وفي تموز (يولية) 1501 أصدر الملكان الكاثوليكيان([6]) أمراً خلاصته: إنَّه لما كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة، فإنه يُحظر وجودُ المسلمين فيها، ويعاقب المخالفون بالموت أو مصادرة الأموال.
فهاجرت جموعُ المسلمين إلى المغرب ناجيةً بدينها، ومَن بَقِيَ من المسلمين أخفى إسلامه وأظهر تنصره، فبدأت محاكم التفتيش نشاطها الوحشي المروع، فعند التبليغ عن مسلم أنه يخفي إسلامه، يُزجُّ به في السجن وكانت السجون مظلمة عميقة رهيبة، تَغصُّ بالحشرات والجرذان، يقيد فيها المتهمون بالأغلال بعد مصادرة أموالهم لتدفع نفقات سجهنم, ومن أنواع التعذيب إملاء البطن بالماء حتى الاختناق ، وربط يدي المتهم وراء ظهره، وربطه بحبل فوق راحته وبطنه ورفعه وخفضه معلقاً، سواء بمفرده أو مع أثقال تربط معه، والأسياخ المحمية، وسحق العظام بآلات ضاغطة، تمزيق الأرجل وفسخ الفك.
ولا يوقف التعذيب إلا إذا رأى الطبيب حياة المتهم في خطر، ولكن التعذيب يستأنف متى عاد المتهم إلى رشده أو جفَّ دَمُه.
وقرار المحكمة لا يتمُّ إلَّا عند التنفيذ في ساحة البلدة، وهو إمَّا سجن مؤبد، أو مصادرة أموال وتهجير، أو إعدام حَرقاً وهو الحكم الغالب عند الأحبار الذين يشهدون مع الملكين الكاثوليكيين حفلات الإحراق.
ومما يذكر أنَّ هناك عذاباً اختص به النساء المسلمات وهو تعرية المرأة إلا ما يستر عورتها، وكانوا يضعون المرأة في مقبرة مهجورة ويجلسونها على قبر من القبور، ويضعون رأسها بين ركبتيها ويشدون وثاقها، وهي على هذه الحالة السيئة، ولا يمكنها الحراك، وكانوا يربطونها إلى القبر بسلاسل حديدية، ويرخون شعرها فيجللها وتظهر لمن يراها عن كثب كأنما هي جِنيَّة لا سيما إذا ما أرخى الليلُ سدوله، وتُترك المسكينة على هذه الحال إلى أن تُجِنَّ أو تموت جوعاً ورعباً.
لقد قام النَّصارى بإجبار المسلمين على الدخول في دينهم، وصارت الأندلس كلُّها نصرانية، ولم يبق فيها من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله إلَّا من يقولها في قلبه وفي خُفْية من الناس وجعلت النواقيس في صوامعها بعد الأذان، وفي مساجدها الصِّور والصُلبان، بعد ذكر الله وتلاوة القرآن، فكم فيها من عين باكية وقلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعذورين لم يقدروا على الهجرة واللحاق بإخوانهم المسلمين قلوبهم تشتعل ناراً، ودموعهم تسيل سيلاً غزيراً، وينظرون إلى أولادهم وبناتهم يعبدون الصُلبان، ويسجدون للأوثان، ويأكلون الخنزير والميتات، ويشربون الخمر التي هي أم الخبائث والمنكرات، فلا يقدرون على منعهم ولا على نهيهم
كانت تلك المحاكم والدواويين تلاحق المسلمين حتى تظفر بهم بأساليب بشعة تقشعر لها القلوب والأبدان, فإذا عُلم أنَّ رجلاً اغتسل يوم الجمعة يصدر في حقه حكماً بالموت، وإذا وجدوا رجلاً لابساً للزينة يوم العيد عرفوا أنه مسلم فيَصدر في حقه الإعدام.
لقد تابع النَّصارى الصليبيون المسلمين حتى إنهم كانوا يكشفون عورة من يشكّون أنه مسلم فإذا وجدوه مختوناً أو كان أحد عائلته كذلك فليعلم أنه الموت ونهايته هو وأسرته
وكان دستور محاكم التفتيش في ديوان التحقيق يجيز محاكمة الموتى والغائبين وتصدر الأحكام في حقهم وتوقع العقوبات عليهم كالأحياء, فتصادر أموالهم وتعمل لهم تماثيل تنفذ فيها عقوبة الحرق, أو تنبش قبورهم وتستخرج رفاتهم لتحرق في موكب "الأوتودافي" وكذلك يتعدَّى أثر الأحكام الصادرة بالإدانة من المحكوم عليه إلى أسرته وولده فيقضي بحرمانهم من تولي الوظائف العامة وإمتهان بعض المهن الخاصة.
وكان أعضاء محاكم التفتيش يتمتعون بحصانة خارقة وسلطان مطلق تنحني أمامه أية سلطة وتحمي أشخاصهم وتنفذ أوامرهم بكل وسيلة وكان من جراء هذه السلطة المطلقة أن ذاع في هذه المحاكم العسفُ وسوء استعمال السلطة والقبض على الأثرياء بل كثيراً ما وُجِدَ بين المحققين رجالٌ من طراز إجرامي لايتورعون عن ارتكاب الغصب والرشوة وكانت أحكام الغرامة والمصادرة أخصبَ مورد لاختلاس المحققين والمأمورين وعمال الديوان وقضاته, وكانت الخزينة الملكية ذاتها تغنم مئات الألوف من هذا المورد, هذا بينما يموت أصحاب الأموال الطائلة في السجن جوعاً.
وكان العرشُ([7]) يعلم بهذه الآثام المثيرة ولايستطيع دفعاً لها, ولأنه كان يرى فيها في الوقت نفسه أصلح أداة لتنفيذ سياسته في إبادة الموريسكيين الذين ظلوا دائماً موضع البغض والريب وأبت أسبانيا النصرانية بعد أن أرغمتهم على اعتناق دينها أن تضمهم إلى حظيرتها وأَبَتِ الكنيسة الإسبانية أنَّ تؤمن بإخلاصهم لدينهم الجديد ولبثت تتوجس من رجعتهم وحنانهم لدينهم القديم وترى فيهم دائماً منافقين مارقين.
وإليك مايقوله في ذلك مؤرخ إسباني كتب قريباً من ذلك العصر وأدرك الموريسكيين وعاش بينهم حيناً في غرناطة: "وكانوا يشعرون([8]) دائماً بالحرج من الدين الجديد فإذا ذهبوا إلى القداس في أيام الآحاد فذلك فقط من باب مراعاة العرف والنظام, وهم لم يقولوا الحقائق قط خلال الاعتراف وفي يوم الجمعة يحتجبون ويغتسلون ويقيمون الصلاة في منازلهم وفي أيام الآحاد يحتجبون ويعملون, وإذا عَمَّدوا أطفالهم عادوا فغسلوهم سراًّ بالماء الحار, ويسمون أولادهم بأسماء عربية وفي حفلات الزواج متى عادت العروس من الكنيسة بعد تلقي البركة تنزع ثيابها النصرانية وترتدي الثياب العربية ويقيمون حفلاتهم وفقاً للتقاليد العربية"([9]).
وقد وصلت إلى المؤرخين وثيقةٌ هامة تلقي ضوءاً أكبر على أحوال الموريسكيين في ظل التنصير وتعلقهم بدينهم القديم وكيف كانوا يتحيلون لمزاولة شعائرهم الإسلامية خفية ويلتمسون من جهة أخرى سائر الوسائل والأعذار الشرعية.
ج- القواعد النَّصرانية الإسبانية في معاملة من أُكْرِهوا على النصرانية:
لقد نقل إلى المؤرخين (الدون روني) مؤرخ ديوان التفتيش الإسباني وثيقةً من أغرب الوثائق القضائية تضمنت طائفة من القواعد والأصول التي رأى الديون المقدس أن يأخذ بها المسلمين المتنصرين في تهمة الكفر والمروق، وإليك ماورد في تلك الوثيقة الغريبة.
"يعتبر الموريسكي أو العربي المتنَصِّر قد عاد إلى الإسلام إذا امتدح دين محمد، أو قال إنَّ يسوع المسيح ليس إلهاً وليس إلا رسولاً, أو أن صفات العذراء أو اسمها لاتناسب أمَّه، ويجب على كل نصراني أن يبلغ عن ذلك, ويجب عليه أيضاً أن يبلغ عما إذا كان قد رأى أو سمع بأن أحداً من الموريسكيين يباشر بعض العادات الإسلامية, ومنها أن يأكل اللحم في يوم الجمعة وهو يعتقد أن ذلك مباح, وأن يحتفل يوم الجمعة بأن يرتدي ثياباً أنظف من ثيابه العادية, أو يستقبل المشرق قائلاً باسم الله، أو يوثق أرجل الماشية قبل ذبحها، أو يرفض أكل تلك التي لم تذبح، أو ذبحتها امرأة, أو يختن أولاده أو يسميهم بأسماء عربية، أو يعرب عن رغبته في اتباعه هذه العادة، أو يقول إنه يجب ألا يعتقد إلا بالله وبرسوله محمد، أو يُقْسِم بأيمان القرآن، أو يصوم رمضان ويتصدق خلاله، ولايأكل ولايشرب إلا عند الغروب، أو يتناول الطعام قبل الفجر (السحور) أو يمتنع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر, أو يقوم بالوضوء والصلاة بأن يوجه وجهه نحو الشرق ويركع ويسجد ويتلو سوراً من القرآن, أو أن يتزوج طبقاً لرسوم الشريعة الإسلامية أو ينشد الأغاني العربية, أو يقيم حفلات الرقص والموسيقى العربية, أو أن يستعمل النساءُ الخضابَ في أيديهن أو شعورهنّ، أو يتبع قواعد محمد الخمس([10])، أو يلمس بيديه على رءوس أولاده أو غيرهم تنفيذاً لهذه القواعد, أو يُغَسِّل الموتى ويكفنهم في أثواب جديدة أو يدفنهم في أرض بكر, أو يغطي قبورهم بالأغصان الخضراء أو أن يستغيث بمحمد وقت الحاجة([11]) مُنْعِتاً إياه بالنبي ورسول الله, أو يقول إنَّ الكعبة أول معابد الله أو يقول إنَّه لم يُنَصَّر إيماناً بالدين المقدس, أو أنَّ آباءه وأجداده قد غنموا رحمة الله لأنهم ماتوا مسلمين"...انتهى كلامه.
د- ماذا فعل القساوسة بالمسلمين في أسبانيا إبان محاكم التفتيش:
لقد استمرت محاكم التفيش قروناً عدة وعندما احتل نابليون أسبانيا بعد قيام الثورة الفرنسية أصدر مرسوماً سنة 1818م بإلغاء محاكم التفتيش في إسبانيا، ولكن رهبان "الجزويت" أصحاب المحاكم الملغاة استمروا في القتل والتعذيب، فشمل ذلك الجنود الفرنسيين، فأرسل المريشال "سولت" الحاكم العسكري الفرنسي لمدريد الكولونيل "ليمونكي" مع ألف جندي وأربعة مدافع، وهاجم دير الديوان، وبعد احتلال الدير وتفتيشه عنوة لم يعثروا على شيء فقرر الكولونيل "ليموتكي" فَحْصَ الأرض، وعند ذلك نظر الرهبان إلى بعضهم نظرات قلقة أمر الكولونيل جنده برفع الأَبْسِطَةِ، فرفعت، ثم أمر بأن يصبوا الماء بكثرة في أرض كلِّ غرفة على حدة, ففعلوا فإذا الماء يتسرب إلى أسفل في أحدى الغرف، فعرفوا أنَّ الباب من هنا يفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جوار رِجْلِ مكتب الرئيس, وفُتِحَ الباب بقحوف البنادق، واصفرت وجوه الرهبان وكستها غَبَرَةٌ, وظهر سُلَّمٌ يؤدي إلى باطن الأرض ونزل القائد الكولونيل وجنده, ويذكر هذا الإنسان في مذكراته مايلي:
فإذا نحن في غرفة كبيرة مربعة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، ربطت بها سلاسل، كانت الفرائس تقيد بها رهن المحاكمة وأمام ذلك العمود عرش "الدينونة" كما يسمونه، وهو عبارة عن "دكة" عالية يجلس عليها رئيس الديوان، وإلى جانبيه مقاعد أخرى أقل ارتفاعاً معدة لجلوس جماعة القضاة ثم توجهنا إلى غرف آلات التعذيب، وتمزيق الأجسام البشرية.
وقد امتدت تلك الغرف مسافات كبيرة تحت الأرض, وقد رأيت بها مايستفز نفسي، ويدعوني إلى التقزز ماحييت رأينا غرفاً صغيرة في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الأفقية مُمدًّا بها حتى يموت, وتبقى الجثة في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من الأجداث البالية تُفتح كُوَّة صغيرة إلى الخارج، وقد عثرنا على عدة هياكل بشرية مازالت في أغلالها سجينة.
والسجناء كانوا رجالاً ونساءً تختلف أعمارهم بين الرابعة عشرة والسبعين، واستطعنا فكاك بعض السجناء الأحياء وتحطيم أغلالهم، وهم على آخر رمق من الحياة، وكان فيهم من جُنَّ لكثرة مالاقى من عذاب، وكان السجناء عرايا زيادة في النكاية بهم، حتى اضطر جنودنا أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها لفيفاً من النساء السجينات.
وانتقلنا إلى غرف أخرى فرأينا هناك ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم وكانوا يبدؤن بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين، وذلك كله على سبيل التدريج حتى تأتي الآلة على البدن المهشم، فيخرج من الجانب الآخر كتلة واحدة.
وعثرنا على صندوق في حجم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه الرأس المُعَذَّب، بعد أن يربط صاحبه بالسلاسل في يديه ورجليه فلا يقوى على الحركة وتقطر على رأسه من ثقب في أعلى الصندوق نقط الماء البارد، فتقع على رأسه بانتظام في كل دقيقة نقطة, وقد جُنَّ الكثيرون من ذلك اللون من العذاب، قبل أن يحملوا به على الاعتراف، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت.
وعثرنا على آلة ثالثة للتعذيب تسمى السيدة الجميلة، وهي عبارة عن تابوت تنام فيه صورة فتاة جميلة مصنوعة على هيئة الإستعداد لعناق من ينام معها، وقد برزت من جوانبها عدة سكاكين حادة, وكانوا يطرحون الشاب المعذَّب فوق هذه الصورة, ثم يطبقون عليه باب التابوت بسكاكينه وخناجره، فإذا أُغْلِق مُزِّق الشاب وتقطَّع إرباً إرباً.
كما عثرنا على جملة آلات لسل اللسان، ولتمزيق أثداء النساء وسحبها من الصدور بواسطة كلاليب فظيعة، ومجالد من الحديد الشائك لضرب المُعَذَّبين وهم عرايا حتى يتناثر اللحم عن العظم.
ولما شاهد الناس بأعينهم وسائل التعذيب جُنَّ جنونهم وانطلقوا -كمن به مسٌّ- فأمسكوا برئيس الدير ووضعوه في آلة التكسير، فدُقَّتْ عظامُه دقًّا، وسحقتها سحقاً.
وأمسكوا أمين سرِّه، وزفُّوه إلى السيدة الجميلة، وأطبقوا عليهما الأبواب، فمزَّقته السكاكين شر ممزَّق، ثم أخرجوا الجثتين، وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك.
النَّموزجُ الثَّاني
المسلمون في البوسنة والهرسك تحت حكم النَّصارى؟
لعلك سمعت عن مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك, فلقد شاهد العالم أجمع ما فعله الصرب النَّصارى بالمسلمين هناك, وأنْ أُخبرك بما حدث كاملاً فإننا نحتاج من الوقت الكثير, ولكن دونك هذا المقتطفات من دروس الشيخ سلمان العودة أثناء أزمة البوسنة والهرسك وهو يحكي جانباً مما حدث هناك, وإليك كلمات الشيخ:
"لعل أول ما يخطر في البال هو ما يلاقيه المسلمون في جمهورية البوسنة والهرسك، فعدد الهاربين اللآجئين إلى دول العالم من هذه الجمهورية المسلمة يزيد على مليوني إنسان!! وعدد الشباب الذين حُشدوا وحُشِروا في معسكرات الاعتقال الصربية، أكثر من مائة ألف إنسان!! حشروا فيما يزيد على أربعين معسكراً، في أوضاع وظروف مأساوية لا يمكن تصورها، والكثيرون منهم هم عبارة عن هياكل عظمية ليس فيها إلا هذه الأنفاس التي تتردد، إمَّا بَقِيَّةٌ مِن حياةٍ وإلا فالموت منهم قاب قوسين أو أدني! هذا الحصار على البقية الباقية من أرض المسلمين هناك وإلاَّ فإن أعداء الإسلام قد سيطروا على نحو (70%) من الأرض الإسلامية، أمَّا (30%) فهي المنطقة التي تدور فيها حرب الشوارع، ويقتل فيها المسلمون في بيوتهم، أما الحديث عن الاعتداء على أعراض المسلمات بالقوة والاغتصاب من قبل جنود الصرب، فهو حديثُُ بشعٌ فظيعٌ فوق مستوى ما يتصوره إنسان.
أما الحديث عن الآلاف من الأطفال الذين منهم من قتل بصورة بَهِيمية بشعة، والكثيرون منهم وصلوا إلى البلاد الأوروبية، حيث يُنَصَّرُون هناك، ويكفي أن تعلم أن ألمانيا فقط استقبلت ما يزيد على مائتي ألف إنسان مسلم من تلك البلاد!! وحدِّث ولا حرج عن البلاد الأخرى وهى كثيرة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكرواتيا وصربيا وفي بلاد أخري كثيرة.
لم يكتف العدو بالحصار، ولم يكتف بحرب الشوارع، بل أصبحت الطائرات تقصف المدن الإسلامية بقسوة وضراوة، وأصبحت تستخدم حتى القنابل المحرمة دولياًّ كقنابل النابالم، والقنابل والأسلحة الكيماوية والجرثومية والعنقودية وغيرها، والعالم كله يتفرج, ويطمئن الصربُ لأنه لا يمكن أن يتدخل ولا يفكر في التدخل لأن البوسنة والهرسك ليست الكويت.
وأوروبا قالتها صريحة: نحن لا نريد دولة إسلامية أصولية في أوروبا، والرئيس بوش حذر رئيس البوسنة والهرسك (علِي عزت) من العرب والأصوليين، وقال: هذه خطوط حمراء يجب أن تقفوا دونها, فماذا يملك المسلمون؟! حتى الإغاثة تتم تحت سيطرة الأمم المتحدة، وهناك معلومات مؤكدة حتى في الصحف غير الإسلامية، تؤكد أنَّ مندوبي الأمم المتحدة سواءً من العسكريين، أو القائمين على أعمال الإغاثة، أنهم ينحازون دائماً إلى جانب الصرب، وهاهنا تقارير عدة في مجلة المجتمع، وفي مجلة روز اليوسف المصرية، وفي تقارير غربية كثيرة، تؤكد انحياز موظفي الأمم المتحدة إلى جانب الصرب، لأنهم في الغالب من النَّصارى، حتى في موضوع الإغاثات والمساعدات الإنسانية" انتهى كلام الشيخ سلمان العودة.
وهذه كلمة من كلمات الداعية الكبير الشيخ محمد حسان([12]) وهي بعنوان: الحقد الصربي في البوسنة والهرسك وكان ذلك أيضاً أثناء تلك الأزمة:
" أيها المسلمون! هل سمعتم بمجزرة إخوانكم في جمهورية البوسنة والهرسك الإسلامية؟! يا من تلذذتم بالفراش! يا من تلذذتم بالطعام! يا من تلذذتم بالشراب! يا من عافستم الأزواج والأولاد! يا من وضعتم بين أيديكم أصناف وألوان الطعام والشراب! هل سمعتم بما حدث لإخواننا وأخواتنا المسلمات في جمهورية إسلامية، في قلب جزيرة البلقان، في يوغوسلافيا، هل سمعتم ما حدث لإخوانكم المسلمين في جمهورية البسنة والهرسك؟! أيها المسلمون في كل مكان! أيها الغافلون النائمون! انتبهوا، استيقظوا، أفيقوا واطردوا النوم والغفلة عن عيونكم، وعن قلوبكم؛ لتعلموا أن الحروب الصليبية ما انتهت ولن تنتهي إلا إذا شاء الله، وإلا إذا عاد المسلمون إلى ربهم جل وعلا، وإلى إسلامهم، إلى مصدر عزهم، وإلى مصدر شرفهم.
هل سمعتم ماذا يفعله النَّصارى في يوغوسلافيا بإخواننا وأخواتنا في جمهورية البوسنة والهرسك المسلمة؟! والله إنَّ العين لتدمع، وإن القلب ليتمزق، وإنَّا لما يحدث لإخواننا على مرأى ومسمع من الدنيا لمحزونون! أين دعاة حقوق الإنسان؟! أين الذين ينتمون للديمقراطيات؟! أين الذين يرقصون على مسرح حرية الاعتقادات؟! خرست ألسنتهم! وماتت قلوبهم! حلال لهم حرام على الموحدين، حرام على المسلمين! على مرأى ومسمع من الدنيا، يُذْبح المسلمون ذَبْحَ الخراف وهم ينظرون!! فتعالوا بنا لعلَّ الأعينَ الجامدة أن تدمع، ولعل القلوب الميتة أن تحيا، وأن تستيقظ وأن تقوم من سباتها العميق، وأن تنفض عن كاهلها غبار الوسن والنوم الذي طال وطالت مدته، تعالوا بنا لنطير على جناح السرعة إلى إخواننا وأخواتنا, إلى المسلمة التي صرخت بأعلى صوتها: وا إسلاماه! وا معتصماه! تقول: يا مسلمون هُتِك عِرضي! وبُقرت بطني! ووضع قائد المليشيات النصراني الكافر نطفةً حية في بطنها! وسخر وضحك بأعلى صوته وهو يقول لها: هأنا أريد أن أرى هل ستنجبين ذكراً أم أنثى؟! على مرأى ومسمع من الدنيا، على مرأى ومسمع من المسلمين السُّذَّج! من المسلمين الذين فتحوا بلادهم للنصارى! وفتحوا قلوبهم للنصارى! وفتحوا بيوتهم للنصارى! ويأتي المسلمُ الغافل ليسألني ويقول لي: يا شيخ! إنَّ لي صاحباً نصرانياً، هل عليَّ إثم في زيارته؟! اسمعوا أيها الغافلون! ماذا يصنع النَّصارى بإخواننا الموحدين، إنَّ أخواتنا المسلمات ينادين ويقلن: واإسلاماه! واإسلاماه! وامعتصماه! ولكن: ما ثَمَّ معتصمٌ يُغيث من استغاث به وصاح! ذبحوا الصبي وأمَّهَ وفتاتها ذات الوشاح وعَدُوا على الأعراض في انتشاء وانشراح يا ألف مليون([13]) وأين همُ إذا دعت الجراح, ما ثَمَّ معتصم يغيث مَن استغاث به وصاح يا الله! قَلَّ الظَّهيرُ، وقَلَّ الْمُعِين، وانعدمت المروءة، وانعدمت الشهامة، وانعدمت النخوة، وضاع عهد الرجال وأتى عهد النساء، وأقبل عهد الحريم! فلتزلزلي يا أرض! ولتزمجري يا جبال! ولتزمجري يا سماء! مضى عهد الرجال وأتى عهد النساء، وذُبِح المسلمون تذبيح الفراخ، هُتكت أعراضُ نسائنا، هتكت أعراض أخواتنا، تصرخ عليك المسلمة وتقول: يا مسلم! يا أخي في الله! بُقرت بطني، وهُتك عرضي، وضاع شرفي ولكن أين الإسلام؟! وأين المسلمون؟! وأين المعتصم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون!
مجازر على مرأى ومسمع من العالم([14]):
وتمتد هذه المجزرة يا عباد الله! ففي الأسبوعين الماضيين حدثت مجزرة جماعية كبرى للمسلمين والمسلمات في جمهورية البوسنة والهرسك، على مرأى ومسمع ممن يتغنون بحقوق الإنسان وحقوق حرية الاعتقادات وغيرها! ما الذي حدث؟! وما الذي جرى؟! والنَّصارى في كل مكان يباركون هذه المجازر وهذه الدماء التي سفكت رخيصة لا قيمة لها، والمسلمون يفتحون بلادهم للنصارى ويفتحون قلوبهم للنصارى، ويفتحون أعمالهم للنصارى، والنَّصارى في كل بلاد المسلمين يأكلون ويشربون ويتنعمون! وتمت المجزرة بتوجه قائد الملشيات الصربية النصرانية الفاجر الكافر إلى قرية من قرى جمهورية البوسنة والهرسك، وأطلق عليها نيران مدفعيته الثقيلة فأبادها على رءوس أطفالها ورجالها ونسائها! وراح الجنود يمثلون بجثث المسلمين والمسلمات، ويسكبون على هذه الجثث الطاهرة زجاجات الخمر التي كانت بأيديهم، ويرسمون بالسكاكين الصلبان على أجسادهم الطاهرة! لماذا؟ لأن عقيدة الذبح عند النَّصارى الصرب يتعلمونها في المدارس وفي الكنائس، بل ويؤيد ذلك البرلمان الصربي! فقد أصدر البرلمان الصربي قراراً بأن ذَبْحَ المسلمين وذبح المسلمات إنما هو قربان إلى الله جلَّ وعلا." انتهى كلام الشيخ.
النَّموزجُ الثَّالثُ: قَسْوَةُ نصارى الفلبين وغِلْظَتُهم على المسلمين
أما ما حدث للمسلمين في الفلبين فهو لا يختلف كثيراً عن ما حدث في أسبانيا والبوسنة ودونك جانباً مما جرى هناك, وقد سقته إليك من مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة:
((فقد تآمر رئيس الفلبين النَّصراني ماركوس([15]) والرهبان والقسس في الفلبين بإمداد من اليهود في فلسطين، ومن النَّصارى في الدول الغربية على المسلمين وقرروا إبادتهم وأُنْشئت مُنظمةٌ نصرانية إرهابية أطلق عليها: (إيلاجا) أي جماعة الفئران على اعتبار أنها منظمة شعبية، والواقع أنَّ ماركوس هو الذي أمدَّها وأيَّدها بكل الوسائل، بل يقال: إنَّه هو الذي أنشأها، وقد ارتكبت هذه المنظمة من الفظائع ما يترفع عنه وحوش الغاب، فطردت المسلمين من ديارهم وأرضهم، وأحرقت بيوتهم ومساجدهم ومزارعهم ومصاحفهم، وقتلوا علماءهم وأئمتهم، وهتكوا أعراض نسائهم ومثلوا بشهدائهم، حيث يقطعون رءوس الأطفال وآذان الرجال وأثداء النساء، وينالون جوائز على هذا التمثيل من المنظمات السِّرْية مقابل كلِّ أذن أو رأس أو ثدي يحضرونه))([16]).
وفي النهاية كنت أَوَدُّ أنَّ أُكَلِّمُكَ عن ما يحدث للمسلمين على يد النَّصارى وغيرهم في العراق وأفغانستان والشيشان والصين وبلاد أُخرى كثيرة, ولكن هذا يؤدي بنا إلى التطويل وهو ما لا أريده.
وفي الختام أدعو الله عز وجل أن ينفع بتلك الكلمات هؤلاء المسلمين الذين لا يعرفون عن دينهم شيئاً ولا يعرفون ما الذي يدبِّره النَّصارى لهم. وأسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وسببًا للفوز بالرضى والقبول، وأن ينفع الله به المسلمين والمؤمنين، وأن يجمعنا مع نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة ويحشرنا تحت رايته بعد أن يحيينا على سنته ويمتنا على شرعته.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) هذه الوقعة كاملةً اختصرت من كتاب دولة الموحدين/ الفصل الثالث لعلي محمد محمد الصَّلابي.
([2]) المؤرخ محمد عبد الله عنان صاحب كتاب ديوان التحقيق والمحاكمات الكبرى, وكتاب عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس طُبِع في القاهرة 1964م.
([3]) يعني الشروط السابقة.
([4]) جاء في الموسوعة العربية العالمية عن محاكم التفتيش مايلي: محاكم التفتيش هيئات أنشأتها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية للقبض على من سموهم المهرطقين المارقين -لأشخاص المعارضون لتعاليم الكنيسة- ومحاكمتهم. أقيمت محاكم التفتيش في كثير من أجزاء أوروبا، ولكن محكمة التفتيش الأسبانية كانت هي الأكثر شهرة. وأشهرها تلك المحاكم التي أقامها فرديناند الخامس وزوجته إيزابيلا للتجسس على أهل الأندلس الذين فرضت عليهم النصرانية، وقد نَكَّلَتْ بالمسلمين بوحشية.
([5]) أسماء لبعض الأماكن في أسبانيا.
([6]) فرديناند وزوجته إيزابيلا.
([7]) يعني مَلِك النَّصارى.
([8]) يعني المسلمين الذين دخلوا في دين النَّصارى قهراً.
([9]) انتهى كلام المؤرخ الأسباني.
([10]) لعله يشير إلى حديث بُنِيَ الإسلام على خمسٍ.
([11]) وَضْعُ الأغصان الخضراء غير مشروع وكذلك الإستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره.
([12]) راجع دروس الشيخ على الشبكة العنكبوتية.
([13]) يعني يا ألف مليون مسلم.
([14]) هذا تكملةٌ لدرس الشيخ محمد حسان.
([15]) كان رئيساً للفلبين آنذاك.
([16]) راجع مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، العدد الثالث من السنة الخامسة محرم سنة 1393هـ / فبراير 1973م ص 105 وما بعدها.
إنَّ الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد فهذه أمثلة لبلاد كان للنصارى الكلمة العليا فيها على المسلمين فانظر ماذا فعلوا بهم لتكون منهم على حذر, ولكي لا تغتر بكلماتهم البراقة وتنسى ما تكنه صدورهم لك, ولتعرف حقيقتهم التي تخفى على كثير من السذج من المسلمين.
نمازجُ حقيقيةُ حكمَ فيها النَّصارى المسلمين
وقولُ الله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]
النَّموزجُ الأوَّل
المسلمون تحت حكم النَّصارى في الأندلس (أسبانيا)
في السطور التالية ترى أحوال دولةٍ مسلمةٍ وقعت تحت حكم النَّصارى فكان من شأنهم أنهم أعطوهم العهود والمواثيق ثم كان منهم ما سترى.
ولكن قبل ذلك لابد أن تعلم أنَّ هذا البلد هي الأندلس –أسبانيا الأن- وأنَّ الحاكم النصراني الذي حكمها هو الملك فرديناند وزوجته إيزابيلا وأنَّ هذه الأحداث وقعت منذ حوالي أربعة قرون, وإليك ما حدث:
الملك فرديناند نموزج لحاكم نصراني يحكم المسلمين([1])
أ- عهوده ومواثيقه التي أعطها للمسلمين عندما دخل بعض الإمارات الإسلامية في الأندلس:
تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وَرِباعِهِم وعقارهم.
إقامة شريعتهم على ماكانت، ولايُحْكم على أحد منهم إلا بشريعتهم وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كذلك، وأن لايدخل النَّصارى دار مسلم ولايغصبوا أحداً، ولا يتطلع على دور المسلمين، ولايدخل مسجداً, ولايُمْنَع مؤذن ولا مُصَلٍّ ولا صائم ولاغيره من أمور دينه.
يقول الاستاذ محمد عبد الله عنان ([2]): لقد ارتضاها([3]) المسلمون والشكُّ يساورهم في وفاء أعدائهم، ولما أَنْسَى فرديناندُ وإيزابيلا ريب المسلمين وتوجسَهم أعلنا في يوم 29 تشرين الثاني "نوفمبر" مع قَسَمٍ رسمي بالله أن جميع المسلمين سيكون لهم مطلق الحرية في العمل في أراضيهم، أو حيث شاؤوا، وأن يحتفظوا بشعائر دينهم ومساجدهم كما كانوا، وأن يسمح لمن شاء منهم بالهجرة إلى المغرب، ولكن سوف نرى أنَّ الأيمان والعهود لم تكن عند مَلَكي النَّصارى سوى سِتار للخيانة والغدر، وأنَّ هذه الشروط الخلابة نُقضِت جميعاً لأعوام قلائل من تسليم غرناطة، ولم يتردد المؤرخ الغربي بروسكوت نفسه أنَّ يصفها بأنها أفضل مادة لتقدير مدى الغدر الإسباني فيما تلا من العصور.
ومرت سنون، وخبا أثر مصرع الأندلس شيئا فشيئا في نفوس المسلمين، وأُسدل ستار من النسيان عليه، ولكن مأساة المسلمين المتنصرين "أو الموريسكين" لم تقف، وظهرت محاكم التفتيش التي هدفت إلى إبادة المسلمين في الأندلس .
لقد بدأت بمصرع غرناطة مرحلةٌ مؤلمة ومؤسفة لشعب مغلوب، وعدوٍّ خائن نقض شروط المعاهدة بنداً بنداً، فمنعوا المسلمين من النطق بالعربية في الأندلس، وفرضوا إجلاء العرب الموجودين فيها، وحُرِّقَ مَنْ بَقِيَ منهم، وزاد الكردينال "كمينسس" على ذلك، فأمر بجمع كل ما يستطاع جمعه من الكتب العربية ونظمت أكداساً في أكبر ساحات المدينة، وفيها علوم لا تقدر بثمن، بل هي خلاصة ما بقي من التفكير الإنساني وأحرقها.
ب- كيف نقضوا العهود, ومحاكم التفتيش([4]):
هدفت محاكم التفتيش إلى تنصير المسلمين بإشراف السلطات الكنسية وبأشدِّ وسائل العنف، ولم تكن العهود التي قطعت للمسلمين لتحول دون النزعة الصليبية التي أَسْبَغت على سياسة أسبانيا الغادرة ثوب الدين والورع ولما رفض المسلمون عقائد النَّصارى ودينهم المنحرف وامتنعوا عنه وكافحوه، اعتبرهم نصارى الاسبان ثوَّاراً وعملاء لجهات خارجية في المغرب والقاهرة والقسطنطينية، وبدأ القتل فيهم وجاهد المسلمون ببسالة في غرناطة والبيازين والبشرات([5])، فَمُزِّقوا بلا رأفة ولا شفقة ولا رحمة.
وفي تموز (يولية) 1501 أصدر الملكان الكاثوليكيان([6]) أمراً خلاصته: إنَّه لما كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة، فإنه يُحظر وجودُ المسلمين فيها، ويعاقب المخالفون بالموت أو مصادرة الأموال.
فهاجرت جموعُ المسلمين إلى المغرب ناجيةً بدينها، ومَن بَقِيَ من المسلمين أخفى إسلامه وأظهر تنصره، فبدأت محاكم التفتيش نشاطها الوحشي المروع، فعند التبليغ عن مسلم أنه يخفي إسلامه، يُزجُّ به في السجن وكانت السجون مظلمة عميقة رهيبة، تَغصُّ بالحشرات والجرذان، يقيد فيها المتهمون بالأغلال بعد مصادرة أموالهم لتدفع نفقات سجهنم, ومن أنواع التعذيب إملاء البطن بالماء حتى الاختناق ، وربط يدي المتهم وراء ظهره، وربطه بحبل فوق راحته وبطنه ورفعه وخفضه معلقاً، سواء بمفرده أو مع أثقال تربط معه، والأسياخ المحمية، وسحق العظام بآلات ضاغطة، تمزيق الأرجل وفسخ الفك.
ولا يوقف التعذيب إلا إذا رأى الطبيب حياة المتهم في خطر، ولكن التعذيب يستأنف متى عاد المتهم إلى رشده أو جفَّ دَمُه.
وقرار المحكمة لا يتمُّ إلَّا عند التنفيذ في ساحة البلدة، وهو إمَّا سجن مؤبد، أو مصادرة أموال وتهجير، أو إعدام حَرقاً وهو الحكم الغالب عند الأحبار الذين يشهدون مع الملكين الكاثوليكيين حفلات الإحراق.
ومما يذكر أنَّ هناك عذاباً اختص به النساء المسلمات وهو تعرية المرأة إلا ما يستر عورتها، وكانوا يضعون المرأة في مقبرة مهجورة ويجلسونها على قبر من القبور، ويضعون رأسها بين ركبتيها ويشدون وثاقها، وهي على هذه الحالة السيئة، ولا يمكنها الحراك، وكانوا يربطونها إلى القبر بسلاسل حديدية، ويرخون شعرها فيجللها وتظهر لمن يراها عن كثب كأنما هي جِنيَّة لا سيما إذا ما أرخى الليلُ سدوله، وتُترك المسكينة على هذه الحال إلى أن تُجِنَّ أو تموت جوعاً ورعباً.
لقد قام النَّصارى بإجبار المسلمين على الدخول في دينهم، وصارت الأندلس كلُّها نصرانية، ولم يبق فيها من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله إلَّا من يقولها في قلبه وفي خُفْية من الناس وجعلت النواقيس في صوامعها بعد الأذان، وفي مساجدها الصِّور والصُلبان، بعد ذكر الله وتلاوة القرآن، فكم فيها من عين باكية وقلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعذورين لم يقدروا على الهجرة واللحاق بإخوانهم المسلمين قلوبهم تشتعل ناراً، ودموعهم تسيل سيلاً غزيراً، وينظرون إلى أولادهم وبناتهم يعبدون الصُلبان، ويسجدون للأوثان، ويأكلون الخنزير والميتات، ويشربون الخمر التي هي أم الخبائث والمنكرات، فلا يقدرون على منعهم ولا على نهيهم
كانت تلك المحاكم والدواويين تلاحق المسلمين حتى تظفر بهم بأساليب بشعة تقشعر لها القلوب والأبدان, فإذا عُلم أنَّ رجلاً اغتسل يوم الجمعة يصدر في حقه حكماً بالموت، وإذا وجدوا رجلاً لابساً للزينة يوم العيد عرفوا أنه مسلم فيَصدر في حقه الإعدام.
لقد تابع النَّصارى الصليبيون المسلمين حتى إنهم كانوا يكشفون عورة من يشكّون أنه مسلم فإذا وجدوه مختوناً أو كان أحد عائلته كذلك فليعلم أنه الموت ونهايته هو وأسرته
وكان دستور محاكم التفتيش في ديوان التحقيق يجيز محاكمة الموتى والغائبين وتصدر الأحكام في حقهم وتوقع العقوبات عليهم كالأحياء, فتصادر أموالهم وتعمل لهم تماثيل تنفذ فيها عقوبة الحرق, أو تنبش قبورهم وتستخرج رفاتهم لتحرق في موكب "الأوتودافي" وكذلك يتعدَّى أثر الأحكام الصادرة بالإدانة من المحكوم عليه إلى أسرته وولده فيقضي بحرمانهم من تولي الوظائف العامة وإمتهان بعض المهن الخاصة.
وكان أعضاء محاكم التفتيش يتمتعون بحصانة خارقة وسلطان مطلق تنحني أمامه أية سلطة وتحمي أشخاصهم وتنفذ أوامرهم بكل وسيلة وكان من جراء هذه السلطة المطلقة أن ذاع في هذه المحاكم العسفُ وسوء استعمال السلطة والقبض على الأثرياء بل كثيراً ما وُجِدَ بين المحققين رجالٌ من طراز إجرامي لايتورعون عن ارتكاب الغصب والرشوة وكانت أحكام الغرامة والمصادرة أخصبَ مورد لاختلاس المحققين والمأمورين وعمال الديوان وقضاته, وكانت الخزينة الملكية ذاتها تغنم مئات الألوف من هذا المورد, هذا بينما يموت أصحاب الأموال الطائلة في السجن جوعاً.
وكان العرشُ([7]) يعلم بهذه الآثام المثيرة ولايستطيع دفعاً لها, ولأنه كان يرى فيها في الوقت نفسه أصلح أداة لتنفيذ سياسته في إبادة الموريسكيين الذين ظلوا دائماً موضع البغض والريب وأبت أسبانيا النصرانية بعد أن أرغمتهم على اعتناق دينها أن تضمهم إلى حظيرتها وأَبَتِ الكنيسة الإسبانية أنَّ تؤمن بإخلاصهم لدينهم الجديد ولبثت تتوجس من رجعتهم وحنانهم لدينهم القديم وترى فيهم دائماً منافقين مارقين.
وإليك مايقوله في ذلك مؤرخ إسباني كتب قريباً من ذلك العصر وأدرك الموريسكيين وعاش بينهم حيناً في غرناطة: "وكانوا يشعرون([8]) دائماً بالحرج من الدين الجديد فإذا ذهبوا إلى القداس في أيام الآحاد فذلك فقط من باب مراعاة العرف والنظام, وهم لم يقولوا الحقائق قط خلال الاعتراف وفي يوم الجمعة يحتجبون ويغتسلون ويقيمون الصلاة في منازلهم وفي أيام الآحاد يحتجبون ويعملون, وإذا عَمَّدوا أطفالهم عادوا فغسلوهم سراًّ بالماء الحار, ويسمون أولادهم بأسماء عربية وفي حفلات الزواج متى عادت العروس من الكنيسة بعد تلقي البركة تنزع ثيابها النصرانية وترتدي الثياب العربية ويقيمون حفلاتهم وفقاً للتقاليد العربية"([9]).
وقد وصلت إلى المؤرخين وثيقةٌ هامة تلقي ضوءاً أكبر على أحوال الموريسكيين في ظل التنصير وتعلقهم بدينهم القديم وكيف كانوا يتحيلون لمزاولة شعائرهم الإسلامية خفية ويلتمسون من جهة أخرى سائر الوسائل والأعذار الشرعية.
ج- القواعد النَّصرانية الإسبانية في معاملة من أُكْرِهوا على النصرانية:
لقد نقل إلى المؤرخين (الدون روني) مؤرخ ديوان التفتيش الإسباني وثيقةً من أغرب الوثائق القضائية تضمنت طائفة من القواعد والأصول التي رأى الديون المقدس أن يأخذ بها المسلمين المتنصرين في تهمة الكفر والمروق، وإليك ماورد في تلك الوثيقة الغريبة.
"يعتبر الموريسكي أو العربي المتنَصِّر قد عاد إلى الإسلام إذا امتدح دين محمد، أو قال إنَّ يسوع المسيح ليس إلهاً وليس إلا رسولاً, أو أن صفات العذراء أو اسمها لاتناسب أمَّه، ويجب على كل نصراني أن يبلغ عن ذلك, ويجب عليه أيضاً أن يبلغ عما إذا كان قد رأى أو سمع بأن أحداً من الموريسكيين يباشر بعض العادات الإسلامية, ومنها أن يأكل اللحم في يوم الجمعة وهو يعتقد أن ذلك مباح, وأن يحتفل يوم الجمعة بأن يرتدي ثياباً أنظف من ثيابه العادية, أو يستقبل المشرق قائلاً باسم الله، أو يوثق أرجل الماشية قبل ذبحها، أو يرفض أكل تلك التي لم تذبح، أو ذبحتها امرأة, أو يختن أولاده أو يسميهم بأسماء عربية، أو يعرب عن رغبته في اتباعه هذه العادة، أو يقول إنه يجب ألا يعتقد إلا بالله وبرسوله محمد، أو يُقْسِم بأيمان القرآن، أو يصوم رمضان ويتصدق خلاله، ولايأكل ولايشرب إلا عند الغروب، أو يتناول الطعام قبل الفجر (السحور) أو يمتنع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر, أو يقوم بالوضوء والصلاة بأن يوجه وجهه نحو الشرق ويركع ويسجد ويتلو سوراً من القرآن, أو أن يتزوج طبقاً لرسوم الشريعة الإسلامية أو ينشد الأغاني العربية, أو يقيم حفلات الرقص والموسيقى العربية, أو أن يستعمل النساءُ الخضابَ في أيديهن أو شعورهنّ، أو يتبع قواعد محمد الخمس([10])، أو يلمس بيديه على رءوس أولاده أو غيرهم تنفيذاً لهذه القواعد, أو يُغَسِّل الموتى ويكفنهم في أثواب جديدة أو يدفنهم في أرض بكر, أو يغطي قبورهم بالأغصان الخضراء أو أن يستغيث بمحمد وقت الحاجة([11]) مُنْعِتاً إياه بالنبي ورسول الله, أو يقول إنَّ الكعبة أول معابد الله أو يقول إنَّه لم يُنَصَّر إيماناً بالدين المقدس, أو أنَّ آباءه وأجداده قد غنموا رحمة الله لأنهم ماتوا مسلمين"...انتهى كلامه.
د- ماذا فعل القساوسة بالمسلمين في أسبانيا إبان محاكم التفتيش:
لقد استمرت محاكم التفيش قروناً عدة وعندما احتل نابليون أسبانيا بعد قيام الثورة الفرنسية أصدر مرسوماً سنة 1818م بإلغاء محاكم التفتيش في إسبانيا، ولكن رهبان "الجزويت" أصحاب المحاكم الملغاة استمروا في القتل والتعذيب، فشمل ذلك الجنود الفرنسيين، فأرسل المريشال "سولت" الحاكم العسكري الفرنسي لمدريد الكولونيل "ليمونكي" مع ألف جندي وأربعة مدافع، وهاجم دير الديوان، وبعد احتلال الدير وتفتيشه عنوة لم يعثروا على شيء فقرر الكولونيل "ليموتكي" فَحْصَ الأرض، وعند ذلك نظر الرهبان إلى بعضهم نظرات قلقة أمر الكولونيل جنده برفع الأَبْسِطَةِ، فرفعت، ثم أمر بأن يصبوا الماء بكثرة في أرض كلِّ غرفة على حدة, ففعلوا فإذا الماء يتسرب إلى أسفل في أحدى الغرف، فعرفوا أنَّ الباب من هنا يفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جوار رِجْلِ مكتب الرئيس, وفُتِحَ الباب بقحوف البنادق، واصفرت وجوه الرهبان وكستها غَبَرَةٌ, وظهر سُلَّمٌ يؤدي إلى باطن الأرض ونزل القائد الكولونيل وجنده, ويذكر هذا الإنسان في مذكراته مايلي:
فإذا نحن في غرفة كبيرة مربعة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، ربطت بها سلاسل، كانت الفرائس تقيد بها رهن المحاكمة وأمام ذلك العمود عرش "الدينونة" كما يسمونه، وهو عبارة عن "دكة" عالية يجلس عليها رئيس الديوان، وإلى جانبيه مقاعد أخرى أقل ارتفاعاً معدة لجلوس جماعة القضاة ثم توجهنا إلى غرف آلات التعذيب، وتمزيق الأجسام البشرية.
وقد امتدت تلك الغرف مسافات كبيرة تحت الأرض, وقد رأيت بها مايستفز نفسي، ويدعوني إلى التقزز ماحييت رأينا غرفاً صغيرة في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الأفقية مُمدًّا بها حتى يموت, وتبقى الجثة في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من الأجداث البالية تُفتح كُوَّة صغيرة إلى الخارج، وقد عثرنا على عدة هياكل بشرية مازالت في أغلالها سجينة.
والسجناء كانوا رجالاً ونساءً تختلف أعمارهم بين الرابعة عشرة والسبعين، واستطعنا فكاك بعض السجناء الأحياء وتحطيم أغلالهم، وهم على آخر رمق من الحياة، وكان فيهم من جُنَّ لكثرة مالاقى من عذاب، وكان السجناء عرايا زيادة في النكاية بهم، حتى اضطر جنودنا أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها لفيفاً من النساء السجينات.
وانتقلنا إلى غرف أخرى فرأينا هناك ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم وكانوا يبدؤن بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين، وذلك كله على سبيل التدريج حتى تأتي الآلة على البدن المهشم، فيخرج من الجانب الآخر كتلة واحدة.
وعثرنا على صندوق في حجم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه الرأس المُعَذَّب، بعد أن يربط صاحبه بالسلاسل في يديه ورجليه فلا يقوى على الحركة وتقطر على رأسه من ثقب في أعلى الصندوق نقط الماء البارد، فتقع على رأسه بانتظام في كل دقيقة نقطة, وقد جُنَّ الكثيرون من ذلك اللون من العذاب، قبل أن يحملوا به على الاعتراف، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت.
وعثرنا على آلة ثالثة للتعذيب تسمى السيدة الجميلة، وهي عبارة عن تابوت تنام فيه صورة فتاة جميلة مصنوعة على هيئة الإستعداد لعناق من ينام معها، وقد برزت من جوانبها عدة سكاكين حادة, وكانوا يطرحون الشاب المعذَّب فوق هذه الصورة, ثم يطبقون عليه باب التابوت بسكاكينه وخناجره، فإذا أُغْلِق مُزِّق الشاب وتقطَّع إرباً إرباً.
كما عثرنا على جملة آلات لسل اللسان، ولتمزيق أثداء النساء وسحبها من الصدور بواسطة كلاليب فظيعة، ومجالد من الحديد الشائك لضرب المُعَذَّبين وهم عرايا حتى يتناثر اللحم عن العظم.
ولما شاهد الناس بأعينهم وسائل التعذيب جُنَّ جنونهم وانطلقوا -كمن به مسٌّ- فأمسكوا برئيس الدير ووضعوه في آلة التكسير، فدُقَّتْ عظامُه دقًّا، وسحقتها سحقاً.
وأمسكوا أمين سرِّه، وزفُّوه إلى السيدة الجميلة، وأطبقوا عليهما الأبواب، فمزَّقته السكاكين شر ممزَّق، ثم أخرجوا الجثتين، وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك.
النَّموزجُ الثَّاني
المسلمون في البوسنة والهرسك تحت حكم النَّصارى؟
لعلك سمعت عن مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك, فلقد شاهد العالم أجمع ما فعله الصرب النَّصارى بالمسلمين هناك, وأنْ أُخبرك بما حدث كاملاً فإننا نحتاج من الوقت الكثير, ولكن دونك هذا المقتطفات من دروس الشيخ سلمان العودة أثناء أزمة البوسنة والهرسك وهو يحكي جانباً مما حدث هناك, وإليك كلمات الشيخ:
"لعل أول ما يخطر في البال هو ما يلاقيه المسلمون في جمهورية البوسنة والهرسك، فعدد الهاربين اللآجئين إلى دول العالم من هذه الجمهورية المسلمة يزيد على مليوني إنسان!! وعدد الشباب الذين حُشدوا وحُشِروا في معسكرات الاعتقال الصربية، أكثر من مائة ألف إنسان!! حشروا فيما يزيد على أربعين معسكراً، في أوضاع وظروف مأساوية لا يمكن تصورها، والكثيرون منهم هم عبارة عن هياكل عظمية ليس فيها إلا هذه الأنفاس التي تتردد، إمَّا بَقِيَّةٌ مِن حياةٍ وإلا فالموت منهم قاب قوسين أو أدني! هذا الحصار على البقية الباقية من أرض المسلمين هناك وإلاَّ فإن أعداء الإسلام قد سيطروا على نحو (70%) من الأرض الإسلامية، أمَّا (30%) فهي المنطقة التي تدور فيها حرب الشوارع، ويقتل فيها المسلمون في بيوتهم، أما الحديث عن الاعتداء على أعراض المسلمات بالقوة والاغتصاب من قبل جنود الصرب، فهو حديثُُ بشعٌ فظيعٌ فوق مستوى ما يتصوره إنسان.
أما الحديث عن الآلاف من الأطفال الذين منهم من قتل بصورة بَهِيمية بشعة، والكثيرون منهم وصلوا إلى البلاد الأوروبية، حيث يُنَصَّرُون هناك، ويكفي أن تعلم أن ألمانيا فقط استقبلت ما يزيد على مائتي ألف إنسان مسلم من تلك البلاد!! وحدِّث ولا حرج عن البلاد الأخرى وهى كثيرة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكرواتيا وصربيا وفي بلاد أخري كثيرة.
لم يكتف العدو بالحصار، ولم يكتف بحرب الشوارع، بل أصبحت الطائرات تقصف المدن الإسلامية بقسوة وضراوة، وأصبحت تستخدم حتى القنابل المحرمة دولياًّ كقنابل النابالم، والقنابل والأسلحة الكيماوية والجرثومية والعنقودية وغيرها، والعالم كله يتفرج, ويطمئن الصربُ لأنه لا يمكن أن يتدخل ولا يفكر في التدخل لأن البوسنة والهرسك ليست الكويت.
وأوروبا قالتها صريحة: نحن لا نريد دولة إسلامية أصولية في أوروبا، والرئيس بوش حذر رئيس البوسنة والهرسك (علِي عزت) من العرب والأصوليين، وقال: هذه خطوط حمراء يجب أن تقفوا دونها, فماذا يملك المسلمون؟! حتى الإغاثة تتم تحت سيطرة الأمم المتحدة، وهناك معلومات مؤكدة حتى في الصحف غير الإسلامية، تؤكد أنَّ مندوبي الأمم المتحدة سواءً من العسكريين، أو القائمين على أعمال الإغاثة، أنهم ينحازون دائماً إلى جانب الصرب، وهاهنا تقارير عدة في مجلة المجتمع، وفي مجلة روز اليوسف المصرية، وفي تقارير غربية كثيرة، تؤكد انحياز موظفي الأمم المتحدة إلى جانب الصرب، لأنهم في الغالب من النَّصارى، حتى في موضوع الإغاثات والمساعدات الإنسانية" انتهى كلام الشيخ سلمان العودة.
وهذه كلمة من كلمات الداعية الكبير الشيخ محمد حسان([12]) وهي بعنوان: الحقد الصربي في البوسنة والهرسك وكان ذلك أيضاً أثناء تلك الأزمة:
" أيها المسلمون! هل سمعتم بمجزرة إخوانكم في جمهورية البوسنة والهرسك الإسلامية؟! يا من تلذذتم بالفراش! يا من تلذذتم بالطعام! يا من تلذذتم بالشراب! يا من عافستم الأزواج والأولاد! يا من وضعتم بين أيديكم أصناف وألوان الطعام والشراب! هل سمعتم بما حدث لإخواننا وأخواتنا المسلمات في جمهورية إسلامية، في قلب جزيرة البلقان، في يوغوسلافيا، هل سمعتم ما حدث لإخوانكم المسلمين في جمهورية البسنة والهرسك؟! أيها المسلمون في كل مكان! أيها الغافلون النائمون! انتبهوا، استيقظوا، أفيقوا واطردوا النوم والغفلة عن عيونكم، وعن قلوبكم؛ لتعلموا أن الحروب الصليبية ما انتهت ولن تنتهي إلا إذا شاء الله، وإلا إذا عاد المسلمون إلى ربهم جل وعلا، وإلى إسلامهم، إلى مصدر عزهم، وإلى مصدر شرفهم.
هل سمعتم ماذا يفعله النَّصارى في يوغوسلافيا بإخواننا وأخواتنا في جمهورية البوسنة والهرسك المسلمة؟! والله إنَّ العين لتدمع، وإن القلب ليتمزق، وإنَّا لما يحدث لإخواننا على مرأى ومسمع من الدنيا لمحزونون! أين دعاة حقوق الإنسان؟! أين الذين ينتمون للديمقراطيات؟! أين الذين يرقصون على مسرح حرية الاعتقادات؟! خرست ألسنتهم! وماتت قلوبهم! حلال لهم حرام على الموحدين، حرام على المسلمين! على مرأى ومسمع من الدنيا، يُذْبح المسلمون ذَبْحَ الخراف وهم ينظرون!! فتعالوا بنا لعلَّ الأعينَ الجامدة أن تدمع، ولعل القلوب الميتة أن تحيا، وأن تستيقظ وأن تقوم من سباتها العميق، وأن تنفض عن كاهلها غبار الوسن والنوم الذي طال وطالت مدته، تعالوا بنا لنطير على جناح السرعة إلى إخواننا وأخواتنا, إلى المسلمة التي صرخت بأعلى صوتها: وا إسلاماه! وا معتصماه! تقول: يا مسلمون هُتِك عِرضي! وبُقرت بطني! ووضع قائد المليشيات النصراني الكافر نطفةً حية في بطنها! وسخر وضحك بأعلى صوته وهو يقول لها: هأنا أريد أن أرى هل ستنجبين ذكراً أم أنثى؟! على مرأى ومسمع من الدنيا، على مرأى ومسمع من المسلمين السُّذَّج! من المسلمين الذين فتحوا بلادهم للنصارى! وفتحوا قلوبهم للنصارى! وفتحوا بيوتهم للنصارى! ويأتي المسلمُ الغافل ليسألني ويقول لي: يا شيخ! إنَّ لي صاحباً نصرانياً، هل عليَّ إثم في زيارته؟! اسمعوا أيها الغافلون! ماذا يصنع النَّصارى بإخواننا الموحدين، إنَّ أخواتنا المسلمات ينادين ويقلن: واإسلاماه! واإسلاماه! وامعتصماه! ولكن: ما ثَمَّ معتصمٌ يُغيث من استغاث به وصاح! ذبحوا الصبي وأمَّهَ وفتاتها ذات الوشاح وعَدُوا على الأعراض في انتشاء وانشراح يا ألف مليون([13]) وأين همُ إذا دعت الجراح, ما ثَمَّ معتصم يغيث مَن استغاث به وصاح يا الله! قَلَّ الظَّهيرُ، وقَلَّ الْمُعِين، وانعدمت المروءة، وانعدمت الشهامة، وانعدمت النخوة، وضاع عهد الرجال وأتى عهد النساء، وأقبل عهد الحريم! فلتزلزلي يا أرض! ولتزمجري يا جبال! ولتزمجري يا سماء! مضى عهد الرجال وأتى عهد النساء، وذُبِح المسلمون تذبيح الفراخ، هُتكت أعراضُ نسائنا، هتكت أعراض أخواتنا، تصرخ عليك المسلمة وتقول: يا مسلم! يا أخي في الله! بُقرت بطني، وهُتك عرضي، وضاع شرفي ولكن أين الإسلام؟! وأين المسلمون؟! وأين المعتصم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون!
مجازر على مرأى ومسمع من العالم([14]):
وتمتد هذه المجزرة يا عباد الله! ففي الأسبوعين الماضيين حدثت مجزرة جماعية كبرى للمسلمين والمسلمات في جمهورية البوسنة والهرسك، على مرأى ومسمع ممن يتغنون بحقوق الإنسان وحقوق حرية الاعتقادات وغيرها! ما الذي حدث؟! وما الذي جرى؟! والنَّصارى في كل مكان يباركون هذه المجازر وهذه الدماء التي سفكت رخيصة لا قيمة لها، والمسلمون يفتحون بلادهم للنصارى ويفتحون قلوبهم للنصارى، ويفتحون أعمالهم للنصارى، والنَّصارى في كل بلاد المسلمين يأكلون ويشربون ويتنعمون! وتمت المجزرة بتوجه قائد الملشيات الصربية النصرانية الفاجر الكافر إلى قرية من قرى جمهورية البوسنة والهرسك، وأطلق عليها نيران مدفعيته الثقيلة فأبادها على رءوس أطفالها ورجالها ونسائها! وراح الجنود يمثلون بجثث المسلمين والمسلمات، ويسكبون على هذه الجثث الطاهرة زجاجات الخمر التي كانت بأيديهم، ويرسمون بالسكاكين الصلبان على أجسادهم الطاهرة! لماذا؟ لأن عقيدة الذبح عند النَّصارى الصرب يتعلمونها في المدارس وفي الكنائس، بل ويؤيد ذلك البرلمان الصربي! فقد أصدر البرلمان الصربي قراراً بأن ذَبْحَ المسلمين وذبح المسلمات إنما هو قربان إلى الله جلَّ وعلا." انتهى كلام الشيخ.
النَّموزجُ الثَّالثُ: قَسْوَةُ نصارى الفلبين وغِلْظَتُهم على المسلمين
أما ما حدث للمسلمين في الفلبين فهو لا يختلف كثيراً عن ما حدث في أسبانيا والبوسنة ودونك جانباً مما جرى هناك, وقد سقته إليك من مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة:
((فقد تآمر رئيس الفلبين النَّصراني ماركوس([15]) والرهبان والقسس في الفلبين بإمداد من اليهود في فلسطين، ومن النَّصارى في الدول الغربية على المسلمين وقرروا إبادتهم وأُنْشئت مُنظمةٌ نصرانية إرهابية أطلق عليها: (إيلاجا) أي جماعة الفئران على اعتبار أنها منظمة شعبية، والواقع أنَّ ماركوس هو الذي أمدَّها وأيَّدها بكل الوسائل، بل يقال: إنَّه هو الذي أنشأها، وقد ارتكبت هذه المنظمة من الفظائع ما يترفع عنه وحوش الغاب، فطردت المسلمين من ديارهم وأرضهم، وأحرقت بيوتهم ومساجدهم ومزارعهم ومصاحفهم، وقتلوا علماءهم وأئمتهم، وهتكوا أعراض نسائهم ومثلوا بشهدائهم، حيث يقطعون رءوس الأطفال وآذان الرجال وأثداء النساء، وينالون جوائز على هذا التمثيل من المنظمات السِّرْية مقابل كلِّ أذن أو رأس أو ثدي يحضرونه))([16]).
وفي النهاية كنت أَوَدُّ أنَّ أُكَلِّمُكَ عن ما يحدث للمسلمين على يد النَّصارى وغيرهم في العراق وأفغانستان والشيشان والصين وبلاد أُخرى كثيرة, ولكن هذا يؤدي بنا إلى التطويل وهو ما لا أريده.
وفي الختام أدعو الله عز وجل أن ينفع بتلك الكلمات هؤلاء المسلمين الذين لا يعرفون عن دينهم شيئاً ولا يعرفون ما الذي يدبِّره النَّصارى لهم. وأسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وسببًا للفوز بالرضى والقبول، وأن ينفع الله به المسلمين والمؤمنين، وأن يجمعنا مع نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة ويحشرنا تحت رايته بعد أن يحيينا على سنته ويمتنا على شرعته.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) هذه الوقعة كاملةً اختصرت من كتاب دولة الموحدين/ الفصل الثالث لعلي محمد محمد الصَّلابي.
([2]) المؤرخ محمد عبد الله عنان صاحب كتاب ديوان التحقيق والمحاكمات الكبرى, وكتاب عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس طُبِع في القاهرة 1964م.
([3]) يعني الشروط السابقة.
([4]) جاء في الموسوعة العربية العالمية عن محاكم التفتيش مايلي: محاكم التفتيش هيئات أنشأتها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية للقبض على من سموهم المهرطقين المارقين -لأشخاص المعارضون لتعاليم الكنيسة- ومحاكمتهم. أقيمت محاكم التفتيش في كثير من أجزاء أوروبا، ولكن محكمة التفتيش الأسبانية كانت هي الأكثر شهرة. وأشهرها تلك المحاكم التي أقامها فرديناند الخامس وزوجته إيزابيلا للتجسس على أهل الأندلس الذين فرضت عليهم النصرانية، وقد نَكَّلَتْ بالمسلمين بوحشية.
([5]) أسماء لبعض الأماكن في أسبانيا.
([6]) فرديناند وزوجته إيزابيلا.
([7]) يعني مَلِك النَّصارى.
([8]) يعني المسلمين الذين دخلوا في دين النَّصارى قهراً.
([9]) انتهى كلام المؤرخ الأسباني.
([10]) لعله يشير إلى حديث بُنِيَ الإسلام على خمسٍ.
([11]) وَضْعُ الأغصان الخضراء غير مشروع وكذلك الإستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره.
([12]) راجع دروس الشيخ على الشبكة العنكبوتية.
([13]) يعني يا ألف مليون مسلم.
([14]) هذا تكملةٌ لدرس الشيخ محمد حسان.
([15]) كان رئيساً للفلبين آنذاك.
([16]) راجع مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، العدد الثالث من السنة الخامسة محرم سنة 1393هـ / فبراير 1973م ص 105 وما بعدها.
السبت، 11 فبراير 2012
صحي النوم يا أم الصابرين
صحي النوم يا أم الصابرين
محمد موافي
10-02-2012 15:54
... ( جزاؤه :من وُجد في رحله فهو جزاؤه) , يعني: اصحي يا نائم صحي النوم,لقد وصلت المهزلة حد العوم ,يعني من قسم مصر بقلمه على خريطة لأربع دويلات ,جزاؤه أن تقطع أوصاله لأربع . وصار السكوت حراما, وأصبح الشعار اللازم (العصا لمن عصا). و لكل فعل رد فعل,ونتمنى أن يكون رد الفعل بقوة حزم تساوي مقدار الخزي,و بخبرتي القانونية التي لا تتعدى إجراء توكيل بيع سيارة,أُفتي بأن إفشاء أسرار الدولة,ومد جهات أجنبية بمعلومات عن أماكن حيوية ومنشآت عسكرية هو جريمة خيانة عظمى .
و كنت أتعجب من كم الهجوم السافل على جهاز المخابرات العامة في الأيام الماضية,لدرجة أن أحد المضطربين نفسيا,اتهم الأمن القومي مباشرة بارتكاب مجزرة بورسعيد,ولم أرد أن أعلق على الكلام في وقتها,ولكن قد بانت الفولة,وكما يقول المثل الذي لا أتذكره ( إلهِي الإعلامي إياه يلهيك,واللي فيه يجيبه فيك),وأمس الأول كشف قاضي التحقيقات عن عثوره على خرائط معدة لتنفيذ مخطط تقسيم مصر إلى دويلات أربع,وخرائط أخرى تظهر تمركز وحدات قواتنا المسلحة,بما يؤكد بكل دليل أن بعض منظمات المجتمع المدني عمدت إلى التجسس,وأن هدف انتشار تلك المنظمات على الأراضى المصرية لم يكن بهدف العمل الأهلى ، وإنما كان لتنفيذ أهداف ذات نشاطات أخرى سياسية بعيدة كل البعد عن نشاطها الحقيقى الذى مارسته بالخفاء، غير عابئة بسيادة وقوانين البلد الذى تعمل على أرضه.
هذا الكلام ليس من تقرير لضابط مخابرات,ولا لواء بالقوات المسلحة,ولكنه كلام قانوني مائة بالمائة وصادر عن قاضي تحقيقات منتدب . ولم يتبق غير حكم المحكمة,مع أن أخشى ما أخشاه أن نفاجأ بقرار من رئيس المجلس العسكري بالعفو والصفح والغفران وإخلاء السبيل,كما سبق وحدث في قضية التحريض أمام ماسبيرو.
القضية الآن هي قضية أمن قومي في أعلى درجات خطورته,قضية تجسس بكل معنى الكلمة,و العلاج الوحيد هو البتر والشدة وكل مصطلحات حزم العدل.كما يجب أن يضاف إلى جملة الاتهامات وجملة الاكتشافات,جملة واحدة تشفي غليل ملايين المصريين وتجيب عن سؤالهم الحائر(من هو اللهو الخفي). فهؤلاء هم اللهو الخفي,هؤلاء هم الطابور الخامس,المهيجون والفوضويون الذين لا يرقبون في مصري ولا مصرية إلا ولا ذمة.
إن إجراء شديدا وعنيفا بقوةالقانون في هذه القضية هو الكفيل الوحيد لإرهاب كل جهة في الداخل والخارج تسول لها نفسها التفكير في النيل من سيادة مصر,أو تقسيمها إلى دويلات بدو ,و نوبة,و قبط, ومسلمين.وصدقوني أم الصابرين محروسة من رب صبور.
العصيان.. الياباني
العصيان.. الياباني
حسام فتحي
09-02-2012 15:00
.. بعد الزلزال الذي ضرب اليابان العام الماضي، تطوع اليابانيون بالعمل ساعتين اضافيتين دون اجر يذهب ريعهما لإعادة بناء ما دمره الزلزال.
وعقب الحرب العالمية الثانية، وتدمير ماما أمريكا الديموقراطية راعية السلام في الشرق الاوسط لمدينة هيروشيما وناجازاكي بالقنابل النووية، لجأ اليابانيون الى «العصيان المدني» على الطريقة اليابانية وعملوا ساعات عمل تطوعية بلا مقابل لرفع الانقاض واعادة بناء البيوت المدمرة ومساعدة المتضررين، ثم واصلوا «عصيانهم» بعد ذلك لانقاذ الاقتصاد الياباني الذي دمرته الحرب تماما، واستمر العمل ساعات اضافية بالمجان في المصانع والشركات، حتى اصبح الاقتصاد الياباني على ما هو عليه الآن.. عملاقاً يقارع الاقتصاد الامريكي، ويتفوق على كل دول الاتحاد الاوروبي مجتمعة.
وطبقا لتقارير عام 2011 يعمل المواطن الياباني 37.3 ساعة أسبوعيا، مقابل 14.7 للمواطن الأمريكي ليدخر الياباني %35 من دخله، مقابل %7 للأوروبي و%3 للأمريكي.
وبلغ عشق اليابانيين للعمل انهم «نحتوا» كلمة خاصة بهم، لم تكن موجودة في القواميس، وهي «الموت من كثرة العمل دون سخرة» (كاروشى) باليابانية.
هكذا تفعل الشعوب التي تعشق تراب بلدها حقا.. وهكذا يفعل المواطنون الذين يشعرون أن الأوطان.. أوطانهم فعلا، فأين ذلك من الدعوة «القاتلة» للعصيان المدني، وإيقاف كل مظاهر الحياة في المحروسة؟؟.. اقتصاد مصر الآن يعيش على أجهزة التنفس الصناعي.. فهل تريدون نزع أجهزة الحياة عن جسد مصر الواهن؟
دعونا نلجأ للدين، فبالأمس أصدرت أمانة الفتوى بدار الافتاء فتوى لبيان الحكم الشرعي للمظاهرات أكدت أن التظاهر جائز من حيث الأصل، ثم تحدثت الفتوى عن الإضراب العام بقولها: «ان الدعوة الى الاضراب العام بمعنى إيقاف السكك الحديدية، والمواصلات، والنقل، وايقاف العمل في المصانع والمؤسسات والجامعات والمدارس، والتوقف عن سداد الأموال المستحقة للحكومة (ضرائب- فواتير الكهرباء والمياه والغاز) حرام شرعاً، مشيرة الى ان هذا كله من شأنه ان يفاقم الأوضاع الاقتصادية السيئة بما يؤدي الى تعطيل مصالح الناس وتعرض حياتهم للخطر خاصة ذوي الأعذار منهم، فضلاً عن أنها تؤدي الى تفكيك الدولة وانهيارها.
ودعت الأمانة المصريين جميعاً الى تقوى الله في البلاد والعباد، وتحكيم العقل والحكمة والمنطق، وتغليب الصالح العام على المصالح الضيقة، والانصراف عن هذه الدعوة الهدامة».
وحفظ الله مصر وشعبها من كل مكروه
حسام فتحي
hossam@alwatan.com.kw
twitter@hossamfathy66
حسام فتحي
09-02-2012 15:00
.. بعد الزلزال الذي ضرب اليابان العام الماضي، تطوع اليابانيون بالعمل ساعتين اضافيتين دون اجر يذهب ريعهما لإعادة بناء ما دمره الزلزال.
وعقب الحرب العالمية الثانية، وتدمير ماما أمريكا الديموقراطية راعية السلام في الشرق الاوسط لمدينة هيروشيما وناجازاكي بالقنابل النووية، لجأ اليابانيون الى «العصيان المدني» على الطريقة اليابانية وعملوا ساعات عمل تطوعية بلا مقابل لرفع الانقاض واعادة بناء البيوت المدمرة ومساعدة المتضررين، ثم واصلوا «عصيانهم» بعد ذلك لانقاذ الاقتصاد الياباني الذي دمرته الحرب تماما، واستمر العمل ساعات اضافية بالمجان في المصانع والشركات، حتى اصبح الاقتصاد الياباني على ما هو عليه الآن.. عملاقاً يقارع الاقتصاد الامريكي، ويتفوق على كل دول الاتحاد الاوروبي مجتمعة.
وطبقا لتقارير عام 2011 يعمل المواطن الياباني 37.3 ساعة أسبوعيا، مقابل 14.7 للمواطن الأمريكي ليدخر الياباني %35 من دخله، مقابل %7 للأوروبي و%3 للأمريكي.
وبلغ عشق اليابانيين للعمل انهم «نحتوا» كلمة خاصة بهم، لم تكن موجودة في القواميس، وهي «الموت من كثرة العمل دون سخرة» (كاروشى) باليابانية.
هكذا تفعل الشعوب التي تعشق تراب بلدها حقا.. وهكذا يفعل المواطنون الذين يشعرون أن الأوطان.. أوطانهم فعلا، فأين ذلك من الدعوة «القاتلة» للعصيان المدني، وإيقاف كل مظاهر الحياة في المحروسة؟؟.. اقتصاد مصر الآن يعيش على أجهزة التنفس الصناعي.. فهل تريدون نزع أجهزة الحياة عن جسد مصر الواهن؟
دعونا نلجأ للدين، فبالأمس أصدرت أمانة الفتوى بدار الافتاء فتوى لبيان الحكم الشرعي للمظاهرات أكدت أن التظاهر جائز من حيث الأصل، ثم تحدثت الفتوى عن الإضراب العام بقولها: «ان الدعوة الى الاضراب العام بمعنى إيقاف السكك الحديدية، والمواصلات، والنقل، وايقاف العمل في المصانع والمؤسسات والجامعات والمدارس، والتوقف عن سداد الأموال المستحقة للحكومة (ضرائب- فواتير الكهرباء والمياه والغاز) حرام شرعاً، مشيرة الى ان هذا كله من شأنه ان يفاقم الأوضاع الاقتصادية السيئة بما يؤدي الى تعطيل مصالح الناس وتعرض حياتهم للخطر خاصة ذوي الأعذار منهم، فضلاً عن أنها تؤدي الى تفكيك الدولة وانهيارها.
ودعت الأمانة المصريين جميعاً الى تقوى الله في البلاد والعباد، وتحكيم العقل والحكمة والمنطق، وتغليب الصالح العام على المصالح الضيقة، والانصراف عن هذه الدعوة الهدامة».
وحفظ الله مصر وشعبها من كل مكروه
حسام فتحي
hossam@alwatan.com.kw
twitter@hossamfathy66
الأربعاء، 8 فبراير 2012
مبارك وإدارة السياسة بالرياضة
مبارك وإدارة السياسة بالرياضة
د. أحمد عبد الدايم محمد حسين
08-02-2012 14:29
حينما تغرب الشمس على أرض، تُسيطر عليها قوى شريرة تُنزل بأهلها صنوف القسوة والعذاب ألواناً. تلك هى القوى التى صنعها مبارك، أو صنعت له، ليذيق بهم الناس فى نهاية حكمه صنوفاً من الويلات والنهب المنظم ما يصعب حصره.. فمن يصدق أن الرجل الذى شارك فى صناعة أبطال أكتوبر بعد هزيمة 1967، هو نفسه الذى يصنع توافه الرجال وأشباههم؟ ترى ما الذى أوحى له بإدخال الرياضة فى مجال السياسة؟ هل عجز فى قيادة مشروع الاستقلال الوطنى، وتنمية مصر وحل مشاكلها، فاستسهل المسألة بالرياضة ليتخذ من جوقتها التافهة بوقاً، يصنع من خلالهم استقراراً مزيفاً؟ أم أنه دخل المجال الرياضى لقراءة المشهد السياسى من حوله؟
الاجابة تقول بأن الأمر خليط بين هذا وذاك.. فلاشك أن الرجل بدأ جاداً فى عمله بصورة لافتة للنظر.. غير أن المحيطين به حينما علموا بأن له رياضة يمارسها، الاسكواش، جاء الحل سريعاً من لندن، بصناعة أبطال مصريين عالميين فيها، يكونون منفذاً لتصعيد زبانية آخرين ممن شاركوا فى صناعتهم.. ليزيد عدد الجاذبين للرجل بعيداً عن السياسة ودسائسها، ولغمسه فى توافه الأمور.. لكنه حين أراد أن يفهم علاقة الرياضة بالسياسة، وجاء بعلى الدين هلال وزيراً للرياضة، مكلفاً بتقديم الطلب المصرى باستضافة كأس العالم على أراضيها، تم تلقينه درسا قوياً هو وصنيعته، عبر صفر المونديال الشهير.. ورغم أن هذا الصفر، وإن كان وقعه سيئاً حينها، إلا أنه أفاد مبارك إفادةً ممتازة. فقد اكتشف خيوط اللعبة ومفاتيحها فى مصر. فعلى الفور جاء بحسن صقر ليفتح له كنوز على بابا الرياضية. فكان عصره قمة الازدهار الرياضى المرتب بعناية، مقابل جر الرجل لتوافه الأمور وفسافسها. وفى الحال أنشأوا قنوات رياضية تحشد الناس حول الكرة، وترسخ بأن الانتصار فيها، إنما هو الانتصار الحقيقى للوطن. فابتلع مبارك الطعم برغبته، طالما ظلت تلك القنوات بوقا له ولأبنائه، فجاءت الكارثة عليه وعلى الوطن تباعاً.
ولعل قراءة العلاقة بين الرياضة والسياسة فى نهاية عهده تحتاج لبحث أعمق، ودراسة أوسع لشبكة القرابات والصلات بين القائمين عليها وبطانة مبارك، إلا أننا هنا سنركز على خمسة شواهد رئيسية تفضح كيفية إدارته لأمور السياسة بالرياضة: أولها، أن المسئول عن هذا السفه الذى وصل له الرئيس السابق هو حسن صقر.. وهو بلديات زكريا عزمى، ذلك الرجل الذى سلم له مبارك رقبته ورأسه فألبسه العمة تماماً. فسلط بلدياته ليبيع له الوهم، ويجعل من عصره مثالاً للاهتمام بالهلس واللهو المقنن.
ثانيها، أن الرياضيين تصدروا كل المشاهد المصرية، فأصبحوا يفتون فى السياسة والإعلام والاقتصاد والثقافة.. بل تصدروا مقابلات الرئيس فى سنواته الأخيرة. فكان يخرج من استقبال الفريق ليقابل الفريق الآخر.. وهلم جرا. ولعل دعوتهم لإفطار الفول الشهير الذى رتبه لهم، وإن كان هدفه تسويق زهده فى الدنيا، لكنه جاء رداً على شائعات فساده المالى. ثالثها، الناظر لعدد القنوات الرياضية المنشأة فى نهاية فترته، وإحصاء شبكة موظفيها وإعلامييها وعلاقتهم القرابية برأس الرياضة ورأس البطانة، ثم تحليل مضمون برامجها، يكتشف بأن شبكة التعمية قد أحاطت بالشعب المصرى من جميع الجهات.. وأنه تم توجيه أنظار الناس للاهتمام بالكرة بعيداً عن الحديث فى مشاكلهم وآلامهم.
رابعها، وصلت تفاهة الرياضيين حداً لا يوصف.. فقد استغلتهم القوى السياسية الحاكمة بشكل يثبت نجاعة اختيار الرياضة لإدارة المسائل السياسية. فحينما حصلت مصر على إحدى الكئوس الإفريقية، تم تدبير عرض إماراتى للمنتخب المصرى الفائز بالبطولة. لا لشىء إلا للوقيعة والدس لمبارك هناك.. فلم يُقدم العرض إلا لأن ابن أحد أمرائها قد تزوج بشقيقة الملك الأردنى، التى سبق وأن رفضت جمال مبارك.. فمن يراجع هذا المشهد بعناية يكتشف بأن الرجل قد قام بزيارته للإمارات فى ذات اليوم الذى استقبل فيه الفريق العائد فى المطار، كخطوة استباقية لما رتب له مخالفوه من حرج.. وتم توجيه هؤلاء السذج حينها للحديث والجدل حول الهدايا المقدمة، دون معرفتهم بما يدور خلف الكواليس من دسائس.
خامسها، حجم التشويه الذى تعرض له مبارك فى القنوات الرياضية فى السنتين الأخيرتين من حكمه، وبالأخص بعد مباراة مصر والجزائر، يؤكد بأن الرجل قد أصبح بعيداً عن توجيه الأمور كما كان يريد.. ولعل مشهد التلاعب بصورته فى إحدى القنوات الرياضية، يشى بأنهم نفضوا أيديهم من حوله.. وأن من يروج له سيلقى مصير أحد أصحاب البرامج الرياضية الداعمين لجمال مبارك.. فقد قاموا بعزله تماماً، حتى أصبح الآن خاضعاً لهم ويعمل لديهم. بعد أن أدركوا بأن مبارك يساير لعبتهم، وأنه فهم كثيراً من الأمور ما كان ينبغى أن يفهمها.
هكذا وصلت إدارة السياسة بالرياضة بالبلد حداً لا يمكن للناس أن يقبلوه.. فجاءت الثورة المباركة لتضع حداً لهذا الهزل المستمر، والميزانية المفتوحة لتوافه الرجال. غير أن ما حدث فى مجزرة بورسعيد يوم الأربعاء، الأول من فبراير، يشى بأن المتحكمين فى المشهد السياسى لا يزالون فى غيهم، يديرون السياسة بالرياضة دون حدوث أى تغيير.
ahmedabdeldaim210@hotmail.com
د. أحمد عبد الدايم محمد حسين - أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)