عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الاثنين، 30 أغسطس 2010

كراهية ما أنزل الله تعالى: الأعراض والعواقب والأسباب والعلاج

كراهية ما أنزل الله تعالى: الأعراض والعواقب والأسباب والعلاج


إياد قنيبي
أضيفت بتاريخ : : 29 - 08 - 2010
نقلا عن : خاص بموقع طريق الإسلام



بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أحبتي الكرام: كم هو خطير أن ينطوي صدر أحدنا على مرضٍ يعكر عليه صفو حياته ثم ينسف في الآخرة حسناته ويجعلها هباء منثورا. لا تظن أن هذا المرض نادر، ولا تحكم مسبقا أنك سليم منه تماما. فتعال معنا يا رعاك الله وتعالي معنا يا رعاكِ الله، لنعرف أعراض هذا المرض وعلاماته فنفتش عنها في نفوسنا، ثم لنعرف عواقبه ونتائجه الوخيمة فنحذرها، ثم لنعرف أسبابه فنستأصلها من حياتنا، ثم لنعرف علاجه وترياقه فنستشفي به وتطيب لنا حياتنا ونلقى الله بإذنه بقلب سليم.


أولا: مظاهر كراهية ما أنزل الله تعالى:

قال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه: "ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه". (تفسير ابن كثير).


ومهما يكن عند امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تُعلم


سآتيكم بأمثلة واقعية أعرفها. وأرجو من أخواتي أن يسمعنني جيدا. فنصيبهن من هذه المحاضرة أكبر من نصيب الرجال.

- دكتور جامعي في مجال الفيزياء يحدثني أنه متزوج من 13 سنة ولم يُرزق أولادا. فحثته زوجته على الزواج من أخرى. قابَلَ محجبات...محجبات. لكنهن كُن ينفرن عندما يعلمن أنه متزوج. إحداهن قالت له: "أنا إذًا أشك أن هناك آية دسيسة في القرآن فهي آية مثنى وثلاث ورباع"!! كبرت كلمة تخرج من أفواههم. فهذه تكره حكم التعدد في دين الله تعالى.

- أخرى تقول: "أنا أحب القرآن كله إلا الآية التي فيها {وَاضْرِبُوهُنَّ} إذا وصلتلها بَعَدِّي عنها". يعني تتجاوزها إلى ما بعدها ولا تقرأها، فهي تكره الآية التي فيها ضرب المرأة الناشز.

لا غرابة في أن تكره امرأة أن يتزوج عليها زوجها أو أن يضربها... هذا شعور عادي متوقع لا إثم فيه. لكن الإثم والمصيبة في أن تكره حكم التعدد نفسه أو حكم الضرب نفسه.

- مثال آخر: رجل يصلي ويصوم لكنه يهدد زوجته بالطلاق إن ارتدت الحجاب. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

- مثال آخر: إذا كنت في مكتبك بين زملائك وفتحتَ المذياع على القرآن الكريم فكان أول ما قرأ القارئ: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [محمد:4].

كيف سيكون شعورك؟ هل ستكون فخورا بكلام الله تعالى موقنا بمشروعية الحرب في الإسلام وحكمتها، أم أن الوجه سيحمر ويصفر وتسارع إلى تخفيض الصوت؟

- مثال آخر: أثناء دراستي الجامعية طُرح موضوع العلاقة بين الذكور والإناث في إحدى المحاضرات. أحد الزملاء قال إن الله جعل لهذا الأمر ضوابط ثم تلا قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30]. ظهرت على وجه المُحاضر ووجوه بعض الطلاب ابتسامة صفراء مستخفة تكاد تنطق وتقول: "إنت عايش فين؟ إنت جاي تلزمنا بقناعاتك وتفرضها علينا؟!"

ومثل هذا قد يحصل في اجتماعات الشركات التي يُحسب أنها "مرموقة" أو في مجالس تصوغ القوانين... يُطرح موضوع للنقاش ويكون لله فيه قول فصل... لكن المشاركين مع ذلك يخوضون في نقاش طويل، كلٌّ يدلي بدلوه كأن المسألة متروكة لاجتهادهم. لو أن أحدهم قال:" أثناء عملي في الولايات المتحدة لاحظت أن النظام المعمول به في هذه المسألة كذا" لأنشَدَّت القلوب وانجذبت نحوه الأبصار. لو أن أحدهم قال: "استشرتُ مكتبا قانونيا وأخبرني أن الحل كذا" لسكتت الألسنة وأصاخت الأسماع لمعرفة حكم القانون البشري وحكم الأسياد من "العالم" الغربي.

كيف تُرى يكون الحال لو أن مسلما فخورا بدينه ينبه الحاضرين أن لله تعالى في المسألة حكما وأنها ليست من الأمور المتروكة للبشر؟ كيف سيقابله الحاضرون لو قال: الحكم كذا لأن الله تعالى قال...ثم يتلو الآية.

إلا من رحم ربي... تبادُل لنظرات الاستخفاف وابتسامات غبية ممن يحسبون أنفسهم أذكياء، وكأن هذا المسلم الفخور جاء بعُرف قبَلي معمول به في مجاهيل أدغال إفريقيا.

{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:45].

هذه وغيرها ماذا نسميها؟ محبة ما أنزل الله؟ الثقة بما أنزل الله؟ الاعتزاز بما أنزل الله.

أم أنها كراهية ما أنزل الله؟ ولمن يجد هذه التسمية مبالغة، أظنك لن تمانع إن سمينا هذه نماذج للحرج مما أنزل الله. وحتى على هذا التقدير فسترى ما جزاء هذا الحرج عند الله تعالى.

إذن:
ثانيا: عواقب ونتائج كراهية ما أنزل الله تعالى:

نريد أن نعرف خطورة هذا الموضوع وخطورة أن يشوب قلبَك أدنى شائبة من هذا المرض. واحذر أخي واحذري يا أختي. فإن هناك أمراضا وإن قل مقدارها لكن نقطة منها تعكر ماء البحر. ألم تر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر» (رواه أحمد وصححه أحمد شاكر والوادعي).

فأَولى أن لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كراهية ما أنزل الله.

أولُ نتيجة لهذا المرض:

1) أنك إن وجدت في نفسك حرجا من شيء مما أنزل الله فلست مؤمنا. قال الله تعالى:

{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].

لاحظ قوله تعالى: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ}...فإن وجدت حرجا من شيء من حكم الله ورسوله فقد أقسم الله تعالى بنفسه أنك غير مؤمن، وإذا ضاع الإيمان من القلب حل محله النفاق.

من كره ما أنزل الله لن يجد حلاوة الإيمان. إن المطلوب منا ليس محبة ما أنزل الله فحسب، بل أن يصبح ما أنزل الله ميزاننا الذي به نحب أشخاصا وأفكارًا ومبادئ ونبغض أخرى. قال عليه الصلاة والسلام: «ثلاث من كُن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار» (البخاري).

حب وحب وبغض على أساس محبة ما أنزل الله. فمن كره ما أنزل الله أصلا اختل لديه الميزان وفقد حلاوة الإيمان.


2) حبوط الأعمال، بل والكفر! نعم الكفر.

قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ . ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:8-9].
اختار الله أسوأ صفة للكافرين أدت إلى حبوط أعمالهم: أنهم كرهوا ما أنزل الله.

فإذن، لا يكره آيات الله مؤمن...بلا لا يكرهها إلا كافر.

وقال الله تعالى بعدها بآياتٍ في السورة نفسها: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّـهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:28].

كرهوا رضوانه لأنهم كرهوا ما يؤدي إلى رضوانه تعالى... كرهوا أحكام الإسلام، كرهوا شعائر الإسلام، كرهوا المظهر الإسلامي.

أحبتي الكرام، إن حبوط العمل أكبر المصائب. تصوروا من يبني بناية يتعب في بنائها سنوات ثم يدمرها! تصوروا من تغزِلُ ثوبا تتعب فيه ليالي وأياما تِباعًا، حتى إذا انتهت منه نقضته وأعادته خيوطا! هذا مَثَل من يعمل أعمالا كثيرة من الخير لكنه يجعها هباء بعمل أو شعور محبط للحسنات ككراهية ما أنزل الله.

لذلك قال الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ} [النحل: 92].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33].
تحذير من رب العالمين وتنبيه للعقلاء. فانتبه لئلا تكون ممن قال الله فيهم: {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان:٢٣].

أخي، أختي! لا تخدر نفسك وتطمئنها أن هذا الكلام لا ينطبق عليك لأنك تحب "أكثر" ما أنزل الله! فإن الرضا ببعض ما أنزل الله والإعراض عن البعض الآخر هو من نهج المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ . وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ . أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور:48-50].

المنافقون يختارون حكم الله ويذعنون له إن كان في صالحهم الدنيوي، ويعرضون عما لا يوافق أهواءهم من كتاب الله. قد ترى امرأة في الستينات متعلمة حاملة لشهادة الدكتوراه منخرطة في الطبقات الـ"مرموقة" حسب تعريفها إذا تُلي أمامها قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282]... تنفر وتتساءل: "لماذا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟ أنا الدكتورة شهادتي في القضاء الإسلامي نصف شهادة حارس عمارتي؟"

هذه ذاتها التي تجد حرجا من حكم من أحكام الله إن كانت أم أولاد وسمعت قول الله تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23]...قد تُطرق رأسها في خشوع وتقول: صدق الله العظيم. لسان حالها يقول: "أيوه يا رب! هذا الكلام ولا بلاش"!

{أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور:50].

قال الله بعدها مباشرة: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51].

في كل مقام، مع كل آية... لاينفعك أن تقول يوم القيامة يا رب أحببت 99% مما أنزلت وكرهت 1% فقط.

كذلك يا أخي لا تظن أن المهم هو القيام بالأمر من أوامر الله حتى لو كنت كارها له. فإن هذه الكراهية من أعمال القلوب التي تُحاسب عليها كما تحاسب على محبة الله أو بغضه. فمن كره ما أنزل الله حبط عمله وإن أتى بشرائع الإسلام.

ولقد عد العلماء كراهية ما أنزل الله في نواقض الإيمان.

3) النتيجة الثالثة من نتائج كراهية ما أنزل الله: الذل والهزيمة... جزاء وفاقا لمن كره ما أنزل الله. فمن حمل في قلبه هذا المرض فليس أهلا للعزة والكرامة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، هذا الكلام للمؤمنين المحبين له تعالى ولكلامه وشريعته و شعائر دينه. فوضع الله تعالى أنصاره في كفة، ثم انظر في الآية التالية مباشرة من وضع في الكفة المقابلة؟

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ . ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:8-9]، فالمؤمن ينتصر بنصرته لله ومحبة دينه... والكافر يُهزم بكراهية ما أنزل الله تعالى. فكيف إذا تحول المؤمن إلى كراهية ما أنزل الله؟ حينئذ يستويان في هذه الكراهية، وينتصر من عنده النووي والأباتشي والمدمرات.

ولا ننسى أن كراهية شيء مما أنزل الله كالكفر به، كما أن الإيمان بوجود الله مع كراهيته تعالى كفر به. ماذا قال الله تعالى فيمن يكفر بشيء مما أنزل الله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:85].
هذا جزاء من يكره ما أنزل الله...التعاسة والخزي والذل.

4) النتيجة الرابعة من نتائج كراهية ما أنزل الله: تشتتُ النفس واضطرابها وقلقها.

فكيف تسجد لله وأنت تكره شيئا مما أنزل؟ وكيف تحترم نفسك وهويتك الإسلامية وقلبك لم يُسلم لله برمته.

أرأيتم عن أي شيء نتحدث؟ عن مرض يوقع في الكفر وحبوط العمل وذهاب الإيمان ولذته وحلول الخزي والتعاسة وتمزق النفس.

أما آن لنا أن نفتش عنه في حنايا أنفسنا ونواجهه بشجاعة؟ أما آن لنا أن نعرف أصول هذه المشكلة الخطيرة في أنفسنا وكيف نشأت لنُضيق عليها الخناق ونطفئ نارها قبل أن تحرقنا؟


إذن فلننتقل الآن إلى:
ثالثا: أسباب كراهية ما أنزل الله:

1) المعصية. قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].

تهديد من الله تعالى لمن يعصيه... أن يفتنه. وشر فتنة هي فتنة القلب بحيث يختل ميزانه فيكره ما أنزل الله. (راجع صفة: الشك في الدين من كتاب هذا النفاق فاحذروه).

تهديد من الله لمن يجلس قبل النوم يقلب المحطات على المحرمات فيستجلب سخط الله وتُنكت في قلبه البقع السوداء.

{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5].

تهديد من الله لامرأة تجلس على مسلسل فيه ما فيه من إشاعة للعلاقات الغرامية خارج الزواج الذي أحله الله تعالى، وفيه قتل للغيرة والحياء واجتراء على حدود الله التي قال فيها: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229] فتتابع الظالمين بتعاطف شديد...وتترك مشاعرها تنساق وراء الظالمين على أنغام الموسيقى...أمَّا أن تنكر المنكر فهذا شيء في طي النسيان تماما في مثل هذا الموقف... فينفتح القلب ليلقي فيه مؤلفو هذه المسلسلات ما شاءوا من حب للفسوق والعصيان وتكريه لأحكام الله تعالى.

{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور:63].
تحذير للمتبرجة..قد ترى المتبرجة تعترف أولَ الأمر بذنبها وتطلب ممن حولها الدعاء لها أن يهديها الله للحجاب. ثم قد تجدها بعد حين تقول إن الحجاب ليس كل شيء، وإني لا أدع فرضا إلا أديته. ثم تبدأ بانتقاد المحجبات لبعض سلوكياتهن وتصرح أنها بأخلاقها خير منهن. ثم قد يصل بها الأمر أخيرا إلى أن تُبغض فرض الحجاب وتراه حَجرا على المرأة وغَضّاً من قيمتها. زاغ قلبها بمعصيتها وأصابتها الفتنة.

فيا من تستمر على معصية ولا تسارع إلى التوبة منها: أنت بذلك تتسبب في سواد قلبك وحلول مرض كراهية ما أنزل الله فيه. وهذا أخطر بكثير من ذنب المعصية ذاته.

2) الإعلام:
فالإعلام كثيرا ما يربط شعائر الإسلام من حجاب ولحية ومظهر سني بالفقر والدموية والجهل، بينما يقرن التقدم العلمي والجمال والثراء والسعادة بالمعصية والتغريب. ومن المفيد في هذا المجال أن تقرأ كتاب (Media Control) (هيمنة الإعلام) للكاتب نعوم تشومسكي (Naom Chomsky). فالإعلام يلقي مجموعة من الصور تُختزن في ما يسميه النفسيون بالـ"ذاكرة الجمعية" في اللاشعور، فتتكون أحاسيس وقناعات دون وعي منكَ يا ضحية الإعلام.

3) موالاة الكافرين والمنافقين:
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ . فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:25-28].

لاحظ كيف أن الذي يطيع كارهي ما أنزل الله في (بعض الأمر) تنتقل إليه عدوى الكراهية ويستحق عند وفاته أن تَضرب الملائكة وجهه الذي أقبل به على الكارهين ودُبُره الذي استدبر به كلام الله.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسير هذه الآيات: "اعلم أن كل مسلم يجب عليه في هذا الزمان تأمل هذه الآيات من سورة محمد وتدبرها والحذر التام مما تضمنته من الوعيد، لأن كثيراً ممن ينتسبون للمسلمين داخلون بلا شك فيما تضمنته من الوعيد الشديد، لأن عامة الكفار من شرقيين وغربيين كارهون لما نزَّل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو القرآن وما يبينه به النبي صلى الله عليه وسلم من السنن، فكل من قال لهؤلاء الكفار الكارهين لما نزله الله: {سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ} [محمد:26] فهو داخل في وعيد الآية، وأحرى من ذلك من يقول لهم: (سنطيعكم في كل الأمر) كالذين يتبعون القوانين الوضعية مطيعين بذلك للذين كرهوا ما نزل الله، فإن هؤلاء لا شك ممن تتوفاهم {المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وَجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [محمد:28].

أخيرا آن لنا أن نستعرض:
رابعا: علاجات مرض كراهية ما أنزل الله:

1) ترك المعصية: استحضر في ذهنك إذا دعتك نفسك للمعصية أن هذا قد يؤدي بك إلى كراهية أحكام الله تعالى.

2) الحذر من وسائل الإعلام وما توجهه إلى العقل الباطن من رسائل ملوثة. قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217]، والإعلام الموجه هو وسيلة من وسائل الصد عن الدين.

3) اجتناب المبغضين لأحكام الله وعدم موادتهم ولا مداهنتهم.

4) استعراض فشل المجتمعات النافرة من أحكام الله.

فالدول الغربية تعير المسلمين ببعض أحكام دينهم. فهل نجحت هذه الدول المبغضة لأحكام الله أن تنتج أحكاما أفضل تحقق بها السعادة لشعوبها؟

- تسخر الدول الغربية من أحكام العقوبات في الإسلام. فهل وجدت طريقة تناسب أهواءهم يحدون بها من الجريمة؟ إذا أردت أن تعرف الجواب فاستعرض مثلا تخبط الولايات المتحدة فيما يتعلق بحكم الإعدام من موقع منظمة العفو الدولية (Amnesty International) فقد أوقفت أمريكا الإعدام في مطلع القرن العشرين، ثم أعادت العمل به في السبعينيات، ثم حظرت أشكالا منه على تبايُن بين الولايات. وهي تحاول في ذلك كله أن تحد من الجريمة، ومع ذلك لا تنجح أبدا في الحد من الجريمة. راجع مثلا إحصائيات (Federal Bureau of Investigation).

- تتهجم الدول الغربية على وضع المرأة في الإسلام وأحكام الحجاب والفصل بين الجنسين. فهل وجدوا طريقة تحقق أهواءهم وتصون نساءهم؟ إذا دخلت الموقع الرسمي لوزارة العدل الأمريكية على شبكة الإنترنت (www.doj.gov)، تحت عنوان العدوان الجنسي والقانون (Sexual assault and law)، ستجد ما ترجمته الحرفية:

لقد طرأت تغييرات رئيسية خلال العقدين الماضيين (أي الثمانينيات والتسعينيات) على القوانين المتعلقة بالاعتداءات الجنسية. والسبب في ذلك يعود لتزايد الوعي بالمشكلة وتزايد الانتباه إلى أن القانون لم يحمِ الضحية في كل الأحوال. ثم شرع الموقع في تعداد التعديلات التي أُجريت للحد من جريمة الاغتصاب ثم ختم بقوله:

ومع ذلك فقد لاحظ أحد المحامين باستعراضه لنتائج هذه التغييرات القانونية أن عدد حالات الاغتصاب المُبلغ عنها قد ازدادت إلى حوالي الضعفين عما كان عليه في السبعينيات وثلاثة أضعاف ما كان عليه في الستينيات.

وصدق الله تعالى إذ قال: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} [المؤمنون:71].

لقد ضحك الشيطان على المجتمعات الكارهة لما أنزل الله وهيأ لها أن المصلحة والعدل في خلاف أحكام الله تعالى. فكانت النتيجة تعاسة في الدنيا قبل عذاب الآخرة.

{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّـهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم:22]، ففي وعد الله الحقِّ الرحمة وصلاح الدارين. وقال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 123-124].

وسبحان الله العظيم...ما ترك الناس من أمر الله شيئا إلا أحوجهم الله إليه. فالمجتمعات التي تمردت على أحكام الله لقرون نرى فيها الآن من ينادي باللجوء إلى بعض هذه الأحكام لأنها تحقق مصالح دنيوية.

نشرت صحيفة النيوزويك الأمريكية بتاريخ 22-6-2010 مقالا بعنوان: (الخلاف الحديث حول فصل الجنسين). ذكرت هذه المقالة مطالبة الكثيرين في المجتمع الأمريكي بالفصل بين الجنسين في المدارس، وأن هذا الفصل مريح للمعلمين وللطلاب والطالبات على حد سواء. كما ذكرت أن عدد المدارس التي تفصل بين الجنسين في الولايات المتحدة زاد من 11 في عام 2001 إلى 540 في عام 2010. بل أُنشئت جمعية باسم الجمعية الوطنية للتعليم الحكومي بفصل الجنسين (The National Association for Single Sex Public Education). جاء في المقالة أن دراسة أُجريت على مدى 3 سنوات في ولاية فلوريدا قارنت بين نتائج الطلاب والطالبات في المدارس المختلطة والمدارس المنفصلة. وكانت المقارنة على أساس أدائهم في الاختبار المعتمد من قِبل الولاية. فبالنسبة للأولاد زاد معدلهم في هذا الاختبار من 37% إلى 85%! أما بالنسبة للطالبات فد زاد معدلهن من 59% إلى 75%.

- نُشر قبل هذه المقالة مقالة أخرى بعنوان تَرْجَمَتُه: مدارس حكومية تجرب فصل الجنسين في الصفوف، كان مما جاء فيه العبارات التالية:

* أكثر من اثني عشرة ولاية أمريكية تطبق فصل الجنسين في المدارس.
* الفصل يساعد كلا من الجنسين على الانتباه في الدراسة وعلى ضبط النظام.
* فصل البنات أعطاهن ثقة أعلى بأنفسهن ومكنهن من تحقيق معدلات أعلى.

قالت المُدرسة: Sheryl Quinlan إن فصل البنات مكنهن من التفكير بعيدا عن ضغط الهرمونات. وقالت: إثارة الإعجاب لدى الجنس الآخر يشكل هو مسألة أن تكون أو لا تكون بالنسبة للبنات في سن الـ14. خلِّص البنت من هذا الضغط النفسي وسترى المعجزات! وأعطت مثالا.

وقد سبقت هذه المقالة مقالات أخرى كثيرة في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وأبحاث علمية محكمة تثبت فوائد الفصل بين الجنسين. منها مقال مطول نشرته صحيفة (واشنطن بوست) بتاريخ 14-5-2002 تناول هذا الموضوع، وأوردت فيه الصحيفة تعليقاً لافتاً لمدير إحدى المدارس يقول فيه -بعد أن ضاق ذرعاً بمشكلات الطلاب في مدرسته-: (على الأولاد أن يتعلموا كيف يكونون أولاداً، وعلى البنات أن يتعلمن كيف يكنَّ بناتٍ، ولن يستطيعوا أن يفعلوا ذلك في الغرفة نفسها).

مع هذا...في بلادنا من يُبغض أحكام الله في الفصل بين الجنسين. منهم من إذا قيل له: لماذا تعين هذه الموظفة في دائرة كلها شباب يقول لك: (خلينا نرطب الجو)!

فهل لا بد من أن نخوض تجربة الغرب بكامل فصولها؟ هل لا بد من أن نذوق مراراتها؟ قبل أن نعلم أن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير؟

هل لا بد من أن ننتظر الأضرار المادية المترتبة على ترك ما أنزل الله لنعود بعدها إلى الأحكام الإسلامية مأزورين غير مأجورين لأننا نعود إليها يومئذ لا لأنها أحكام الله، بل لفوائدها الدنيوية؟

إذن فالعلاج الرابع لمرض الكراهية هو استعراض فشل المجتمعات الكارهة لأحكام الله في تحقيق السعادة الدنيوية وحاجتها الماسة إلى تطبيق هذه الأحكام حتى لفائدتها الدنيوية.


العلاج الخامس للتخلص من كراهية ما أنزل الله:
5) إدراك ضعف العقل البشري:

فإذا أدركت قصور عقلك البشري علمت أن نفورك من حكم من أحكام الله إنما هو لخلل في عقلك وعاطفتك، لا في الحكم نفسه.

كم نحن ضعفاء! الإنسان بدون وحي لا يعرف كيف نشأ.

نشرت مجلة (Earth) العالمية ذات التوجه الدارويني مقالا سنة 1998 جاء فيه:
"نحن نودع القرن العشرين و مازلنا كما كنا في بدايته نواجه معضلة لم نجد لها إجابة، وهي: كيف بدأت الحياة؟"

الإنسان لا يعرف طبيعة الروح التي بها يعيش. لو اجتمع أكبر أطباء الأرض حول مريض قدر الله عليه أن تخرج روحه ما استطاعوا رد الروح إليه. قال الله تعالى: {فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ . تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:86-87]. أي إن لم يكن لكم رب يحاسبكم، فأعيدوا الروح إلى هذا الإنسان عندما بلغت حلقومه.

فهل يسمح هذا الإنسان الذي لا يستطيع خلق الحياة ولا منع الوفاة ولا يعرف طبيعة الروح التي بها يعيش... هل يسمح لنفسه أن يكره شيئا من أحكام خالقه لأنها لا توافق العقل القاصر؟

{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس:77].


العلاج السادس:

6) الثقة بعلم الله وحكمة الله ورحمة الله تعالى.

وذلك في مقابل إدراك ضعف وقصور العقل البشري.

إذا أحسست بأن في حكم من أحكام الله تعالى مشقة فتذكر بأنه أعلم بما يصلح لك ويصلحك. قال تعالى:

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [القلم:14].

تذكر حكمة الله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8].

تذكر أنه أحسن حكما: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50].

تذكر رحمة الله سبحانه وتعالى.

تذكر أن الله تعالى إنما شرع هذه الأحكام لعلمه بضعفك فأراد أن يجنبك الحرج الناتج عن اتباع الأهواء. في سورة النساء، بعدما بين الله أحكاما متعلقة بالتعامل بين الجنسين قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا . يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:27-28].

فإياك أن تكره شيئا مما أنزل الله لإحساسك أنه صعب على النفس البشرية الضعيفة. فهو سبحانه أرحم بضعفك. وإياك أن تطيع الذين يتبعون الشهوات، فهم يريدون لك أن تميل ميلا عظيما فتتعس في الدارين، في الوقت الذي يريد الله أن يتوب عليك ويخفف عنك.

تذكر قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ . فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الأحزاب:7-8].

قال ابن كثير: "أي: اعلموا أن بين أظهركم رسول الله فعظموه ووقروه وتأدبوا معه وانقادوا لأمره فإنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم، ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم كما قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6].
ثم بين أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات:7].
أي: لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم". انتهى كلام ابن كثير.

إذن لو كان الأمر على أهواء البشر لأصابتهم المشقة، لكن الله عصم قلوب الصحابة من أن يصيبها مرض كراهية ما أنزل الله. قال تعالى في تتمة هذه الآية: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ . فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات:7].

العلاج السابع:

7) السؤال عن معنى الآيات التي في صدرك شيء منها:

فالشبهات تُمحى بالعلم، وشفاء العِيِّ السؤال.

روى ابن جرير الطبري أن فتىً من قريش سأل سعيد بن جبير: يا أبا عبد الله كيف هذا الحرف؟ فإني إذا أتيت عليه تمنيت أن لا أقرأ هذه السورة: {حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف:110] قال ابن جبير: نعم. حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم، وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا. فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكأ، ولو رحلت إلى اليمن في هذه كان قليلا. ثم روى ابن جرير أيضا من وجه آخر أن مسلم بن يسار سأل سعيد بن جبير عن ذلك فأجابه بهذا الجواب فقام إلى سعيد فاعتنقه وقال: فرج الله عنك كما فرجت عني.

في هذه الروايات يتساءل أناس عن معنى قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف:110]. فقد يُفهم منها أن الرسل يئسوا من نصر الله وأساءوا الظن به، وحاشاهم. فبيَّن سعيد بن جبير أن الرسل إنما يئسوا من قومهم ان يُسلموا وظن قومهم أن رسلهم كذبوا عليهم بقولهم أن العذاب سيحل بالكافرين إذ لم يحل بعد. فكان في هذا البيان شفاء لما في صدر السائلين. وكما قال الضحاك، فإن مثل هذا البيان الشافي لما في الصدر من الاضطراب تجاه آية من كتاب الله... هذا البيان يستحق أن تُقطع له المسافات وتُصرف له الأوقات. فبه سلامة الصدر من الحرج مما أنزل الله.

وقد كُنت تكلمت عن موضوع كراهية ما أنزل الله في أحد المساجد فجاءني بعد الكلمة رجل أظنه في الخمسينات من عمره فقال لي: بما أنك طرحت هذا الموضوع فأريد أن أخبرك أني أستغرب من حكاية الله تعالى عن لوط أنه قال لقومه الشواذ: {هَـٰؤُلَاءِ بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} [الحجر:71]، فذكرت له أن للمفسرين فيها قولين: أحدهما أن (بناتي) مقصود به بنات قومه، فكل نبي بمنزلة الوالد لذكور قومه وإناثهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم» (صححه النووي). فكأنه يقول لهم ليتزوج الذكور منكم الإناث، أو أنه يتكلم عن بناته اللواتي من صُلبه. وفي الحالتين فإنما يأمر لوط عليه السلام قومه أن يتزوجوا الإناث زواجا عفيفا طاهرا كما في قوله: {يَا قَوْمِ هَـٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود:78].

لكن...محل الشاهد أن هذا الرجل ترك في صدره حرجا من آية لعشرات السنوات ولم يُسرع إلى طلب العلاج. وهذا يا إخوتي مما لا ينبغي. فعلاج القلب أولى من علاج البدن.

وليس العلم الشرعي هو وحده الماحي لمرض الكراهية، بل إن استعراض التاريخ، والاطلاع على واقع البشرية هو من العلم الذي يقود أصحاب البصائر السليمة إلى الإيمان والثقة واليقين والفخر بما أنزل الله تعالى. راجع مثلا محاضرة (نماذج من (سعادة)! البشرية في غياب الفتوحات الإسلامية) فلعل فيها شفاء لما قد يقع في الصدر من الحرج من آيات القتال.



العلاج الثامن:
8) الدعاء:

بأن تدعو الله تعالى ان يجعلك ممن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان. فهو تعالى القائل في الحديث القدسي: «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم» (مسلم).

كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك".

واستحضر هذا المعنى وأنت تقول في أذكار الصباح والمساء: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا.

استحضر أنك ترضى بالله ربا بالفعل... ترضى كل آية في كتابه تعالى فهو كلام الله، وبالإسلام دينا... فترضى بشريعته وبشعائر دينه، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا... فتحب سنته ولا تجد في صدرك حرجا من شيء من سُنته.

فهذه ثمانية علاجات، أسأل الله أن ينفع بها وأن يُنقي بها قلوبنا.


ختاما:
أحبتي الكرام، على ضوء ما تقدم فإن المستعرض لواقع الأمة الإسلامية اليوم يتألم لما يراه من تفشي هذه الظاهرة المهلكة المدمرة. صحيح أن من الصحابة من وقع في الكبائر، لكنها كانت غفلات تحت ضغط الشهوة ما يلبث الصحابي والصحابية أن يستفيق منها ويتوب إلى الله ويطلب التطهير منها. ولا والله لم يكرهوا ما أنزل الله، بل هم أطهر قلوبا من ذلك وأبر بعهد الله. أما في أيامنا هذه... فهناك ظواهر يصعب أن نفسرها دون أن تكون كراهية ما أنزل الله أو شعائرِ الدين سببا رئيسا فيها.

- يا من تنفرين من الجلباب وتصرين على لبس الثياب الرقيقة المجسمة كالبنطال مع أنك لستِ من بيئة تحارب الحجاب بل قد تكون أمك محجبة حجابا صحيحا...هل أنت تحبين قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]؟؟ هل تحبين هذه الشعيرة من شعائر الدين (الجلباب)؟ حصل أن يعصي بعض الصحابيات، لكن هل سمعتِ أن صحابية كانت نافرة من الحجاب وتصر على عدم ارتدائه؟

- يا من ترفضين شابا يتقدم لخطبتك لأنه ملتحٍ! مع أنه حسن الخُلق والخلقة وبه المؤهلات كلها... أأنتِ تحبين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى فيه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7]. أليس مؤلما جدا أن أرى من حولي شبابا على مستوى عالٍ من الأخلاق قد آتاهم الله دينا ودنيا يتقدمون لخطبة الكثير من الفتيات اللواتي يُفترض أنهن مسلمات وأكثر هؤلاء الفتيات سبب رفضهن اللحية وأنه لا يريد الدخول إلى قاعة النساء يوم العرس؟! ماذا حصل لكن يا فتيات أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟!

- يا شباب المسلمين ويا كهول المسلمين... ما بالكم تجهدون أنفسكم يوميا في التخلص من هذا المظهر السني (اللحية) بدل أن تعلنوا به محبتكم لنبيكم صلى الله عليه وسلم واعتزازكم بالانتساب إليه واستعلاءكم على أعدائه؟ أأنتم تحبون سنة صاحب السنة الذي بلَّغ وفسر لكم ما أنزل الله؟ إن كنتم رأيتم نماذج مشوهة من أناس رديئين أطلقوا اللحية ثم كانوا أنذالا لا أمانة لهم فهل الحل أن تنفروا من السنة ذاتها أم أن تعملوا بها وتحسُنَ أخلاقكم ليحبكم الناس فيحبوا السنة التي تدافعون عنها وتعتزون بها؟

- أيها المسلمون والمسلمات! ألا تخشون أن تكونوا ممن قال الله فيهم: {لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [المؤمنون:70].

إنَّ ترك الحجاب الصحيح وغيره مما ذكرنا هي معاص يُحكم لصاحبها في الدنيا بالإسلام ولا يُكفر ما لم يبُح بكراهية ما أنزل الله... لكنه سيلقى الله، وستلقى هي الله بقلب سقيم غير سليم... فليحذر العاقلون.

أحبتي...حتى لو كثُرت ذنوبنا فإنا ما نزال نرجو العفو من ربنا إن سلمت قلوبنا من هذا المرض المدمر المُضيع للحسنات {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:888-89]، فاحرص واحرصي أن لا تموت إلا وقلبك سليم تجاه كتاب الله، ألا تموت إلا وأنت تحب كل آية من آياته، وكل حكم من أحكامه، وكل شعيرة من شعائر دينه وكل مظهر من مظاهر دينه، وكل كلمة قالها الله أو قالها رسوله صلى الله عليه وسلم. فوالله إنه ليُرجى لك حينها الخير الكثير...

فاترك المعصية واحذر المغرضين وأعرض عن المبغضين واستعرض تعاسة النافرين وأدرك ضعفك وأحسن الظن بربك واطلب علما يطهرُ قلبك وادع مَن القلوب بين أصبعين من أصابعه... فإنك إن فعلت صفت لك حياتك وشملتك في الآخرة رحمة أرحم الراحمين.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت فتنة قوم فتوفَّنا غير مفتونين. نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأحد، 22 أغسطس 2010

القصّة الكاملة للأخت كاميليا شحاتة

القصّة الكاملة للأخت كاميليا شحاتة


ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 19 - 08 - 2010
نقلا عن : جريدة المصريون



(هذا الملف مطروح للعرض على ضمير الأمة الإسلامية)

(1) ليلة تسليم المواطنة كاميليا شحاتة للكنيسة

محمود سلطان

للمرّة الثانية في أقلّ من أربعة أعوام، تُسلّم الدّولة مواطنة مصرية للكنيسة، الأولى عام 2004 كانت ضحيّتها المواطنة وفاء قسطنطين، حيث اختفت تماماً خلف إحدى الأديرة القلاعيّة المنتشرة في فيافي مصر القاحلة، واتّهم فضيلة الدّكتور زغلول النّجار الكنيسة بقتلها وأعلن ذلك صراحة، فيما خرست كل الألسنة، ولم يجرؤ أيّ مسؤول كنسيّ أو مدنيّ مصري من أن يواجه هذا الاتهام رغم خطورته، ولم تفتح النيابة العامّة تحقيقاً بشأنه حتّى اليوم رغم "مهيصة" قيادات كنسيّة بارزة وعدت بأنّها ستُظهر الضحيّة على شاشات التلفزيون، ثم بلعوا وعودهم والتزموا الصّمت وكفوا على "القتيلة" ماجورا!

كنت أحسب أنّ الدّولة تعلّمت من خطئها، أو قل "تألمت" من افتئاتها على حقّ مواطنة مسؤولة عنها، ومن المُفترض أن تحميها من هذا الإرهاب الدينيّ ومن بلطجة رجال "إكليروس" الذين تعاملوا بخسّة وبرخص مع سيّدة مسكينة ومستضعفة بطريقة تعكس فظاظةً في القلب وموات ضميرٍ ودناءة نفسٍ تعفّها كلّ أصحاب الفِطر السليمة.


يوم أمسٍ وضعت الدّولة بنفسها حدّاً لأيّ تفاؤلٍ ممكنٍ بشأن "إنسانيّتها" التي ماتت ودُفنت وتلقّت عليها العزاء، ليس فقط يوم ذبح خالد سعيد وإنّما يوم سلّمت وفاء قسطنطين للكنيسة، وربّما عشرات مثلها لم نسمع عنهنّ شيئاً.

يوم أمسٍ يُعاد سيناريو وفاء قسطنطين مجدداً، وكأنّه "عادة" بسيطة، مثل بلع حبّات الأسبرين، لا يكلّف أكثر من ربع كوب ماء وحبّة بيضاء بقرش أو بقرشين!


الدّولة سلّمت يوم أمس مواطنة أخرى للكنيسة، بعد أن استجابت للإبتزاز القبطيّ ولإرهاب عددٍ من القساوسة المتطرّفين!
لا أحد حتّى اليوم يعرف لم هربت السّيدة وهجرت زوجها "الكاهن" واختفت، وأين كانت وكيف أُلقي القبض عليها والتّعامل معها وكأنّها مجرمةٌ هاربةٌ من جريمة، أو هاربة من أداء الخدمة العسكريّة؟!

مواطنةٌ تركت بيت زوجها وهجرته، حادثٌ عاديٌّ يحدث في كلّ دول العالم، فلِمَ تُجيّش الجيوش وتُقام الكمائن الأمنيّة على الطّرقات ومداخل المدن والقرى والنّجوع، لا يحدث هذا إلا في بلد بلغت به "الخفّة" حدّ أن تستجيب لـ"شوية" متطرّفين مسيحيين "هوّشوها" بحكاية "الخارج" وعصا أمريكا الغليظة!

أمس سُلّمت السيّدة "كاميليا شحاتة" إلى الكنيسة، وهي شابّة يافعة لم تبلغ الخامسة والعشرين عاماً بعد، ليُلقى بها خلف أسوار الأديرة المظلمة، فيما لا يجرؤ "التخين" في البلد أن يسأل عنها مجرّد سؤال بعد أن تتلقفها العباءات السوداء إلى حيث لا يعرف عنها شيئاً إنسٌ ولا جان!

فضيحة، استهتار، لا مبالاة! تصرّفات غير مسؤولة لايمكن أن تصدر من رجال دولة حقيقيين وإنّما من هواة، أو من رجال بزنس لا يرون في الوطن إلا موضوعاً للرّبح والصّفقات، ولا يُداس فيه إلا الضعفاء ومن لا ظهر لهم ولا بطن.


أمس ظهرت الحقيقة جليّة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا كلّ أفّاك وكذّاب ومتآمر، وهي أنّ الأقباط، فعلاً جماعة مضطهدة ولكن ليس من المسلمين كما يحاول سماسرة الطّائفية وأمراء الكراهيّة أن يسوّقوها، وإنّما من الكنيسة التي وجدت في الدّولة "الرّخوة"من يتواطأ معها ويقوم بدور "الشّرطي" للسلطات الدينيّة القمعيّة بداخلها، وأسألوا وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة وقبلهما ماري عبدالله.
sultan@almesryoon.com


(2) الأنبا موسى يشرف على علاجها بأدوية تؤثّر على الوعي، الكنيسة تقول إنّ كاميليا شحاتة لن تظهر على وسائل الإعلام إلا إذا حدثت معجزة وشُفيت من صدمتها

كتب جون عبد الملاك (المصريّون) 31-07-2010 00:19

علمت "المصريّون" أنّ الأنبا موسى أسقف الشّباب يشرف بنفسه على عمليّة ما وصفته الكنيسة بـ"إعادة التّأهيل النفسيّ" للسيّدة كاميليا شحاتة زاخر زوجة القسّ "تادرس سمعان" كاهن دير مواس بمحافظة المنيا، حيث زعمت مصادر كنسيّة إصابتَها بـ"حالة صدمة عصبيّة بعد خلافات زوجيّة طاحنة مع زوجها"، وذلك بعد تسليمها إلى الكاتدرائيّة المرقسيّة للتصرّف في شأنها بعد منعها عن العودة إلى زوجها أو أهلها.


أحد أساقفة القاهرة -وأحد المقرّبين للأنبا موسى- زعم أنّ السيّدة كاميليا -التي تتنابها نوبات عصبيّة شديدة- لم يفلح أطباء الكنيسة على مدار الأسبوع الماضي في علاجها أثناء تواجدها بدير عين شمس، ممّا اضطرهم لحقنها ببعض العقاقير التي تُذهب العقل لتخفيف آلامها، خصوصاً وأنّ الحالة تزداد سوءاً يوماً تلو الآخر وذلك بحسب ما أفاد به المصدر.

وقال الأسقف الذي آثر عدم ذكر اسمه لـ"المصريون" أنّ الأنبا موسى أسقف الشّباب المشرف على علاجها "روحياً" أخطر البابا شنودة بصعوبة وربّما استحالة ظهورها إعلاميّاً لتنفي ما تردّد عن إسلامها، خصوصاً وأنّ حالتها من سيّئ لأسوأ، إلا إذا حدثت معجزة أو استطاع الأطباء إعطائها بعض المهدّئات لتستطيع الظهور إعلامياً وتردّد ما تريد الكنيسة منها أن تقوله، فطالبه البابا شنودة بإعطاء الأطباء مزيداً من الوقت قبل أن يتمّ نقلها لدير الأنبا "بيشوي" بوادي النطرون الذي نُقلت إليه سابقاً وفاء قسطنطين، موضّحاً أنّ الزّيارة ممنوعة تماماً لها بأوامر البابا شنودة.


إلى ذلك كشف مصدر مقرّب من القسّ تادرس "زوج السيّدة كاميليا" أنّه يعيش حالة اكتئاب بعد رفض الكنيسة السّماح له باستلام زوجته خصوصاً وأنّه في الثلاثينات من عمره ولن يستطيع الزّواج مرّة أخرى بحسب التقليد الكنسيّ الذي أقرّه البابا شنودة والذي يرفض الطّلاق إلا لعلّة الزنى أو تغيير الدّين!


في المقابل تسود حالة من الذّهول واستنكار التقاعس الأمنيّ عن حماية المواطنين وحريّة معتقدهم لدى سكان منطقة الهرم "الطالبيّة" بعد الجريمة البشعة التي أقدمت عليها عائلة شابّة مسيحيّة -أشهرت إسلامها تدعى "ياسمين" بعد زواجها من شابّ مسلم منذ شهر، حيث استغلّوا عدم وجود زوجها وقاموا بخطفها بعد إرسال ما يقارب من عشرين رجل مسلّح على مرأى ومسمعٍ مِن سكّان العقار لخطفها، ولم يُفلح أحدٌ في اعتراضهم حيث اقتادوا الفتاة إلى جهة غير معلومة.

وتأتي تلك الواقعة البشعة بعد أيّام قليلة من جريمة أخرى شهدتها منطقة شبرا الخيمة، حيث لقي الشّاب المسلم ياسر خليفة مصرعه على يد ستّة أقباط في شبرا الخيمة، بعد زواجه من فتاة تربطها بهم علاقة قرابة وتدعى "هايدي"، بعد أن أشهرت إسلامها ولم يتحرك لأحدٍ ساكنٌ.


(3) المصريّون تنفرد بنشر القصّة الكاملة لإسلام "كاميليا شحاتة" زوجة كاهن دير مواس وحادثة اختطافها واختفائها

كتب أحمد سعد البحيري (المصريّون) 12-08-2010 01:03

حصلت المصريّون على تسجيل صوتيّ من أسرة الشيخ "أبو محمّد"، الأب الروحيّ "لكاميليا شحاتة زاخر"، زوجة كاهن المنيا "تيداوس سمعان" التي أثارت ضجة كبرى في الأسابيع الماضية، وهو رجلٌ مسنٌّ من أهالي أسيوط، ومعروفٌ بين أهل الصّعيد بمساعدته للرّجال أو النّساء الذين يريدون إشهار إسلامهم في الأزهر، خاصّة وأنّ زوجة ابنه كانت مسيحيّة وأسلمت، فهو يعرف الإجراءات ويتطوّع لمساعدة الرّاغبين قربة إلى الله، وهو الرّجل الذي لجأت إليه "كاميليا شحاتة زاخر" زوجة كاهن دير مواس، حيث بقيت مع أسرته أربعة أيّام ثمّ ذهب بها إلى القاهرة من أجل استخراج شهادة إشهار الإسلام من الأزهر، وقصّ "أبو محمّد" في التّسجيل الصوتيّ الحكاية كاملة لإسلام كاميليا منذ أوّل اتصال جرى بينها وبينه وحتّى اختطافها بعد تقديمها طلب إشهار إسلامها في الأزهر.


وقال الشّيخ أبو محمّد في الحوار ـ الوثيقة (تسجيل صوتيّ)، الذي تحتفظ المصريّون بنسخته، أنّ كاميليا كانت قد اتّصلت به تطلب منه مساعدتها من أجل إشهار إسلامها بشكل رسميّ في الأزهر، وأنّها لا تعرف الطّريقة ولا تعرف أحداً غيره يمكن أن يساعدها في ذلك، وبعض أهل الخير دلّوها عليه، فرحّب بها ودعاها إلى القدوم للبقاء مع زوجته وزوجة ابنه للتأكّد من إسلامها وكتابة إقرار تؤكّد فيه على اختيارها الإسلام برغبتها وإرادتها، وأنّها تريد أن تشهره رسمياً في الأزهر، ويوضّح أبو محمّد أنّ هذا الإقرار يطلبه من أيّ شخص يقصده للمساعدة على إشهار إسلامه حتّى لا يتّهمه أحدٌ بعد ذلك بأنّه خطفه أو أكرهه أو نحو ذلك مما يُشاع، وقال الشّيخ "أبو محمّد" :إنّ هذا الإقرار الذي كتبته كاميليا بخطّ يدها قمتُ بتسليمه بنفسي إلى الجهة الأمنية التي استدعتني للتحقيق بعد تفاعل الأحداث وهو بحوزتها الآن، وأضاف "أبو محمد" أنّ "كاميليا" أتت في موعدها ولاحظ أهل بيته عليها الحرص الشديد على دوام الذّكر وقراءة القرآن، كما كانت تتوضّأ وضوءها للصلاة قبل كلّ صلاة بفترة كبيرة استعدادا للصّلاة، وقال: أنّه كان واضحاً أنّها تعرف عن الإسلام الكثير من طريقة صلاتها ووضوئها، وأنّها تقرأ القرآن بتجويد منضبط جداً أفضل من كثير من المسلمين، وأنّها أخبرتهم بأنّها زوجة كاهن، وأنّ زوجها كان يضع أموال التّبرعات للكنيسة في حساب شخصيّ باسمها في دفتر توفير بالبريد، وأنّها قبل سفرها قامت بسحب كامل المبلغ المودع باسمها وقدره خمسة وثلاثون ألف جنيه، ووضعته في مظروف وتركته في البيت لزوجها مع رسالة تفيد بذلك، كما تركت ذهبها الشخصيّ كلّه أيضاً في بيت زوجها وباعت شيئاً قليلاً منه للإنفاق على سفرها وإجراءاتها، وأضاف "أبو محمد" أنّه سافر بها مع شخص آخر اسمه "أبو يحيى" من أهالي المنيا، إلى القاهرة قاصدين الأزهر الشّريف من أجل إشهار إسلامها، وقاموا بملئ الاستمارات، ووقّعت عليها "كاميليا" بما يُفيد رغبتها في ترك المسيحيّة والدّخول في الإسلام، وتمّ تسليمها إلى الجهة الإداريّة المختصّة بذلك في الأزهر للحصول على التوقيعات والأختام، وأضاف أنّه لمّا طالت المدّة ناشد الموظفين مساعدتهم لأنّهم من الصّعيد قدموا من سفرٍ بعيد، وهو كبيرُ السّن وصاحب مرض، ويريدون العودة وإنجاز الورقة، فسألوه عن صاحب الشّأن أو صاحبة الشّأن، فنطق باسمها، فجَرت همهمة بين الموظفين وقالوا له: لدينا تعليمات بعدم إنجاز أي ورقة تخص هذه السيّدة اليوم، تعال غداً لأنّ هناك لجنةٌ من القساوسة ستقابلها وتناقشها، قال: فخرجنا، وكانت كاميليا قد لبست النّقاب، وأصبحنا في حيرة، هل نعود بها غداً وقد يقبضون عليها مثل "وفاء قسطنطين" أم نعود بها إلى الصّعيد، وكانت المظاهرات قد وقعت في المنيا والقاهرة بسبب الموضوع، المهمّ أنّنا قرّرنا العودة في اليوم التالي إلى الأزهر، وتركنا "كاميليا" في السّيارة في منطقة بعيدة نسبيّاً وبيننا وبينها الهاتف خشية أن يكون هناك كمينٌ لها ويقبضون عليها، وذهبنا للدخول في الأزهر، فوجدنا الأزهر محاطاً بقوات أمن كبيرة، وفوجئنا بمدخل الأزهر وهو مزدحم بالقساوسة داخل الأزهر ومعهم رجال الأمن، وفوجئتُ بأحد القساوسة يطلب منّي تحقيق الشخصيّة، فغضبتُ جداً وقلتُ لرجال الأمن: "هوَّ أنا داخل كاتدرائية ولّا داخل الأزهر"، فخجل رجل الأمن الواقف جداً من الكلام واعتذر لنا وتركنا ندخل، يقول "أبو محمّد" أنّه أدرك من المشهد وحشد القساوسة داخل الأزهر أنّ الأمور لن تسير كما تتمنّى "كاميليا"، كما لاحظ أن أعيناً كثيرة بدأت تراقبه هو وصاحبه حيثما تحرّكوا داخل الأزهر، حتّى صلّوا فيه وخرجوا، وتتبّعهم بعضُ من يظنّ أنّهم من رجال الأمن، ولكنهم دخلوا بعض المحلات وخرجوا من أخرى حتى زاغوا في الزحام وعادوا إلى السيارة، فوجدوا "كاميليا" في حالة قلق ولكن لسانها يلهج بذكر الله والتّسبيح، فطمأنوها وأخبروها بأنّ الأمور ستكون صعبة هذه الأيّام، وقال "أبو محمّد" أنّه فكّر في أن يهرّبها إلى بلدٍ عربي مجاور مثل ليبيا، بعيداً عن هذه الضّغوط والمشاكل من أجل أن تُشهر إسلامها هناك في مأمن، ولكنّه لم يكن معه مال يكفي لذلك، فسافر إلى أسيوط من أجل الإتيان ببعض المال يساعده على إنقاذ "كاميليا"، وتركها في معيّة أهل بيتٍ مسلمين في القاهرة لحين عودته، وكان يتّصل كلّ فترة بهم، حتّى انقطع الاتّصال فجأة ولم يعد الهاتف يستقبل، فعرف أنّهم وصلوا إليها وقبضوا عليهم، كما قبضوا على الأخ "أبو يحيى"، وتمّ تسليمها إلى الكنيسة كما أُعلن بعد ذلك، وقال "أبو محمّد" أنّ بيته تحوّل إلى مأتم كبير، خاصّة زوجته وزوجة ابنه الذين أحبّوا "كاميليا" كثيراً وأثّر فيهم كثيراً إخلاصُها الشّديدُ لدينها الجديد، وتضحياتها ونبل أخلاقها، فكانت -حسب قولهم- غاية في الأخلاق والأدب، وقالوا أنّهم على كثرة ما شاهدوا من حالات إسلام جديدة لم يروا سيّدة بهذه الأخلاق والتديّن، وفجأة بعد يومين من احتجازها أتاني اتصال قصير منها، يقول "أبو محمّد"، كانت من هاتف محمول برقم غريب تؤكّد لهم فيه أنّها على إسلامها وأنّها ستموت عليه، وطلبت منهم إذا لم تعد أن يصلّوا عليها صلاة الغائب، ثمّ طلبت منه أن يمحو رقم هذا الهاتف ولا يتّصل عليه، يقول "أبو محمّد" أنّه على الرغم من أنّ الجهات الأمنيّة تعاملت معي باحترام ودون أذى، إلا أنّهم هدّدوني أكثر من مرّة لترك هذا الموضوع بالكليّة، ولكنّي أخبرتهم أنّي لن أتركه ولن أردّ أحداً جاءني يريد الدّخول في دين الإسلام.


وعن وقتها قبل سفرها للقاهرة كيف كانت تقضيه، قال إنّها كانت تقضيه في الصّلاة والذّكر والقراءة، فكانت تحبّ القراءة كثيراً، وتطلب منّا كتباً دينيّة تزيد معرفتَها بدينها الجديد، وأكّد "أبو محمّد" أنّها قالت له أنّ ابن خالتها كان قد أسلم قبل سنوات وهو يدعو للإسلام، لكنّها لا تعرف شيئاً عنه من سنوات، وقال أنّ حبّها للقراءة والاطّلاع كان هو السبب المباشر والرئيسيّ لإقبالها على الإسلام، كما حكت زوجته وزوجة ابنه في الشّريط نفسه أنّ رؤيتها للباس المسلمات المحجّبات والمنقّبات أثّر فيها كثيراً، وكانت دائماً تتمنّى أن تلبس مثله، وكانت تحاول لبس أزياء فضفاضة ومحتشمة إلا أن زوجها الكاهن كان ينهرها ويطلب منها أن ترتدي ملابس "محزّقة" ويسخر من لبسها الفضفاض ويصفه بأنّه "لبس عبايط"، وقالت زوجة ابن "أبو محمّد" وكانت هي الأخرى مسيحيّة أسلمت، إنّ كاميليا كانت متعمّقة جداً في الإسلام، لدرجة أنّي لاحظت أنّها تبدأ صلاتها بدعاء الاستفتاح، كما كانت تطلب منّي كتباً كثيرة للقراءة، ونفت أن تكون قد تحدّثت عن خلافات أسريّة مع زوجها باستثناء موضوع كراهيّته للبس المحتشم.

بيان من جبهة علماء الأزهر بشأن سفينة المتفجرات الكنسية

بيان من جبهة علماء الأزهر بشأن سفينة المتفجرات الكنسية


ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 19 - 08 - 2010
نقلا عن : موقع جبهة علماء الأزهر



في تطور مرعب لجرائم الكنيسة المصرية نشرت صحيفة "المصريون" الغراء يوم الثلاثاء 7 من رمضان 17 من أغسطس تحت هذا العنوان:
اعتقال نجل وكيل مطرانية بورسعيد مالك سفينة المتفجرات القادمة من إسرائيل..


وكتبت تقول:
أصدر اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية قرارًا باعتقال " جوزيف بطرس الجبلاوي" ، نجل وكيل مطرانية بورسعيد، وهو مالك السفينة التي تم ضبطها من قِبَلِ جهاز مباحث أمن الدولة قادمة من إسرائيل وعلى متنها مئات الأطنان من المتفجرات، وذلك بعد ساعات من قرار قاضي المعارضات الإفراج عن هذا المجرم، وقد منع من السفر بموجب قرار أصدره المستشار عبد المجيد محمود النائب العام. ثم قالت الصحيفة :وجاء صدور مذكرة الاعتقال بعد اجتماع عقده وزير الداخلية مع بعض مساعديه، وقد استند القرار إلى اعتبار الحادثة تشكل خطرًا جسيما على الأمن ، وسيظل قرار الاعتقال ساريًا إلى حين البت في أمره- تقصد المجرم-، بعد انتهاء تحقيقات النيابة والكشف عن كافة الملابسات المتعلقة بشحنة المتفجرات المضبوطة.

قالت :
وكانت معلومات قد وصلت إلى جهاز مباحث أمن الدولة عن قيام "جوزيف بطرس الجبلاوي" نجل وكيل مطرانية بورسعيد بتهريب شحنة ضخمة من المتفجرات مجلوبة من "إسرائيل" ومخبأة في أماكن سرية من الحاويات، فتم القبض عليه، وضبط السفينة والشحنة، وإحالته إلى النيابة التي قررت حبسه أربعة أيام على ذمة التحقيقات فى القضية رقم 756 لسنة 2010 إدارى الميناء ، غير أن قاضي المعارضات – التي لم تفصح الصحيفة عن اسمه- أمر بإخلاء سبيل المتهم على ذمة القضية ، فأصدر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود قرارا عاجلا بإدراج اسمه على قوائم الممنوعين من السفر ، قبل أن يتخذ وزير الداخلية قرارا باعتقاله نظرا لخطورة الواقعة . ثم أردفت :وفي الإطار نفسه ، يتجه النائب العام إلى تحويل بلاغ إلى التحقيق يطالب فيه المحامي نبيه الوحش بإخضاع مطرانية بورسعيد والكنائس التابعة لها للتفتيش من قبل أجهزة الأمن، بعد إثارته شكوكًا حول قيام المتهم بإخفاء مواد متفجرة داخل المطرانية، اعتقادًا منه بأنها- يقصد المطرانية- غير قابلة للتفتيش. ويقول المحامي الغيور الأستاذ نبيه الوحش في بلاغه: إن الحادثة تعزز من الاتهامات الرائجة بتحول العديد من الكنائس والأديرة إلى مخازن للسلاح والمتفجرات والأسلحة الخفيفة والمتوسطة خلال السنوات الأخيرة، كما أن العديد من الوقائع التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة تعطي مؤشرا جديا على هذه الاتهامات ، ضاربا المثل بما حدث في وقائع "الكشح" ودير "أبو فانا" حيث خرج القساوسة بالأسلحة الآلية وهاجموا تجمعات مسلمة في مفاجأة أذهلت الأجهزة الأمنية.تأمل !!!


واتهم المحامي الغيور الكنائس والأديرة بأنها خالفت دورها الرعوي، وتحولت إلى معتقلات لمن أطلق عليهم "المسلمين الجدد"، مثل السيدتين "كاميليا شحاتة"،و"وفاء قسطنطين"وغيرهما، مشددا على أهمية تفتيش الكاتدرائيات الكبرى في وادي النطرون والعباسية، التي ذهبت تقارير إلى أنها تحولت إلى مقار احتجاز لعدد كبير من النصاري الذي اعتنقوا الإسلام في السنوات الأخيرة.

وقد أجرت الصحيفة حديثا مع المحامي الغيور جاء فيه :أن قرار وزير الداخلية بإصدار مذكرة اعتقال لنجل وكيل مطرانية بورسعيد – المجرم- يعد استجابة للبلاغ الذي تقدم به للنائب العام، مشيرا إلى أنه لن يلتزم الصمت في حالة حفظ البلاغ، بل سيتجه لرفع دعوى قضائية لإلزام وزارة الداخلية بإجراء تفتيش دوري على الكنائس والأديرة، فضلا عن ضرورة إخضاعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات وكافة الأجهزة الرقابية المصرية، باعتبارها مؤسسات تتبع الدولة المصرية وليست دولة منفصلة . ثم طالب بضرورة إنهاء الدولة" للسياسات التمييزية ضد الأغلبية المسلمة"، مشيرا إلى أن المساجد والزوايا تخضع للتفتيش والاقتحام من قبل أجهزة الأمن، وأنه من باب أولى أن تخضع الأديرة لمثل هذه الإجراءات.

كما طالب كذلك بإلغاء ما وصفها بـ "الحصانة" للأقباط والتي لم تعد قاصرة على أعضاء مجلسي الشعب والشورى فقط بل إنه –بفعل الضعف العام البادي- قد اكتسبها أيضا القبطي العادي، في إشارة إلى انحياز الدولة وأجهزتها على الدوام إلى جانب النصارى الجائرين، ما اعتبره الأستاذ المحامي مخالفة للدستور والقانون واستفزازُا للرأي العام المصري.


ونحن بعد ذلك نقول:

1- إن الذين يدبرون الجرائم لا يعجزون عن تبريرها ، بل وعن تحميل الآخرين تبعاتها، وإن حماقة المُنَصِّرين لن تقف عند حد ،وإن للصليبية الحديثة التي يقودها هذا الصليبي في ديارنا مآرب واضحة، إنها تحاول أن تجعل من انكسارنا الحضاري ارتدادا عاما عن الإسلام، فهي بدأت أمرها أولا : بمحاولات خلخلة اليقين في الأمة، والتشكيك في قضية التدين على وجه العموم عن طريق رعايها في وسائل الإعلام المختلفة، وإن ما حدث في صحيفة اليوم السابع ليس ببعيد، وذلك تمهيدا منها للمرحلة الثانية التي وصلتها، والتي تقوم على حركة تقارب ومودة بين جيل من الساسة قد انسلخ عن عقائده وبين أبناء الدول المسيحية الغالبة، حيث يباركون سعيها، ويحمون لها أطماعها، ويباركون في الأمة جرائمها.

أما المرحلة الأخيرة فالمفروض فيها أن تُمحى معالم الإسلام من أقطاره العتيدة، وأن يُنَصَّرَ ما يمكن تنصيره، ويُستأصل ما يُستعصى على الردة.

ولهذا لم يكن من المستغرب أن يكون أول رئيس لجماعة "الشبان المسيحيين" في مصر ورئيسها الفخري هو سعادة سفير بريطانيا العظمى ،تلك الجماعة التي تولت فروعها في صعيد مصر إثارة الشغب الطائفي على الدوام [ التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام 31]

2- وإن حماقة المُنَصِّرين لا تعرف لها حدا تنتهي إليه، ولا سقفا تقف عنده ، فقد دخل المجرم القس "زويمر" من قبل إلى الأزهر الشريف ليدعو فيه إلى النصرانية كما دخله اليوم مجرمو الكنيسة يطاردون حماة النسوة المسلمات في عرصاته بغير صريخ عليهم ولا نكير، وذلك كله وفق خطة أحكموها، وبرنامج أعدوه والتزموه ، يحقق على غفلة واستغفال إذلال المسلمين، وإبادتهم في ديارهم .

3- كذلك فإن الحقد الذي تغلي منه أفئدة الحاقدين على ديننا لا عقل له ولا ضمير، فبينما يقبل المسلمون بينهم وجود أديان مغايرة لدينهم ، ويرفضون بأمر دينهم إكراه أحد على ترك ملته، ويرضون أن يتألف المجتمع من مسلمين وغير مسلمين، نرى المسيحية تتبرم بالديانات الأخرى، بل وترسم على الدوام سياستها الظاهرة والباطنة لإبادة خصومها، أو تحقيرهم، وحرمانهم من أسباب الحياة حتى ترغمهم على النصرانية جبرا . فبينما يقول القرآن الكريم( لا إكراه في الدين) تنسب الكتب المقدسة –كذبا- إلى السيد المسيح عليه السلام أنه قال لحوارييه " اجبروهم على اعتناق دينكم" مما رسم وشكل القاعدة لحركات التنصير، والتحريق، والاستئصال، تلك الجرائم الإنسانية التي كانت ظواهر عامة في تاريخ المسيحية المحرفة. حتى بلغ التعصب الكنسي أن قضى بتحريم الوظائف الجليلة أو التافهة على المخالفين لأصحابها في المذهب لا في الديانة فحسب . كما حدث في القرن الثامن عشر من قتل لمحام بروتستنتي لأن القانون الفرنسي كان يحظر آنئذ مهنة المحاماة على البرتستنت، ، ثم اتهم أبوه باغتياله ليعدم. وتعرف هذه القصة في فرنسا بمأساة " كالا" ، وقد وقعت في ذات العصر قصة مشابهة تسمى بمأساة " سيرفين" وفيها أن امرأة كاثوليكية كانت تخدم أسرة بروتستنتينية أغرت ابنتها بالفرار إلى دير كاثوليكي ،فسيمت فيه سوء العذاب لتغير عقيدتها، غير ان الفتاة تخلصت من عذابها بالانتحار غرقا في بئر، فاتهمت السلطات كذلك أباها بإغراقها ليحول دون ارتدادها عن دينها، ثم صدر حكم قضائي بقتل الرجل وامرأته ومصادرة أملاكهما [ السابق 58].

4- إن هذه المسالك المنكرة قد شاعت في معاملة النصارى بعضهم مع البعض، يفعلونها عن إرادة دينية سيئة فيهم فكيف بهم مع غيرهم؟ لقد كانت مصر المسيحية في ظل الامبراطورية الرومانية المسيحية تنوء بما حملته من مظالم تلك الدولة المستعمرة وأثقال الضرائب حتى خارت قواها، وتحولت على مرِّ الليالي السود إلى مستعمرة تزدحم بالعبيد والرعاع مما جعل المصريين يفضلون حكم مجوس فارس عن أن يظلوا خاضعين لإخوانهم الرومان، وظلت مصر قبيل الفتح الإسلامي يتنازع احتلالها الفريقان معا – الفرس والرومان- حتى انهزم الفرس آخر الأمر أمام خصومهم، وتوطد ملك الروم بها، وأضحت بحكم موقعها ومواردها معوانا قويا للروم في القتال الذي دار بينهم وبين المسلمين حتى قرر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فتحها وسيَّر إليها جيش الخلاص بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي استبشر بمقدمه المصريون، وأسلموا له الحاكم الروماني ثم أمضوا معه الصلح الذي صان به الله وجه مصر من ذل الاستعباد وعار الهوان. فاستردت مصر بهذا الفتح حريتها الدينية كاملة، ونالت ضمانا واضحا أن تبقى للمعابد قداستها فلا يقتحمها أحد، ولا تخدش شعائرها، وخفَّ حمل الضرائب فلم يتجاوز مقدار ها الخمسة دراهم على الفرد الواحد القادر على دفعها مقابل تأمين النصارى من الغزاة والمجرمين، على أن تؤدى تلك الضريبة على أقساط ثلاثة، وتنقص تبعا لهبوط الفيضان .ولما طارد العرب الفاتحون فلول الرومان المنهزمين، واستولوا على ما بأيديهم من أموال ردوها مرة ثانية على الأقباط الذين ادعوا ملكيتهم لها وأقاموا البينة على ذلك ، وأبقوا المقوقس على رئاسته للبلاد حتى توفي.

يقول المسيحي الفرنسي المنصف " الكونت هنري دي كاستري" : إن مبالغة المسلمين في الإحسان إلى خصومهم هي التي مهدت للثورة عليهم، إذ أتاحت للمتعصبين أن يجمعوا أمرهم على العصيان، وأن يستغلوا الفرص للقضاء على الدولة التي منحتهم حق الحياة، وحرية التدين، ولو أن المسلمين عاملوا الأسبان مثل ما عامل المسيحيون الأمم الساكسونية لأخلدوا إلى الإسلام واستقروا عليه" ....ثم قال هذا الكونت المنصف " إن الإسلام لم ينتشر بالعنف والقوة كما يزعم المغرضون، بل الأقرب إلى الصواب أن يقال إن مسالمة المسلمين ولين جانبهم كانا السبب في سقوط دولتهم" [المرجع السابق 203] .

5- ومع هذا فإننا لن نندم على فضيلة شرُف بها آباؤنا وجدودنا، لكن نقول إن من حق الكريم إذا أعطى أن يبصُر أين تقع عطيته، فلعله يرسل هديته لمن يستعجل منيته!!

6- ألا فليعلم شنودة أنهم بجرائمهم هم الذين يسعون إلى حتفهم بأظلافهم، فإننا نجزم بأن كل تصرف أهوج يوضع في طريق هذا الدين الكريم إنما هو لحساب قوى غاشمة وسلطات عفنة جائرة مدنية كانت أو كهنوتية باغية.

7- فماذا ينقم هؤلاء منا ؟
أينقمون دينا جعل ابن النبي وابن البغي في الحق سواء؟


أينقمون من دين رفع لواء قواعد العدالة المجردة وجعلها ثابتة ثبوت الشم الرواسي لا يلحقها نسخ ولا يخدشها استثناء

أم ينقمون دينا جعل الرفعة والضعة طوع الإرادة الحرة للجميع ،وجعل من شرع الله نظاما للنفس والمجتمع والدولة جميعا على غير دين النصارى الذي لا تتجاوز عقيدته حدود النفس فقط ؟ فقال جل جلاله {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2] وجعل أي مسلك يتنافي مع ذلك من منتسبين إلى الإسلام خروجا ظاهرا على الإسلام. فعن العرباض بن سارية السلمي رضي الله عنه قال: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، ومعه من معه من أصحابه، وكان صاحب خيبر رجلا ماردا منكرا، فأقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، ألكم أن تذبحوا حُمُرَنا، وتأكلوا ثمرنا ، وتضربوا نساءنا؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال :" يا ابن عوف، اركب فرسك ثم ناد:" إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن، وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم، ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم".
أليس حُمْقا بعد ذلك أن يحارب دين هذا شأنه ويتآمر على أتباعه من أمثال هؤلاء المناكيس،ثم يسكت عليهم، يحاربون دينا ينفع غيرهم وليس فيه البتة ما يضيرهم؟

إننا باسم هذا الدين الذي شرفنا الله بالانتساب إليه، والحديث عنه نطالب حماية للأمة وقياما بحق الملة والدولة :

أولا: ضرورة إنزال هذه الجريمة المنزلة اللائقة بها شرعا، و حتى قانونا من باب الاضطرار، وعرفا، صيانة لأمن الأمة، وقياما بحقوق الدولة.

ثانيا: ضرورة ووجوب الإصغاء سياسيا لمطالب المحامي الغيور القانونية مسارعة لمنازلة المصائب التي بزغ في الساحة قرنها، والتي تنذر باجتثاث الأصول إن تغافلنا عنها كما كان الحال معها من قبل مراعاة لموازنات رخيصة أو مصالح حزبية خسيسة، فالتعلق فإن التعلق بالعصبيات الحزبية أمام تلك الجرائم بخاصة هو ضرب من الوثنية الطاغية، وإضراره بعقيدة التوحيد لا يقل عن تعلق الجاهلية الأولى ب"ودٍّ" و" وسُواعٍ" و" يغوث" و"يعوق" و"نسرا" الوارد ذكرهم في قوله تعالى {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح:23]

ثالثا: ضرورة مساواة معابد الأقلية بما ينزل بمساجد الأغلبية من مراقبة، وتفتيش، أخذا بأضعف الإيمان.

رابعا: وجوب العمل فورا على رد الهيبة إلى مؤسسات الدولة، وذلك بإطلاق كل المسلمات المعتقلات بأقبية الأديرة والكنائس، ومحاسبة كل معتد على سلطات الدولة في هذا الشأن .
ثم إننا ننبه على الأمة كلها بضرورة الاستيقاظ لما يراد بها وبدينها من بعض المتهورين من أبنائها بدعوى ودوافع الطائفية، فإن الركون إلى الألقاب والاعتذار بتقصير المقصرين من بعض المسؤلين لا يجدي عن المساءلة الشرعية فتيلا ولا قطميرا .

{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44]


صدر عن جبهة علماء الأزهر صبيحة الأربعاء 8 من رمضان 1431هـ 18 من أغسطس 2010م

الأحد، 15 أغسطس 2010

لهذا أرفض النصرانية (1): كَذَبَةٌ مختلفون

لهذا أرفض النصرانية (1): كَذَبَةٌ مختلفون


محمد جلال القصاص
أضيفت بتاريخ : : 14 - 08 - 2010
نقلا عن : خاص بموقع طريق الإسلام



مدخل:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه، وبعد...

اشتد دعاة النصرانية علينا يطلبون منا أن نقرأ كتباهم وأن نتعرف على دينهم، يقولون: إن قرأتم كتابنا عظمتموه، وإن تعرفتم على المسيح قبلتموه، ويزعمون أن الأُولين كفروا بالله وبرسوله فعلوا ذلك لأنهم فقط قرءوا كتابهم، وتعرفوا على دينهم، ويُصدِّرون لنا نفراً من هؤلاء المرتدين عن دينهم يحدثوننا بأنهم فقط تعرفوا على المسيحية فتركوا الإسلام!!
كثر حديثهم وطالت مناشدتهم فتركتُ ما بيدي ورحت ألبي طلبهم.

ثلاثٌ: خبرٌ، ومخبرٌ به، وسياقُ الحالِ الذي يعرض فيه الخبر...
وبالنظر في هذه الثلاث تستطيع أن تحصل على توصيف دقيق لما يعرض عليك.
الخبر بالمخبر...
نعرف صدق هذا فنأخذ كل ما يأتينا منه وإن ناقشناه نناقش ماهية الخبر لا الخبر نفسه، بمعنى لا نعترض على الصدق وإنما على أمور أخرى ربما تداخلت فأضلت، ونعرف من هذا الكذب فلا نسمع له، ونرتاب من كل ما يتحدث به.
والخبر ـ أيضاً ـ بأمارات نجدها في ذات الخبر تجعلنا نغض الطرف عن المتحدث إن كان مجهولَ الحال أو معروفاً بالكذب أو التساهل في النقل.
وكذا سياق الحال الذي تعرض فيه المسائل لابد من أن نلتفت إليه لنحصل على توصيفٍ دقيق للمراد من تلك المسائل، إذ أحياناً يعرض الحق في سياقٍ باطل، كأن تعرض الشبهات المثارة حول بعض شرائع الإسلام في برنامج حواري ويأتي ضيف هزيل يدافع، وتكون النتيجية هو تسويق الشبهات وإعطاء جملة مفادها أن الرد الذي تواجهه الشبهات ليس بذاك الرد، وأن أولئك المتحدثون بالشبهات منصفون قد جاءوا بأحد المعارضين وأعطوه فرصة للتحدث عن ذاته والدفاع عن أفكاره، وقد يكون المتحدث هذا مريداً للحق، ولكنه دخل في سياق باطل، فمرعاة سياق الحال مما ينبغي الالتفات إليه.

النظر في هذه الثلاث، المتكلم والكلام وسياق الحال يجعلك تقف على حقيقة ما تواجه من أقوالٍ وأفعالٍ، وهذا الذي فَعَلْتُه حين عرض علي القائمون على النصرانية دينهم، نظرت في حالهم، ونظرتُ في مقالهم، ونظرتُ في سياق الحال الذي أفرزهم، وجئت أحدثك ـ أخي القارئ ـ بعد رحلةٍ من المطالعة والتأمل في حالهم وحال من قبلهم، ومقالهم ومقال مَن قبلهم، وسياق الحال الذي أفرزهم وأفرز الذين مِن قبلهم.
والله أسأل العون والسداد، وأن يبارك في هذه الكلمات بفضله وكرمه ومنته.


كذبة:

بدأ التصدي الفكري للإسلام في دير (مار سابا) جنوب شرق مدينة القدس على يد أحد الرهبان المواليين للدولة البيزنطية، واسمه (يوحنا الدمشقي)، أو(القديس يوحنا) أو (يوحنا ينبوع الذهب) أو (يوحنا ذهبي الفهم)، تعددت ألقابه لعظم مكانته بينهم...
كان (يوحنا الدمشقي) عربي الأصل من نصارى الشام، واسمه الحقيقي منصور بن سرجون بن منصور التغلبي (52هـ ـ 132هـ)، كان يتحدث العربية ويكتب بالإغريقية، وتوزع كتبه على الأديرة بالدولة البيزنطية، إذ كان هذا الراهب جزءاً من الكيان النصراني البيزنطي المحارب للإسلام.

كتب (يوحنا الدمشقي) بالإغريقية يتحدث للبيزنطيين عن الإسلام. فماذا كتب!!
تحدث بالكذب... بل لم يتحدث بغير الكذب!!...
كان منعزلاً في مكانٍ وعرٍ في سفح جبل (دير مار سابا) فانفرد به الشيطان وأملى عليه ذات الأباطيل التي أملاها على المشركين في قريش، وفي كل مكانٍ أُرسل فيه رسول من عند الله تعالى.
ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم على يد أحد قساوسة النصارى، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج من مكة إلا مرة أو مرتين، واحدة وهو طفل صغير ورجع من الطريق، والثانية وهو شاب قبل أن يبعث بعقدٍ ونصف من الزمن، وفي كلا المرتين كان مع أهل مكة لم يفارقهم، ولذا نزل القرآن يحتج على أهل مكة بأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو صاحبهم الذي يعرفوه معرفة الصاحب لصاحبه، قال الله تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [سورة النجم:2]، وقال تعالى:{وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ} [سورة التكوير:22]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سورة سبأ:46]، وفي القرآن الكريم: {قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [سورة يونس:16]...
وقد كان العقلاء من أعدائه يعرفون هذا ويعترفون به في مجالسهم، قال قائلهم: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْش، قَدْ كَانَ مُحَمّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً حَتّى إذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشّيْبَ وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ قُلْتُمْ: سَاحِرٌ، لَا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ، وَقُلْتُم:ْ كـَاهِنٌ، لَا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ، وَقُلْتُم:ْ شَاعِرٌ، لَا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ، وَقُلْتُمْ: مَجْنُون،ٌ لَا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ".
فكل من تكلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم من عند نفسه، لا دليل له على ما يقول وإنما يتكلم من رأسه أو يتكلم بكلامٍ ينقله عن نصارى مثله، فمَرَدُّ هذا الأمر إلى يوحنا الدمشقي، وتناقلوه فيما بينهم إلى أن جاء إلى بطرس ومرقص فتحدثوا به في الفضائيات.

إن كل المعادين للنبي صلى الله عليه وسلم بضاعتهم الكذب، قريش تكلمت بالكذب هي الأخرى قالت علمه بشر وسمت غلاماً أعجمياً لا يحسن التحدث بالعربية، وأسأل: هل رأت قريش هذا الغلام وهو يعلم النبي صلى الله عليه وسلم؟!
أبداً...بل قول يقولونه من عند أنفسهم يدفعون به النبي صلى الله عليه وسلم، قد كان هذا الغلام أعجمي لا يتحدث العربية والقرآن الكريم عربي مبين، قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [سورة النحل:103]...
ومرة قالوا أساطير الأولين {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [سورة الفرقان:5]، وقال تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [سورة القلم:15]...
و (يوحنا الدمشقي)، والذين جاءوا بعده إلى بطرس ومرقص الموجودين في الفضائيات اليوم، قالوا أن النبي صلى الله عليه وسلم نقل عن كتابات الأولين، يعنون كتابهم بعهده القديم والحديث، ويعنون الديانات السابقة، وكأن القرآن خصوصاً والإسلام عموماً تجميع من هنا وهناك!!

وكلهم كاذبون...كلهم يقدمون الكذب...
النبي صلى الله عليه وسلم لم يجلس لأحد ويتعلم منه، ولم يقع على صحفٍ مكتوبة أو كتبت له وقرأ منها، فقد كان أميَّاً صلى لله عليه وسلم وكان بينهم يعرفون حاله جيداً.
والقرآن الكريم لا علاقة له بما في كتاب النصارى بعهديه القديم والحديث، ولا بما في يد غيرهم من البوذيين والصابئة، ليس ثمة تشابه...
فحديث القرآن عن الله سبحانه وتعالى وعز وجل ليس كحديث هؤلاء عن الله سبحانه وتعالى وعز وجل، وحديث القرآن عن أنبياء الله عليهم السلام ليس كحديث كتاب النصارى عن أنبياء الله، إنهم يتكلمون بقبيح من القول عن أنبياء الله، والقرآن ينزههم، وحديث القرآن عن الجنة والنار دار الثواب ودار العقاب ليس كحديث هؤلاء عن دار الثواب والعقاب لا بكثير ولا بقليل، هذا من ناحية الموضوع، ولا تقاطع من ناحية الأسلوب أيضاً، فالقرآن الكريم بلسانٍ عربي مبين، معجز في بيانه، أعجز البلغاء من العرب، وكتبهم ركيكة إن قرأتها بالعربية أو بالإنجليزية أو حتى باليونانية لغتها (الأصلية)، وسنأتي على شيءٍ من هذا بعد قليل إن شاء الله.

ومن ينظر في سياق الدعوة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنها كانت تقف بوجه هؤلاء جميعهم، كانت تدعوهم كلهم إلى دين الله الإسلام، وتصفهم جميعاً بأنهم على خطأٍ عظيم.
فلم تكن حالة من الاقتباس والنقل، ولا حالة من الغش بل حالة من النقض للآخر، حالة شهد لها كل من عرفها بأنها لم تتصل بأحدٍ من البشر تتعلم منه.

والقرآن الكريم يحمل شواهداً على أنه تنزيل رب العالمين، على أنه من لدن حكيمٍ حميد، على أنه ما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون، على أنه من عند من يعلم السر وأخفى.
فيه حديث عن غيب، والبشر لا يعرفون الغيب، وفيه حديث عن أمورٍ علمية (ما يعرف بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم) لم يعرفها البشر إلا من قريب، وهو قبل ذلك معجز بلفظه، يحمل روحاً في كلماته تأخذ بمن يستمع إليه.
مقصودي أن الأولين يعادون الإسلام ويدعوننا إلى النصرانية كاذبون، ويتضح كذبهم أكثر حين تنظر إلى قولهم في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قالوا مجنون!!
وأين دليلهم؟!
ينقلون عن بعضهم أو يحرفون الكلم من بعد مواضعه، يبترون النصوص ويعبثون بها بوضع كلمات تخرجها عن معناها الأصلي ثم يستشهدون بهذا المعنى الجديد، أو يستدلون بالضعيف والشاذ وغير الصحيح من الأحاديث وأقوال العلماء، وكله إفك يفترونه من عند أنفسهم...
كذب يكذبونه...
فلم يتكلم أحد ممن عاصر النبي صلى الله عليه وسلم في عقله أو في خلقه، حتى الأعداء الذين حاربوه، لم يتهمه أحد بشيء في خلقه أو عقله إلا هؤلاء الكذبة.
أنى لمجنونٍ أن يأتي بمثل هذا؟!
قد كان أعقل الناس بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، دانت له العرب والعجم وكل من قام له في زمانه، وأقام دولة لم تذهب إلى يومنا هذا، ووقف التاريخ عنده فصار ينسب إليه يقول: قبله وبعده.
مجنون هذا؟!
لا والله بل أعقل الناس...
دعوى الجنون من هؤلاء لا دليل عليها غير نصوصٍ مكذوبة، وتحريفات في نصوصٍ ثابتة، يأتون بالنص الثابت فيحرفون فيه حتى يخرجوه عن معناه الصحيح ثم بعد ذلك يستدلون به، وهو كذب ولا شك.

ومرة قالوا: بل تنزلت به الشياطين، {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ. وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء:210 ـ 211]، وفي القرآن الكريم ذم للشيطان الرجيم وبيان أنه عدو مبين، {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [سورة فاطر:6]، وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً} [سورة الإسراء:53].
ونستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إن قرأنا كتاب ربنا أو أكلنا أو شربنا، أو مشينا أو جلسنا، نسمي الله ونستعيذ به من الشيطان، فكيف يكون هذا حديث الشياطين؟!
وما دليل من يتكلم!!
لا شيء غير كذب يلقي به علينا...
ولا يرجعون.
أمارة أن القوم هنا فقط للكذب والتضليل أنهم يفتعلون الكذب، وقد تتبعت طرقهم ووقفت على كل الشبهات لا أحسب أن شيئاً فاتني وخرجت بأن ليس ثم شبهات وإنما عقلية مريضة هي التي افتعلت هذه الشبهات...
فالشبهات التي يتحدثون بها عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم مفتعلة كلها بالكذب الصريح أو بالعبث في النص بزيادة أو نقصان أو تحريف للمعنى، أو بالاستدلال بما لا يصح الاستدلال به مثل الموضوع والمكذوب، وأقوال من لا وزن لهم ممن كتبوا أو تحدثوا.
وإن أكبر آية على أنه ليس ثم شبهات وإنما فقط فقط عقلية مريضة تبحث عن شيء تضل به قومها، أننا نرد عليهم ونسمعهم الرد ولا يستطيعون دفعه ثم يعودون لما قالوا، وقد قام أحد قساوستهم مرة يسأل الشيخ أحمد ديدات رحمه الله يقول له كيف تنكرون موت المسيح والقرآن يقول: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} [سورة مريم:33] فبين له الشيخ أن الآية تقول: {وَيَوْمَ أَمُوتُ} بصيغة المضارع وليس بصيغة الماضي وهذا يعني أنه لم يمت، فبهت الذي كفر...
ثم ماذا؟ عاد في مكانٍ آخر يردد ذات الكلمات!!
القصة ليست بحث عن الحقيقة وإنما بحث عن شيء يضلون به الناس، ولولا ذاك لما افتعلوا الشبهات، ولما رددوها وقد طالعوا الرد عليها.


تآخي الكبائر:

الكبائر تتآخى، فلا تجد محترفاً للكذب فقط، وإنما إن تتبعت حال من اشتهر بكبيرة من الكبائر وجدت عنده أخواتٍ لها...
فقوم لوط اشتهروا باللواط ولم تكن هذه مصيبتهم وحدها فقد كانوا قطاع طريق وأهل ظلم ومنكر، قال تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ} [سورة العنكبوت:29].
ومثلهم أهل مدين قوم شعيب عليه السلام، اشتهروا بتطفيف المكيال والميزان، ولم تكن هذه جريمتهم وحدها وإنما كانت لهم أخريات، قال تعالى على لسان نبيه شعيب: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [سورة هود:85].

وحين النظر في حال هؤلاء الذين احترفوا الكذب نجد أنهم يقدمون أنفسهم كمبشرين بالنصرانية، وهم في تصوري كَذَبَة لا يصدقون وخاصة حين يتكلمون عن الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين تتدق النظر في أحوالهم تجد أخريات من الكبائر بجوار الكذب على الله تعالى وعلى الناس...
فتجد النصب على الناس وأكل أموالهم بالباطل وصدق الله العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة التوبة:34]، و تجد انحرافات خلقية تصل للشذوذ الجنسي، وهذا مشهور معروف عن زكريا بطرس وعن عامة من يعملون معه، وقد نشرت تسجيلات مصورة ووثائق مكتوبة.

والمقصود أننا أمام من يريدون صرفنا عن الحق، لا من يريدون هدايتنا لحق.
إن الدعاة للحق لا يكونون كذبة، لا يكون كل حديثهم الكذب، لا يخطئون ثم حين يبين لهم الناس خطأهم يعودون لما قالوا.
إن الدعوة للحق تكون بالأفعال قبل الأقوال، فالدعاة للحق رأوه وعرفوه تماماً فأحبوه وامتثلوه ثم راحوا من حبهم لهذا الحق يدعون الناس إليه ليسعدوا به كما سعدوا، وإن هؤلاء ليسوا كذلك، إنهم فقط يصدون الناس عن دين الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة الأنعام:144]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} [سورة العنكبوت:68].

كان علي أن أنظر في حال من يدعونني للنصرانية، وحين نظرت في حالهم رفضت مقالهم ودينهم.
إنني لعلمي بحال الداعين للنصرانية رفضت النصرانية.


مختلفون

فيما يتحدثون به عن ديننا مختلفون!!
وفيما يتحدثون به عن دينهم مختلفون!!
وإن هذا الاختلاف أمارة على كذبهم، أو نتاج ما اتصفوا به من الكذب وسبب كاف للنفرة منهم ورفض حديثهم.
ولك مثلاً أن ترصد ما تحدثوا به في قضية النبوة، ففي تفسير نبوة النبي صلى الله عليه وسلم تجد أقوالاً متضاربة أياً منها لا يصح واثنان منها لا يجتمعان، وكلهم يقول بها جميعاً أو بأغلبها.
يقولون ساحر، ويقولون مجنون، ويقولون ينقل عن كتابات الأولين، ويقولون علمه أصحابه، ويقولون بل تعلم من زوجاته، ويقولون ويقولون...
وهذه أقوال كاذبة في ذاتها لا دليل عليها، كل أدلتهم من أقوالهم هم ينقل بعضهم عن بعض، أو بنصوص تم العبث بها.
وأقول يكفي فقط لتكذيب أقوالهم في النبوة والشريعة عموماً أن تجمعها بجوار بعضها، تجد كل واحدةٍ منها تكذب أختها، وكل واحدةٍ منها تشهد على المتحدث بها أنه كاذب، وقد فصلت ذلك في كتابي عن زكريا بطرس.

وفيما يتحدثون به عن دينهم مختلفون، اختلاف تضاد، وليس اختلاف تنوع، فبلا أي تكلف نستطيع أن نقول أن كل قضية يقف فيها النصارى وجهاً لوجه ولا يقبل أي منهما الآخر.
الفداء مختلفون فيه، يطال الجميع أم فقط من قبلوا المسيح!!
ومن قالوا بأنه يطال كل من قبلوا المسيح مخلصاً مختلفون هل يطال طائفتهم فقط أم البقية من الطوائف الأخرى؟!
والمسيح عليه السلام نفسه مختلفون فيه: هل هو الله متجسداً! أم ابن الله! أم غير ذلك!! كل ذلك وأكثر من ذلك موجود عندهم، وكل واحدٍ منهم لا يقبل الآخر ولا يرض بقوله.
والكتاب..كتابهم، بعضهم يزيد فيه أسفاراً بأكملها وبعضهم ينقص منه أسفاراً بأكملها، وداخل الأسفار كثر عبثهم.
وحديثهم عن كَتَبَةِ الكتاب ينفر منه القريب قبل البعيد، وسآتي على ذلك بشيء من التفصيل.

ما يعنيني هنا هو أن أنقل لك أخي القارئ المشهد الذي وجدته حال النظر في هؤلاء...
كذبة مختلفون، فكيف أقبل بضاعتهم وكيف لا أرفض دينهم؟!
أترضى بالكذابين؟!!
أترضى بالمختلفين المتحادين؟!!

الاثنين، 9 أغسطس 2010

رمضان فرصة للتقوى

رمضان فرصة للتقوى


السيد العربي بن كمال
أضيفت بتاريخ : : 06 - 08 - 2010
نقلا عن : خاص بموقع طريق الإسلام


أيها الإخوة في الله- ها هو رمضان قرب مجيئه بنوره وعطره، وخيره وطهره، يجيئ ليربي في الناس قوة الإرادة ورباطة الجأش، ويربي فيهم ملكة الصبر، ويُعودُهم على احتمال الشدائد، والجَلد أمام العقبات ومصاعب الحياة. وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يهنئ أصحابه عند مجيئ رمضان ويبشرهم ويقول لهم: «أتاكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين وفيه ليلة هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم» (أخرجه أحمد والنسائي عن أبي هريرة وفي صحيح الجامع برقم:55)... وفي رواية عند الترمذي والبيهقي وابن حبان عنه أيضاً: ‏«وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة».

فرمضان مدرسة تربوية يتدرب بها المسلم المؤمن على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه في كل شيء، والتسليم لحكمه في كل شيء، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء، وترك ما يضره في دينه أو دنياه أو بدنه من كل شيء، ليضبط جوارحه وأحاسيسه جميعاً عن كل ما لا ينبغي بتدربه الكامل في هذا الشهر المبارك، ليحصل على تقوى الله في كل وقت وحين، وفي أي حال ومكان، وذلك إذا اجتهد على التحفظ في هذه المدرسة الرحمانية بمواصلة الليل مع النهار على ترك كل إثم وقبيح، وضبط جوارحه كلها عما لا يجوز فعله... لينجح من هذه المدرسة حقاً، ويخرج ظافراً من جهاده لنفسه، موفراً مواهبه الإنسانية وطاقاته المادية والمعنوية لجهاد أعدائه فحري بهذا الشهر أن يكون فرصة ذهبية، للوقوف مع النفس ومحاسبتها لتصحيح ما فات، واستدراك ما هو آت، قبل أن تحل الزفرات، وتبدأ الآهات، وتشتد السكرات... حري بأن يكون فرصة للتقوى وذلك لِما يسر الله- تعالى- فيه من أسباب الخيرات، وفعل الطاعات، فالنفوس فيه مقبلة، والقوب إليه والهة. ولأن رمضان تصفد فيه مردة الشياطين. فلا يصلون إلى ما كانوا يصلون إليه في غير رمضان، وفي رمضان تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ولله في كل ليلة من رمضان عتقاء من النار، وفي رمضان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فما أعظمها من بشارة، لو تأملناها بوعي وإدراك لوجدتنا مسارعين إلى الخيرات، متنافسين في القربات، هاجرين للموبقات، تاركين الشهوات، متخذين من رمضان فرصة للتقوى، وليكن حالنا فيه حال من يقول:


رمضانُ أقبل قم بنا يا صاح *** هــذا أوانُ تبتلٍ وصـــلاح
واغنم ثوابَ صيامه وقيامه *** تسعد بخيرٍ دائمٍ وفـــــلاح


نعم فرمضان فرصة للتقوى؛ ليصبح العبد من المتقين الأخيار، ومن الصالحين الأبرار. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} تعليل لفرضية الصيام؛ ببيان فائدته الكبرى، وحكمته العظمى. وهي تقوى الله وهى التي سأل أميرُ المؤمنين عمرُ- رضي الله عنه- الصحابيَ الجليل؛ أُبيَ بن كعب- رضي الله عنه- عن معنى التقوى ومفهومها؟ فقال يا أمير المؤمنين: أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال: بلى.. قال: فما صنعت؟ قال: شمرتُ واجتهدت.. أي اجتهدتُ في توقي الشوك والابتعاد عنه، قال أُبي: فذلك التقوى.

إذن فالتقوى حساسيةٌ في الضمير، وشفافيةٌ في الشعور، وخشيةٌ مستمرة، وحذرٌ دائم، وتوق لأشواكِ الطريق؛ طريقِ الحياة الذي تتجاذبُه أشواكُ الرغائبِ والشهوات، وأشواكُ المخاوفِ والهواجس، وأشواكُ الفتنِ والموبقات، وأشواكُ الرجاءِ الكاذب فيمن لا يملكُ إجابةَ الرجاء، وأشواكُ الخوف الكاذب ممن لا يملكُ نفعاً ولا ضراً، وعشراتٌ غيرُها من الأشواك هذا هو مفهوم التقوى.. فإذا لم تتضح لك بعد فاسمع إلى علي- رضي الله عنه- وهو يعبر عن التقوى بقوله: "هي الخوفُ من الجليل، والعملُ بالتنزيلُ، والقناعةُ بالقليل، والاستعدادُ ليوم الرحيل". هذه حقيقة التقوى، وهذا مفهومها فأين نحن من هذه المعاني المشرقةِ المضيئة؟.. لقد كان المجتمعُ الإسلاميُ الأول مضربَ المثل في نزاهتهِ، وعظمةِ أخلاقه، وتسابقِ أفرادهِ إلى مرضاةِ ربهمِ جل جلاله، وتقدست أسماؤه، وكانت التقوى سمةً بارزة في محيا ذلكِ الجيلِ العظيم الذي سادَ الدنيا بشجاعتهِ وجهاده، وسارت بأخلاقهِ وفضائلهِ الركبان مشرقاً ومغرباً، فقد كان إمام المتقين عليه الصلاة والسلام قمةً في تقواه وورعهِ، وشدةِ خوفهِ من ربهِ العظيمِ الجليل، فكان يقومُ الليل يصلي ويتهجد حتى تفطرتْ قدماه الشريفتان، وكان يُسمعُ لصدره أزيزٌ كأزيزِ المرجل من النشيجِ والبكاء، وهو الذي غُفر له ذنبه ما تقدم وما تأخر.

وأما صحبهُ المبجل، وخليفته العظيم أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- فكان يقول: "يا ليتني كنت شجرةً تعضدُ ثم تؤكل!!" وكان له خادمٌ يأتيه بالطعام، وكان من عادةِ الصديق أن يسأله في كل مرة عن مصدرِ الطعام؛ تحرزاً من الحرام!! فجاءه خادمُه مرةً بطعامه، فنسي أن يسألَه كعادته فلما أكلَ منه لقمة قال له خادمُه: لمَ لم تسألني يا خليفةَ رسولِ الله كسؤالكِ في كلِ مرة؟ قال أبو بكر: فمن أين الطعامُ يا غلام؟ قال: دَفعه إليَّ أناسٌ كنتُ أحسنتُ إليهم في الجاهلية بكهانةٍ صنعتُها لهم، وهنا ارتعدتْ فرائصُ الصديق، وأدخلَ يده في فمــه، وقاء كلَّ ما في بطنهِ وقال: "واللهِ لو لم تخرجْ تلك اللقمة إلا مع نفسي لأخرجتها"، كل ذلك من شدةِ خوفه وتقواه وتورعهِ عن الحرام، وأما خوفُ عمر رضي الله عنه وشدةِ تقواه فعجبٌ من العجب، سمع قارئاً يقرأُ قولَه تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:13] فمرض ثلاثاً يعـودهُ الناس. بل إنه قرأ مرةً قولَه تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:24] فمرض شهراً يعودُه الناسُ مريضاً، وأما عليٌ- رضي الله عنه- فكان يقبض لحيته في ظلمة الليل ويقول: يا دنيا غُري غيري أليَّ تزينتِ أم إليَّ تشوقتِ طلقتك ثلاثاً لا رجعةَ فيهن زادُك قليل وعمرُك قصير، وخرج ابن مسعود مرة في جماعة فقال لهم: ألكم حاجة؟! قالوا: لا؛ ولكن حبُ المسيرِ معك!! قال: اذهبوا فإنه ذلٌ للتابع، وفتنةٌ للمتبوع.


وإذا ذهبنا إلى غير الخلفاء الراشدين المكرمين، فها هو هارون الرشيد الخليفةُ العباسيُ العظيم الذي أذلَّ القياصرة وكسرَ الأكاسرة والذي بلغت مملكته أقاصي البلاد شرقاً وغرباً يخرج يوماً في موكبهِ وأبهته فيقول له يهودي: "يا أمير المؤمنين: اتق الله"!! فينـزل هارونُ من مَركبه ويسجدُ على الأرض للهِ ربِ العالمين في تواضعٍ وخشوع، ثم يأمرُ باليهودي ويقضي له حاجته، فلما قيل له في ذلك!! قال: لما سمعت مقولتَه تذكـرتُ قولَه تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206] فخشيت أن أكون ذلك الرجل، وكم من الناس اليوم من إذا قيل له اتق الله احمرتْ عيناه، وانتفختْ أوداجه، غضباً وغروراً بشأنه، قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: "كفى بالمرء إثماً أن يقال له: اتق الله فيقول:عليك نفسَك!! مثلكُ ينصحنُي!!

إذن فيوم عُمرت قلوبُ السلفِ بالتقوى، جمعهم اللهُ بعد فرقة، وأعزهم بعد ذلة، وفُتحت لهم البلاد ومُصرت لهم الأمصار كل ذلك تحقيقاً لموعودِ الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96] فليكن هذا الشهر بداية للباس التقوى؛ ولباس التقوى خير لباس لو كانوا يعلمون...قال تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26].

وقال تعالى: {إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ . فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54-55].

وصدق من قال:


إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تجرد عُريانا وإن كان كاسيا
وخيرُ خصال المـرءِ طـاعةُ ربه *** ولا خيرَ فيمن كان لله عاصيا


ثم اعلم أن رمضان فيه الصوم والصوم ينهي عن فعل المحرمات؛ فإن الله- تعالى- قد نهى الصائم عن الأكل والشرب والوقاع في نهار رمضان، وجعل ذلك مفسداً للصوم، فيتأكد على المسلم أيضاً أن يترك المحرمات في نهار صومه وفي ليالي شهره، وذلك لأن الله الذي حرّم عليك في نهار رمضان أن تأكل وأن تشرب؛ مع كون الأكل والشرب من الشهوات النفسية التي تتناولها النفس بطبعها والتي تعيش عليها وتموت بفقدها، فإن الله- تعالى- حرم عليك محرمات أخرى هي أشد إثماً وأشد ضرراً وليست بضرورية كضرورة الطعام والشراب، وقد ورد في ذلك كثير من الآثار نذكر بعضها:

1- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ‏«إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب ولا يفسق، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني امرؤٌ صائم» (أخرجه البخاري: 1904 في الصوم. باب: "هل يقول إني صائم إذا شتم؟" ومسلم: 1151 في الصيام، باب: "فضل الصيام"). والصخب هو: رفع الصوت بالكلام السيئ. والرفث: هو الكلام في العورات، والكلام فيما يتعلق بالنساء ونحو ذلك. أما الفسوق: فهو الكلام السيئ الذي فيه عصيان وفيه استهزاء وسخرية بشيء من الدين أو من الشريعة، ونحو ذلك. فالصوم ينهي صاحبه عن هذه الأشياء. وكأنه يقول إن صيامي ينهاني عن هذا الصخب- فإن الصوم ينهى عن المأثم، ينهى عن الحرام- فيقولك كيف أترك الطعام والشراب- الذي هو حلال- وآتي بما هو محرم في كل الأوقات؟‍

2- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ‏«من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (أخرجه البخاري: 1903 في الصوم، باب: "من لم يدع قول الزور"). فالله- تعالى- ما كلفك أن تترك الطعام والشراب إلا لتستفيد من هذا الترك، فتترك الرفث، وتترك الفسوق، وتترك قول الزور، وتترك المعاصي المتعلقة بالنساء وبالجوارح، فإن لم تفعل ذلك ولم تستفد من صيامك فالله- تعالى- يرده عليك ولا يجزيك على عملك.

3- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ‏«رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر» (أخرجه ابن ماجة: 1690، وأحمد في المسند: 2/373، 441).

ولا شك أن الصوم الذي هذه آثاره لا ينتفع به صاحبه ولا يفيده؛ فإن الصوم الصحيح يجادل عن صاحبه ويشهد له يوم القيامة ويشفع له عند الله. وفي الحديث: ‏«أن الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة»، فإن لم يحفظ العبد صيامه لم يستفد منه ولم يؤجر عليه.

يقول بعضهم: "إذا لم يكن في السمع مني تصاون وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صمتُ
فحظي إذاً من صومي الجوع والظمأ وإن قلتُ: إني صمتُ يومي فما صمتُ". فلا بد أن يكون على الصائم آثار الصيام، كما روي عن جابر- رضي الله عنه- أنه قال: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الغيبة والنميمة، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء".


وبالجملة فالصوم الصحيح يدعو صاحبه إلى ترك المحرمات، فإن المعصية إذا سولت للإنسان نفسه أن يقترفها رجع إلى نفسه، وفكّر وقدر ونظر واعتبر، وقال مخاطباً نفسه: كيف أقدم على معصية الله وأنا في قبضته وتحت سلطانه، وخيره عليَّ نازل، وأنا أتقرب إليه بهذه العبادة؟‍ ومن الذين لم يستفيدوا من صيامهم: أولئك الذين يسهرون على تعاطي الدخان المحرم الذي هو ضار بكل حالاته ووجوهه، فلا شك أنهم لم يستفيدوا من صيامهم ذلك أن الصوم تبقى آثاره، وهؤلاء لا أثر للصيام عليهم.

فالصائم الذي امتنع عن شرب الدخان طوال نهاره، وكذلك عن تعاطى الأشياء المحرمة- والعياذ بالله- ولكنه تناول ذلك في ليله، فهذا الفعل دليل على أنه لم يستفد من صومه، وإنما صومه عليه وبال.
فالصيام الصحيح هو الذي يزجر صاحبه عن المحرمات؛ فإذا نادته نفسه، وزينت له أن ينظر بعينيه إلى شيء من العورات؛ كأن ينظر إلى صور عارية في أفلام ونحوها، أو ينظر إلى النساء المتبرجات رجع إلى نفسه وقال: كيف أمتنع عن الحلال الذي حرمه الله- في النهار- كالأكل والشرب، وآتي شيئاً محرماً تحريماً مؤبداً في آن واحد؟‍ وهكذا إذا دعته نفسه إلى أن يتناول شيئاً من المكاسب المحرمة كرشوة أو رباً أو خديعة في معاملة، أو غش، أو ما أشبه ذلك رجع إلى نفسه، وقال: لا يمكن أن أجمع بين فعل عبادة وفعل معصية. فإذا رجع إلى نفسه تاب من فعله وأناب. فهذه بعض أمثلة في أن الصائم صحيح الصيام يستفيد من صيامه في ترك المعاصي؛ سواءً كانت تلك المعاصي محرمة تحريماً مؤقتاً كالطعام والشراب، أو تحريماً مؤبداً كالخمر والميسر والقمار والدخان والرشوة والغش والربا والزنا والملاهي ونحوها، فإن هذه تحريمها أكيد. فالمسلم يتفكر في أن الذي حرم هذا هو الذي حرم ذاك فيمتنع بصيامه عن كل ما حرم الله- عز وجل-. فإذا كان صومك كذلك فأنت من الذين يستفيدون من صيامهم، ومن الذين يترتب على صيامهم الحسنات، ويترتب عليه المغفرة، فقد أكّد النبي- صلى الله عليه وسلم- أن مغفرة الذنوب تتحقق بالصوم إيماناً واحتساباً كما في الحديث المشهور: ‏«من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفرله ما تقدم من ذنبه» (أخرجه البخاري: 38 في الإيمان، باب: "صوم رمضان احتساباً من الإيمان")، فشرط فيه أن يكون صومه إيماناً واحتساباً، ولا شك أن معنى الإيمان هو: التصديق بأنه عبادة لله، فرضه على العباد، وأما الاحتساب فهو: احتساب ثوابه عند الله، وذلك يستدعي مراقبة ربه في كل الأحوال.


ذكر بعض العلماء: أن الصيام سر بين العبد وبين ربه، حتى قال بعضهم: إنَّه لا يطلع عليه أحد من البشر أو لا تكتبه الحفظة. فيمكن للصائم أن ينفرد في زاوية من الزوايا أو في مكان خفي، ويتناول المفطرات بحيث لا يراه أحد، ولكن المؤمن الذي يصوم إيماناً واحتساباً ويعبد ربَّه ويعلم أن الله يراقبه، كما قال تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ . وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ . إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الشعراء:218-220] يعلم بأن ربه يراه حيث كان، فمثل هذا لا يتناول شيئاً من المفطرات ولو اختلى بها، ولو كان جائعاً فإنه يصبر على الجوع ولا يصبر على غضب ربه. هذا معنى كون الصيام سراً خفياً لا يطلع عليه إلا الله، وهذا معنى كونه إيماناً، يعني ما حمله على صيامه إلا الإيمان؛ ترك شهواته إيماناً بالله، إيماناً بأنه هو الذي فرضه، وإيماناً بأنه هو الذي حرم عليه هذه الشهوات وهذه الأشياء.

فالصيام الصحيح هو الذي تظهر عليك آثاره، وتحفظه في كل حالاتك، وتتذكره في كل الأوقات ولا تخدشه بشيء من المنقصات؛ فإذا فعلت ذلك، فإنَّ صومك يترتب عليه مغفرة الذنوب، كما قال صلى الله عليه وسلم: ‏«غفر له ما تقدم من ذنبه»، فلا شك أن هذا العمل الذي هو الصيام لما كانت هذه آثاره كان محبباً للنفوس الزكية، النفوس السليمة، النفوس الصحيحة النقية، التي تسعد بهذا الصيام وتزكو وترتقي. وأما النفوس المتطرفة الغاوية فإنها تتثاقل هذا الصوم، وتتمنى انقطاعه، وانتهاء أيامه لذلك ترى الفرق الكبير بين المؤمن وغيره، المؤمن حقاً هو الذي يتمنى بقاء هذا الشهر، وأن تطول أيامه، كما رُوي في الأثر ولا يصح مرفوعاً: ‏«لو تعلم أمتي ما في رمضان لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان» فانظر وفرّق. هناك قوم من السلف الصالح، ومن أولياء الله وأصفيائه سنتهم كلها رمضان وكان بعضهم يصوم، ويكثر من الصوم، ولا يفطر إلا مع المساكين، وإذا منعه أهله أن يفطر مع المساكين لم يتعش تلك الليلة. وكان بعضهم يطعم أصحابه أنواع الأطعمة ويقف يروحهم وهو صائم. فهؤلاء هم الذين يتمنون أن يطول وقت الصوم، وما يزيدهم رمضان إلا اجتهاداً في الطاعة والعبادة عما كانوا عليه في رجب، وفي شعبان وما بعده وفي سائر السنة، فأعمالهم كلها متقاربة. أما من لم تصل حقيقة هذا الصوم إلى نفوسهم ولم تتأثر به قلوبهم، ولم يتربوا التربية السليمة، فإنهم يستثقلونه، ويتمنون انقضاءه في أسرع وقت، وأن تنتهي أيامه، ويفرحون بكل يوم يقطعونه منه، فما هكذا الصوم الصحيح بل الصائم المؤمن التقي هو الذي يتمنى بقاء هذه الأيام. فكثير ما نسمع من بعض ضعفاء النفوس أنه يتمنى أن يذهب رمضان، وإذا ما هلّ هلال شوال فرحوا واستبشروا، كأنهم ألقوا عنهم ثقلاً. فنحن نوصي إخواننا أن يقيسوا أنفسهم، وينظروا مدى تأثرهم بهذه العبادة، فإذا رأوا أن نفوسهم قد ألفتها، وقد أحبتها، وأنهم قد استفادوا منها فائدة مستمرة في ليلهم ونهارهم، وفي شهرهم وشهورهم، فإن ذلك دليل على حسن آثاره على هذا العبد، وإذا لم يتأثروا، بل رجعوا بعد رمضان إلى تفريطهم وإهمالهم رجعوا إلى المعاصي والذنوب التي كانوا يقترفونها قبل رمضان، فإن هؤلاء لم يستفيدوا من صيامهم، ولم يكن رمضان لهم فرصة للتقوى, ويوشك أن يكون صومهم مردوداً عليهم.

و لهذا كان السلف رحمهم الله يهتمون اهتماماً كبيراً في قبول صيامهم؛ فقد اشتهر عنهم أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يقبله منهم. يحرصون على العمل فيعملونه، فإذا ما عملوه وأتموه، وقع عليهم الهمّ، هل قبل منهم أو لم يقبل منهم؟ ورأى بعضهم قوماً يضحكون في يوم عيد، فقال: إن كان هؤلاء من المقبولين، فما هذا فعل الشاكرين، وإن كانوا من المردودين، فما هذا فعل الخائفين. أخي: إن للمعاصي آثار بليغة في قسوة القلوب! ورمضان شهر التجليات.. وموسم القلوب الرقـيقة.. فإذا لم تعد له أخي قلباً رقيقاً خالياً من أدران المعاصي لعلك لا تدرك فيه التقوى ومن لا يدركها فى رمضان فلعله لا يدركها والله المستعان.

أخي: لا تجعل أيام رمضان كأيامك العادية! بل فلتجعلها غرة بيضاء في جبين أيام عمرك! أخي: احرص على نظافة صومك كحرصك على نظافة ثوبك. فاجتنب اللغو، والفحش، ورذائل الأخلاق.. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ‏«ليس الصيام من الأكل والشرب؛ إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل:إني صائم» (رواه ابن خزيمة والحاكم/ صحيح الترغيب:1068).

فلا تكن أخي من أولئك الذين وصفهم النبي صلى- الله عليه وسلم- بقوله: ‏«رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر» (رواه الطبراني/ صحيح الترغيب: 1070).

أخي: اجعل من صومك مدرسة تهذب فيها نفسك وتعلمها محاسن الأخلاق وتربيها على الفضيلة.. حتى إذا انقضى رمضان أحسست بالنتيجة الطيبة لصومك.. وكنت من المنتفعين بهذا الشهر المبارك.

قال الحسن البصري- رحمه الله-: "إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون! ويخسر فيه المبطلون!".


أخي: أرأيت إذا رحلت إلى قضاء حاجة من حاجاتك فسافرت لها ثلاثين يوماً!! وبعد بلوغ نهاية سفرك إذا بك ترجع صفر اليدين من حاجتك! ليذهب تعبك ونصبك في أدراج الريح! كيف أنت وقتها؟!... كيف أنت وقتها؟!... كيف أنت وقتها؟!.

أخي: قليل أولئك الذين يهيأون أنفسهم قبل رمضان لتستقبل تلك الأيام المباركة راغبة راهبة... فكن من هؤلاء القليل!.

أخي: وأنا أطوي هذه الأوراق، فلتسأل الله معي أن يطوي لنا الأيام حتى ندرك رمضان.. وأن يجعلنا من المرحومين بصيامه.

أخي: رزقني الله وإياك صدق الصائمين.. وإقبال القائمين.. وخصال المتقين.. وحشرني وإياك يوم النشور في زمرة المنعمين.. وبلغني وإياك برحمته ورضوانه درجات المقربين.. وحمداً لله تعالى دائماً بلا نقصان.. وصلاة وسلاماً على النبي وآله وأصحابه وأتباعهم بإحسان.. والحمد لله رب العالمين.

جمعه ورتبه وكتبه الفقير
د/ السيد العربي بن كمال

الأحد، 8 أغسطس 2010

مدرسة رمضان ستفتح أبوابها

مدرسة رمضان ستفتح أبوابها


ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : : 08 - 08 - 2010
نقلا عن : موقع صيد الفوائد



مدرسة ستفتح أبوابها بعد أيام قليلة، فهل يا ترى نحيا فندرك هذه المدرسة ونلتحق بها؟ وإذا التحقنا بها هل نخرج منها مع الفائزين أم الخاسرين؟

إنها مدرسة رمضان، مدرسة التقوى والقرآن، وموسم الرحمة والغفران، والعتق من النيران.
أيام معدودة وتستقبِل الأمّة هذا الزائرَ المحبوب بفرحٍ غامِر، وسرورٍ ظاهرٍ.


ماذا أعددنا ونحن على أيام من هذا الشهر العظيم، هل أعددنا نية وعزماً صادقاً بين يديه؟ هل بحثنا عن قلوبنا، لنعرف عزمها وصدقها فيه؟

لا يستوي من لا يتجاوز اهتمامه وتفكيره في استقبال رمضان شراء الحاجيات وتكديس الأطعمة الرمضانية، ومن يجعل جل اهتمامه غذاء الروح والتفكير في تطهير وتزكية النفس والإقبال على الله تعالى في هذا الشهر المبارك. لسان حاله: كيف أستفيد من هذا الموسم؟ كيف أستعد وأخطط لأن أكون من العتقاء من النار، من الذين تشتاق لهم الجنة، من الذين يغفر الله لهم ما تقدم من ذنوبهم.

إن الإعداد للعمل علامة التوفيق وأمارة الصدق في القصد، كما قال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً} [التوبة:46]، والطاعة لابد أن يُمهَّد لها بوظائف شرعية كثيرة حتى تؤتي أكلها ويُجتنى جناها، وخاصة في شهر رمضان حيث الأعمال الصالحة المتعددة.


ولهذا نقول: من الآن، اصدق عزمك على فعل الطاعات، واجعل من رمضان صفحةً بيضاءَ نقية، مليئةً بالأعمال الصالحة، صافيةً من شوائب المعاصي. قال الفضيل: "إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك".

ونحن نتحدث عن الإعداد والتخطيط المسبق للاستفادة من رمضان، أذكر نفسي وإياكم بتسعة أمور:

أولاً: بادرْ إلى التوبة الصادقة، المستوفية لشروطها، وأكثر من الاستغفار.

ثانياً: تعلَّمْ ما لابد منه من فقه الصيام وأحكامه وآدابه، والعبادات فيه كالاعتكاف والعمرة وزكاة الفطر وغيرها.

ثالثاً: اعقد العزم الصادق والهمة العالية على استغلال رمضان بالأعمال الصالحة، قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} [محمد:21]، وقال جلا وعلا: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً} [التوبة:46]، وتحر أفضل الأعمال فيه وأعظمها أجراً.

رابعاً: خُذ ورقة واكتب خطة شهر رمضان الإيمانية، وخطة شهر رمضان العلمية، وكذلك الاجتماعية والدعوية، اكتب سأقرأ من القرآن كذا وسأشارك في الدعوة في مجال كذا، وسأقرأ من الكتب كذا وكذا، اكتب وسل الله التوفيق واعلم أن الله يعطي كل ناوِ ما نوى إما عيناً أو عوضا.

خامساً: حاول أن تشتري حاجيات العيد من هذه الأيام أو في بداية رمضان حتى لا تنشغل بها عن الطاعة في رمضان.

سادساً: اشتر بعض المواد الغذائية للشهر بكامله إن استطعت وتفرغ لعبادة ربك ولا تنس نصيبك من الدنيا.

سابعاً: استحضر أن رمضان كما وصفه الله عزَّ وجلَّ أيام معدودات، فهو موسم فاضل، ولكنه سريع الرحيل، واستحضر أيضاً أن المشقة الناشئة عن الاجتهاد في العبادة سرعان ما تذهب بعد أيام، ويبقى الأجر، وشَرْحُ الصدر بإذن الله، أما المفرِّط فإن ساعاتِ لهوه وغفلته تذهب سريعاً، ولكن تبقى تبعاتها وأوزارها.

ثامناً: حاول أن تصوم رمضان وتجعله مائة رمضان وذلك بالدعوة إلى الله وإفطار الصائمين وإطعام المحتاجين وكفالة الأرامل والمساكين.

تاسعا وأخيرا: التخطيط والترتيب لبرنامج يومي للأعمال الصالحة كقراءة القرآن، والجلوس في المسجد، والجلوس مع الأهل، والصدقة، والقيام، والعمرة، والاعتكاف، والدعوة وغيرها من الأعمال، فلا يدخل عليك الشهر وأنت في شَتات، فتحرمَ كثيراً من الخيرات والبركات.


أسأل الله أن يبلغنا وإياكم رمضان، اللهم بلغنا رمضان وأحسن عملنا فيه، إنك أجود مسئول وخير مأمول.


أمير بن محمد المدري
إمام وخطيب مسجد الإيمان - عمران - اليمن

الشيخ الحويني في ألمانيا.. مريض بالبدن طبيب للقلب

الشيخ الحويني في ألمانيا.. مريض بالبدن طبيب للقلب


عبد المنعم الشحات
أضيفت بتاريخ : : 06 - 08 - 2010
نقلا عن : موقع صوت السلف



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فكثيرًا ما تقرأ في تراجم السلف أن فلانًا كان رجل عامة، وأن فلانًا كان رجل خاصة، وذلك لأن المُشتغِل بخطاب العامة غالبًا ما يتشرب حب البسط والإيضاح والإسهاب ممَّا قد لا يُرضي نهم طلبة العلم، وبالعكس فإن المشتغل بضبط العلوم وتحقيق المسائل غالبًا ما يورثه هذا ميلاً إلى تغليب جانب الرصانة على جانب الإيضاح، وربما احتاج إلى شيء من الشدة على طلبة العلم متى استصحبها في خطاب العامة لم يتقبلوا ذلك منه.
وقَلَّ من يستطيع أن يجمع بين الشخصيتين، ومِن هؤلاء القلة في زماننا "الشيخ الحويني" - حفظه الله - فعلى الرغم من تخصصه في علم الحديث - وهو علم اشتهر المشتغلون به أكثر من غيرهم بشيء من الحدة على طلابهم - إلا أنه مع ذلك رجل عامة من الطراز الأول، لا يكاد يمل العامة من حديثه.
وهو مع ذلك صادع بالحق، لا يمالئُ أحدًا، ولا يخشى أن يصدم جمهوره بما يخالف الإلف والعادة طالما كان موافقًا للحق والدليل، وحتى عندما ظهرت الفضائيات الإسلامية - حفظها الله - وأصبحت الحسابات أكثر تعقيدًا، لاتساع دائرة المشاهدين، وتنوع ثقافاتهم، ولغير ذلك من الأمور، حافظ الشيخ على خطاب سلفي متزن بحمد الله تعالى.
وهو ما ندعو سائر المشايخ الكرام الذين يظهرون على الفضائيات - والذين نحبهم ونجلهم، ونغار على الحق وعليهم - أن يتعاونوا عليه، و أن يقتدي بعضهم ببعض فيه.

وكما هو متوقع، فعلى مقدار القبول الذي يلقاه العبد عند الصالحين والمحبين للخير، على مقدار العداوة التي يلقاها من دعاة التغريب والعلمنة، والخضوع والخنوع والاستسلام، والذوبان في الآخر الذي يسمونه: "قبول الآخر"! بالضبط كما يُسمي "الآخرُ" الخمرَ: "مشروبات روحية"، فيتابعونه على ذلك!

ومن المعلوم أن "الشيخ الحويني" - حفظه الله - قد سافر إلى ألمانيا، لتلقي العلاج من مضاعفات مرض السكر، نسأل الله أن يشفيه ويعافيه ويرده إلى طلابه ومنبره سالمًا، اللهم آمين.
استثمر أحدهم [المقال للكاتب الصحفي خالد منتصر في جريدة "المصري اليوم" عدد:2191 بتاريخ 13/6/2010م، والصحفي خالد منتصر مهتم بنقد الصحوة الاسلامية، كما أنه مهتم بما يسمونه "الثقافة الجنسية"] ذلك الحدث ليطعن في ثوابت الدين التي يدعو إليها "الشيخ الحويني" وعامة الدعاة إلى منهج السلف، ألا وهي: قضية "الولاء والبراء"، والتي تعتبر في حسِّ ذلك الرجل داءً أشد فتكًا من داء السكر الذي تمنى شفاء الشيخ منه، ولكنه تمنى شفاءه مما هو أعظم، وهو: "داء الكراهية"، كما لم يفته أن يوظف هذا الموقف في التأكيد على اتسام الإنسان الغربي بالأمانة ويقظة الضمير والمهارة الطبية والعلمية.
ولم يفُته أيضًا أن يلمز السنة عن طريق لمز العلاج بالحجامة، بل لَمَزَ العلاج بعسل النحل أيضًا رغم أنه مذكور في القرآن!
كما أنه حاول أن يقلل من شأن أخبار إسلام عدد من الألمان على يد الشيخ في هذه الرحلة العلاجية، مدعيًا أن بلاد الغرب هي بلاد الحرية، ومن ثمَّ يوجد في كل يوم عدد كبير من المتحولين إلى البوذية، وعبادة الهرم، وعبادة القمر!

ولعل هذه الجزئية كانت السبب الرئيسي في تهافت المواقع التنصيرية على نقل هذا المقال مع أنه مِن المفترض أنه يمثل نداءً من صحفي مسلم إلى داعية مسلم!
وبادئ ذي بدء نود أن نقول أنه إذا كان ذلك الصحفي قد رمى الشيخ الحويني ومِن ورائِه كل من يدين لله تعالى بهذه المبادئ بأنهم مرضى بداء "التعصب والكراهية"، فإننا بدورنا نرميه ومِن ورائه كل متغرب بداء "الوهن والتبعية، والخضوع والخنوع" إلى غير ذلك من الألفاظ التي يستحقها ذلك المرض.
والشأن في أمراض القلب والفكر عجيب، حيث يتصور كل واحد أن ما يراه من آراء تمثل "حال الصحة"، وما ينحرف عنها يمثل "حال المرض"، وبالتالي يعتبر كلُّ طرفٍ الطرفَ الآخر مريضًا بالمرض المضاد لاتجاهه، فيرانا هو "متعصبين"، ونراه نحن "متميعًا ذائبًا في غيره"، ومن هنا تكمن الحاجة الماسة إلى وجود مرجعية تُستمد منها "المناهج الصحيحة"، ويُعتبر كلُّ ما خالفها مرضًا يستوجب علاجًا شافيًا.
وطالما أن الكاتب الذي نحن بصدد مناقشته مسلمًا، فإن مقتضى ذلك أن تكون مرجعيته العليا هي: "كتاب الله" و"سنة رسوله صلى الله عليه وسلم"، وأما إذا كان للكاتب رأي آخر فهذا أيضًا له مجال آخر، ولنجمل النقاط التي أثارها هذا الكاتب وأدلتها من الكتاب والسنة.

أولاً: الموقف من الكفار ومنهم: اليهود والنصارى يمكن تلخيص عناصره فيما يلي:

1- لا يجوز حبهم ولا توليهم: قال الله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ: الْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ» [رواه الطبراني وابن أبي شيبة، وصححه الألباني].

2- يجب معاملة المسالمين منهم بالعدل والإحسان: قال الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8]، ويدخل في ذلك جواز البيع والشراء، وجواز الإجارة معهم، ومنها: التطبب عند أطبائهم.

3- هل جاء في الإسلام ما يدل على أن كل تعاملات الكافر مبناها على الخيانة؟
الأصل في الكافر أنه يخون المسلم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118]، بيد أنه قد يوجد مِنَ الكفار مَنْ عنده أمانة لسبب أو لآخر، فلا بأس بمعاملته في شئون الدنيا، فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اسـتأجر دليلاً كافرًا في الهجرة، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ» [رواه البخاري].
وقال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران:75].

4- عند التعامل مع مثل هذا الكافر الأمين يكافأ على أمانته ويُشكر عليها، وتخصيص الشيخ الإخوة الأطباء المسلمين بالشكر أظن - والله أعلم - لأنهم يتابعونه متطوِّعين، فلزم شكرهم مصداقـًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ} [رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني].
وأما الأطباء الكفار فالشيخ كافأهم بأجرهم المادي [لمز صاحبنا لمزًا خفيًّا، فتوسَّع في وصف جناح الشيخ الفاخر في المستشفى الألماني، ونحن نذكره بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» [رواه مسلم]، نسأل الله -تعالى- أن يكون "الشيخ الحويني" مِن جملة مَن أصابتهم نعمة المال، فاكتسبه من حله ووضعه في حله، وشكر الله به وفيه، كما نود أن ننبه الكاتب إلى أمر لعله قد فاته، وهو أن الشيخ يعاني من هذه الآلام منذ سنين، ولم يذهب إلى بلاد الكفار وينفق هذه النفقات إلا عندما بلغ به المرض مبلغه]، أو شكرهم شكرًا بينه وبينهم على قَدر معروفهم دون أن يشكرهم على الملإ، وهو أمر لعل الشيخ قد خشي من أن يستخدمه أحد في "نقض قضية الولاء والبراء"، ولك أن تتخيل لو كان الشيخ قد شكر أطباءه من الكفار ماذا كان سيكتب لنا صاحبنا هذا؟ غالب الظن أنه سوف يقول: "الآن وبعد أن أسدوا إليك المعروف تمدحهم وتثني عليهم"، إلى غير ذلك...!

ثانيًا: العلاج بالحجامة وبعسل النحل:

قد يتذرع بعض العالمانيين بالتشكيك في صحة الأحاديث التي لا تروق لهم كأحاديث التداوي بالحجامة، ولكن الغريب أن يطعن الكاتب على الاستشفاء بالعسل، وقد قال الله تعالى عنه في القرآن الكريم: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:69].
والكاتب وإخوانه غالبًا ما يَنسبون إلى الدعاة إلى الله أقوالاً لم يقولوا بها قط، مما يعني سوء فهمهم لكلام الدعاة، أو سوء قصدهم، أو الاثنين معًا!
فلا نعلم أن أحدًا من الدعاة إلى الله أفتى بقَصر التداوي على "عسل النحل"، أو "الحجامة"، أو "الحبة السوداء"، بل ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تداوى بأنواع مختلفة من الدواء الذي كان معروفـًا في زمنه.
ومن المعلوم أن أمور الدنيا قد تركها الله للبشر يبحثون فيها، قال الله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15]، بيد أن الطب كان له وضعية خاصة في الشرع، لكون سلامة الأبدان عونًا على طاعة الله، فأوحى الله تعالى إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بوسائل علاج نافعة تنفع من عدد كبير من الأمراض، منها: "العسل"، و"الحبة السوداء"، و"الحجامة"، وهذه كلها وسائل لرفع كفاءة جهاز المناعة بآليات مختلفة يعرفها أهل الطب القديم والحديث على حد سواء، ونظرًا لطبيعة عملها على جهاز المناعة فإنها قد لا تكون فعَّالة في الحالات المتأخرة.
وانتفعت البشرية وما زالت تنتفع بهذه الأدوية النافعة الجامعة السهلة االتى تعتبر وقاية من جميع الأمراض، كما تعتبر علاجًا نافعًا لمعظم الأمراض لا سيما في إطارها الأوليّ، فوق هذا فهي متوفرة، وسهلة التناول، ويمكن للمريض أن يتناولها بنفسه، ومع هذا لم يأت النهي عن السعي في الأرض لاكتشاف دواء لا سيما للأمراض المتأخرة أو المستعصية.

بيد أن الغرب الذى يتغنى الكاتب بأمانته قد تعمد إماتة ما يسمونه بالطب القديم: "الإسلامي، وغير الإسلامي"، طلبًا لزيادة مبيعاته من الأدوية، حيث يعتبر الغرب صناعة الدواء أحد أهم مصادر الثروة الغربية، وأحد أهم مصادر سيطرته على العالم، ومن ثمَّ حارب الطب القديم، وكذب ودلَّس كثيرًا في الطب الحديث، والسجل اللاأخلاقي للغرب في المجال الطبي مليء بالمخازي، منها:

- ضرب مصنع الدواء السوداني بدعوى أنه يستعمل في إنتاج أسلحة كيماوية، وذلك لإنتاجه مضادات حيوية تعالج مرض "الملاريا" المنتشر في أفريقيا، الأمر الذي أثر سلبيًّا على مبيعات الشركات الأمريكية منه.
- ومنها فضيحة "أنفلونزا الخنازير" التي كشفتها مصادر غربية أيضًا، أن الفيروس محضر معمليًّا في معامل أمريكية، وأن الدعاية المبالَغ فيها عن آثاره المدمرة ومدى انتشاره كانت من أجل بيع مزيد من الأمصال، ثم فجأة توقف كل شيء.
- وقبله مرض "أنفلونزا الطيور" الذي دُمرت من أجله صناعة الدواجن في المزارع رغم ما فيها من احتياطات صحية، في الوقت الذي استمر فيه الفلاحون في تربية طيورهم وبدون الحد الأدنى من الاحتياطات، ومع ذلك لم تأكلهم أنفلونزا الطيور التي ما زال الطب المحايد يرى أن خطرها على الإنسان أشبه بالمنعدم.
- ولن نسأل الكاتب عن "الفياجرا" وهو بها خبير، حيث إن الكاتب هو أحد رموز أدب الفراش في العالم العربي، "ولا فخر"!- وعن إخفاء الأعراض الجانبية الكاملة، حتى حققت مبيعاتها مليارات الدولارات، ثم تسرَّبت الدراسات عن أعراضها الجانبية!
- وعندما طالب كثير من الباحثين الغربيين بالعودة إلى الطبيعة وبما أسموه بالطب البديل، حاربت شركات الدواء الغربية المدعومة سياسيًّا العودة إليه، ثم اضطروا في النهاية إلى القبول به شريطة أن يكون مِن خلالهم، حتى إن شركات الدواء الغربية تبيعنا بعض الأعشاب الطبية النافعة بأضعاف أضعاف تكلفتها وإن لم يكن لهم فيها إلا التغليف!
- كما أن شركات الدواء الغربية تُخرج لنا كل يوم أنواعًا مختلفة من الفيتامينات والمنشطات ومضادات الأكسدة، وتنظم الحملات الإعلانية التي ربما يراها أذنابهم أمينة ويراها كثير ممَّن لم تبهر أضواءُ الغرب أعينَهم غير أمينة، كما حدث في الحملات الإعلانية عن "الملاتينون" الذى غلوا فيه حتى وصفوه بـ"إكسير الحياة"!

وهذه الأدوية الموصوفة فى السُّنَّة من أقوى مضادات الأكسدة ومكسبات المناعة، كما ثبت هذا مِن دراسات نالت بها كثير من الشركات ترخيص إنتاج هذه المنتجات تحت هذه المسميات: "مكمل غذائي - مقوٍّ لجهاز المناعة - مضاد للأكسدة".
ومن عجيب أمر العالمانين أنهم دائمًا ما يرمون الإسلاميين بعدم مواكبة العصر، بينما هم أنفسهم يردِّدون شبهات تجاوزها العلم "الغربي" الحديث، وتراجع عن موقفه القديم معترفـًا بخطئه، كما هو الحال في مظاهر الطب النبوي التي اضطر العالم الغربي - أو بعض جامعاته على الأقل - إلى الاعتراف الكامل به، ومنه التداوي بالحجامة، وعسل النحل، وحبة البركة، وبول الإبل.

ولن نطالب الكاتب بأن يبحر في عالم الطب، رغم أنه طبيب، ولكن إبحاره في الطب دائمًا ما يكون في الخليج الجنسي الآسن الذي لا يمثل علمًا طبيًّا بقدر ما يمثل مهنة صحافية تخاطب المراهقين.
كما لن نطالبه بطبيعة الحال أن يبحر في علوم الشرع، ولا أن يتابع جهود الأطباء المسلمين في مجال الإعجاز الطبي في القرآن والسنة النبوية، ولكن فقط سوف نحيله على جريدة "المصرى اليوم" التي كتب فيها ما كتب، والتي نشرت في عددها الصادر الاثنين ١١ ديسمبر ٢٠٠٦م حوارًا مع الدكتور عبد الرحمن الزيادي جاء في ديباجته:

"عبد الرحمن الزيادي ليس فقط طبيبًا محترفـًا واستشاريًّا لأمراض الكبد والجهاز الهضمي في جامعة عين شمس، ولا مجرد عالم حقيقي، بل هو مِن أهم الباحثين في مجال الفيروسات الكبدية، ونُشرت أبحاثه في الخارج، ولا تقتصر شهرته على كونه عضوًا في أهم الجمعيات الأمريكية والأوروبية المعنية بأمراض الكبد".

وممَّا جاء في هذا الحوار:

"الجريدة: ولكن هناك كثيرًا من المراكز العلمية تستخدم الطب البديل وطب الأعشاب في علاج فيروسات الكبد، كاستخدام اليابانيين للجلسريزين الذي يستخرج من نبات العرقسوس، وفي ألمانيا يستخدمون جذور العرقسوس ومسحوق عيش الغراب، ثم بماذا تفسر إنشاء منظمة الصحة العالمية قسمًا خاصًّا للطب البديل لمكافحة أمراض هذا القرن؟

الدكتور عبد الرحمن: كلها أعشاب لم يثبت فاعليتها الأكيدة في القضاء على المرض، فهي ما زالت في طور البحث، وتبقى فاعليتها كمواد طبيعية مضادة للأكسدة، وهو ما يساعد على تأخير نمو المرض، وأنا عن نفسي لا أرفض الطب البديل، بل أدعو الباحثين والدول لدعمه للقضاء على ما نشهده مِن أمراض كثيرة لم يتوصل العلم لعلاج لها بعد، ولكنني ضد الخرافات مثل العلاج ببول الجمل أو بالحمام أو ما شابه ذلك.

الجريدة: ولكن مؤيدي العلاج بالحجامة وبول ولبن الإبل يؤيدون فكرهم بأنه من الطب النبوي، ولم يكن النبي مروجًا للخرافات.

الدكتور عبد الرحمن: الأمر ببساطة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يوظف المتاح والمتوارث والمتعارف عليه مِن العلاجات السائدة في عالمه، والسؤال الآن: ماذا لو أن الله منَّ على عباده بعلاجات أكثر فاعلية وأكثر قبولاً عند الناس من بول الجمل؟ هل نترك هذه العلاجات ونعود لبول الجمل تحت زعم أنه طب نبوي؟ إننا نرى أن أدعياء الطب النبوي والمتاجرين به أخذوا من هذا الطب اسمه وأفرغوه مِن محتواه بما يتفق مع أهوائهم ومصالحهم [هذا الكلام مقبول من الدكتور عبد الرحمن إلى حد كبير، وهو مختلف تمامًا عما قاله في إجابة السؤال الذي قبله، حيث قرن بين بول الإبل وغيره من الخرافات، وعاد وفسَّره هنا بأن غيره من العلاجات أجدى فائدة منه، ومثل هذا لا يُقال عنه خرافة. بيد أن مسألة أن بول الإبل ليس نافعًا نفعًا تامًّا فهذا راجع إلى أنها لا تتغذى على النباتات الطبية النافعة، فالفكرة في بول الإبل أن كبد الإبل يستخلص المواد الفعالة من الأعشاب بما يفوق قدرة الآلات الصناعية الحديثة عشرات المرات، وبتكلفة يسيرة جدًّا، وهي نفس الفكرة في عسل النحل، فهي آلات استخلاص طبيعية أرشد إليها الوحي قبل أن يعرف البشر فكرة الاستخلاص، ومن ثمَّ ففائدة العسل وبول الابل تابعة لنوع الغذاء.
وبول الابل - كما هو الحال فى بول آكلات العشب - طاهر شرعًا، غير مضر طبيًّا، بخلاف بول آكلات اللحوم، وأما رائحته المنفرة فيمكن معالجتها، ومعلوم أن باب التداوي يُتحمل فيه من الأمور الكريهة طعمًا ورائحة، حتى في الطب الحديث، ومع هذا فإذا وجد البشر وسيلة أكثر قبولاً أو أسرع مفعولاً فكل ذلك من التداوي المباح بإذن الله].

أما الحجامة فهي عملية مختلفة، ولها أصول تراثية ونبوية بالفعل، فهي تعتمد على عملية خدش الجلد مما يحدث استنفارًا لجهاز المناعة، ويساعد على مقاومة الجسم للأمراض، ولكن قيام عدد من الحلاقين والعشابين - في أماكن غير مخصصة للعمل الطبي - بها يجعل منها عملية في منتهى الخطورة على المريض وعلى مَن حوله إذا لم يتم التخلص من دم المريض المصاب بالفيروس بشكل جيد، وأنا أعتقد أن تزايد عدد المصابين بفيروس "سي" وتواضع نتائج العلاج بالإنترفيرون وما صاحبه من آثار جانبية وارتفاع سعره دفع المريض إلى تصديق الشائعات والخرافات والبحث عن وسائل أخرى بديلة".

إذن فكلام الكاتب فيه خلط متعمَّد بين كثير من الأمور!

فالسلفيون يرشدون الناس إلى أصول الطب الثابتة في الكتاب والسنة، والتي مَن أخذ بها حصَّل كثيرًا من أسباب السلامة -بحمد الله-، وإلا فباب التداوي مفتوح كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً» [رواه الترمذي، وصححه الألباني].

ثالثـًا:
إذا كنا نُسَلِّم بوجود بعض الأخلاق عند الغرب، فلابد أن نستدرك بأن أخلاق الغرب أخلاق نفعية قائمة على المنفعة المتبادلة، وليست أخلاقـًا أصلية، وإن كان الكاتب وأمثاله لم يرثوا مِن العرب إلا الكرم الحاتمي مع "الآخر"، فيصرون على نسبة القوم إلى الأخلاق، مع أن فلاسفة الغرب يصرحون بنسبية الأخلاق، مما يعني أن الخلق الحسن عندهم هو الخلق النافع في الدنيا، وهذا ما يفسر لنا هذا التناقض الرهيب بين التزامهم وأمانتهم في العمل، وهمجيتهم في عطلة نهاية الأسبوع وحوادث القتل الجماعي التي يرتكبها العاطلون عندهم انتقامًا من المجتمع ككل، فضلاً عن السلوك الهمجي للدول الكافرة في أرجاء الأرض!
هذا عن أخلاقهم فيما بين بعضهم البعض، فما بالك بأخلاقهم مع المسلمين؟!

لا أظن أن موقف الحكومات الغربية يخفى على أحد مهما كان منشغلاً بأدب الفراش أو بغيره، فأمريكا تعلن الحرب على العراق بدعوى وجود أسلحة دمار شامل، ثم لا تجد له أيَّ أثر، ولا تجد في ذات الوقت أيَّ حرج من ذلك، وتقول: "يكفي أننا أتينا العراقيين بالحرية"!، فيسرِّب جنودهم صور التعذيب الوحشي في "أبو غريب"، وأيضًا لا تشعر أمريكا بأي حرج من ذلك، ومن قبله تعلن الدوائر الرسمية عندهم عن سجن "جوانتانامو"!
وأما على المستوى الشعبي، ففي ألمانيا حيث يُعالَج الشيخ قُتلت الأخت "مروة الشربيني" في ساحة المحكمة، لأنها رفعت قضية على أحدهم منعها من ملاعبة طفلها على الأرجوحة لكونها محجَّبة، وحَرَس المحكمة لا يحرِّكون ساكنًا، حتى إذا هب زوجها للدفاع عنها انطلقت رصاصاتهم تشله عن الدفاع عن زوجته.

ومع هذا فالشيخ الحويني وغيره من الشيوخ السلفيين - ومع تأذيهم من حالة السُّيَّاح الذين يأتون إلى بلادنا - ينهون الشباب المتحمس عن أن ينقُضُوا الأمان الذي دخل به هؤلاء إلى بلاد المسلمين، وهذا هو الفرق:
الغرب يعلن قبوله للآخر، بينما يُعمل فيه القتل على المستوى الرسمي والشعبي إلا فيما ندر.

ودعاة السلفية يعلنون رفضهم للآخر، ومع ذلك يحترمون العقود والمواثيق معه، وفي ذات الوقت يدعون ذلك الغير إلى الدخول في دين الله شفقة عليه، عسى الله أن يخرجه من الظلمات إلى النور، وأن يمن عليه بالإسلام، وهذا يقودنا إلى النقطة التالية..

رابعًا: يفرح المسلمون - دعاتهم وعوامهم - عندما ينضم إليهم أيُّ أخ جديد:
وهذا نابع من حب المسلمين لانتشار الخير، وقد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المثل الأعلى في ذلك حتى كاد يقتله الحزن بسبب إعراض المشركين، حتى واساه ربه قائلاً: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف:6].
وقال - صلى الله عليه وسلم - لعليٍّ - رضي الله عنه -: «فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَي بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» [متفق عليه].
بل إن انتماء الإنسان إلى أيِّ كيان وشعوره بتميزه يجعله حريصًا على زيادة أنصاره، فلو أنك أخبرت مشجعًا لنادٍ كروي أن أنصار ناديه في ازدياد، ثم وجدت منه لا مبالاة فضلاً أن يعارضك بقوله - على خلاف الحقيقة - "إن مشجعي كل الفرق في ازدياد!"، فهل يمكن أن تصدق انتماءه لهذا النادي؟!
هذا ما يحصل في عالم اللهو واللعب عالم الكرة، ونأسف على التشبيه الذي لم أجد غيره للتعبير عن حالة كاتبنا تجاه خبر دخول عدد من الألمان في الإسلام على يد "الشيخ الحويني"، فأخذ يَذكر أن معدل البوذية وعباد القمر في أوروبا أيضًا في ازدياد!
ونحن نعلم أن هناك مَن يستجير من الأديان المحرفة بالأديان الشاذة، ونستمر في دعوة هؤلاء وأولئك إلى دين الفطرة والعقل، إلى دين الإسلام.

ولكن هل لنا أن نسأل الكاتب: تُرى هل شغل نفسه بنوعية وعدد مَن يهديهم الله إلى الاسلام، ونوعية وعدد المستجيرين من رمضاء الدين المحرف بنيران الأديان الوضعية؟!
لن نحيل الكاتب على الإحصائيات التي ترصد زيادة معدل الدخول في الإسلام في أوروبا إلى الحد الذي توقع فيه الساسة هناك أن تصبح أوروبا قارة إسلامية في عام 2050م إذا استمر الحال على ما هو عليه، ومِن ثمَّ استعرت حرب الحجاب، وحرب النقاب، وحرب المآذن، ولكننا نذكِّره بالأسقف الذي أحرق نفسه لينبه الغرب إلى خطر دخول الأوروبيين في دين الإسلام، وكان هذا في ألمانيا أيضًا!

يا صاحبنا... عليك أن تعترف أن "الشيخ الحويني" ذهب إليهم ليعالجوا بدنه، بينما عالج هو قلوب مَن أذن الله له بالهداية منهم، لأن دعاة الإسلام يحملون النور والهدى، ودين الحق الموافق للفطرة والعقل، والذي يجد فيه كل عاقل طمأنينة القلب، {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125].

نسأل الله تعالى أن يرد "الشيخ الحويني" إلينا سالمًا، ليواصل جهوده في علاج مرض آخر من أمراض القلب، ذكره الله في قوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:52].