عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الأحد، 25 مارس 2012

كل هذا الحزن يا وطنى؟!!


كل هذا الحزن يا وطنى؟!!


صــلاح الإمــام   |  24-03-2012 12:48

الموت هو الحقيقة التى لا جدال فيها، مقدر على كل الخلائق، من إنس وجان وملائكة، من طير وحيوان، المستأنس منها والوحشى، حقيقة أكدها كتاب الله الخاتم فى قوله تعالى: "كل من عليها فان"، وفى قوله تعالى: "كل نفس ذائقة الموت"، وليس بين كل خلق الله من هو أكرم من محمد بن عبد الله رسول الله الخاتم عليه أفضل الصلوات والتسليمات، ومع ذلك مات مثل كل الخلائق، ويوم موته هرول الفاروق عمر بن الخطاب إلى منزله لحظة سماعه الخبر، شاهرًا سيفه مهددًا من يقول بأن محمدًا قد مات فسوف يقتله، فجاءه أبو بكر الصديق رضى الله عنه وقال له: ماذا تقول يا عمر؟ ألم تقرأ قوله تعالى: "وإنك ميت وإنهم ميتون"، فرد عليه ابن الخطاب قائلا: "وكأنى لم اقرأها قبل الآن"، ثم راح فى نوبة بكاء.

ومن قبل الرسول ومن بعده مات الخلائق من كل شكل ولون، مات القياصرة الجبابرة والملوك والأباطرة، مات ويموت كل يوم الكبار والصغار، لكن ما رأيناه فى مصر خلال الأيام الماضية يوحى بأن هذه الحقائق غير صحيحة، وأن الذى مات كان له استثناءً خاصًا، لا يسرى عليه قانون الخلائق أجمعين، أو كأن هناك الكثيرين كتب لهم الخلود وكان يُظن أنه سيلحق بهم، فبدت مصر كلها متشحة بالسواد، وفرض جو من الحزن الإجبارى الملبد بغيوم الكآبة، وحالة من الحداد القسرى فرضت على كل مصر، فلا ترى فى التليفزيون بكل قنواته أى شىء سوى صورة وسيرة الذى مات، ولا ترى فى الصحف من أول صفحة لآخرها سوى صور الفقيد مصحوبة بقصائد مدح ومقالات ثناء وإطراء، سمت به لمنزلة فوق البشر.

فى نفس الشهر (مارس) من العام قبل الماضى، رحل عن دنيانا فضيلة شيخ الأزهر، وافته المنية وهو خارج مصر فى الأراضى الحجازية الطاهرة، ودفن هناك دون أن يذهب مسئول مصرى واحد ولو بدرجة مساعد وزير لحضور مراسم دفنه، ونشر خبر وفاته فى خمسة أسطر على استحياء فى "بعض" الصحف، وهو رغم كل شىء أكبر رمز إسلامى.

مساء السبت الماضى، فجأة وجدت حالة من السواد قد صبغت كل الفضائيات، مذيعات التوك شو توشحن بالسواد ومازلن هكذا، وظهر شريط أسود على شاشة كل الفضائيات، وحالة من الكآبة تفرض فرضًا على جموع شعب مصر، لم تحدث مثلها ولا ربعها ولا واحد على مليون من مثلها يوم أن غرقت العبارة السلام فى جوف البحر وفوقها أكثر من 1200 مصرى، ولا عندما احترق قطار الصعيد وتفحم بداخله ما يزيد على ألف مصرى، فتصورت أن النيل قد جف فجأة، أو أن الزرع قد هلك، أو أن الدرع قد نضب، أو أن زلزالاً قد دمر نصف مصر، أو أن السد العالى ضرب بقنبلة نووية وانفجر طوفان أغرق مصر كلها، أو أن نيزك سماوى قد سقط على دلتا مصر وحصد أرواح ملايين من المصريين، لكن لم يحدث شىء من هذا ولا ذاك، بل مات رجل من بين 88 مليون مصرى!!!.

إنه الرجل الذى فى عهده حدث أكثر من 1600 صدام طائفى، والذى فى عهده ظهر لأول مرة مصطلح "شعب الكنيسة"، ففصل اللحمة المصرية وفك عراها، والرجل الذى كان همه بناء الكنائس بما يشبه القلاع فى كل شارع وفى كل حارة دون أى حاجة إليها، والذى فى عهده تشكلت وتأسست الميليشيات المسلحة التابعة له، وفى عهده كل من يغير دينه يتم خطفه والذهاب به إلى المجهول، والذى فى عهده يتم سب وقذف الرسول الخاتم عليه أفضل الصلوات والتسليمات وصحابته الكرام، وتم تشكيل جيش خارج مصر تابع له مهمته بث الشائعات الكاذبة أمام العالم عن الفرية الكبرى التى ظهرت مع توليه منصبه وهى "اضطهاد الأقباط"، ومع الأيام أصبحوا مركز قوة استمدوا قوتهم من الدول الغربية، تلك الدول التى جعلت منهم ورقة ضغط على النظام الفاسد البائد، فحقق لهم كل أحلامهم وأمانيهم التى كانت فى عداد المستحيل.

الراحل كان صديقًا للرئيس المخلوع الفاسد، وظل حتى آخر دقيقة من حكمه يعلن على الملأ تأييده له، وكان يبارك مشروع التوريث، رغم ما كان يمثله ذلك من ظلم وسحق لملايين الشعب، لكنه رأى فى هذا النظام الفاسد الكنز الثمين الذى نهل منه كل ما اشتهى وكل ما تمنى وأكثر.

فى عهده قيل عن المسلمين إنهم "غزاة" رعاع جاءوا من البادية، وإنهم أصحاب البلد، وعليهم أن يحرروا مصر من الغزاة كما حرر الكاثوليك الأندلس من المسلمين.

أسس دولة فوق الدولة، فلم يكن مجرد زعيم دينى وروحى، بل كان رئيسًا لجمهورية مستقلة، لها سفراء بالخارج، ويزوره كبار مسئولى الدول الغربية التى كرست هذا الاتجاه ودعمته، فى ظل نظام فاسد باع مصر فى أسواق النخاسة.

لماذا تعلن الدولة حِدادًا رسميًا عليه؟!!.. بأى حق له على 95% من سكان مصر لكى يفرض عليهم حداد؟؟ .. وماذا فعل الـ 95% من الشعب لكى يعيشوا هذا الجو الخانق المنفر كل هذه المدة؟، لماذا ياوطنى مازال المسلم فيك غريبًا مهدور الحقوق حتى بعد رحيل النظام الفاسد الفاجر؟. لماذا يا شعبى كل هذا الهوان؟.. من مات ليس أغلى من المئات الذين استشهدوا فى شوارع ميادين مصر أثناء الثورة.. وليس أغلى من أصغر جندى مات على شط القناة وهو يدافع عن تراب هذا الوطن.. وليس أغلى من أصغر جندى استشهد وهو يطارد مجرمًا أو تاجر مخدرات.

فى ثلاثينيات القرن العشرين، قال الزعيم الوطنى المحترم مكرم عبيد باشا مقولة خالدة، وهى: "مصر ليست وطنًا نعيش فيه بل وطنًا يعيش فينا"، وكان كلامه يصدق فعله، لكن فى زمن الكذب، نسبت هذه المقولة العظيمة للذى رحل عنا، مثلما نسب إليه صفات ونعوت كثيرة وغريبة وعجيبة.

خلاصة القضية.. بعد هذا المهرجان الصاخب جدًا من الحزن المصطنع والحداد الإجبارى، العالم كله قد تأكد أن مصر دولة مسيحية ومن مات كان ملكها المتوج.

salahelemam@hotmail.com
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق