عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الخميس، 29 سبتمبر 2011

طمع إبليــس في الجنة

طمع إبليــس في الجنة



عبد السلام البسيوني | 29-09-2011 00:29

قال لي مستفزًا: أخشى أن يكون عملنا كله بلا قيمة، وأن يستوي - في التراب - من صلى ومن لم يصل..

من عفّ ومن زنا..

من سرق " معزة " ومن سرق بلدًا!

ألا يحتمل أن تكون في الآخرة مفاجآت لا نعلمها؟

فصرخت رغمًا عني: الله أكبر! مثلك يقول هذه المقالة الشنيعة؟! أتصدر منك أنت؟

إنني - والله - يا سيدي على بينة من ربي تبارك وتعالى، وعلى بصيرة من ديني وعقيدتي، وعلى يقين من أن الجنة أزلفت للمتقين، وأن الله عز وجل حرمها على الكافرين.

أفتقول لي إنه يحتمل - ولو بنسبة واحد إلى مليار، إلى تريليون - أن يستوي البوذي أو اليهودي أو عابد البقر، والساجد للصراصير والجنادب - أن يستوي والمؤمن الموحد، وأن يكونا معًا في الجنة؟!

فأين أنت من عدل ربك، وغيرة ربك، وعهد ربك العزيز أنه لن يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة؟

وهل أغضب علماء الأمة من أبي العلاء إلا مثل قوله:

قال المنجم والطبيـب كلاهـما:.....لا تُبعث الأجسامُ، قلت إليكما

إن صـح قولكما فلست بخاسر..... أو صح قولي فالخسار عليكما

وأين أنت من الثقة المطلقة التي تحلى بها المصطفى صلى الله عليه وسلم حين جاؤوا لمساومته يعرضون عليه عز الدنيا وإقبالها إن تنازل، أو هو الكيد والحرب والاستئصال، فقال لهم بلهجة الواثق بالله تعالى، المستعز بحوله: (أترون هذه الشمس؟ فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك، منكم على أن تستشعلوا منها شعلة!).

وأين أنت من ثقته صلى الله عليه وسلم بربه العليم الخبير، حين جاءه ابن الأرت رحمه الله، وقد أنهك المسلمين التعذيبُ والاضطهاد - يسأله الضراعة إلى الله تعالى أن يكشف عن المسلمين عذاب الدنيا، فقال: بعد أن لمس من لهجة خباب نبرة اليأس والعجلة: "والله ليتـمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".

في عز التعذيب والقمع والاضطهاد يؤكد: (والله ليتمنّ) حتى (لكنكم تستعجلون).

وأين أنت من ثقة الصديق العظيم بربه ذي القوة المتين، والدنيا كلها تكذب الصادق الأمين حين أرجف بعض المهزوزين، وضعاف اليقين بعد حادثة الإسراء والمعراج، فارتدوا إذ قاسوا المعجزة - كسائر المتعقلنين "الخايبين" - بالإمكان البشري، وبالسرعة، سرعة الناقة في الساعة!

لكن الصديق الواثق بربه عز وجل كانت له حسابات أخرى: "لئن قال ذلك لقد صدق"..

أتصدق أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وعاد قبل أن يصبح؟

"إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك؛ أصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة"، أن يخيرني أن الملاك يأتيه من السماء السابعة، من البعد اللانهائي، ثم يعرج إليها؛ دون أن أراه بعيني، أو ألمسه بيدي..

إنه اليقين بالله عز وجل، ولهذا فإن لفظ الصديق لفظ عزيز ثقيل نادر يا سيدي.

ألم يأتك ما قاله ابن إسحق: .... خرجوا بخبيب حتى جاؤوا به إلى التنعيم ليصلبوه، فقال لهم: إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا! قالوا: دونك فاركع، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم فقال: أما والله لولا أن تظنوا أني أنما طولت جزعًا من القتل لاستكثرت من الصلاة، ثم رفعوه على خشبة فلما أوثقوه قال: اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة بما يصنع بنا، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا. ثم قتلوه. وأوحى الله إلى رسوله ماحدث لخبيب..

وهو الذي قال عند قتله، بل استشهاده:

ولست أبالي حين أُقتل مسلمًا......على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإلـه وإن يشأ......يبـارك على أوصال شلو ممـزع

ولست بمــبدٍ للعـدو تخشّعًا.......ولا جـزِعًا إنّي إلـى الله مَرجعي

ثم ألم يأتك نبأ زنـيرة رضي الله عنها؛ تلك الواثقة بربها عز وجل، التي ظل المشركون يلطمون وجهها حتى أذهبوا بصرها، ثم أشاعوا بخبث أن ما أصاب بصرها إنما هو بسبب غضبة اللات والعزى عليها، فقالت وكلها يقين: "والله ما هو كذلك، ولو شاء الله لرد عليّ بصري" فرد الله عليها بصرها!



أو تظن يا سيدي أن انكسار المسلمين الآن، وعجزهم، مبرر للشك في الله عز وجل ورسوله وكتابه؟!

إن هذا اليقين من الفروق يا عزيزي بين أهل النفاق وأهل اليقين:

في غزوة الأحزاب رأى المنافقون اجتماع الأحزاب، وتألبهم على أنصار الله، ورأوا عدد المسلمين، وضعف قوتهم، وقلة حيلتهم؛ فنقلهم ذلك إلى الشك في وعد الله تعالى، واهتزت قلوبهم المتآكلة المخذولة، فقالوا: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا) (الأحزاب: 12)!

تمامًا على عكس أهل اليقين والثبات؛ الذين ازدادوا بالمحنة إيمانـًا مع إيمانهم، ولم يخامرهم شك في الله تعالى لحظة، بل قالوا واثقين موقنين: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب: 22).

إننا في حالة تاريخية أشبه بحالة المسلمين يوم الأحزاب: الدنيا كلها تتجمع عليهم، والمنافقون من أهل الانبهار والانبطاح، وتسليم الأوطان على المفتاح، يطغون ويرجفون ويمالئون ويتآمرون.

والموفق في هذا الزمان من وفقه الله تعالى وثبت قلبه، اللهم اجعلنا منهم يا كريم.

إنك معذور يا سيدي، فالضغط شديد، والباطل متبرج، متطوس، شامخ بأنفه، والحق منكسر، مستخز، لا نصير له، ولا معين: أهله تحت الأحذية، وتحت مطارق الفضائيات، وجنازير الإعلام، ومخالب العولمة، وآصار الاستبداد السياسي، والحرب الصليبية رقم كم لا أدري!

والضعيف في مثل هذه الظروف أهون الناس، تجترئ عليه الهوام والديدان، وقديمـًا قالوا: كلب جوال، أهيب من أسد رابض..

والأسد الآن ليس رابضـًا أو نائمـًا؛ إنه مثخن، مخدر، مخلوع الأنياب، تركبه القطط والفئران والجنادب، ويملأ الجوَّ حوله طنينُ الذباب، لكن ثق إنه إذا تحرك أو هز رأسه أو حتى ذنبه، أو زأر زأرة، فإن كل الهوام والدواب الصغيرة ستتطاير وتنقمع.

ثم بعد هذا: هل من سنة الله تعالى في الكون أن يدوم الظلم ويكبر؟

أمن العدل أن يزني الزاني، ويسرق السارق، ويقتل القاتل، ثم يستووا بإنسان عفيف نظيف رحيم؟

هل يستوي ميلوسوفيتش وجرازيديتش وهتلر وبيغن سفاح دير ياسين وشارون جزار جنين ونتنياهو هدام القدس - أمام الله الحكم العدل - بعمر بن الخطاب والصديق وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم؟

هل تستوي مرتزقة بلاك ووتر، وشبيحة الأسد، وبلطجية مبارك، من القتلة والإرهابيين، بالسادات الصحابة والحواريين!؟

حرام عليك يا سيدي أن يقع في روعك أن يكون ربك ظالمـًا!

لقد كان جبابرة قريش في وقت من الأوقات - إذا رأوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - استهزؤوا بهم، وتغامزوا وقالوا ساخرين: قد جاءكم ملوك الأرض، الذين سيغلبون غدًا على ملك كسرى وقيصر..

ثم يصفرون ويصفقون، يظنون أنفسهم مدركين مستبصرين..

ولم يمض وقت طويل حتى لبس سراقة بن مالك سواري كسرى وتاجه، ولم يمض وقت طويل حتى أسقط هؤلاء المستضعفون - فعلاً - إمبراطوريات الروم والفرس والهنود والصينيين، وحكموا العالم المعروف كله، بعد أن مر بهم وقت كان أحدهم يريد أن ينطلق إلى الخلاء فلا يستطيع؛ من شدة الخوف وكَلَب العدو.

يا سيدي: لو ذهبت أضرب لك الأمثلة على أن المسلم يبقى على ثقة من ربه عز وجل - مهما ادلهمت الخطوب، ودجا الليل، وعضت الأصفاد - لما كفاني كتاب، وأذكرك أن من شروط لا إله إلا الله التي لا ينتفع قائلها إلا باستكمالها "اليقين في الله تعالى، المنافي للشك" بأن يكون قائلها مستيقنـًا بمدلولها يقينـًا جازمـًا..

يقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا) (الحجرات: 15)، ويقول تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (التوبة:45)، لعلك قرأت حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستيقنـًا بها قلبه، فبشره بالجنة)!

ولعلك توافقني أن درجة الصديقية "مش لعبة" أم أنا مخطئ؟!

طهر الله قلبي وقلبك، وشرح صدري وصدرك، وختم لي ولك بخير الدارين.. قل معي.. آمين.



albasuni@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق