عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

قـانون بَاتْـعَة

عبد السلام البسيوني | 02-10-2011 23:20

لا يختلف مؤمنان في أن الله تبارك وتعالى خلق الكون كله وفق نواميس وسنن، لا تتخلف ولا تتبدل، وأن الكمال، والسلامة، واستقامة الحياة تكون باستعمال هذه السنن؛ وفق ضوابطها وسياقها الصحيح، في مكانها الأنسب، وسياقها الأتمّ..

فلو كانت العين في ظهر الإنسان - مثلًا - والأنف في فخذه، وأصابع قدميه مكان أذنيه، لما كان في أحسن تقويم، ولما عاش حياته بصورتها الصحيحة، ولا استفاد من معطياتها على ما يرضيه ويرضي الله رب العالمين، بل كان - في نظرنا - مسخًا شائهًا، يحار فيه الطب، ويشفق عليه القلب.

عمم - يا سيدي الكريم - هذه القاعدة على كل شيء - كل شيء - مما يتعلق بالدنيا والآخرة، بالعلم والعقل، بالمحسوس والغيب، بالأرض والكون،كل شيء بقدر: (لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ، وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يـس:40). (الشمس والقمر بحسبان. والنجم والشجر يسجدان. والسماء رفعها ووضع الميزان. ألا تطغوا في الميزان. وأقيموا الوزن بالقسط ولا تُخسروا الميزان) الرحمن سبحانه 5-9.

فإذا أتيت بأخرق مجنون ليعلم الناس الرزانة، والجدية، وحسن المعاملة، لما كنت مهتديًا إلى الصواب.

وإذا استعنت بامرأة طبيعية لتعلم الرجال رباطة الجأش، أو المصارعة الحرة، لما كنت مهتديًا إلى الفطرة.

وإذا استخدمت رقيعًا ليعلم الناس الاستقامة والخجل، لما كنت مستخدمًا للرجل المناسب.

وإذا ندبت عالمًا ليسلي الناس في (سيرك) لما أثبت أدنى صلاحية لذلك؛ مع كونه من أذكى الناس، وأفضل الناس.

ولو كلفته أن يواجه "باتعة" في سوق الخضر، لما صلح لذلك بتةً، مع أنه من أفصح الناس لسانًا، وأسلسهم لغة، وأقواهم حجة.

و"باتعـة" إن لم تكن تعرفها يا سيدي امرأة أمية، من قاع المجتمع، تملك "معجمًا" من الشتائم، و"الردح" لا يملكه غيرها، ولها قدرة فائقة على توظيف جوارحها للنكاية بمن أمامها: حاجبـيها، وذراعيها، وخصرها، وصوتها؛ مع حصيلة هائلة من الألفاظ البذيئة المتعلقة بالنصف السفلي من ابن آدم؛ معذرة.

وهي جاهزة - في أية لحظة - لأن تصرخ، وتلطم، و"تضرب بالروسية" وتقطع شرايين يدها؛ لتصلق تهمة بمن يجرؤ على رفع صوته عليها، أو يرجع إليها قولًا.

وتخيل معي عالمًا - هو أفقه أهل الأرض - يقف في مواجهة باتعة هذه: هل يصمد أمامها دقيقتين؟!

وهل تنفعـه دراسته الواعية لآداب البحث والمناظرة، وفقه الخلاف، والتأدب مع الخصوم، والإعراض عن الجاهلين؟!

وهل يشفع له علمه كله أمام سطوة باتعة وقاموسها الخاص؟

إن العقل والحس ليقولان إنه لا يصلح لباتعة إلا باتعة أخرى، فلا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يأكل الأفعى إلا نمس:

لكل شيء آفـةٌ من جنسهِ.... حتى الحديد سطا عليـه المبردُ

وإن العقل والحس ليشهدان أنه لو واجهها فستكون عاقبة أمره خسرًا، وفضيحته فضيحة (بجلاجل)، تسير بها الركبان، ويتحدث بها أهل الحواضر والعربان.

وهذه القاعدة صارت بديهية لدى العقلاء على طول التاريخ..

ولهذا كان الفرسان يطلبون للبـِراز الأكفاء، وكانت المناظرات تعقد بين النظراء، وأذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في بدر، وانتهض صناديد قريش للمبارزة، أبرز لهم أكفاءهم حسبًا وقوة، فقد خرج من قريش عتبة ابن أبي ربيعة، وأخوه شيبة وابنه الوليد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قم يا عبيدة بن الحارث - ابن المطلب - قم يا حمزة، قم يا علي)، فلما قاموا ودنوا منهم، قال الفرسان المشركون: من أنتم؟

قال عبيدة: أنا عبيدة، وقال حمزة: أنا حمزة، وقال علي: وأنا علي، فقالوا: نعم، أكفاء كرام.. وما هي إلا لحظات حتى قتلوهم بإذن الله.

ولما قدم وفد بني تميم لملاقاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهم قوم من جفاة البدو - نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء حجراته: يا محمد، يا محمد، اخرج لنا، فإن مدحنا زين، وذمنا شين.

وقام منهم خطيب وشاعر، يتفاخران أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعزة تميم وشرفها، فأنهض النبي صلى الله عليه وسلم اثنين من فصحاء المسلمين: ثابت بن قيس خطيبًا، وحسان بن ثابت شاعرًا، فقام ثابت فأحسن ووفّى، وقام حسان فردّ على الزبرقان بن بدر شاعر بني تميم - على قافيـته نفسها - مفتخرًا بالإسلام، معظّمًا لسيد الأنام بقصيدته الشهيرة:

إن الذوائب من فــــــــــــــهرٍ وإخوتهـم........قـــــــد بيّـــــــنـوا سنـــــنًا للنـــــــاس تتّبـعُ

يرضى بها كــــــــل من كانت سريرتُهُ........تقـــــــوى الإلــــهِ، وكل الخير يُتــــــــبـع

إن سابقوا الناس يومًا فاز سبقهمُ........أو وازنوا أهل مجدٍ بالندى متعوا

فقام الأقرع بن حابس التميمي رضي الله عنه وقال: إن هذا الرجل - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - لمؤتّىً له:

لَخطيبه أخطبُ من خطيـبنا، وشاعرُه أشعر من شاعرنا، وأصواتهم أعلى من أصواتـنا.

فقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم - إذن - كفاية المتبارزين في بدر، وكفاية المتفاخرين على بني تميم.

بل إنه صلى الله عليه وسلم لما كان يناظر اليهود كان يقول لهم: أنا أعلم بالتوراة منكم..

ولما استفحل أمر أرطبون - الداهية الروماني - استعمل الفاروق الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وقال: رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب.



هكذا فهم الناس أمر المحاورات والمناظرات والمواجهات..

ولهذا نفسه نجح الدكتور محمد عمارة في مواجهته مع "باتـعة" أقصد مع نصر أبو زيد؛ لأنه هو الآخر "باتعة" يعرف أساليب القوم، ويقرأ فكرهم، ويحيط بإمكاناتهم.

ولهذا - أيضًا - كانت مناظرات الشيخ أحمد ديدات - شفاه الله ورحمه - ناجحة موفقة؛ لأنه كان - غالبًا - يمسك بزمام الموقف بيده، ويربك من أمامه بحفظه للنصوص واستيعابه للإنجيل، ومعرفته بأساليب أهل الصليب.

والذي أود أن أؤكد عليه هنا أن "باتعة" هذه قد تكون شخصًا يوصف بأنه مفكر كبير، أو مثقف مستنير، أو صحفي ألمعي:

فكثيرًا ما تفتعل معركة في صحيفة أو مجلة أو على الشاشة - أو في غير ذلك - يكون طرفاها رجلين: أحدهما عالم أكاديمي أصيل، والآخر دعي دخيل، لا علاقة له بالعلم والقضية محل النقاش، لكنه يستغل اسمه المدوي، وصورته المشهورة، والأضواء المسلطة عليه، فيعلو صوتُـه، ويسخن حديثـُه، ويستخدم في النقاش حواجبه ولسانه، ويديه ورجليه، وموقعه وشهرته؛ ليشوش ويهجم، ويكرّ ويفرّ، ويصادر ويسفّه..

في حين لا يملك الأستاذ العالم المحترم صاحب التخصص إلا السكوت الدهشان؛ واللسان الخرسان؛ إزاء بسالة صاحبه في الدفاع والمناورة ورفع الصوت و"التشويح" باليدين والحاجبين.

وأكثر قضايا الفكر والمناظرات التلفزيونية الفضائية الآن يحكمها قانون "باتعة"، ويخوض غمارها "الهاجع والناجع والنايم على صماخ ودنه".. فإذا كانت العمليات الجراحية لا تتم إلا داخل غرف العمليات، والتجارب العلمية لا تتم إلا داخل المعامل، والبحوث المنهجية لا تدور إلا في أروقة الجامعات ومراكز البحوث وما شابه، فإننا - بسبب الاعتياد - لم نعد نندهش لمسائل علمية عظيمة الأهمية (ولا أبا حسن لها) يتكلم فيها - بمنتهى البساطة وعدم تأنيب ضمير - الصحفيون والأطباء والمهندسون، وأحيانًا باعة الفجل و"لمّـامو السبارس" بدعوى حرية الرأي، وفك القيود عن العقل!

فتراهم - رعاهم الله - يناقشون:

= هل الدين صالح لهذا الزمان "الإكتروني" أم العلمانية أصلح؟

= هل للإسلام موقع في الحياة، أم ننصب له ضريحًا داخل مسجد، ونقيم له سنويًّا مولد "سيدي إسلام" يحييه أهل الاستنارة والحداثة والتجديد والتنوير والتقدمية، كما نحتفل بمولد "عيد الأم" وعيد الشجرة، وعيد سيدي فالنتين؟!

= هل الشذوذ كبيرة من الكبائر، أم إن الأديان غبـية ظلامية؛ لأنها تحجر على عمل حضاري شاع وعمت به البلوى، فلا يحتاج منا أن نتشدد في أمره، و"نحبّك" الأمور، ونكون متزمتين؟!

= هل الجن موجودون، أم هم خرافة وأسطورة من الأساطير التي يمتلئ بها القرآن؛ كما ذهب خلف الله وشوقي عبد الحكيم؟!

= هل الربا حرام أم حلال؟ ومن المعلوم من الدين بالضرورة أم هو من الكلأ المباح؟

= هل للمرأة نصف الميراث أم لها (الجمل بما حمل)؟

= هل لشيخ الأزهر والقرضاوي وابن باز والشنقيطي الحق في الكلام عن الإسلام؛ أم إن الحق مكفول - حصريًّا - لخليل عبد الكريم ومصطفى العاصي وعلاء حامد وعادل حمودة ونوال السعداوي وهالة صدقي والأنبا فلتاؤوس، والريس بوش؟!

= هل.. وهل.. وهل!

قضايا كثيرة ومثيرة يتكلم فيها كل "باتعة" من بواتع الفضائيات، والإف إمّات، ومن دارسي الفلكلور، وتاريخ جنوب إفريقيا، والطب الشعبي، وميكانيكا السيارات، ومن محرري أعمدة "حظك اليوم" وقارئي الكف وضرّابي الودع و"بتوع نبيَّن زين".

ورغم أن الكلام في مثل هذه القضايا محسوم منذ قرون، فإن "البواتع" يأبون إلا عرض الإسلام كله من جديد، والكلام فيه، والاجتهاد والتجديد، ومن لم يسلّم لهم الحق "فرشوا له الملاية" وفضحوه، وشنّعوا عليه، ووصفوه بأنه رجل "خبّاص" وغير مستقيم، وإمبريالي، وديماجوجي، وبراجماتي، وبرجوازي متعفن، ومعادٍ للسامية، و(ليس) فيه ما في الخمر.

وأحيانًا يبالغون في سبّه وتعييـره، وتمريغ سمعته في الوحل، فيقولون: إنه قد تزوج "على سنة الله ورسوله" أووووه..

وطلق امرأته "ياااااه.. يا حرام"، وكيف يفعل ذلك ولا يتزوج إلا "قادر أو فاجر"!

اللهم يا حفيظ يا رحيم، يا من أنجيت من النار إبراهيم، وحميت محمدًا يوم الغار، من كيد المشركين الكفار، أنجنا بحولك وقوتك من كل "باتعة" ولسانها، وصراخها وحركاتها، واسترنا حتى نلقاك يا حليم يا ستِّير..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق