محاكمة الحوينى
خالد الشافعى | 31-10-2011 00:14
لقد راعنى كما راعى كثير من المتابعين ، وأثار فينا خليطاً من مشاعر الغضب ، والدهشة ( وأيضاً الشفقة ) ، راعنا ما سمعناه عن قيام فضيلة مفتى الجمهورية برفع دعوة سب وقذف على فضيلة الشيخ الحوينى ، وقد ركبنا عجب لا نهاية له ، وأصابتنا حيرة بالغة من هذه الخطوة ، وذلك لأننا نعرف فضيلة المفتى منذ أكثر من عشر سنوات ، نعرفه ونسمعه ونراه ونتحمل إهاناته واتهاماته وافتراءاته على أبناء الحركة الإسلامية ، نعرفه منذ أكثر من عشر سنوات حليماً غاية الحلم ، وديعاً يملك صبر الجبال ، ما عرفناه قط غضوباً ولا حاسماً ولا حازماً إلا فى حالة واحدة ، وواحدة فقط ، وأقول فقط ، وأزيد فأقول فقط ألا وهو موقفه من السلفيين .
فضيلة المفتى طوال تاريخه المشرف فى منصبه ، لم نسمعه قط صارخاً ، ولم نره قط غاضباً ،ولا مهدداً ولا متوعداً إلا السلفيين ، كانت دماء المسلمين فى غزة تسيل أنهاراً دون أن نراك ناصحاً للسجان أن يمد لهم يد العون ، كانت الطغاة الذين عينوك فى منصبك ينشرون القتل والسرقة والفساد والعرى دون أن نراك مرة واحدة فقط (وأقول مرة واحدة فقط ) دون أن نراك مرة واحدة غاضباً ، منكراً (ولو من بعيد) محذراً من أن هذه المناكير هى الحالقة ، وأن هلاك الأمم إنما يكون بالمخالفات ، ما شاهدناك مرة تتبرأ من ذنب أو قرار أصدرته الدولة أو قانون سنته خالف الدين ، كانت أعداد الزواج العرفى ، والحمل السفاح ، والاغتصاب ، والزنا ، وخراب البيوت ، والعنوسة ، وقتلى الحوادث ، والاستيلاء على أموال الشعب ، وفرض الضرائب الجائرة، كان كل هذا يتغول ويزداد وينتشر ، كانت الكليبات الجنسية والأفلام الإباحية والانتقاص من الشريعة فى الكتب والجرائد والشاشات ، كان كل هذا ينمو ويتوحش أمام عينيك ، كانت دولة الكنيسة تعلو وتنمو وتتجبر ، تأمر فتطاع ، وتنهى فيسمع لها ، كان كل هذا يث أمام عينيك ، وتحت سمعك ، ولم نرك غاضباً قط ، ولا مهدداً قط ، ولا متوعداً قط ، كانت المناكير والمخالفات والمعاصى جهاراً نهاراً ، ولم نسمع قط بفتوى تحذيرية ، ولم نرك قط أخذت أدنى موقف ، كنا نقول قبل الثورة أنك مغلوب على أمرك ، لا يمكن أن تعصى لمبارك أمراً ، وأنك ربما كنت مهدداً أو مخوفاً أو تحفظ جميل الرجل لأنه هو من عينك ، فلما قامت الثورة انتظرنا أن ترحل تعبيراً عن شعورك بالذنب ، ورفضاً أن تظل فى منصب وضعك فيه الرجل الذى ظللت تدافع عنه أثناء الثورة وتستحلف المتظاهرين أن يتوقفوا .
انتظرنا أن تستقيل لأنك ترفض أن تكون فى منصب وضعك فيه المخلوع فلم تفعل ، ثم انتظرنا أن نرى مواقفاً نشعر منها أنك تريد أن تعوض ما فات ، وتصلح ماكسر ، وأن نراك وقد زال الطواغيت وانكسرت شوكة جهاز أمن الدولة نراك تتحرر من الماضى بكل ما فيه ، وأن تقوم بالحق لا تخشى فى ذلك لومة لائم ، وأن تركز جهودك على وظيفتك الأساسية التى تحصل على راتبك لأجلها من أموال دافعى الضرائب ( لأن الزكاة جمعها معطل فى بلاد أنت رأس الفتيا فيها )
انتظرنا أن يتحرر لسانك من عقدة السلفيين ، وأن تتوقف عن مضغ هذه اللبانة التى لابد أن طعمها صار فى منتهى المرارة من طول مضغك لها ، وقلنا أن هذه العقدة كانت بسبب الجهاز الأمنى البغيض ، انتظرنا كل هذا لكن المفاجأة أن ما صدر من فضيلتكم كان علينا أشد وأقسى ، ازددت انبطاحاً أمام الكنيسة ، وحقق فيلم شارع الهرم أعلى إيرادات فى تاريخ السينما ، وتوحش الليبراليون فى الحط على الشريعة ، وازددت أنت هجوماً ، وسخرية من السلفيين حتى وصفتهم بالخوارج ، بل وصل الأمر إلى رفع أمرهم إلى الباب العالى بكتابة مقالة تحذر من خطر السلفيين فى جريدة أمريكية ، ثم جاءت الحالقة يا فضيلة المفتى ، تحملت كل ما كان ، ووسعك الصبر والعفو عن كل هؤلاء ، وابتلعت كل هذه الاستفزازات لكن الذى لم تصبر على تحمله ، ولم تقدر على ابتلاعه ، وقررت ألا يمر هو كلام الشيخ أبى إسحاق الحوينى
وأنا أستحلفك بالله يا فضيلة المفتى يا رأس الفتيا فى رأس بلاد المسلمين هب أن الشيخ الحوينى أخطأ – مع أنه لم يخطأ – فهل الرد على ذلك يكون فى ساحات القضاء أم فى مجالس العلم والمناظرات ؟ الرجل لم يتهمك فى قضية شخصية الرجل اتهمك فى أمور شرعية ، أيكون الرد فى ساحات المحاكم أم أمام أكابر العلماء ؟ أيكون الرد بمحضر مكتوب أم برد علمى مشفوع بالوحى وأقوال العلماء ، فضيلة المفتى كنت أتصور أن يتحول غضب صاحب الحق إلى طلب مناظرة على الفور وعلى رؤوس الأشهاد ( أتحداك أن تفعلها ) أو مباهلة على أعين الناس ( سمعت أنك طلبت مباهلة السلفيين وأنا جاهز فحدد الزمان والمكان ) ثم إن لم يكن رأس الفتيا فى رأس العالم الإسلامى هو الأسوة والقدوة فى الحلم والعفو والصفح فمن يكون إذن ؟
هذه المحاكمة فى الحقيقة إنما هى محاكمة لك ، وإساءة لشخصك ،ودليل جديد على أن عداوتك للسلفيين فوق كل عداوة وأن الذى تبغضه لأجلهم لا علاقة له بما تتهمهم به .
فضيلة المفتى ما أهون ساحات القضاء فى الدنيا أمام قاض يجوع ويظمأ ويتعب وينسى وغاية ما يحكم به حكم هزيل مهما عظم ، لكن غداً يا فضيلة المفتى نجتمع فى ساحة رهيبة عند من لا ينسى ولا يعزب عنه مثقال ذرة ، غداً يا فضيلة المفتى نجتمع فماذا تفعل إن سألك الملك عن كاميليا وغزة وفوائد البنوك وأفلام العرى وتعطيل الحدود ومصادمة الشريعة والمسلمين فى غزة ؟ غداً يا فضيلة المفتى نجتمع فيجزى المحسن على قدر إحسانه والمسىء على قدر إساءته .
قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)....... اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني و أنا عبدك و أنا علي عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي و أبوء بذنبي ربي اغفر فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق