عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الخميس، 20 أكتوبر 2011

صفقة أم صفعة

صفقة أم صفعة



عبد السلام البسيوني | 20-10-2011 00:11

حين قامت ثورة يوليو 1952 كان الجنيه الإنجليزي الذهب أقل من قيمة الجنيه المصري (بخمسة أبيض) أو قرشين ونصف، أو خمسة وعشرين مليمًا، أيام كان المليم يشتري بيضة، أي إن الجنيه الواحد كان يشترى نحو ألف بيضة بأسعارنا الحالية!

ثم هبط المليم، فالقرش، فالربع جنيه، فالجنيه، فالعشرة، حتى صار جنيهنا مهيض الجناح، مسخرة بين العملات، ببركة العسكر والظلم ومناهج الاستبداد والتجويع المقننة والمنظمة!

وحين جاء الإسلام كانت شرائح كبيرة من الآدميين مثل جنيه اليوم، بلا قيمة تقريبًا، ولا وزن، ولا قوة شرائية حقيقية، فكان يسهل استعباد الآدمي، واختطافه، والإغارة عليه، وسبي نسائه، ووصمه، وقتله، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم ليرفع من قدره، ويقول (بالفم المليان): ولقد كرمنا بني آدم/ الناس سواسية/ لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى/ النساء شقائق الرجال!

وجعل معيار التفضيل في الإيمان والتقوى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)..

لذا لم يكن سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء عليه وعليهم السلام مجرد رجل؛ بل كان (أُمة)!

وكان هلاك بعض الناس هلاكًا للخير (اللهم إن تَهلك هذه العصابة فلن تُعبد في الأرض)!

وخوَّف صلى الله عليه وسلم كثيرًا من سفك دم مسلم؛ لعظم ذلك وحرمته، التي تزيد في الميزان عن حرمة بيت الله الحرام، حتى إنه جعل نقض الكعبة حجرًا حجرًا أهون عند الله من سفح دم المرء المسلم؛ ربما لأن الكعبة بنيان العبد، والآدمي بنيان الرب سبحانه.. وحتى وردت نصوص كثيرة في ذلك وعجيبة:

فقد روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعًا: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) صحيح سنن الترمذي!

وعنه رضي الله عنه – أيضًا – قال: رأيت رسول الله يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك - ماله ودمه - وأن نظن به إلا خيرًا)!

وروى البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق، ولو أن أهل سمواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار) صحيح الترغيب!

وكان لبعض الرجال المميزين تقدير خاص لهمتهم وعلو شأنهم، ورجاحة عقلهم، وإبداعهم، فكان بعضهم يعدل ألفًا، حتى قال الصديق رضي الله عنه في سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي: لَصوتُ القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف رجل!

ولما كتب عمر بن الخطاب إلى قائد جيشه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما: أي فارس أيام القادسية كان أفرس؟ وأي رجل كان أرجل؟ وأي راكب كان أثبت؟

فكتب إليه: لم أر فارسًا مثل القعقاع بن عمرو! حمل في يوم ثلاثين حملة، يقتل في كل حملة كمِيًّا!

ولما طلب سيدنا عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في فتح مصر كتب إليه: (أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومَسلمة بن مخلد)!

ولو عرضت على حضرتك أسماء الرجال (الألفيين) كأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ والمبشرين والأصحاب، وعلماء التابعين، والأئمة الأعلام.. وسألت حضرتك: كم يزن الرجل من هؤلاء، إذا وزن بأشباه الرجال، وأنصافهم، وأرباعهم، والرجال الفالصو في زماننا!؟

وكان سادتنا العلماء يعرفون قدر العالم، فيقولون: إذا زل العالِم زل بزلته عالَم، (شعب، أمة/ دولة)!

كان الواحد منهم (جَبلاً) في العلم، والتقوى، والإقدام، والعجلة إلى الله تعالى، لا يبالي برخيص أو نفيس!

تروى كتب التاريخ ضمن أحداث السنة التاسعة عشرة للهجرة أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث جيشًا لحرب الروم فيه عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه. وكان قيصر الروم قد تناهت إليه أخبار المسلمين، وما يتحلون به من صدق الإيمان، واسترخاص النفس في سبيل الله ورسوله، فأمر رجاله إذا ظفروا بأسير من أسرى المسلمين أن يبقوا عليه، وأن يأتوه به حيًّا. وكان عبد الله بن حذافة ممن وقع في الأسر.. وقد وقع له هذا (السيناريو) العجيب:

لما وقف عبد الله أمام ملك الروم نظر إليه الملك طويلاً – على طريقة بتوع أمن الدولة، ثم قال: سأعرض عليك صفقة ربيحة، تنجو بها بعنقك، وتعيش كريمًا!

قال : وما صفقتك؟

فقال: تتنصر، وتدع ما أنت عليه؛ فإن فعلت خليت سبيلك، وأكرمت مثواك!

فقال عبد الله في حسم لهجة مباهية: أنا أتنصر بعد إسلامي؟ أعلق الصليب بعدما عرفت ربي ورأيت طريقي!؟ هيهات؛ إن الموت لأحب إلي ألف مرة مما تدعوني إليه!

فقال قيصر : أنت شاب، وأمامك مستقبل، وفيك رجولة تعجبني.. ثم نظر إليه بطرف عينه في تذاكٍ غبي، وقال: اسمع يا رجل: عندي اقتراح آخر سيعجبك: تنصر وسأشاطرك ملكي، وأقاسمك سلطاني.. النص بالنص! إيه رأيك! أظن أن هذا عرض لا يقاوم من ذكي مثلك!

تبسم الأسير الذكي الهمام قائلاً: مُلك؟ مُلك إيه فخامتك!؟ قل كلامًا غير هذا جنابك، والله لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما ملكته العجم؛ على أن أرجع عن دين محمد طرفة عين ما فعلت!

بدأ الضيق، وتبدلت اللهجة، وظهر الوجه الحقيقي، وصرخ أخونا الجِنتل: إذن أقتلك! أقطع رقبتك، من أنت! من أنت؟ أنت لا شيء!

قال عبد الله مستخفًّا: تقتلني؟ ياااااه.. بسيطة يا راجل.. أنت وما تريد!

استبد الغضب بالملك فأمر به فجعل على هيئة المصلوب – والتفنن في أشكال الموت الفظيع (مزاج) في الحضارة الرومانية القديمة والمعاصرة – ثم قال لقناصته: ارموه قريبًا من رجليه.. فكانت الأسهم تقع قريبا من رجليه وفخذيه، والملك أثناء ذلك يقول له: تنصر! وابن حذافة يقول له: بعينك!

عند ذلك أراد أن يغير أسلوبه، وأحب أن يجرب أسلوبًا (متحضرًا) آخر في التعذيب، فطلب إليهم أن ينزلوه عن خشبة الصلب، ودعا بقدر عظيمة، فصب فيها الزيت، ورفعت على النار، حتى غلى ما فيها، ، ثم دعا بأسيرين من المسلمين ، فأمر بأحدهما فألقي فيها، فإذا لحمه تفتت وذاب، وبقيت عظامه!

ثم التفت جلالته إلى ابن حذافة قائلاً: هيه؟ إيه رأيك!؟

فقال: بعين فخامتك يا فخامتك!

فلما يئس منه، أمر به أن يلقى في القدر التي ألقي فيها صاحباه، فلما أخذوه ليلقوه دمعت عيناه، فقال أحد رجال الملك:

الحق فخامتك.. دا بيعيط! لقد ضعف الرجل واهتز!

فانتشى الملك لذلك، وأحس أنه انتصر عليه، وكسر كبرياءه، واعتقد أنه جزع فقال: ردوه علي، فلما مثل بين يديه عرض عليه النصرانية فأبى، فقال: ويحك، فما الذي أبكاك إذا؟

فقال: مسكين أنت يا فخامتك! أتظنني بكيت خوفًا من زيتك المغلي، ووحشيتك التي لا يفعلها حيوان!؟ لقد أبكاني أن لي نفسًا واحدة أجود بها لله يا عبد الله! أبكاني أني قلت في نفسي: تُلقى الآن في هذه القدر، فتذهب نفسك، وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعر أنفس فتلقى كلها في هذا القدر في سبيل الله!

اضطرمت الأفكار في نفس القيصر، وجالت حلول عديدة يحاول بها أن يثبت قوته وتفوقه، فقال بسرعة: بوس راسي وأنا اسيبك.. هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟

برقت فكرة في رأس ابن حذافة رضي الله عنه، وقال في نفسه: عدو من أعداء الله، أساومه على أن أقبل رأسه، فيخلي عني وعن أسارى المسلمين جميعًا، لا ضير في ذلك علي.. وإيه يعني!

وبسرعة وحسم قال له عبد الله: أقبل رأس جلالتك، وتفرج عني وعن أسارى المسلمين جميعًا.. ماذا قلت فخامتك!؟

قال: عنك وعن أسارى المسلمين جميعًا.

دنا منه عبد الله بن حذافة رضي الله عنه، ونحى التاج عن رأسه متفائلاً، بتنحيته عن ملكه، وقبل رأسه، فأمر ملك الروم أن يجمعوا له أسارى المسلمين، فدفعوا له!

ولما قدم عبد الله بن حذافة على عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وأخبره خبره، استنار وجهه بما سمع، وسر به أعظم السرور، ولما نظر إلى الذين حررهم عقل ابن حذافة من المسلمين قال: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة!

وأنا أول من يفعل ذلك، ثم قام وقبل رأسه!



اعرض هذا الأمر على صفقة شاليط:

لقد أراد اليهود أن يقولوا للعرب: الرجل منا بألف منكم وأكثر.. الجندي منا.. النفر العادي، وليس القائد بحجم نتنياهو أو باراك أو بيريز..

ونحن الآن أمام احتمالين: فإن كانت الصفقة التي هندستها الدبلوماسية المصرية على طريقة عبد الله بن حذافة فنعمت الصفقة.. وما أزكاها وأذكاها! وأهنئ الحكومة عليها!

وإن كانت السوأى فأسأل الله تعالى أن يرفع من قيمة الجنيه المصري، ويعلي من المسلم والعربي، حتى يعود إلى حجمه الحقيقي، ووزنه الصحيح، في أمة تعرف قدره، وحكومات تتفانى في خدمته لا امتصاص دمه، وأثرٍ يجعل العالم كله يقول: من هنا مر مصري، ويجعل لسان حاله يقول: ارفع رأسك أنت مصري/ ارفع رأسك أنت عربي/ ارفع رأسك أنت مسلم..

من فضلك: قل آمين. وادع معي لأهل سورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق