عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الخميس، 27 أكتوبر 2011

الله لا يرحم البعيد

عبد السلام البسيوني | 23-10-2011 23:32

أتعجب أنا من العاطفة العمياء التي تحكم كثيرين منا، ولا تفكر مليًّا في أقدار الله تعالى، ولا في استحقاق بعض الناس ما يلحق بهم من الإهانة والنكال (بما كسبت أيديهم)!

فحين كاد مبارك يسقط تعاطف معه كثيرون، وقالوا: غلبان/ ارحموا عزيز قوم ذل/ دا صاحب الضربة المِشْعارِفْ إيه/ دا بطل أكتوبر (ازاي معرفش)/ دا أبونا.. دا راجل كبير يا عيني!

بل وتكونت (جروبات) تدافع عنه، وتعدد مآثره، وأياديه البيض على مصر وأهلها!

لكن الله تعالى الغالب أبى إلا أن يسلط عليه غباء رجاله، كما سلطهم هو على الشعب المشلول، فكانوا - كلما هدأت الأحوال، وبسبب من غرورهم الأعمى - يتصرفون تصرفًا غبيًّا، يشعل الناس غضبًا وثورة من جديد. وتكرر ذلك حتى كانت قاصمة الظهر (معركة الجمل) التي قال الشعب بعدها (ما بدهاش) وأصروا على خلعه، وخلع زبانيته من كبار الإرهابيين (الوطنيين) صناع الفتن والمؤامرات.

وكاد قومنا الطيبون - في لحظة عاطفة - ينسون أنه ورجاله جففوا ينابيع كل خير في البلد: الاقتصاد، والصناعة، والزراعة، والتجارة، والعمق السياسي، ونشروا الفساد، والبيروقراطية، وعذبوا الناس وجوعوهم، وأذل أعناقهم، حتى زاد العوانس عن تسعة ملايين، وحتى تفشت البطالة بشكل لا يطاق، وانتشرت المخدرات، والعنف، والبلطجة، والقتل في الشوارع، والمخافر، ومقار أمن الدولة، والسجون، وكسرت الشرطة إرادة المواطنين لحد غير متصور.. في حين دلل هو وحكوماته وأزلامه إسرائيل، ومكنوا من رقبة مصر كل من لا يذكر اسمه، حتى ميليس زيناوي ورؤساء دويلات القرن الأفريقي! و(هوّ ولا هنا).. عذب - بأمره أو بتواطئه أو بتغافله - وجوع، وأهان، وأذل 85 مليون رجلًا وامرأة وطفلًا!

والغريب أن هناك أصواتًا تعيد الموقف ذاته، وتبكي على جرذ ليبيا قذاف الدم، وتصفه بالوطنية، وحماية بلده اللي كان أهلها ما بيدفعوش كهربا ولا مية (!) الله يهديكم؟

ألهذه الدرجة تَعمى العاطفة فتلغي العقل!؟

أترْثون لذلك الحيوان الذي دك بلده بالطائرات، واستأجر مرتزقة قتلوا وجرحوا أكثر من مائة ألف شخص في الأشهر الفائتة، ودمر بلده تدميرًا يبكى عليه!؟

أتدمعون على ذلك الوحش المنتفخ المنفش المستعلي، الذي يتم أطفالًا، ورمّل نساءً، وأثكل أمهات، ودك مدنًا، وأشعل بالنفط النار يبكى عليه!؟

أترقُّون لذلك الرئيس الوطني الذي هدد شعبه صراحة أنه سيجعلها جهنم الحمر، قرية قرية ودارًا دارًا!؟

أتعطفون على الفرعون الذي احتقر شعبه، وأهانه، وأفقره، وسرق ماله، ومستقبله أربعين سنة مضت، وأربعين سنة قادمة!؟

أتلين قلوبكم لذلك الطاغية الإرهابي الكبير الذي أنجب طاغيته وإرهابيه الصغير سيف الإزلام، الذي كان يخاطب (شعبه) بأصبعه، كأنهم تلاميذ في الروضة، ويهددهم، ويتوعدهم كأنهم محاسيب عند أبيه؟

أتحدبون على الكائن الذي حول ليبيا كلها – البلد النفطي الضخم - عزبة يرتع فيها أبناؤه، وعائلته، ومن اصطفاهم؛ لمساعدته في التفقير والتجهيل، والإرهاب والقمع؟

أليس للمائة ألف قتيل وجريح في ميزانكم حساب؟

أليس لهذه القائمة الطويلة من الخيانة في عدلكم ثمن؟

وهل أنتم أرحم من ربكم الرحمن الرحيم الذي شرع القصاص، وأمر بالعدل!؟

خذوا هذه المعلومة العجيبة:

= لما أراد الله تعالى أن يغرق فرعون مصر عليه لعائن الله، وعاين الأحمق الغبي الموت قال – حين لا ينفع القول -: (آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من المسلمين) وكأنه الغبي يخادع ربه تعالى، متجاهلًا أنه روع المصريين، وقتل جيلًا من الأطفال الرضع، وقال لشعبه: أنا ربكم الأعلى، وعبَّدهم لنفسه وعائلته، وهامانه، وكهنته، وملئه!

وأثناء غرقه رآه سيدنا جبريل (ملاك الوحي والحياة والرحمة) وهو يحاول أن يسلم وينطق بشهادة التوحيد التي عاش عمره كله يحاربها، فأخذ جبريل طميًا من قاع البحر، وطفق يحشو به فم فرعون؛ حتى لا ينطق بالشهادة، فربما أدركته رحمة الله تعالى! تصور!

في مسند أحمد، والترمذي، وصحيح الجامع، والسلسلة الصحيحة، والنوافح العطرة، وغيرها، بأسانيد صحيحة، عن ابن عباس رضي الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم: (لما أغرق الله فرعون قال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} قال صلى الله عليه وسلم: قال لي جبريل: يا محمد: لو رأيتني وقد أخذت حالًا من حال البحر فدسيته في فيه؛ مخافة أن تناله الرحمة)!

لا يريده أن يسلم فيُرحم، لبشاعة جرائمه المتراكمة المتطاولة الممتدة الشنيعة!

سبحان الله: جبريل يفعل ذلك، وإخواننا يعتقدون أنهم أرحم من جبريل عليه السلام!

= سيدنا نوح صلى الله عليه وعلى أنبياء الله جميعًا، وسلم تسليمًا كثيرًا يدعو على قومه؛ بعد أن لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، فما آمن معه إلا قليل، فقال من قلبه: (رب: لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك، ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا) سيدنا نوح عليه السلام، أحد أهم خمسة رجال في تاريخ البشرية، وأرحمهم، وأبرهم، يدعو على قومه، أن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر..

وبعض إخوتنا يظنون أنهم أرحم من نوح صلى الله عليه وسلم!؟

= ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه ربه رحمة للعالمين، يدعو على رعل، وذكوان، وعصية، القبائل التي خانت الكلمة، وغدرت بالمسلمين: ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان، فزعموا أنهم قد أسلموا، واستمدوه على قومهم، فأمدهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين من الأنصار، قال أنس: كنا نسميهم القراء، يحطبون بالنهار، ويصلون بالليل، فانطلقوا بهم، حتى إذا بلغوا بئر معونة غدروا بهم، وقتلوهم، فقنت صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعو على رعل وذكوان وبني لحيان، في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة، يدعو عليهم، ويؤمِّن من خلفه!

= ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه ربه رحمة للعالمين، دخل مكة المكرمة فأمّن أهلها كلهم، وعفا عنهم، رغم ما فعلوه به صلى الله عليه وسلم، وبأصحابه رضي الله عنهم من تشريد وتعذيب وقتل ومصادرة وتشويه، وتأليب للعرب عليه، يدخل عام الفتح، وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: يا رسول الله: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال صلى الله عليه وسلم: اقتلوه؛ وإن كان متعلقًا بأستار الكعبة!

أنحن أرحم منه صلى الله عليه وسلم؟!

أتعجب والله ممن يرثون لقذاف الدم، ولا يرثون لبحور الدم التي أهرقها، رغم أنه ظل متفرعنًا مستكبرًا لآخر لحظة، يقاتل، ويهدد، ويسـتأجر، ويرسل مدافعه وراجماته على الناس جحيمًا، ويسلط قناصته لاصطياد رؤوس أهل وطنه، بل أهل مدينته سرت! ولم تظهر منه بادرة ندم، أو إشارة اعتذار، أو علامة تراجع، كما ظهر من صدام مثلا، أو حتى المجرم بن علي الذي قال لشعبه: فهمتكم.. فإن هذا أبى حتى أن يفهم!

ودعني أُجْرِ مقارنة هنا بين قذاف الدم وبين صدام، وكلاهما كان جبارًا عنيدًا عنيفًا، لكن أحدهما استمر جبارًا عنيدًا، في حين لان الآخر وتراجع؛ ما أدى إلى أن يتعاطف معه كثيرون:

= = في آخر سنوات صدام كان قد بدأ يتراجع عن كثير من جبروته، وبعثيته، وحمقه، ويعود إلى دينه، ويتواصل مع العلماء، وأهل الدين، ما أقلق الغرب كثيرًا، وكان من أسباب التعجيل بضربه!

على عكس صاحبنا العقير قذاف الدم، الذي ظل لآخر لحظة - مثل فرعون - مستكبرًا منتفخًا، يهدد ويتوعد!

= = حين أخذوا العقير من ماسورة مجاري الجرذان، قال لهم في ترجٍّ وذلة: يا أولادي لا تقتلوني/ حرام عليكم/ حرام عليكم/ إنتو ما تعرفوا الحرام؟!

بينما رفع صدام رأسه، هازئًا بأولاد الرفضة، الطائفيين الذي كانوا يشمتون به، وكان يهينهم، ولم تطرف له عين، وجهر بلا إله إلا الله محمد رسول الله، سمعتها الدنيا كلها!

وفي المحكمة كان صدام كان جريئًا عزيزًا، لم يرج المحكمة، ولم يذل نفسه لأحد، بل كان يجبههم، ويقارعهم، ويهينهم، ويقرأ في المصحف أمام كاميرات تلفزيونات العالم!

= = وقف العالم كله ضد صدام، بينما وقف العالم كله – حتى بعض الدول العربية – مع العقير، وثبتوه، وشجعوه، وأطالوا أمد فساده، ودماره، تسعة اشهر، وأمدوه بالأسلحة جهارًا نهارًا، ولا عليكم من شغل النيتو الذي دمر البنية التحتية معه، ولا عليكم من الشجب الإعلامي لبعض الأنظمة، التي آوت رجاله وعائلته، وأخفت جرائمه.

= = إسرائيل كانت تخاف صدام، وتأخذ تهديداته بجدية، ولم تدخل العراق إلا بمعونة الروافض، وبعد إعدامه صار الصهاينة يحكمون العراق منذ اللحظة الأولى لغزوها... في حين أن العقير استأجرهم لحمايته، بشكل صريح معلن، سبق أن كتبت عنه!

= = لم يُصحِّر صدام بلده، ولم يغلق الجامعات، ولم يقص أعناق العلماء، بل كانت العراق بلدًا ينتج مئات وألوف العلماء، والأكاديميين، والشعراء، والفنانين.. أما العقير فقد تركها صحراء بلقع، ليس فيها معلم حضاري، ولا جامعة ذات شأن، ولا مدينة متحضرة، ولا قانون أو دستور، ولا شعب كريم مستور!

أيها العاطفيون الباكون على قذاف الدم.. راجعوا أنفسكم من فضلكم!

--------------

albasuni@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق