عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

من غرائب الحجاج وطرائفهم

من غرائب الحجاج وطرائفهم



عبد السلام البسيوني | 31-10-2011 00:23

غير معقول أن يتقدم رجل لممارسة الطب وهو به جاهل، لا يعرف أبجدياته، ويخلط بينه وبين الحجامة، أو عملِ حلاّقي الصحة!

وغير معقول أن يدعي أحد أنه خبير في هندسة السيارات ؛ لمجرد أنه رأى لها كتالوجًا، أو شاهد سيارة مرسومة في كراس ابنه الصغير!

لكن معقول.. ومعقول جدًّا.. أن يأتي مسلم بالغ عاقل مثقف مستطيع، ليؤدي فريضة الحج، وهو ميحْ/ أستيكة/ أبياااااااض، لا يعرف شيئـًا عن هذه الشعيرة!

هو بالغ يقينًا لأنه بلغ العقد الرابع أو الخامس أو السادس من عمره المبارك (!)

وهو عاقل بالتأكيد لأنه لا يهلوس في الطريق، ولا يلبس ثوبه بالمقلوب، ولا يرمي الناس في الشارع بالطوب.

هو مثقف لأنه حاصل على شهادة محترمة في الطب أو الهندسة أو الإعلام أو الأدب - أو حتى الشريعة - وبارع في تخصصه، وشغال سِنْير اسْتَفّ.

وهو مستطيع لأنه دفع من حرّ ماله ما يمكنه أن يسدّ جشع كثير من التجار الذين يلهلبون الأسعار في الموسم، فضلاً على أنه قادر بدنيـًّا، ولا يحول بينه وبين طاعة الله تعالى شيء..

لكن هذا البالغ العاقل المثقف المستطيع (تبارك الله/ اللهم لا حسد) يأتي إلى الحج ومخه أشد بياضًا من اللبن ؛ فليس عنده أية فكرة عن المناسك..

فهو لا يفرق بين منى مكة، و(منى زكي)، وباب السلام و(باب الحديد)، وربما اعتقد أن مزدلفة اسم لمحطة سكة حديد بين مكة وجدة، وأن عرفات التي يقف عليها الحجاج هي الجدة الكبرى لأبي عمار!

بل ربما ظن المسكين أنه ينال لقب حاج بمجرد وصوله إلى مطار جدّة الدوليّ؛ فأعظم الشعائر عنده أن يصل إلى مكة، ويشتري سجادة صلاة، ومسبحة، ويحمل مطّارة من ماء زمزم ؛ ليصير بذلك حاجـًّا، وابن حاج كمان!

إن الناس يحتاجون إلى تعليم كثير لأركان دينهم - وبخاصة الحج - وإن على العلماء الكرام أن يطوروا - ما استطاعوا - من كيفية عرض المناسك، وشرح تفاصيلها ؛ خصوصـًا للذين يحجون لأول مرة.

فمجرد سرد محظورات الإحرام وواجباته وأركانه وأنواع الدماء وما شابه ليس كافيـًا لتعليم الناس الآن ؛ إنهم يحتاجون إلى تطبيق عملي يقدّم من خلال شاشة التليفزيون، وأجهزة الفيديو، وفي المساجد ؛ من خلال أفلام وثائقية، ومجسّمات، وخرائط، وتكرار، وإلحاح..

وليت وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي تفرض على كل ناوٍ للحج أن يحضر هذه الدورات، وأن يتابعها، حتى لا يذهب لأداء الفريضة بذهنٍ خالٍ تمامـًا، فالواجب أن نعبد ربنا عز وجل على بصيرة، مستحضرين نوايانا في كل خطوة نخطوها في الحج وغيره..

فأخطر الناس على الشيطان هم العالمون بأمر دينهم.. أما عباد الله من ماركة أكثر بياضـًا فما أسهل أن يُخـترقوا، وما أسهل أن تفسد عبادتهم، وما أسهل أن يضيع منهم جهد بدني بذلوه، ومال كثير ادّخروه، ووقت ثمين هم أحوج ما يكونون إليه في الدنيا والآخرة..

شر البلية: وإن الفاحص المتأمل ليرى من أفعال بعض الحجّاج ما يجعل الحجر يستلقي على قفاه من شدة الضحك (على أساس أن شر البلية ما يضحك)..

لذا فإنني جمعت لك قارئي العزيز هذه الغرائب، والمدهشات، من خلال مشاهداتي في مواسم الحج، ومن خلال سماعي وقراءاتي، حيث بدأت علاقتي به بالضبط قبل ثلاثين سنة، منذ حجتي الأولى في صحبة نخبة علماء الأمة آنذاك: العلامة ابن باز، وصاحب المنة الكبرى عليّ بعد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم الشيخ الشنقيطي، وأستاذي الرائع الشيخ عبد المحسن العباد، والشيخ الغنيمان، والشيخ عمر فلاتة، والدكتور محمود ميرة وغيرهم، وكان الشيخ الزنداني في هذا الوقت شابًّا يرافق الحملة نفسها، التي أرسلتها الجامعة الإسلامية في المدينة والمنورة، والتي اختارت في صحبتها بعض طلاب الجامعة ممن يملكون نصيبًا من الجرأة الميدانية، والقدرة على التعامل مع الحجيج، وقد أحسن بي ربي الكريم؛ إذ جعلني أحدهم، لأنعم بصحبة هذه الكوكبة من العلماء المباركين في مستهل حياتي. ثم كان خروجي مع حملات عديدة مرشدًا وموجهًا للحجيج، ما عرضني لمواقف تدمي الفؤاد، وأخرى تضحك الجماد، وثالثة تدعو للتفكير والتأمل..

لكن اسمح لي - ونحن في أيام عيد كريمة - أن أرسم على شفتيك قارئي العزيز بعض الابتسامات غير المصطنعة، لأنها من مشاهدات ومواقف حقيقية، يمكن أن ترسم صورة واقعية، دقيقة، لحالنا أفرادًا وأمة/ متعلمين وجهالاً/ رجالاً ونساءً/ حجاجًا صادقين أو حجاجًا بالصدفة، أو بالاستهبال..

فصلّ معي على سيدك النبي أيها القارئ الكريم، واحتمل هذه الوقائع الحقيقية جدًّا التي شهدتها وعايشتها بنفسي، عبر سنين طويلة. وقليل منها من (مساء) الحبيبة، توأم (الأسرة) الغالية:

ريح لا ينقض الوضوء! شاب زي الفل ما شاء الله جاء - بمنتهى الجدية - يسأل مرشد الحملة عن صحة صلاته، بعد أن خرج منه ريح: هل يكمل الصلاة أم يتوقف؛ فقوبل باستغراب، وسأله الشيخ: معقول يا فلان؟ كل الناس يعرفون أن خروج الريح ينقض الوضوء، ويـبطل الصلاة؟!

فقال ببراءة عجيبة يحسد عليها: ولكنه ريح طيّب، لم يكن منتنـًا ولا مشمومـًا؟!

ثياب الإحرام مالهاش لزمة! شاب ما شاء الله (زي الجدار) رافق مجموعة من المسافرين إلى مطار جدّة، ثم واصل الطريق معهم إلى مكة المكرمة، وعليه السكينة والوقار.. دفع الفضول بأحدهم ليسأله: يا أخي: ما دمت داخلاً مكة، لماذا لم تنو الحج هذا العام، وتستفيد من المناسبة؟!

- أنا نويت الحج فعـلاً.

- هه؟ نويت الحج؟ كيف وأنت على سنجة عشرة، بالقميص والبنطلون؟

فقال (أيضـًا ببراءة يحسد عليها): ألا ينفع أن أحجّ بالقميص والبنطلون؟! هوّ لازم الفوطة البيضا دي يعني؟!

واحد ممكن.. بس الأتوبيس كله؟! وقف الشيخ يشرح لمجموعة من الحجاج تركب أتوبيسًا ماذا عليهم أن يفعلوا بعد تجاوز الميقات.. وركّز - بقدر الله تعالى - على قضية ترك الطيب: ممنوع استخدام العطور/ ممنوع الكلونيا/ ممنوع العطر/Don’t use any Perfume/ برفيوم نهِي.

ونزل الشيخ من الباص قليلاً ثم عاد، فإذا أحدهم قد أمسك بزجاجة عطر بلية، ودار على أهل الباص - جميعًا - فطيّبهم جزاه الله خيرًا، ثم عاد هاشًّا باشًا، فرحًا بإنجازه التاريخي وهو يقول في سعادة: حطيت عطر للركاب جميعـًا (!)

الغريب أن ركاب الباص جميعًا - وكانوا من البدو المتنورين - لم ينهوه، ولم يرفضوا، بل قبلوا التعطر شاكرين!

الشرطة تركت الأغبياء! استدرج بعض اللصوص المهرة عددًا كبيرًا من الحجاج العجم إلى لافتة ضخمة زرقاء، في ناحية من الطريق، مكتوب عليها: (إلى الجمرات)، وأوهموهم أن هذه اللافتة هي الشيطان ابن الشيطان، وهي الجمرة الكبرى، وأن عليهم أن يرجموها بكل قوتهم! وبدأ الناس (باسم الله والله أكبر.. طاخ) ومزّقوا اللوحة من كثرة ما رجموها.. وفي الوقت ذاته كان اللصوص يمزّقون جيوبهم، وينشلون متاعهم!

لكن الشرطة السعودية انتبهت للأمر، فطوقوا المكان، وأمسكوا باللصوص..

ومع أسفي الشديد فات الشرطة أن يمسكوا الحجاج الذين لا يفرقون بين لافتة زرقاء، في ناحية من الطريق، مكتوبة بعشر لغات، وبين الجمرة الكبرى (!).

بالشبشب! وعلى ذكر الشيطان الرجيم، فإن الرمي - كما هو معلوم - مسألة رمزية، وتوقيفية، نتبع فيها فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فليس العمود الذي يرجم هو إبليس نفسه.. لكن كثيرًا من الناس قد سكنهم اعتقاد جازم أن إبليس لعنه الله قد استوطن هذا العمود بالذات.. لذا فإنك تراهم يرمونه بكثير من التشفي والغلّ، لعل أحدًا أن يخلع عينه بطوبة، أو يصيبه بحجر، فيوقعه بالضربة القاضية، ويريح الدنيا منه ومن شروره..

فترى إحداهنَّ تخلع (شبشبها) من رجلها وهي تصرخ فيه: يخرب بيتك، أنت اللي طلقتني من جوزي يا بن الكلب، وهُبْ بالشبشب..

وترى آخر يمسك بعصاه الطويلة، ويظل يضرب في البناء الحجري، وهو يهدر كالفحل: اللاّ يهدّْش.. الله يلعنش.. يا الهيس!

وترى ثالثًا قد أمسك بكبشة من الحصى يضربها مرة واحدة، لكن السيئ أنه لا يصيب بها الشيطان، بل تستقر في الأقفية العارية، والرؤوس الحليقة ع الزيرو، لأن هذا يقع غالبًا بعد الحلق.. واسألوا رأسي التي طالما جرحت أو ثقبت من حصى الحجاج!

وليت أحدًا يقف هناك عند المرمى، ليعرف أن الناس يحقدون على إبليس حقدًا شديدًا.. فكيف ظهرت في بلادنا عبادة الشيطان؟!

الشيطان الكبير بس! يجهل كثير الحجاج الكثير من الأحكام، فيسهل خداعهم، أو وقوعهم في مآزق يفسد بها حجهم.. وقد بلغني أن بعض المترفين قضى أيام الحج في أحد الفنادق الكبرى حول الحرم، معتقدًا أنه حج حج (آخر رواقة) لأن كل الناس تركوا له المكان وراحوا!

ويشبه هذا ما يحكيه أحدهم من أنه يوم انتهى الناس من الذهاب من منى إلى عرفة للوقوف بها لاحظ هو وغيره مجموعة من الناس من جنوب أفريقيا، لم يذهبوا مع الذاهبين. وعندما سألوهم يحسبون هناك ما يعوقهم عن النفرة لعرفة، قالوا: احنا جايين نضرب الشيطان الكبير وبس، ولن نذهب لعرفة!

حاول الشباب إقناعهم بخطأ ذلك فعجزوا، وتدخلت الشرطه بلا فائدة! وجلس الحجاج (الخبراء) في منى، وراحت عليهم الحجة!

اللهم لا حسد: المفروض في السعي بين الصفا والمروة أن المسافة بينهما ذهابًا تحسب مرة، وإيابًا تحسب أخرى. وكثير من الأشخاص السمان والمراهيق يتعبون بعد ثلاث أو أربع لفات..

ومما أذكره هنا: شاب رياضي (ما شاء الله.. إيه وَنْ) أراد أن يثبت أنه أحسن من الآخرين، وأشدّ إخلاصـًا في أداء الشعيرة.. فأخذ يجري - على نَفَس واحدٍ - من الصفا إلى المروة اثنتي عشرة مرة (لفّ المستطيل كله ستّ مرات كاملة، جريـًا بلياقة كاملة - ما شاء الله - وهذا بالحساب الصحيح اثنتا عشرة سَعْية) وبعيدًا عن العلمين الأخضرين - وقد وضع (ذيله في سنانه، وهات يا رَمح)..

أشار إليه أحدهم ألا يهرول - كان يجري كأنه في سباق أربعمائة متر - وبعد أخذٍ ورد، قيل له - في شيء من الشك -: كم مرة سعيت، وهل درت المكان كله ركضـًا.. فقال بشموخ واعتزاز: - إيه.. الحمد لله/ - كم مرة؟/ - ست مرات/ - كيف؟

أشار بيده: بدأت من هناك من عند الصفا، ثم ظللت أجري حتى وصلت إليها مرة ثانية.. وعددت من ذلك ست لفّات كاملة.

وكاد السائل أن يضربه من الغيظ، لأن هذا السائل كان سمينـًا، قد تسلخّ من مجرد سعيتين اثنتين: من الصفا إلى المروة وبالعكس!

مكان فُل أوبشن! رأيت امرأة من إفريقيا تجلس في وسط الشارع تمامـًا، كأنها في فندق سبع نجوم، وكان بجانبها كوز ماء، فإذا دخل وقت الصلاة استنجت أكرمكم الله وهي في مكانها لم تتزحزح، وتوضأت وهي في مكانها لم تتزحزح، وصلت وهي في مكانها برضه دون أن تتزحزح.. وكم خشيتُ أن تحاول الطواف حول الكعبة ؛ وهي - أيضـًا - في مكانها مسمرة لا تتزحزح!

ضريح مين ده؟ على طريقة معظمي القبور والأضرحة في العالم الإسلامي دخل رجل المسجد الحرام - لأول مرة - وحين رأى الكعبة المعظمة يشير سائلاً: مين اللي مدفون في الضريح ده؟!

القبلة فين؟ وامرأة أخرى أكثر وعيًا وثقافة من السابق، لما دخلت المسجد الحرام، ورأت الكعبة- شرفها الله - تتوسط المكان، فتتلفت هنا وهناك، فلم تجد محرابـًا كمحاريب المساجد (اللي خلقها ربنا) فسألت في حيرة: هانصلي الناحية انهين؟ فين القبلة؟

الّلا يسامحك يا رسول الله! وأشدّ من ذلك ما عبّرت به امرأة عن (زعلها خالص) من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن عدم مراعاته لآلام الناس (اللي دايين من آخر الدنيا، والمتاعب التي يتجشمونها، في سبيل أداء الفريضة؟!) إذ قالت أسوانة متحسرة:

الّلا يسامحك يا رسول الله، بقى مش جاي تجيب الحج اللا في الحتة الحر دي؟ ما كنت

خلّيته في اسكندرية والّلا حاجة!

فِيقي/ فيقي: من الآفات التي يعيشها بعض الحجاج والمطوفين، أنه يمسك بكتاب في يده، يقرأ منه أثناء الطواف، دون أن يفهم في أكثر الأحيان ما يقرأ – خصوصًا إذا كان غير عربي - فتخرج منه أشياء تثير الضحك، كما تشوش على الحجاج، وتقطع التركيز، وتفسد الخشوع:

سمعت أحدهم يصيح: وما تَوْ/ والناس وراءه يرددون: وما تَوْ/ فيقول: فيقي! ويردون: فيقي! (يقصد: وما توفيقي إلا بالله!)

ويروى أحدهم - والعهدة عليه – أنه في الشوط الثالث من طواف الوداع، كان يتحرك بجانبه مجموعة من حجاج شرق آسيا، وكان مطوّفهم يدعو، وهم يرددون وراءه: اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتقوى!

حتى الهامش: ويحكى أحدهم أنه رأى مجموعة من النساء يبدو أنهن من الجمهوريات السوفيتيّة، يتقدمهن رجل من بلادهن يقرأ العربية؛ إلا أنه لا يفهمها. وكان الحاج يقرأ من كتاب الأدعية، وهن يردّدن وراءه، حتى صار يقول: طُبع، فيقلن: طُبع، فيقول: في الرياض! فيقلن: في الرياض، فيقول: في مطبعة، فيقلن: في مطبعة.....إلخ !

كله عند الحجاج دعاء! آخر يحكي: كنت أطوف حول الكعبة فسمعت رجلا يدعو بحماس اللهم.. اللهم.. اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث! ، فقلت له: يا أخي، هذا الدعاء تقوله إذا دخلت دورة المياه، فأجاب بسرعة:

ما في مشكلة..كله دعاء!

مش ملايكة.. دول سوريين! ومن المواقف التي تدخل في هذا الباب ما رواه أحدهم قال : كنت أطوف وحـدي طواف الإفاضة، ولم يكن الحرم مزدحمًا ساعتئذٍ على غير العادة، فأخذت أرفع يدي، وأدعو الله سبحانه، وكان صوتي مرتفعًا قليلاً، ومع كل دعوة كنت أسمع من خلفي صوتًا عاليًا وجماعيًّا يردد آمـيـن! وتكرر ذلك، وكنت إذا سكت سكت الصوت وحينها لا أدري كيف خطر ببالي أن الملائكة تؤمِّن على دعائي! لكن عندما التفت ورائي إذا بمجموعة من الحجاح الشاميين كانوا هم من يؤمن!

ظهر الشيطان! الاندفاع العاطفي دون تدبر، قد يحدث كارثة عظيمة لا يمحي أثرها.. يروي أحدهم أنه من شدة الزحام والتدافع عند رمي الجمار رأى حاجًّا كاد يسقط من أعلى الجسر، ولكنه تمسك بالحديد بقوّة، فسقطت ثياب الإحرام عنه، وكان هذا الحاج سيئ الحظ إفريقيًّا شديد السواد، ضخم الجسم، فلما رآه بعض الجهلة، ظنه الشيطان قد خرج، فصار يهتف بكل حماس: خرج الشيطان! ظهر الشيطان! وأخذ يسدد الجمرات يريد أن يصيب هذا المسكين، وبدأ الجهلة يرجمون هذا المسكين بالحصى والنعال، حتى أدركته سيارة الإسعاف وهو على وشك أن يفارق الحياة .

ستات ع الزيرو! معلوم أن بعض أحكام الحج تحتلف أحيانًا بين الرجال والنساء، ومنها أن الأفضل للرجال أن يحلقوا رؤسهم أو يقصروها، أما المسألة بالنسبة للنساء فهي شعيرة رمزية، فلا يقصصن من شعورهن إلا مقدار أنملة، لكن الجهل قد يدفع أحدهم للمساواة الكاملة في الأحكام بين الرجل والمرأة، ما يمكن أن يؤدي لكارثة..

يحكى أحدهم عن جده قصة رآها في الحج قبل أكثر من خمسين سنة، وذلك أن أحد الجهال جعل من نفسه مطوّفًا، فأوكل إليه رئيس المطوّفين تطويف اثنتي عشرة امرأة، وبعد أن انتهى معهن من رمي الجمار، أمرهن بحلق رؤوسهن بالموسى جميعًا، وعادت النساء إلى أهلهنّ بدون شعر!.. وتخيل.. سيدات زلبطات!

الحج للرجالة.. ستات لأ! الجهل أيضًا سبب كل بلاء، والتعالم أسوأ أشكاله.. يقول أحدهم: كنا نستمع إلى أحد المشايخ، وهو يتحدّث عن أحكام الحج، وتطرّق الحديث إلى كيفيّة حج النساء، وما يجب عليهن في الحج، فقاطعه أحد كبار السن قائلاً: يا شيخ، كيف تذهب النساء إلى الحج، والله تعالى يقول: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً}؟!

أنا ما أضيعش أبدًا: تعاهد بعض الزملاء – وكان عددهم تسعة عشر – أن يؤدوا فريضة الحج بشكل جماعي، واتفقوا على أن الذي يضيع منهم عن المجموعة يتوجّه إلى مكان النداء عن الضائعين، وينتظرهم هناك .

ضاع أحدهم، وكما هو الاتفاق، فقد ذهب إلى مكان النداء عن الضائعين، وقال للمنادي بكل ثقة: هذه أسماء ثمانية عشر شخصًا أريد أن أعلن عن ضياعهم!

ففزع المسؤول عن النداء، واستفهم من الرجل، ثم انفجر ضاحكًا، وعبثًا صار يحاول أن يقنعه بأنه هو الضائع وليس هم، وأن عليه تقديم اسمه لا أسماءهم، وأن عليه أن يبقى لينتظر أصحابه، ولكن الرجل بقي مصرًّا على أنهم هم الذين ضاعوا، وعندما جاؤوا ليأخذوه من مكان النداء صار يصيح فيهم: أين كنتم؟ لقد بحثت عنكم في كل مكان!

Want a cigarette ?: الدخان عند كثيرين يمثل نقطة ضعف هائلة، وحين يحج أحد المبتلين به يفتش بقة عن ان شيخ يمكن أن يقول له: لا بأس/ الدخان حلال..

بعضهم يكون ضعيفًا لا يستطيع مقاومة، وآخرون فيهم بجاحة واستباحة ظاهرة، حين يحضرون معهم الشيشة ولوازمها، ليعدلوا مزاجهم في منى الميمونة، ولقد رأيت بنفسي مقاولاً قد جلب الشيشة معه، وأعد المجلس لنفسه، ولشلة الصنايعية معه، وعاتبته بشدة يومها..

المشكلة أن بعض الناس - تحت مطارق الجهل أو الإعلانات والدعاية للتبغ - لا يعتقدون أنه حرام.. يقول أحدهم: رأيت امرأة عجوز تدخّن في منى! فقلت لها بالإنجليزية: التدخين حرام، وتزداد حرمته في الحج، فابتسمت و.... قدّمت لي سيجارة!

حياك الله: المرور بين يدي المصلي يزعجه، ويقطع عليه تركيزه، لذلك يسن له في الأحوال العادية أن يحجز بيده من يمر أمامه، يقول أحدهم: كنت أصلي في الحرم المكي، وبسبب الازدحام أراد أحد المعتمرين أن يمرّ من أمامي، مددت يدي لكي أمنعه، فمد يده وصافحني بحرارة!

قالوا للحرامي احلف! يشكل موسم الحج سوقًا رائجة للنشالين المحترفين، الذين بلغني أن بعضهم يسافر خصيصًا في الموسم للسرقة، وبعضهم يتفنن في ذلك، حين يخلق فوضى وتدافعًا يشغل به الناس ليسرقهم - كما مر في الذين رموا اللافتة على أنها الشيطان – وسمعت أن بعضهم يشتري المكان المميز - الذي يرد إليه الضحايا كثيرًا - من نشالين آخرين بمبالغ كبيرة، لأنه متأكد من الربح!

يروي أحدهم أنه أحس أثناء الزحام بشخص يريد أن يسرق منه محفظته، فأمسك بيده بقوّة، وأراد أن يسلّمه للشرطة، فصار الرجل يرجوه، ويحلف له أنه تائب، وأنه لن يكرّرها، فرحمه صاحبنا وأطلقه، وبعد أن ذهب السارق، وضع الرجل رقيق القلب يده في جيبه، فوجده ممزقًا.. فارغًا.. منهوبًا ؛ فلقد سرقت المحفظة!

حصار الشحاتين: وليست المشكلة قاصرة على النشالين وحدهم، فالمتسولون لهم حضور كثيف، وأساليب متنوعة، وإلحاح لا يكل، يظل أحدهم يتوسل ويكرر ويضغط بألف طريقة وطريقة حتى يستخرج منك ما يريد، من خلال شكله المشوه، او يده المقطوعة، أو رجليه الكسيحتين، أو عاهته المنفرة..

لكن للطرارين أيضًا عادة عجيبة، فإنك إذا أعطيت شحاذًا شيئًا، انشقت الأرض فجأة عن مائة مثله، يتحلقون حولك، لتعطيهم كما أعطيته..

يحكي أحدهم: كان معنا شخص يحجّ لأول مرّة، ولا يعرف طباع الحجّاج، ومشاكل المتسوّلين، فأراد أحد الأخوّة أن يصنع معه مقلبًا ظريفًا، فناوله ريالاً، وطلب منه أن يعطيه لأحد المتسوّلين – وكان ذلك بين مجموعة كبيرة من المتسوّلين – فما هي إلا لحظات حتى اختفى هذا الأخ بين أكوام الكتل البشريّة التي طوّقته تريد الصدقة، ولم ينج إلا بمساعدة أحد رجال الأمن!

مكسح أسرع من سعيد عويطة: ويظهر مكر الطرارين وكذبهم إذا (شموا) أن هناك كبسة من الشرطة.. وأدعوك أن تقف ذات مرة في أي مكان حول الحرم الشريف لتراقب عشرات المشوهين والعميان والنصابين من فاقدي الأيدي والأرجل وذوي العاهات، يفترشون الأرض على الطرق المؤدية للحرم يستجدون الناس. ثم راقب إذا جاء شرطي أو سيارة من سيارات مكافحة التسول، وقل لي ما النتيجة!

استِبَـرُّوكِية! يتبرك العامة بأي شيء من رحاب المدينة أو مكة، ويهمهم جدًّا أن يحملوا أي شيء حتى لو لم يكونوا سيستفيدون منه.. المهم أنه من عند سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم!

وأذكر أننا كنا نوزع كتبًا باللغة الإنجليزية والفرنسية للحجاج، فجاءت امرأة أمية تطلب كتبًا، فسألتها برفق: لمين يا حاجة؟ فقالت لابني/ عمره كم سنة؟ 7 سنين/ فضحكت وقلت: هذا لا يصلح له يا حاجة، دي كتب كبيرة عليه/ فقالت ببراءة: يا خويا ادِّيني أي كتاب، استبروكية من عند النبي عليه الصلاة والسلام.. وأعطيتها!

بناه المرحوم.... ولأن كل شبر هناك هو من آثار النبي عليه الصلاة والسلام فيما يعتقد عوام الناس وجهالهم، فإنهم يتبركون بأي شيء، حتى لو كان جدارًا أو بابًا أو قطعة خشب. ولقد كان أمام مقر البعثة القطرية في المعابدة بمكة المكرمة، مسجد نصلي فيه الجماعات، وكان عليه لافتة تحمل تاريخ بناء المسجد واسم بانيه، فرأيت رجلاً يتلفت حوله، ليتأكد أن أحدًا لا يراه - ولسوء حظه كنت أشاهد ما يفعله - ثم عرى صدره، وألصقه باللافتة الحجرية ، وأخذ يمسحه بها، ثم أخذ يدير خديه، ويمسح وجهه باللافتة.. التي كتب عليه.. مسجد كذا.. بناه فلان الفلاني، سنة كذا وكذا ميلادية!

أورِّي صورته لربنا! ومن هذا الباب ما حكته إحداهن: صلت بجانبي أخت من بدو سيناء كثيرة التلفت في الصلاة، وكانت امرأة كبيرة في السن وأمية، فنصحتها والدتي ألا تتلفت في الصلاة لكنها لم تستجب، واستمرت تتلفت أثناء صلاتها يمنة ويسرة، بل وتنادي ابنتها بصوت عالٍ أثناء الصلاة!

وبعد الصلاة التفتت إلي قائلة: يبدو أنكم أناس طيبون وتعرفون الدين، أنا عندي سؤال يا بنتي.. أنا معي صورة (عطيات ابني، وهو ما بيخلفشي، معلش أوري صورته لربنا علشان يديه ولاد؟

وأخذت تريني صورة ابنها.. فجحظت عيناي، وكدت أنفجر ضاحكة، لولا أني راعيت مشاعرها. فقلت لها: كلا يا حاجة هذا خطأ ؛ فهل ربنا عز وجل يجهل من هو (عطيات)؟ فقالت: أنا بس بادعي ربنا. وعايزاه يشوف ابني!

فوضحت لها الأمر بهدوء وأنا أدعو لها ولذريتها بالعلم النافع.

فوتوجينيك! قال: أثناء سعيه بين الصفا والمروة رأى أحد الحجاج الكاميرات التي تصوّر المسعى، فأشار إليها بحماس؛ لكي يظهر في الصورة بوضوح، بعد قليل صار مجموعة من الجهّال الذين بعده يقلّدونه، ويفعلون ما فعل؛ ظنًّا منهم أنه هذا من مناسك الحجّ!

وفي زمزم أيضًا! ليس غريبًا أن ترى امرأة متمكجية بكامل زينتها في الحج، لأنها – كما قلت – أتت للحج لمآرب غير الحج، أو لأنها جاهلة بالحلال والحرام، والجائز والممنوع. ومن ذلك ما ترويه سيدة:

نزلت مرة - منذ زمن بعيد - إلى بئر زمزم، فإذا إحدى الأخوات غير العربيات وقد بدأت تخلع ملابسها، حتى بدأت العورة تظهر، وهي في هذه الأثناء تسكب على نفسها من ماء زمزم! كلمتها، وأشرت إلى أن هذه عورة، ولا يجوز إظهارها، فجاءت الضربة القاضية: هذا كلو حريم ما في مشكلة!

هوّ يقرب لك؟! مشكلة جهل الحجاج بالمناسك ستبقى مشكلة أزلية، ما لم تتخذ الدول وسائل حاسمة يتعلم من خلالها الحجاج – تطبيقيًّا – كيف يؤدون المناسك، بشكل صحيح وميسر، دون تدافع، ولا مزاحمة، ولا دوس، ولا إزعاج للآخرين.

وفي جانب الأداء الجاهل للمناسك يروي أحدهم عن الداعية الكويتي الأستاذ محمد العوضي أنه في أحد مواسم الحج رأى سيدة أمية تريد أن ترمي (الشيطان) كما تعتقد، وكانت تحمل حجرًا كبيرًا جدًّا، ولما كان الأستاذ يخشى أن تصيب به الحجيج عندما ترميه، حذرها، طالبًا منها أن تترفق، وترمي حجرًا أصغر حجمًا، ما كان ردها إلا أن قالت بكل عفوية وحماسة: ليه هوا بيقرب لك واللا حاجة؟

اصحى يا حاج! شهدت في مواسم الحج بعض الحجاج في عرفات، يوم الفرصة الذهبية للعتق من النار، يومَ يباهي الملك سبحانه الملائكة بعباده الشعث الغبر، حين جاء المقاول بثلاجة مرطبات مفتوحة، وقد ارتفعت عليها الزجاجات المبردة (تلاًّ) من السوائل أشكالاً وألوانًا..

فلم تقترب الساعة من الحادية عشرة إلا والثلاجة (على الحديدة) والحجاج الكرام قد انطرح بعضهم أرضـًا ينفخ من شدة الحر - كنا في إبريل قبل اشتداد الحرارة - وبعضهم راح في إغفاءة عميقة، في حين تحلق قوم آخرون حلقة، ووجدوها فرصة للثرثرة عن أسعار (معرفش إيه) وآخر موديلات (لا أعرف ماذا) وكأنهم ليسوا في عرفات!

وظل واعظ الحملة يصرخ فيهم: يا ناس: أروا الله من أنفسكم خيرًا.. هذا يوم العتق من النار.. هذا وقت يحسُن فيه أن يخلو كل منكم يناجي ربه، يدعو بدعوتين من قلبه، ويستغفر من ذنبه، ويذرف دمعتين تحميان جسده من النار.

لكن عباد الله الكرام (ودن من طين.. وودن من عجين) تركوا الشيخ ينشق حلقه من الرجاء، وكأنهم لا يسمعونه.. وواصلوا معزوفات الشخير، والثرثرة، والنفخ، وشكوى سوء الحال.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..

والأنكى أن بعض حجاج الـ (فل أوتوماتيك) هؤلاء - ودون أي داعٍ - خرجوا من عرفات قبل المغرب، وركبوا الأتوبيسات المنتظرة خارج حدود عرفة "وراسهم وألف بتاعة" ألا يغادروا الأتوبيسات، لأنهم قد استراحوا في الكراسي، وليسوا مستعدين لترك أماكنهم لغيرهم (ومش مهم الحج)، والشيخ يصرخ فيهم: "يا ناس.. يا حجاج: لا تغادروا عرفات قبل دخول وقت المغرب، يا حجاج.. يا مسلمون".. ومرة ثانية (ودن من طين.. وودن من عجين)!

الحج السوبر سونيك! إن الترف يفقد الناس كثيرًا من حلاوة العبادة، ويميت في قلوبهم روح الحرص عليها، وإن التجار باتوا يتفننون في أنواع من الإعلانات عن الحج عجيبة: الحج السريع/ الحج السوبر/ الحج السوبر سونيك/ الرويال..

وأخشى أن يعلنوا في السنين القادمة عن استراحات فضائية مكيفة فوق فضاء عرفات، يستريح فيها الحجاج "الحيتان" مساء 9 ذي الحجة، وعن الطواف بحوامة بنتلي أو رولز رويس، هربـًا من الزحام، والسعي جلوسًا على كراسي لويس التاسع عشر، على سير أوتوماتيكي بحلقات ستانلسستيل، أو ذهب 24 بتاع، يدور حول الكعبة.. وعن رمي الجمار من الخيمة، بآلات خاصة "تُنَشِّنُ" على الجمرات من بعد عشرة كيلو مترات، مع توفير جوّ شاعري يناسب "رحلة الحج" وتقديم وجبات غذائية عالمية، وخدّامين يروّحون بمراوح ريش النعام على "سي الحاج" موديل سنة 2025 م. واللي يعيش ياما يشوف!

زغروطة حلوة: النداءات الجاهلة، والبدعية، والغريبة، ظاهرة شائعة أثناء الحج، ومن أشنع ما يمكن أن يصل إلى مسامعك في هذا المكان المقدس - قرب الكعبة المشرفة - الزغاريد التي تلعلع فجأة في الزحام، يتفجر بها حلق امرأة من العاميات، تعبيرًا عن فرحتها ودهشتها برؤيتها لبيت الله الحرام!

وكل عام وأنتم بخير وتقبل الله منا ومنكم .

albasuni@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق