عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

وداعا أيها الدولار

وداعا أيها الدولار
وداعا أيها الدولار



قبيل الحرب العالمية الأولى كانت مملكة النمسا أكبر بكثير من حجمها الحالي. كانت لاعبا أساسيا في القارة الأوروبية و يخضع لها جزءا كبيرا من أراضيها، ولكن الامبراطورية كانت في مرحلة الانهيار. كان التفكك قد بدأت تتضح معالمه و شبت الشعوب عن الطوق ورغبت في الاستقلال. و في عالم الأمم و التحالفات الدولية لا مكان للضعفاء، فما أن يهم أحد بالسقوط حتى يرغب الجميع في تقاسم التركة.



حاولت النمسا تقوية مركزها عن طريق التحالفات فقام تحالف ثلاثي بين ألمانيا و مملكة النمسا و إيطاليا. وقد كان ذلك عن سوء بصيرة فعلا، ولو درس أحد نفسية الشعوب لأدرك تمام الإدراك أن إيطاليا لا يمكنها أبدا أن تقاتل إلى جانب النمسا، فالشعب الإيطالي لم ينس أبدا موقف النمسا من وحدة بلاده واستقلالها. ولئن تكن روما قد انتظمت في الحلف الثلاثي فعن رغبة منها في كسب الوقت و تضليل خصمها التاريخي، بحيث يركن إلى المواثيق المعقودة بينما تستعد هي للحرب. وبالفعل عندما قامت المعركة كانت البندقية الإيطالية موجهة إلى النمسا لتطعنها في سويداء القلب.



أما ألمانيا فقد كانت الرابطة بينها وبين النمسا أقوى من ذلك فهي أقرب إلى رابطة الدم والمصير المشترك. وانضم إلى هذا التحالف الخاسر الدولة العثمانية في حرب قضت على البقية الباقية في رجل أوروبا المريض. لقد كان تحالف لامبراطوريات قوية أوشكت على السقوط مما شجع الجميع على حربها. وكان الأولى بالدولة العثمانية في هذه المرحلة أن تدع الدول في أوروبا تتطاحن، وتبني نفسها استعدادا لاستعادة مجدها. ولكن رجل أوروبا المريض كان يقاد للسقوط بواسطة أعداء الداخل.



والعالم اليوم يمر بمرحلة شديدة الشبه جدا بالحال قبل الحرب العالمية الأولى عندما كانت الدولة العثمانية و إمبراطورية النمسا على وشك السقوط، وبحالة تشبه تلك الحال قبيل الحرب العالمية الثانية عندما كان واضحا جليا أن الشمس قد أوشكت أن تغيب عن "الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس".



فالعالم الآن مقبل على مرحلة قد تتغير فيها عجلة التاريخ تماما مع اقتراب سقوط الولايات المتحدة الذي لا تخطئه عين خبير، أو على الأقل تضاؤل دورها العالمي ليصبح شبيه ببريطانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة وبوادر أزمة اقتصادية كبيرة بدأت تلوح في أفق الولايات المتحدة.



وإن أردت أن تطلق اسما على المرحلة العالمية المقبلة فيمكنك بحق أن تطلق عليها مرحلة "وداعا أيها الدولار".



ويجب على مصر التي يتبعها أغلب العالم العربي والإسلامي أن تتخير بعناية خطواتها في المرحلة القادمة لتستغل الفرصة المتاحة أمامها وتقود الأمة إلى رحلة البناء الحقيقي، فيجب عليها أولا الإسراع بإنهاء انتقال السلطة بشكل سلمي فقد اتضحت آثار ذلك التأخير لكل ذي لب، كما يجب عليها ألا تلقي بالا لضغوط الولايات المتحدة فيما يتعارض مع مصالحها الاستراتيجية.



بل ويمكن لمصر مصارحة الولايات المتحدة واللعب معها على المكشوف وتكون الرسالة كالتالي: نحن ندرك موقفكم الحالي ويمكننا مساعدتكم فيما لا يتعارض مع مصالحنا الاسترايجية. نحن مفتاح المنطقة فلا داع لأن تخسرونا في تلك المرحلة الحرجة من التاريخ.



وأولئك الذين يحاولون صياغة قراراتهم المصيرية بشكل يقدم مصالح الولايات المتحدة على مصلحة مصر هم حقيقة لا يستحقون حتى لقب "مبتدئي سياسة"، فعلى الرغم من كل تلك الدروس المجانية لم يستطيعوا أن يدركوا بعد أصول اللعبة الحقيقية.



وهناك حكمة تقول: لا تتوقع من نبتة الصبّار أن تثمر لك التفاح، وأظن أن الفترة الماضية كانت كافية جدا لندرك مرارة الصبار الأمريكي.



إن ما ينبغي علينا أن ندركه أنه قد آن الأوان أن تنتقل السلطة الحقيقية للشعب في المستقبل القريب لتبدأ رحلة البناء. فعفوا لن تحكمنا أمريكا بعد اليوم. وإن كنت لا أدعو إلى مواجهة صريحة معها، بل إلى صياغة العلاقات بشكل أكثر واقعية و ملائمة للمصالح الاستراتيجية. ولمزيد من الإيضاح حول هذه النقطة يمكنك مراجعة المقال السابق "أمريكا والصين، والطائرة المخطوفة".



وختاما، وداعا أيها الدولار.



الفقير إلى عفو ربه،

محمد نصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق