عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

وفاة سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث

وفاة سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث
19 شعبان ـ 161 هـ

المكان / البصرة ـ العراق .

الموضوع / وفاة العالم الرباني الكبير سفيان بن سعيد الثوري أمير المؤمنين في الحديث .

إن الله عز وجل اصطفى هذه الأمة وجعلها خاتمة الأمم وجعلها خير الأمم ووضح المولى جل وعلا مقومات هذه الخيرية حتى لا تصبح موروثًا يؤول إلى من لا يستحق هذه الخيرية فلا يصح أن يدعى جيل من أجيال الإسلام الخيرية لأن الجيل السابق له أو سلف هذه الأجيال كان على الخيرية، وأول مقومات هذه الخيرية كما قال المولى جل وعلا {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ...} .
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أول أسباب الخيرية وأساس المحافظة عليها لذلك فإن الله عز وجل أكرم هذه الأمة بقيام رجال من بعد رسوله صلى الله عليه وسلم انتصبوا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاموا في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم لذلك ثبت في الحديث الصحيح [أن العلماء ورثة الأنبياء] .
وهذا المقام يفرض على علماء هذه الأمة القيام بالجهر بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وجه الحكام والصبر على ذلك، وهذا هو أفضل الجهاد كما جاء في الحديث الصحيح [أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ..]، وجعل من يذهب ضحية هذا الحق سيدًا للشهداء [سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى ظالم فأمره ونهاه فقتله ..]. وما ضلت هذه الأمة إلا بضلال حكامها وما ضل حكامها إلا بضلال علمائها وتخلفهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولقد كان لسلف هذه الأمة صور ناجحة نقية تتلألأ نورًا وضياءً من علماء هذه الأمة والذين كان منهم رؤساء وأمراء وكبراء وعلامات فارقة في تاريخ هذه الأمة.
هو العالم الرباني الكبير سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أحد أئمة الإسلام وعبادهم المكنى بأبي عبد الله الكوفي ولد بالكوفة عام 97 هـ ونشأ بها وتلقى العلم وهو صغير فظهرت كفاءته وبان نبوغه في تلقي العلم، وكان يطبق على نفسه مقولته الشهيرة لتلاميذه من بعد [تعلموا العلم ثم إذا تعلمتموه فاحفظوه فإذا حفظتموه فاعملوا به ثم إذا عملتم به فانشروه بين الناس] فكان رحمه الله آية في الحفظ ما استودع شيئًا قلبه إلا حفظه ، ولم يحتج إلى مراجعته مرة أخرى وإنه كان ليمر بالسوق فيسمع حداء ونداء الباعة فيسد أذنيه حتى لا يحفظه إذا سمعه، لذلك فلقد أجمع أهل العلم على أنه أحفظ العلماء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد تنقل بين البصرة، والكوفة، ومكة ، والمدينة ، والشام، كلما دخل بلدًا اجتمع عليه طلبة العلم وأهل الحديث يسألونه ويسمعون منه وهو بجانب روايته للحديث يعلمهم دقائق الفقه والورع والزهد وتعظيم الله عز وجل فقد كانت مجالسه ربانية تملأها السكينة والوعظ والتذكير بالآخرة، وقد كان الثوري معروفًا بكثرة بكائه وخوفه الشديد حتى أنه مرض يومًا فلما رأى الطبيب بوله ولم يعرف بول من هذا قال هذا بول رجل قد احترق جوفه من شدة الخوف الحزن] حتى قال أصحابه كأن النار لم تخلق لأحد سواه ، وكان سفيان لا يقبل عطاء السلاطين أبدًا ويتورع عن أموالهم، وكان له مال يقوم بمائتي دينار يتاجر فيه ويتحرى في طعامه بشدة فلا يقبل هدية ولا طعامًا من أي أحد لا يعرفه وكان يقرأ لتلاميذه [إذا رأيتم أفعالي تغيرت وما أنا عليه من الطاعة تغير فانصرفوا عني ولا تسمعوا مني]، وكان حريصًا على علمه فلا يحدث أي أحد فإذا كان من يسمع منه يقدر العلم ويعمل به فيحدثه وإلا فلا لذلك فكان لا يحدث سفلة الناس ولا يحدث النبط [غير العرب]، وقال إنما نزل العلم على العرب وغير العرب إذا لم يتقنوا العربية وسمعوا العلم قبل ذلك حرفوا العلم وقلبوه، وقيل أنه لم يكن له سوى ولد واحد هو أحب عنده من الدنيا وما عليها ومع ذلك نظر له يومًا فقال إني لأحب أن أقدمك بين يدي لأحتسبك عند الله فمات هذا الولد واحتسبه الثوري، وقيل أنه لم يكن له عقب، وكان من أزهد الناس فلم يكن له ثياب تساوي درهمًا واحدًا ويظل بالثلاثة أيام متصلة لا يأكل طعامًا من فقره ومع ذلك يدعى للوليمة الفاخرة فلا يأكل لشدة ورعه وكان إذا أكل الأكلة قام يصلي بعدها لله ركعتين شكرًا على نعمته.
أما عن ثناء أهل العلم عليه فقد قال شعبة وأبو عاصم وابن عيينة ويحيى بن معين وغير واحد [هو أمير المؤمنين في الحديث وأحفظ الناس للحديث]، قال عبد الله بن المبارك [وكتبت عن ألف شيخ ومائة شيخ هو أفضلهم]، وقال أيوب السختياني [ما رأيت كوفيًا أفضله عليه]، وقالوا [هو أفقه من أبي حنيفة ومالك] وقال أحمد ابن حنبل [لسفيان الثوري مكانة في قلبي لا يدانيه فيها أحد]، وقال شعبة [ساد الناس بالورع والعلم وكان سفيان ينام في الكعبة ورأسه في حجر سفيان بن عيينة ورجله في حجر مالك بن أنس، وقالوا عنه [أصحاب المذاهب ثلاثة: ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه والثوري في زمانه]،وقال الإمام أحمد عندما قال له البعض يا إمام قال أتدري من الإمام ؟ الإمام سفيان الثوري] وبالجملة كان رأسًا من رؤوس هذه الأمة ويكفي أن نعرف أن عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي والضحاك بن مزاحم على جلالة قد ر هؤلاء العلماء الأفذاذ كانوا من جملة تلاميذ سفيان الثوري ويقولون بقوله.
أما أكثر ما اشتهر به سفيان الثوري وساد أقرانه بسببه وفاق علماء الزمان هو أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وتصديه للظلم خاصة في عهد الخليفة المنصور والخليفة المهدي العباسيين حيث كانت للثوري معهما صولات وجولات كثيرة، وخاصة مع المهدي، حتى فر منهما سفيان واختفى في مكة فجعل المنصور مكافأة كبيرة لمن يأتي به ففر إلى اليمن فأخذه واليها معن بن زائدة فلما عرفه قال له أنت حر إن أردت أن تقيم أو أردت أن ترحل فلو كنت تحت قدمي ما رفعتها عنك ليأخذك أحد، ولقد دخل سفيان على المهدي فقال له المهدي يا سفيان كن معي حتى أسير فيكم بسيرة العمرين فقال له سفيان فكيف بهؤلاء الذين من حولك؟ ووعظه بشدة ونهاه عن منكرات في حاشيته فقال صاحب المهدي الربيع: أتقول هذا لأمير المؤمنين؟ دعني يا أمير المؤمنين أضرب عنقه؛ فقال له سفيان سبحان الله أنتم أشر من بطانة فرعون فإنها قالت له {أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين}! فقال المهدي للربيع :اسكت لا تقل له هذا فإن هذا وأمثاله -يقصد الثوري- يريدونا أن نقتلهم فنشقى ويسعدون، ولكن يا ثوري نكتب لك عهداً بالقضاء فأمر بذلك وأعطاه للثوري الذي خرج من عنده، وأخذ العهد بالقضاء فرماه في نهر دجلة وفر هاربًا حتى دخل البصرة [هكذا يكون علماء هذه الأمة يفرون من المناصب الدنيوية لا يلهثون وراءها لأنهم يعلمون أن توليهم لهذه المناصب قضاء عليهم وعلى حياتهم ونزاهتهم فهل سمع ذلك علماء السلطة الرسميون الذين شوهوا صورة علماء الإسلام حتى أصبح العلماء مصدر سخرية وتندر في حياتنا العادية!]، ورصد المهدي مكافأة كبيرة لمن يدلي بأخبار عن الثوري الذي تحداه ورفض هذا المنصب فدخل الثوري البصرة واتفق أن مرض بها وحانت ساعته.
عندما شعر الثوري بدنو أجله دخل عليه تلاميذه يعودونه منهم عبد الرحمن بن مهدي وسفيان بن عيينة وغيرهم فوجدوه يبكي بشدة فقيل له لما هذا البكاء والخوف أنك قادم على من كنت تعبد وترجو؟ قال سفيان [إني لا أخاف من ذنوبي فهي أهون عليّ من هذه وأشار لقطعة قماش بالية ولكني أخاف أن أسلب الإيمان]، وظل يبكي حتى أصبح، ودخل عليه رجل فحدثه بحديث لم يسمعه من قبل فأخرج لوحًا من تحت سريره ، وأخذ يكتب الحديث، فقيل له وأنت على هذه الحالة؟ قال [لئن ألقى الله عز وجل وأنا أعلم هذا الحديث خير من أن ألقاه وأنا لا أعلمه وظل يدعو ويبتهل ويبلى ويرتعد حتى مات رحمه الله عن أربعة وستين سنة، وقد رآه بعضهم في المنام يطير في الجنة من نخلة إلى نخلة ومن شجرة على شجرة وهو يقرأ قوله [الحمد لله الذي صدقنا وعده .. ]، وقال عبد الرحمن بن مهدي [كنت مع من غسّل الثوري فوجدت مكتوبًا على جسده بخط واضح [فسيكفيكهم الله]، وخرجوا به تحت جنح الظلام حتى لا يتفطن له أحد فقال عبد الرحمن بن مهدي فسرنا بالليل كأننا في النهار من شدة ضياء هذه الليلة فرحم الله هذا الإمام الكبير الذي فضح كثيرًا من علماء هذا الزمان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق