عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الأربعاء، 10 أغسطس 2011

المال الطائفي والجوائز الأدبية (3–6)


المال الطائفي والجوائز الأدبية (3–6)



د. حلمي محمد القاعود | 10-08-2011 02:40

تتابع السيدة المسيحية " مرام " ، والدة ماجد عبود ، سرد جوانب من حياتها في سياق حديثها عن واقعها الجديد في القاهرة ، وتعود إلى الفترة التي قضتها في أسيوط ، فتشير إلى رؤية المسلمين للمدارس التي أنشأها الغرب الاستعماري في العاصمة وبعض المدن المصرية الكبيرة ، فتقول :

[ عملت بالتدريس في مدرسة من مدارس الإرساليات الأجنبية التي يقول عنها المسلمون " مدارس التبشير المسيحي " في الصعيد . مرتباتها جيدة برغم ما يقال عن الطابع التطوعي للعمل فيها ، والطلاب أغلبهم من المسيحيين ..] ص 118 – 119 .

ويبدو أن السيدة مرام لا تعلم أن الكنيسة الأرثوذكسية كانت طوال القرن التاسع عشر تستغيث بالخليفة العثماني ليمنع المنصرين الكاثوليك والبروتستانت من تحويل الأرثوذكس إلى مذهبيهما ، فصدر الفرمان العثماني المسمى بالخط الهمايوني لحماية نصارى مصر من التنصير الغربي ، وعرفت المدارس التي أقاموها بمدارس التبشير المسيحي لدى المسلمين والنصارى على حد سواء ، ولكن المتمردين الطائفيين في كنيسة شنودة يتجاهلون ذلك ، بل يغالطون ويكذبون ويبتزون.. وهو ما أنتج جيلا نصرانيا مسكونا بالتعصب والانعزالية والانفصالية وكراهية شركاء الوطن ، وفقا لمنهج مدارس الأحد وجماعة الأمة القبطية ، وفكرة الشهادة التي أرساها رئيس الكنيسة الحالي منذ جلوسه على كرسي مار مرقص عام 1971م.

وتتحدث السيدة مرام عن زوجها المهاجر ... وقصة هروبه بجلده وفقا لتعبيرها في الرواية ، واهتمام الصحافة الغربية بحكايته المفتعلة وتصويره ضحية للمسلمين الإرهابيين الذي يضطهدون النصارى ، ويتعاملون معهم بمنتهى القسوة والوحشية : [ منحته الصحافة العالمية أسماء جديدة : " المبعد "؛ " المطرود "؛ " المسيحي الذي أبعده المسلمون عن بلده " ؛ " الهارب من إرهاب المتطرفين في مصر ". وراء كل مبعد قصة ، وهذه حكاية لمن تمكن من الفرار بجلده في اللحظة الأخيرة ] ص 122 .

وتصور السيدة مرام المسيحية قسوة المسلمين على النصارى ، عبر تهديداتهم التي لا تنقطع ، وتقارن بين حال زوجها الذي هرب وحالها مع ابنها وهما يتعرضان لهمجية المسلمين ، الذين تركوا زوجها يهرب دون أن يمسه سوء.. كيف ؟ وهل هذا الأمر مقنع فنيا ؟ تقول السيدة مرام :

[ عاودت التهديدات وصولها إلينا ، كأن التاريخ المرّ يصر أن يعود من جديد ، ما جرى مع عبود ، وكان يحكيه لي ، ها هو يجري معي ومع ابنه ، حالته أفضل منا . يملك وسائل الهروب . أما نحن ، فأمامنا التهديدات ووراءنا التهديدات . هددوني بخطف ماجد وهو عائد من مدرسته ، وخوفوني بإلقاء ماء النار على وجهي ، أسلوب العصا ... والعصا !] ص 123 .

وفي سياق تحليل السيدة مرام المسيحية لهروب زوجها ونجاته من الاضطهاد الإسلامي ، وضحكه عليها وعلى ابنها ، دون أن تتحرك لديه غريزة الأبوة على الأقل بالعطف على أسرته ، فتشير إلى نذالته الضمنية ، ومحاولة التعلل بالاستعداد لاستقبال الزوجة وولدها ، ولكن الأخطر من ذلك هو الحديث عن عدد النصارى الذين تقصر عليهم صفة الأقباط ، مع أن كل سكان مصر مسلمين ونصارى وغيرهم أقباط ، فتقول إنهم اثنا عشر مليونا :

[ مرت أيام وأسابيع وشهور وسنوات ، ولم ينته من ترتيب أحواله ! يضحك على من ؟ حتى لو كان يستعد لاستقبال أقبط مصر جميعا ، الاثني عشر مليون قبطي الذين يعيشون في البر ، ما احتاج إلى كل هذا الوقت؟ ... ] ص 127 .

وبلا شك فالمرأة هنا صوت للكاتب ،وهي صوت زاعق وفج وكاذب أيضا ، لأن مؤسسة بيو الأميركية ثم الفاتيكان ، قد حسما مسألة عدد غير المسلمين الذي لا يتجاوز أربعة ملايين ونصف مليون تجمع كل الطوائف المسيحية بمذاهبها المتعددة .. فإذا افترضنا أن الكاثوليك يبلغون مليونا ، والبروتستانت يبلغون ربع مليون ، وأتباع مكسيموس الذين يتزايدون باستمرار قد وصلوا على مائة وخمسين ألفا عدا بقية الطوائف ، فإن أتباع كنيسة شنودة التي تدعي الاضطهاد وتريد أن تفرض إرادتها على الأمة كلها بما فيها الطوائف المسيحية المخالفة ، وترى أن المسلمين غزاة ، وان العرب بدو متخلفون.. يبلغ عدد أتباعها ثلاثة ملايين على الأكثر ، ولكن يبدو أن مؤلف الرواية أراد أن يقنع القارئ بالقوة أن القوم قوة هائلة ينبغي الخضوع لها بحكم العدد ، وليس بأخلاق الإسلام التي تحض على البر بغير المسلمين ، والإحسان إليهم ، والعدل معهم ؛ طالما لم يقاتلونا ، ولم يخرجونا من بيوتنا وأراضينا ، ولم يسيئوا إلينا .. ولكن للكاتب رأيا آخر، أو للسيدة مرام رأيا آخر !

وهذه السيدة فيما يبدو حريصة على انتقاد السلطة أيضا ، وليس عامة المسلمين وحدهم ، فهي تستنكر ضمنا عدم منح لقب الأم المثالية لامرأة مسيحية في الاحتفال السنوي بيوم الأم في شهر مارس ، وهو استنكار نؤيده بكل قوة ؛ فالمرأة – أي امرأة - تستحق اللقب إذا أثبتت أنها أوقفت حياتها ، على أولادها، وضحت من أجلهم في غيبة الأب ، ولكن واقع الحال يشير إلى أن أغلبية النصارى إن لم يكن كلهم يعيشون حياة مريحة ، وأن الكنيسة تتكفل بالفقراء والمحتاجين ، فيحيون حياة جيدة بالقياس إلى المسلمين الذي يعيش أغلبهم تحت خط الفقر ، كما تقول التقارير الدولية والمحلية ، تقول السيدة مرام في غمزة يظهر فيها صوت الكاتب مع أنه يحاول إخفاءه ، ولكنه لا يستطيع :

[ تربية ماجد تعطيني الحق في لقب الأم المثالية على البر كله . هل سبق أن كانت الأم المثالية من ديانتي نفسها ؟ لست متأكدة من ذلك ؟ ] ص 131 .

وفي كل الأحوال تنسي السيدة مرام أنها لم تعان إلا شهورا قليلة أو ما يقرب من سنة ، عقب انتقالها من أسيوط إلى القاهرة ، ثم هجرة زوجها الذي ضحك عليها وعلى ابنه ، ولو أنها عانت

مثل بقية النساء المسلمات الفقيرات المكافحات سنوات طويلة تؤكد بطولتها ؛ لكنت من أوائل الذين يطالبون بمنحها اللقب المأمول .

إن السيدة مرام تنطق بلغة أخرى غير اللغة الطبيعية لامرأة في مثل حياتها ، نشأت في بيئة الصعيد الطيبة المتسامحة المتضامنة في السراء والضراء ، بدليل أنها تدعي أمورا لا وجود لها في الواقع ، هل يتصور أحد أن يقوم المسلمون بسكب البنزين على بيت النصراني وحرقه في وضح النهار ؛ لأنه استعان بمربية مسلمة لابنه ؟ هل المسلمون يتعاملون مع غيرهم بمنطق الولاية ؟ إن السيدة مرام تنطق بصوت الكاتب الزاعق المتحامل ، فتقول :

[ .. فهل أجرؤ على إحضار مربية مسلمة ؟ لو فعلت هذا لسكبوا البنزين على بيتي وأحرقوه في عز النهار ، ولامتنع الجميع عن إطفاء النيران . هل سأعود إلى عنب ديبة ؟ إلى حكاية والد ماجد ، ومشكلته في عمله ؛ إلى السؤال القديم : ولاية من على من ؟! ] ص 132 .

وتذهب السيدة مرام إلى أبعد من ذلك التحامل والادعاء الكاذب ، فتري أن أصحاب الذقون أو " السنية " سبب كل ما حل بالنصارى وبالبلد .. إنهم رمز الدم ، وهم يشبهون الأفاعي والثعابين ، ويذكرها الأذان بهم خمس مرات في اليوم :

[ شاهدت أصحاب الذقون ، الذين يسميهم الناس " السنية " ، أعتبرهم السبب في كل ما حل بنا . طردوا عبود خارج الحدود ، وتسببوا في هجرتي إلى حيث أعيش، وأوصلونا إلى حالنا . هم السبب في كل ما جرى في البلد . ......... مجرد وجودهم يصبغ السماء بلون الدم . عندما أنام أحلم بهم ، على شكل أفاع وثعابين . أستيقظ من نومي قلقة من كوابيسهم التي تأتيني . أحاول نسيانهم ، صوت الأذان الذي لا مفر منه ، ويتكرر خمس مرات في اليوم ، يذكرني بهم ] ص 134 – 135 .

إلى هذا الحد يا مرام ؟ أو من تقف وراء مرام ؟ يصبح الأذان الذي سمعه النصارى على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان ، رمزا للقتلة والسفاحين والأفاعي والثعابين ؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق