عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الاثنين، 22 أغسطس 2011

حسينية في مدريد وبرشلونة

حسينية في مدريد وبرشلونة



د. أشرف سالم | 22-08-2011 01:56

يحرص الشيعة على إقامة الحسينيات والتوسع في إنشائها في كل مكان يحلون فيه، بدرجة ربما تفوق حرص أهل السنة على إقامة المساجد، والحسينيات هي أماكن عبادة أقرب لما نعرفه بالزوايا أو الخلاوي، مخصصة للبكائيات الحسينية المتمثلة في الترديد المتكرر للقصة المأساوية لحادثة قتل الأمام الحسين بن علي رضي الله عنه البشعة الدامية في موقعة الطف بكربلاء، وترديد الأشعار البكائية التي رثته رضي الله عنه من حفاظها الذي يسمى واحدهم الرادود، الذين يرنمون تلك الأشعار بنغمات حزينة ومقاماتٍ كئيبة تولد ردود أفعال بائسة من لدن الحضور ومنها ما يسمى بالتطبير وهو لطم الوجه وضرب الصدر وجرح وإدماء البدن بالآلات الحادة والسلاسل المعدنية كل ذلك مصحوب بأعلى درجات البكاء والعويل والنحيب.

ولا يقتصر دور الحسينيات على ذلك بل هي مفتوحة على مدار العام كدور للعزاء في الحسين رضي الله عنه وخاصة في العديد من المواسم والمناسبات التي نعلمها ونجهلها ومن أهمها ذكرى استشهاده رضي الله عنه في يوم عاشوراء، ثم ذكرى أربعينيته في العشرين من صفر، ثم أيام أخرى لكل منها شروط وطقوس ومناسك، ولعلكم تتذكرون في السنوات الأخيرة القوائم التي يصدرها وينشرها الشيعة في المنطقة الشرقية بالسعودية؛ بأسماء المحلات التي لا تلتزم بإغلاق أبوابها يوم عاشوراء، والدعوة لمقاطعتها والتنكيل بها على اعتبار أن ممارستها للحياة الطبيعية في هذا اليوم دليل فرح أصحابها بمقتل الحسين رضي الله عنه!.

وينقلنا ذلك إلى عقيدة مغلوطة تسبب الكراهية الشديدة من معظم الشيعة لعموم أهل السنة، اعتقادًا منهم بأن دم الحسين ذنبٌ في رقبة كل سنيٍ على وجه الأرض يتحمل وزره ويحمل مسئوليته حتى تقوم الساعة، ويجوز بل ينبغي الثأر منه انتقامًا لهذا الدم الطاهر البريء، وعبثٌ إقناعهم في ظل الشحن الأعمى الذي يقوم به الملالي (ويرتزقون من ورائه) بأنه لا يوجد بشرٌ واحد من أهل الأرض في عالمنا المعاصر مسلمهم وكافرهم يحمل أي ذنب أو إثم في مقتل الحسين رضي الله عنه الذي تم سنة 680 ميلادية أي منذ 1330 سنة، وعبثٌ كذلك إقناعهم بأنه لا يوجد سني واحد في عالمنا يوجد لديه مبرر واحد في أن يسعده مقتل الحسين، أو يفرح بميتة بشعة لسبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مضرجًا في دمه بيد الغيلة والغدر مات معه فيها كوكبة من سادة المسلمين وآل بيت نبيهم الكريم عليه السلام بيد حثالة خسيسة نجسة، لأن هذه البكائية وروح الثأر والانتقام للحسين أضحت المحور الرئيس للعقيدة الشيعية، ولعل ما فعلوه من فظائع شنيعة بأهل السنة في العراق عندما سيطروا عليها بالحراب الأمريكية أقوى وأقرب الدلائل على ذلك.

لا أعرف لماذا استرسلت في هذه المقدمة ولكن ما ذكرني بها أن الموضوع الذي أود التحدث فيه أنني استقبلت على الإيميل ومن أكثر من صديق فاضل رسالة تندد وتحذر من اهتمامنا وتشجيعنا كعرب ومسلمين لفريقي كرة القدم برشلونة وريال مدريد الأسبانيين، وتذكرنا الرسالة بأن هؤلاء هم الذين طردوا المسلمين من الأندلس في مقتلة يشيب من هولها الولدان قلما عرف التاريخ مثيلاً لها، وتدعم الرسالة سرد هذا التاريخ الأسود بإيراد عدد من الصور المرسومة لوسائل القتل والتعذيب الفظيعة المفجعة التي كانت تستخدمها محاكم التفتيش الإسبانية بحق المسلمين، الذين تعرضوا إما للقتل أو الاستعباد والسبي أو الطرد أو التنصير.

ولكوني والحمد لله قارئ جيد للتاريخ الأندلسي المجيد ولنهاياته التعيسة البائسة، فأنا أعرف عن هذه النهاية المؤلمة أشد مما حملته لي هذه الرسالة وصورها المصاحبة، ولأني أيضًا قارئ للأدب الأندلسي فما اطلعت عليه من قصائد البكاء لفقد الأندلس ما يصيب كل مسلم بكمد وأسى وحسرة ومرارة يكفي لتذكيرنا بها قصيدة أبي البقاء الرندي الخالدة، وغيرها مما أسهبت فيه كتب التاريخ الإسلامي ولخصه أستاذي الدكتور محمد موسى الشريف في كتابه الصغير حجمًا العظيم قيمة ونفعًا "استجابات إسلامية لصرخات أندلسية".

ولعلي إذ أنصح بالرجوع لهذه المراجع حرصًا على تذكير من يحصرون المسئولية في وقوع هذه الكارثة الأفظع في تاريخ المسلمين إلى الحقد الصليبي الأسود والذي هو مفترض وطبيعي ومنطقي، ولكن دون التغافل عن العوامل الأخرى التي يبرزها المقارنة بين أوضاع المسلمين على مدار ستة قرون من العزة في الأندلس قدموا فيها للعالم أزهى صور الحضارة بشتى صورها ومناحيها، وبين القرنين الأخيرين الذين شهدا الغرق في البذخ والترف، والتشرذم والتفكك إلى دويلات وطوائف، والتقاتل على الكراسي والخيانات والدسائس والاستقواء بالعدو الخارجي؛ وإهمال مقومات بقاء الدولة وصيانتها عزيزة مستقرة مهابة، حتى هان المسلمون فنُكل بهم وطُرد حكامهم شر طردة، وذرفت دموع آخر حكام غرناطة بعد أن سلم مفتاحها للصليبيين، فتهكمت عليه أمه ببيت الشعر الذائع: ابك مثل النساء مُلكًا مضاعًا *** لم تحافظ عليه مثل الرجالِ.

وإذا كنت أحد المحرضين على الدراسة الجيدة والمتعمقة والشاملة للتاريخ الإسلامي بكل مراحل الصعود والهبوط في منحناه، إلا أنني أتساءل عن علاقة ما أوردته رسالة الإيميل عن النهاية المأساوية للإسلام والمسلمين في الأندلس، وبين تشجيع فريقي برشلونة وريال مدريد!، مع العلم بأن هذه الأحداث الدامية وقعت عام 1492 أي منذ 520 عامًا، فما بال معدي الرسالة يسكتون عمن يشجع الفرق الإنجليزية كالمانشستر يونايتد والأرسنال وغيرهما بينما جراح بريطانيا العظمى التي أدمت العالم الإسلامي لا زالت تنزف، وغيرهم ممن يشجعون إي سي ميلان ويوفنتوس الإيطاليين وبنفيكا وأندرلخت البرتغاليين وليون وسان جيرمان الفرنسيين، ودولهم فعلت ببلادنا أنكى الأفاعيل منذ عقود وليست قرون، بل ما بالهم يسكتون عمن يشجع النادي الأهلي المصري الذي كان أول رؤسائه مستر ميتشل أنس (الانجليزي) ثم سعد باشا زغلول العلماني المتهم بالماسونية والذي كان أول من حرض على نزع حجاب المرأة؟، وعمن يشجع نادي الزمالك المصري الذي كان أول رؤسائه جورج مرزباخالقاضيالبلجيكي ليجعله صرحًا عنصريًا لنخبة المستعمرين الذين استعبدوا الشعب المصري.

مع العلم بأن هذه النوادي الأوروبية الكبرى هي بمثابة شركات متعددة الجنسيات، وبعض الفرق الأسبانية ومنها برشلونة على سبيل المثال لا يكاد يكون فيها لاعب أسباني واحد، بل أن اللاعبين المسلمين بدأوا يزاحمون أقرانهم فيها بوضوح وعن جدارة كمسعود أوزال وكيتا ويايا توري وسامي خضيرة وكريم بن زيمة وإبراهيموفيتش وغيرهم، فهل إذا توقفنا عن متابعة وتشجيع فرق كرة القدم الأوروبية سيعيد للمسلمين مجدهم الضائع وعزهم المهدر وأراضيهم السليبة؟، وهل سيعزينا فيمن أقامت لهم محاكم التفتيش في الأندلس هولوكوست يعد وصمة في جبين التاريخ الإنساني؟، وإذا كنا نبكي على هؤلاء الذين استشهدوا منذ خمسة قرون فما بالنا لم نفعل شيئًا لمن استشهدوا منذ سنوات في جنين وقانا وسربرينتشا وجروزني؟، بل وللذين يستشهدون يوميًا على مسامعنا وأمام أعيننا في غزة وبغداد وقندهار؟ ناهيك عن مصراتة ودرعا وتعز.

فإلى من يريدون لنا أن نفتح حسينية في برشلونة ومدريد نبكي فيها على شهداء الأندلس، نحن في معركة تتجاوز مساحات الحسينيات ولا تحتمل محاولات الهروب إلى الأمام وخلط الجد بالهزل والحرص المزمن على تعكير الأجواء وإفساد أدنى المتع على البسطاء محرومي المتعة في مجتمعات البؤس والشقاء، فأمة المليار ونصف مسلم في معركة صراع حضاري مشتعلٌ وهجها، معركة أمة فقدت شعوبها الحرية والكرامة والعدالة، ففقدت معها آمال النهضة التنموية الشاملة، وتذيلت الأمم فلم تجد بيديها السفلى المعطلة المكبلة شيئًا تقدمه للعالم المعاصر، سوى أن تصفق لميسي وكاكا وكريستيانو رونالدو.

د. أشرف سالم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق