عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الاثنين، 25 يوليو 2011

الرجل الزمبجي:

الرجل الزمبجي:



عبد السلام البسيوني | 25-07-2011 01:09

سمعت اللي حصل؟/ عرفت آخر أخبار صاحبك؟/ ما دريتش؟/ تصوّر.. آدي يا سيدي اللي عاملالي.. وتقوللي شريفة وهي بنت …/ اسكت.. مش فلان مسكوه و... بلاش نجيب في سيرة الخلق.. احنا داخلين على رمضان.. الله يستر على عباده!

لا شكّ قارئي الحبيب أنك سمعت كثيرًا من مثل هذه الاستهلالات، التي تجرّ بعدها نميمة وغيبة وبهتانًا كثيرًا، عن إخوة، وجيران، وأقارب، وأصدقاء، وزملاء عمل، وأناسٍ أبرياء، فماذا كان موقفك؟ هل تلهفت لسماع ما سيقال؟/ هل شجعت محدثك على الاستمرار؟/ وهل أحسست بالارتياح لأن فلانًا ابتُلي بداهية؟/ أو: طلبت من محدثك تغيير الموضوع؟ أو نهرته ونهيته عن الاسترسال؟ أو دفعت عن أخيك الغيبة التي وقعت عليه؟

الموقفان - ولا شك - يختلفان دينًا، ومروءة، وحقوق أخوّة ، وإن كان أحدهما أليق برجل خايب، وسطحي، وقليل الورع، والآخر أليق برجل يحترم نفسه، ويتقي ربه، ويحرص على إخوانه، وأحبّته، ومن حوله من المسلمين.

ولعل من أهم ما أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمحافظة عليه عرض الرجل المسلم، فقد شدّد عليه الصلاة والسلام في ذلك حتى جعله أربى الربا، فإذا كان درهم الربا أشدّ إثمًا عند الله تعالى من ست وثلاثين زنية (!) فإن وقوعك في عرض أخيك، واغتيابك إياه أعظم جرمًا، وأكثر إثمًا.

والأصل يا سيدي هو ستر المسلم، وصمّ الأذنين عن خصوصياته، حتى لو أيقنت أنه يخطئ؛ لأنك - أيضًا - خطّاء وابن خطاء، وكل اللي جابوا سيادتك خطاؤون؛ فلست ملاكًا مكرمًا، ولا نبيًّا معصومًا، ولذلك كان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: [لا يبلّغني أحد عن أصحابي شيئًا، فإني أحب أن أخرج إليكم سليم الصدر].

ويعجبني هنا موقفٌ عاقلٌ لأمير المؤمنين الفقيه التابعي عبد الملك بن مروان رحمات الله عليه، حين أمسك جنده بعض المراسلات التي تمت بين أعدائه وبعض جنده - وكأنما كانت هناك مؤامرة مع العدو - فإنه بعد أن انتهت الحرب بانتصاره، جمع هذه الرسائل في حضور الجند كلهم، ولم يفتحها، بل جعل منها كومةً أسال عليها الزيت، ثم أضرم فيها النار، حتى إذا صارت رمادًا، التفت إلى من حوله وقال: لا خائن في جيش عبد الملك!

بل إن من حسن إسلام المرء أن يترك ما لا يعنيه، وألاّ يتبع عورة أخيه، فإن من فعل ذلك تتبع الله عوراته، ومن تتبع الله عوراته أوشك أن يفضحه ولو في جوف رحله؛ سترنا الله وإياك بستره الجميل.

بل إن المسلم الكيّس يعلم يقينًا أن ستر المسلم أولى من فضيحته، وأعظم أجرًا، وأكثر مروءة: [من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة] و: [من ردّ عرض أخيه، ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة].

ولقد ورد في أثرٍ - لا أدري ما صحته - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل شهد على زانيين، واستحسن فعلته أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم: [لو سترتهما بثوبك لكان خيرًا لك].

والأصل فينا أن نستصحب الخير في المسلم، وما نعلمه عنه من حسن السيرة، ونغلّب ذلك على الاحتمال والظن، كما فعل الصحابي العظيم أبو أيوب الأنصاري، الذي لقّننا درسًا عظيمًا أثناء الإفك الذي أفكه المنافقون على أمي الطاهرة عائشة رضي الله عنها.. فحين سألته أم أيوب: عرفت اللي حصل؟ ما دريتش؟ مش بيقولو، قال لها:

كفاية يا أم أيوب.. أرأيت لو كنت مكان عائشة، أكنت تفعلين ذلك؟ قالت: كلاّ والله! فكان ردّه الحاسم الشافي: (فإنها والله خير منك، وإن زوجها خير من زوجك، وإن أباها خير من أبيك)!!

منتهى الحسم، والمروءة، وحسن الظن، قدّره رب العزة فأنزل فيه قرآنًا: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا، وقالوا: هذا إفك مبين) (ولولا إذ سمعتموه قلتم: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك، هذا بهتان عظيم).

ويتكرر مثل هذا الموقف في حادثة الثلاثة الذين خُلّفوا عن غزوة العسرة (رضي الله عنهم) لنتلقى الدرس هذه المرة من أحد شباب الصحابة، فحين افتقد النبي عليه الصلاة والسلام الصحابيّ الشاب الشاعر الأوّاب كعب بن مالك رضي الله عنه، فلم يجده في المنطلقين إلى تبوك سأل عنه: [ما فعل كعب ابن مالك؟] فأطلق الشيطان لسان أحد الجالسين بكلامٍ قبيحٍ ساخر: وييجي ليه؟ هوّه فاضي؟ دا مغرور، ودلّوعة، وشايف نفسه!: [إنه رجل من بني سلمة، حبسه برداه، والنظر في عطفيه].

وفي الحال أطلقت المروءة، والإيمان لسان أعلم الأمة بالحرام والحلال، الصحابي الشاب الفقيه معاذ ابن جبل ليدفع عن كعبٍ رضي الله عنهما التهمة: (بئس ما قلت.. والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا) .

يا الله.. ما أحسن هذا؛ بل إنه صلى الله عليه وسلم استصحب هذا الموقف حتى مع الحيوان؛ فحين كان صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى مكة يوم الحديبية، حلفت ناقته القصواء ألف يمين ألاّ تتحرك من الحديبية: يهديكِ.. يرضيكِ.. فلم تقبل، فقال بعض الصحابة: (خلأت القصواء) أي حرنت وبركت، من ضعفها وسوء طبعها، فقال صلى الله عليه وسلم: [والله ما خلأت، وما هذا لها بخُلقٍ، ولكن حبسها حابس الفيل] ليس من خلقها أن تحرن، لأنها ذلول طيعة أصيلة.. حتى مع الحيوان.. نستصحب ما نعرف من حسن السيرة.

وهنا جملة نقاط لا بد من تحريرها؛ اختصارًا:

**** أولـها أنك كي تكون مسلمًا - كما حدّد المصطفى صلى الله عليه وسلم - يجب أن يسلم عباد الله من لسانك فلا تغتب، ولا تنم، ولا تكذب، ولا تفحش، ولا تسئ .

ومن يدك فلا تضرب، ولا تجرح، ولا تكسر، ولا تقتل.. هذا أول الطريق..

أما الذي يؤذي المسلمين بلسانه أو يده فقد أوعده الله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينا).

ويشتد الوعيد إذا كان الكلام افتراء واجتراءً على عرض المسلم بغير ذنب كسبه أو جرم اقترفه: (ومن يكسب خطيئة أو إثمًا ثم يرم به بريئًا فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا).

ثم إن الغيبة من شر الأخلاق، سواء كان في أخيك ما تقول أم ليس فيه: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول بـهتّه ).

ويكفي أن تعلم من أن العقوبات التي تنـزل بالإنسان أول ما يوضع في قبره: عقوبة النميمة: (أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الآخر فكان يمشي في الناس بالنميمة).

**** وليس كل ما يسمعه الإنسان أو يظنه جديرًا بأن يذاع وينقل، فقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يحدث بكل ما يسمع كذابًا: (كفى بالمرء كذبًا أن يـحدث بكل ما سمع) (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث).

**** وقد يدفع الغرور، والإدلال على الله تعالى بالعمل، بعض الناس إلى أن يشمخوا بعملهم، ويستصغروا الآخرين، مع أن الله تعالى يقول: (فلا تزكوا أنفسكم) ويقول في الحديث القدسي: [تواضعوا؛ حتى لا يبغي أحدٌ على أحد، ولا يفخر أحد على أحد]..

بل إن الغرور قد يجعل بعض الناس يعتقدون أنهم أسلم الناس حالاً، وأنهم من أهل الجنة السابقين ألفا بالمائة، فهم ينظرون إلى الآخرين نظرة رثاءٍ مستعلٍ، ويشفقون عليهم شفقة متدينٍ مغرور، حتى يقول أحدهم:

فلان هذا لا خير فيه، لا يمكن لله أن يهديه، وينسى المغرور كلمة المصطفى لنا عن رجل قال: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: (من ذا الذي يتألّى عليّ ألا أغفر لفلان؟ قد غفرت له، وأحبطت عملك) وأشدّ منه من يعمم الحكم على أمةٍ أو جيلٍ أو فصيل فيقول: إنهم غير مهديين، وغير ناجين: (من قال هلك الناس فهو أهلكهم).

**** ومما يجب الانتباه له هنا أن ثمة أناسًا يحبون أن ينشروا الأباطيل، ويفجّروا البالونات ضد البرآء؛ ليلوّثوهم ويسيئوا إليهم. وهذا الصنف ممن يحبون أن يشيعوا المعاني الخبيثة، وينشروا الأفكار الخسيسة ينكّل الله تعالى بهم في الدنيا والآخرة: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم في الدنيا والآخرة).

**** وقد تدفع الجهالة بعض صغار الهمم إلى الشماتة بالآخرين، والفرح بعثراتهم، فإذا وجدوا شيئًا اشْتَـفتْ نفوسهم، وتهللت أساريرهم، مع أن المسلم يلتمس الأعذار، ويرثي لأخيه، ويسدده، ويصبر عليه. ومع أن الشامت يعرض نفسه لغضب الله وبلائه: (لا تظهر الشماتة بأخيك، فيعافيَه الله ويبتليك).

**** وفي القضية أيضًا جانبٌ أمنيٌّ يحتاج إلى الفطنة والحذر، فكم من عدو ينسج الشائعات، ويروج الأباطيل والترهات، ليؤثر في الناس، أو يطعن في شريف، أو يتوصل إلى غرضٍ خسيس.

**** ولقد كنت قرأت أن الهرّ هتلر أقام جوبلز وزيرًا للدعاية، وكانت مهمته التلفيق، وشن الحرب المعنوية على خصومه وتخويفهم بالأراجيف. وهناك أقسام للشؤون المعنوية في الجيوش، بل إن الجيش المصري - في وقت من أوقات المواجهة العسكرية مع أعدائه من اليهود - كان يحذّر من الشائعات وينبه إلى خطرها، لأن أولئك كانوا مهرةً في صناعة الأكاذيب التي كان من أعظمها أكذوبة الجيش الذي لا يقهر، فكسره الله في حرب رمضان 1393 هـ.

**** إن القضية ليست كلمةً في مجلس يقولها أحدٌ ضاحكًا مازحًا؛ بل إنها قد تكون ذات أثرٍ مدمرٍ في كثير من الأحيان، سواء على مستوى الأفراد، أو مستوى الأمة. فنظّف لسانك، ونقّ قلبك، ونَمْ خالي الصدر من كُره الناس، وإياك وأعراض المسلمين، فإنها أربى الربا، وخصوصًا أعراض العلماء وطلاب العلم، فإنها مسمومة - كما قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله - وسنة الله في منتقصيهم معلومة، فمن وقع فيهم بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب..

عافاني الله وإياك من موت القلب، ووسخ اللسان، وخساسة الهمة.. قل آمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق