عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الاثنين، 11 يوليو 2011

رجل اسمه نرجس!

رجل اسمه نرجس!



عبد السلام البسيوني | 07-07-2011 01:15

... ومن الرجال رجل مفتون بنفسه، عاشق لذاته، لا يرى أحدًا سواه، ولا يحس بآخرين حوله، ويظن أن الكون كله خُلق من أجله، وأن البشر جميعًا ينبغي أن يكونوا في خدمته، مسخرين مطيعين، إذا أشار قال من أمامه: شبيك لبيك، وإذا مر بخاطره شيء قال الناس حوله: من عنينا، تحت أمر سيادتك، وإذا تنحنح بادره طقم الحلنجية حوله منتظرين الإشارة، وظهورهم منحنية، ورؤوسهم عانية!

إذا كان هناك طابور، ترك الناس جميعًا وتقدم هو ليسرق من الناس دورهم، وإذا كان هناك إشكال في سيولة المرور تقدم من أقصى اليمين، والصف وراءه كيلومترين، دون أن يبالي، وأقحم نفسه بين السيارة الأولى والثانية ليخرج قبل الناس، وإذا كان في مجلس كان أطول الحضور لسانًا، وأكثرهم استفزازًا، وأشدهم استعراضية: يتباهى بثيابه وهيئته، وجواله وساعته، وعطره ومشيته، وصوته ونبرته.

هل سمعتم في حياتكم عن شاب اسمه نرجس؟

تروى الأساطير الوثنية أنه كان فتىً حليوة، ناعمًا، نظر مرة في بركة ماءٍ صافية، فانبهر بجمال انعكاس صورة نفسه في الماء، فعشق صورة ذاته عشقًا مبرحًا جعله يذهل، ويعتقد أن الصورة المنعكسة في الماء صورة غيره، فألقى بنفسه ليحتضنها، ولم يكن نارسيس الأهبل يعرف السباحة، فراح في شربة مية يا ولداه، من فرط نرجسيته!

وفي رواية ثانية للأسطورة اليونانية أن أرامتوس أخت أبولو - لسبب ما - دعت عليه أن يقع في الحب، فلم يجد الغلبان إلا أن يقع في حب ذاته، ولأنه لم يستطع أن يصل إلى هذه النفس، ولا أن يَشفَى من الغرام بها، انتهى به الحب إلى أن قتل نفسه بخنجر، وروى بدمه الغض الأرض، فنبتتت من هذا الدم زهرة النرجس البيضاء، بعروقها الحمراء.

ومن هذه الأسطورة خرج علينا الأخ المتطرف جنسيًّا سيجموند فرويد بفكرة النرجسية، وهي افتتان الشخص بنفسه إلى حد العمى عن معايبه، وحيث يرى أنه وحيد فريد، لا نظير له ولا شبيه، وأن كل ما يصدر منه حلو وعسل، ويعجز عن مثله الأوائل والأواخر.

وإذا كانت هذه الخصلة سائدة إلى حد ما بين النساء الجميلات، فلعل لهن عذرًا من حسنهن، أو بين المراهقين، فلعل هذا العرَض يزول بعد المراهقة!

لكن الغريب أنك قد تجد شابًّا أو كهلاً يشبه في وسامته الخالق الناطق شعبان عبد الرحيم، ويشبه في رشاقته فيلاً ابن ست سنين، ويقترب في ثقافته من عبقرية واحد ساقط ابتدائية 3 مرات، ثم إذا ألقيت عليه السلام، نظر إليك من فوق لتحت بكثير من الازدراء، وهز رأسه، ولم يهتم حتى برد السلام، أو - إن كان ابن ناس - رد من طرف أنفه: سلام، وناقص يقول لك بعدها: عايز إيه، انقلع، احمد ربنا اني تواضعت، وتنازلت، وبصيت لواحد زيك!

وربما صادف هذا الكائن النرجسي عالمًا كبيرًا، أو رجلاً وجيهًا، أو شخصًا مميزًا، فأشار إليه بتأفف وتعالٍ واستخفاف: إيه دا؟ من اللي هناك دا! تمامًا كما فعل أحد الأمراء مع الإمام علي زين العابدين رضي الله عنه وعن آل بيت رسول الله وصحبه أجمعين، حين رآه هذا الأمير يطوف بالبيت، والناس يوسعون ويدعون له، ويظهرون الحب والإكرام، فقال الجربوع بترفُّع غبي: مين دا؟ مين اللي الناس بتوسع له، وبتحبه كدا؟

وكان في الناس شاعر بثلاثة ألسنة هو الفرزدق، الذي انفلت عياره، فقال مجيبًا:

هذا الذي تـعرف البطـحاء وطأتَه......والبيتُ يعـرفه والحِـلُّ والحرمُ هذا ابن فاطـمةٍ.. إن كنت جاهلَهُ.....بجده أنبـياءُ الله قـد خُتـموا ما قال: لا، قَطُّ، إلا في تشـهدهِ.....لولا التّـشهدُ كانت لاؤه: نعم ُ وليس قولُك: مَن هـذا؟ بضائِره.....فالعُربُ تعرف من أنكرتَ والعجمُ

وبذلك سجل الرجل النرجسي على نفسه نقطة غبية، ستبقى عالقة به؛ ما بقيت سيرة زين العابدين رضي الله عنه.

ومثله ذلك الصبي المدلل ابن سيدنا عمرو بن العاص الذي كان في مباراة، فسبقه أحد فقراء المصريين آنذاك، فكان أن انفجر فيه عرق الهيافة، وغلبته نرجسيته، فعلا الرجل ضربًا وهو يقول: انت تسبَقني أنا؟ إنت مش عارف انا مين، وابويا مين؟ أتسبقني وأنا ابن الأكرمين؟

وكان حظه المنيل أن الفاروق رضي الله عنه سمع بحكايته، فاستدعاه وأباه من مصر إلى المدينة، ليقتص منه المصري عيانًا بيانًا، لأن الأصل الشرعي يقول: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا!

وحصلت مثلها واقعة مع الأحمق جبلة بن الأيهم، الذي دفعته نرجسيته إلى أن يلطم مسلمًا فقيرًا، داس خطأ على ذيل ثوبه، وهو يتجول في السوق، وأصر الفاروق على أن يُقِيد الفقير منه، وكانت نتيجتها أن ارتد عن الإسلام، وفر إلى الروم حيث قضى أيامه أشبه بعبدٍ أسير لهم هناك، وبدلاً من أن يعيش مسلمًا كريمًا بين المسلمين، مات حسيرًا نادمًا؛ لأنه كان أحب إليه أن يرعى الجمال في جزيرة، بدلاً من أن يموت فطيسًا، وهو يرعى الخنازير في بلاد العجم!

ودُر مع التاريخ والحاضر والمستقبل، لتجد حولك كثيرين، ممن يعتقدون أن الله تعالى خلق الناس نوعين: هم، وسائر البشر!

هم مخلوقون من ماء الورد، أو دهن العود، أو الشربات، والآخرون مخلوقون من الزفت أو هباب الفرن أو ماء البِرَك!

هم بشر لا كالبشر، وبقية البشر جوييم، أو بقر، أو لا شيء! على طريقة الذي قال:

فإن تفقِ الأنامَ وأنت منهم........فإن المسك بعضُ دم الغزالِ

إزاي لا أدري!

ولو ذهبت لتستقصي صفات هؤلاء لوجدت أن أحدهم في الجملة يحب أن ينظر الآخرون له بإعجاب وانبهار، حتى ولو من خلال البدلة والجزمة والساعة والولاعة! ويأنس كثيرًا أن يقف أمام المرآة متأملاً محاسن نفسه، وأن يسير في الشارع (على سنجة عشرة) ويسعد بمن يقول له: انت كحيل العين، واحمر الخدين، وروميو القرن الحادي والعشرين، وأفكارك تجنن، وخواطرك تخبِّل، ومشيتك مزيكة، والتفاتتك أنتيكة!

والنرجسي ذو شخصية (أنَوِيّـة) يدمن دائمًا قول أنا أنا: أنا اشتريت سيارة.. لكن إيه؟ أنا اشتريت بطيخة! لكن إيه؟ أنا وقعت على الأرض وقعة! لكن إيه!

ودائمًا ما يسيطر عليه الخيال الذي يدور حول نجاحه وقدراته الخارقة، لذا تراه يشعر بالامتعاض أو حتى الإهانة من أقل حركة أو إشارة تبدر من الآخرين، إذا ظن منها الانتقاص من تميزه عن سائر البشر، هذا في الوقت الذي لا يكف فيه هو عن الاستهزاء بالناس بالآخرين، وأعمالهم، وأحوالهم، وأشكالهم، ولا يعجبه العمل الكبير الراقي - من غيره - مهما كان متميزًا!

والنرجسي يعتقد جازمًا أنه يعرف ما يفكر به الآخرون، ويشعر أنه ليس بحاجة لسماعهم، في حين أنه يضمر الحسد أو الكراهية لهم بشكل ما، وتسيطر عليه الغيرة منهم، ومن نجاحاتهم، لكن لا مانع عنده من أن يستغل هؤلاء الآخرين بطرق مختلفة، ويتخذ منهم مراقي للحصول على منصب رفيع.

وهو ملول غضوب كثير الثورة، سهل الانفعال والاشتعال. هذا هو الرجل الذي اسمه نرجس، الذي يسير بيننا، في أعمار مختلفة، ومستويات مختلفة، وأحوال فكرية مختلفة.. لكن اسمحوا لي ببعض الملاحظات:

ألا تعتقدون أن نرجس هذا لو كان أستاذ جامعة فسيخرب بيت تلاميذه جميعًا، ويقول ما قاله لنا أحد الأساتذة يومًا: أنا أجدع طالب عندي ما يزيدش عن مقبول، حتى لو كتب مِية في المية! وقد حصل والله، ولا يزال يحصل أكثر منه في بعض الجامعات العربية، التي تحتاج إلى ثورة تصحيحية حقيقية، مش تايواني، لما فيها من عفن وفساد؟!

ولو كان نرجس هذا قائدًا عسكريًّا، لولّع الدنيا كلها نارًا كما فعل بونابرته، وهتلر، وستالين، وموسوليني، وميلوسوفيتش، وكرازيديتش، وزِفتيتش، وهبابيتش، وأشكالهم!

ولو كان رئيس دولة لخربها وقعد على تلها؛ زي الوسيم القسيم الحليوة أبو عيون عسلية معمر القذافي!

ولو كان ولي أمر أسرة لضيعها وبددها؛ لأنه (مش فاضي) إلا للمراية والمنظرة والنفخة الكدابة!

هذا الرجل اللي اسمه نرجس يجد أحيانًا حوله مرتزقة نصابين منافقين، يقنعونه بأن الله تعالى لم يخلق منه اثنين، وأنه لا نظير له ولا ند؛ فكلامه إلهام، ومشيه أنغام، ونكتُه طريفه، وقفشاته لطيفة، وعطسته فريدة، وضحكته وحيدة!

وهؤلاء المرتزقة يتكسبون من النفاق بشكل مدهش، ولهم قدرة على لبس كل الأقنعة، وتمثيل كل الأدوار، وويل للأمة من هؤلاء وهؤلاء.

وأكبر المصائب أن تتحول أمة بكاملها إلى نرجس، فتعشق ذاتها، وترى نفسها فوق الأمم، وأنهم السادة، والآخرون لا بد أن يصيروا عبيدًا مسخرين!

لقد فعل هذا كثيرون ومنهم هتلر الذي آمن أن الجنس الآري ينبغي أن يحكم العالم، فقتل في سبيل هذه النظرة 54 مليونًا من البشر، وأرادها الأخ تشرشل، فاقترح تعقيم السود في بريطانيا، ويريدها الآن أمم مفترية متجبرة. واقتنعت بها أوربا وأميركا فقتلت في القرن العشرين وحده نحو ثلاثمائة مليون من البشر!

تصوروا: 300000000 فقط ..

بسبب النرجسية البيضاء!

فكيف لو حكمت البشرية أمة اسمها نرجس؟!

ربنا يهد القوي!

albasuni@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق