عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الاثنين، 25 يوليو 2011

كيف تقتـل باستمتاع؟

كيف تقتـل باستمتاع؟



عبد السلام البسيوني | 21-07-2011 01:06

القتل فن ومهارة ، ومتعة وحضارة عزيزي القارئ؟ هل تعتقد هذا كما أعتقد؟

أنا شخصيًّا أزعم - حتى لو خالفتني سيادتك - أن القتل أستاذية، وخبرة، وهندسة، ومَسْتَرة، ومَعْلمة، ومعْنَنة، وتمرس، وسلوك حضاري نعيشه كل يوم، بِكيفنا، بمنتهى الرضا والبرود والاعتياد، لا يزعجنا، ولا يقلق منامنا، ولا يحرك شعرة من رؤوسنا.

أزعم - حتى لو خالفتني سيادتك - أن القتل أضحى سمةً تنويرية، وعلامة حضارية، عليها تقوم الأمم، وتتبحبح الحضارات، ويتبجح الجبابرة، وينتفخ الفراعنة، ويخطب الهَتالِرَة (جمع هتلر) والنماردة (جمع نمرود) والشوارنة، وكل أبناء الـ.. من المتكبرين المتجبرين المتحضرين.

القتل حلو، وجميل، ومشروع، ومسلٍّ! وهو باب للغنى، والقوة، والسيطرة، والتحكم في الحاضر والمستقبل، وفي الناس وفي الشعوب، وفي الكرة الأرضية كلها!

القتل يا سيدي فن، له خبراء وأساتذة يتقنونه، ولا أحد يجرؤ أن يقول لهم أنتم قتلة، أو سفاحون أو لعَقة دم، أو أكلة لحوم بشر (وليس الأفارقة، كما كنتم تزعمون) ببساطة لأن أحدًا لن يصدقك، فهم أكثر الناس حديثًا عن السلام والعدالة وحقوق الإنسان والحرية، وهم أعلى الناس صوتًا في اتهام الآخرين بأنهم قتلة وزناة وإرهابيون ومصاصو هباب، و(وِلاد حرام)!

رأيت جنرالًا صهيونيًّا من جنرالات الاجتياح والتدمير وفق سياسة الأرض المحروقة، يكاد يبكي على شاشة بي بي سي من قسوة خصومه المتوحشين، الذين أسروا اثنين من جنوده، وأخذ ينوح ويقول للأوربيين اللطفاء: كيف حال بنات هذين الجنديين، وكيف ترون أم فلان فاعلة بنفسها، وا أسفا على زوجته الغلبانة!

وقلت لنفسي: يا لدموع القحاب، حين يتحدثن عن الشرف والفضيلة!

علمت أن بعض المسعورين من (أحرار) أوربا - وقبل أن أفتح عيني على الدنيا بنحو عقد من الزمان - لم يهدؤوا حتى قتلوا 54 مليونًا من البشر، في حرب عالمية، بأشنع طرائق القتل، التي كان منها أفران الغاز، التي أعدت لليهود والعرب والغجر وآخرين، ولم ينجح في استثمار ذكراها إلا اليهود الشطار، وألف برافو عليهم!

ثم رأيت المتبجحين المتحضرين يجتاحون الناس في اليابان وفييتنام وكوريا والبلقان والشيشان والعراق وأفغانستان وغيرها فيستخدمون النابالم والقنبلة الذرية وكل الممنوعات في القوانين التي وضعوها هم، ونشروها هم، ثم هم ببساطة يتحدثون عن الحرية وحقوق الإنسان، كأنهم فعلًا آباؤها وحماتها والمنافحون عنها!

ورأيت أكبر ديمقراطية في الشرق الأوسط تكسر العظام، وتدك البيوت على قاطنيها، وتستخدم الفسفور الأبيض، واليورانيوم المنضب، وتفعل الأفاعيل بالبشر العزل المحاصرين، والعالم الذليل كله يضرب لها تعظيم سلام، ويقول لها بمنتهي الغزل والعشق: تحت أمر عيونك، انت تأشر يا جميل!

وسمعت عن المقابر الجماعية التي يدفن فيها البشر أحياء - على أساس ان الرصاصة خسارة في جتتهم - حيث يهال عليهم التراب بالجرافات، حصل هذا في سيناء والبوسنة وكوسوفا وسربرنيتشا وأفغانستان والعراق وغيرها – وكلها مناطق جاءها أناس (متحضرون) ليخرجوا منها أهلها المتخلفين (ولاد كذا وكذا)!

ورأيت المتحضرين الشرفاء يفعلون الأفاعيل في الشيشان، وقبلهم في الأفغان، وبعدهم في البلقان، ويباركون – بالصمت الفاضح أو التأييد الواضح - مذابح رواندا وليبيريا وسيراليون وطاجيكستان وميانمار وفطاني وكشمير.. وتدور ماكينة قطع الرؤوس لتحصد مئات الألوف بل الملايين، بآليات وطائرات ودبابات، وراجمات صواريخ متحضرة جدًّا، من صنع البلاد المتحضرة جدًّا، بمباركة الكبار المتحضرين جدًّا، وعند اللزوم تجد الابتسامات العريضة التي تتحدث عن الحرية، أو الوجوه المقطبة التي تتحدث بأسىً عن حقوق الإنسان المستباحة، أو الوجوه الجامدة التي تهدد بشن الغارات لحماية العالم من المارقين الأفاقين!

هذا عن القتل بالجملة/ الإبادة الجماعية/ سياسة الأرض المحروقة/ الاستئصال والاجتياح، التي تغطى بشعارات الشرعية الدولية، ومقاومة الإرهاب، ونشر الديمقراطية، ومواجهة الإرهاب، ودعم الحكم الشرعي، ومساندة الحركات التحررية، ووقف التجارة بالبشر، أو الكوكايين.. إلخ .

وأما عن فن القتل الفردي - الذي يكون للتسلية، أو إثبات الذات، أو طلبًا لمنفعة، أو دفاعًا عن الأمة العظيمة - فإن الإنسان المتحضر مبدع فنان خبير متمرس حريف بارع معلم أستاذ هايل عفريت واعر في اختراع صور للقتل لا تخطر ببال الشيطان الرجيم، وهو أسطى وأراري ودُقْرُم ومخربش وابن إيه، في اختراع آليات ووسائل جهنمية يمكن أن تطيل عذابات الإنسان الغلبان الذي يرميه نهاره الأسود في أيديهم، بحيث يقتلونه في اليوم الواحد مليون مرة!

بحسبك أن ترى فيلمًا من أفلام فخامة الكانديدت شوارزنيجر، أو رامبو استالوني، أو بروس ويليس، أو كيفن كوستنر، أو ستيفن سيجل، أو غيرهم؛ لترى أنهم فعلًا أساتذة في سمل العيون، وبقر البطون، وكسر الأطراف، والنحر من الرقبة بالسلاح (الأبيض!) ليخرجوا دائمًا في نهاية الفيلم أبطالًا شرفاء، مدافعين عن الحرية، مقاومين للشر، يحيون العلم، ويحييهم الناس، ويصفقون لبطولتهم، وهم يتحدثون عن الحضارة، والحرية، وسعادة البشرية، ولونج لِف أميركا!

وهم الذين اخترعوا الترخيص بالقتل للعميل الأسطوري 007 الأخ جيمس بن بوند، واخترعوا توصيل الكهرباء في محاشم الأسرى والسجناء في الصومال وأبو غريب وأنصار، والمعتقلات سيئة السمعة في كل داهية! وأعطوا الضوء الأخضر للسفاحين في السجون العربية للتفنن في تعذيب البشر، وإرهاقهم من أمرهم عسرًا!

لقد اخترع المتحضرون القتل الرحيم، والقتل اللي مش أوي، والقتل للتجارة بأعضاء القتلى، والقتل لحشو الجثث بالهيروين لتهريبه، والقتل لأن أحدهم (شوية متململ وعايز يتسلى) كما حصل في البوسنة!

وابتدعوا القتل تأديبًا، والقتل ردعًا، والقتل بالاشتباه، والقتل بالنيران الصديقة، والقتل بالضربة الوقائية، والقتل لأنك مش معايا تبقى علي!

وابتكروا - من الناحية الشرقية - القتل تحت وطأة التعذيب بعد خلع الأظافر، وسلخ البطن، ونفخ الجلد، وإكرام الكلاب المسعورة بنهش البشر، والكهرباء الحارقة، والعروسة، والشبح، والجلوس على أعناق الزجاجات المكسورة، والخوازيق، وتنويعة أخرى ممتعة!

وتفننوا في قتل الناس ودفنهم في جنح الليل، ثم الادعاء الوقح أنهم هربوا (وأن البحث جارٍ لضبط وإحضار الفارين من وجه العدالة) لاعتقال آبائهم وذويهم مكانهم.

ولقد سمعت عن مخبرين، وضباطًا متحضرين، يلصقون لحىً، أو يلبسون أقنعة نينجا، وينزلون الأسواق لقتل الناس، وبث الرعب في قلوب النساء والأطفال في أطراف المدن، وإلصاق التهم بالمتطرفين!

وسمعت عن بعض المتدينين الأغبياء الذين استمتعوا بذبح الناس من أعناقهم (زي الغنم.. باسم الله والله أكبر)! والذين يصاب مخ أحدهم بشورت، فيفجر مترو أو باص بمن فيه!

ورأيت في التلفزيون - من خلال الأفلام والمسلسلات المتــبّـلة ببهارات الإثارة والخدع السينمائية، والتشويق الذي يكتم الأنفاس - مئات الألوف من حوادث القتل والسحل والقطع والقص والدم المتفجر من الفم والعين، والأحشاء المتدلية، والعيون الجاحظة!

وقرأت أن المراهق المتحضر - قبل أن يبلغ الثامنة عشرة - يرى أكثر من عشرة آلاف حالة قتل في التلفزيون، ما لم تخني الذاكرة!

ورأيت سلاسل من أفلام الرعب تمول بعشرات ومئات الملايين، ومخرجين متخصصين – بس - في تنشيف الدم في العروق (زي أخونا هتشكوك زمان، وسبيلبيرج الآن) ورأيت أولادنا الصغار يغاضبوننا نحن آباءهم الخوافين؛ لأننا لا نسمح لهم بمتابعة أفلام الأكشن والثريل والرعب والإيلْيَنز والفامبايرز، وسائر أشكال الإرهاب البصري، والبلطجة الفنية المحبوكة، التي تخرج أجيالًا بلا قلوب، ولا رحمة ولا آدمية، كما توصل رسائل ذات دلالات نفسية للمتلقي التعيس!

إن الذي يدمن رؤية الدم لن يهتز إذا قطَع رقبة!

صدقوني، لقد رأيت – قبل سبع وثلاثين سنة - سيّافًا يقيم الحد على رجلين قاتلين، وبعد أن قطع عنقيهما بمنتهى البراعة، وفي لمح البصر، استدار مبتسمًا للكاميرات كأنه في حفل تكريم لإهدائه الأوسكار، صدقوني: لقد ابتسم هو، وسقطت أنا مريضًا، أسبوعًا كاملًا من شناعة المنظر! وعادت بي ذاكرتي لطفولتي أيام كنت أختبئ كأرنب مذعور تحت الكنبة في ارتعاب، حين تريد أمي ذبح شيء من طيور المنزل، فمجرد رؤية الدم كانت كفيلة لخضخضة جسمي كله!

أنا الآن متنور جدًّا، ومثقف كبير، ومتحضر بدرجة عالية، وقلبي ميت، جامد، حديد، عملي، ريالِستك، مكيافيلي، حتى إنني أستمتع كل ليلة بأخبار السيارات المفخخة، والموتوسيكلات الملغومة، والقتل الجماعي، والذبح من الأعناق، وتتردد على مسامعي أخبار السفك والقطع والسحل والنسف والدك والهدم والرجم والتفجير والاغتصاب، وجر الرجال من أعناقهم (زي الكلاب) بجانب أخبار براءة الباشوات الأطهار من التعذيب والقتل، وعدم كفاية الأدلة ضدهم، ثم أستمتع جدًّا برؤية أحدهم ضيفًا على الجزيرة أو البي بي سي أو السي إن إن، وهو يتحدث - بمنتهى الصدق والبراءة والعفوية والطهارة - عن الظلامية، والإرهاب، وعن حقوق الإنسان، وتأديب المارقين، وحماية الحضارة من الأفكار المتعفنة.

الغريب أنني لم أجد أحدًا من بتوع الاستشارات النفسية يشير إلى أن هذا مما يسبب العنة، وانقطاع الخلفة، بجانب الضغط والسكر والقولون والعته المبكر، ولا أنه من مسببات العنف والقسوة أو المروق على كل شيء.

والغريب أنني لم أسمع اليساريين سابقًا، اليمينيين جدًّا حاليًّا، ولا المتكسبين بصناعة الشعارات، يخترعون مصطلحًا واحدًا يقولون به كفاية.. لقد قتلتم الإنسانية في الإنسان، فماذا بعد؟ تريدون ماكينات للقتل؟

حرام عليكم يا متحضرون!

______________________

قال محمد مهدي الجواهري في (قصيدة الدم):

قبل أن تبكي النبوغ المضاعا …. سُبَّ من جرَّ هذه الأوضاعا

سُبَّ من شاء أن تموت وأمثا .... لُك هّمًّا وأن تروحوا ضَياعا

سُبَّ من شاء أن تعيش فلولٌ.... حيث أهلُ البلاد تقضي جياعا

عرّفتْــنا الآلامَ لونًا فلونًا .... وأرتنا المماتَ ساعًا فساعا

اختبرنا..إنا أسأنا اختبارًا .... واقتنعنا .. إنا أسأنا اقتناعا

وندمنا فهل نكفرُ عما .... قد جنينا اجتراحة ً وابتداعا

لو سألنا تلك الدماءَ لقالت .... وهي تغلي حماسة واندفاعا

والليالي كلحاءَ لا نجمَ فيها.... وتمرُّ الأيام سُودًا سِراعا:

ليتكمْ طرتمُ شعاعًا جزاءً .... عن نُفوس أطرتموها شعاعا

بالأماني جذابة ً قدتُموها .... للمنّيات فانجذبن انصياعا

وادعيتم مستقبلاً لو رأته .... هكذا لم تُضع عليه صُواعا

ألهذا هَرقْتُموني وأضحى .... ألف عرض وألف مُلك مُشاعا؟

كلٌّ هذا المتاع َ بخسًا ليأبى .... الله أن تفصدوا عليه ذراعا؟

قلْ لمن سِلتُ قانيًا تحت رجليهِ .... وأقطعته القُرى والضّياعا

خبروني بأن عيشة قومي .... لا تساوي حذاءك اللمٌاعا

albasuni@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق