عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الثلاثاء، 11 يناير 2011

الرجل المشروم!

الرجل المشروم!



عبد السلام البسيوني | 19-12-2010 23:52

المشروم - كما تعلم قارئي العزيز - نبات طفيلي، كثيرًا ما ينشأ في ظل نبات آخر، يمتص جذوره، ويسرق منه غذاءه، ويتضخم على حسابه. فهو طفيلي انتهازي، لا يستطيع أن يعيش وحده، ولا يستطيع أن يقوم على ساق قوية تحميه وتدعمه، بل هو دائمًا يلتصق بما يحميه ويدعمه.

كما أنه موجود في كل فصائل الكائنات الحية - فيما يبدو لي - في النبات، والحيوان، والإنسان، والأسماك؛ وحتى في الخلايا. فالطفيل كائن تافه، ضره أكثر من نفعه، وشره أكثر من خيره؛ بل قد يتمادى به السوء حتى يقتل الكائن الذي استضافه، ويقضي عليه، بعد أن يمتص خيره، ويشل حركته، ويأخذ منه الحيوية، ويعطيه الذبول والانكماش، والضمور والموت.. أعوذ بالله من النذالة، وقلة الأصل.

والأدهى من ذلك أن هناك نباتات تنشأ في جذور نباتات أخرى، ثم تتسلق عليها، وتعلوها، وتخنقها، وتخلعها من جذورها، وتحل محلها، فمكافأتها لمن استضافها وأطعمها وأكرمها أن تقتله وتقتلعه من جذوره! وهناك فيروس يدخل الجسم، فلا يستريح حتى يدمره ويقتل صاحبه، واسألوا الـ HIV ذلك الفيروس التعيس الشرير الذي ملأت الدنيا أخباره، وملأت القبورَ ضحاياه.

والتطفل في بني الإنسان أمر تاريخي قديم قدم التاريخ والغنى والسلطان، مارسه طفيليون همهم بطونهم، من مستوى أشعب وأبي دلامة وجحا - وهؤلاء قليلو الخطر، تافهو المقصد - ومارسه وصوليون همُّهم فيما هو أبعد من مجرد ملء البطن: همهم الامتلاك والقوة، والاستعلاء والسيطرة، ومخالفة كل النواميس والأصول والمنطق والحق.

وقد يسألني سائل كريم: ما هذا الهراء الذي تقول؟ وما لنا والطفيل، والمشروم، والنباتات المتسلقة؟

وأقول: يااااااه! ألا نحس أيها المبارك بأن هذا النوع من الكائنات حول حضرتك في ألف صورة وصورة؟ طيب؛ اسمح لي أن أسأل سيادتك :

• ألم تر في حياتك رجلاً طفيليًّا مصاص دماء، لا يُشبعه إلا شفط دماء عباد الله وأكل أموالهم، وسحبها لآخر كرية حمراء، فإذا انتهى من مضيف، بحث عن مضيف آخر أهبل، يتطفل عليه، ويشرب دمه بالسم الهاري؟

• ألم تر عمرك طفيليًّا يدخل مكانًا يعمل به، في وظيفة بسيطة تافهة، وهو دون إمكانيات ولا أهلية، غير الابتسامة الصفراء، والناب الأزرق، والقلب الأسود، فما يمر عام إلا وقد صار رأسًا رئيسًا، فخلع الطاقات والمواهب التي كانت في المكان، وشردها، واستجلب مكانها كائنات طفيلية من نفس فصيلته، حتى يصير المكان كله عاجًّا بالنباتات الطفيلية الخسيسة مصاصة الدماء؟

• ألم تر في حياتك كائنًا طفيليًّا كل مؤهلاته أنه (زُمبجي) كاتب تقارير شرير حائك للمؤامرات، ماهر في صناعة الدسائس، نهّاز للفرص، يملأ المكان الذي يدخله طنينًا كطنين الذباب، ويشحنه ريبةً وشكوكًا يختص بها الصامتين، الذين يعملون دون جلبة، ولا يجدون الوقت ليدفعوا عن أنفسهم، حتى يجدوا أنفسهم في الشارع، بلا عمل، ولا شكر، ولا حماية!؟

• ألم تسمع بشاب وسيم حليوة وألعبان (أو كما نقول: بُرَم وبيلعب بالبيضة والحجر) من فصيلة المشروم، ذي ابتسامة حلوة، وصوت عال، وإطلالة جريئة، يبرع في مسح الجزم، وإطلاق النكت، والرقص في القعدات، وتهيئة الجلسات، وفرقعة التعليقات، ومعرفة ما يريد الباشا صاحب المولد، ليهرع لتنفيذه دون تأخر، ولا تفكير، ثم تراه يتحول خلال وقت قياسي إلى حوت قاتل؟

• ألم تر شابًّا كل مؤهلاته دبلوم صنايع دور ديسمبر، وكمية هائلة من ثقل الدم وصفاقة الوجه، وبدلة شيك، ولسان معسل، وقد قفز فجأة بجانب مدير أو وزير أو مليونير، ليصير من مراكز القوى وأهل المال والأعمال، والسطوة والنفوذ، ويصير اسمه في المانشيتات، وعلى قوائم الانتخابات؟!



في دنيا التطفيل قد تجد للطفيل بعض الفائدة أحيانًا، فالمشروم يطبخ ويؤكل، وقملةُ القرش هي أولاً وآخرًا سمكة، والطيور التي تتطفل على التماسيح أو الثيران تفيد وتستفيد. لكن في دنيا البشر لا يعرف الطفيلي إلا نفسه، ولا يرى إلا مصلحته، فإذا انتهى من الضحية تركها غير آسف، أو أجهز عليها بطريقته الطفيلية الخبيثة.

ولهذا الطفيلي قدرة هائلة على التحكم في مشاعره، فهو ذو موهبة - في أي وقت - في الجمع بين النقيضين: الابتسام والتكشير، والجدية والعبث، والتمسكن والاستعلاء، والصياح أو خنق صوته عند اللزوم، فله في كل حديث لغة، ومع كل شخص وجه، ولكل موقف تصرف: يتأرنب ويحب خشم شخص في لحظة، ويتنمر ويتفرعن في لحظة تالية مع شخص آخر؛ إزاي! مش عارف!

وله كذلك قدرة هائلة على الاحتمال والبهدلة: يصرخ سيده في وجهه، ويهينه، ويمسح به الأرض، ويلعن أباه وجده، اليوم الذي رآه فيه - وربما لسعه بكفه على قفاه - وصاحبنا المشروم مبتسم، مطأطئ الرأس، منحني الجسم، ولسانه يهتف في خضوع: تحت أمر سيادتك، شاور سعادتك، اللي تشوفه حضرتك، ربنا يخليك لنا يا سعادة الباشا، خدامين جنابك!

كما يتمتع الرجل المشروم بقدرة يغار منها الشيطان على الوسوسة، وملء الآذان بما يخرِّب، ويُفسد، ويسوِّد القلوب والضمائر؛ إضافة إلى قدرته على معرفة رغبات سيده، يذكِّره دائمًا بها، ويخطط لها، ويجهزها، ويلبيها، ويزيل من الطريق كل ما يعرقلها ويعترضها، لكنه في الوقت نفسه يحمى نفسه في أيام الرخاء، احتياطًا من أيام الشدة، فهو يسجل هذا على سيده، بكل وسائل التسجيل الممكنة؛ لعل هذا التسجيل يسد فمًا، أو يُسخِّي يدًا!

وللناس المنتبهين وعي بأساليب هؤلاء الطفيليين، وطرائقهم في رمي الطعم والاصطياد به: دخل رجل مشروم من هؤلاء على أحد الأمراء، من محبي تربية الحمام واللعب به، وأحب أن يلهف شيئًا من سموه، فلم يجد إلا أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخترع حديثًا يصطاد به (ومش مهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا الإسلام ولا الحقيقة) فقال الرجل المشروم: حدثني فلان، عن فلان، عن فلان، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا سبق إلا في خف أو حافر (أو جناح) وأضاف الجناح على حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ليقول للأمير: هيص والعب كما تشاء، وليجعل اللعب بالحمام قربة من الله تعالى يثاب عليها، كأنها جهاد في سبيل الله.

وكان ذلك الأمير يقظًا نبيهًا يفهم في المشروم وألاعيب المشرومين، فلما ولى الرجل من المجلس قال الأمير: أشهد أن قفاك قفا كذاب!

والطفيلي لا يوظف الظروف فقط لمصلحته، بل يمكنه أن يوظف النكتة لمصلحته، وأن يوظف أخطاء الناس لمصلحته، وأن يوظف نقاط ضعف الشخص الذي يتطفل على خيره لمصلحته، وأن يوظف الدين لمصلحته، لتجده في زمن قياسي قد صار ذا رصيد، وذا سيارة فارهة، وبيت باذخ، وعلاقات واسعة؛ تجعلنا نتساءل: لماذا؟

والجواب سهل: يحصل هذا لأنه موهوب متميز في هذا الجانب، ولأن موهبته تستر عيوبه، وتغطي خساسته، ولأنه يملك قدرة هائلة على انتقاء الصيد السهل الذي يقتنع به وبقدراته، فيسلمه نفسه ومقدراته.

قال صاحبي وهو يسمع هذا الكلام: كلامك صحيح، لقد كنت يومًا في موقع مسؤولية، فكان المشروم يمر بي محني الرأس بسام المحيا، يسألني إن كنت أريد شيئًا، ويتطوع دونما طلب، فلما انتقل تحت مسؤولية زميل في مكتب مجاور كان يمر فلا يلقي السلام، والفرق بين الحالين كان يومًا أو بعض يوم، ثم لم يلبث أن صار هو رئيس القسم، وصرت أنا في الطراوة!

لكن السؤال الذي يجب أن يطرح في اعتقادي هو: هل العيب عيب هذا الطفيلي المشروم؟

أم عيب البسطاء الذي يفسحون له، وينخدعون بوصلاته الراقصة وبسماته الخادعة؟

أم هو عيب في أصحاب المواهب والطاقات والمؤهلات، الذين يمتلكون كل شيء إلا موهبة إطلاق البخور، وحب الخشوم، وتلميع الأحذية؟

ألا يجعلنا هذا نخلص إلى النتيجة الحتمية التي لا مهرب منها، وهي أن بلاد العالم الثالث عشر، مش (بلاد شهادات صحيح) كما قال مولانا العلامة الفيلسوف الكبير عادل إمام، ولا هي بلاد كفاءات، بل هي بلاد ظهورٍ تنحني، وزُنَبٍ تنطلي، وطفيليين يحسنون القفز فوق الأسوار، وركوب الأكتاف، وانتهاز الفرص، ويدوسون غيرهم بالحذاء! أليس هذا ما يعطي ممثلة نص كم، أو راقصة انتهى عمرها الافتراضي أن تسير في موكب يحرسه بودي جاردز، في سيارات جيب وموتوسيكلات، في حين يجوع أساتذة جامعة، ومفكرون وشعراء، وتقوم جمعيات للدفاع عن الشواذ، ونقابات الراقصات، بينما ينقمع أهل العلم والدين، ويتهم ناس زي القرضاوي بالتطرف والإرهاب!

مش مصيبة دي يا زمن الطفيليين؟!

هل فاتني شيء شيء في الكلام عن المشاريم الكبار جدًّا؟

كلك مفهومية قارئي النبيه!

albasuni@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق