عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الأربعاء، 5 يناير 2011

أهي الفوضى المنظمة أم المدمرة لمصر؟

أهي الفوضى المنظمة أم المدمرة لمصر؟



عبد السلام البسيوني | 05-01-2011 01:00

بيتنا القديم فاصل دقيق بين نصارى المدينة ومسلميها، فكل من كانوا على يسارنا (في الغالب) أقباط أرثوذكس، وكل من على يسار بيتنا مسلمون، وبيت البسيوني القديم هو البرزخ، أو المنطقة الخضراء إذا صح التعبير، وكان الأقباط متمركزين في شارع العباسية، وفي طرفه من جهة البحر (النيل) تناثر أفراد منهم في المنطقة حول كنيسة الأحد؛ أي إنهم – كلهم - لو تجمعوا لملؤوا شارعا واحدًا هو شارع العباسية على الأكثر.

ومع هذا فقد كانت هناك عدة كنائس ملحوظة وغير ملحوظة، أشهرها كنيسة أبي سيفين، في المنطقة المنظمة والمتحضرة من المدينة، والتي تجمع المحكمة والبوسطة والكنيسة والمستوصف، وبعض بيوت الأغنياء، قريبًا من مركز الشرطة، والمدارس، والكوبري، والمحطة، وبيت يوسف الجندي، وعبد المجيد المصري، أهم وجهاء البلد!

ثم على البحر (النيل) مباشرة كانت كنيسة الأحد، ذات النشاط الشبابي البارز والمفتوح، والتي شهدنا احتفالاتها الجذابة قبل وكسة 1967، ثم كنيسة السبع بنات أو كنيسة الإخوة مكان صيدناوي الحالي، ووراءها دير لا أعرف تفاصيل عنه - وكثير من الزفتاوية لا يعرفون أيضًا فيما أزعم - فإذا دخلت شارع كفر عنان، رأيت عن يمينك كنيسة مهملة، هجرها أصحابها الذين انقرض مذهبهم من زفتى، فبقيت طي الإهمال والنسيان. ولعلها كانت للجالية اليونانية التي سكنت زفتى زمنًا طويلاً.

وهذا عدد كبير من الكنائس، مقارنة بعدد السكان القليلين من الأقباط الذين تجمعوا في شارع العباسية وأطرافه - فقط - ومقارنة بعدد المساجد المتاحة للمسلمين!

ولطالما تمتع القبط بحرية كاملة في الاحتفال، والذهاب للكنائس، وإقامة المولد السنوي، وتوزيع الصور، والامتلاك، والعمل، والتوظف، والاتجار، دون أي نوع من الإزعاج والتقييد. كما تمت لهم حرية التعبد، والتدرج في سلك الكنيسة، فوصل بعض أبناء زفتى لأعلى المراتب الكهنوتية، حتى إن من شارع العباسية - أو درب المصري كما كان يسمى - خرج الأنبا (مكسيموس) أو ماكس ميشيل، الذي ينافس ويشغب على الأنبا شنودة بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية الـ117 – كما يلقب - على كرسي البطريركية منذ سنة 2007.

وكنا نعيش – حتى بلغت الثلاثين من عمري – بشكل متوادٍّ جدًّا، لا حساسيات فيه، ولا تمييز ولا إزعاج من أي نوع على الإطلاق! إلا ما يكون من الأطفال الصغار من الطرفين، الذين يلعبون معًا، ويتفقون ويختلفون، فلعل أحدهم إذا اشتد الخلاف سب دين من أمامه، إذا سب دينه، طفولة، وجهلاً، وضيق أفق! وسب الدين في العامة – للأسف الشديد – جرثومة لسانية عقيدية وأخلاقية تحتاج لتطهير واستئصال!

وكانوا من الناحية الاقتصادية - على قلة عددهم - أفضل حالاً من كثير من المسلمين؛ فهم بين تاجر ومدرس، وصيدلي وطبيب، وأصحاب محلات مختلفة، خصوصًا النجارة البلدي، فكانوا صناع السواقي، والنوارج، وعجلات العربات الكارو والحناطير.

وقد كانوا متميزين بالأسماء القبطية المحلية القديمة، مثل بولس وتريزة وجرجس وجميانة وجورجي وحنا وسمعان وصموئيل وغبريال وملاك وويصا، دون أن يستوردوا الأسماء الأوربية التي ربما ورد بعضها في مراحل لاحقة.

كذلك ميزهم الصليب الذي (يدقونه) وشمًا على أذرعهم من فوق الرسغ، أو تلبسه المرأة منهن حلية على صدرها، وكذا الملابس حتى الركبة للشابات، خصوصًا المتعلمات، وبعض الرجال كان يلبس الجلابيب (البلدي).

ولم يكن يميزهم أي شيء آخر، حتى إنك لو لم تلاحظ الصليب لن تفرق بين مسلم وقبطي على الإطلاق، اللهم إلا من ميزه زيه الكنسي الخاص.

واعتادت عيني رؤية (كبير القساوسة) أو أبونا كما ينادونه، يجول في المنطقة، أو واقفًا في محل صهيون (وكان يقع أمام بيت القس مباشرة) كما دخلت كنيسة الأحد، ولعبت في باحتها غير مرة، ودخلت كنيسة أبي سيفين متأملاً، ومتابعًا القداس، وحضرت في طفولتي المولد فيها، وحولها مرات كثيرة..

ولعبت مع لداتي من أبناء القبط دون أية حساسية: مجدي ووجدي ولطفي غبريال وبولس وصموئيل حليم وغبريال وتريزة، وكبر أبناء هؤلاء حولي، وعرفت من المسنات لدات أمي رحمها الله: أم حماية وأم جرجس وأم سناء وأليس وأخريات.

وكانت أجراس كنيسة أبي سيفين الضخمة الرنانة تجلجل صباح كل أحد، يسمعها كل من بالمدينة، وفي المناسبات سعيدة أو حزينة، كما كانت لهم مقابرهم المجاورة لمقابر المسلمين، لا يفصلها عنها إلا شارع ضيق، وفي مؤخرة مقابرهم كانت (ترب اليهود).

وكانت الجنائز الفخمة للشخصيات الكنسية المهمة، تتحرك من الكنيسة إلى المقبرة، بعد أن يوضع الجثمان على عربة تجرها ستة أو ثمانية أحصنة مطهمة، عليها أغطية للجسم والوجه، من الساتان الأخضر والأحمر، وعليها الصلبان منقوشة، ويتقدم الموكب القساوسة، وصغار السالكين سلك الكهنوت، ثم سائر الناس، والموسيقى الجنائزية النحاسية ترن طوال الطريق، لم تُسقط ذاكرتي الكليلة هذا المشهد ولم تنسه!

ومع هذا كنت طفلاً مسلمًا أعيش حياة المسلم، وأزهريًّا صغيرًا أعيش حياة طالب الأزهر المتدين المحافظ، المعتز بكونه مسلمًا يحفظ القرآن الكريم، كما كان لداتي قبطًا متدينين محافظين على الذهاب للكنيسة!

وظلت مصر هكذا – متعايشة متسامحة - حتى دخلت يد السياسة النجسة، لتشعل النيران، وتؤرث الأحقاد، وتؤلب الجار على الجار، وارتفعت الشعارات التي جلبت البلاء على لبنان، وعلى السودان، والآن يجيء الدور على مصر، في سيناريو حقير لتنفيذ أجندة سياسية تقلب عالي مصر سافلها، وتحيلها بحورًا من الدماء، خصوصًا وقد نجحوا في صناعة طرفين متناقضين، طرف لا يملك سكين مطبخ، وآخر مسلحًا بما لا يتخيل في أديرة بالصحراء، وقلاع تسمى كنائس وكاتدرائيات.. وهو بلاء مستطير، وفتنة ليس لها من دون الله كاشفة، صنعتها السياسة لعنة الله عليها، وعلى كل موقديها..

ودخل الموساد، وتكلم أقباط المهجر، وفعل المال القبطي فعله، وذُكرت القاعدة، وظهرت التفجيرات، وشاعت شائعات بمحاولة العدوان على فضيلة المفتي، وشيخ الأزهر، وقُطع الأتوستراد، ونطقت أطراف كثيرة لها مصالح، ومهمات، وأحقاد، وحسابات، وبرامج تود تحقيقها.

إن للساسة أجنداتهم طويلة النفس، التي بها يغيرون الخرائط السكانية والعرقية والحدودية، دون أن يهتموا بالأثمان التي تدفعها الشعوب من دماء وجهود وأموال وحاضر ومستقبل.

لكن الغريب أن تتورط الكنيسة التي رفعت شعار ما لقيصر لقيصر.. ولم تطبقه في تاريخها إلا أوقاتًا يسيرة جدًّا، وباتت الآن مصرة على أن تأخذ ما لله تعالى، وما لقيصر، وما للمسلمين أيضًا، وبشكل مستفز، يؤكد أن هناك سيناريو أثيمًا معدّا لمصر لإدخالها في فوضى منظمة، Organized Chaos أو مبرمجة؛ لإعادة هيكلتها، وتشكيل هويتها، بمساعدة جهات كثيرة داخلية وخارجية.. فهل ينتبه ساستنا هداهم الله وبصّرهم؟

دعيت قبل بضعة أعوام في بيت السيد تشيس إنترماير السفير الأمريكي بالدوحة، ومعه سايمون كوليس السفير البريطاني في الدوحة آنذاك – وهو الآن سفير بريطانيا في سوريا – وكان ذلك بمناسبة زيارة مجموعة من كبار القساوسة البريطان والأمريكان لقطر.. وكان الناس ودودين طبيعيين.. وفي بداية الجلسة قلت مازحًا:

أخرجوا هذين السيدين من الجلسة من فضلكم، فهما سياسيان، وأنا أخاف منهما جدًّا؛ فمنذ تدخلت السياسة في الدين امتلأت الدنيا دمًا، وظهر التطرف في أتباع الأديان، وانتشر العنف، وسفك الدم، حول العالم..

فضحكوا، واعتبروها طرفة مقبولة، فأكملت بجدية: دعونا نُخرج الساسة من القضية، وليتحاور أهل الأديان بشفافية، ودون أجندة مسبقة، ولا آراء معدة، مع الاستقاء من المصادر الأصلية للأديان، لا من الإعلام، ولا الكتب المفبركة، وصدقوني سيعيش العالم في أمن وسلام.

وأقولها الآن، لكل من له شيء من سمع، أو أثارة من عقل، أو بقية من حب لمصر:

انتبهوا أرجوكم من الفوضى القادمة، المحسوبة سلفًا، والتي ستقلب مصر رأسًا على عقب، وتستدعي تدخل قوىً أجنبية، وتقيم بين طائفتي الشعب حروبًا أهلية لا خروج منها إلا بعد تصفية نسبة عالية من الوجود الإسلامي في مصر: سكانًا، ومعالم، وعلماء، وثقافة، وتاريخًا، وحسن جوار..

ارحموا مصر يرحمكم الله!

أو ارفعوا أيديكم عنها لعنكم الله!

لعن الله كل من له يد في هذه الفتنة، أو أذكى نارها، أيًّا كانت صفته أو ماهيته..

وكفى مصر شر ما يحاك لها، وجعلها دائمًا حصنًا للإسلام، ومثلاً للتسامح والإخاء!

albasuni@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق