عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الأربعاء، 8 فبراير 2012

مبارك وإدارة السياسة بالرياضة


مبارك وإدارة السياسة بالرياضة
د. أحمد عبد الدايم محمد حسين
08-02-2012 14:29



حينما تغرب الشمس على أرض، تُسيطر عليها قوى شريرة تُنزل بأهلها صنوف القسوة والعذاب ألواناً. تلك هى القوى التى صنعها مبارك، أو صنعت له، ليذيق بهم الناس فى نهاية حكمه صنوفاً من الويلات والنهب المنظم ما يصعب حصره.. فمن يصدق أن الرجل الذى شارك فى صناعة أبطال أكتوبر بعد هزيمة 1967، هو نفسه الذى يصنع توافه الرجال وأشباههم؟ ترى ما الذى أوحى له بإدخال الرياضة فى مجال السياسة؟ هل عجز فى قيادة مشروع الاستقلال الوطنى، وتنمية مصر وحل مشاكلها، فاستسهل المسألة بالرياضة ليتخذ من جوقتها التافهة بوقاً، يصنع من خلالهم استقراراً مزيفاً؟ أم أنه دخل المجال الرياضى لقراءة المشهد السياسى من حوله؟



الاجابة تقول بأن الأمر خليط بين هذا وذاك.. فلاشك أن الرجل بدأ جاداً فى عمله بصورة لافتة للنظر.. غير أن المحيطين به حينما علموا بأن له رياضة يمارسها، الاسكواش، جاء الحل سريعاً من لندن، بصناعة أبطال مصريين عالميين فيها، يكونون منفذاً لتصعيد زبانية آخرين ممن شاركوا فى صناعتهم.. ليزيد عدد الجاذبين للرجل بعيداً عن السياسة ودسائسها، ولغمسه فى توافه الأمور.. لكنه حين أراد أن يفهم علاقة الرياضة بالسياسة، وجاء بعلى الدين هلال وزيراً للرياضة، مكلفاً بتقديم الطلب المصرى باستضافة كأس العالم على أراضيها، تم تلقينه درسا قوياً هو وصنيعته، عبر صفر المونديال الشهير.. ورغم أن هذا الصفر، وإن كان وقعه سيئاً حينها، إلا أنه أفاد مبارك إفادةً ممتازة. فقد اكتشف خيوط اللعبة ومفاتيحها فى مصر. فعلى الفور جاء بحسن صقر ليفتح له كنوز على بابا الرياضية. فكان عصره قمة الازدهار الرياضى المرتب بعناية، مقابل جر الرجل لتوافه الأمور وفسافسها. وفى الحال أنشأوا قنوات رياضية تحشد الناس حول الكرة، وترسخ بأن الانتصار فيها، إنما هو الانتصار الحقيقى للوطن. فابتلع مبارك الطعم برغبته، طالما ظلت تلك القنوات بوقا له ولأبنائه، فجاءت الكارثة عليه وعلى الوطن تباعاً.



ولعل قراءة العلاقة بين الرياضة والسياسة فى نهاية عهده تحتاج لبحث أعمق، ودراسة أوسع لشبكة القرابات والصلات بين القائمين عليها وبطانة مبارك، إلا أننا هنا سنركز على خمسة شواهد رئيسية تفضح كيفية إدارته لأمور السياسة بالرياضة: أولها، أن المسئول عن هذا السفه الذى وصل له الرئيس السابق هو حسن صقر.. وهو بلديات زكريا عزمى، ذلك الرجل الذى سلم له مبارك رقبته ورأسه فألبسه العمة تماماً. فسلط بلدياته ليبيع له الوهم، ويجعل من عصره مثالاً للاهتمام بالهلس واللهو المقنن.



ثانيها، أن الرياضيين تصدروا كل المشاهد المصرية، فأصبحوا يفتون فى السياسة والإعلام والاقتصاد والثقافة.. بل تصدروا مقابلات الرئيس فى سنواته الأخيرة. فكان يخرج من استقبال الفريق ليقابل الفريق الآخر.. وهلم جرا. ولعل دعوتهم لإفطار الفول الشهير الذى رتبه لهم، وإن كان هدفه تسويق زهده فى الدنيا، لكنه جاء رداً على شائعات فساده المالى. ثالثها، الناظر لعدد القنوات الرياضية المنشأة فى نهاية فترته، وإحصاء شبكة موظفيها وإعلامييها وعلاقتهم القرابية برأس الرياضة ورأس البطانة، ثم تحليل مضمون برامجها، يكتشف بأن شبكة التعمية قد أحاطت بالشعب المصرى من جميع الجهات.. وأنه تم توجيه أنظار الناس للاهتمام بالكرة بعيداً عن الحديث فى مشاكلهم وآلامهم.



رابعها، وصلت تفاهة الرياضيين حداً لا يوصف.. فقد استغلتهم القوى السياسية الحاكمة بشكل يثبت نجاعة اختيار الرياضة لإدارة المسائل السياسية. فحينما حصلت مصر على إحدى الكئوس الإفريقية، تم تدبير عرض إماراتى للمنتخب المصرى الفائز بالبطولة. لا لشىء إلا للوقيعة والدس لمبارك هناك.. فلم يُقدم العرض إلا لأن ابن أحد أمرائها قد تزوج بشقيقة الملك الأردنى، التى سبق وأن رفضت جمال مبارك.. فمن يراجع هذا المشهد بعناية يكتشف بأن الرجل قد قام بزيارته للإمارات فى ذات اليوم الذى استقبل فيه الفريق العائد فى المطار، كخطوة استباقية لما رتب له مخالفوه من حرج.. وتم توجيه هؤلاء السذج حينها للحديث والجدل حول الهدايا المقدمة، دون معرفتهم بما يدور خلف الكواليس من دسائس.



خامسها، حجم التشويه الذى تعرض له مبارك فى القنوات الرياضية فى السنتين الأخيرتين من حكمه، وبالأخص بعد مباراة مصر والجزائر، يؤكد بأن الرجل قد أصبح بعيداً عن توجيه الأمور كما كان يريد.. ولعل مشهد التلاعب بصورته فى إحدى القنوات الرياضية، يشى بأنهم نفضوا أيديهم من حوله.. وأن من يروج له سيلقى مصير أحد أصحاب البرامج الرياضية الداعمين لجمال مبارك.. فقد قاموا بعزله تماماً، حتى أصبح الآن خاضعاً لهم ويعمل لديهم. بعد أن أدركوا بأن مبارك يساير لعبتهم، وأنه فهم كثيراً من الأمور ما كان ينبغى أن يفهمها.



هكذا وصلت إدارة السياسة بالرياضة بالبلد حداً لا يمكن للناس أن يقبلوه.. فجاءت الثورة المباركة لتضع حداً لهذا الهزل المستمر، والميزانية المفتوحة لتوافه الرجال. غير أن ما حدث فى مجزرة بورسعيد يوم الأربعاء، الأول من فبراير، يشى بأن المتحكمين فى المشهد السياسى لا يزالون فى غيهم، يديرون السياسة بالرياضة دون حدوث أى تغيير.



ahmedabdeldaim210@hotmail.com



د. أحمد عبد الدايم محمد حسين - أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق