عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الخميس، 3 مارس 2011

اليسار الساقط.. ودماء الشهداء!

اليسار الساقط.. ودماء الشهداء!

صديقي اللدود الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة المُقال في وزارة الفريق أحمد شفيق التي شكَّلها النظام الهالك قبيل سقوطه، يثير جدلًا كبيرًا في الحياة الثقافيَّة والفكريَّة، سواء على المستوى الخاص أو الصعيد العام، فهو رجل ذكي، ونشيط، وقارئ، ومجادل بارع، وقادر على إرباك خصومه بالانتقال من جوهر الموضوع المطروح للنقاش إلى الهوامش والجزئيَّات، والغرق فيها، ونسيان الموضوع الأصلي تمامًا.

جابر عصفور.. طالب قسم اللغة العربيَّة بكلية الآداب جامعة القاهرة في الستينيَّات، مثال للحفظ والتفوق الدراسي، تخرَّج بأعلى تقدير، وعيِّن مدرسًا في إحدى مدارس الفيوم (جنوب القاهرة)، كتب خطابًا لجمال عبد الناصر فعيَّنه معيدًا بالكلية التي تخرَّج منها، وتبنَّته الدكتورة سهير القلماوي فكانت أمه الروحيَّة، وحصل على الماجستير والدكتوراة، وباقتراب أستاذته من النظام صار هو قريبًا منه أيضًا.

وفي عهد السادات أشرفت الدكتورة سهير على زوجة السيدة جيهان -التي حملت لقب سيدة مصر الأولى- في رسالتيها للماجستير والدكتوراة، فكان يتردَّد مع أستاذته على بيت الرئيس السادات؛ لمساعدة الزوجة الطالبة، وتوفير المصادر والمراجع التي تحتاجها، وكان يتردَّد معهما أو مع إحداهما أو منفردًا الدكتور لويس عوض، المتخصص في اللغة الإنجليزية والمستشار الثقافي لجريدة (الأهرام).

وفي العهد البائد كان دور الدكتور جابر أساسيًّا في المجلس الأعلى للمرأة، الذي كانت تتولاه السيدة الأولى سوزان ثابت (مبارك)، وخاصة بعد عمله مساعدًا للوزير الفاسد فاروق حسني، الذي كان بدوره مقربًا من القصر الجمهوري، وكان جابر يخطِّط للسيدة سوزان، وينفِّذ ما تريد من سياسة خاصة بالمرأة المصرية وتغريبها وإبعادها عن الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة، وفي علاقته الوثيقة بالنظام الهالك، التقت أهدافه مع أهداف النظام حول الخصومة الضارية للإسلام، وعبَّر عن هذه الخصومة بلا حدود، ويسمِّي تلاميذه وأنصاره خصومته للإسلام بـ "المشروع التنويري"!!

ومن حق جابر عصفور أو غيره اختيار الفكر الذي يروقه، واعتناق العقيدة التي يقتنع بها، ولكن ليس من حق أحد أن يشهِّر بدين الأغلبيَّة أو يحتقره أو يسمِّيه بغير اسمه، تسمية تنال منه وتزدريه!

لقد تماهى جابر عصفور مع النظام الهالك حتى النخاع، وصار يده التي يكتب بها معاديًا لدين الأمَّة وثقافتها، وهويتها، وسوَّغ ذلك بأن المناخ السياسي في مصر لا يسمح بالعمل إلا من خلال السلطة القائمة أو ما يسمِّيه الأصوليَّة الإسلاميَّة، وتلك كما يقول أنصاره لا تتيح له فرصة الإبداع أو رؤية امرأة حاسرة الرأس أو الاستمتاع بفيلم سينمائي، المجال المتاح إذًا كما يدَّعي دراويشه هو السلطة، أو الدولة كما يفضِّل هو أن يسميها، والمصطلح عنده حالة تستدعي وقفات طويلة في طريقة استخدامه ودلالته وسبل توظيفه.

والواقع يقول: إن العمل خارج هذين المجالين متاح ومفتوح، ولكنه بلا عائد مادي أو امتيازات حكوميَّة.. إنه العمل مع الناس، ومع الشارع الذي كانت كلمته هي القول الفصل في إسقاط النظام، والقرار الحاسم في إسقاط التنظيرات المعقَّدة التي ظلت النخب المتغربة تلوكها؛ وتتحدث عنها طوال ثلاثين سنة من السنوات العجاف.

ولعلَّ ما أصاب الأحزاب اليساريَّة المصريَّة خيرُ دليل على سقوط كل الأدبيات التي لاكتها هذه الأحزاب، سواء كانت علنيَّة أو سريَّة، وساعة كتابة هذه السطور كان حزب (توتو) يبحث تنحية قيادته التي تحدثت كثيرًا في العلن مع الناس البائسين المطحونين عن الحقوق والتغيير، وتعاطفت كثيرًا في السرّ مع السلطة البوليسيَّة الفاشية بل أيَّدتها ودعمتها، وكان شغلها الشاغل هو المصالح الذاتية من خلال انتهازية مقيتة، ونفاق مفضوح، وتضليل متعمَّد!

جابر عصفور.. نموذج لليسار الذي تأمرك، وذلك من خلال اندماجه بالسلطة البوليسيَّة الفاشيَّة على مدى عمره الوظيفي خارج الجامعة، فقد كان صوت وزير الثقافة الفاسد، وكان ذراعه اليمنى التي يضرب بها ويحتضن، واستطاع أن يقود الحظيرة الثقافيَّة التي دجَّنت مثقفي اليسار المتأمرك، وخصوم الإسلام عامةً، وصهرتهم في بوتقة واحدة؛ غايتها الأساسيَّة التشهير بالإسلام ومحاولة زعزعة ثوابته، والدعوة إلى ما يسمَّى الدولة المدنيَّة التي هي نقيض الإسلام في مفهومهم، وقد استطاعوا بالفعل التدليس على الأمَّة من خلال ادِّعائهم أنهم يناضلون من أجل الحرية والتقدم والحداثة والتنوير، وفي الوقت نفسه لا يتورَّعون عن وصم الإسلام بالإرهاب والظلاميَّة، والتعصب والجمود والتخلُّف.

وكان جابر عصفور -وما زال- في طليعة هؤلاء المعادين للإسلام والأمَّة والموالين للنظام المجرم الفاسد، بكتاباته وسلوكه العملي في وزارة الفساد الأكبر، أعني وزارة الثقافة! وقد أصدر كتبًا عديدة كانت في الأصل مقالاته التي نشرها بترحيب ودعم كبيرين في صحف السلطة وصحف الخليج، منها: هوامش على دفتر التنوير، وضد التعصب، ونقد ثقافة التخلف، وقد أسقطت الجماهير في ثورة الورد هذه الكتب، وما تضمنته من أفكار عدوانيَّة هي نسخة طبق الأصل من رؤية الاستعمار الغربي المتوحِّش للإسلام.

وكانت الجماهير في ميدان التحرير تردُّ على اتِّهامه للإسلام بالتعصب والفاشية والدولة الدينيَّة كما يسميها، حين تضامنت كل فئات الشعب مع الإخوان والجماعات الإسلاميَّة والسلفيين وغيرهم من الإسلاميين، وشهد العالم أن غير المسلمين يؤدون صلواتهم في حضانة الغالبيَّة العظمى التي يمثلها المسلمون، ورأى العالم كيف تجاور المسلم مع غير المسلم في هتافٍ واحد، وكيف أعلن الإسلاميون أمام الدنيا كلها أنهم لا يرغبون في الحكم، ولن يرشِّحوا واحدًا منهم للرئاسة.. لقد سقطت مقولة تعصب المسلمين الآثمة في ميدان الشهداء!

كما سقطت مقولة تخلُّف الإسلام؛ التي يسميها جابر عصفور ثقافة التخلُّف، حين أثبت الشعب المصري المسلم تحضُّره الرائع، ورأت الدنيا كلها أن المسلمين ليسوا أصحاب ثقافة متخلِّفة، كما يصمُهم جابر ورهطه العدواني، وأنهم لم يخرجوا عن منهج السلم، ولم يتحركوا إلا لردِّ عدوان النظام الذي ينتمي إليه جابر عصفور ورهطه في موقعة "الجمل" الخسيسة.

إن التنوير الذي يدعو إليه جابر ومن معه هو إلغاء الإسلام، وهذا تنوير متخلِّف بكل المقاييس، فإذا كان التنوير الأوروبي آمَن بالتجربة ورفض ما وراء الغيب؛ فإنه كان مضطرًّا لذلك؛ لأن رجال الدين هناك كانوا يطاردون الناس بالحرمان والغفران، وحوَّلوا الدين الإلهي إلى تقاليد كنسية تئدُ الحرية والفكر، وتحوِّل الإنسان إلى عبد يعبد عبدًا مثله، بينما إسلامنا العظيم قد حوَّل الإنسان المسلم إلى كيانٍ حرٍّ كريم، له قيمته، ويرتبط بربه مباشرةً، دون وساطة أو توصية!

وكنت أتصوَّر أن جابر عصفور بعد ثورة الورد قد تخلَّى عن أفكاره أو حاول مراجعة نفسه، ولكنه خاض في دماء الشهداء، ووقف أمام زعيمه المخلوع وأدَّى اليمين الدستورية في القصر الجمهوري وزيرًا للثقافة الفاسدة التي يتبنَّاها، بينما كان الرصاص الحي يلعلع في صدور شباب الورد وأبناء النيل الشرفاء!

ثم إنه لم يكتفِ بذلك، بل ظهر على شاشة التلفزيون بعد إقالته المهينة؛ ليقول للناس إنه يطالب بإلغاء المادة الثانية من الدستور التي تعني الإسلام، ثم زعم أنه تقدم باستقالته لأنه لم يكن مستريحًا لتولِّي الوزارة في ظلّ الحزب الوطني!!

المادة الثانية للدستور لا يستطيع أحد إلغاءها؛ بدليل صلاة الجمعة -جمعة النصر- التي صلى فيها أربعة ملايين مسلم، ومعهم شركاء الوطن في ميدان الشهداء، لقد صارت معزوفة المادة الثانية قديمة جدًّا، ولا محلَّ لها، ويجب البحث عن نغمة أخرى!

أما خبر الاستقالة فهو غير صحيح حتى لو كان مندوب المبيعات ووزير الإعلام السابق، ومنافس جابر في بلاط النظام الهالك قد احتدَّ عليه في مجلس الوزراء، وفاخر بالحزب الوطني؛ فالمؤكَّد أن معالي الوزير السابق جابر عصفور قد أُقيل من منصبه؛ بسبب عدم توقيعه لأوراق الوزارة، وهو ما صرَّح به أحد نواب الحزب لإذاعة "صوت العرب" قبل عدة أيام!

وأيًّا ما كان الأمر فقبول الوزارة في ظلّ النظام الساقط، ودماء الشهداء تجري أنهارًا في القاهرة والإسكندرية والسويس والفيوم والمنيا ودمنهور والمحلة الكبرى وغيرها؛ هو عمل لا ينتمي إلى التنوير أو الاستنارة!! وليت صديقي اللدود يراجع نفسه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق