السلفية منهج حياة ... و سمها ما شئت
صلاح الطنبولي | 29-03-2011 00:53
يقولون لا مشاحة في الاصطلاح ، بمعنى المهم هو المسمى و ليس الاسم ، و لذا أردت أن ألقي الضوء على تلك الكلمة (( السلفية )) القليلة في مبناها العظيمة في معناها و التي تحمل في طياتها منهجا يسير المرء وفق معالمه في كل مناحي حياته في توحيده لربه و عقيدته ، و في عبادته ، و في هديه الظاهر و الباطن و في سلوكه و دعوته ، و في معاملاته و سياسته.
السلفية ليست حزبا بمفهوم الحزبية الضيق ، و لا تمتحن الناس في هذا الاسم و لا تأخذ البيعة عليه و لا تصنف الناس بناء عليه و ترى أنه من توافرت فيه صفات ذلك المنهج فهو سلفى تسمى بذلك أو لم يتسم ، و يتفاوت الناس في بعدهم و قربهم منه بقدر ما يحملون من صفات ذلك المنهج و تطبيقهم إياه .
جميع المناهج بغض النظر عن مدى اتفاقك أو اختلافك معها تعتمد على ركنين أساسيين يندرج تحت كل واحد منهما تفاصيل ، الأساس الأول : مصدر التلقي ، و الثاني : التطبيق و الأداء
كل السلفيين على اختلاف أوطانهم و نظراتهم يتفقون على أن مصدر التلقي عندهم هي القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة بفهم السلف الصالح و خاصة القرون الثلاثة الأولى التي ورد الحديث بخيريتها ((خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )) ، ثم من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين من العلماء و المصلحين العاملين ، فسلفنا الصالح من صحابة النبي صلى الله عليه و سلم هم خير القرون لأن هذا القرآن نزل على نبيهم صلى الله عليه و سلم و هو بين ظهرانيهم و سمعوا منه مشافهة و رأوه و عاشروه و علموا من سنته و هديه ما لم نعلمه ، حتى فيما لم يرد فيه نص من الأحكام الشرعية ، فهم أقدر الناس على الاحاطة به و الحكم عليه لمعرفتهم بمقصود الشارع من شدة معاشرتهم للنبي صلى الله عليه و سلم ، و كأنهم لِما علموا من سيرته يقولون لو كان حيا لحكم فيه بكذا و كذا ، و لذا لا نستغرب قول النبي صلى الله عليه و سلم (( عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي .. ) و قال (( اقتدوا بالذيْن من بعدي أبي بكر و عمر )) لأنهما كانا وزيريه و هما أعلم الناس بمراده و مراد الشرع ، و لذا كانت لهما اجتهادات و مواقف عظيمة ثبتت الأمة في أوقات المحن و نشرت الدين و لا أجل من موقف أبي بكر رضي الله عنه من المرتدين و انفاذ جيش اسامة و اجتهاده بعد استشارة كبار الصحابة في الجمع الأول للقرآن، و كذا مواقف عمر رضي الله عنه من فتوح مصر و الشام و العراق و غيرها ، و موقفه من الاستفادة من علوم غير المسلمين كتدوين الدواوين و تنظيم الجند و غيره فقيل إن عمر رضي الله عنه أخذ بقول للوليد بن هشام لما استشار أصحابه في تدوين الدواوين إذ قال له " يا أمير المؤمنين قد جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديواناً، وجندوا جنداً. فدون ديواناً وجند جنودا" ، و الشواهد كثيرة في التاريخ في ذلك . و نلاحظ أن الصحابة رضي الله عنهم لم يتجمدوا على فكر واحد لم يتعدوه فيما لم يرد فيه نص، بل كانت لهم اجتهاداتهم التي لا تصادم الكتاب و السنة
و لو أنك تجولت في أنحاء العالم شرقه و غربه و شماله و جنوبه ، تجد كل من ينتسب إلى ذلك المنهج أفكارهم و آمالهم و تطلعاتهم و طريقة دعوتهم و أقوالهم تكاد تكون واحدة ، فما الذي وحد فكرهم و طريقتهم و أقوالهم ، و لا تكاد ترى منهم اختلافا إلا فيما يتعلق بالأساس الثاني ( التطبيق ) ، إن الذي وحدهم على غير أرحام بينهم و على تنائي في الديار هو مصدر التلقي و لذا نستطيع القول إن السلفية مشروع نهضوي عالمي حقا على مستوى الأمة جميعها من غير أن يحتاج إلى تنظيم و حشد و التقاء .. فما بالكم لو التقوا و نظموا و حشدوا .. أكاد أجزم لا يثبت أمامهم منهج على وجه الأرض .
الأساس الثاني : التطبيق و الأداء ، و هذا قد يختلف السلفيون فيه لاختلاف البلدان و المجتمعات و البيئات و لاختلاف الفهم و النظر ، فما يصلح في الفتوى في بلد قد لا يصلح في أخر ، و لذا قيل إن الشافعي رحمه الله قد غير كثيرا من فتاويه التي قالها في العراق حين رحل إلى مصر ، فالفتوى قد تختلف من قطر إلى آخر و من زمن دون زمن و حال دون حال مع كون المصدر واحدا ، و كذلك الفهم و النظر فقد يظهر لأحدهم من الفهم ما لا يظهر لغيره كما قال تعالى(( ففهمناها سليمان و كلا آتينا حكما و علما )) الأنبياء ، و كما ورد في الأثر عن أبي جحيفة السوائي قال : سألت عليا رضي الله عنه : هل عندكم شيء مما ليس في القرآن ؟ وقال ابن عيينة مرة : ما ليس عند الناس ؟ فقال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ما عندنا إلا ما في القرآن ، إلا فهما يُعطي رجلٌ في كتابه ... )) ، و هذا فضل الله يؤتيه من يشاء
و يحسب كثير من الناس أن السلفيين متجمدين قد أغلقوا باب الاجتهاد و أوصدوا منافذ الفكر و التطور ، وهذا ليس بصحيح فإن سلفهم الذين يتبعونهم و منهم أبو بكر و عمر كانت لهم اجتهادات و آراء و فهم للكتاب و السنة قد رأينا بعضه آنفا ، و لذا رأينا للعلماء المعاصرين مجامع للفتوى يتدارسون فيها مستجدات الأمور و يتبنون فتاوى معاصرة تتعلق بحياة الناس في البيع و الشراء و المعاملات و فتاوى ما يتعلق بالطب و الهندسة و غيرها من مناحي الحياة .
و كذلك نرى السلفيين في هذا الزمان و قد امتهنوا مهنا كثيرة كبقية الناس فمنهم العامل و المزارع و الطبيب و المهندس و المدرس و المحاسب و المحامي و استاذ الجامعة و الفني و غيرهم فهم متنوعون كشرائح المجتمع ، و رأيناهم أيضا يستخدمون في تطبيق منهجهم و أدائهم له جميع الوسائل من درس و موعظة و خطبة جمعة و تأليف كتاب و وسائل حديثة كمجلة حائط و وسائل تعليمية من لوحات و كمبيوتر و سي ديهات و غير ذلك ، فهم ليسوا متجمدين على وسيلة واحدة و قد أتاحت لهم التقنية الحديثة ما لم تتح لأسلافهم .
و قد يختلفون فيما بينهم و قد تتضارب فتاواهم و اجتهاداتهم بناء على المعطيات التي لدى كل طرف ، و قد يكون ذلك علامة صحة فهو منهج حيوي متجدد متسع لأفهام الناس و يستوعب بعضهم بعضا – و إن كان الحق واحدا لا يتعدد - و لذلك رأينا علماءهم يختلفون في النظر و الاستدلال و لا يعادي بعضهم بعضا إلا من شذ و يمتثلون فيما بينهم قول الشافعي رحمه (( ألا يسعنا أن نكون إخواناً وإن اختلفنا في مسألة ؟ ))، فكلهم إن اختلفوا فبدليل و إن تضاربت أقوالهم فلهم في ذلك سلف يرجعون إليه ، و قد رأينا ذلك في موقفهم من ثورة 25 يناير ، فبعضهم شارك الشباب و بعضهم توقف و لم يخذِّل و بعضهم حث الشباب على عدم الخروج ، و كلهم لا يعلمون الغيب فالذي توقف أو حث على عدم الخروج بنى ذلك على قياس سابق في التاريخ الحديث و القديم ، و الذين خرجوا كان لهم نظر آخر في مساندة الثورة ، و الكل لا يعلم الغيب و لا يستطيع أن يحكم على مآلات الأمور ، حيث أن ثورة مصر لم يكن لها نظير سابق في التاريخ يقيسون عليه ، و لذا لا تعجب بعد الثورة من أنهم لم يعادي أحد فيهم أحدا بل يحملون الحب و الود لبعضهم و يتفهمون اختلافهم في مسألة تحيرت فيها الألباب ، كما رأينا حيرة كثير ممن نحسبهم مخلصين من أهل مصر .
إن السلفية تؤمن بالتخصص و وضع الرجل المناسب في المكان المناسب كما هو هدي النبي صلى الله عليه و سلم و الخلفاء من بعده ( و لعلنا نفرد ذلك في مقالة مستقلة لأهميته ) .
إنني أزعم أن كثيرا من الناس لهم قدر من السلفية – فمستقل و مستكثر - على الأقل فيما أُتفق عليه بين عامة المسلمين – إلا من شذ – من حبهم لسلف الأمة من خير القرون الثلاثة الأولى من الصحابة و التابعين و تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .
فهل ترى بتلك اللمحة التى قدمناها عن السلفية تكون منبتة عما ينادي به الدعاة و المصلحون .
صلاح الطنبولي
قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)....... اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني و أنا عبدك و أنا علي عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي و أبوء بذنبي ربي اغفر فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق