عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الثلاثاء، 29 مارس 2011

السلفية منهج حياة ... و سمها ما شئت

السلفية منهج حياة ... و سمها ما شئت



صلاح الطنبولي | 29-03-2011 00:53

يقولون لا مشاحة في الاصطلاح ، بمعنى المهم هو المسمى و ليس الاسم ، و لذا أردت أن ألقي الضوء على تلك الكلمة (( السلفية )) القليلة في مبناها العظيمة في معناها و التي تحمل في طياتها منهجا يسير المرء وفق معالمه في كل مناحي حياته في توحيده لربه و عقيدته ، و في عبادته ، و في هديه الظاهر و الباطن و في سلوكه و دعوته ، و في معاملاته و سياسته.

السلفية ليست حزبا بمفهوم الحزبية الضيق ، و لا تمتحن الناس في هذا الاسم و لا تأخذ البيعة عليه و لا تصنف الناس بناء عليه و ترى أنه من توافرت فيه صفات ذلك المنهج فهو سلفى تسمى بذلك أو لم يتسم ، و يتفاوت الناس في بعدهم و قربهم منه بقدر ما يحملون من صفات ذلك المنهج و تطبيقهم إياه .

جميع المناهج بغض النظر عن مدى اتفاقك أو اختلافك معها تعتمد على ركنين أساسيين يندرج تحت كل واحد منهما تفاصيل ، الأساس الأول : مصدر التلقي ، و الثاني : التطبيق و الأداء

كل السلفيين على اختلاف أوطانهم و نظراتهم يتفقون على أن مصدر التلقي عندهم هي القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة بفهم السلف الصالح و خاصة القرون الثلاثة الأولى التي ورد الحديث بخيريتها ((خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )) ، ثم من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين من العلماء و المصلحين العاملين ، فسلفنا الصالح من صحابة النبي صلى الله عليه و سلم هم خير القرون لأن هذا القرآن نزل على نبيهم صلى الله عليه و سلم و هو بين ظهرانيهم و سمعوا منه مشافهة و رأوه و عاشروه و علموا من سنته و هديه ما لم نعلمه ، حتى فيما لم يرد فيه نص من الأحكام الشرعية ، فهم أقدر الناس على الاحاطة به و الحكم عليه لمعرفتهم بمقصود الشارع من شدة معاشرتهم للنبي صلى الله عليه و سلم ، و كأنهم لِما علموا من سيرته يقولون لو كان حيا لحكم فيه بكذا و كذا ، و لذا لا نستغرب قول النبي صلى الله عليه و سلم (( عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي .. ) و قال (( اقتدوا بالذيْن من بعدي أبي بكر و عمر )) لأنهما كانا وزيريه و هما أعلم الناس بمراده و مراد الشرع ، و لذا كانت لهما اجتهادات و مواقف عظيمة ثبتت الأمة في أوقات المحن و نشرت الدين و لا أجل من موقف أبي بكر رضي الله عنه من المرتدين و انفاذ جيش اسامة و اجتهاده بعد استشارة كبار الصحابة في الجمع الأول للقرآن، و كذا مواقف عمر رضي الله عنه من فتوح مصر و الشام و العراق و غيرها ، و موقفه من الاستفادة من علوم غير المسلمين كتدوين الدواوين و تنظيم الجند و غيره فقيل إن ‏عمر رضي الله عنه أخذ بقول للوليد بن هشام لما استشار أصحابه ‏في تدوين الدواوين إذ قال له " يا أمير المؤمنين قد جئت الشام ‏فرأيت ملوكها قد دونوا ديواناً، وجندوا جنداً. فدون ديواناً وجند ‏جنودا" ، و الشواهد كثيرة في التاريخ في ذلك . و نلاحظ أن الصحابة رضي الله عنهم لم يتجمدوا على فكر واحد لم يتعدوه فيما لم يرد فيه نص، بل كانت لهم اجتهاداتهم التي لا تصادم الكتاب و السنة

و لو أنك تجولت في أنحاء العالم شرقه و غربه و شماله و جنوبه ، تجد كل من ينتسب إلى ذلك المنهج أفكارهم و آمالهم و تطلعاتهم و طريقة دعوتهم و أقوالهم تكاد تكون واحدة ، فما الذي وحد فكرهم و طريقتهم و أقوالهم ، و لا تكاد ترى منهم اختلافا إلا فيما يتعلق بالأساس الثاني ( التطبيق ) ، إن الذي وحدهم على غير أرحام بينهم و على تنائي في الديار هو مصدر التلقي و لذا نستطيع القول إن السلفية مشروع نهضوي عالمي حقا على مستوى الأمة جميعها من غير أن يحتاج إلى تنظيم و حشد و التقاء .. فما بالكم لو التقوا و نظموا و حشدوا .. أكاد أجزم لا يثبت أمامهم منهج على وجه الأرض .

الأساس الثاني : التطبيق و الأداء ، و هذا قد يختلف السلفيون فيه لاختلاف البلدان و المجتمعات و البيئات و لاختلاف الفهم و النظر ، فما يصلح في الفتوى في بلد قد لا يصلح في أخر ، و لذا قيل إن الشافعي رحمه الله قد غير كثيرا من فتاويه التي قالها في العراق حين رحل إلى مصر ، فالفتوى قد تختلف من قطر إلى آخر و من زمن دون زمن و حال دون حال مع كون المصدر واحدا ، و كذلك الفهم و النظر فقد يظهر لأحدهم من الفهم ما لا يظهر لغيره كما قال تعالى(( ففهمناها سليمان و كلا آتينا حكما و علما )) الأنبياء ، و كما ورد في الأثر عن أبي جحيفة السوائي قال : سألت عليا رضي الله عنه : هل عندكم شيء مما ليس في القرآن ؟ وقال ابن عيينة مرة : ما ليس عند الناس ؟ فقال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ما عندنا إلا ما في القرآن ، إلا فهما يُعطي رجلٌ في كتابه ... )) ، و هذا فضل الله يؤتيه من يشاء

و يحسب كثير من الناس أن السلفيين متجمدين قد أغلقوا باب الاجتهاد و أوصدوا منافذ الفكر و التطور ، وهذا ليس بصحيح فإن سلفهم الذين يتبعونهم و منهم أبو بكر و عمر كانت لهم اجتهادات و آراء و فهم للكتاب و السنة قد رأينا بعضه آنفا ، و لذا رأينا للعلماء المعاصرين مجامع للفتوى يتدارسون فيها مستجدات الأمور و يتبنون فتاوى معاصرة تتعلق بحياة الناس في البيع و الشراء و المعاملات و فتاوى ما يتعلق بالطب و الهندسة و غيرها من مناحي الحياة .

و كذلك نرى السلفيين في هذا الزمان و قد امتهنوا مهنا كثيرة كبقية الناس فمنهم العامل و المزارع و الطبيب و المهندس و المدرس و المحاسب و المحامي و استاذ الجامعة و الفني و غيرهم فهم متنوعون كشرائح المجتمع ، و رأيناهم أيضا يستخدمون في تطبيق منهجهم و أدائهم له جميع الوسائل من درس و موعظة و خطبة جمعة و تأليف كتاب و وسائل حديثة كمجلة حائط و وسائل تعليمية من لوحات و كمبيوتر و سي ديهات و غير ذلك ، فهم ليسوا متجمدين على وسيلة واحدة و قد أتاحت لهم التقنية الحديثة ما لم تتح لأسلافهم .

و قد يختلفون فيما بينهم و قد تتضارب فتاواهم و اجتهاداتهم بناء على المعطيات التي لدى كل طرف ، و قد يكون ذلك علامة صحة فهو منهج حيوي متجدد متسع لأفهام الناس و يستوعب بعضهم بعضا – و إن كان الحق واحدا لا يتعدد - و لذلك رأينا علماءهم يختلفون في النظر و الاستدلال و لا يعادي بعضهم بعضا إلا من شذ و يمتثلون فيما بينهم قول الشافعي رحمه (( ألا يسعنا أن نكون إخواناً وإن اختلفنا في مسألة ؟ ))، فكلهم إن اختلفوا فبدليل و إن تضاربت أقوالهم فلهم في ذلك سلف يرجعون إليه ، و قد رأينا ذلك في موقفهم من ثورة 25 يناير ، فبعضهم شارك الشباب و بعضهم توقف و لم يخذِّل و بعضهم حث الشباب على عدم الخروج ، و كلهم لا يعلمون الغيب فالذي توقف أو حث على عدم الخروج بنى ذلك على قياس سابق في التاريخ الحديث و القديم ، و الذين خرجوا كان لهم نظر آخر في مساندة الثورة ، و الكل لا يعلم الغيب و لا يستطيع أن يحكم على مآلات الأمور ، حيث أن ثورة مصر لم يكن لها نظير سابق في التاريخ يقيسون عليه ، و لذا لا تعجب بعد الثورة من أنهم لم يعادي أحد فيهم أحدا بل يحملون الحب و الود لبعضهم و يتفهمون اختلافهم في مسألة تحيرت فيها الألباب ، كما رأينا حيرة كثير ممن نحسبهم مخلصين من أهل مصر .

إن السلفية تؤمن بالتخصص و وضع الرجل المناسب في المكان المناسب كما هو هدي النبي صلى الله عليه و سلم و الخلفاء من بعده ( و لعلنا نفرد ذلك في مقالة مستقلة لأهميته ) .

إنني أزعم أن كثيرا من الناس لهم قدر من السلفية – فمستقل و مستكثر - على الأقل فيما أُتفق عليه بين عامة المسلمين – إلا من شذ – من حبهم لسلف الأمة من خير القرون الثلاثة الأولى من الصحابة و التابعين و تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .

فهل ترى بتلك اللمحة التى قدمناها عن السلفية تكون منبتة عما ينادي به الدعاة و المصلحون .

صلاح الطنبولي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق