عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الأربعاء، 16 مارس 2011

نعم..أو القارعة

نعم..أو القارعة:بقلم د محمد عباس:

نعم..أو القارعة:بقلم د محمد عباس:
16 مارس, 2011

سوف أحطم قوانين البلاغة، ولن أحترم فنون المقال القاضية بحسن الختام بعد براعة الاستهلال..

سوف أبدأ على الفور.. دون مقدمات.. فالوقت قليل والعمل كثير والحمل ثقيل والطريق وعر والمهمة صعبة والمخاطر هائلة والهلاك قريب والنجاة عصية..

سوف أبدأ على الفور لأن تسونامي الأمريكي .. تسونامي مباحث أمن الدولة.. تسونامي الحاشية والأذناب –إلا قلة صادقة مقتنعة فعلا بما تقول- اندفع ليجرّف وعي الأمة ويخترق ذكاءها ويوجهها إلى عكس الاتجاه الصحيح..ويحرضها على طريق الندامة لا طريق السلامة عندما ينصحها أن تقول في استفتاء السبت القادم (19 مارس): لا.

يشعلون النار في كل أرجاء الوطن في نفس الوقت وتلك قوة لا تتاح إلا لعملاء أمريكا ولمباحث أمن الدولة.

يشعلون النار

نفس النار التي اشتعلت في المباريات بين مصر والجزائر....

لم يبق إلا أن يخرج كلب من الكلاب ينبح ليصف شباب الثورة بما وصف به أبناء الشهداء في الجزائر..

السافل المنحط الخسيس الذي لم يحاكم بعد والذي وصف أبناء الشهداء بأنهم أولاد زنا.. ابن الـ...

ولم يبق إلا أن يخرج ذئب من الذئاب يعوي مطالبا بإعلان الحرب على شباب الثورة وقصفهم بالطائرات..

لكنهم استعاضوا عن ذلك بقصفهم بالمقالات الخاطئة المضللة.. وبالهجوم الفضائي الكاسح عبر الثورة المضادة.. وعبر أناس لم يكونوا من شباب الثورة أبدا.. أناس هم في الواقع بلطجية المثقفين.. أو كما سميتهم قبل ذلك :"مثقفو أمن الدولة". أناس يستعملون الورق والكلمات والكاميرات والشاشات بدلا من البغال والحمير والإبل ولكن النتيجة لا تختلف. والعقلية واحدة.

سوف أخرج من حديثي كل إنسان صادق مع نفسه مهما كان رأيه..

إنما أتكلم عن المرجفين الذين يعلمون أنهم يكذبون والذين نظروا بعين الشيطان إلى شباب الثورة فقالوا لأنفسهم:

- ما أسهل خداعهم وحشدهم وإلهاب مشاعرهم ليحققوا لنا ما نريد..

- ثم أسروا لأنفسهم:

- - ما أسهل خداعهم.

هؤلاء هم من أقصدهم وأتكلم عنهم.

لقد نجحوا في استدراج الأمة كلها إلى الدخول في تفاصيل لم يكن لها أن تطرح بهذه الصورة أبدا.. ولم يقصد الشياطين بطرحهم إلا إثارة الفرقة بين الناس وتفتيتهم..

الدعوة للحوار وللنقاش لم تكن الهدف من تسونامي .. دعنا الآن من الوصول إلى الحقيقة فهو أمر لم يكن في بالهم أبدا بل كان هدفهم هو العكس.. طمس الحقيقة. كان هدفهم تفتيت الأمة. غنهم يعلمون أن الأمة عندما تتحد ستزدريهم وتقصيهم.. ولذلك فإن فرصتهم الوحيدة في تفتيت الأمة.

لقد كان ما بدا عليهم من حقد مسعور وأغراض خسيسة بشعا ومخيفا.

كان منطقهم رخيصا وساقطا ولا يصمد لأي مواجهة جادة.. لكنهم كانوا يملكون وسائل الإعلام ويسيطرون عليها.. وكانوا يملكون أيضا السوقية والبذاءة والصوت العالي.

تجمع التحالف الشيطاني للثورة المضادة وعلى رأسهم من تضرروا من ثورة 25 يناير، ولكنهم الآن يدعون أنهم يتحدثون باسمها بل أنهم هم الذين قاموا بها. في هذا التحالف سنجد جهاز مباحث أمن الدولة وكل رجال الأعمال الذين راهنوا على التوريث، وقيادات الحزب الوطني، وأعضاء المجالس المحلية، وقادة أجهزة الأمن، قادة الإعلام الرسمي، وكل من كان يمثل دور المعارض تجميلا للنظام، وأتباع شنودة وأقباط المهجر والبلطجية. هؤلاء هم جسد الثورة المضادة التي يقودها الآن تنظيم سري أمريكي يجمع أشتاتا متناقضة من الوفد والتجمع والناصريين والتجمع والشياطين والزبالين!.

***

هؤلاء من أبدأ على الفور لأقول لهم وعنهم أن كل من يرفض الاستفتاء على تعديلات الدستور ومعه كل من يطالب بالبدء بالانتخابات الرئاسية لا يخرج عن واحد من خمسة.:

أولا: جاهل قد يعذر بجهله وندعو له الله أن يغفر له بجهله أو بحسن ظنه أو بما حسبه اجتهادا وهو خطيئة.

ثانيا: مضَلّلُ كان فريسة لمن هو أذكى منه.

ثالثا: مضلِّل يخدع الناس وهو يعلم أنه يخدعهم وتحت هذا البند تتجمع طوائف عديدة من الليبراليين والعلمانيين والقوميين والعدميين والسكارى والشواذ.

رابعا: خائن من الثورة المضادة.

خامسا: قلة قليلة تعتقد صواب ما تقول في صدق مع النفس وهؤلاء لا تثريب عليهم وإن كنا ندعو لهم بالهداية والمغفرة.

***

ليس هناك أصناف أخرى..

وليس هناك أهداف أخرى.. فمن يرفض الاستفتاء أو من يدعو للتصويت" بـ:لا" إنما يرفض الثورة ويسعى إلى هزيمتها.. إما صراحة وإما مرضا في القلب....

الأمر أخطر من أن نزينه بالكلام.. وأن نخفف من بشاعة المناظر بالتلفيق والتزوير تماما كمن كانوا يخفون مقالب القمامة في موكب الفرعون بالأقمشة المزركشة..

لكن حظائر القمامة أصبحت هذه المرة حظائر مثقفين-كما سماها وزيرهم السابق- يتقمم فيها أدعياء الحرية والديمقراطية وهم لا يقبلون الحرية والديمقراطية أبدا ويحاولون الفرار منهما فرارهم من الموت..

الأمر أمران لا أمرا واحدا لكن أولهما هو المدخل لثانيهما..

الأول بقبول التعديلات 19 مارس من عدمه..

تأييد التعديلات يعنى الخروج من عنق الزجاجة والبدء في تحقيق مكتسبات الثورة..

ورفض التعديلات يعنى العودة إلى مرحلة مجهولة يمكن أن يضخ لنا الشيطان وعملاؤه وعبيده مبارك آخر..

ستظل يدي على قلبي حتى الموافقة على التعديلات..

المتلمظون كثيرون.. والذئاب كثيرة ووحوش الفلاة تنتظر ونحن أشبه بطائر يوشك على الطيران فإن طار نجا وإن سقط تلقفته الوحوش ومزقته شر ممزق.

يا قوم..

يا أمة..

لسنا في حالة طبيعية ولا نحن في الريفيرا أو في الساحل الشمالي أو في ذوات النجوم الخمس ننظر ثم نسكر ثم ندفع الـ(Minimum charge)

ونحن ندافع عن الشعب الفقير..

يا قوم.. يا أمة..

هل نستمع لهم لنعد دستورا جديدا ونناشد الجيش لكي يمكث حتى يجهزوا أنفسهم..؟

تلك حماقة وغباء أشبه بفريق طبي يجلس مسترخيا ليعد تقريرا طبيا وافيا لا ينافسه منافس.. ويضع خطة لعلاجه تضارع أكبر المعاهد العالمية.. ولقد حرصوا على أن تتسم دراستهم بالكمال مهما استغرقت من وقت.. ولكنهم للأسف نسوا المريض الذي مات قبل أن تنتهي مداولاتهم حوله..

مات المريض..

يا قوم..

عقرنا الذئب.. فمن واجبنا أن نخشى من كل الكلاب.

هل وضعنا الآن مريح ومطمئن؟أسأل مثقفي الحظيرة هل وضعنا الآن مريح وآمن حتى نطلب من الجيش أن يمده.. الجيش يقول لنا ستة شهور ثم أسلمكم زمام أنفسكم فتصرخون قائلين: نرجوك اجعلها عامين..

أوجه الكلام لكل واحد منكم يا قراء..

أنت في السجن وقد فُتحت لك ثغرة ومدوا لك سلما من الحبال..

هل ترفض الخروج لأنك مصر على أن يكون السلم من الرخام..

اهرب من المباءة حيث الخطر أقل وحيث الراحة أوفر وفرص القرارات الهادئة المدروسة طويل المدى أكثر..

اهرب..

حفروا لك ممرا آمنا وسط حقل الألغام الذي كان يوشك أن تدمرك..

هل ترفض مصرا على أن يفرشوا لك الممر الآمن بسجادة حمراء.. تبقى وسط حقل ألغام قد ينفجر فيك في أي وقت..

اهرب..اهرب قبل ألا تستطيع الهرب..

اهرب..

فما أكثر الذئاب التي تريد أن تعقرك والكلاب التي تنبح عليك والأفاعي التي تريد أن تلدغك والضباع التي تريد أن تنهشك ووحوش الفلاة التي في حياتك موتها وفي موتك حياتها..

اهرب من المكان..

ابتعد.. فهو غير آمن والظرف غير مستقر ومن يعضدك اليوم قد ينقلب عليك غدا..

***

استر عورتك أيها العاري.. قد جاءوك بملابس قليلة جدا رخيصة جدا لكنها تستر عورتك.. فأي لؤم أن ينصحك البعض ألا ترتديها؟! .. أي لؤم أن يقفوا ليقول لك أحدهم:

- - هل تخرج دون رباط عنق؟

- ويقول الآخر:

- لكن إيطاليا تصنع ملابس داخلية أنعم..!!

- ويقول الثالث متأففا:

- إياك أن تخرج قبل أن تأتيك الملابس الكاملة من أرقى بيوت الأزياء العالمية.

- أنت كمن يصعد الجبل بسيارة.. أي تردد سوف يجعل السيارة تنقلب وتسقط في الهاوية.

-

أيها الجائع الذي يكاد يموت من الجوع.. العطشان الذي تشقق حلقه من العطش.. ها هم قد جاءوك بكسرة خبز وجرعة ماء – والأحرى أنك أتيت بها لنفسك-..

فأي سفيه يصرخ فيك:

لا تأكل.. انتظر حتى يأتيك الطعام من مكسيم والمياه المعدنية من فيشي!!

أي سفيه..

أي سفيه..

أي سفيه..

أيها التائه في الصحراء يقولون لك أبشر قد وجدنا لك طريقا وإن كان وعرا فينصحك البعض:

انتظر حتى يرصفوه.-

أو كمن بلا مأوى يقولون له : تعال إلى هذا الكوخ فيأبى البعض موجهين له النصح: انتظر حتى نبني لك قصرا.

***

سوف ألزمكم الحجة وأوافق على كل ما تريدون .. لكن بشرط واحد..

هو أن تضمنوا ألا تتغير الأحوال..

فإذا لم تضمنوها فأنتم تريدون إذن من الناس أن يصبحوا مثل جحا الذي دفن المال تحت السحابة و مثل بطل فيلم:"طار فوق عش المجانين" الذي لم يفهم أنه عندما يدخل الإنسان تجربة فإنه لا يخرج منها كما دخلها وإنما يغير ويتغير.. لذلك تكون نتائج النهايات في أحوال كثيرة غير ما أرهصت به البدايات.

***

الأمر خطير وقد حشدت الثورة المضادة حشودها لتخوض معركة تراها هي معركتها الأخيرة.. ذلك أن الاحتكام لصندوق الانتخاب يعني الحكم عليها بالإعدام..

إنهم لا يطالبون كما يزعمون بديمقراطية أكثر أو بدستور أكمل.. إنهم يدّعون ذلك.. ويعلمون أنهم يكذبون وأننا نعلم أنهم يكذبون.. كما أنهم يطلبون مطالب مستحيلة.. لا بأمل تحقيقها.. ولكن من أجل نشر الفوضى.

إنهم باختصار شديد ضد الديمقراطية على طول الخط كما وصفهم المستشار طارق البشري.. وهم يريدون نظام آخر كنظام مبارك تماما يكونون هم فيه عبيده وأغواته ووزراءه وحاشيته وخصيانه.

***

إنهم يثيرون معركة كبرى من أجل ستة مواد في دستور مؤقت لن يستمر العمل به سوى ستة عشر أسبوعا..

إن كان هذا الصراع الملحمي من أجل ستة مواد فكيف كان يكون الصراع لو كان من أجل مواد الدستور كلها..

وكم يستمر..

عامان أو أكثر..

دعونا نكون أكثر صراحة..

الجيش في مكان القلب منا.. لكنه أبدا ليس مكان العقل ولا محل التفكير..

هل أمنتم ألا يفتن الله أحد ضباط الجيش؟

أو أن ينتقل إلى جوار الله أحد قياداته فيحل محله مفتون؟

أو أن ينجح انقلاب مدني أو عسكري..

أو أن تنجح الثورة المضادة المدعمة بكلاب الداخل وخنازير الخارج..

أو أن تفرض القوى الخارجية وضعا لا نتوقعه..

أو أن يحدث انهيار اقتصادي يجعل مواصلة الطريق نحو الديمقراطية مستحيلا..

أو أن تزيد معدلات الفوضى..

أو أن يعاقبكم الله بسفهائكم الذين يرفضون الاستفتاء؟!..

المطلوب فوضى يستطيعون النجاة فيها من كارثة مواجهة صندوق الانتخاب..

***

يا شبابنا..

الأرض التي نحن فيها الآن أرض قتل.. فاهربوا منها بأقصى سرعة..

المكان الذي نحن الآن فيه خطر .. فاهربوا..

اهربوا بأقصى سرعة..

استعملوا سلم الحبال حتى لو خدش أيديكم وأجسادكم..

فإن لم تفعلوا فلا تلومن إلا أنفسكم..

***

نريد أن نخرج من عنق الزجاجة كي نبدأ النجاح الحقيقي.. لنختار مجالس حقيقية لشعب حقيقي ثم رئيسا حقيقيا لا جلادا ولا لصا ولا وحشا ولا مصاص دماء..

وفي السبيل لهذا- عندما يوفقنا الله ويحظى الاستفتاء على التعديلات بالموافقة هو أن نختار ما بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية..

وهو اختيار قد يكون متاحا لسوانا..أما نحن فليس لدينا اختيار...

الأمر باختصار شديد يتلخص بين اختيارين لا ثالث لهما:

أولهما أن نأتي برئيس للجمهورية على هوى الشعب..

والثاني أن نصطنع شعبا على هوى رئيس الجمهورية.

نعم.. هذا هو الأمر بلا نقصان ولا زيادة

إن الأمر لا يتعلق بجدل فقهي أكاديمي.. بل بتجربة معاشة وتداعياتها الكارثية وبمجموعة عليها من الله ما تستحقه تريد إعادة إنتاج "مبارك" آخر بشرط أن يكونوا هم حاشيته وأدواته....

المخلصون حقا-مهما كانت انتماءاتهم- يعرفون أن ما نعانيه منذ ستين عاما كان بسبب طغيان رئيس الجمهورية الذي زور الإرادة الشعبية لذلك فهم يريدون رئيسا يصنعه الشعب

في النظام الرئاسي تعطى السلطة للرئيس ويتمكن من التأثير في البرلماني. أما في النظام البرلماني فيكون مجلس الشعب هو مركز السلطة أما الرئيس فيكون ضعيفا. في الظروف العادية قد يكون النظام الرئاسي أو المختلط أنسب لبعض المجامعات التي بلغ فيها المجتمع المدني درجة عالية من القوة والتماسك تمكنه من ردع الرئيس القوي إذا تجاوز(نيكسون ..مثلا) .. لكنه في حالتنا-غير الطبيعية-خيانة وجريمة...

المضلَّلون والمضلِّلون والخونة يريدون رئيسا للجمهورية أولا.. لأنهم يعلمون أنهم لا وجود لهم على الإطلاق بين الناس ولا ثقل لهم في صندوق الانتخابات.. إن أي انتخابات حرة ستقصيهم وتلقي بهم في الأغلب الأعم إلى مزابل التاريخ.. لذلك فهم يريدون بكل ما يستطيعون.. كمسألة حياة وموت.. ووجود وعدم .. أن يصنعوا الرئيس أولا ثم يدفعوه لكي يكون حزبا يكونون هم حاشيته وبقوة الرئيس وحزبه وبسيطرتهم على أجهزة الإعلام يستطيعون توجيه الناس وتضليلهم بل ويستطيعون إعادة الكرة لتزوير الانتخابات ماديا أو معنويا.

نعم.. إن رصيدهم في الشارع يقارب الصفر.. لكنهم يسيطرون على الإعلام.. لعن الله من منحهم السيطرة عليه.. ولذلك.. فهم يريدون التحرك في مجال قوتهم.. سينتخبون رئيسا عبر الإلحاح على اسمه في الفضائيات.. سوف يأتي وهو مدين بالفضل لهم.... وساعتها .. لن تكون مواجهة صندوق الانتخاب كارثة.. سيعود مأمونا .. كما كان خلال ستين عاما مضت.. وساعتها يهنأ الذين يرفضون الاستفتاء أو الذين سيصوتون بـ:لا أو يطالبون بانتخاب رئيس الجمهورية قبل انتخاب البرلمان..

***

لكم كان المستشار طارق البشري صادقا ونزيها وأمينا وهو يطرح التعديلات وتفسيراتها..

ولكم كان الأستاذ صبحي صالح واضحا وقاطعا وهو يفضح أولئك الذين في قلوبهم مرض فيقول أننا إذا بدأنا بانتخاب الرئيس تكون قد خلعنا الديكتاتور وتصبنا الإله!.. لأنه سيكون رئيسا بلا دستور وبلا مجالس منتخبة وبلا قانون وبلا مؤسسات وبلا أحزاب وبلا مجالس رقابية. ورئيس هكذا سيكون إلها يفصل البلد على هواه..

وهذا بالضبط ما يريده العلمانيون والليبراليون والشيوعيون والماركسيون والعدميون والشواذ( والواو هنا ليست حرف عطف فقط.. بل يمكن في أحوال كثيرة حذفها).

***

لأول مرة نكون قاطعين هكذا حاسمين هكذا ..

فما يحدث ليس اختلاف رأي..

إنه ما بين الخيانة وبين الخطأ الذي لا يقل في تداعياته عن الخيانة.

انظروا إليهم .. أولئك الهمج الهامج الذين يهاجمون بمنتهى القسوة والعنف الاستفتاء القادم والبدء بالانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية

دعنا من الصواب والخطأ..

دعنا من الحق والباطل..

دعنا من الحلال والحرام..

ما نريده فقط: قدرا قليلا من العقل.. من احترام عقول الناس.

ولو أن قائلا منهم قال أنه لا يثق في الشعب ولا يؤمن باختياراته وأنه ضد الديموقراطية أصلا فلن نصادر على ما يقول.. سوف نستوعبه ونناقشه وندحضه ونرد عليه. لكنه جبان لا يؤمن بالديمقراطية ولا يثق باختيارات الأمة ثم يزعم أن موقفه هو من أجل الديمقراطية واختيارات الأمة.

لقد انفجرت كل أعشاش الدبابير الخائفة من النار .. النار التي تطهر والتي تخرج الخبث من الحديد وتفصد من الجسد القيح والصديد.. وانزعجت خفافيش الظلام من النور الذي يكشف ويعري ويفضح.. فهذه وتلك تدرك أنها عند أي انتخابات حقيقية لن يكون لها أي قيمة.. هاجت هذه العناصر جميعا لتمنع الانتخاب.. ولتحاول إعادة صياغة طاغوت كمبارك. وليتهم يعترفون بأن هذا الانفجار ضد الاستفتاء على الدستور وضد الانتخابات البرلمانية كان من أجل أنفسهم. من أجل معرفتهم بأن الشعب لن يعطيهم صوته في أي انتخابات حرة. لكنهم لا يعترفون بذلكـ بل يزعمون عكسه.

تخيلوا أن يخرج زبالون أمام ماسبيرو.. وسكارى في التحرير.. ليتكلموا عن المادة الخامسة والثانية من الدستور.. والمادة 179 و183 و.. و.. و..

سكارى وزبالون و"عربيجة" هم الذين يقولون ذلك..

وهم لا يختلفون عن فرق البغال والحمير التي هاجمت الثوار..

كما أن من أرسلوا هؤلاء هم الوجه الآخر لمن أرسلوا أولئك.

***

لقد أعد مواد التعديل المطروحة للاستفتاء أساطين في الفقه الدستوري والقانون لا يستطيع عاقل أن يشكك في مكانتهم وعلمهم. لكن يخرج علينا أناس لا ينافسهم في ملكاتهم الفكرية إلا توفيق عكاشة ليتكلموا بازدراء شديد عن جهل طارق البشري.. المستشار الجليل طارق البشري.. العلامة المحايد الموضوعي الزاهد حقا طارق البشري.. يصمه بالجهل جاهل. ويكذب وهو يعلم انه يكذب كي يدلس على الناس، فيوهمهم بأن المستشار الجليل ارتكب جريمة كبرى، وأنه خدعهم. إنهم يقومون بالدور الذي يقوم به أي نصاب، حينما يوهمك ويغريك، فيأخذ مجوهراتك الحقيقية ويعطيك مجوهرات مزيفة.

***

باختصار شديد فإن أمامنا احتمالين: إما الإسراع بنقل السلطة من المجلس العسكري أو التباطؤ. إما أن يستغرق الأمر ستة شهور وإما أن يمتد لعامين.

إن خبرتنا القريبة المروعة المرعبة هي أن ضباط الجيش عام 52 كانوا زاهدين جدا في الحكم لكنهم بعد تفاصيل كثيرة استولوا على الحكم. أعترف بأن الوضع مختلف، وبأن الضباط الحاليين أنقى وأنظف. لكنهم بشر. ألا يخاف دعاة التأجيل من أن تتغير الظروف فيرفض العسكريون ترك الحكم؟.. أو أن تعم الفوضى فلا لا يصبح أمام العسكريين إلا الاستمرار؟..

الحقيقة أن مجموعة الليبراليين والماركسيين والقوميين والعدميين والعملاء تفضل حكم العسكريين عن حكم شخص يختاره الشعب بمحض حريته..

المحزن والغريب هو انضمام حزب الوفد إلى المجموعة التي ترفض الاحتكام إلى صندوق الانتخاب وإلى البرلمان..

الوفد.. الذي عاش أزهى عصوره في البرلمان يخشى البرلمان.. ويقول لا للاستفتاء ولا للنظام البرلماني.. ويريد مبارك آخر أو فاروق آخر بشرط أن يكلفه بالحكومة!..

كان هذا التصرف من الوفد محزنا وغريبا..

من الحزب الناصري كان الفعل محزنا لكنه لم يكن غريبا..

أما حزب التجمع فإن اتخاذ نفس الموقف منه لم يكن لا محزنا ولا غريبا.. بل إننا لن نندهش إذا انتخب واحدا كهنري كوريل أو حتى نتنياهو لحكم مصر!

وليس ذلك غريبا على مصر.. فيعص حلفاء التجمع قد طالبوا بذلك فعلا.

وهم كبعض خونة الأقباط يفضلون حكم نتنياهو إن كان صندوق الانتخاب سيأتيهم بإسلامي..

والأمر هنا لا يتعلق بمسيحي أو مسلم.. وإنما بكافر وخائن أيا كان ما يزعم أنه ينتمي إليه.

***

إنهم يلجئون الآن إلى كل الطرق لمنع الاستفتاء ثم انتخابات البرلمان..

لا يهمهم أن يحترق الوطن ما لم يكونوا حاشية الطاغوت فيه.

ومن أجل هذا فجروا – وسيفجرون المزيد- الفتنة الطائفية.

ساويرس.. تلميذ شنودة.. الطاغوت المماثل لمبارك.. أحد من يحرك الإعلام ويصنع الأخبار المتحيزة بأمواله.. ساويرس الذي تتركز اهتماماته-تماما كإسرائيل- بالاتصالات في العالم العربي.. وهو-وهم- لا يتورعون عن فعل أي شيء لمنع اللجوء المباشر إلى صندوق الانتخاب..

ولقد كتبت إلى صحفه التي يمولها وكتبت لها في فتنة كنيسة إطفيح أسألهم لماذا لم يذكروا كلام جورج إسحاق لقناة الجزيرة أن المسألة مبالغ فيها جدا وأن الكنيسة لم تمس وأن ما هدم بعضه هو دار مناسباتـ. ولقد قال نفس الكلام الدكتور عمار على حسن، لكن الصحف والفضائيات التي يمولها ساويرس تجاهلت هذا. ولم يكن ذلك غريبا. ما كان غريبا أن تتجاهل المحور ودريم والتلفاز الرسمي ذلك وأن تصب كلها في نهر الشيطان الذي يحاول أن يدفع الشعب المصري للاعتذار عن إسلامه. هل هو مجرد العداء للإسلام؟ هل هو القصور الذاتي بعد نظام فاجر؟ هل للمال دخل في ذلك؟.

لقد أصابني الفزع وأنا أراقب المتظاهرين أمام ماسبيرو. كان تركيز التلفاز المصري على ألفين منهم أو أقل آلاف أضعاف تركيزه على ستة ملايين ثائر.. نفس المنطق والمنهج المعادي للإسلام والذي يريد أن يعطي مصر وجها نصرانيا.. ومن ذلك بناء الكنائس أو التحويل غير الشرعي من منزل لكنيسة وهو أمر لا يجرؤ أي مسلم على فعله.. لقد كانت علاقة متظاهري ماسبيرو بالمسيحية كعلاقة حملة البغال والحمير بالإسلام. مجموعة جاهلة مسكينة مستأجرة وضعوا على ألسنتها كلاما لا يتناسب مع تواضع مظهرها.. تخيلوا عربجيا يفند التعديلات ببراعة أفّـاق من أقباط المهجر! لقد توقعت في النهاية أن يقدم لنا العربجي دراسة مقارنة بين القانون البابلي والروماني ثم يستشهد بسوفوكليس ويتحدث عن الماجنا كارتا ويسمع قوانين الأمم المتحدة التي يحفظها عن ظهر قلب.

كانوا النائحة التي استأجرها أقباط المهجر..

نائحة مستأجرة.. لكن المال جعل نواحها أعلى من النائحة الحرة!

ولم يكن ذلك وحده هو الذي أزعجني. كان ما أزعجني، وما يزعجني هو عملية الشحن التي تعرض لها هؤلاء المساكين في الكنيسة. لقد ضللهم كهنتهم وأقنعوهم بأنهم أصحاب البلاد وأن المسلمين غزاة. لذلك كان الغضب يكاد يدفعهم للانفجار.

لقد تورط الكهنة في قدر من الأكاذيب لا يكاد يصدق.. ولعلهم آمنون أن مقاليد الإعلام كلها في أيديهم فلن يجدوا من يكذبهم. ولقد كان من آيات ذلك ما تخرص به كبيرهم عن عدد النصارى.. وعن المسرحيات التي تمثل في الكنائس وعن زكريا بطرس.. أما أشد الأكاذيب غرابة فقد كان ما قاله القمص عبد المسيح بسيط الأستاذ بكلية اللاهوت، الذي نشرت له جريدة 'روز اليوسف' تصريحا أدلى به لزميلتنا ميرا ممدوح قال فيه: ' كاميليا زاخر ليست بالدير، وإنما بأحد دور الإقامة بالقاهرة، وحضرت المظاهرات أمام مبنى ماسبيرو، ولا صحة لما يشاع عن إسلامها، وهناك من يحاولون إجهاض مطالب الثورة والمكتسبات التي حققتها بالنسبة لملف المواطنة.

ويعلق حسنين كروم بخفة ظله المعهودة في القدس العربي قائلا:

وهذا الكلام شديد الغرابة ، لان واقعة كهذه لو كانت حدثت لكانت الخبر الأول لوكالات الإنباء والصحف، ولأظهرتها الكنيسة وركزت عليها، أولا لإثبات أنها غير محتجزة أو معتقلة في احد الأديرة، وثانيا لعمق إيمانها بالمسيحية.

والغريب أيضا أن يعترف بأنها في احد دور الإقامة، طبعا التابع للكنيسة، دون أن يوضح سببا لذلك.. ويسخر كروم قائلا:.

وكنت قد شاهدت بين المتظاهرين من أشقائنا الأقباط أمام التلفزيون واحدة منقبة فهل يا ترى، يا هلترى، تكون كاميليا حتى لا يتعرف عليها احد؟

ولماذا لم تظهر أيضا وفاء قسطنطين في المظاهرة ما دام قد تم السماح لكاميليا بالخروج من دار الإقامة حتى يتم حسم هذا الموضوع نهائيا.

وبصراحة هذا موقف غير مفهوم من الكنيسة، بل للأسف يعتبر عنادا وتشبها بعناد الرئيس السابق، على أساس أنهما كانا حليفين.

***

مظاهرات النصارى عند ماسبيرو وشغبهم الإجرامي في منشية ناصر والمقطم لم يكن فتنة طائفية ولا علاقة لها بكنيسة إطفيح بل خطة موضوعة لبث الفوضى والترويع وصولا لمنع الاستفتاء على أمل تغيير ما اتفق عليه عسى أن يستمر الجيش في الحكم أو يأتون برئيس على هواهم يقصي الإسلاميين كما أقصاهم نظام مبارك.

ولقد كتب عماد الدين حسين، وهو يعبر عن شكوكه في تحركات بعض الأقباط: ' ما هو ليس مفهوما بالمرة، هو موقف كثير من الإخوة الأقباط، سواء المعتصمين أمام مبنى التلفزيون في ماسبيرو، أو أولئك الذين يغلقون المحور عند ميدان لبنان حينا، أو طريق الأوتوستراد عند المقطم ومنشية ناصر أحيانا، لا ادري، هل يدرك هؤلاء ومن يحركونهم أنهم قد يدخلون التاريخ من أسوأ أبوابه، وقد يتذكرهم الناس بأنهم الذين حاولوا إفشال الثورة لمصلحة القوى المضادة المنتمية للعهد البائد.

ثم يواصل عماد قائلا:

ويدرك عقلاء الأقباط أن قادة كنيستهم قد تاجروا بالقضية القبطية، ورهنوا كل مطالبهم العادلة عند النظام البائد، وكانوا ألعوبة وأداة في يد الأجهزة الأمنية(...) وعلى كل قبطي أن يدرك أن رهانه على أجهزة الأمن يشبه عشم إبليس في الجنة. يا أيها الأقباط، مبارك رحل، والحزب الوطني احترق، وامن الدولة سقط، وليس أمامكم إلا التعاون مع الثورة والمشاركة في إنجاحها، أو فلتتحملوا مواجهة التاريخ.

***

في نفس المسار والسياق يندفع الحشاشون والسكارى فيتهمون السلفيين بالتمويل من الخليج الذي أشعل الثورة.

إنهم فروع من مباحث أمن الدولة..

نفس الإجرام والوحشية والخسة والكذب..

بل إنني أصر على القول أنه ما لم يكن هناك مثقف أمن دولة لما كان جهاز أمن الدولة قد توحش هكذا..

أحدهم كتب يقول: : 'انتبهوا أيها السادة لان بترول الخليج يستخدم أحيانا كوقود لإشعال باقي الأوطان، والذي يرى ما يفعله بعض السلفيين الآن بالوطن من محاولة تخريب الثورة يتحسر على أيام الإخوان، وعلى أيام مسلسل الجماعة الذي هو ارحم بكثير من مسلسل الحرائق، فهل ما يحدث له علاقة بتأييد إحدى دول الخليج لمبارك.

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..

هذا هو أبو جهل في طبعته الأخيرة المحدثة يعمل مثقف أمن دولة.. وسوف يأتي بعده أبي لهب كي يجعل من كلامه مرجعا يحتج به بعد ذلك.

إنه يستشهد بمسلسل الجماعة.. يستشهد به بعد أن تتالت الاعترافات النجسة أن مباحث أمن الدولة هي التي أمرت بإنتاجه..

أما وحيد حامد الذي طالما ارتدى قناع البطل.. الشريف.. النزيه.. النابغة.. العبقري.. الموهوب.. فقد سقط بكل أقنعته مع الجهاز الذي كان يوظفه: مباحث أمن الدولة.

ألم أقل لكم: أنهم مثقفو أمن دولة؟!

قدرة مذهلة على الكذب تجمع الليبراليين بالعلمانيين بالعدميين ولكن العجيب أن ينضم إليهم بعض الكهنة.

.***

ولقد كانت دهشتي عظيمة من أولئك الذين لا يكفون عن الحديث عن الدولة المدنية.. وعندما قال الإسلاميون أن الدولة التي يدعون إليها دولة مدنية لها مرجعية إسلامية أصروا على تكذيبهم بل وعلى الاعتراف عليهم بالباطل أنهم أقروا واعترفوا بأنهم يريدون تأسيس دولة دينية. أصروا على موقفهم هذا..

ولم ينبح منهم نابح عندما قال شنودة أن مرجعه الوحيد هو الإنجيل وأنه سيحارب لتطبيقه ( ولم يكن الإنجيل مرجعه بل كان تفسيره هو له والذي يختلف معه فيه الكثيرون من النصارى.

***

لقد بكيت انفعالا وتأثرا وحنانا من الموقف الرائع المذهل لبعض المسيحيين إبان الثورة وهو موقف رواه لي أحد تلاميذي من الثوار..

كان المسلمون قد اصطفوا للصلاة.. وكان المسيحيون يحمون ظهورهم.. وجاءت سيارات الإرهاب المركزي تقذف بالماء على الثوار وهو يسجدون.. وهنا حدث موقف لا ينبغي على التاريخ أن يغفل عنه أبدا.. موقف يؤكد أننا في رباط إلى يوم القيامة.. وأن النصارى في ذمتنا وقلوبنا إلى يوم القيامة.. لقد اندفع النصارى الذين كانوا يحمون ظهور المسلمين ليسجدوا معهم ولتغرقهم المياه معهم..

موقف من التوحد المذهل..

والمؤاخاة المذهلة..

يا أللـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــه..

يا أحبائي وإخوتي وأبنائي..

...

ولكن نهاية الحكاية تحوي بعض الكدر..

لقد كان هؤلاء النصارى من الإنجيليين..

أما معظم أتباع شنودة- إلا من رحم الله- فقد كانوا في الجانب الآخر.. جانب مباحث أمن الدولة ومثقفي أمن الدولة.. جانب الثورة المضادة.. جانب الطاغوت.

***

عفوا..

لكنني قلت لكم من البداية أنني سوف أحطم قوانين البلاغة، ولن أحترم فنون المقال القاضية بحسن الختام بعد ببراعة الاستهلال.. وبنفس المنهج سوف أواصل على الفور بما قد يثير استياء القارئ ..

***

أعترف أن كراهيتي لنظام الحكم السابق لا تفوقها إلا كراهيتي للشيطان.. ولو تركت القلم لانزلاقاته وهواه لقلت أنني أبغضهم أكثر من الشيطان..

حتى هنا لم أصدم القارئ..

أما ما أصدم القارئ به فهو أنني لست سعيدا بالتنكيل بهم ولا بالشماتة فيهم.

على العكس.. أنا حزين. وحزين جدا..

إنني عنيف كأقصى ما يكون العنف ضد الطاغوت طالما في يده سلطة. فإن تجرد من سلطته لم يعد له في قلبي إلا بقايا كراهية أكبحها وبعض ازدراء وكثير من الرثاء..

لشد ما ولطالما كتبت –على سبيل المثال- عن مبارك قبل أن يسقط.. فلما سقط انتهت الخصومة بيني وبينه.. حتى أنني قلت لنفسي: لو كنت محاميا لقبلت وكالته للدفاع عنه.. لا لكي يهرب من القانون بل لكي أنصره ظالما برده عن ظلمه.. ولكي أتوسل إليه أن يتوب توبة نصوحا بشروط التوبة النصوح.

لقد أبغضته أكثر مما أبغضت أي شخص آخر.. لكنني أرفض إهانته أو الشماتة فيه.. وكذلك أضلاع حكمه المدنسون..

***

لكن هذا الإشفاق والازدراء لا يسري على مباحث أمن الشيطان.. لأن أفعالهم الشيطانية ما تزال مستمرة.. حتى بعد إلغاء جهازهم.. وحتى هم أبغضهم كمنهج مستمر.. كشر متأصل ودنس لا يمكن تطهيره إلا باقتلاعه من جذوره.. بإعدامه..

أقصد إعدام المنهج.. أما الأفراد فبيننا وبينهم القانون.. القانون الذي يجب أن يطبق بكل حسم وحزم وصرامة.. بعيدا عن دائرة عادل عبد السلام!!

وعندما يخضعون للقانون سوف أرثي لهم.. كيف تخلوا عن بشريتهم ليصبحوا وحوشا وحيوانات مفترسة.

كيف تبلغ حماقة الإنسان أن يخير فيختار أن يكون كلبا شرسا لا بشرا..

كيف؟!

إنني ضد الطواغيت ماداموا طواغيت.. فإذا كفوا عن أن يكونوا طواغيت ليصبحوا من المبتلين كففت عنهم.

وليس معنى هذا أنني أطالب بأي نوع من الرحمة بهم أو العفو عنهم.. لا.. بل ينبغي أن يكونوا عبرة.. لا نكاية فيهم.. ولا تلذذا بتعذيبهم.. وإنما ردعا لمن يأتي بعدهم.

ما أحرص عليه ألا تهان كرامتهم..

إن الكرامة الإنسانية لا ينبغي أن تهان أبدا.. مهما كان السبب.. هي منحة الله لنا.. وليس من حق أحد أن يهينها.. بل إنني أصل.. إلى أن من يهين هذه الكرامة إنما يرتكب كبيرة من الكبائر.. لقد خلق الله الإنسان وكرمه .. ولقد عامل المصطفى خصوم الإسلام كما لم يعامل قائد منتصر خصومه.

ذلك أن حقوق الإنسان في الإسلام منح إلهية لا تقبل الإلغاء أو التبديل أو التعطيل.

إن مجرد السباب منهي عنه.. كما أن الغيبة كبيرة من الكبائر فكيف بما يفوقها آلاف المرات.. كيف بالقهر والكذب والتزوير والتعذيب والترويع..

إن السخرية أيضا محرمة.. فكيف بالتلفيق والتحقير والتشهير..

لقد كرم الله الإنسان وليس من حق أحد إهانته. لقد أعطاه الله حقوقه وليس من حق أحد أن يسلبها منه. وهي حقوق شاملة لكل أنواع الحقوق، سواء الحقوق السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية.. كما أن هذه الحقوق عامة لكل الأفراد الخاضعين للنظام الإسلامي دون تمييز بينهم في تلك الحقوق بسبب اللون أو الجنس أو اللغة.

***

ليس من حقنا إذن أن نهين مبارك أو العادلي أو حتى أحمد عز..

ربما لا أنكر هدم الطواغيت الباقية حتى يتحولوا من طواغيت إلا مبتلين.

فلنحاكمهم..

ولنصل إلى أقصى حدود الدقة والحسم والحزم والصرامة..

وليصدر الحكم بسجنهم أو بإعدامهم شنقا أو حتى بقطع رقابهم.. لكن دون إهانة..

لقد كان البعض سعيدا ومنتشيا وهو يتحدث عن إهانة رموز الفساد المسجونين.. عن قص شعرهم وتعفيرهم بالبودرة الواقية من القمل والبق بل وعن التحرش الجنسي ببعضهم..

وكنت حزينا..

هل يتغير العدو ويبقى المنهج كما كان؟

انظروا إلى ما فعله سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بالمشركين الذين فعلوا به وبصحبه الكرام رضوان الله عليهم الأفاعيل عندما مكنه الله منهم..

هذا هو الفارق بين منهج الإسلام ومنهج الكفر..

أين بصمة الإسلام علينا.. وأين أخلاقه فينا.. أم أننا استبدلنا أوثانا بأوثان أخرى..

سوف نسب مبارك كما سببنا السادات وعبد الناصر ومحمد نجيب وفاروق وأحمد فؤاد..

نفس السباب .. وكأننا في حلبات المصارعة الرومانية أو أروقة محاكم التفتيش حيث الهمجية والوحشية والقسوة والتلذذ بعذاب البشر.

الإسلام غير هذا..

الإسلام غير هذا..

الإسلام غير هذا..

***

ولا يحسبن القارئ أن هذا شعور طارئ أصابني عندما تقدم بي العمر ووهن العظم واشتعل الرأس شيبا..

فمنذ ثلاثين عاما كنت أخوض معركة فساد كبرى.. وكانت معظم الصحف تهاجمني وعلى رأسها صحف سمير رجب.. ويوم إلقاء القبض على الطرف الآخر أرسل إليّ سمير رجب يقول أنه سيفرد لي في عدد اليوم التالي صفحتين كاملتين أقول فيهما ما أشاء.. ونظرت إلى الصحافي الذي كان يتوقع أن أطير من الفرح في إشفاق وأنا أقول له:

- - يا مسكين.. أنا من مدرسة سيدنا علي رضي الله عنه.. ما دام خصمي قد سقط فإن خصومته تسقط على الفور.. وأكف عنه.. بل وأدعو الله أن يخفف عنه ويرحمه.. إنني ضد الفساد ولست ضد الفاسد نفسه.. بلا إنني لا أكف عن الدعاء له بأن يهديه الله ويرحمه ويتجاوز عن سيئاته.

نفس الإحساس أحسست به- وهو منشور في هذه المجلة- عندما انتشرت شائعة عن موت مبارك، أنا نفسي توقعت أن يستبد بي الفرح.. لكنني فوجئت بمدى حزني لأنه مات قبل أن يتوب.

***

الوجه الآخر لهذه المشاعر هو المحاكمة العادلة الحازمة مهما كانت نتائجها.. حتى لو قضت المحكمة العادلة –التي لا تملي عليها مباحث أمن الدولة الأحكام- برجمهم فسوف نرجمهم دون ندم مترحمين عليهم في الوقت نفسه ترحم الرسول صلى الله عليه وسلم على الغامدية..

***

نحن إذن ضد التحقير والإهانة ومع تطبيق شرع الله والمحافظة على كرامة كل نفس وشعارنا:

أليست نفسا؟!.

وفي الوقت نفسه.. ودون أي تناقض.. فإن علينا أن نواجه الطواغيت الخفية. علينا أن نواجهها بغلظة.. أن نكشف عوراتها ووسائلها في التضليل.. تلك الطواغيت التي تتسربل بمسوح القديسين ولكنها تفعل أفعال الشياطين..

ولقد كنت مستعدا تماما لتقبل أخطائهم لو كانت نتيجة اجتهاد يؤجرون عليه أجرا لا أجرين..

لكنهم يكذبون.. ولا يكفون عن الكذب أبدا.. بمنتهى الاحتقار للناس.. بمنتهى الكيد والخسة والخديعة.. إن أخطاءهم ضد الأمة مزدوجة.. مرة لأنها أخطاء ورزايا.. ومرة أخرى لأنهم يحاولون إقناع الأمة أن خداعهم لها إنما هو تضحية لأجلها..

***

إننا نواجه طاغوتا انتهى خطره يستحق رثاءنا.. وطاغوتا خفيا ابتدأ خطره يستحق كشفنا ..

والحقيقة أن الأمر أخطر من أن أتركه دون بيان..

فالطاغوت الأول يمثله ويقوده حسني مبارك..

والطاغوت الثاني يمثله ويقوده يحيى الجمل..

وهو ليس فردا.. إنما قائد كتيبة مهمتها الرئيسية محاربة الإسلاميين وعدم تعيينهم في أي منصب قيادي..

إنه ملكي أكثر من الملك..

مسيحي أكثر من شنودة..

وهو يطالب بإلغاء المادة الثانية من الدستور.. بينما شنودة حذر أتباعه من المطالبة بإلغائها..

إنه هو الذي اختار خليفة فاروق حسني.. وهو على شاكلتهما..

أبعد المثقفة الحقيقية –رغم الاختلاف –سكينة فؤاد وأتي بأبي غازي وله من اسمه نصيب...

يحيى الجمل جاء بخطة معادية لإسلام.. ولأن الأمة مسلمة فهو ضد الأمة.. ولأنه ضد الأمة فهو ضد صندوق الانتخاب.. ولأنه ضد صندوق الانتخاب فهو يحاول البدء بالانتخابات الرئاسية. إنه يريد صناعة مبارك آخر، أيا كان اسمه، ينشئ حزبا وطنيا آخر أيا كان اسمه، سيلتف حول الرئيس كل من هم ضد الأمة، كل من يعلمون أن صندوق الانتخاب سيقصيهم. سيكونون حاشيته. سيمتلكون الصحافة والإذاعة والتلفاز ليشوهوا وعي الأمة وليزيفوا أصواتها بالتزوير المادي والمعنوي. إنهم كالطاغوت المجرم يرون الأمة قاصرة. ويرونها غير مؤهلة لاختيار مباشر لمن يحكمها فيريدون أن يتم ذلك من خلالهم.

إن يحيى الجمل هو استمرار لحملة اليسار الباطش الديكتاتوري المتحول من أحضان روسيا إلى أحضان أمريكا وإسرائيل .. تلك الحملة الموشاة بالكذب الأنيق و التي تواجه الإسلام منذ ستين عاما.. ومهما ادعت هذه الحملة فهي تصب في النهاية في مصلحة أمريكا وإسرائيل..

مشكلة يحيى الجمل أن ملامحه بريئة جدا وتدعو للثقة لا للشك.. للتصديق لا للتكذيب..

إنه يذكرني بضابط أمن الدولة المجرم قاتل كمال السنانيري عليه رحمة الله.. ولقد روى لي أحد أصدقائي كيف كان هذا الضابط يعذبه. كان صديقي يقيد راقدا وهم يمارسون عليه أقسى صنوف العذاب من حرق وصعق وجلد. وكان الطاغوت المجرم يجلس إلى جواره يقرأ الصحف ويشرب النسكافيه ويطفئ سجائره في جسده.. وكل آن وآخر يقرأ له خبرا طريفا عن ممثلة أو فيلم وهو يقول له: ألا ترى كيف أسليك بنفسي.. أرجو عندما تخرج ألا تشهر بنا كأصحابك.. ها أنت ترى كم يداعبك الشباب ويهتمون بك ويدللونك. لكن.. على أي حال لا بأس.. لأنك لن تخرج أبدا!.

وفي إحدى المرات ظلوا يلوون ساقه ويضغطون عليها والخبير الأمني الشهير-الذي لا تكف الفضائيات عن استضافته- يمازحه وهو يصرخ حتى انكسرت الساق.. والمجرم يقول له: هكذا أنتم أيها المعتقلون..إما أن تكذبوا وإما أن تبالغوا.. هاهي ساقك سليمة.. ومد المجرم يديه يحرك بها العظام المكسورة والضحية يصرخ والجلاد يقول لها ألم أقل لك أنها سليمة؟

كان التناقض يذبح صديقي.. تماما كما يذبحنى أداء يحيى الجمل.

لكن الذنب ليس ذنب يحيى الجمل .. وإنما ذنب من أتى به..

وثمة سؤال يوجعني أوجهه لمن أحبهم وأحترمهم..

للمجلس الأعلى للقوات المسلحة..

لماذا تستعينون بأعدائكم.. ؟!

لماذا تصرون على استبقاء الطابور الخامس في مؤخرات صفوفكم..؟

لماذا لم تقيلوا المحافظين والمجالس المحلية ورؤساء الجامعات..؟

لماذا لم تحلوا الحزب الوثني؟..

لماذا أمّنتم القلب وتركتم حشود الأعداء تحتل كل ما حول القلب فلا تكف عن قصفه وبلبلته وتوجيه الصواريخ والسهام إليه..

لماذا تركتم- وما زلتم – تتركون البغال والحمير تواجه الثوار وتحاول سرقة ثورتهم.

لماذا لم تكونوا أكثر حزما مع النصارى المعتدين وبلطجيتهم .. لقد استمرءوا أن الأمن كان في صفهم دائما أيام الطاغوت فلماذا يستمر قهر المسلمين.

لماذا تتركون خطوط الثورة المضادة مفتوحة تنال منكم طول الوقت؟

لماذا؟

لماذا أتيتم بلجنة عظيمة لتعديل بعض مواد الدستور ثم تركتم الإعلام بهيكلة القديم الخائن يمزقها ككلاب مسعورة دون أن يتاح لها حق الرد المتكافئ؟ لأن الميزان معوج. ميزان المحسوبية والنفاق والإجرام.. ميزان خيري وتامر!!

لماذا..

لماذا..

لماذا..

لقد قال هيكل عن وجود مبارك في شرم الشيخ أنه بؤرة للثورة المضادة..

أما أنا فأقول إن البؤرة هي يحيى الجمل..

فلماذا أتيتم بيحيى الجمل..

لقد طلبتم من الثوار أن يثقوا فيكم..

وهو طلب لم يطلبه الصديق ولا الفاروق من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.. بل طلبوا منهم أن يقوموا الاعوجاج ولو بالسيف

فهل أكون مخطئا إذا ضننت عليكم بالثقة المطلقة..

وهل أكون مخطئا رغم حبي لكم وثقتي المشروطة فيكم إن لعبت بي الهواجس؟.

لكن هذا هو موضوع المقال القادم إن شاء الله..
_المصدر:موقع الدكتور محمد عباس

إرسال بالبريد الإلكتروني كتابة مدونة حول هذه المشاركة. المشاركة في Twitter المشاركة في Facebook المشاركة في نبضات Google

هناك تعليقان (2):

  1. جزاك الله خيرا على المقال، ولكننا فى وقت نحتاج فيه إلي خير الكلام ما قل ودل
    المقال إينعم يفضح الكثير منهم ولكن ما نحتاجه الآن سرعة تنبيه الأمة لعدم الأنخداع بكلمات قصيرة وواضحة كما قال صبحي صالح، سنكون كمن عزل ديكتاتور ونصب أله
    كل ما ندعو الله به الآن هو توضيح الأمر لمن خفي عليهم من الشباب المندفع
    اللهم ولي علينا خيارنا ولا تولي علينا شرارنا
    اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منها

    ردحذف
  2. و جزاك يا أخي الحبيب و لكن هناك أمور يجب الصبر فيها و الوصول الي أعماقها حتي يصل المفهوم لكل إنسان ، و نكون قد أعذرنا بتوضيح الحق من الباطل ، و من يريد الحق يجب علية الصبر و الثبات في إظهاره و تقويته

    ردحذف