عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الاثنين، 30 مايو 2011

الأقباط واحتلال الشارع.. 8 أخطاء وحسنة واحدة

الأقباط واحتلال الشارع.. 8 أخطاء وحسنة واحدة
مصطفى عياط

خلال أقل من شهر نزل مئات الأقباط إلى الشوارع عدة مرات؛ احتجاجًا على ما اعتبروه ظلمًا لَحِق بهم، وشكل اعتصاما ماسبيرو الأول والثاني أبرز هذه الاحتجاجات، لكن ما بين الاعتصام الأول في مارس الماضي والاعتصام الثاني في مايو الحالي، كان المشهد مختلفًا إلى حدّ كبير؛ ففي الأول كان هناك تعاطف واسع مع المعتصمين، وشاركهم الاعتصام مئات المسلمين، في حين أن الاعتصام الثاني كان محل انتقاد الكثيرين، حتى من الأقباط أنفسِهم، لدرجة أن البابا شنودة وجَّه رسالة حادة إلى المعتصمين، محذرًا فيها من أن "صبر الحكام عليهم قد نَفَد".

فما الذي تغيَّر بين مارس ومايو؟ بداية فإنه لابدَّ من الإشارة إلى أن خروج الأقباط من "جيتو الكنيسة" ونزولهم إلى "شوارع الوطن" هو شيء إيجابي، حتى لو أن هذا النزول شابه الكثير من الأخطاء، فالنزول إلى الشارع هو نوع من ممارسة السياسة، والسياسة هي فنّ الممكن، وهذا الممكن لا يتحقق إلا بالحوار والتفاوض، والحوار يعني أن تتكلم وتنصت، والكلام مهما كان- في البداية- ساخنًا وصاخبًا، فإنه مع الممارسة يصبح أكثر هدوءًا وفائدة، بما يجعل كلا الطرفين يدرك في النهاية أنه لا جدوى من الصدام، ولا بديل عن الحوار.

سلفيون وأقباط

وعلى سبيل المثال، فإن المتابع للخطاب السلفي عقب أحداث إمبابة وحتى الآن، يدرك أن السلفيين أوشكوا على الوصول إلى تلك النتيجة، فبعدما تبنت بعض الأصوات السلفية خطابًا زاعقًا وتصادميًا عقب الأيام الأولى لنجاح الثورة، ووقعت في الفخّ الذي نصبته لها بعض وسائل الإعلام، إضافة إلى وجود خلل فيما يتعلق بترتيب الأولويات لدى بعض السلفيين، فإن توالي الصدامات جعل السلفيين يعيدون حساباتهم، ويجنحون أكثر إلى الفعل المنظم، بدلًا من "رد الفعل" العشوائي الذي أوقعهم في كثير من المشاكل، ونسب إليهم الكثير من التُّهم التي كانوا براء منها، لكنهم للأسف وضعوا أنفسهم "محل شبهة"، فكال لهم الجميع الاتهامات بالحق والباطل.

أما بالنسبة للأقباط، فإنهم مازالوا في مرحلة "ردّ الفعل" العشوائي، ورغم جهود البعض للانتقال لمرحلة "الفعل المنظم"، مثل رجل الأعمال نجيب ساويرس، الذي ينشط للترويج لحزبه الجديد، إلا أن الغالبية العظمى ما زالت تلتزم "مقاعد المتفرجين"، تاركةً خشبة المسرح لقلَّة تتحرك في الشارع باسم الأقباط، وللأسف فإنّ هذه القلة ارتكبت الكثير من الخطايا، التي يمكن إيجاز أبرزها في الآتي:

** الخطأ الأول: التحرك على أرضية طائفية: كان لافتًا في جُلِّ الاحتجاجات التي نظمها الأقباط أنها كانت طائفية التوجُّه والشعار، ورغم أن مسلمين شاركوهم في معظم تلك الاحتجاجات، إلا أنّ رفع الصلب وترديد الهتافات الطائفية كان هو الطاغي، بل ووصل الأمر إلى استفزاز الآخر، والسعي للصدام معه، مثل شعار: "السلفية فين.. الأقباط أهم".

وفي المقابل، فإنّ التحرك على أرضية وطنية، والسعي لاستقطاب شركاء الوطن، خاصة أنّ الأجواء عقب الثورة مهيأة تمامًا لذلك، كان سيمنح مطالب الأقباط- وبعضها عادل ومنطقي- قوةَ دفعٍ، ويرفعها لدرجة المطالب الوطنية، وللإنصاف فإن نجيب ساويرس كان مدركًا لهذا الأمر، وقام بزيارة لشيخ الأزهر، ليفوضه في الحديث باسم الأقباط، وهي لفتة يمكنها، لو تَمّ البناء عليها، فتحُ كثير من الأبواب المغلقة.

** الخطأ الثاني: طلب الحماية الدولية: وصل الأمر ببعض المتظاهرين الأقباط لطلب الحماية الدولية، واعتصم بعضهم أمام السفارة الأمريكية طالبًا تدخلها لحماية الأقباط، ورغم أنّ هذا المطلب تبنته أقلية هامشية، إلا أنّ التنديد به من جانب قيادات الكنيسة ورموز الأقباط لم يكن بالقوة المطلوبة؛ بل إن البعض حاول استخدامه للمساومة والحصول على تنازلات أكبر، ويلاحظ هنا أن بعض أقباط المهجر المؤيدين لهذا الأمر يرددون دومًا أنهم مفوَّضون من غالبية الأقباط، دون أن يصدر نفي قاطع لهذا الجرم الوطني.

** الخطأ الثالث: العزف على نغمة ظلم مبارك لهم: من المؤكد أن الأقباط، كجزء من الوطن، نالهم جزء من "ظلم آل مبارك"، لكنهم- بكل تأكيد- لم يكونوا الطرف الأكثر اضطهادًا وتضررًا خلال تلك الحِقبة، ولعل لافتات تأييد ومبايعة مبارك، وحتى نجله، التي كانت تغطي الكنائس والأديرة مع كل موسم انتخابي، تؤكّد ذلك، خاصةً أننا لم نسمع أي أصوات قبطية ذات وزن، سواء من داخل الكنيسة أو خارجها، تحتجُّ على هذا التأييد، إلا نفرًا قليلًا، مثل جمال أسعد وجورج إسحق ورفيق حبيب.

أما الغالبية العظمى فكانت مؤيدة ولو بالصمت، ولذا فإنه من المستفز للكثيرين أن يروِّج الأقباط لأنفسهم كمضطهدين، في حين أن من استبعدهم نظام مبارك مِن تقلُّد أي وظيفية كبيرة أو صغيرة، من الإسلاميين، يفوق بأضعاف من استُبعدوا لكونهم أقباطًا، ولذا فإنه لو جاز لطرف العزفُ على نغمة الظلم لكان الإسلاميون، إخوانًا أو سلفيين، الأحق بذلك.

** الخطأ الرابع: الترويج لأكذوبة الاضطهاد التاريخي: ليس مستغربًا أن يتحدث بعض أقباط المهجر عن اضطهاد الأقباط تاريخيًّا على يد المسلمين، فهذه هي البضاعة التي يجنون من ورائها ملايين الدولارات من جماعات التنصير واليمين المسيحي في الغرب، لكن أن يتبنّى بعض رجال الكنيسة هذه الأكذوبة، ويروِّج لها أقباط يعيشون بين إخوانهم المسلمين، فذلك مرفوض ومستفزّ ويقود لنتائجَ عكسية.

فمثلًا عندما طلب القمص متياس، قائد اعتصام ماسبيرو، فضَّ الاعتصام، معددًا المكاسب التي ربحوها من ورائه، اختتم حديثه للمعتصمين بالقول: "إن الحقوق التي سُلبت منهم على مدار 14 قرنًا، لن تحل خلال 14 يومًا"، ومثل هذه الأفكار تثير الفتنة أكثر مما تخمدها؛ لأنه بكل بساطة لم يكن الأقباط يومًا من حمَلة السلاح أو أقلية قاهرة، وكل ما تحت أيديهم من ثروات وكنائس ومناصب، كان عن طيب خاطر من المسلمين، وليحاول بعض الأقباط الذين يتحدثون عن الاضطهاد تصور ماذا سيكون حالهم لو صدرت مثلًا فتوى من الأزهر بتحريم البيع والشراء من الأقباط؟ ورغم أن ذلك لا يندرج تحت بند الاضطهاد، إلا أن شريعة الإسلام لن تقبل به، وسيكون الأزهر أول من ينتفض لرفضه.

** الخطأ الخامس: التلاسُن الطائفي مع تيارات إسلامية: شهد اعتصام ماسبيرو الثاني الكثير من اللافتات التي تهاجم السلفيين، بل إنّ القمص متياس اعتبر القبض على بعض السلفيين كأحد مكاسب الاعتصام، وشهدت هتافات المعتصمين هجومًا شديدًا على السلفيين، وهذا الأمر لا يصبّ في صالح الأقباط على الإطلاق، بل يصب الزيت على النار، فربما يكون للأزهر ولكثير من المسلمين، حتى من شيوخ السلفيين أنفسهم، تحفظات على تصرفات بعض المحسوبين على السلفية، لكن ذلك ليس من شأن الأقباط، وإذا كان أحد السلفيين قد اعتدى على قبطي مثلًا، فالأمر يخضع للقانون، باعتبار كلا الطرفين مواطنًا، وليس من شأن القبطي أو السلفي، تصنيفُ الآخر على أساس ديني، وإذا كان الأقباط يرفضون أن يتعرض أحد بسوء لقساوستهم، فالأمر بالمثل بالنسبة لمشايخ المسلمين.

** الخطأ السادس: الازدواجية في التعامل مع "دولة القانون": رغم أن معظم الأقباط يتحدثون عن "دولة مدنية"، إلا أنه عند التطرق لـ"سيادة القانون"، باعتباره عماد الدولة المدنية، تفاجَأ بأن بعض الأقباط يعتبر "الكنيسة فوق القانون"، فمثلًا نجيب جبرائيل، المستشار القانوني للبابا شنودة، يطالب دومًا بتطبيق حكم المحكمة الإدارية العليا، الذي يتيح تغيير الملة، لكنه يتجاهل حكمًا آخر للمحكمة نفسها يطالب الكنيسة بتزويج من حصلوا على أحكام قضائية بالطلاق، وتتحجج الكنيسة بأن "الإنجيل فوق القانون"، وهو منطق خطير، ويفكك مفهوم الدولة بأكمله؛ لأنه يوجد الكثير من اللوائح والقوانين التي لا تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، ومع ذلك يلتزم بها المسلمون، حتى لا تتحول الدولة إلى فوضى.

ويندرج تحت تلك الازدواجية المسيحيات اللاتي أسلمن وتحتجزهن الكنيسة، والكنائس التي تقام بدون تراخيص، والمنازل التي تتحول فجأة إلى كنائس، وأيضًا بدون ترخيص، وآلاف الأفدنة التي تستولي عليها الأديرة، رغم أنها من أملاك الدولة، مثلما حدث في دير أبو فانا ودير وادي النطرون، فكل هذه مخالفات قانونية لا تليق بحق الكنيسة.

** الخطأ السابع: افتراض الطُّهر وشيطنة الآخر: رغم أن الأحداث الأخيرة في إمبابة شهدت سقوط عدد متساوٍ من القتلى المسلمين والمسيحيين، كما أن هناك اتفاقًا بين شهود العيان على أن التصعيد بدأ مع قيام صاحب مقهًى قبطيٍّ بإطلاق النار على المسلمين المتجمهرين أمام الكنيسة، إلا أن بعض الأقباط يصرُّ على "شيطنة" طرف، وافتراض "الطهر الكامل" في الطرف الآخر، بل إن البعض لديه من البجاحة ما يكفي ليؤكد أن التجمهر أمام الكنيسة يعدُّ مبررًا كافيًا لإطلاق النار، مع أن امتلاك السلاح أصلًا غير قانوني، إضافة إلى ذلك يتجاهل عقلاء الأقباط حتى الآن أي إشارة لكون الفتاة التي أشعلت شرارة الأحداث، كانت محتجزة بالفعل في مبنى ملاصق وتابع للكنيسة، مع الإقرار بأن صحة ذلك لا يبرر لأي شخص أن يتجمهر حول كنيسة أو دير ويطلب تفتيشه، فذلك شأن خاص بالدولة وحدَها.

** الخطأ الثامن: الحديث بمنطق المكسب والخسارة: يمكن للأقباط، كما فعل غيرهم من عمال وطلاب وأصحاب مظالم، أن يجنوا مكاسب من احتلال الشارع، لكن التعايش الصحي مع شركاء الوطن لا يستقيم مع منطق "المكسب والخسارة"؛ فالقوانين تحدّد المباح والمحظور، إلا أنه في إطار المباح توجد أساليب وممارسات لا تقل سوءًا وظلمًا عن هذا المحظور، كما أن منطق "المكسب والخسارة" سيجري الطرف الآخر إلى اللعبة نفسها، وبحسابات الثِّقل والمصالح، فإن النتيجة بكل بساطة لن تكون في صالح الأقباط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق