عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الجمعة، 6 مايو 2011

ما الفرق بين مفتي مصر ومشايخ الفضائيات

ما الفرق بين مفتي مصر ومشايخ الفضائيات


أبو محمد الأزهري
أضيفت بتاريخ : : 06 - 05 - 2011
نقلا عن : خاص بموقع طريق الإسلام




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين:

إنه مما لاشك فيه أن الأزهر الشريف - زاده الله شرفًا - قلعة من قلاع العلم، لبث خمسمائة سنة من عمره وهو منار العلم في الدنيا؛ لولا أن الله - عز وجل - قدره لتاهت في ظلمات الجهل.


كان مشايخه ملوكًا، لا أمر فوق أمرهم، ولا كلمة بعد كلمتهم، إذا قال واحدهم لبَّت الأمة، وإذا دعا هبَّ الشعب، وإذا أنكر على الحكومة منكرًا أزالت الحكومة المنكر، وإذا أمرها بمعروف أطاعت بالمعروف، فكانوا هم السادة، وهم القادة، وهم أولو الأمر.

وكان الشيخ الأزهري موقَّرًا في الجامع وفي البيت وفي السوق، ومبجلاً عند الطلبة والعامة والحكام، وكان أقصى أمل الطالب أن يخدم الشيخ، وأن يحمل له نعله.

وكان الطالب الأزهري المجاور يذهب إلى بلده في العيد أو في الإجازة، فيستقبله الناس استقبالاً باهرًا، ويشم فيه عَبَق الأزهر، ويكون المرجع لأهله، ويكون فقيههم والحاكم بينهم، ولا اعتراض عليه؛ لأنه يحكم بشرع الله، ويُبيِّن حكمه في فتواه.


لكن ما الذي حدث؟ لقد نُزعت هيبة المشايخ من القلوب، ونزلت من مكانتهم عند الحكام؟!

والسبب؟ أن الأعداء يعلمون جيدًا أن للأزهر تأثيرًا كبيرًا في كل البلاد الإسلامية والعربية، ويمكن أن يقرِّب بين مختلف المسلمين؛ لأنه عامل تجميع على الإسلام، الذي هو الرباط الأساسي في بلادنا بين الناس بمختلف طوائفهم وطبقاتهم وتوجهاتهم؛ لذا وضعوا الخطط الماكرة لتقليص دور الأزهر، وتشويه صورته.

أيضًا، نحن الأزهريين ساهمنا في هذا! فالبعض من أساتذة الأزهر تنكَّب سبيل أسلافنا، فما الشيخ اليوم شيخُ مسلَك، ولكنه موظفٌ مُحاضِر، وما التلميذُ مريدٌ مُطيعٌ، ولكنه مُشاكِس مُشاغِب، وما يطلُب علمًا؛ بل يبتغي شهادة!

وكانت النتيجة المؤسفة: تمكَّنت التيارات التغريبية من الانتشار في المجتمع، والتي تهدف إلى نقض عُرى الإسلام والتحلُّل من التزاماته وقيمه واستقلاليته والدعوة إلى التبعية للغرب في كل توجهاته وممارساته.

ولما وصلنا إلى هذا الحال: كان لا بد من وضع حلٍّ؛ يُمكِّننا من التصدِّي للتيارات التغريبية، والحفاظ على الهوية الإسلامية، والأزهر بهذا الحال لن يتمكَّن من الوقوف بمفرده أمام هذه الهجمات الشرسة - بل للآسف أصبح بعض خريجه يؤيد هذه التيارات! -؛ لذا قام بعض الأفراد الغيورين بالسير على درب الأزهر الأول؛ تعلَّموا العلمَ بطريقة الشيخ والتلميذ(1)؛ لأنهم لم يتمكَّنوا من الالتحاق بالجامعة الأزهرية(2)؛ وذلك من أجل مُسانَدة دعاة الأزهر وعلمائه في الوقوف ضد هذه التيارات التغريبية.

لكن المفأجاة: بدلاً من شكر هؤلاء الدعاة على هذا الدور، وتثمين جهودهم، واحتوائهم؛ قام مفتي الديار المصرية فضيلة الدكتور علي جمعة - وفقه الله - إلى نبذهم، وتجريحهم، ورميهم بالتهم الباطلة؛ بل والوشاية بهم في الصحف الأمريكية!، في ظاهرة تستحقُّ التأمل!

ثم طالَبَت بعضُ قيادات الأزهر بإصدار قرار يمنع ظهور غير المتخصصين في الفتوى والشريعة الإسلامية - وهذا حق، ولا شك فيه؛ فقد دخل في هذا الباب من يهدم أكثر مما يبني -؛ لكن العجيب هو حصرهم للمؤهلين بخريجي الأزهر؛ فما حال المؤهلين الذين لم يدرسوا في الأزهر؛ هل يُمنَعوا بسبب هذا؟! والأعجب: أن البعض يُطالِب بمنع مشايخ الفضائيات(3)؛ لأنهم ليسوا أزاهرة، ونسي أو تناسَى أن مُفتي الديار المصرية فضيلة الدكتور علي جمعة - وفقه الله - ليس أزهريًّا!

بل العجب العجيب العجاب! أن بعض المفتين بدار الإفتاء المصرية - الآن - ليسوا أزهرة، بل أحدهم يحمل شهادة متوسطة(4) وسأبين هذا في الفقرات التالية.


فما الفرق - وفقكم الله - بين مفتي الديار المصرية ومشايخ الفضائيات؟

لماذا يُسمح للدكتور علي جمعة بالإفتاء مع أنه ليس أزهريًّا أصلاً - وغير متخصص في الفقه المذهبي أو المُقارَن، وعلم التفسير، وعلم الحديث - ويُمنع مشايخ الفضائيات؟!


أولاً: ما هي مؤهلات مفتي مصر؟

1- اعلم – علمني الله وإياك – أن مفتي مصر فضيلة الدكتور علي جمعة، ليس أزهريًّا!

ففضيلة المفتي تخرج من كلية التجارة - جامعة عين شمس، ثم التحق بالأزهر على كبر (منتسبًا)، وبالتالي ليس عنده الأساس العلمي الذي درس في المعاهد الأزهرية. وهذا بالضبط ما فعله مشايخ الفضائيات، فهم قد تخرَّجوا من كليات الطب والهندسة والألسن والإعلام، ثم ساروا في طريق العلم.

إذن لماذا يحق للدكتور علي جمعة أن يُفتِي، ونمنع مشايخ الفضائيات المؤهلين؟

أليس فضيلة المفتي لم يدرس العلوم الشرعية التي تدرس في المرحلة الإعدادية والثانوية؟

فهذه العلوم الشرعية إما أن تكون ضرورية لتأسيس طالب العلم أو لا.

فإن كان لها أهمية؛ فأين درس فضيلة المفتي هذه العلوم، وهي لا تدرس مرة ثانية في الجامعة؟

فإن قيل: علي أيدي المشايخ خارج جامعة الأزهر.

قلنا: هذا عين ما فعله مشايخ الفضائيات، فلماذا ننكر عليهم، ولا ننكر على المفتي!

وإن قيل: بل هذه العلوم ليست ضرورية لطالب العلم الأزهري؟

قلنا: لماذا يمنع طلاب الثانوية العامة من الالتحاق مباشرة بجامعة الأزهر؟


ثانيًا: ما تخصص الدكتور علي جمعة؟

سلمنا جدلاً أن المؤهلين للإفتاء هم خريجي الأزهر؛ وأيضاً سلمنا جدلاً أن فضيلة المفتي أزهري حتى النخاع؛ لكن ألستم تنادون باحترام التخصصات(5)؛ فلمَ لم يحترم فضيلة المفتي تخصصه؟

هل تخصص فضلية المفتي في جامعة الأزهر في جميع العلوم الشرعية، أم في علم واحد فقط؟

وبالمثال يتضح المقال

جامعة الأزهر تشتمل على عدة كليات شرعية، وكل كلية تتكون من عدة تخصُّصات؛ وبالتالي يتخرج الطالب وهو متخصص - في الغالب - في علم واحد فقط؛ ككلية الطب تكون من عدة أقسام، والطبيب - في الغالب - يتخصص في قسم واحد فقط.

وبالتالي إذا كنا سنُلزِم مشايخ الفضائيات بعدم الفتوى؛ لأنهم ليسوا من أهل التخصص؛ كان لزامًا على الدكتور علي جمعة أن لا يتكلم في غير تخصُّصه - كما ينادي هو، وينادي قيادات الأزهر -.(6)


ثالثًا: ما معيار اختيار منصب مفتي مصر؟

لعلك تعلم - أخي القارئ - أنه لا توجد معايير محددة لاختيار مفتي الدولة؛ لأن النظام السابق كان يعلم علم اليقين قدر الدين وعلمائه عند الشعب المصري (6)؛ لذلك عملوا على إضطهاد الدعاة والعلماء المخلصين، وتشويه صورتهم في الأفلام والمسلسلات، ثم قاموا بإلغاء استقلال الأزهر، وحالوا بين ترشيح كبار علمائه لشيخهم ومفتيهم! وكان الاختيار يتم من خلالهم، بل في بعض الأحيان من داخل حزبهم!

لكن بالاستقراء يمكن أن تقول: الشرط الرئيس لاختيار المفتي - عند النظام السابق - هو الطاعة، والقدرة على تفصيل الفتاوى، وتبرير أفعال النظام، وذلك حتى يستمر في منصبه؛ وإلا فسيتم تنحيته كما حصل مع البعض، والله المستعان.

ولنضرب مثالاً على ذلك: ففضيلة المفتي له فتوى قبل أن يتولَّى منصب الإفتاء قال فيها: إن من يدَّعي أن النقاب عادة هذا محض خرافة، وبعد أن تولَّى المنصب قال بهذه الخرافة!!!


وسأذكر لكم نص الفتوى، وأترك لكم الحكم.

أولاً: قبل المنصب:

قال فضيلة المفتي: "قضية النقاب يرى فرضيتها الإمام الشافعي والإمام أبو حنيفة والإمام أحمد بن حنبل، ولا يرى فرضيتها الإمام مالك وحده؛ ويرى أنه يكون واجبًا أو فرضًا أو نحو ذلك إذا كانت عادة أهل البلد أن النساء إذا خرجن يخرجن محجبات منتقبات.

فالذي يدعي أن النقاب ليس من الشريعة البتة وأنه عادة عثمانية هذا محض خرافة؛ النقاب موجود من أيام الصحابيات ومن أيام الصحابة، والنقاب موجود وعبر التاريخ، وفي الشعر الجاهلي: وثقبن الوصاوص للعيون، يعني: المنتقبة.

فمحض خرافة أن هذا من عادات الأتراك، هذا الكلام ليس كلامًا علميًّا؛ ولكن هناك ثلاثة من الأئمة قالوا بفرضيته، وهناك إمام واحد قال بجواز كشف المرأة لوجهها، وهو الإمام مالك، وقال: إذا كانت المرأة باهرة الجمال يُخشى منها الفتنة في مدينة ما أو كانت عادة أهل البلد النقاب؛ بحيث إن المرأة التي تخرج سافرة الوجه يظن بها الظنون وتتهم في دينها فحينئذٍ تلبس المرأةُ النقاب؛ ولكن غير ذلك ليس فرضًا؛ بل في بعض النصوص عن الإمام مالك أنه تشدَّد في ذلك.

فإذن النقاب موجود وله حكمه، ولكن حكمه مختلف فيه.

ولزيادة التوثيق: يمكنك الاستماع إلى الفتوى مرئية عبر اليوتيوب، أو عبر الرابط التالي:

http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=95801


أما بعد المنصب: حينما أراد النظام البائد منع النقاب؛ غيَّر كلامه وبدَّله، وقال: النقاب عادة، وليس عبادة!!

وأترك الحكم للقارئ.


رابعاً: كيف تدار دار الإفتاء المصرية، ومدرسة الدكتور علي جمعة؟

النقطة الأولى: كيف تدار دار الإفتاء المصرية؟

مع كامل احترامي وتقديري لفضلية المفتي الدكتور علي جمعة؛ لكنه يبدو أنه تأثر بأصحاب الفضل عليه - رئيس مصر السابق، وقيادات الحزب الوطني المنحل - فأصبح يدير دار الإفتاء كأنها عزبة خاصة به - وأعتذر عن هذه الألفاط، فقبيل نشر هذا المقال، وقعت على مفأجاة أذهلتني! بل صدمتني - وهذا بيانها! وأقدمها للمختصين لكي يتقصوا حقائق هذ الأمر، ويكشفوه للرأي العام، وهي

أن مفتي الديار - الذي يهاجم مشايخ الفضائيات؛ لأنهم ليسوا أزاهرة - عين العديد من المفتين بدار الإفتاء ليس لديهم أي مؤهل أزهري، بل يقال أن أحدهم حاصل على مؤهل متوسط - دبلوم صنايع! -.

هناك العشرات من الحاصلين على الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة الأزهر؛ ومع ذلك لا يراهم المفتي أهلاً للعمل بدار الإفتاء!!

لذا أرجو من المختصين تقصي حقائق هذا الأمر، وكشفها للرأي العام

وتسهيلاً عليهم: يمكن البدء بالبحث عن مؤهلات الشيخ سيد شلتوت ( سيد جمال توفيق عبد الحليم محمد شلتوت )، أمين فتوى بدار الإفتاء المصرية بإدارة الفتوى الشفوية.


النقطة الثانية: لماذا ينكر المفتي على المتصدرين للدعوة في الفضائيات من غير الأزاهرة، ومع ذلك يسمح لأخرين بالتصدر وهم - أيضاً - ليسوا أزاهرة، بل يروج لهم في موقعه؟

هذا سؤال موجه لفضيلة المفتي، ويمكن للقارئ أن يطلع على موقع فضيلته ليتأكد من هذا الكلام، ومنهم على سبيل المثال:

1- الشيخ أكرم عقيل مظهر.

2- الشيخ سيد شلتوت.

3- الشيخ محمد إبراهيم عبد الباعث الكتاني.

هل حلال لفضيلة المفتي حرام على غيره؟


خامساً: نماذج منتقاه من تعليقات على كتاب الفروق للعلامة القرافي، فتأمل!

لعلك تعلم - أخي القارئ - أن رسالة الماجستير والدكتوراه لفضيلة المفتي كانت في تحقيق المخطوطات والتعليق عليها؛ فقد كانت رسالته للماجستير بعنوان: "دراسة وتحقيق مباحث الخاص والخصوص والتخصُّص والظاهر والمؤول عن أبحاث الكتاب الكريم من كتاب البحر المحيط للإمام الزركشي".

أما الدكتوراه، فكانت دراسة وتحقيق "بيان المختصر للأصبهاني".

إذن؛ من المفترض أن يكون الدكتور علي جمعة اكتسب خبرة في دراسة النصوص وتحقيقها والتعليق عليها؛ لكن ما الذي حدث؟

ولنضرب مثالاً بكتاب الفروق للقرافي – رحمه الله - والذي طبع بدار السلام بالقاهرة؛ حيث قام الدكتور علي جمعة، والدكتور محمد أحمد سراج، (مركز الدراسات الفقهية والاقتصادية) بدراسة وتحقيق الكتاب، وقد رأيت أن أنقل لكم بعض تعليقات فضيلته، وأترك الحكم لكم (وقد استفدتها من مقدمة الشيخ عمر حسن القيام لتحقيق نفس الكتاب – الفروق للقرافي – والذي طبع بمؤسسة الرسالة، وسوف ألحق بالمقالة نسخًا مصورة من الكتب لمن أراد الاستزادة)

1- المحقق الفاضل لم يتمكن من التفريق بين الطبري المفسر، والطبراني صاحب المعاجم:

يقول الأستاذ عمر القيام: " ومن عجائب طبعة دار السلام: ما وقع في الفرق ( 241) ( 4/1282) من الخطأ الفاحش في التعريف بالإمام الطبري صاحب التفسير والإمام المشارك في جميع علوم الإسلام، وقد نقل عنه الإمام القرافي بواسطة القاضي عياض في " الشفا " قولاً في تكفير من جحد أن الله تعالى عالم أو متكلم أو غير ذلك من صفاته، فجاء المحققان الكريمان وترجما للإمام الطبراني المُحدث المعروف صاحب "المعاجم الثلاثة"، فقالا: الطبري: أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مُطَير اللخمي الشامي الطبري صاحب التصانيف. هو الإمام الحافظ الفقيه، الرحال الجوال، محدث الإسلام. علم المعمرين ولد بمدينة عكا في صفر سنة ستين ومئتين، وتوفي سنة 360هـ!

2- أيضًا من كبائر الأخطاء التي وقعت لهذين المُحقِّقَيْن الكريمَيْن: ما وقع في الفرق ( 270) ( 4/1401 ) في ترجمة الحجاج بن يوسف الثقفي، وقد ذكر القرافي خروج ابن الأشعث عليه في الواقعة المشهورة، فكتَبَا كلامًا يبرأ بعضُه من بعض، فقالا: الحجاج بن يوسف بن حجاج أبو محمد الثقفي البغدادي الحافظ، من تلامذة أبي نوَّاس وأصحابه، منشأ الحجاج بغداد، وطلب العلم. قال أبو داود: هو خير من مئة مثل الرمادي، توفي سنة 259هـ. انتهى.

3- ومن الأخطاء: ما وقع في الفرق (46) ص ( 2/411) في ترجمة الشاعر الجاهلي أمية بن أبي الصلت الذي آمن لسانه وكفر قلبه كما هو معروف من سيرته، فذكر له القرافي عدة أبيات في مدح عبد الله بن جدعان أحد سادات قريش وأجواد العرب، فجاء المحققان وكتَبَا كلامًا غريبًا جدًّا في ترجمة هذا الشاعر، وقالا ما نصًّه: هو أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني، العلامة الفيلسوف، الطبيب الشاعرُ المُجوّد، صاحبُ الكتب، ولد سنة ستين وأربعمائة، وتنقَّل وسكن الإسكندرية، ثم رُدَّ إلى المغرب، وكان رأسًا في النجوم والوقت والموسيقى، مات بالمهدية في آخر سنة 528هـ. انتهى!!

فهل يجوزُ أن تقع مِثلُ هذه الأخطاء في كتاب يتصدى لتحقيقه من يحمل مرتبة الأستاذية في علوم الشريعة؟!

4- ومن عجائب ما وقع من الأخطاء العلمية: ما وقع في الفرق ( 139) ص ( 3/857) في ترجمة ابن رشد الجد صاحب " البيان والتحصيل" وقد ذكره القرافي بلفظ: قال صاحب " البيان" على المعهود من عادته في " الفروق" و" الذخيرة"، اعتمادًا منه على فطنةِ القارئ وخبرته بمصنَّفاتهَ ومصطلحاته، فجاء هذان المحققان الفاضلان وقالا ما نصُّه: " صاحبُ البيان هو الإمام العلامة قوام الدين أمير كاتب بن أمير عمر الفارابي أبو حنيفة الأتقاني. قدم دمشق سنة 747هـ، ثم انتقل إلى مصر، ودرس بها بجامع المارداني. كان رأسًا في الحنفية، بارعًا في الفقه واللغة، من مصنفاته: " التبيين في شح المنتخب الحسامي" و" شرح الهداية وسمّاه " غاية البيان ونادرة الأقران" ترجمته في "الدرر الكامنة" 1/442-445 و"النجوم الزاهرة" 10/325، و" مفتاح السعادة" 2/267 و"الطبقات السنية" (553) و"شذرات الذهب" 6/185. انتهى.

ثم لم يقنع الأستاذان الكريمان بهذا، فعادا إلى تكرار الخطأ نفسه في ص ( 4/1191 ) فهل يقع في ذهن إنسان أن يذكر القرافي في كتابه رجلاً سيأتي بعده بزمن طويل لا يقل عن نصف قرن؟!!

وهل يجوز أن تقع مثل هذه الأخطاء ممن يُدرِّس الطلاب في الجامعات والمعاهد العلمية؟!!

- وتأمل هنا!

5- ومن الأخطاء الكبرى: ما وقع في الفرق ( 200) ( 3/1078) في تخريج حديث: "من أسلم إلى أجل معلوم" فجاء المحققان فقالا في تخريج الحديث ما نصُّه: أخرجه الألباني في " إرواء الغليل" 5/218، وأبي حاتم (كذا وقع) في " العلل لمتناهية" رقم 1158 بلفظ: " من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم" انتهى.

يقول الشيخ عمر القيام: وهذه طريقة غير صحيحة في فن التخريج الذي استقرَّت معالمه المنهجية منذ أمدٍ طويل، فإرواء الغليل ليس من دواوين السنة التي يتم العزو إليها، وإنما هو كنظائره من كتب التخريج التي يُستعان بها على تتبُّع طرق الحديث ومتابعاته وشواهده ومظانِّ وجوده؛ فهل نظر المحققان في " الإرواء" 5/218 فوجدا أن الألباني قد خرَّج الحديث من " الصحيحين" و" السنن الأربع" وغيرهم، فهلاّ استفادا من هذا الجهد الطيب، واقتصرا في العزو على " الصحيحين" ثم قالا: وانظر تمامَ تخريجه في " الإرواء"، فيحسن الظن بهما، ويقع في القلب أنهما قد تمرَّسَا بشيء من علوم الحديث.

وأما الإحالة إلى " العلل المتناهية" وكونها كتابًا لأبي حاتم، فهي خطأ علمي مُركَّب، و" العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" كتاب مشهور لابن الجوزي، جمع فيه قدرًا غير قليل من الأحاديث الضعيفة الواهية، كما يدل عليه اسمه العلمي، ولم يسلم له نقَّاد الحديث جميع ما في كتابه؛ بل حاقَقَه بعضهم وكشفوا عن أخطائه، فإحالة حديث ثابت في " الصحيحين" إلى هذا المجموع الضعيف هو مما لا يُغتَفَر في منهج التخريج، والقول بأنّ " العلل المتناهية" لأبي حاتم زيادة في الخطأ أيضًا، والفيصل في هذا: أنهما يقصِدان كتاب " علل الحديث" لابن أبي حاتم لا لأبي حاتم، والحديث هناك بالرقم الذي ذكراه ( 1158) ج1 ص 387 ولفظه: " من أسلم في شيءٍ فلا يصرفه إلى غيره"

فهل يقبل نقاد الحديث والعلماء وطلاب العلم هذه الطريقة في التخريج؟!

وهل سيفسر ذلك بغير التسرُّع وعدم الأخذ بأسباب التحقيق العلمي الرصين؟

6- ومن الأخطاء: ما وقع في الفرق ( 273 ) ( 4/1427)؛ حيث قام الأستاذان الدكتوران بتحقيق حديث الاستخارة الثابت في "صحيح البخاري" (1162) و "سنن أبي داود" (1538)، و" سنن الترمذي" (480) وغيرهم، فخرجاه من كتاب " الكامل في الضعفاء" 4/307 لابن عدي، وهو من دواوين الأحاديث الضعيفة.

فهل يبقى في قوس الصبر منزع للسكوت على مثل هذه الأخطاء العلمية الفادحة؟ (7)


سادساً: ما رأي مشايخ الأزهر في الدكتور علي جمعة؟

ذكرت سابقًا أنه لا يوجد معايير محددة لاختيار مفتي الديار المصرية، وبالتالي لا يكون مُعبِّرًا - بالضرورة - عن رأي علماء الأزهر.

وبالمثال يتضح المقال؛ رئيس مصر السابق، ظل يحكم مصر ثلاثين عامًا، ومع ذلك كان لا يُعبِّر عن إرادة أغلب الشعب المصري؛ لذلك ثار عليه الناس، وخَلَعوه!

وهذا بالضبط هو حال الدكتور علي جمعة، يحكم دار الإفتاء، ولا يُعبِّر عن إرادة أغلب الأزاهرة.

فإن قيل: بل لفضيلة المفتي الكثير من المؤيِّدين من العلماء والطلاب؛ بل والكثير يرون أنه مؤهلاً لمنصب الإفتاء

قلنا: هذا بالضبط ما حدث مع الرئيس المصري السابق، كان له الملايين من المؤيِّدين، بل والكثير يرون أنه مؤهلاً لمنصب الرئاسة. لكن ما الذي حدث؟

وسأذكر بعض الأمثلة التي تبين أن فضلية المفتي يعترض عليه الكثير من علماء وطلاب الأزهر

1- خرجت مظاهرة لطلاب الأزهر في شهر إبريل الماضي ( 2011 ) تطالب بإقالة الدكتور علي جمعة، وقادها عدد من أساتذة الأزهر.

2- قال الأستاذ الدكتور محمد عبد المنعم البري - الأستاذ بجامعة الأزهر -: " المفتى حاصل على بكالوريوس تجارة جامعة عين شمس، وقام بدراسة العلوم الشرعية والتحق بالأزهر على كبر ولا يوجد لديه أساس علمي، و من علامات الساعة التي قال عنها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - إعطاء الأمر لغير أهله.

3- أصدر بعض علماء الأزهر بيانًا تحت عنوان "إلى فضيلة المفتي الذي ضلَّ سعيُه في الحياة الدنيا" جمعت فيه بعض الفتاوى المثيرة للجدل لفضيلته، وعلَّق أحد الأساتذة قائلاً: رأي المفتي يكشف عن تأثُّره الشديد بالثقافة الأمريكية؛ فضلاً عن سنوات دراسته في المراحل التعليمية بمدارس أجنبية. كما دعا لضرورة إقالة "جمعة" من منصبه؛ وذلك لأنه هبط بسمو المنصب الذي يشغله وتحول من هادٍ للحائرين - بإذن الله - وبفضل ما يملك من علم إلى مشعل للفتن، ومُتسبِّب في حيرة العديد من المواطنين الذين كانوا ينتظرون منه أن يهديهم إلي سواء السبيل، كما وصف صدور تلك الفتاوى منه بأنها محاولة طائشة يهدف من خلالها لأَن يحظي برضا الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية؛ فضلاً عن مسؤولي النظام والحزب الوطني.

4- أصدرت جبهة علماء الأزهر، عدة بيانات تندد ببعض مواقف وفتاوى فضيلة الدكتور علي جمعة، ويمكن الإطلاع عليها من خلال موقع الجبهة.


وأخيرًا:

أقول للقارئ الكريم: ليس الهدف من المقالة: التقليل من شأن الأزهر - حاشا وكلا - فأنا أزهري وافتخر بهذا، وليس الهدف: التقليل من فضيلة المفتي الأستاذ الدكتور الأصولي علي جمعة - وفقه الله -؛ بل الهدف المُناشَدة بالعدل؛ فطالما يُندِّد قيادات الأزهر بمشايخ الفضائيات؛ لأنهم ليسوا أزاهرة، فليتذكَّروا أن مفتي الدولة ليس أزهريًّا؛ وأن هناك العشرات من المؤهلين للدعوة والإفتاء ولم يتخرجوا من الأزهر.

وإن وقع مشايخ الفضائيات في أخطاء؛ فقد وقع فضيلة المفتي في أخطاء أشد منها.

أيضاً: أكتب هذا وأنا أرجو أن يتم الاستقلال للأزهر الشريف؛ فلو تم لتغير مجرى التأريخ، وسحب البساط من تحت الجميع، وسيصبح هو القبلة العلمية للعالم أجمع - حقيقة لا مجازاً -.

أيضًا: أُذكِّر الجميع بأن الحكم يكون على المناهج وليس الأشخاص؛ فإذا كنا نرفض اتهامات الغرب بأن دين الإسلام هو دين الإرهاب؛ لأنهم حكموا عليه من خلال أفعال بعض المنتسبين إليه، لا من خلال تعاليمه؛ كذلك نرفض استغلال بعض أخطاء مشايخ الأزهر أو الفضائيات وتعميمها على المناهج.

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

============================

(*) استفدت بعض الجمل من مقالة للشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - عن الأزهر، كما استفدت من مقدمة الأستاذ عمر حسن القيام - أثابه الله - لكتاب "الفروق" للعلامة القرافي - رحمه الله -، كما استفدت من محاضرة مفرغة بعنوان إلى شعب مصر المسلم، ومن مقالات متنوعة على الشبكة العنكبوتية.

(1) كما تعلم الصحابة - رضي الله عنهم - من النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم -، وكما تعلم الأئمة الأربعة - رفع الله درجاتهم في عليين - من مشايخهم - رحمهم الله أجمعين -، وفي وقتنا الحاضر الكثير من مشاهير القراء المصريين؛ لم يتعلم الكثير منهم القراءات في الأزهر - بل بطريقة الشيخ والتلميذ - ومع ذلك أدهشوا عموم المسلمين.

فإن قيل: هذه الطريقة كانت قديماً - كعلوم الطب - لكن الوضع الآن تغير، وأصبحت علوم أكاديمية. قلنا: هذا قياس مع الفارق، والواقع يبطله؛ ففي العصر الحديث جميع علماء الطب تخرجوا من كليات مؤهلة، ولم نجد شخصاً - واحداً على الأقل - درس الطب بمفرده ثم أدهش علماء الطب المؤهلين، أما في علوم الشريعة فقد وجدنا العديد من الأشخاص الذين لم يتخرجوا من جامعات أكاديمية ومع ذلك فاقوا من تخرج من الجامعات، منهم على سبيل المثال: الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ محمد الخضر حسين، والذي أصبح شيخًا للأزهر بعد ذلك، واستقال في بداية حكم جمال عبد الناصر حينما ساومه على دينه ).

(2) والحق الذي لاشك فيه أنه لا يمكن الاستغناء عن الطريقة الأصيلة في طلب العلم - طريقة الشيخ والتلميذ - بالدراسة في الجامعة الأزهرية. فتأمل!

(3) ولا ننكر أن هناك بعض الدعاة في الفضائيات جهلة يجب منعهم؛ بل يجب الحجر عليهم؛ كما قال بذلك الشيخ - أثابه الله -.

(4) وليس هذا تقليلاً من شأنهم، أو احتقاراً لهم، لكن على سبيل المقارنة؛ إذا كان فضيلة المفتي يرى أن الحاصل على مؤهلات عليا وطلب العلم الشرعي ليس مؤهلاً؛ فما بالكم بالحاصل على مؤهل متوسط.

وإلا - والله - بعض الحاصلين على مؤهلات متوسطة - بل بعض الأميين - يفوق في ثقافته بعض الحاصلين على أعلى الشهادات العلمية.

(4) وهذا حق لا شك فيه، وقد قال الإمام الشافعي - رضي الله عنه -: " من تعلم علماً فليدقق، لكيلا يضيع دقيق العلم "، وقال " تعلم دقيق العلم؛ كي لا يضيع "، لكن كلامي بالأعلى على سبيل المجادلة.

(5) فالكليات الشرعية في جامعة الأزهر متعددة؛ منها: كلية الشريعة، وأصول الدين، والدعوة، واللغة العربية. وكل كلية تتكوَّن من عدة أقسام: فكلية الشريعة - على سبيل المثال - تتكون من عدة تخصصات، وهي: أصول الفقه، الفقه المقارن، الفقه الشافعي، الفقه الحنفي، الفقه المالكي، الفقه الحنبلي، السياسة الشرعية. وأي طالب يتخصَّص في قسم واحد فقط.

وبالتالي: - إن قلنا بنظرية التخصص - فلا يحق لفضيلة المفتي أن يفتي في غير تخصُّصه. وعلى سبيل المثال: المفتي لم يدرس علم الإسناد في الأزهر؛ وبالتالي لن يتمكَّن من معرفة صحة الحديث من عدمه، وبالتالي لن يتمكَّن من الاستنباط الصحيح للحكم، (وسأضرب عدة أمثلة في نهاية المقال، تُبيِّن علم فضيلته في تخريج الأحاديث).

(6) مصر، ومن لا يعرف قدر مصر! إنها مصر المسلمة التي شكرت ربها، وسجدت لمولاها، وجرت دماؤها بمحبه نبيها عليه الصلاة والسلام.

مصر التي لها في عالم البطولة قصة، وفي دنيا التضحيات مكان، وفي مسار العبقريات كرسي لا ينسى.

مصر.. أرض الأزهر الوضاء.. وأرض البطولة والفداء.. وأرض العبقرية والأذكياء!

أي جامعة في الدنيا تحمل ثقافةً ليس فيها مصر؟ وأي مؤسسه علمية في المعمورة ليس فيها مصر؟ وأي مسار ثقافي لم يشارك فيه المصريون بعقولهم وأبصارهم وبصائرهم؟

إنها مصر
بها ليل في الإسلام سادوا ولم يكن *** لأولهم في الجاهلية أول

هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا *** أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا

ولا يستطيع الفاعلون كفعلهم *** وإن حاولوا في النائبات وأجملوا

(7) وهناك المزيد، منها على سبيل المثال: ماوقع في الفرق الرابع من المجلد الأول ص 200 عند التعريف بالقاضي عبد الوهاب البغدادي، وما وقع في الفرق 188 ص (2/699) في ترجمة الإمام الداوودي، وما وقع في الفرق (148) ص ( 3/893) في ترجمة أبي العشائر، وما وقع في الفرق ( 125) ص ( 3/752) في ترجمة ابن شعبان. ويمكن التأكد من هذه المعلومات بالرجوع إلى النسخة المطبوعة - لمن يمتلكها -، أو مراسلتي عبر بريدي لإرسال نسخة مصورة.

أبو محمد الأزهري

1432/6/2 - 2011/5/5

البريد الإلكتروني: alazhary1@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق