عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الاثنين، 9 مايو 2011

تصدير الذهب المصري تفريط فى الأمن القومي

تصدير الذهب المصري تفريط فى الأمن القومي



محمد يوسف عدس | 09-05-2011 01:40

استبشرت خيرا عندما أصدر الدكتور سمير الصياد وزير التجارة والصناعة قرارا بحظر تصدير الذهب بكل اشكاله اعتبارا من27 فبراير٢٠١١ حتى نهاية يونيو بهدف حماية أمن البلاد القومي ومنع تهريب ثروتها إلى الخارج.. وقد ربط المراقبون حينها بين القرار ومخاوف من قيام عدد من أركان نظام الرئيس السابق حسني مبارك وبعض رجال الأعمال بتهريب أموالهم المنهوبة إلى خارج مصر.. على هيئة سبائك أو مشغولات ذهبية خلال عمليات "تصدير الذهب" المباحة..

وقلت لنفسى وقتها هذا قرار صائب، ويالها من خطوة رائعة جاءت فى الوقت المناسب.. إلا أن الوزارة مالبثت أن أصدرت بيانا فى التاسع من إبريل أعلنت فيه رفع الحظر عن تصدير الذهب.. مبررة ذلك باستقرار أوضاع البورصة المصرية والأوضاع السياسية والاقتصادية فى البلاد.. وكان هذا القرار خطأً كبيرا..

فمن أين جاء الصواب وكيف ارتكسنا إلى الخطأ..؟

أقول: أن تبيع البطاطس والفراولة والكنتالوب وغيرها من المنتجات الزراعية والصناعية فى الظروف الحالية وفى غيرها من الظروف هو أمر مقبول ومرغوب فيه من الناحية الاقتصادية.. ولكن الذهب منتج مختلف كلّية عن جميع المنتجات الأخرى.. فقد كان الذهب على مر العصور التاريخية هو العملة الحاكمة، سيد العملات وملكها المتوّج، ويجب أن نعيد النظر إليه من جديد باعتباره عملة من أعلى مستوى.. إنه العملة التى احتفظت بقوتها الشرائية الكاسحة عبر العصور.. حتى بعد أن قام بنك الاحتياط المركزى الأمريكى مع البنوك المركزية الغربية الأخرى بتنحية الذهب من سوق العملة العالمية [برفع الغطاء الذهبي للعملات سنة ١٩٧١] فى محاولة لتدمير قيمة الذهب فى المجتمعات الإنسانية.. ظل الذهب رغم كل ذلك يعمل كقيمة ادخارية ومستودع للقيمة الحقيقية، والمعيار الأعلى لقيمة المنتجات الأخرى والخدمات..

من هذا المنطلق أرى أن الترخيص بتصديره إلى الخارج وعلى الأخص فى الظروف الحاضرة تفريط فى الثروة الأساسية دائمة القيمة.. وهو تفريط يبلغ عندى إلى حد العبث بالأمن القومي..

وأشرح القضية:

لو أنك كنت تملك ألف دولار فى حساب استثماري بالبنك منذ ١٢ شهرا وتحصل منها على أرباح أوفوائد تصل على أحسن الفروض إلى خمسة بالمائة.. فسيصبح رصيدك فى البنك بعد عام كامل ١٠٥٠ دولارا فقط .. ولكنك لو كنت تملك من الذهب ما قيمته ألف دولار لنفس الفترة فسترتفع قيمة ممتلكاتك الذهبية إلى ١٢١٠، علما بأن سعر الذهب فى السنوات الخمس الماضية فقط قد ظل فى ارتفاع ثابت حتى بلغ ١٤٩% ، وقد بلغ سعر أوقية الذهب مؤخّرا ١٤٩٥ دولارا.

ولاستكمال صورة الموقف نفترض أنك لم تفعل شيئا بدولاراتك فإنها ستفقد قيمتها الشرائية مع مرور الزمن بنسبة قد لا تتخيّلها.. بينما يحتفظ الذهب بقوته الشرائية عبر العقود: فمثلا كان يمكنك شراء أوقية من الذهب سنة ١٩٣٣ بعشرين دولار فقط.. اليوم لا تستطيع أن تشترى بالعشرين دولار نصف جرام من الذهب.. وهى كمية تكاد لا تراها بالعين المجردة...!

ولو أن قرار حظر المنع كان مستمرا فإن هذا معناه أن هذه الثروة باقية للتداول داخل مصر، يعنى ثروة حقيقية فى أيدى المصريين يدعمون بها اقتصاد بلادهم ويتجاوزون بها الأزمات الآقتصادية الماحقة.. أخذا فى الاعتبار أن الدولار فى طريقه إلى الانهيار.. وهكذا ترى أن مدخراتك من الذهب أو الفضة ضمان أكيد للاستثمار الصحيح وفرصة للتخلص من الدولار المترنّح.. وبالتأكيد فرحة عظيمة لمستحقّى الزكاة إذا كنت مسلما ملتزما .. حيث سيزيد نصيبهم من الزكاة أضعافا مضاعفة..

هذه مجرد لمحة من الفوائد الاقتصادية التى يمكن أن تعود على الفرد والمجتمع بالتخلص من ادّخاراته الدولارية واستبدالها بالذهب أو الفضة ..

أعود إلى السؤال الأصلى من جديد: أين الصواب وأين الخطأ ..؟:

فى القرار الأول [قرار الحظر] كان الشق الأساسي منه صوابا محضا .. ولكن لا بسه الخطأ بربطه بظروف البلاد الطارئة .. وهى الخوف من تسرّب الأموال المنهوبة فى ظل الاضطرابات الساسية السائدة.. وبأوضاع البورصة المصرية.. فلما استشعرت الحكومة بزوال هذه الأوضاع جاء القرار الثانى بإلغاء الحظر وهو خطأ محض للأسباب التى ألمحت إليها.. وإلى أسباب أخرى كثيرة...!

ولعل التركيز على هذه الرِؤية الضيقة كان السبب وراء ما شاب تنفيذ القرار الأصلى من خلل؛ فقد أعلنت شركة التعدين الأسترالية (سنتامين) أنه لم يُطلب منها رسميا تقييد شحناتها من الذهب إلى الخارج وأنها مستمرة فى إنتاج الذهب وتصديره .. وبالمناسبة فإن هذه الشركة تستخرج الذهب من منجم السكّرى أكبر مناجم الذهب فى مصر ويقع فى ترتيبه بين أهم عشرة مناجم استخراج الذهب فى العالم..

ولأن الرؤية التى استند إليها الحظر كانت قاصرة لم تلبس الوزارة أن تراجعت فى قرارها، تحت تأثير معارضة تجار الذهب والمستثمرين فى المناجم الذين روجوا لفكرة أن قرار الحظر يضر بصناعة الذهب ويحرم البلاد من مصدر هام للعملة الأجنبية.. وهذا كلام مردود عليه، فقد كان للعملة الأجنبية (الصعبة) رنين موروث من ستين سنة ماضية، لظروف سياسية واقتصادية تعيسة، ولكن العالم اليوم مختلف وليس هناك عاقل يريد أن يستبدل بما يملك من ذهب عملات ورقية مثل الدولار قيمتها الشرائية آخذة فى التدهور، ولا مستقبل لها.. أقول: إن هذا كلام لا يعبر عن المصلحة القومية الحقيقية وإنما يعبر عن المصالح الأنانية للتجار والمستثمرين..

والحقيقة أن قضية الذهب فى مصر لم تُعرض على الرأي العام عرضا صحيحا يتناسب مع ما لها من أهمية بالغة فى الاقتصاد المصرى خصوصا فى المرحلة القادمة وفى إطار التراجع المتواصل للدولار الأمريكي الذى لا يسمح ببادرة أمل فى تعافيه..

وقد تكشفت لنا حقائق مذهلة عن أبعاد الفساد والنهب الذى يحيط بهذه القضية الحيوية شأنها فى ذلك شأن قضايا الفساد والنهب الأخري لعهد مبارك.. فقد ذكرت صحيفة الشروق أن النائب العام قد تلقّى تقريرين رقابيين من الجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية حول عمليات بيع مناجم الذهب المصرية لشركات أجنبية، تستخرج الذهب وتبيعه في الخارج دون مراقبة أو محاسبة من أحد. والتقريران بهما تفاصيل كثيرة لا مجال للإلمام بها فى هذا الحيز المحدود، لذلك أكتفى بالإشارة إلى بعض حقائق ومؤشرات ذات دلالات هامة:

** أن مناجم الذهب بيعت باتفاقيات ،ساد الفساد في تنفيذ بنودها بطريقة أخلّت بحقوق الدولة ، ومنحت الذهب للشركات الأجنبية دون حساب.

** جاء في تقرير الرقابة الإدارية أن سامح فهمي وزير البترول السابق قد منح حق استخراج الذهب من منجم "دونقاش" لشركة "ماتز هولدينج يونايتد" التي تستخرج الذهب من منجم "حمش" وهي شركة يساهم فيها مع آخرين، إسرائيلي يُدعى جاكوب ليفن..



** ترددت فى الآونة الأخيرة أنباء حول صفقات سرية تحدث حول مناجم الذهب وعن إستيلاء مؤسسات كبرى على كميات من الذهب و تهريبه للخارج دون الخضوع لإشراف وزارة البترول و الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية ، الأمر الذى ينبئ بالكشف عن أخطر صفقات سرية فى تاريخ مصر تهدر المال العام.

** يوجد أمام نيابة أمن الدولة العليا بلاغ من المحامى مجدى راشد.. يشير إلى «اشتراك الرئيس السابق وسامح فهمى وآخرين فى الاستيلاء على عائدات مناجم الذهب، لم يدخل منها جنيه واحد فى الميزانية العامة للدولة..

** وأخيراهناك تقارير صحفية تؤكد أن جمال مبارك قد استغل منصبه فى مجلس إدارة البنك المركزى المصرى لسحب 75 طناً من الذهب المصرى لدى بنك الاحتياطى الفيدرالى فى الولايات المتحدة.. وهذه الكميات الضخمة من الذهب الذى يعبث بها هؤلاء الناس هى ملك شرعي للشعب المصري وما كان ينبغى لها أن تُخرج من الأراضى المصرية لو أن الشعب المصري كان يملك بيده زمام أمره.

والخلاصة: أن الذهب المصري قد دخل بقوّة فى المعادلة الاقتصادية وأن استخراج الذهب من المناجم المصرية فى الصحراء الشرقية ينبّئ عن مستقبل واعد.. ويمهّد لطفرة غير مسبوقة فى النمو الاقتصادي.. ولكنه يحتاج إلى إعادة نظر شاملة وجادة فى العقود المبرمة بخصوصه مع الشركات الأجنبية التى تقوم بالاستثمار ..

يحتاج الأمر فى تقديرى إلى الآتى:

أولا- تمديد الحظر على تصدير الذهب لمدة ستة أشهر أخرى على الأقل.

ثانيا - مراجعة عقود التنقيب عن الذهب واستخراجه..

ثالثا - تطوير القدرات المصرية على تنقية الذهب وفق المعايير الدولية مثل: London Good Delivery Bar وحتى لا يكون هناك مبرّرًا لشركات التنقيب الأجنبية حجة فى نقل الذهب المصري إلى بريطانيا لتصفيته ودمغه هناك..

رابعا – صك النقود الذهبية قابلة للتداول من فئة عملات الدينار )المحتوى على أربعة وربع جرام من الذهب( ، والسبائك بوزن أوقية من الذهب..

خامسا – إذا لم تستطع الدولة شراء كل ما تنتجه مناجم الذهب المصرية فعليها أ ن تحفّز المواطنين على شراء الذهب على أوسع نطاق، حتى تضمن بقاء الذهب متداولا فى داخل مصر.. وبهذه الطريقة يطمئن المدّخرون أن مدخراتهم المالية لن يتم تقليصها خلال التضخم المالى الذى تصدّره أمريكا للعالم بطبع مليارات الدولارات الورقية فى بنكها الفدرالي.. فيما يسميه النقاد بطباعة الوهم ..

وأقول: إنه لمن الخبل بمكان أن تبادل مصر ذهبها بقطع خضراء من الورق المطبوع فى بنك الاحتياط المركزي الأمريكي ، فالذهب اليوم قد أصبح العملة التى يحاول الأغنياء [السوبر] فى العالم احتكارها لأنفسهم، وتداولها فيما بينهم على هيئة وحدات ضخمة بوزن ١٢ كجم من الذهب المصفّى (.995 % ) وفقا لمعايير London Good Delivery Bar

هذه الوحدات مناسبة لأمثال مبارك وبطاناتهم .. ولكن بالنسبة للمواطنين العاديين من الشعب فإن الدينار الذهبى من وزن أربعة جرامات وربع هو الوحدة الأمثل للادّخار وللهدايا فى المناسبات السارة وفى دفع المهور عند الزواج...

إن إتاحة الدولة للعملات الذهبية المصكوكة ضمان لمحتوى العملة وصفائها من الشوائب ، ما من شأنه أن يشجع على الاقتناء الفردى بين المواطنين .. وعلى التبادل التجاري فيما بينهم.. علما بأن هناك بلاد قد سبقتنا إلى هذا الاتجاه فقد أنشئت مؤسسات لصك النقود الذهبية فى أمريكا وبريطانيا وكندا والمكسيك واستراليا والصين وجنوب أفريقبا.

ومصر ليست أقل من هذه البلاد من حيث اكتشاف احتياطيات ضخمة من الذهب فى أراضيها.. وهى الآن أولى بأن تفكّر بطريقة غير تقليدية فى هذا المجال؛ فإنها تتميز عن الجميع بالثورة الشعبية، وقد آن الأوان لإنشاء مجلس أعلى لإنتاج الذهب بدلا من المجالس البلهاء التى نشأت فى الماضى والتى لا يزال يعاد تشكيلها بلا منطق ولا فائدة بل وتكريسا لعهد الفساد؛ مثل مجلس الجمل وبطرس غالى لحقوق الآنسان ..

فالمجلس الأعلى للذهب يمكن أن يساند الحكومة فى كل مهماتها التفاوضية والرقابية والبحثية، وفى العمل على تطوير إنتاج الذهب بالتقنيات الحديثة ووضع برامج للتنمية الإدارية وتهيئة كوادر فنية للعمل فى هذا المجال الاقتصادي الحيوي الواعد.. وفوق كل ذلك يستطيع أن يتعقب بالبحث والتدقيق عن خلفيات المؤسسات والشركات الأجنبية التى تنقّب الآن، أو تعرض خدماتها للتنقيب وإنتاج الذهب فى مصر، حتى لا نقع مثلا فى فخٍّ كفخّ شركة باريك Barrick الكندية التى استحوذت مؤخرا على أكبر مناجم النحاس فى السعودية.. علما بأن صاحبها بيتر مَنْك Peter Munk من عتاة الصهيونية العالمية، و هو من أكبر وأقوى الشخصيات المؤثرة الآن فى السياسة الكندية (تلمس أثر ذلك فى انحياز الحكومة الكندية الكامل لإسرائيل ضد الفلسطينيين وضد المقاومة الفلسطينية) ..

ولله الحكم والأمر وهو المستعان.. والهادى إلى سواء السبيل..

myades34@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق