عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الخميس، 30 يونيو 2011

تأملات في شريط العاصفة الشعبية ثورات مهاجرة (5)

تأملات في شريط العاصفة الشعبية ثورات مهاجرة (5)

من مفارقات الثورات العربية أنها ألقت المزيد من الأضواء على الأزمات الاقتصادية والمالية التي تطحن المركز، وتهدد بانهيار النظام الرأسمالي برمته. فالأزمة المالية العالمية التي سبق وفجرتها البنوك العقارية في الولايات المتحدة سنة 2008 لم تنته بعد.

إذ أن المشكلة واقعة في صلب النظام الرأسمالي نفسه الذي لا يخرج، بالمحصلة، عن كونه سلعة أيديولوجية ذات قيم جشعة ومضامين متوحشة .. أو منتج استهلكه الزمن فتآكلت قدراته ونخرت العيوب مناعته إلى أن صارت الأزمات تعصف به من كل جانب. فما الخلاص من مرض لا شفاء منه؟ ما من خلاص. وكما يقولون في المثل الشعبي: « اتسع الخرق على الراقع ». فما يدافع النظام الرأسمالي به عن نفسه ليس سوى « تلبيس طواقي»، لستر عورات وفضح أخرى بانتظار لحظة الإعلان عن الانهيار، كما قال الباحث عامر عبد المنعم في مقالته الشهيرة: « أمريكا ماتت فلا تكونوا كجن سليمان».

فكيف يكون الحال وقد اتسع الخرق ليصل إلى أوروبا؟ ها هي مسألة الديون المستفحلة في الولايات المتحدة تتفاقم لتبلغ ما قيمته 14.3 تريليون دولار. ولهذا حذر الرئيس الأمريكي، في تصريحات نشرت في 14/6/2011، من حدوث أزمة مالية عالمية، إذا لم يوافق الكونغرس على زيادة سقف الدين العام للبلاد بقيمة 2 تريليون دولار، لتغطية العجز في الإنفاق الحكومي حتى حلول موعد الانتخابات الرئاسية القادمة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

واعتبر أن: « التخلف عن رفع السقف يعد تهديدا للنهوض الاقتصادي ليس في الولايات المتحدة وحسب وإنما سيتجاوزها لبقية العالم ويؤدي إلى أزمة مالية جديدة». وحتى 24/6/2011 فشلت مفاوضات الكونغرس في تحقيق أي تقدم لرفع سقف الدين .. لكن دون أن يستبعد المحللون اتفاق اللحظة الأخيرة.

يحدث هذا في الوقت الذي تستفحل فيه الديون لتضرب دول أوروبا الواحدة تلو الأخرى. وفي سيناريو عجيب، يشبه ما حدث في تونس ومصر، فقد بدأت الأزمة تتفجر في اليونان وإسبانيا إلى الحد الذي أجبرت فيه بن برناركي، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، بعد مراقبة أمريكية للوضع اليوناني لأكثر من عام، على إطلاق صيحة فزع (22/6/2011)، تجاه الوضع « الصعب» في اليونان، والتحذير مما بات حقيقة تؤكد أن أزمة الديون اليونانية تهدد النظام المالي العالمي برمَّته، « إذا لم يوجد لها حل».

أما عن إجمالي المشكلات الاقتصادية في أوروبا فـ: « سيكون لها انعكاسات على أسواق المال العالمية، ممَّا سيضر أيضا بالاقتصاد الأمريكي .. لاسيما .. المؤسسات المالية الأمريكية». بل أن برناركي ذهب أبعد من ذلك حين نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عنه في مؤتمر صحفي (26/6/2011) القول أن: « فشل حل الأزمة اليونانية يمثل خطرا على النظام المالي في أوروبا، وعلى العالم، ويهدد الوحدة الأوروبية».

والواقع أن الأزمة دفعت بقطاع من المستثمرين، وفق ما أشارت إليه صحيفة « الفايننشال تايمز 25/6/2011»، إلى سحب أموالهم من الأسواق الأوروبية. فقد سحبت البنوك الأميركية 51 مليار دولار تمثل سندات غير حكومية من أوروبا، وحولتها إلى سندات خزينة أميركية. وأكثر من ذلك، فـ: « البنوك الأميركية ذاتها تحولت من السندات الحكومية الأوروبية إلى السندات الأميركية أيضا بسبب الخشية من تدهور أزمة اليونان». وبحسب الصحيفة ذاتها فإن: « المسحوب من الأسواق الأوروبية لا يزال أقل بكثير من الأموال التي سحبتها المؤسسات المالية من أسواق المال الأميركية في الأشهر التي أعقبت الأزمة المالية سنة 2008، وبلغت 400 مليار دولار». وهذا يعني، مبدئيا، أنه ثمة وقت لتدارك الأزمة.

أما أكثر التوقعات قتامة، فقد استقبلها ديفد كوتوك، رئيس قسم الاستثمار في مؤسسة كمبرلاند أدفايزرز، بتسطيح مريب حين قال أنه: « حتى في حال إفلاس اليونان فإنها لن تكون النهاية»، مستشهدا بـ: « تركيا التي تعرضت لأزمة مالية واستطاعت أن تصبح من الاقتصادات الناشئة القوية ودول نمور آسيا سنتي 1997 و 1998 وانهيار الروبل الروسي، والعملة المكسيكية سنة 1994»، مشيرا إلى أن: « الأزمات المالية هي حقائق تاريخية»!!! وهذا صحيح من حيث المبدأ لكنه، بالمقارنة، ليس دقيقا في كل الأمثلة التي اعتمدها، خاصة إذا ما تعلق الأمر بأزمة بنك ليمان برذرز العقاري وأزمات أوروربا. فإذا ما أفلست اليونان؛ فإن التبعات ستكون كبيرة، كتلك التي خلفها انهيار بنك ليمان برذرز، بحسب ما أدلى به إيد يارديني، بمعهد يارديني للأبحاث في نيويورك، لوكالة الصحافة الفرنسية في 26/6/2011.

ولعل هذا ما يفسر تدخل الصين لحماية استقرار الاقتصاد العالمي ومنع انهيار اليورو. فقد قالت، في بودابست 26/6، على لسان رئيس الوزراء وين جياباو: « لقد اشترينا الكثير من السندات المقومة باليورو خلال السنوات الماضية، وسوف نستمر في دعم أوروبا واليورو». فالصين، التي شددت ملاحقتها للمعارضين، منذ شهر فبراير/ شباط الماضي، ويتملكها الهلع كروسيا، من انتقال عدوى الثورات العربية إليها لا تنقصها المتاعب.

ورغم الاستنفار الأوروبي لإنقاذ اليونان من شبح الإفلاس، في السنة الماضية، إلا أن الحكومة أقرت من جهتها في 10/6/2011 برنامجا للتقشف يمتد لعام 2015 كي يتسنى لها الحصول على قروض بقيمة 161 مليار دولار تسمح لها في احتواء مشكلة سداد ديونها البالغة 480 مليار دولار إلى 730 مليار بحسب مصادر أخرى، أغلبها لألمانيا.

أما عن سبب الديون، وتحمل العامة لها، فقد أرجعها وزير العمل اليوناني إلى التهرب الضريبي. إذ أن: « ربع اقتصاد البلاد لا يدفع ضرائب». ولمنع الانهيار؛ فقد تجبر أوروبا الحكومة اليونانية على إشراك القطاع الخاص في تحمل عبء القروض.

ومن جهته فقد يضطر الاحتياط الفيدارلي الأمريكي والمصرف المركزي الأوروبي إلى التدخل عبر ضخ السيولة في أسواق المال العالمية « من أجل محاصرة العدوى»، إذ أن مشكلة اليونان ليست الوحيدة، لاسيما وأن بلجيكا وإيطاليا باتتا على قائمة الانتظار. ففي 19/6/2011 حذر جان كلود يونكر، رئيس مجموعة اليورو، من أن أزمة الديون التي تضرب اليونان ودولا أخرى قد تمتد عدواها إلى إيطاليا وبلجيكا. وقال في تصريحات لصحيفة ألمانية: « إننا نلعب بالنار»، فـ: « المشاكل التي أدت باليونان والبرتغال وأيرلندا لطلب حزمة دعم مالي دولي لتفادي الإفلاس قد تنطبق على إيطاليا وبلجيكا بسبب المستويات العالية التي بلغتها ديونهما».

أما ألمانيا الفزعة من الديون الأوروبية، فما كان من وزير خارجيتها غيدو فيسترفيله إلا توجيه انتقادات غير مباشرة لتصريحات يونكر، أملا في امتصاص حالة الفزع الأوروبي.

أما في إسبانيا؛ فمن العجيب حقا أن يتجرأ رئيس الوزراء خوزيه لويس ثاباتيرو (23/12/2010) على القول بأن: « بلاده تحتاج إلى خمس سنوات لتصحيح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني وتحقيق الازدهار والرفاهية للشعب الاسباني»، بينما تعاني البلاد من بطالة وصلت إلى 20%!! فكيف يعقل لاقتصاد يعاني اختلالات بنيوية أن: (1) يتعافى أولا، ثم (2) يقطع مرحلة « الازدهار » ثانيا، و (3) يصل إلى مرحلة « الرفاهية» في خمس سنوات عجاف قد تودي بالنظام الرأسمالي برمته!!؟ تصريحات ثاباتيرو هذه جاءت في أعقاب إقرار مجلس النواب الاسباني لقانون الميزانية العامة لسنة 2011، وهي السنة الأكثر تقشفا منذ بدء الأزمة الاقتصادية، والأعلى تخفيضا في مستوى الإنفاق العام بنسبة 7.9% مقارنة بما كان عليه سنة 2010 .. تقشف تأمل الحكومة منه بتخفيض العجز العام لهذه السنة إلى 6% مقارنة بـ 9.3% لسنة 2010.

الآن، وفي السياق الذي نتحدث عنه، ما هي علاقة الثورات العربية بالأزمات الاقتصادية العالمية؟ وكيف يمكن لـ « المركز» أن يجمع بين نقيضين في موقفه من الثورات: موقف المؤيد والمناهض للاستبداد والطغيان السياسي، وموقف الاعتراضات السافرة لمسار الثورات بحيث تبقى في مواطنها بعيدا عن المركز؟ الجواب الوحيد هو مصالح المركز ولا شيء غيرها.

مبدئيا، ثمة مشهد مشرق للثورات العربية بعيون « المركز»، خاصة بعد أن « تدارك» خطأه في الثورة التونسية، وأخذ يتصدر الدفاع عن مطالب الشعوب المقهورة ويثني على شجاعتها!!! لكنه ثناء ماكر وخبيث فيما يزعمه من نصرة، ومع ذلك يجد من يصدقه ويدعوه للتدخل، بل ويعبر عن امتنانه له!!! بينما هو في الواقع كحال المومس من الطهر والعفاف حين تدعي شرفا.

فما يجري في العالم العربي من ثورات باغتت الجميع تمثل، من باب آخر، فرصة ثمينة لـ « المركز» كي يخرج من أزماته المستفحلة. فالتدخلات السياسية والأمنية والمسلحة تصب، هي ونتائجها، في خدمة مصالحه واستراتيجياته.

أما الثروات العربية المنهوبة، والمسجلة بحسابات مشفرة وغير مشفرة، باسم الفاسدين من العرب، والمكدسة في بنوك « المركز»، فقد باتت صيدا سهلا وثمينا له، كي يشرع في عملية نهب واسعة النطاق .. نهب ليس ثمة من هو قادر على مراقبته أو ردعه أو إخضاعه لأية مساءلة، طالما أن النهابين هم قادة « المركز»، وطالما أن الفاسدين سقطوا، وباتوا قيد التشهير والملاحقة القانونية.

هكذا يمكن أن نفهم لهفة « المركز» على التدخل في ليبيا، طمعا في ثرواتها، أو الصمت، الخبيث، على القتل الوحشي في سوريا، وكذا التدخل السافر في اليمن .. فهو، من جهة، تدخل يستدعي الاحتفاظ بالسيطرة على الهامش، ورفع التكلفة، أملا في إطالة أمد الثورات.

ومن جهة أخرى الاجتهاد في توفير فائض من الوقت، يكفي لإدارة عملية النهب بصورة منظمة لتحقيق أفضل النتائج !!! هذه هي حقيقة النظام الرأسمالي في بعضٍ من أوسخ قيمه وأخلاقه.

لكن المشهد المزعج للثورات العربية فهو ذاك الذي يبعث على الفزع في « المركز»، وهو الذي يجهد في اعتراضه بكل ما أوتي من قوة. إنه مشهد هجرة الثورات.

فماذا لو نجحت الثورات العربية في اعتراض النظام الرأسمالي، وهاجرت إلى ساحات وميادين أوروبا؟ فهناك يستوطن القتلة، وصناع الكذب، ورؤوس الطغيان، وعمداء الاستبداد، ورموز الشر والعدوان والهيمنة العالمية .. وهناك أيضا، مدارس لتعليم وتصدير فنون استعباد الشعوب، ونهبها، وإفقارها .. ألا يستحق « المركز» ثورة في عقر داره؟ لعله كذلك.

ففي هذا الوجه المقلق؛ يجتهد « المركز»، ليل نهار، لتشويه الثورات العربية عبر إغراقها في الفعل الدموي أو تمييعها .. لا لهدف، إلا لإطفاء بريقها، والحيلولة دون انتقالها إلى بلادهم، أو استلهام شعوبهم لها، كنماذج قادرة على التغيير، والخروج من الأزمات والمآزق، دون خسائر كبيرة !!!

هذا الوجه؛ هو الحقيقة المرعبة التي يعيشها « المركز»، ويخشى منها بدء من أوروبا .. وجه سارع الإسبان لاحتضانه، في ساحة « بويرتا ديل سول»، الواقعة في قلب مدريد، والاعتراف بفضله، وتوقيره، بصريح اللفظ: « الثورات العربية ألهمتنا»، وخاصة الثورة المصرية، التي حضرت حتى بشعاراتها في العاصمة الإسبانية!! لكن بماذا يطالب الإسبان؟ وماذا يقول اليونان؟ وكيف علق الفرنسيون على الحراك الشعبي الأوروبي؟

لنتابع: بداية لا بد من القول أن حركة الاحتجاجات الأوروبية تتباين من حيث قوتها وأثرها وانتشارها. فهي، حتى الآن لا تتجاوز ثلاثة دول. كما لا يمكن القول أنها تشكل أنوية صلبة لحركات تغيير بالمعنى الذي تنشده الثورات العربية، ولو أنها تبدو كذلك، من بعيد، في اليونان وإسبانيا.

لكن من المفارقات العجيبة أن تستلهم الاحتجاجات الأوروبية الثورات العربية، ليس في شكلها فحسب بل في صميم جواهرها.

فهي: • احتجاجات تصر على شعبيتها، وسلميتها؛ وهو ما تجلى في صورة مظاهرات واعتصامات وخيم وجماعات تنظيم وإعلام ودعم لوجستي في ساحات المدن والأحياء الكبرى في اليونان وإسبانيا.

• وتأبى الاحتشاد تحت أية دعوى أيديولوجية أو حزبية من أية جهة كانت. ومنعا للأحزاب من تسلقها؛ فقد بادر المعتصمون في العاصمة اليونانية أثينا ( 9/6/2011) إلى التأكيد في تصريحات لهم على:

(1) « عدم انتماء حركتهم إلى أي حزب سياسي أو نقابة عمالية»، بل أن أحد المنظمين للاعتصام أوضح بأن: (2) « المحتجين يشملون جميع فئات وأعمار المجتمع اليوناني، ورغم أن الكثيرين منهم ينتمون إلى أحزاب سياسية، فالجميع متفقون على أن حضورهم لا يعني تمثيلهم لأحزابهم». ولا شك أن مشاركة جميع الفئات العمرية تقطع الطريق على ما يسمى بـ « نشطاء الأحزاب» لصالح كل المجتمع

!!! • وتتماثل في مطالبها السياسية والاقتصادية مع المطالب العربية، لكن دون الحديث، حتى اللحظة عن إسقاط النظم.

ولعل الاختلاف في النقظة الثالثة راجع إلى أن البنية السياسية في النظم الأوروبية مختلفة ( الدولة المدنية والديمقراطية) عن مثيلتها في النظم العربية ( الدولة البوليسية والاستبداد).

هكذا إذن كانت البداية. إذ تصدرت اليونان واجهة الأحداث حين احتشد، بحسب « رويترز»، عشرات الآلاف في وسط العاصمة أثينا (5/6/2011)، أو بما اعتبر المظاهرة الأكبر منذ أربعين سنة الماضية، بحسب رأي الصحفي بيتروس باباكوستاندينو. هؤلاء رفعوا لافتات كتب على إحداها ثلاث كلمات ذات دلالة بالغة، وهي تختصر عمق الأزمة التي تعصف بالبلاد: « لصوص - محتالون - مصرفيون» .. أزمة، في المحصلة، تعصف بعالم، يهيمن عليه لصوص « المركز».

ومن يرغب في التأكد فما عليه إلا أن يراجع بعض نماذج النهب الدولي المنظم مثل وقائع الأزمة العقارية في الولايات المتحدة وبرنامج النفط مقابل الغذاء بخصوص العراق أو تعويضات الحرب التي سرقتها لجنة التعويضات الدولية برئاسة جيمس بيكر أو أسعار النفط وصفقات التسلح ... وقائمة ينتهي العمر في معاينتها ولا تنتهي.

في 9/6/2011 نقلت «الجزيرة نت»، أيضا، عن نشطاء وصحفيين آراء مثيرة عن أهداف الاحتجاجات في المدن اليونانية. ومن الطريف حقا أن نقرأ عن الناشط ذيميتريس إيكونوميذيس قوله: « إن أهداف الاحتجاجات هي:

(1) رحيل الحكومة

و (2) إلغاء الديون

و (3) الوصاية الأجنبية على اليونان»،

إضافة بالطبع إلى: « (4) إلغاء إجراءات التقشف ..

وفي مرحلة لاحقة (5) تأميم المصارف

و (6) تحديد موعد للانتخابات التشريعية».

من يتأمل هذه المطالب يظن أنها تخص دولا وشعوبا في العالم الثالث أو الرابع، حيث مستنقعات الكذب والفساد والطغيان!! ولو لم يكن الأمر كذلك: • لما اندفع « شباب اليونان» أو « شباب إسبانيا» للرد على خرافات « الازدهار والرفاهية» التي أدلى بها رئيس الحكومة؛ في احتجاجات جرى تنظيمها في 60 مدينة إسبانية؛

• ولما قررت حركة شباب 15 مايو/أيار أن يكون الاعتصام يوم 19/5 /2011 في الساحات العمومية للمدن، احتجاجا على: « البطالة وفساد السياسيين وتهميش النظام الانتخابي للأحزاب الصغيرة»؛

• ولما لخص المحتجون احتجاجاتهم بشعار غريب على الفضاء الأوروبي: « الديمقراطية الحقيقية الآن» .. شعار لشباب: « سئموا من الاضطرار إلى الاختيار بين السيئ والأسوأ»، أو بحسب مسرحي تساءل: « أين الديمقراطية؟ »؛

• ولما احتشد آلاف آخرين بعد عشرة أيام (28/5) في 120 حيا مجاورا للعاصمة – مدريد.

أما في فرنسا؛ فلم تكن عدوى الاحتجاجات لتصيبها في الصميم كما هو الحال في اليونان وإسبانيا. لكنها لم تفلت في 29/5/2011 من تجمع لمئات الأشخاص في العاصمة باريس للاحتجاج على السياسة السائدة، والبطالة والفساد. إذ رفع المتظاهرون الذين تجمعوا بساحة الباستيل، وعلى بعد خطوات من دار الأوبرا، لافتة عملاقة قالت ما قالته قبلها شقيقتها في مدريد: « الديمقراطية الحقيقية الآن»!!! دون أن تنسى الاعتذار عن تأخرها بلغة ساخرة: « باريس صح النوم»!!!

مطالب الاحتجاجات الأوروبية تدفعنا للتساؤل عن جدوى ما نرفعه من شعارات ومطالب!!! فالعرب يدعون إلى إقامة نظم ديمقراطية ودول مدنية. مطالب يتنافس عليها متنافسو الرئاسات!!! دون أن يمعن أحدهم النظر في تطابق الشعارات والمطالب، أو يتساءل: أليست دول أوروبا مدنية؟ وذات نظم ديمقراطية؟ فما حاجة أوروبا إذن للثورات إذا كانت ستطالب بالنهاية بما يطالب به العرب!!!؟

المفارقة المثيرة للعجب أن شباب أوروبا، وليس شباب المسلمين، هم من يطعن بنزاهة الديمقراطية في مواطنها وعقر دارها .. وهم الذين يصفونها بالزائفة، ويتهمون القائمون عليها باللصوص والفاسدين!!! فما قيمة المطالبة بها، وقد أصبحت موضع احتجاج، وطعن، ومساءلة، في ميادين أوروبا؟ وماذا بقي من منطق للاسترشاد بالنظم الرأسمالية وقيمها، أو العمل بأدواتها وآلياتها؟ ثم ألا تستحق مثل هذه الاحتجاجات، وما ترفعه من شعارات، لحظة تأمل صادقة، وسط فرصة سانحة، لمراجعة قيم استهلكتها العقود في مواطنها؟ أم أن الدولة المدنية المنشودة، وكذا الديمقراطية، ستكونان أكثر تحضرا ونزاهة في دول الثورات العربية!!!؟

من باب التذكير فقط، نشير إلى انهيار بورصة نيويورك سنة 1929 تسبب بعجز الولايات المتحدة عن تقديم القروض لألمانيا لتسديد ديونها .. وانتهى الانهيار والعجز إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية.

أما السؤال الذي نطرحه: ماذا لو وصل المركز إلى النهاية المحتومة أو تسببت الديون الأوروبية باندلاع الفوضى في العالم ناهيك عن حروب كونية جديدة؟ فأي نظام حينها سنطالب به؟ وأي شريعة سنقتدي بها؟

أخيرا الثابت الذي لم يعد قابلا لأي طعن أو تشكيك أن :

• الإسلام كلي وشامل وليس جزئي أو محدود. هذا يعني أنه لا وجود لإسلام قوي أو لدولة إسلامية موحدة .. قوية .. ناهضة .. ومهيوبة الجانب ما لم تكن كذلك كل الدول الإسلامية بلا استثناء. وبالتالي لا يحق لدولة أن تزعم، دون غيرها، أنها دولة توحيد بينما هي ليست سوى انعكاس لواقع الدول الأخرى في ارتباطها التام بـ « المركز».

• العرب قلب الإسلام والعالم الإسلامي. فإنْ فسدوا وظلموا؛ فسد العالم وظلم وتجبر واستكبر واستبد واستعبد القوي فيه الضعيف. وهذا يعني أنه لا صحة للقول بأن الدولة المدنية أو الديمقراطية يمكن أن تكون دولة عادلة أو حرة طالما أن العرب مستعبدون وحكامهم مستبدون، كما يعني أنه لا يمكن لأية دولة عربية أن تتمتع بالحرية طالما بقيت إسرائيل، اليد الباطشة لـ « المركز»، قائمة في قلب « الهامش».

• الثورات العربية حدثٌ من الضخامة بحيث لا يمكن أن يبلغ نهاياته دون أن يتم اعتراضه، من أشراره وأشرار الأمة، بشتى الوسائل والسبل، إما لإجهاضه أو لاحتوائه أو طمعا في مكاسب وقتية. لكنه مع ذلك ما زال في حالة تقدم، بامتلاكه الشارع، واستيطانه عقل العامة، كثقافة مكتسبة، وقادرة على الإنتاج، والإبداع، والمبادرة والتأثير.

لن أدفع ! هذا هو ملخص الرد الشعبي على خطط التقشف الحكومية في دول أوروبا. لكن حين تلتفت أوروبا وغيرها من الأقوام إلى العرب لتستلهم منهم سبل الخلاص؛ فهي، في المحصلة، تلتفت إلى مهد الإسلام وأهله. إذ ليس للعرب قيمة تاريخية أو حضارية خارج الإسلام. فإذا أصبح أفول النظام الرأسمالي حديث العالم، على الأقل، ابتداء من الأزمة العقارية سنة 2008؛ وإذا أصبحت قيمه (الحرية والديمقراطية ... ) موضع احتجاج ومساءلات صاخبة؛ وإذا ما تضخمت الأزمة العالمية؛ وإذا تحدث الأوروبيون عن الديمقراطية بصيغة: « أين الديمقراطية»!؛ وإذا بدأت شعوب « المركز» تشعر، كما « الهامش» عامة والمسلمين خاصة، أنها وصلت مع نظمها وقيمها واختياراتها إلى طريق مسدود؛ فما هو البديل؟

وهل يمكن آنذاك قراءة الالتفاتة الأوروبية كلحظة استغاثة أو دعوة إلى الإسلام كي يتقدم؟ وتستمر التأملات ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق