عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الثلاثاء، 21 يونيو 2011

رجـال أم ذكور؟!

رجـال أم ذكور؟!



عبد السلام البسيوني | 21-06-2011 02:06

اسمح لي قارئي الكريم أن أهرب بك قليلاً من السياسة، والتوتر، وحالات التربص والارتباك التي تغشى العقل المصري في الشهور الأخيرة؛ بسبب الثورة وما تلاها، لأنتقل بك إلى مكان آخر فيه سخونة جدلية تحتاج مني ومن حضرتك بعض التأمل المشترك، لعل في حوارنا بعض النفع والغَناء.

لعل من الإنصاف أن يكتب الكاتبون عن بعض الرجال (الحلوين بتوع) هذا الزمان، ممن طلعوا علينا بألف موديل وموديل من الديوك الوهميين، ليدفعونا إلى الشك في كونهم ينتمون لدنيا الرجولة، فقد بتنا نرى من الرجال ألوانًا محيرة: الرجل الهايف والرجل الرزين، الرجل الإمعة والرجل الشخصية، الرجل المرَة والرجل المسخرة، الرجل الطاووس والرجل المِدَهْوِل، الرجل الألعبان والرجل الغلبان، الرجل الحرامي والرجل المحروم، الرجل الضبع والرجل السبع، الرجل الأرنب والرجل الثعبان، الرجل الطرطور والرجل البرطوشة، الرجل المتسلق والرجل الجِعِرّ، المستمتع بوضع: محلك سر، الرجل المتلون والرجل المباشر، الرجل الأمين (اللخمة) والذي يسرق دولة الرجل، الرجل والرجل (اللي ما يسواش ربع جنيه مخروم)!

وكل فصيل يحتاج وقفة متأملة، وقراءة تحليلية، وإطلالة على الواقع، وعلى التاريخ، وعلى التراث، وعلى العلوم المختلفة؛ التي تُعنى بتشريح النفس البشرية وكشف خباياها؛ فسامحوني أيها الرجال، ولا عزاء لأشباه الرجال!

ولعل حضرتك تتفق معي على وجود من يقول إننا لا نعاني أزمة في الرجال، لكن هذا غير صحيح؛ فأزمة الرجولة أزمة قديمة، وندرة الرجال الحقيقيين (مش التايواني) تاريخية، حتى قبل أن يقول الشاعر العربي المنفوخ:

إني لأفتح عيني حين أفتحها..........على كثير.. ولكن لا أرى أحدًا

ومنذ قال غيره:

وفي الناس أقمارٌ وفي الناس أنجمٌ..........وفي الناس ألفٌ لا تُعد بواحدِ

ومنذ قال العربي: لأن تسمع بالمعيدي خير لك من أن تراه، ومنذ قال الخليجي ساخرًا: الطول طول انْخلة، والعقل عقل اسْخَلة. ومنذ قال المصري (من بره هاللا هاللا ومن جوه يعلم اللا)!

وربما حاول بعضنا التخفيف، وقال إنه إذا كانت هناك أزمة في الرجولة، فليست هناك أزمة في الذكورة على الأقل؛ فما أكثر الذكران فينا، وأقول: سوري، حتى هذه بعيدة عن شنباتكم يأيها الرجال؛ فقد ظهر في الناس ذكور سَكّة/ تقليد/ فالصو (أي كلام) يضعون المساحيق، ويتعاطون الهرمونات الأنثوية، ويلبسون القمصان المزركشة، والسلاسل والأقراط، ولا تفارق (اللبانة) أشداقهم، وينطقون - كالمذيعات التعيسات - كل الحروف مرققة ضعيفة، فالطاء عندهم تاء، والقاف كاف، والصاد سين، فتخيل معي رجلاً يقول: اتْلُبوا العلم ولو في السين! أو يغني (في ساعة روَقان): مِسْرُ التي في خاتِري! هل سيكون ذكرًا؛ فضلاً عن أن يكون رجلاً؟!

وهل الرجولة أو الذكورة شيء مجرد لا تصحبه قيم أخرى نبيلة، يزدان بها الرجل ويسمو، كالكبرياء، والمروءة، والشرف، والغيرة، والخشونة في مواجهة الحياة؟

هل سيكون مسؤول كبير (من ريس وانت نازل) يستغل منصبه وحرسه وأمنه في قمع البلد، وسحل الناس، وهتك الأعراض، و(شفط) الخيرات رجلاً أو فيه رائحة رجولة!؟

هل سيكون جلاد بشع - ممن ينفردون بالأعزل المقيد المُحصر مغمى العينين، فيشبعه ركلاً وكيًّا، وتنكيلاً وصفعًا، وتعذيبًا وجلدًا - هل سيكون رجلاً أو فيه رائحة رجولة!

هل سيكون بعض الذين يفترسون زوجاتهم، ويوسعونهن سبًّا وقذفًا، و(تلطيشًا) وبصقًا، واتهامًا في الشرف وإهانة، رجالاً أو ذكورًا أ أو - حتى - بني آدمين؟!/ أم سيكون الذين يستبيحون مرتبات أزواجهن (وعرقهن) رجالاً محترمين؟!/ أم سيكون بعض الذين يتاجرون بنسائهم، أو يستحسنون عري بناتهم، ويشجعونه، رجالاً ذوي نخوة ومروءة؟/ أم سيكون الذين يحنثون في أيمانهم، ويخيسون بوعودهم، و(يلحسون) اتفاقاتهم، مستحقين أن يكونوا من ذوي الشوارب واللحى؛ مهما وضعوا الأقنعة، أو تظاهروا بالرجولة والخشونة؟! أشك، وسامحوني يا سادتي.

فهل هناك - إذن - إعادة صياغة لمفهوم الذكورة، كما تتم إعادة صياغة مفاهيم كثيرة في عالمنا، وفق رؤىً جديدة، مراوِغة، ونفاقية، وابتزازية؟

كيف يصاغ الآن مفهوم الحرية مثلاً؟ وكيف تصاغ دلالة الأخلاق؟ وكيف تعرَّف الحرية، أو حقوق الإنسان، أو كرامة المرأة، أو القيم الدينية، بمفاهيم مختلفة؟

ألا تعاد صياغة هذه الأشياء الآن على أسس جديدة، غير الأسس التي عرفت بها عبر قرون طويلة من الثبات والاحترام والإحساس بالأهمية؟

لقد نادت حكومة مستر بلير وقبله الأخ ميجور بالأخلاق في الحرب والسياسة، وفي ممارسات المؤسسة العسكرية والبوليسية!

فما دلالة الأخلاق الحربية الميجورية والبليرية؛ في ضوء فضائح أبي غريب، والعبث برجولة الرجال وأعراض النساء - عيني عينك - والجنود الذين يدكون المساجد، ويقتحمونها للاسترخاء (بجِزمهم) وسكرهم، واستباحتهم؟

ولقد نادت أميركا بحماية حقوق المدنيين، فما معايير هذه الحقوق في ضوء سياسة الأرض المحروقة، واعتبار كل هدف متحرك عدوًّا؛ حتى لو كان مسنًّا مذعورًا، أو جريحًا أوى إلى مسجد، وتصفية ألوف من المدنيين في أنحاء العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها؟! ألم يكن بوش – لا رده الله – حريصًا جدًّا - قبل حرق العراق مباشرة - على استصدار قوانين بعدم تجريم العسكري الأميركي من أي اتهام بارتكاب جرائم حرب مهما فعل!؟

ولقد نادت اليو إن بقوانين العدالة والحريات وحقوق الإنسان، فما هي دلالات هذه الحريات والقوانين في صور التدخل في حيوات أمم الأرض كلها، وأساليب التعامل مع شعوب العالم الثالث.. والخمسين، وفي ضوء المكاييل المختلفة التي تجعل حق اليهودي مقدمًا على أهل الأرض أجمعين؛ لتوقع أمنا الغولة (آسف أقصد ماما أمريكا) قانونًا دوليًّا لحماية ستنا وتاج راسنا إسرائيل من نسمة الهواء، على طريقة (لاحُطَّك في عيني يا عيني، واتكحل عليك)!

ولقد نادى أسيادنا البعدا بحقوق المرأة واحترامها حتى سلبوا حقوق الرجل كلها، ولم يبق إلا أن نقيم منظمات لحقوق الديوك، تدافع عنها، وتطالب باستعادتها، وتقاتل من أجلها!

وعلى ضوء ذلك أسأل: ما مفهوم الرجولة والذكورة في هذا الزمان الجميل؟

لطالما حقر الإعلاميون والأدباء الذي قادوا عقل الأمة خلال القرن الفائت من نموذج سي السيد، ذلك الرجل الذكر العبوس، ذي الشاربين الضخمين، والذي جسّده عمنا بيرم في شخصية باسعدة (أبوها سلطان زمانه، على شْنابه يقفوا صقرين، على دراعه يقفوا أسدين، بساتينه نخل ورمان، وحصى أرضه لولي ومرجان، ومحاوْطينه أُمرا، شُعرا، يقولوا له: يا ذا السيْفين، يا صلاة الزين، على باسعدة يا صلاة الزيييييين!).

كما جسده نجيب محفوظ في ثلاثيته رجلاً ذا قيم وأصول، قد يتخلى عنها سرًّا، نتيجة ضعفه البشري، لكنه يستبسل للمحافظة عليها، والتحلي بها، ثم ليجسده أخونا يحيى شاهين في مهابة ملتوية، وجهامة (تطفش).

هذا نموذج للرجل الكلاسيكي، أبدلوا به أنموذج الرجل التلفزيوني (الحليوة) ناعم الوجه، ثعلبي السلوك، المتفرغ للنسوان، والمهوبصة، وقعدات الأنس والفرفشة، والسمو الروحي، وتغييب العقل، ذو خبرة عريضة - تُكرَّس وتُمدَح - بعالم الجنس الناعم، من فصيلة آلان ديلون، وبيرس بروسنان، وليوناردو دي كابريا وشعبولا الحليوة أبو سلاسل على صدره!

لكنهم الآن ينتقلون لأنموذج رجالي جديد يصوغونه (عبر كرتون الأطفال) - كما يصوغون مفهوم الأخلاق، والقيم، والحريات، والحقوق، والمساواة – لن يصعب اكتشاف ملامحه، ولا استنباط خصائصه، فهو ذو شعر طويل جدًّا، أو غريب القَصة، وهو متسامح جدًّا، لا يستنكف أن تكون عشيرته امرأةً ذات ماض عريق، وخبرة عميقة، وتجارب مثمرة، وهو ناعم الخد، ذو أقراط وسلاسل، غالبًا ما يحمل عازلاً رجاليًّا (مش من نوع يا عوازل فلفلوا) كما تحمل هي صفائح منع الحمل (على حد تعبير الأديبة المغاربية التقدمية جدًّا أحلام بنت مستغانمي) التي اعتبرت حملها نوعًا من إثبات الذات، والانتصار الحضاري!

وهو ذو كراهية عالية للدين، والقيم التقليدية، يرى الخير كله عند المساتر والهررة والمسيوهات؛ جمع مستر ومسيو وهرّ (أو هيغ كما ينطقونها) ويعشق كل ما هو وِسترن؛ خصوصًا البارات، وأنواع المشروبات السائلة، والرقص المبحبح، ويرى أن من تمام الحرية والاستنارة أن الست بتاعته تكون على راحتها، والأمامير بناته على كيفهم، والجدعان وِلادُه الله يحفظهم يكونوا على مزاجهم، فلا بأس أن يربط أحدهم عنقه بإيشارب أحمر، ويربط جبهته بمنديل عليه ألوان قوس قزح، ويستبدل بملابسه بين الحين والحين ملابس حريمية - يعني من باب التغيير والانغماس في نعيم الحرية – ولا يتكلم بغير الآكسِنْت الأمريكية الشبابية.

هل رأيتم موجة الأفلام المصرية في السنين الخمس الأخيرة، وما تكرسه!؟

أليس هذا هو النموذج الذي يروجون له بقوة للقرن القادم، والذي سيحمل قيم التنوير والتحضر، خصوصًا في العالم العربي السعيد؟!

إيه رأيكم لو ساد هذا الأنموذج؟ بالله عليكم مش مسخرة؟!

--------------------------------

يقول الدكتور صبري إسماعيل في زجل عامي عن الرجولة (باختصار):

للرجولة ألف معنى/ مين سامعنا؟/ مش ولد شرير بايعنا/ يخدعك وبكل لون الألعُبان

لو يجيك ف الجامعة طالب/ له مخالب/ أو أبوه واصل وغالب/ تسأله وبكل عدل.. عند لحظة الامتحان

أو يجيك ف الشغل واصل/ مهما حاصل/ ترتعد منه المفاصل/ وبشجاعة قلت لأه مهما كان

أو كبير الكلمة نافذة/ في المحافظة/ رشوة جاتلك باعلى قفزة/ قلت أخاف المولى ربى المستعان

أو لواء فى الداخلية/ فيه قضية/ واد بريء مسجون أذية/ قمت ناطق بالشهادة وبالأمان

أو وظيفتك يوم طبيب/ لا رقيب/ إلاّ رب الكون حبيب/ لا ساومت ولا هربت من المكان

لو بطل في الجبهة جندي/ زي شندي/ حالف أنت تبقى زندي/ تحمى فينا معدنك واضح وبان

لو بتعمل في الجمارك/ لا معارك/ لو مُهرب يوم يهدّم لا تشارك/ ما تبيع نفسك لجاهل باع وخان

لو صنايعي سلاحه إيده/ أيه يفيده/ إلاّ خير بالخير يزيده/ وأحلى صنعة نحس بيها بامتنان

لو تكون إعلامي لامع/ لا تخادع/ تخشى ربك خير سامع/ صوته يوصل بالرسالة للعنان

لو وصلت إلى الوزارة/ بالشطارة/ كل همك أهل بلدك وبمهارة/ والوساطة في اعتقادك لا مكان

لو كبير الأرض دية/ كن هدية/ علّي ف بلادي الأبية/ لا يكون الشعب فرسًا/ للرهان

هي دي معنى الرجولة/ مش فحولة/ مش جعورة أو رشاوى أو عمولة/ أو بإيد الهون بتضرب يا شيطان

مش سيجارة تهّب فينا/ سنين حزينة/ أو رصيف دايمًا تهدّه ف المدينة/ أو فلوس البنك تسرق يا جبان/

الرجولة أنك تراعي/ كأي راعي/ كل أهلك وأنت واعي/ خاف ألهك وأبقى ليّه صمام أمان

albasuni@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق