عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الاثنين، 27 يونيو 2011

الصــرصــور

الصــرصــور



عبد السلام البسيوني | 27-06-2011 01:11

قلت في المقالة الماضية إن هناك رجالاً نسورًا، يرتفع الواحد منهم بنفسه، فلا يحب السفوح، ولا المنخفضات، بل دائمًا في العلياء يحلق، وفي القمم يستقر. وأشرت إلى أن مقابلهم رجالاً صراصير، المثَل الأعلى لأحدهم هو الـPeriplaneta Americana ذو الحجم الكبير، يعشقون الحياة الصرصورية عشقًا متطرفًا.. تصوروا؟ و(يموتون) في ذلك الكائن التافه الضار المغثي، الذي يعافه الخلق! تصور!

آسف إذ جرفتني الحماسة في التعبير.. هم طبعًا لا يعلنون هذا العشق، ولا يصرحون به بلسان المقال؛ لكن لسان الحال واضح فاضح، ولا يحتاج المتفحص لكبير جهد ليكتشفه!

فما الصرصور، ومن الرجل الصرصور؟

رغم شذوذ أهل الفرقعات، الذين عرضوا هذا الكائن المقزز في برنامج صدق أو لا تصدق، على أنه كائن لطيف، ومتميز..

ورغم أن التلفزيون قد عرض - ذات سهرة - أناسًا يأكلون منه كميات، في وجبة همبرجر صراصيرية دسمة..

ورغم ما يقوله علم الأحياء من أن هذه المخلوقات وأشباهها هي مخازن للبروتين..

فإن البشرية كلها تجُمع على أن هذا الكائن وسخ، ومقزز، يعشق العيش في البالوعات والقاذورات والأماكن الرطبة، وفي المستشفيات، والكتب، والملابس، وهو ناقل مثالي للأمراض المُعدية كالكوليرا والزحار (الدوسنتاريا)، كما يُهيج نوبات الربو عند الصغار، وغالبًا ما يحب الظلام والاختباء، ويكره النظافة والنور، وتصدر عنه رائحة بشعة، يعتادها أهل العشوائيات الذي يتجاهل إنسانيتَهم (أهل القصور والمنتجعات) وهو جالب للمرض والأذى، فإذا تمكن منه الناس هرسوه بأقدامهم، وطاردوه (بالشباشب والجِزم) أو - على أقل تقدير - استخدموا المضاد ذي القوة الثلاثية، اللي بيعملش حاجة.

ومنذ كم مائة مليون سنة، وحتى هذا اليوم، يتأستذ هذا الكائن الكريه في إزعاج الإنسان، واقتحام حياته، كما نجح ببراعة في اجتناب كل الوسائل التي استخدمها البشر في مواجهته، حتى إن من العلـماء من يؤكد بأن الصرصور يمكن أن ينجو من انفـجار نووي!

ويرى أهل تعبير الرؤى أن الصرصور في المنام عدو ضعيف لا يضر، أو هو شخص هامشي لا قيمة له أو هدف في الحياة، يعيش من أجل ملذاته، ويقضي عمره عالة على الآخرين!



نرجع مرجوعنا: من الرجال يا سادتي نسور، ومنهم صراصير، منهم أناس يحبون المعالي في كل شيء، ومنهم قمّامون يرتاحون للزبالة من كل شيء، ويستروحونها، ويرونها أجمل من شاطئ النيل ساعة الأصيل!

والزبالة ليست دائمًا فضلات، وأوراقًا، وأكداسًا من المخلفات الضارة، أو التي لا قيمة لها؛ فإن في الأفكار فضلات وقمامات، وإن في العقائد قمامات وفضلات، وكذا في البشر، وأنماط السلوك، وطرق المعاملة، وأساليب الحياة.. حيث يتدخل العنصر الصرصوري، ويبث روائحه وأمراضه وخطره!

** ألم تر إلى بعض البشر الذين يبحثون عن عقائد مستبيحة، تقدس الحجارة، وتمجد الشيطان، وتتعمد بالدم، وتؤله الذات، وتحول الدين إلى هلوسات وخرافات، تاركين استخدام العقل، وقوة الدليل، ونصاعة التوحيد، وإنسانية الدين!؟ فإذا لمّحت لأحدهم بشيء من النقد هاجمك بأسلحة لا قبل لك بها، واستدعى لاغتيالك المارينز، والسي آي إيه، والأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، ومجلس الأمن، والمجلس العسكري، ومجلس العيلة، والصليب الأحمر، وهالك هوجن، ورامبو، وهددك بالسجون والمعتقلات والعذاب الأليم.. فإذا قلت إن هذا فكر صرصوري، قيل لك بلغة مستعلية ونفخة كدابة: شت أب: إنها حرية، وانفتاح، وأصالة، وتقدمية، وسبق حضاري، ورؤية يعجز النسور أمثالك عن دركها!

** أم إنك لم تر إلى بعض البشر يفتشون في أحشاء الكتب، لينتقوا رواية موضوعة، أو حادثة مفتراة، أو قصة مختلقة، أو إشارة ملفقة، أو يجتزؤون جزءًا من سياق بريء، ثم يبنون عليه سيناريوهات، ويكتبون عنه القصص، ويهدمون به ثوابت، ويشوهون تاريخًا، ويجلدون أمة، فإذا أبديت اندهاشك، وقلت إن ذلك تزييف، وغش منهجي، وقفز على الحقيقة، وخيانة للأمة وللعلم وللعقل، قيل لك: اصمت أيها الجامد النصوصي، إنها حداثة، وإعادة قراءة، واستنطاق للوقائع، وإعادة صياغة للحقائق!

** ثم ألم تر إلى بعضهم ينسلّ، ويسري في جوف الظلام، لينتهك عرضًا، أو يغتال غرضًا، أو يحيك مؤامرة، أو يروع بريئًا، أو يعب من المنكرات عبًّا، ويجترئ على الكبائر انتهابًا وشربًا، ويعاقر كل ما يُـتخيل وما لا يتخيل، فإذا اندهشت قيل لك: يا متخلف: إنه الانعتاق، إنه كسر التابوهات وتكريس الذات.. ويرى أحدهم نفسه وفعله شيئًا متطورًا متحررًا منفتحًا مبدعًا جريئًا!

** ألم تر إلى بعض الناس يرضى حياة التشرد، والصعلكة، والهدوم الجربانة، التي قطعها بعناية شديدة فوق ركبتيه، وعلى مؤخرته وساقيه، وطوق يديه بجنزير، وأحاط عنقه بستة جنازير متنافرة النوعية والحجم، ودلى من إحدى أذنيه فردة حلق، وعصب جبهته بمنديل محلاوي مخطط، فإذا علقت، قال لك: إنه وادْ رِوِش - بكسر الراء والواو وتسكين الشين، أي ولد مِخَلَّص وبُرم، ومخربش.. واضح حضرتك!؟- وإننا جيل ديناصوري محنط، ما تعرفش نقدر مواهب سيادته..

فإذا قلت: يا ناس دا صرصور والله، قيل لك: أنت أعمى البصيرة، ضيق الخيال، لا تحسن تقدير المواهب، والعبقريات! بكرة دا يسوي الهوايل، في ظل النظام العالمي الشديد!

** ألم تر إلى انتهازي، يسكن حتى تهدأ الحركة، وتخف الرجل، فيتحرك بخفة، وصمت، ومكر، ليصيد أو ليكيد، فإذا أضيئت الأنوار، أو أزيح الستار، هرب بسرعة إلى أقرب شق، أو اختبأ في أقرب زاوية مظلمة، يرتقب ثانية أن ينطفئ النور، وتنسدل الستور، ليعود لصيده وكيده، فإذا قلت له: يا صرصور عيب، قيل لك إنها مهارة، وإنه أكل عيش، وإن الحياة تحتاج وعيًا، والرزق بيحب الخفية، واللي تغلب بُّه، اخرب بُّه!



في حياة الصراصير والشقوق هذه - يا عمي - ضع المنافقين، وضع بعض المتسيبين، وضع قمّامي الأفكار والقيم، وضع ضعاف الهمم.. في القديم والحديث..

ضع المنافقين الذين إذا رأوا غُنمًا هشوا وأقبلوا، وإذا رأوا غرمًا قالوا: (احنا ما لناش دعوة، دا هوّ يا حظَّابط)! الذين يفرحون بمصائب المسلمين عند الاقتضاء، لكنهم إذا كان الأمر مفيدًا يصيرون شيوخ إسلام ومفتين مجتهدين: {إن تصبك حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها}!

وضع – مع الصراصير - الانتهازيين الذين يكمنون حتى تحين اللحظة المناسبة، فيجتاحوا وينقضُّوا على الخلائق؛ ليعيثوا في الأرض وفي الأشياء والقيم فسادًا!

ضع معهم يا سيدي قمامي الأخلاق، ومتسولة الثقافة، وكناسي الكتب، الذين يريدون أن يلغوا من القواميس كلمة عيب، ومن النفوس كلمة أخلاق، ومن المجتمع كلمة قيم، ومن وجوه الستات معنى الحياء!

ضع يا سيدي اللاعبين بالبيضة والحجر، المتلونين بكل لون، اللابسين كل قناع، النهمين الذين لا يشبع أحدهم حتى لو شرب محيطًا من السيولة، وأكل جبالاً من النقد، بل هو جهنم متحركة، تقول: هل من مزيد؟!

وضع ضعاف الهمم الذين يهربون من أية مواجهة، ويأبون أي إنجاز، ويكرهون المبادرة، والإيجابية، والعطاء، ويحيون حياة تنابلة السلطان!

وضع معهم من شئت، ممن هو على شاكلتهم في (الصرصرة) والرائحة المنفرة!

ستظل الصراصير يا سادتي مقززة، حتى لو لبست أقنعة، وتدثرت بالحرير، وتحممت بأفخر العطور، وحملت تحت آباطها كتبًا ومجلات، وادعت أنها حامية حمى الثقافة، والحرية، والديمقراطية..

وآه يا زماننا.. يا زمان الصراصير!

_______________________

يقول مطر في قصيدته (أعـذار واهيـة):

أيُّها الكاتِبُ ذو الكفّ النظيفَـةْ/ لا تُسـوِّدْها بتبييضِ مجـلاّتِ الخَليفـةْ

- أيـنَ أمضي وهـوَ في حوزَتِـهِ كُلُّ صحيفَـةْ؟

- امضِ للحائِطِ.. واكتُبْ بالطّباشيرِ وبالفَحـمِ

- وهلْ تُشبِعُني هـذي الوظيفَـةْ؟!/ أنا مُضطَـرٌّ لأنْ آكُلَ خُبـزًا!

- واصِـلِ الصّـومَ، ولا تُفطِـرْ بجيفَـةْ .

- أنا إنسانٌ، وأحتـاجُ إلى كسبِ رغيفـي!

- ليسَ بالإنسانِ مَن يكسِبُ بالقتلِ رغيفَه/ قاتِلٌ من يتقـوّى بِرغيفٍ قُصَّ من جِلْـدِ الجماهيرِ الضّعيفـةْ/ كُلُّ حَـرفٍ في مجـلاّت الخَليفَـة/ ليسَ إلاّ خِنجـراً يفتـحُ جُرحـًا يدفعُ الشّعبُ (نزيفَـهْ) !

- لا تُقيّـدني بأسـلاكِ الشّعاراتِ السخيفَـة/ أنا لم أمـدَحْ ولَـمْ أردَحْ!

- ولـمْ تنقُـدْ ولم تقْـدَح، ولمْ تكشِفْ ولم تشـرَحْ/ حصـاةٌ عَلِقـتْ في فتحـةِ المَجْـرى/ وقَـدْ كانتْ قذيفَـةْ!

- أكلُ عيشٍ!

- لمْ يمُتْ حُـرٌّ مِنَ الجـوعِ/ ولـمْ تأخـذْهُ إلاّ مِـنْ حيـاةِ العبـدِ خيفَـةْ/ لا.. ولا مِن موضِـعِ الأقـذارِ يسترزِقُ ذو الكفِّ النّظيفَـةْ!

أكلُ عيـشٍ؟/ كسـبُ قـوتٍ؟/ إنّـهُ العـذْرُ الذي تعلِكُـهُ المومِسُ/ لو قيلَ لهـا: كوني شريفَـةْ !

albasuni@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق