عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الخميس، 16 يونيو 2011

لا تبك أيها الشيخ.. فقد أذلهم الله

لا تبك أيها الشيخ.. فقد أذلهم الله



طه خليفة | 16-06-2011 03:12

نبيل المغربي دخل السجن رجلاً في الأربعين من عمره، وخرج منه كهلاً في السبعين، مع جملة من الأمراض الخطيرة والمزمنة.

حالة المغربي -والكثيرون غيره- هي نموذج آخر لسلوك مبارك ونظامه البائد في الإمعان في الخصومة، وخلو قاموسه السياسي من فضيلة التسامح والعفو عن الخصم عند المقدرة، علما أن هذا الخصم هو مواطن من رعيته، وليس عدوا من بني إسرائيل، والمدهش أن الإسرائيلي عزام عزام المدان بالتجسس، تعامل معه مبارك طوال 8سنوات في السجن بتسامح ومودة، ثم نال كرمه وعفوه بالإفراج عنه قبل انتهاء الحكم، بينما أبناء الوطن لم يحصلوا على تعاطفه وبقوا في السجون سنوات بعد انتهاء مدد محكومياتهم.

أيا كانت الجريمة التي ارتكبها المغربي، أو زملاؤه الإسلاميون الذين بدأوا التوافد على السجون منذ اعتقالات سبتمبر عام 1981، ثم تزايد عددهم بعد اغتيال السادات، وظلت السجون تستقبلهم بالألوف طوال عهد مبارك، فإن الإمعان في الخصومة معهم إلى حد الحكم عليهم بالقتل النفسي، فضلاً عن القتل الجسدي تحت التعذيب أو بأحكام الإعدام، وبشاعة ظروف السجن لم يكن أمراً سياسياً حكيماً قبل أن يكون غير إنساني أو أخلاقي من رئيس لرعيته.

كانت لدى النظام السابق بذور عداوة غريبة تجاه المواطن المصري، ظلت تنمو وتكبر حتى ترسخت في التعامل اليومي معه، حقوق هذا المواطن لم تكن مهدرة في السجون فقط، بل خارجها، في الشوارع، وفي كل مكان يذهب إليه، وخصوصاً في أقسام ومراكز الشرطة رمز القهر والإذلال، ولذلك كان اختيار الشباب ليوم 25 يناير تحديدا للاحتجاج السلمي على سياسات نظام تآكلت شعبيته بشكل مذهل، نابع من أن هذا اليوم المسمى "عيد الشرطة" هو في حقيقته كان احتفالا سنويا من النظام بأداته لقمع ومخاصمة الشعب، ولا علاقة لسلوك هذه الشرطة بالشرطة التي ضحت بنفسها من أجل كبرياء الوطن في مواجهة المحتل الإنجليزي يوم 25 يناير عام 1952، وتقرر أن يكون هذا اليوم هو عيدها، فهو عيد شرطة ضحت لأجل شعبها ووطنها، وليس شرطة تضحي بالشعب والوطن ،لأجل الحاكم.

النظام كان يمعن في الخصومة مع كل من يتصور أنهم أعداؤه، وكان يبالغ مع الإسلاميين بشكل خاص، لأن رأس النظام يكرههم، ولذلك بنيت سياسات النظام على أساس ما يحبه وما يكرهه مبارك، وليس على أساس حكم القانون والدستور والمصالح العليا للوطن والمواطن، ولم تكن تلك السياسة المهلكة تطبق في الداخل فقط، إنما امتدت إلى علاقات مصر بالخارج أيضا.

مثلا.. خصومة مبارك مع الإسلاميين ألقت بظلالها على طريقة تعامله مع "حماس" باعتبارها تنتمي إلى الإخوان المسلمين، دون أن يدرك أن مصالح مصر تقتضي احتضان هذه الحركة، وترويضها، لو كانت شاردة أو متهورة، وانه يجب التفريق بين العداء غير المبرر مع إخوان الداخل، وبين ممارسة نفس السلوك الغبي مع حماس "إخوان الخارج" فالحركة عمليا تحكم غزة ولها شعبية وسط الفلسطينيين، والرأي العام العربي والإسلامي، وهى فصيل أساسي ومهم يصعب إقصاؤه عن أي ترتيبات تتعلق بالشأن الفلسطيني الداخلي، أو في التفاوض مع إسرائيل، كان موقف النظام في عدوان غزة 2009 صادما ومؤكدا لخطورة المغالاة في الخصومة، حيث ظهر كما لو كان يقف إلى جانب إسرائيل للقضاء على "حماس"، والخصومة السياسية لمبارك مع قطر جعلته يتخبط، وبدل سعيه لترميم مواقفه، فانه زادها اهتراء بسعيه لإفشال عقد قمة عربية بالدوحة لأجل غزة، واعترف أحمد أبو الغيط وزير الخارجية السابق أن النظام أفشل فعلا تلك القمة، وكان مفاخرا بذلك، وقبل أيام تكشف وثائق "ويكيليكس" أن هذا الوزير وبخ دبلوماسيا بسفارة مصر بالدوحة لأنه اقترح عليه السير في اتجاه تحسين العلاقات، وكان رده أن مصر ستقف بالمرصاد من أجل إفشال أي مبادرة قطرية، هل هذه هى مصر الكبيرة والعظيمة والرائدة خلال عهد مبارك، أن يكون كل همها مناهضة الأشقاء؟.

والمغالاة في الخصومة مع إيران ألقت بظلالها على العلاقة مع حزب الله، وأنا لست من أنصار هذا الحزب، ولي موقف من أهدافه، وبعض ممارساته، كما لي موقف من أطماع إيران التوسعية بالمنطقة، لكن نظام مبارك لم يدرك انه ليست هناك عداوات، أو خصومات دائمة في العلاقات والسياسة والمصالح، فواصل الخصومة مع حزب الله وحلفائه، ولم يلعب معهم لعبة السياسة، ففقدت مصر ما كان لها من دور وتأثير في لبنان، ولم تستطع حتى حماية القوى القريبة منها في هذا البلد.

السياسة الشخصية وتغليب الخصومة والعدائية في دبلوماسية مصر الخارجية جعلها تنسحب أو تفقد تأثيرها في مناطق عديدة ترتبط بمصالحها وأمنها القومي وأدوارها التاريخية، وكان ذلك واضحا أيضا في السودان ودول حوض النيل والعراق والجزائر وغيرها .

نبيل المغربي بقي 31 عاما في السجن، فلماذا كل هذه السنوات الطويلة، هو والألوف من زملائه الذين هرموا ومرضوا في السجون، وما هى خطورتهم فيما لو كان مبارك أفرج عنهم، فالمجتمع تغير من حولهم، وظهرت أجيال جديدة تسعى للتغيير السلمي بالحشد والتوعية عبر الإعلام غير التقليدي، وليس بالسلاح، كما حدث في ثورة 25 يناير، علاوة على أن أمن الدولة ذراعه طويلة في الوصول إلى من يريده، ولن يكون أي من هؤلاء بعيدا عن عيونه، لو لم يكن النظام قد سقط لكان المغربي وعبود وطارق الزمر وغيرهم من الإسلاميين الذين شاب شعرهم مازالوا في السجون الآن ينتظرون الموت بعيدا عن أحضان ورعاية أسرهم، إنها الرغبة السادية في قهر الإنسان وهزيمته من داخله وهو ما جعل النظام السابق يدخل كل يوم في خصومة جديدة مع فئة من فئات شعبه، حتى صار في النهاية بلا أصدقاء أو أنصار، فلم يجد من يدافع عنه عندما بدأ يترنح تحت هدير صوت الثوار له بالرحيل.

مبارك المحبوس في مستشفى خمس نجوم بشرم الشيخ لا يستحق التعاطف، ولا التدليل، لأنه ومماليكه وانكشاريته أذلوا المصري كريم العنصرين، يجب أن يقضي مبارك ولو ساعة واحدة داخل الحمام الذي حبسوا فيه نبيل المغربي حيث كان يضع رأسه أسفل الباب ليحصل على الأوكسجين ليتنفس، وذلك حتى يذوق ما فعله بمواطن واحد، فماذا عن الملايين الذين سجنوا أو اعتقلوا ظلما أو ماتوا جوعا ومرضا وغرقا ويأسا وقهراً.

لا تبك أيها الشيخ الطاعن في السن عندما تتحدث عن رحلتك الطويلة في سجون وصفتها بأنها أبشع من " جوانتنامو "، فقد أذلهم الله كما أذلوا الإنسان، أكرم خلق الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق