عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الأربعاء، 29 يونيو 2011

التصور العلماني للدستور

التصور العلماني للدستور



د. رفيق حبيب | 29-06-2011 01:34

يتضح من الجدل حول المواد الدستورية الأسياسية، أن هناك الكثير من الغموض والالتباس المقصود في موقف النخبة العلمانية من الدستور، وهي النخبة التي لا تريد أن تعلن أنها علمانية، وتريد ممارسة العلمانية تحت مسميات أخرى، حتى لا يتشكل موقف شعبي ضدها. لذا تحاول النخبة العلمانية صياغة موقفها بصورة تبدو أمام الناس وكأنها لا تعارض مرجعية الشريعة الإسلامية. ورغم أن كل الجدل الدائر بين العلماني والإسلامي كان يدور حول المرجعية الإسلامية، إلا أن النخبة العلمانية تريد إعادة إنتاج موقفها بصورة تظهرها وكأنها لا تعارض المرجعية الإسلامية، بل وتحاول تصوير التيار الإسلامي، ليس على أنه التيار الذي يحمل المرجعية الإسلامية، بل على أنه تيار مستبد باسم الدين. وكأن النخبة العلمانية هي التي تريد المحافظة على المرجعية الإسلامية بدون استبداد! لذا يصبح من الضروري وضع تعريفات محددة لكل موقف، حتى يمكن التمييز بين المواقف المختلفة من المرجعية الإسلامية والمرجعية العلمانية.

ومن الملاحظ أن الموقف العلماني في أساسه يرفض أن يكون في الدستور نصا للمرجعية الدينية أيا كانت، وعليه يصبح الموقف العلماني الأصلي هو معادي للنص على أن دين الدولة الإسلام، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. وهناك موقف علماني متطرف وآخر معتدل، ولكن كلاهما يتفق على أن المرجعية العليا لا يجب أن تستمد من قيم ومبادئ الدين، ولكن الموقف العلماني المتطرف يحارب أي ظهور للدين في المجال العام، أي يحارب الحجاب أو النقاب مثلا كما في فرنسا، أما الموقف العلماني المعتدل فلا يحارب ظهور الدين في المجال العام، أي لا يحارب الحجاب أو النقاب مثلا، كما في أمريكا. ولكن كل المواقف العلمانية ترفض النص على أي مرجعية دينية في الدستور، وبالتالي ترفض النص على أي مرجعية دينية للنظام السياسي والقانوني.

ولكن النخبة العلمانية في مصر، ولأنها أدركت أن نص المرجعية الإسلامية في الدستور يحظى بأغلبية ساحقة، لذا رأت أهمية أن لا تضع نفسها في مواجهة المرجعية الإسلامية في الدستور، أي نص المادة الثانية، ولذلك بحثت عن مخرج آخر. والمتابع لتصورات النخبة العلمانية عن النصوص الأساسية للدستور، والتي تسمى أحيانا بالمواد فوق الدستورية، يجد أنها تحاول صياغة نصوص تسمح بوجود نص المرجعية الإسلامية للدولة والتشريع، مع تقيد هذا النص.

فالتصورات التي تقدم تقوم على فكرة الحفاظ على نص المادة الثانية من الدستور، والخاصة بالمرجعية الإسلامية، مع المبادئ الأخرى المتفق عليها والخاصة بالمواطنة والمساواة والحقوق والوجبات والحريات، ولكن هذا التصور يماثل في النهاية موقف العديد من القوى الإسلامية، ولكن النخبة العلمانية تريد التوصل إلى صيغة أخرى، تشمل المرجعية الإسلامية وتحدها في الوقت نفسه.

وهذا التصور يقوم على تحصين المواد الخاصة بالمواطنة والمساواة والحقوق والحريات بحيث تصبح هذه القواعد أعلى من مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية، لأنها مواد محصنة ويتم حمايتها بقوة القوات المسلحة، وغير قابلة للتعديل حتى بالإرادة الشعبية الحرة، بحيث تصبح هذه المواد هي مقدس علماني مفروض على الجميع، ولا يمكن لأحد تعديله. وبعد ذلك يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية في ظل قواعد المواطنة والمساواة والحقوق والحريات، وبهذا سوف تفسر تلك القواعد حسب الفهم السائد عنها في المواثيق الدولية، وحسب الفهم الغربي، وتصبح الشريعة الإسلامية مقيدة بالفهم الغربي للقواعد السياسية العامة، والذي يعتبر فهما عالميا، نظرا لسيادة المفاهيم الغربية نتيجة سيادة القوة الغربية على العالم.

نقصد من هذا، أن أي نصوص دستورية تحدد ضمنا مرجعية المبادئ العامة في الدستور بصورة أو أخرى. لذلك فالخلاف الآن هو على موضع المرجعية الإسلامية في الدستور. فالتيار الإسلامي يقدم رؤيته على أساس الالتزام بقواعد المواطنة والمساواة والحقوق والحريات في إطار مبادئ الشريعة الإسلامية، ولكن النخب العلمانية تقدم تصور آخر، يقوم على أساس الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية في إطار قواعد المواطنة والمساواة والحقوق والحريات. إذن الفرق بين الفريقين هو أن مبادئ الشريعة الإسلامية لدى التيار الإسلامي هي القيمة العليا، أما بالنسبة للنخب العلمانية فهي قيمة ثانوية محكومة بغيرها من القيم. وبهذا تصبح القيمة العليا التي لها ثبات وقداسة في النص الدستوري بالنسبة للتيار الإسلامي، هي المرجعية الإسلامية، أما بالنسبة للنخب العلمانية فتصبح القيمة العليا التي لها ثبات وقداسة في النص الدستوري هي المواطنة بالفهم العلماني السائد لها، وتصبح الشريعة الإسلامية محكومة بالمفاهيم العلمانية لدى النخب العلمانية، وتصبح القواعد السياسية مثل المواطنة محكومة بالمرجعية الإسلامية بالنسبة للتيار الإسلامي.

وكأن العلماني هو من يقبل نص المادة الثانية ويجعلها محكومة بغيرها من القواعد مما يرهن تطبيقها بقيم خارجة عنها ومستمدة من المرجعية الغربية، أما الإسلامي فهو من يقبل القواعد السياسية العامة مثل المواطنة في إطار الشريعة الإسلامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق