حوار مع فاروق جويدة عن السلفيين!![1/2]
د/ طه محمد نجا | 19-04-2011 00:35
ليسمح لي الشاعر الكبير ، والأستاذ الكريم المبدع : فاروق جويدة ، باستعارة اسم مقالاته الوطنية الصادقة ، والتي كنا نتابعها بكل إكبار ، وهي تصارع أغلال الفساد الحكومي والسلطوي في العهد البائد ، وهو في عنفوانه ، وعتو سلطانه ، فتتململ بقامتها العالية ، لترتفع بسقف المسموح به في أكبر جريدة حكومية (الأهرام) ، وتقول شيئا ، بل أشياء ، مما لم يكن يقوله الناس هناك ... (حينئذ) !!
لكن ذلك لا يمنعني من أن أناقش الأستاذ ، أو أختلف معه ؛ فالخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ؛ و (شيخ الإسلام حبيب إلى قلوبنا ، ولكن الحق أحب إلينا منه ) ، كما نقول ـ معاشر السلفيين ؛ بل كما يقول غيرنا أيضا : سقراط حبيب إلينا ، والحق أحب إلينا منه !!
يفيض مقال الأستاذ في جريدة الشروق [10/4/2011م] : (قليل من الحكمة في لغة الحوار) بالأسى على ما كتب من تعليقات على مقاله السابق له ، والذي لم أقرأه في حينه [3/4/2011م] : ( لسنا كفار قريش .. ولستم أصحاب النبي ..) ولست معنيا هنا بقراءة التعليقات المشار إليها ، فضلا عن موافقتها أو مخالفتها ، وأنا أتفهم جيدا ما يكتب عادة في مثل هذه التعليقات التي لا يعلم من صاحبها ، وما هويته ؛ مما يفقد بعضها أدنى حدود اللياقة والملاءمة !!
لكنني معني هنا بالتعليق على (دفوع ) الأستاذ ، بلغة القانونيين ، أمام مخالفيه ، والتي مثلت مع مقاله الأول قدرا من التحامل والتجني على السلفيين ، أقل ما أقوله فيه : إنه لا يتلاءم مع دماثة الأستاذ ، ومكانته ، ولعل هذا هو ما دفع مثلي لأن يكتب شيئا ، على ندرة ما يفعل !!
إن (الأستاذ فاروق) يقول : (.. تناولت قضية المسيحي الذي قطعوا أذنه في محافظة قنا ، وشاهدت الرجل .. ) .
فأقول لك يا سيدي : وأنا أيضا قد شاهدت رجلا قد قطعت إحدى رجليه ، وآخر قد قطعت رجلاه ، وثالث قد فقئت عينه ... ، لكنني أيضا لاحظت أن الفعل في هذه الجمل كلها مبني للمجهول ، وأنا ـ شخصيا ـ عاجز عن أن أبنيه للمعلوم !!
وإذا قدر أنني تمكنت من تحويل البناء اللغوي إلى صيغة المبني للمعلوم ، فقلت : قد قطعوا أذنه ، وثملوا عينه ... ، فإنني أسألك يا سيدي : إلى من يعود ضمير الجماعة هنا (الواو) ، والذي يعرب في النحو فاعلا ، ويسمى في القانون جانيا ؛ لنخرج بالواقعة من حيز المجهول إلى حيز المعلوم ؛ أعني: المعلوم أخلاقيا وقانونيا ؟!
هل رأيت أنت ( قاطع الأذن ) بعيني رأسك ، حتى تشهد عليه شهادة شرعية ، كالذي تعرفه من معنى الشهادة ، ويقبل إثباتك هذا من الناحية القانونية ؟!
إن تحقيقات النيابة ، بل أصحاب الواقعة أنفسهم : لم يتهموا سلفيا واحدا باسمه ، أو رسمه ، بارتكاب ذلك ؛ فكيف اتهمت أنت بها السلفيين ، إن كنت قد غضبت من تهمة التأثر بالإعلام في دعاواه ؟!
ومثل هذا يقال أيضا في واقعة هدم الأضرحة ، فمن يدافع عن السلفيين لا يحتاج إلى أن يكذب الرواة والشهود في أن ثمة أضرحة ، وأضرحة محددة بالزمان والمكان والأسماء ، قد تم هدمها ؛ وبعيدا عن أن ضريح القليوبية كان قد هدم في العهد البائد ، وبمعرفة وزير الأوقاف ، على ما قيل ، فالواجب الأخلاقي والقانوني يحتم علينا أن نعيد النظر في نفس السؤال السابق : كيف ثبت عندك أن السلفيين هم الذين فعلوا ذلك ، وإذا سألك القاضي في الدنيا عن دليلك (القانوني) فعلى أي شيء تبني شهادتك ؟ بل إذا سألك ربك غدا ، وأنت بين يديه كما ولدتك أمك عن اتهامك لهذه الجموع بالوقوف وراء ذلك ، فماذا أنت قائل له ، وهل علمت فعلا أنهم قد اكتسبوا ذلك ؟ وهل تأملت قول الله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) [الأحزاب/58] ، وهل أعددت لذلك جوابا ؟!
لقد قلت حقا يا سيدي : فنعم أذن الرجل قد قطعت ، والضريح قد هدم ، أو الأضرحة ، لكنك بهذا لم تقدم شيئا في خدمة الحقيقة ؛ لأن هذا لا يعني أن فلانا بعينه هو الجاني ، حتى تشهد على ذلك بعلم : (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) [الإسراء/36] .
وأما اغتنام حدث ، أو حوادث عديدة ، لتوريط شخص أو اتجاه في تهمة لم تثبت ، كما يفعل الإعلام كثيرا ، (فقصد لا يليق به ـ أعني بالأستاذ الأديب ـ بل بالذين في غاية الشر) ، على حد تعبير الفيلسوف ابن رشد [ تهافت التهافت (234) ط العلمية] !!
أتدري من هذا الذي هو في غاية الشر يا سيدي ؟!
إنه سجّان العهد البائد وسيافه : (العادلي وأشباهه) !!
من ذا الذي يشك في أن ثمة تفجيرا قد حدث في كنيسة القديسين ؟!
لا أحد ؛ لكن كيف أمكن أن يؤخذ في ذلك شاب ، أيا ما كان مذهبه وملته ، فلا يمر عليه أكثر من ليلة واحدة حتى يموت في إحدى غرف جهنم الزبانية !!
ثم يتكشف بعد ذلك أن الأمر ليس أكثر من مسرحية ، والمجرمون الحقيقيون : (قتلوا القتيل ، ومشوا في جنازته ) !!
إنه منطق واحد يا سيدي ، ولا فرق ، وهو منطق قديم جدا يقوم عليه إعلام الجبابرة ، وسيافوهم في وقت واحد ، وبالتوازي !!
لا بد أن الأستاذ الكبير قد قرأ قبلي مسرحية (إنت اللي قتلت الوحش) لعلي سالم ؛ فليسمح لي أن أقتبس هذا النص من المسرحية ، لأذكره بأن المسرحية واحدة ، وأن الأدوات هي الأدوات :
الشخص المتهم في كل مرة (كاعت) يخاطب رئيس الشرطة (عادلي زمانه) وكان اسمه (أوالح) بقوله : (اسمع يا أوالح .. أنا سئمت اللعبة دي .. ، كل ما يتعين ملك جديد ، تمسكوني وتضربوني بنفس الطريقة ، وتسألوني نفس الأسئلة .. عاوز أعرف يا ناس ... عاوز أعرف .. كفرت ، والا الواحد يموت بقى أحسن ... ؟!!) .
(رأسه ترتمي على صدره ..... مات ) !!
لماذا يكون السلفيون ، أو غيرهم من البشر ، شماعة لكل حدث ، أو سبابة لكل نادم :
غَيْرِي جنى وَأَنا المعذَّبُ فيكمُ فكأنّني سبَّابة المتندِّمِ !!
أنا أشعر بمرارة الظلم الذي وجدته في بعض التعليقات ، وأشعر بدهشتك لتعليق لم يعرف قدر الكاتب ، ولا كيف يختلف أو يرد ، لكن يا سيدي : هل ترضى لنفسك أن تقابل ظلما بظلم ؟!
إن كنت ترضى أن ترمي إخوانك بغير بينة ، أو تشهد عليهم بشيء لم تر يدهم فيه ، فليس من النصَفَة ـ إذا ـ أن تغضب من تعليق المعلقين ، أو أن تعود لعيبهم بذلك :
فلا تَجْزَعَنْ من سُنّةٍ أنت سِرْتَها ... فأوّلُ راضٍ سُنّةً منْ يسيرها !!
* تعرض الأستاذ ـ أيضا ـ للقضية المفتعلة التي أثارتها كلمات الشيخ محمد حسين يعقوب ؛ ولست هنا بصدد الاعتذار عن الشيخ ، أو شرح موقفه ، فقد قيل له ، وقيل عليه الشيء الكثير ، والأكثر مما ينبغي . [ أرجو إن سمح وقت الأستاذ أن يرجع إلى محاضرة طيبة للدكتور محمد إسماعيل المقدم ، بعنوان : (أخطأ من شدة الفرح) ] .
لكن الذي أثارني هنا أن الأستاذ جويدة قد استدل على (موضوعية) نقده للسلفيين ، بأن الشيخ ، وهو أحد رموزهم الدعوية ، قد اعتذر عن كلامه ؛ واعتذاره ـ وهذا منطق استدلال الأستاذ فاروق ـ يدل على ثبوت جرمه ، أولا!!
والواقع أن العتاب هنا أشد ، وأشد ؛ فهل يليق بالأستاذ الأديب الأريب أن يعير قوما بـ(ذنب) قد وقع فيه أحدهم ، ثم أعلن (اعتذاره) عنه ، دون تصنع أو كبرياء !!
وإذا كان هذا القول مما لا يمكن توصيفه : مخالفة قانونية ، أو شرعية (ذنبا) ، وإن كان خطأ ، انتقده عليه عامة محبيه ؛ فهل يليق أن نقيم الدنيا ، ولا نقعدها لأجل ذلك .
وهل يليق بالأديب المبدع أن يعيد اجترار ذلك المشهد الذي استهلك إعلاميا ، وعِدائيا ، حتى بلغ حد الركاكة والابتذال ؟!!
ثم تأتي المفارقة الأشد مرارة هنا ؛ إذا تذكرنا ذلك الاستفزاز (الوقح) ، الذي قام به الرجل الثاني في الكنيسة المصرية : بيشوي ؛ حين يزعم أن 94% من الشعب المصري، على أقل تقدير واقعي لتعداد المسلمين : هم ضيوف على جنابه ، ودخلاء في بيته !!
ثم جرأته على كتاب ربنا الكريم ، واتهامه له بالتحريف !!
ولم يعتذر هذا (الكائن) ـ بالهمزة ـ ، ولم يعتذر رأس الكنيسة إلا على استحياء شديد ، ثم ما لبث أن عاد وسحب اعتذاره سريعا !!
لا يعنينا ذلك الموقف المتطرف من القوم في شيء هنا ، فهم أهله ومعدنه ؛ لكن الذي يعنينا : ذلك السكوت المريب من (النخب) الثقافية والإعلامية على ذلك ، ومر الأمر ، وكأنهم القائل :
ولقد أمُرُّ على اللئيم يَسبُّني فَمَضيْتُ عنه وقلتُ لا يعنيني !!
دعنا من هذا الماضي القريب ، ولنكن في حدث اليوم الذي هاج الإعلام فيه وماج ، ولم يتوقف عند احتشاد الكنيسة المريب الغريب للتصويت بـ (لا) ، ودعم ذلك ماديا ومعنويا ؛ و(اقتياد) الناس إليه ، حتى لو ملكوا أن يخرجو الرفات من قبورها : لفعلوا .
[ بعض الظرفاء علق لي على اصطحاب القوم للمسنين والمرضى ليدلوا بصوتهم : بأنهم أخرجوهم من القبور ليقولوا : لا ، ثم يرجعوا ] !!
والحملات الدعائية ، والمؤتمرات السياسية في الكنائس والكاتدرائيات : ثم لا أحد يتكلم !!
أفرأيت يا سيدي : لماذا زج المعلقون باسم (الإخوة الأقباط) هنا ؟!
بالمناسبة : أنا إلى ساعتي هذه ، لم أجد لسيادتكم ، ولا لأحد من كتابنا الكرام في جريدة الشروق ، فضلا عن صحف الشطط ، وبرامج الإثارة ، لم أجد في ألوان الطيف المختلفة مع الطرح السلفي من عبر عنهم بـ (الإخوة السلفيين) ؛ اللهم إلا أن يكون في مقام الغمز والاستخفاف ، على حد قول الشاعر :
وَإِذا دَعَونَكَ عَمَّهُنَّ فَإِنَّهُ نَسَبٌ يَزيدُكَ عِندَهُنَّ خَبالا
أرأيت يا سيد ي أن طعم الظلم ، ليس مرا في حلقك أنت وحدك ، وأن من يستبشع الظلم ، ينبغي أن يكون أبعد الناس عنه ؛ إذا ما قدَر عليه !!
وللحديث بقية ، إن شاء الله .
والله الموفق .
[ الكاتب : باحث متفرغ في الدراسات الإسلامية ، حاصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية ، كلية دار العلوم ، جامعة القاهرة ] .
قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)....... اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني و أنا عبدك و أنا علي عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي و أبوء بذنبي ربي اغفر فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق