عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الثلاثاء، 26 أبريل 2011

ياليتني لم أكن علمانيــّــا!!

ياليتني لم أكن علمانيــّــا!!



أشرف فوزي | 19-04-2011 00:10

تجاورز المشهد (عند ذوي الفطر السليمة ) الدروس السياسية أو الاجتماعية أو التاريخية أو الثورية إلى الاعتبار بالآيات الربانية ..فالمتداول على ألسنة المصريين المؤمنين هي : سبحان الله ..حكمتك يارب ..يعزّ من يشاء ويذل من يشاء ..إلى آخر العبارات التي تشير إلى الإيمان بقدر الله المقدور في الأحداث.

ولاشك في كونها انفعالات فطريّة سليمة تصدر عن ذوي الوجدان المؤمن السليم..وأفهم أنه أمر يغيظ قلوب القوم العلمانيين فهو ( للأسف العلماني الشديد ) انفعال يخلط الدين بالسياسة! وبهذا يكون انفعال «ميتافيزيقي» ، «غيبي ،غيهبي ،دهاليزي، ماضوي ،سلفي ، بهجوري»! ( أضف من عندك أي شيء غير مفهوم )،وبالتالي فهو مرفوض رفعا ونصبا وجرا وفقا للمنظور العلماني المركب والمعتبر لدي القطعان التي تهرف بما لاتعرف !!

تعامل مبارك مع متطلبات الحكم وإدارة الدولة بقلب علماني ووعي علماني ووجدان علماني ، وكذلك فعل «زين العلمانيين» في تونس ,ومن ثم كره مبارك (كما كره زين ) الإسلاميين ( بحسب ويكيلكس ) وضيّق عليهم ، و مكّن العلمانين ووسع لهم ( بحسب المعاينة )، فصالوا وجالوا يحملون راية الفساد والإفساد في شئون البلاد والعباد كافة في كل ركن من أركان مؤسسات الدولة ، فساد الكبر والفساد وتراكمت المظالم والظلمات ، وعزّ في المتصدّرين أثر السجود، وندرت نفحات الإيمان والرحمة ، وتعكّرت السماء ، وأكلت صحراء العلمانية كبد المدنية ، فانعدمت الرؤية ؛لأن الوعي العلماني محروم من بصيرة القلب والوجدان ورؤية الممكن .

كما أن الملكات العلمانية يتصاغر فيها الضمير ؛لأن جوهر الضمير حلال وحرام، وجوهر الحلال والحرام رقابة إلهية ،ولا قيمة لرقابة لا يُعظَّم فيها الرقيب ؛وكذلك تفعل العلمانية ؛ فكانت النتيجة على نحو مانعاين: سقوط مبارك وسقوط دولة العلمانيين كما سقطت في تونس ( نموذج العلمانية القشيب !) وسقوط خرافة العلمانية ( في البلاد العربية والإسلامية) وليس هناك أخطر من محاولة إعادتها للحكم مرة أخري الأمر الذي تسعي له القوي الغربية ( الآن ) سعيها بتواطؤ أذناب الداخل .

ومع ذلك فإن أمام مبارك وعائلته وأعوانه من الطائفة العلمانية فرصة أتمني أن يدركوها ( وأن ندركها معهم ) قبل أن يدركهم ( ويدركنا ) الموت..فإن كانوالم يتمكنوا من إدراكها وهم ممكّنون ومتحكّمون ، يمكنهم الآن بمشيئة الله وفضله ورحمته أن يدركوها ( وندركها معهم ) وهم يحاكمون ، يمكنهم الآن أن يقفوا على حقيقة كل من الحكم والملك والموت والحياة .

وتاريخنا والحمد لله غني بنماذج مبهرة وأمثلة مدهشة على نباهة الإدراك ورقي الوعي ( الجدير بإنقاذ الجميع مما نحن فيه ) بفلسفة الحكم والملك والموت والحياة..إلخ ، فمنهم من أدرك وهو في ملكه ومنهم من أدرك عند وفاته ومنهم من أدرك بعدما تراكمت مظالمه ، ومنهم من أدرك (للأسف ) بعد فوات الأوان فقال » إنّي تُبت الآن » نسأل الله العافية .

ويحضرني مثلا الخليفة هارون الرشيد ـ المفتري عليه وعلينا وعلي ديننا ـ كان شجاعا قويا تقيا يخشي الله ( راجع سلسلة التاريخ الإسلامي للعلامة محمود شاكر ) وكان مستمعا جيدا للنصيحة !عكس ما نعاينه في حكامنا .

مر الخليفة هارون الرشيد بأحد الصالحين وهو في طريقه إلي الحج فطلب منه النصيحة ، لاحظ نائب عن الله ( وفقا للخرافة العلمانية ) يطلب النصحية من أحد الرعية: فقال له الناصح :
أرأيت إن ملكت الأرض طـرا ...ودان لك العباد فكان مـاذا
أليس غدا مصيرك جوف قـبر ...ويحثو عليك التراب هذا ثم هذا
فتأثر بها وطلب منه أخري !: فقال له : «من رزقه الله مالا وجمالا فعفّ في جماله وواسي في ماله كُتب في ديوان الله من الأبرار» ، وقال له أحدهم يوما : «تموت وحدك وتدخل القبر وحدك ، وتبعث منه وحدك ، فاحذر المقام بين يدي الله عز وجل ».
وقال له الفضيل أثناء حجه : «يا صبيح الوجه إنك مسئول عن هؤلاء كلهم وقد قال تعالي : (( وتقطعت بهم الأسباب ))» فبكي الخليفة تأثرا ، وكان هذا دأبه ( كما تحكي كتب التاريخ ) عندما يستمع إلى النصحية.

وطلب يوما من أبي العتاهية أن يصف له ماهو عليه ( أي الخليفة هارون ) فقال له أبو العتاهية :
عش مابـدا لك سالما ...في ظل شاهقة القصـور
تسعي إليك بما اشتهيت ...لدي الرواح إلى البكور
فإذا النفوس تقعقعت ...عن ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلـم مـوقنا ...ماكنت إلا في غــرور
فقيل لأبي العتاهية دعاك لتسرّه فأحزنته ، فقال هارون : «دعـه فإنه رآنا في عمي فكره أن يزيدنا عمي» !
وحكي عن هارون أنه انتقي أكفانه بيده عند الموت وكان ينظر إليها ويقول : ((مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ)) ( الحاقة 28/29)
وقيل لعبد الملك في مرض وفاته كيف حالك قال حالي كما قال الله تعالي : ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ))(الأنعام 94) ( راجع البحر الرائق في الزهد والرقائق للشيخ أحمد فريد ) .

وفي محاسبة الحكام لأنفسهم، نعلم جميعا كيف كانت المحاسبة بين يدي الله من أهم ما يسيطر على وعي سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه : فكان ينصح المسلمين : «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا» ..و«زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم»...كما لقن حكامنا درس في مفهوم المسئولية المدنية عن الإعماروحقوق الحيوان : «والله لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسئولا»! ؛ وهي عبارة لها دلالتها البالغة على أثر المرجعية الدينية في الإثراء المدني والحضاري .

ولذلك لم يكن غريبا على أردوغان ( بمرجعيته الإسلامية وإنجازاته المدنية ) أن يكون الرئيس المسلم ( لدولة إسلامية مدنية واعدة ) الوحيد الذي ذكّـر مبارك بالآخرة « نحن بشر مكتوب علينا الفناء » ..فالعقلاء والمبصرون وحدهم يعلمون أن انفصال الدين عن الحياة هو سبب الشقاء للحكام والمحكومين.

وإذا قيل أن المأمون قد افترش رمادا واضجع عليه وقال : «يامن لايزول ملكه ارحم من زال ملكه »، فبإمكان الحكام العرب العلمانيين الذين زال ملكهم أن يطلبواالرحمة ممن لايزول ملكه .فهذا باب ـ بفضل الله ـ مفتوح ولم يغلقه حتي في وجه الذين فصلوا دينه عن حياتنا.

وإذا كان الحجاج على عظم ما اقترف من مظالم في حق المحكومين : دخل على ربه من باب الانكسار والرجاء مرددا : «اللهم اغفر لي فإن الناس يقولون أنك لن تغفرلي » وقد استحسنها منه عمر بن عبد العزيز وقال الحسن : عسي ( أي عسي أن يغفر الله للحجاج ) ،فإن الله ـ بفضله ـ يفتح نفس الباب للحكام العلمانيين ، الذي أرادو سلخنا عن الدين ومن ثم طغوا في البلاد فأكثرو فيها الفساد .

وإذا كان مروان بن عبد الملك قال في آخر أيامه :« ياليتني كنت غسّالا آكل من عمل يدي ولم أل من أمر الدنيا شيئا» ، فبإمكان الحكام العرب العلمانيين الذين أمعنوا ( برعونة )في فصل حياة الناس عن إسلامهم في إمكانهم الآن ويجدر بهم أن يضيفوا إلى أمنية مروان أمنية : «ياليتني لم أكن علمانيـّا» ولم أفصل أسباب الرحمة والرشاد عن حياة العبـاد..!!
الحـرية هـي الحـل
Ashraf.fawzy@live.com
Ashraffawzy.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق