عون الرحمن

قصة كاميليا شحاتة

شرح كتاب العبادات

ما هكذا تورد الابل يا جمعة!!!؟

الخميس، 28 أبريل 2011

العلويّون من الشيخ الى الجنرال الى الدكتور..

العلويّون من الشيخ الى الجنرال الى الدكتور..



عـهـد فـاضـل* | 28-04-2011 00:09

إذا كان ارتباط العلويين، كغيرهم، بسلطة الشيخ، في حس انتماء واحتماء تاريخيين، لهما سياقهما المعروف، فإن بروز شخصية الجنرال كوارث إيديولوجي لسلطة الشيخ عليهم، أخذت منحى جوهريا متصاعدا أبدلت السماوي بالأرضي، والمقدس بالمدنس والإلهي بالبشري. هذا سهّل عليهم قبول العزم السلطوي بأكثر قدراته بطشاً وسيطرة واحتكارا لوجودهم. فقد بات الجنرال هو الحامل الفيزيائي لقوة الشيخ وهو المعبّر غير المباشر عن الصلاحيات المفتوحة واللامنظورة لرجل الدين.

عندما كان العلوي يرزح تحت سلطة الجنرال، كان يمرر عباءة الشيخ فوق البزة العسكرية. والنجوم والنسور التي تعطي للكتفين صفة ودرجة الجنرال هي ذاتها البرزخ الذي يعبره المريد ليحقق الكفاءة الأعلى والدرجة السامية. ظن العلوي بأن أمن الجنرال استمرارٌ لأمن الشيخ، وأن عباءة الأخير تم حل خيوطها ونسج البزة الدالة للجنرال. عندما كان الضابط العلوي يتعامل بقسوة مفرطة مع العساكر في خدمتهم الإلزامية فيندر أن يثور واحد منهم أو يرد أو يدافع عن نفسه. فالجنرال المتوّج بالنجوم والنسور يمتزج بالشيخ حامل العصا طويل الذقن أو قصيرها. رزح العلوي التائه قرابة نصف قرن تحت مزيج الكلاشنكوف وقدس الأقداس. وشتائم الجنرال هي هي نصائح الشيخ وحكمته.

ضوابط الخدمة العسكرية وأدبياتها تتقاطع، في الصميم، مع آليات التأديب الديني عند العلوي التائه. فالجنرال سلطة يجب السمع والطاعة لها. والشيخ كذلك. وللجنرال درجة والشيخ كذلك. الجنرال محروس بعقيدة الجيش والدفاع عن الوطن، والشيخ محروس بقوة المقدس التي منحته مهمة التأديب السماوي. تحية للجنرال مثلها تقبيل يد الشيخ. نفذ ثم اعترض في الجيش هي هي لا تجادل في صميم المقدس. هكذا أصبح الجنرال سلطتين وقوتين ومستويين يتحرك بينهما العلوي التائه.

أصبح أداء الجنرال أسوة حسنة، وفي أي شيء يفعله. حتى عندما في بداية الثمانينيات من القرن الماضي عندما كان الجنرال يخبئ تحت البزة العسكرية علب المالبورو وزجاجات البلاك ليبل من لبنان الى سورية عبر الخط العسكري، كان أسوة للمساكين التائهين الذين لايجدون مايأكلونه سوى ورق الجريدة الرسمية. وكان هذا الجنرال يحوّل علب المالبورو وزجاجات الويسكي المهربة من لبنان الى أوراق نقدية يشتري فيها بيتا أو قصرا أو فيلا، حسب درجته وتصنيفه، كان العلوي التائه ينظر الى الشنرال ( نتفق على الدمج في كلمة واحدة مابين اسم الشيخ واسم الجنرال: شنرال) نظرة إعجاب وإكبار كأسوة وكنموذج. وكان الشنرال يسكن القصر والعلوي التائه يحرسه، يحرسه فقط.

ولأن العلوي التائه قد تم تذويبه كقطعة قصدير في علبة معدّة لحراسة عباءة الجنرال وبزة الشيخ (العكس مقصود طبعاً) فقد نجح في فهم نفسه حارسا للمقدس المسلَّح، بات سرّيا وغامضا وكتوما، وهو مايتقاطع، أيضا وأيضا، مع التقية القادمة من أدبيات الشيخ (!) تحول بفعل مزيج التقية المقدسة والكتمان السياسي الى وعي معزول عن محيطه، لايعرف إلا موعد استيقاظ الجنرال من النوم وموعد ركوبه السيارة أو موعد ذهابه الى لبنان.

الشيخ، أيام الجبال، يُنادى بـ "السيد". والجنرال، ايام المدينة، يُنادى بـ "السيد". هناك سيدي. وهنا سيدي. هناك تقبيل اليد وهنا التحية العسكرية. إذن، كل شيء متاح لأن يدخل العلوي التائه في مدينة التذويب الإرادي للشخصية. أخذ السيد مالبورو لبنان وإسمنت سورية وسيارات قيادة الأركان. بينما العلوي التائه يزداد كتماناً وغموضا وتفككاً وجوعاً. ولأن الشنرال ضمن لعبة المزج مابين العباءة والبزة، فإن إصبع العلوي التائه لم تتزحزح لحظة واحدة عن الزناد. كل شيء جاهز لإطلاق النار.

يعود العلوي التائه الى القرية: ذقن طويلة على طريقة الميليشيا المسلحة وليس على طريقة الجيش النظامي. كان يرى في ذقن باسل الأسد، الابن الراحل للرئيس الراحل حافظ الأسد، أول من أسس للشنرالية (نذكّر بمزج الجنرال بالشيخ) كان أيضا يرى في ذقن باسل تذكيرا باطنيا بذقن الشيخ، فأصبحت عادة لدى العلوي التائه من نهاية الثمانينات في القرن الماضي أن يتم تطويل ذقن العسكري المميّز (المدعوم). كل ذقن طويلة لعسكري تعني أنه يتمكن من تهريب المالبورو من لبنان الى سوريا، وتعني أنه مفوّض بصلاحيات مفتوحة.

اكتملت عناصر المزج بين الجنرال والشيخ من السلطة الى الرتبة الى الذقن، والأجواء معدة تقريبا للدخول الى منطقة الحظر. فهناك أجزاء لم تكتمل بعد لإتمام عملية التطابق. فبعد هذا الابتلاع الجنرالي للشيخ، يجب أن يأتي الشنرال حاملا لصفات القداسة والتجسيد. لايمكن أن يتم النموذج بدون أن يحمل الشنرال الصفة الصوفية للتجسد، ذلك الذي له حساسية خاصة عند العلوي التائه الذي صُمِّم لتقبّل التجسد كطريقة مثلى للإيمان بالمقدس. وأي تجسّد أكمل من تجسد قوة المطلق في شخص الشنرال!

هنا، أصبح الشنرال، وفي شكل رسمي، تجسداً إلهيا يفهمه العلوي التائه جيدا. و لهذا لازالت أدبيات التحدث عن الشنرال المؤسس حافظ الأسد تتحدث عنه بصفته خالداً، ويُقال عنه حرفيا: الرئيس الخالد! وعلى الرغم مما لدى هذه الصفة المقدسة من حساسية مفرطة عند السُّنّي، كونها تعطي إسم الله للمخلوق، فإن العلوي التائه لم يرف له جفن باستخدامها. ذلك أن اسم الخلود الإلهي الممنوح للمخلوق الأسد، هو نفسه آلية التجسيد الديني في محفوظات العلوي التائه.

رغم أن منح إسم الخلود يكفي لإتمام عملية المزج الجنرالي الشيخي، ويمنحها اكتمالا مذهبيا صافيا، إلا أن الأمر لا يزال يحتاج الى حجر واحد لتتم عملية البناء: الغياب. قوة الغائب تأكيد على مطلق الحاضر، أو من كان حاضرا بالأمس. فصور الشنرال المؤسس الأب لاتزال الى جانب الشنرال الابن، وفي هذا دلالة الى زمن الغيبة وقوة حضور اللامرئيين. مع تعليق صورة الشنرال المؤسس اكتملت كل عناصر تذويب العلوي التائه وتحوله الى قصدير مذهبي تم تذويبه بعناية فائقة.

من الشنرال الى الدكتور

بعد اكتمال عناصر التأديب الإلهي ومنح صفة التجسد على الشنرال المؤسس، لم يعد من الممكن قبول التجسد بصفته فعلا عسكريا صافيا أو وحيدا. فلهذا جاء الوارث مضافا اليه صفة حساسة أيضا عند العلوي التائه وهي الطبيب أو الحكمة وتحديدا طبابة العين التي ترتبط رأسيا بمؤسس المذهب أبي عبدالله الحسين بن حمدان الخصيبي، فقد كان الآخر طبيبا وحقق اشتهارا بسبب هذه المهنة حتى إنه أقنع ملك الديلم بالانضمام الى مذهبه كونه شفاه وخلصه من مرضه. لهذا جمع له كتاباً سمّاها "الرأسباشية" تيمنا باسم ملك الديلم راسباش. ويعرف هذا الكتاب عند العلوي التائه باسم "مصحف التوحيد".

مع الشنرال الطبيب اكتملت حكاية العلوي التائه. يستطيع أن يرويها لنفسه ولأبنائه. ويستطيع من خلالها أن يذوّب قصدير الذات. فـ "الشركال" (مزيج ثلاثي للشيخ والجنرال والدكتور) يتمتع الآن بصلاحيات الخالد نفسه ويمارسها بحرية وشفافية مطلقة. الشنرال المؤسس خسف بحماه وحلب في ثمانينيات القرن الماضي، والشركال الإبن يخسف الآن في درعا واللاذقية ودمشق وادلب. وفي الحالين كان العلوي التائه يبحث عن فرصة لتقبيل يد الشيخ وتحية الجنرال وتعظيم الطبيب. لم تخرج مظاهرة علوية الى الآن تبرؤا من الشركال، فالشركال هو الخصيبي وهو الجنرال وهو الشيخ. لاقوة اجتماعية مذهبية في العالم يمكن لها أن تقاوم هذه المقدسات المجتمعة في عائلة الأسد من الشنرال الى الشركال. الشركاليون يجوبون سوريا الآن بحثا عن أعداء معبد الأسد، سيدمرون معابد الشمس ومعابد اخناتون انتصارا لمعابد القرداحة. والسّنّي الذي يُقتَل الآن في درعا وجبلة ودمشق هو عدو المعبد وخصم للشركالية وهو خطر على التجسد المتسلسل من الشيخ الى الجنرال الى الدكتور. لم تخرج مظاهرة علوية الى الآن تبرؤا من آل الأسد. والسبب واضح ببساطة: العلوي التائه يقيم في الكلاشنكوف وينظر الى زجاجات الويسكي المهربة من لبنان على أنها الهبة الإلهية التي كافأتِ السيد، كافأت الشيخ، كافأتِ الجنرال، منحت التجسد الإلهي للشركال. لايعرف العلوي التائه أن كل قطرة دم تسقط في درعا ستحوّل زجاجات الويسكي المهربة من لبنان الى علب دم بريء لن يبرئه أحدٌ منه. لا يعرف العلوي التائه الآن أن الشركال والشنرال سيذهبان في إجازة مفتوحة، بينما سيبقى هو وحده ينظر الى حذاء السيد كأفق لانهائي للقصدير الذائب.

لن يأتي الشركال ليدافع عنه، لايدافع سيدٌ عن عبده في اية ثقافة. وسيصحو العلوي التائه بعد تجرعه لكل زجاجات الويسكي على حقيقة ستدمّر له الهيكل الذي أسسه منذ نصف قرن: سيرى ممنوح القداسة عاجزاً، والمتجسّدَ رخواً، ومطق الصلاحية قزما يفتش عن مغارة في تلك الجبال التي لطالما حرست آخرين قبله. سيرى الشركال وحيدا ضعيفا جبانا قد يضحي بكل مريديه ليبقى هو على قيد الحياة.

•كاتب وصحافي سوري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق